(ص 649- 670)

الفصل الرابع والعشرين

حياة امير المؤمنين (ع) في عهد الخلفاء:

فترة الرصد والانتظار

 

مقدمة * نشاطات الامام (ع) سنة (11 _ 35 هـ): اولاً: العبادة والزهد. ثانياً: العمل السياسي: التقية. ثالثاً: العمل القضائي: الاستشارة. رابعاً: العمل الكسبي: الزراعة * نبذة عن عهد الخلفاء الثلاثة.

--------------------
 

مقدمة

تميّزت حياة الامام (ع) خلال فترة الترقّب والانتظار الممتدّة من السنة الحادية عشرة للهجرة وحتى السنة الخامسة والثلاثين منها، بنشاطات مختلفة في القدوة الدينية كالعبادات والقضاء والاستشارة والعمل الكسبي والزهد ونحوها. وقد توالى على السلطة في تلك الفترة ثلاثة خلفاء من قريش هم: ابو بكر (ابن ابي قحافة) (11 _ 13 هـ)، وعمر بن الخطاب (13 _ 23 هـ)، وعثمان بن عفان (23 _ 35 هـ).

 

نشاطات الامام (ع) (سنة 11 _ 35 هـ):

اذا كانت التقية التي عمل بها مولى الموحّدين قد منعته من الانشغال في مجريات الاوضاع السياسية السائدة آنذاك ، فانها لم تمنعه من الذوبان في العبادة والدعاء والتفكّر في الله عزّ وجلّ، والزهد بكل ما يحمله من مشاق. ولم تمنعه ايضاً من العمل الكسبي في الزراعة وحرث الارض ونقل الماء. وكان (ع) سدّاً منيعاً في ردّ الشبهات، وكان المرجع في ارجاع المعارف العامّة الى شريعة سيد المرسلين (ص) 

أولاً: العبادة والزهد:

كان الامام (ع) في تلك الفترة الحرجة يعيش أقصى حالات العبادة والزهد. يقول ابن ابي الحديد: «وأما العبادة فكان اعبد الناس واكثرهم صلاة وصوماً، ومنه تعلّم الناس صلاة الليل وملازمة الاوراد وقيام النافلة...»[1]. وإذا تأملنا دعواته ومناجاته ووقفنا على ما فيها من اجلال المولى عزّ وجلّ، لعرفنا ما انطوت عليه نفسه من القطع واليقين بالله والاخلاص له سبحانه وتعالى.

وكانت صلاته (ع) مطابقة لصلاة رسول الله (ص)، فليس فيها من البدع شيئاً، والى ذلك تشير رواية مطرف بن عبد الله، قال: «صليت انا وعمران بن حصين خلف علي بن ابي طالب فكان اذا سجد كبّر، واذا رفع رأسه كبّر، واذا نهض من الركعتين كبّر. فلما انصرفنا اخذ عمران يدي فقال: لقد صلّى صلاة محمّد، ولقد ذكّرني صلاة محمّد (ص)»[2].

وفي زهده (ع) قيل: «واما زهده رضي الله عنه فهو من الامور المشهورة التي اشترك في معرفتها الخاص والعام . واما ما رويناه عنه في مسند الامام احمد بن حنبل رحمه الله وغيره انه رضي الله عنه قال: لقد رأيتني وأني لأربط الحجر على بطني من الجوع، وان صدقتي لتبلغ اليوم اربعة آلاف دينار، وفي رواية اربعين الف دينار. فقال العلماء رحمهم الله: لم يرد _ رضي الله عنه _ به زكاة مال يملكه، وانما اراد الوقوف التي تصدّق بها وجعلها صدقة جارية، وكان الحاصل من غلّتها يبلغ هذا القدر. قالوا: ولم يدّخر رضي الله عنه قطّ ما لا يقارب هذا المبلغ ولم يترك حين توفي الا ستمائة درهم. وروينا انه كان عليه ازارٌ اشتراه بخمسة دراهم»[3].

فلا ريب ان يسمع عمار بن ياسر (رض) قول رسول الله (ص): «يا علي ، ان الله تعالى زيّنك بزينةٍ لم تزيّن العباد بزينة أحب الى الله تعالى منها، هي: زينة الابرار عند الله عزّ وجلّ، الزهد في الدنيا فجعلك لا ترزأ[4] من الدنيا شيئاً، ولا ترزأ الدنيا منك شيئاً، ووهب لك حبّ المساكين، فجعلك ترضى بهم اتباعاً ويرضون بك اماماً»[5].

وروي ايضاً ان علياً (ع) عوتب «على تقلله في الدنيا وشدة عيشه ، فبكى وقال: كان رسول الله (ص) يبيت الليالي طاوياً وما شبع من طعام ابداً. ولقد رأى يوماً ستراً موّشى على باب فاطمة (رض) فرجع ولم يدخل وقال: ما لي ولهذا؟ غيّبوه عن عيني، ما لي وللدنيا. وكان يجوع فيشدّ الحجر على بطنه، وكنت اشدّه معه. فهل أكرمه الله بذلك أم أهانه؟ فإن قال قائل: أهانه كذب ومرق. وان قال: أكرمه فيعلم ان الله قد أهان غيره حيث بسط له الدنيا وزواها عن اقرب الناس اليه واعزهم عليه حيث يخرج منها خميصاً، وورد الآخرة سليماً، لم يرفع حجراً على حجر ولا لبنة على لبنةٍ. ولقد سلكنا سبيله بعده. والله لقد رقّعت مدرعتي هذه حتى استحييت من راقعها. ولقد قيل لي: ألا تستبدل بها غيرها؟ فقلت للقائل: ويحك اعزب، فعند الصباح يحمد القوم السرى»[6].

روى احمد باسناده عن ابي مليكة قال: «لما ارسل عثمان الى عليّ رحمة الله عليهما في التعاقب وجده مئتـزراً بعبائة محتجزاً بعقال وهو يهنأ بعيراً له»[7].

وروى ايضاً باسناده عن عمرو بن قيس، قال: «قيل لعلي (ع) لِمَ ترقع قميصك؟ قال: يخشع القلب ويقتدي به المؤمن»[8].

وقال المعتزلي: «قيل لجعفر بن محمد (ع): ان قوماً ها هنا ينتقصون علياً (ع). قال: بمَ ينتقصونه...؟ وهل فيه موضع نقيصة؟ والله ما عرض لعلي (ع) أمران قطّ كلاهما لله طاعةٌ الا عمل بأشدّهما وأشقهما عليه. ولقد كان يعمل العمل كأنه قائم بين الجنة والنار، ينظر الى ثواب هؤلاء فيعمل له، وينظر الى عقاب هؤلاء فيعمل له. وان كان ليقوم الى الصلاة، فاذا قال: وجّهت وجهي، تغيّر لونه حتى يعرف ذلك في وجهه. ولقد أعتق الف عبد من كدّ يده، كلّهم يعرق فيه جبينه وتحفى فيه كفّه...»[9].

وبكلمة، فقد كانت عبادته حالة عقلية وروحية درج (ع) عليها منذ ان كان صبياً مع رسول الله (ص). فقد عبد الله سبحانه سراً وعلانية في الغار، وعبد الله سبحانه في الكعبة يوم كان ازلام قريش يصبون عليهما العذاب، وعبد الله عزّ وجلّ في ساحات الحروب الكبرى ضد الشرك. وليس عجيباً ان يستمر عليٌّ (ع)، بعد وفاة النبي (ص)، في عبادته المشهودة التي كانت تأخذ جلّ وقته وتفكيره.

ولا شك ان الزهد في الدنيا ملازمٌ للعبادة. فكلما ذاب العبد في التفكر في خالقه ومولاه عزّ وجلّ، كلما زهد في اموره الدنيوية المادية كاللباس والطعام والمال والملك. وهكذا كانت حياة علي (ع) مملوءة زهداً وصلاةً وتفكراً في الله جلّ وعلا. 

ثانياً: العمل السياسي: التقية

عندما ادرك الامام (ع) يقيناً بأن الخلافة الشرعية قد سلبت من اهلها يوم السقيفة، وان القوم جادّين في محاربته بالسيف _ ان لزم الامر _ استخدم (ع) التقية كرخصة شرعية لمواجهة الوضع الجديد[10]. والى ذلك صرح قائلاً: «والله ما منعني الجبن، ولا كراهية الموت. ولكن منعني عهد اخي رسول الله (ص) اذ قال: يا ابا الحسن ان الامة ستغدر بك، وتنقض عهدي، وانت مني بمنـزلة هارون من موسى، فقلتُ: ماذا تعد اليَّ يا رسول الله اذا كان ذلك؟ فقال: ان وجدت أعواناً فبادر اليهم وجاهدهم، وان تجد أعواناً فكفّ يدك واحقن دمك حتى تلحق بي مظلوماً. ثم قال: ان لي اُسوة بسبعة انبياء: أولهم نوح اذ قال: (... أنّي مَغلُوبٌ فانتَصِر)[11]. والثاني: ابراهيم الخليل حيث قال: (وأعتزلُكُم وما تَدعونَ مِن دونِ اللهِ...)[12]. والثالث: ابن خالته لوط الذي قال لقومه: (... لو أنَّ لي بِكُم قوَّةً أو آوي إلى رُكنٍ شديدٍ)[13]. والرابع: يوسف إذ قال: (... ربِّ السِّجنُ أحبُّ إليَّ ممّا يدعونني إليهِ...)[14]. والخامس: موسى حيث قال: (ففرَرتُ منكُم لمّا خِفتُكُم...)[15]. والسادس: هارون الذي قال: (... إنَّ القومَ استَضعَفوني وكادوا يَقتُلُونني...)[16]. والسابع: محمّد (ص) لما هرب من المشركين الى الغار».

ويشير (ع) ايضاً في خطبته الشقشقية: «وطفقتُ ارتئي بين ان اصول بيد جذاء (مقطوعة). او أصبر على طخية (ظلمة) عمياء يهرم فيها الكبير ويشيب فيها الصغير ويكدح فيها مؤمن حتى يلقى ربه. فرأيت ان الصبر على هاتا أحجى»[17].

وفي تلك النصوص التأريخية دلالات ظاهرة تدلّ على ان الامام (ع) رأى في السكوت الظاهري عن الولاية امراً شرعياً واجباً. وهذا يعبّر _ في بعض الوجوه _ عن اظهار فعلٍ مخالفٍ لما استقر عليه القلب من ايمان راسخ بالوظيفة الشرعية للمعصوم (ع) في ادارة المجتمع. وهو بذاته يعكس جوهر فكرة التقية. 

السكوت من اجل اعلاء كلمة الحق:

لقد وجد امير المؤمنين (ع) نفسه وحيداً بعد دفن النبي (ص)، حيث يقول في كتاب له الى اهل مصر: «فأمسكت يدي حتى رأيت راجعة الناس قد رجعت عن الاسلام، يدعون الى محق دين محمد (ص) فخشيت ان لم انصر الاسلام واهله ان أرى فيه ثلماً أو هدماً يكون المصيبة به عليَّ أعظم من فوت ولايتكم، التي انما هي متاعُ ايام قلائل، يزول منها ما كان كما يزول السراب، او كما يتقشّع السحاب. فنهضت في تلك الاحداث حتى زاح الباطل وزهق، واطمأن الدين وتنهنه»[18].

وهذه التقية من مولى الموحدين التي كان قوامها النهوض بعد زوال الباطل، كان هدفها حفظ الاسلام. لان الدين كان في خطر وهو لا يزال غضّاً جديداً، وحالة الانحراف والارتداد ممكنة. فآثر السكوت على مواجهة القوم. فكان سكوتاً من اجل اعلاء كلمة الحق. وهذا هو روح فكرة التقية في الاسلام.

ولقد كان الامام (ع) يعي دوره الخطير في حفظ شوكة الاسلام في وقت لم يكن الدين قد تمكن من نفوس الكثير من المسلمين الذين كانوا قريبي عهد بالاسلام. فلو ثار على الخط السياسي الجديد بعد سقيفة بني ساعدة لاصبحت تلك الثورة مدعاة لتشتت كلمتهم، وهم على ما هم عليه من ضعف في العقيدة وقلّة في العدد مع شدّة الاعداء من الروم والفرس.

وسكت (ع) عن حقّه الشرعي مدة خمس وعشرين سنة، وكان شعاره: «لاُسْلِمنَّ ما سلمت امور المسلمين، ولم يكن فيها جورٌ الا عليَّ خاصة، التماساً لاجر ذلك وفضله، وزهداً فيما تنافستموه من زخرفه وزبرجه»[19]. 

الدلالات التأريخية:

وفي تلك المواقف والاحداث دلالات، منها:

1 _ ان الامام امير المؤمنين (ع) كان يلمس واقعاً ان خروجه المسلّح على القوم فيه هدم لاركان الدين وشريعة سيد المرسلين (ص). فآثر سلوكاً خارجياً مخالفاً لما كان يعتقده ويحزم به من ايمان بالوصية الشرعية من قبل النبي (ص).

2 _ ان الاعتزال عن القوم او الهجرة المعبّر عنها بالهرب أو الفرار في ظروف استثنائية من اجل حقن الدم وحفظ العقيدة، كان قد عمل بها رسول الله (ص) وانبياؤه كنوح وابراهيم ولوط ويوسف وموسى وهارون عليهم السلام جميعاً. وعندما هاجر رسول الله (ص) من مكة الى المدينة، فانه (ص) كسر حاجز الخوف من المشركين. وهذه كلها حالات مؤقتة للخروج من الحالة الاستثنائية التي احدثها الظالم ضد المؤمنين. وما ان تكسرت قيود الظلم، حتى ارتفعت مبررات التقية.

3 _ ان الامام (ع) كان ينظر الى القضية الكلية للاسلام. فتقيته في قضية الولاية في عهد خلفاء قريش كانت تنبع من خشيته على ثلم الاسلام. خصوصاً وان النظام الجديد بعد وفاة النبي (ص) كان مرشّحاً لالحاق الضرر بمباني الاسلام في العقيدة والاحكام الشرعية.

وظيفة التقية:

نستلهم من قراءة التأريخ ان للتقية وظائف خطيرة نعرضها بالشكل التالي:

1 _ حفظ التوازن الاجتماعي بين الحق والباطل. فلو انتصر الباطل وليس هناك من يحفظ الايمان والولاء في القلوب لتحقق الهدف النهائي للظلم وهو: محق الدين ورسالة العدالة السماوية من الوجود. اذن، فان التقية تؤدّي لاحقاً، وبعد زوال الاكراه والظلم وتقليص دور الباطل، الى انسجام اجتماعي ينعم به الافراد في المجتمع، وتماسك اجتماعي بين القلة المضطَهدة زمن الاكراه.

2 _ ان مشروعية التقية تسلب جزءً من الهموم التأريخية الثقيلة التي يولّدها الاكراه الخارجي على الجماعة المُكرَهة. فاحساس تلك الجماعة في ذلك الظرف الاستثنائي بأنها تستطيع ان تحافظ على ايمانها قلبياً وتخفي، في الوقت نفسه، ايمانها بالولاية يساعدها على معايشة المحنة الصعبة معايشة واقعية. فهذه الرخصة الشرعية تجعل الجماعة تمارس حياة اجتماعية طبيعية في ظرف حالك، في الوقت الذي تخبيء فيه ايماناً قوياً بمبدأها. فموقفها مثل النار المشتعلة تحت ذلك الرماد الظاهري. وتلك وظيفة تأريخية مهمة للاجيال المتتالية، فما ان يزول الرماد حتى ترجع شعلة الايمان والولاء متّقدة في السلوك الخارجي للمؤمنين.

3 _ ان التقية تجرد الظالم من أحد أهمّ اركان ظلمه، وهي انها تضع للمظلوم املاً وتعلمه بأن وقت الظلم محدود ومؤقت، ولابد للاكراه من ان ينقضي وتنهار آثاره السلبية. وهذا الامل يجعل التيار الفكري للطائفة المضطَهدة جارياً ببطء وحذر، ولكنه غير منقطع، كما اراد الظالم ذلك. 

ثالثاً: العمل القضائي: الاستشارة

كان الامام (ع) متميزاً في ابداء مهمة القضاء بين الناس والتعامل مع الخصومات على ضوء فهمه الواسع لاحكام الشريعة وقواعد المعرفة الدينية، ووضوح الاسباب وتفتح ابواب العلم والمعرفة في قلبه وعقله (ع). ويدل على ذلك روايات، منها:

أ _ «أتى النبي (ص) ناسٌ من اليمن، فقالوا ابعث فينا من يفقّهنا في الدين، ويعلمنا السنن، ويحكم فينا بكتاب الله، فقال النبي (ص): انطلق يا عليّ الى اهل اليمن، ففقّههم في الدين وعلّمهم السنن واحكم فيهم بكتاب الله. فقلت: ان اهل اليمن قوم طغاة يأتوني من القضاء بما لا علم لي به. فضرب النبي (ص) على صدري، ثم قال: اذهب فان الله سيهدي قلبك ويثبت لسانك، فما شككت في قضاء بين اثنين حتى الساعة»[20].

وهذه الرواية ينبغي ان تقرن _ كمؤيد _ مع الروايات الواردة في تربية النبي (ص) لعلي (ع)، والتي اسهبنا في تحليلها في الفصول السابقة.

ب _ روى ابن حجر باسناده قال: «قال رسول الله (ص): أقضاكم علي (ع)»[21].

ج _ وعن ابي سعيد الخدري: «قال رسول الله (ص): ان اقضى امتي علي بن ابي طالب»[22]. وعن ابن مسعود، قال: «أفرض اهل المدينة واقضاها علي»[23].

ما نقله صاحب «مطالب السئول»:

ونقل صاحب كتاب «مطالب السئول في مناقب آل الرسول» كلاماً جميلاً في هذا الخصوص، لكنه لا يخلو من تأملات، ننقله مع رده ومناقشته، فقال: «نقل القاضي الامام ابو محمد الحسين بن مسعود البغوي في كتابه المسمى بالمصابيح مروياً عن انس بن مالك، ان رسول الله (ص) لما خصّ جماعة من الصحابة كل واحد بفضيلة، خصّ علياً (ع) بعلم القضاء فقال: وأقضاهم علي (ع) فقد صدع هذا بمنطوقه، وصرح بمفهومه. ان انواع العلم واقسامه قد جمعها رسول الله (ص) لعلي (ع) دون غيره فان كل واحد ممن خصّه رسول الله (ص) بفضيلة خاصة لم يتوقف حصول تلك الفضيلة على غيرها من الفضائل والعلوم. فانه (ص) قال: افرضهم زيد، وأقرأهم اُبيّ، واعلمهم بالحلال والحرام معاذ (!!)، ولا يخفى ان علم الفرائض لا يفتقر الى علم آخر، ومعرفة القراءة لا يتوقف على سواها، وكذلك العلم بالحلال والحرام.

بخلاف علم القضاء، فالنبي (ص) قد اخبر بثبوت هذه الصفة العالية لعلي (عليه السلام) مع زيادة فيها. فان صيغة (أفعل) يقتضي وجود اصل ذلك الوصف، والزيادة فيه على غيره. واذا كانت هذه الصفة العالية قد اثبتها له فتكون حاصلة. ومن ضرورة حصولها له ان يكون متّصفاً بها. ولا يتّصف بها الا بعد أن يكون كامل العقل، صحيح التميز، جيّد الفطنة، بعيداً عن السهو والغفلة. يتوصّل بتفضيله الى وضوح ما استكمل، وفصل ما اعضل، ذا عدالة تحجزه عن ان يحوم حول حمى المحارم، ومروءة تحمله على محاسن الشيم، ومجانبة الدنايا، صادق اللهجة، ظاهر الامانة، عفيفاً عن المحظورات، مأموناً في السخط والرضا، عارفاً بالكتاب والسنّة، والاتفاق والاختلاف، والقياس (!!) ولغة العرب بحيث يقدّم المحكم على المتشابه، والخاص على العام، والمبين على المجمل، والناسخ على المنسوخ، ويبني المطلق على المقيد. ويقضي بالتواتر دون الآحاد، وبالمسند دون المرسل، وبالمتصل دون المنقطع، وبالاتفاق دون الاختلاف... ليتوصل بها الى الاحكام.

فليس كل حكم منصوصاً عليه، ويعرف اقسام الاحكام من الواجب والمحظور والمندوب والمكروه. فهذه امور لا يصح اتصاف الانسان بعلم القضاء ما لم يحط بمعرفتها. ومتى فَقَدَ علمه بها لا يصلح للقضاء، ولا يصلح اتصافه به.

فظهر لك _ ايّدك الله تعالى _ ان رسول الله (ص) حيث وصف علياً بهذه الصفة العالية بمنطوق لفظه المثبت له فضلاً، فقد وصفه بمفهومه بهذه العلوم المشروحة المتنوعة. الاقسام فرعاً واصلاً.

وكفى بذلك دلالة لمن خصّ بهدية الهداية قولاً وفعلاً على ارتقاء علي (ع) في مناهج معارج العلوم الى المقام الاعلى، وضربه في اعتناء الفضائل المجزاة بالتساهم بالقدح المعلى حصول هذه المناقب والآلاء. وشمول هذه المطالب السنية الحاصلة لعلي (ع) من مواد علم القضاء كان مناط افاضة انوارها عليه، ان رسول الله (ص) قبل ذلك لما انتدبه وانتضاه، وآثره وارتضاه، وفوض اليه قضاء اليمن وولاه أحجم احجاماً. فلما أحسّ رسول الله (ص) ذلك منه اخبره بان الله عزّ وعلا سيرزق قلبه الهدى والثبيت له من الله تعالى، فلن يضل ابداً.

فمن ذلك ما نقله الامام ابو داود سليمان بن الاشعث في مسنده يرفعه بسنده ال علي (ع) قال: ارسلني رسول الله (ص) الى اليمن قاضياً، فقلت: يا رسول الله، ترسلني وانا حديث السن ولا علم لي بالقضاء. فقال لي رسول الله (ص): ان الله سيهدي قلبك ويثبت لسانك، فاذا جلس بين يديك الخصمان فلا تقضين حتى تسمع من الآخر كما سمعت من الاول، فانه أحرى ان يبين لك القضاء. قال: فما زلت قاضياً وما شككت في قضاء بعد. فهبت عليه النسمات الالهية من العناية النبوية بألطاف التأييد ونزل عليه الملكان الموكلان بالمحقين، فألبساه رداء التوفيق والتسديد. فوفرت حقائق علم القضاء في صدره، حتى ما على احاطته بهما من مزيد، وأثمرت حدائق فضائله، فنخلها بالمعرفة باسقات ذوات طلع نضيد.

فلما رسخ علمه (ع) بمواد القضاء رسوخاً لا تحركه الهواب، ورسى قدم فهمه في قواعد معرفته بحيث لا يعترضه الاضطراب ، وصفه رسول الله (ص) بقوله: اقضاكم علي، اذ وضحت لديه الاسباب، وتفتحت بين يديه الابواب، وشرحت له السنن والآداب، حتى قال رسول الله (ص): ليهنئك العلم أبا الحسن، لقد شربت العلم شرباً، ونهلته نهلاً»[24].

نقد فكرة تفكيك علم الامام (ع):

يشمل علم الامام (ع) كل ما يتعلق بالشريعة من امور. ذلك ان النقص في علم الامام (ع) يعكس نقصاً في توصيل الشريعة الى الناس بعد غياب النبي (ص). وهذا ما لا يمكن قبوله بأي حالٍ من الاحوال. وقد كانت حياة امير المؤمنين (ع) مصاديق واضحة لشمولية علم الامام (ع) وتكامله. فهنا نقاط:

1 _ مع ان القضاء يتطلب التوصل الى معرفة الاحكام الشرعية، الا ان تخصيص الامام (ع) بعلم واحد دون بقية العلوم، انتقاص لقدرة امير المؤمنين (ع) في الادراك الذهني الهائل الذي كان يمتلكه. فهذا الشنقيطي يقول عنه (ع): «ولاجل ما خصّه الله تعالى به من فهم دقائق العلم بسرعة، احتاج اجلاء الصحابة لحله للعويصات»[25]. وهنا لم يخصص العلم بالقضاء، بل قصد به مطلق العلم.

فكيف يستقيم ذلك اذن، مع الادعاء بأن زيداً افرضهم (أي اكثرهم علماً بالارث)، وابيّ أقرأهم، ومعاذ اعلهم بالحلال والحرام!! وأقلّ ما يقال ان في كلام صاحب «مطالب السئول» حلقة مفقودة لا يمكن العثور عليها، الا بارجاع مطلق علوم الدين الى علي (ع)، وهو القائل: «سلوني قبل ان تفقدوني، فاني بطرق السماء اعلم من طرق الارض»[26].

2 _ اذا كان يقصد من الاعلمية في «القضاء» والكفاءة في الحكم بين المتخاصمين، العدالة المطلقة التي تحجزه عن المحارم، فهذا مقبول عند اهل العلم. الا ان العلم بالحلال والحرام والعلم بالفرائض يحتاجان الى عدالة ايضاً في نقلهما الى الناس. وتخصيص عدالته في «القضاء» اذن لا مبرر له، الا اللهم كان يراد منه ما هو اعم من القضاء بين المتخاصمين وهو الولاية على الامة. ولا شك ان الولاية تتضمن قضاءً لتحديد طبيعة الحقوق والواجبات. فيكون هذا اقرب الى الصواب.

3 _ ان علياً (ع) كان اقضاهم، في الوقت الذي كان فيه افقههم واشجعهم وازهدهم واعلمهم بأمور الدين وخفايا القرآن. بل كان افرضهم واقرأهم وأعلمهم بالحلال والحرام. وهنا لا يمكن تفكيك علم الامام (ع)، وقد قال فيه رسول الله (ص): «انا مدينة العلم، وعلي بابها. فمن اراد المدينة فليدخل من الباب». وهو قول فيه دلالات عظيمة على اطلاق العلم وعلى عمق ادراك علي (ع) لاحكام الدين والشريعة. ولو كان للبعض ذرة من علم علي (ع) لقرأناه من خلال الروايات. الا ان ذلك لم يتم ولن يتسنى لاحد ان قرأ حل المعضلات علي يدي زيد او ابيّ او معاذ، كما قرأناها لعلي (ع).

النتيجة:

وفي النتيجة ان عمل الامام (ع) في القضاء لم يكن عملاً رسمياً، اذا صح التعبير، بل كان عملاً استشارياً. فقد كان (ع) _ وعندما يعجز القوم عن حل المعضلات الشرعية _ يُستشار فيعطي رأي الشريعة في ذلك. ولذلك كان ذلك العمل محدوداً بحدود عجز القوم عن فهم احكام الشريعة، والا فهو لم يكن قاضياً زمن الخلفاء الثلاثة كما يتبادر الى الذهن اول مرة.

أقسام قضاء الامام (ع):

ويمكن تقسيم قضائه (ع) زمن الخلفاء الثلاثة الى ستة اقسام، وهي: فيما يتعلق بالملكية، والقضايا الاخلاقية، والقصاص، والجنايات الاجتماعية، وفي قضايا العقائد ومبهمات الامور، والعبادات، وفي قضايا الحرب.

1 _ فيما يتعلق بالملكية:

ينظر الاسلام الى الملكية نظرة خاصة، ويرتب على انتهاكها عقوبات شديدة. ذلك لان ضمان سلامة حقوق الناس من تعدي الآخرين تعتبر من اهم اسباب استقرار المجتمع الانساني. ولذلك كان (ع) يشارك في حلّ معضلات العقوبات الجنائية الخاصة بالملكية. وقد انتخبنا لذلك اربع روايات:

أ _ «أُتي عمر بن الخطاب برجل أقطع اليد والرجل قد سرق، فأمر به عمر ان تقطع رجله [الثانية]، فقال علي (ع): انما قال الله تعالى: (إنَما جَزاءُ الذينَ يُحارِبُونَ اللهَ ورَسُولَهُ ويَسعَونَ في الأرضِ فَساداً أن يُقتَّلُوا أو يُصلَّبوا أو تٌقطَّعَ أيديهم وأرجُلهم مِن خِلافٍ...)[27]. فقد قطعت يد هذا ورجله، ولا ينبغي ان تقطع رجله [الثانية] فتدعه ليس له قائمة يمشي عليها. اما ان تعزره واما ان تستودعه السجن. قال: فاستودعه السجن»[28].

ب _ «ان اول جد ورث في الاسلام عمر بن الخطاب. مات ابن فلان بن عمر، فأراد عمر ان يأخذ المال دون اخوته، فقال له علي وزيد (رض): ليس لك ذلك. فقال عمر: لولا ان رأيكما اجتمع لم أرَ أن يكون ابني ولا اكون اباه»[29].

ج _ «حبان بن منقذ كانت تحته امرأتان: هاشمية وانصارية، فطلق الانصارية ثم مات على رأس الحول. فجاءت الانصارية وقالت: لم تنقضِ عدتي. فارتفعوا الى عثمان. وقال: ليس لي به علمٌ. فارتفعوا الى علي (ع)، فقال علي: تحلفين عند منبر رسول الله (ص) انك لم تحيضي ثلاث حيضات فلك الميراث. فحلفت واُشركت في الميراث»[30].

د _ استودع رجلين امرأة من قريش «مائة دينار وامراها ان لا تدفع الى واحد منهما دون صاحبه، فأتاه احدهما فقال: ان صاحبي قد هلك فادفعي اليَّ المال، فأبت فاستشفع اليها، ومكث يختلف اليها ثلاث سنين، فدفعت اليه المال. ثم جاء اليها صاحبه، فقال: اعطيني مالي فقالت له: قد اخذه صاحبك. فارتفعوا الى عمر. فقال له عمر: الك بيّنة؟ فقال: هي بيّنتي. قال: ما اراكِ الا ضامنة. فقالت: انشدك الله الا ما رفعتنا الى علي بن ابي طالب (ع). فرفعها اليه فأتوه في حايط (أي بستان) له وهو يسبل الماء وهو مؤتزر بكساء، فقصّوا عليه القصة. فقال (ع) للرجل: إتيني بصاحبك وعليَّ متاعك»[31]. وفي رواية اخرى، قال علي (ع): «هذه الوديعة عندي وقد امرتماها ان لا تدفعها الى واحد منكما حتى تجتمعا عندها فأتني بصاحبك». ولم يضمنها (أي لم يحمل المرأة مسؤولية الضمان، وهو خلاف ما حكم به عمر). 

2 _ القضايا الاخلاقية:

ومع ان الاسلام تعامل تعاملاً جدياً في معالجة الانحرافات الاخلاقية كالزنى ونحوه، الا ان ذلك التعامل كان عادلاً ايضاً. فالقاعدة هي ان الاسلام وضع العقوبات لمعالجة الجرائم الاخلاقية ضمن حدود العقل والبلوغ والارادة. ومن كان خارج تلك الدائرة، فليس من العدالة معاقبته. وقد وقع الخلفاء في اخطاء شرعية فادحة كادت ان تغير ملاكات الاحكام الشرعية، ولكن وجود الامام (ع) ومساهمته في تثبيت الحق حفظ الشريعة واحكامها. وفي ذلك انتخبنا اربع روايات:

أ _ «أُتي عمر بن الخطاب بامرأة مجنونة حبلى قد زنت، فاراد ان يرجمها، فقال له علي امير المؤمنين (ع): او ما سمعت ما قال رسول الله؟ قال: وما قال؟ قال: قال رسول الله (ص): رفع القلم عن ثلاثة: عن المجنون حتى يبرأ، وعن الغلام حتى يحتلم، وعن النائم حتى يستيقظ. قال: فخلى عنها»[32].

ب _ «لما كان في ولاية عمر أُتي بامرأة حامل سألها عمر عن ذلك، فاعترفت بالفجور. فأمر بها عمر ان ترجم، فلقيها علي بن ابي طالب (ع) فقال: ما بال هذه المرأة؟ فقالوا: أمر بها عمر ان ترجم فردها علي (ع) فقال له: أمرت بها ان ترجم؟ فقال: نعم، اعترفت عندي بالفجور. فقال (ع): هذا سلطانك عليها، فما سلطانك على ما في بطنها؟ ثم قال له علي (ع): فلعلك انتهرتها او أخفتها؟ فقال عمر: قد كان ذلك. قال علي (ع): أو ما سمعت رسول الله (ص) يقول: لا حدَّ على معترف بعد البلاء، انه من قُيدت او حُبست او تهددت فلا اقرار له، فخلّى عمر سبيلها...» [33].

ج _ «أُتي عمر بامرأة قد ولدت لستة اشهر، فهمّ ان يرجمها، فبلغ علياً (ع)، فقال: ليس عليها رجم. فبلغ ذلك عمر فأرسل اليه يسأله. فقال علي (ع): (والوالِداتُ يُرضِعنَ أولادهُنَّ حَولَينِ كامِلَينِ لِمَن أرادَ أن يُتِمَّ الرَّضاعَةَ...)[34]، وقال: (... وحَملُهُ وفِصالُهُ ثَلاثونَ شَهراً)[35]. فستة اشهر حمله، وحولين تمام الرضاعة، لا حدَّ عليها. قال: فخلى سبيلها...»[36].

د _ «كان عمر بن الخطاب يعس بالمدينة ذات ليلة فرأى رجلاً وامرأة على فاحشة. فلما اصبح قال للناس: أرأيتم ان اماماً رأى رجلاً وامرأة على فاحشة فأقام علهما الحدّ، ما كنتم فاعلين؟ قالوا: انما انت امام، فقال علي بن ابي طالب: ليس ذلك لك، اذن يقام عليك الحد، ان الله لم يأمن على هذا الامر [أقلّ] من اربعة شهداء...»[37]. 

3 _ القصاص:

ولم نعثر على رواية تدلّ على ان الامام (ع) عالج مشلكة القصاص في تلك الفترة، أي من السنة 11 للهجرة وحتى سنة 35 هـ. وهذا يقرّبُ أحدُ احتمالين:

الاول: ان المسلمين كانوا مشغولين في حروب خارج المدينة، منها حروب ضد الذين قيل انهم امتنعوا عن دفع الزكاة وحروب العراق وفارس والروم. وفي اجواء ينشغل الناس فيها بالحروب، مع وجود حكم العقوبة، تتدنى مستويات القتل العمد او الاعتداء بالقطع والجرح.

الثاني: ان مشاكل مجتمع المدينة كانت تتركز على قضايا شرب الخمر وارتكاب الفاحشة. وهي على قلّتها تعكس ان شريحةً من مجتمع المدينة كانت تبحث عن المتعة والانس ولا تكترث كثيراً للعنف والعنف المضاد.

وكلا الاحتمالين كانا قائمين، ولا نستطيع ترجيح احدهما على الآخر لفقدان القرائن التأريخية. 

4 _ جنايات اجتماعية:

يعدّ شرب الخمر من الانحرافات السلوكية الاجتماعية التي لم يسمح بها الاسلام. ووعد مرتكبيها عقوبة شديدة وهي ثمانين جلدة. وكان شرب الخمر منتشراً في الجاهلية، بحيث ان معالجة مشكلة تناول الخمر لا تتم الا عن طريق الزام ديني تدريجي حاسم. والا، فان المشكلة لا يمكن علاجها. وهكذا كان، فقد عالجها الاسلام بحكمة تشريعاته، فانحصرت عندئذٍ في شريحة منحرفة كانت تحاول التحايل بشتّى الطرق من اجل الاستمرار في تناول ذلك السائل المحرَّم. وفي ذلك ثلاث روايات. وقد اضفنا رواية خاصة باختلال في عملية الزواج والطلاق والعدّة، واعتبرناها من الجنايات الاجتماعية. فهنا اربع روايات:

أ _ «شَرِبَ قوم الخمرَ بالشام، وعليهم يزيد بن ابي سفيان في زمن عمر. فقال لهم يزيد: هل شربتم الخمر؟ فقالوا: نعم. شربناها، وهي لنا حلال. فقال: أو ليس قال الله عزّ وجلّ: (يا أيُّها الذينَ آمَنوا إنَّما الخَمرُ والمَيسِرُ والأنصابُ والأزلامُ رِجسٌ مِن عَمَلِ الشيطانِ فاجتنبُوهُ لعلَّكُم تُفلِحونَ . إنَّما يُريدُ الشيطانُ أن يُوقِعَ بَينَكُمُ العَداوَةَ والبغضاءَ في الخَمرِ والمَيسِرِ ويَصدكُّم عن ذِكرِ اللهِ وعَنِ الصلاةِ فَهل أنتُم مُنتَهونَ . وأطيعوا اللهَ وأطيعوا الرسولَ واحذَروا فإن تولّيتُم فاعلموا أنَّما على رسولنا البلاغُ المُبينُ)[38]. حتى فرغ من الآية، فقالوا: اقرأ التي بعدها، فقرأ: (ليسَ على الذينَ آمَنوا وعَمِلوا الصالِحاتِ جُناحٌ فيما طَعِموا إذا ما اتَّقَوا وآمَنوا وعَمِلُوا الصالِحاتِ ثمَّ اتَّقوا وآمَنوا ثُمَّ اتَّقَوا وأحسَنوا واللهُ يُحِبُّ المُحسِنينَ)[39]. فنحن الذين آمنوا وأحسنوا.

فكتب بأمرهم الى عمر، فكتب اليه عمر: إن اتاك كتابي هذا ليلاً فلا تصبح حتى تبعث بهم اليَّ، وإن اتاك نهاراً فلا تمس حتى تبعث بهم اليَّ.

قال: فبعث بهم اليه ، فلما قدموا على عمر سألهم عمّا كان سألهم يزيد وردّوا عليه كما ردّوا على يزيد. فاستشار فيهم اصحاب النبي (ص) فردّوا المشورة اليه. قال: وعلي (ع) حاضر في القوم ساكت. فقال: ما تقول يا ابا الحسن؟ فقال امير المؤمنين (ع): انهم قوم افتروا على الله الكذب، وأحلّوا ما حرّم الله، فأرى ان تستتيبهم، فان ثبتوا وزعموا ان الخمر حلال، ضربتَ اعناقهم. وان هم رجعوا، ضربتهم ثمانين ثمانين بفريتهم على الله عزّ وجلّ. فدعاهم فأسمعهم مقالة علي (ع) فقال: ما تقولون؟ فقالوا: نستغفر الله ونتوب اليه، ونشهد ان الخمر حرام، وانما شربناها ونحن نعلم انها حرام، فضربهم ثمانين ثمانين جلدة»[40].

ب _ روى الشيخ المفيد (ت 413 هـ) عن رجال من العامة والخاصة: «ان رجلاً رفع الى ابي بكر، وقد شرب الخمر، فأراد ان يقيم عليه الحدّ. فقال له: اني شربتها ولا علم لي بتحريمها، لانّي نشأت بين قوم يستحلّونها، ولم أعلم بتحريمها حتى الآن.

فأرتجّ على ابي بكر الامر بالحكم عليه، ولم يعلم وجه القضاء فيه. فأشار عليه بعض من حضر ان يستخبر امير المؤمنين (ع) عن الحكم في ذلك. فأرسل اليه من سأله عنه ، فقال امير المؤمنين (ع): مُر رجلين ثقتين من المسلمين يطوفان به على مجالس المهاجرين والانصار ويناشدانهم: هل فيهم احدٌ تلا عليه آية التحريم او اخبره بذلك عن رسول الله (ص). فإن شهد بذلك رجلان منهم فأقم الحدّ عليه، وان لم يشهد احدٌ بذلك فاستتبه وخلّ سبيله. ففعل ذلك ابو بكر، فلم يشهد احد من المهاجرين والانصار انه تلا عليه آية التحريم، ولا أخبره عن رسول الله (ص) بذلك فاستتابه ابو بكر وخلى سبيله وسلّم لعلي (ع) في القضاء به»[41].

ج _ «ان عمر بن الخطاب استشار في الخمر يشربها الرجل، فقال له علي بن ابي طالب: نرى ان نجلده ثمانين، فانه اذا شرب سكر، واذا سكر هذى، واذا هذى افترى، فجلد عمر في الخمر ثمانين»[42].

د _ «أُتي عمر الخطاب بامرأة تزوجت في عدتها فأخذ مهرها فجعله في بيت المال وفرّق بينهما، وقال: لا يجتمعان، وعاقبهما. قال: فقال علي (رض): ليس هكذا ولكن هذه الجهالة من الناس. ولكن يفرّق بينهما، ثمّ تستكمل بقية العدة من الاول ثمّ تستقبل عدة اُخرى. وجعل لها على المهر بما استحلّ من فرجها. قال: فحمد الله عمر (رض) وأثنى عليه، ثمّ قال: يا ايها الناس ردّوا الى السنّة»[43]. 

5 _ في قضايا العقائد ومبهمات الامور:

ولما كان الاسلام ديناً جديداً يافعاً بالنسبة للاديان السماوية الاخرى، فقد كانت عملية اثارة الاسئلة المعقدة او المحرجة وإثارة الشكوك امراً طبيعياً من قبل الاعداء. وكان لابد لامام معصوم مثل علي (ع) ان يتواجد على الساحة الاجتماعية والفكرية من اجل ردّ تلك الشبهات والشكوك والاسئلة المعقدة. وفي ذلك روايتان تتضمنان لوناً من تلك الاسئلة:

أ _ «سأل رسول ملك الروم ابا بكر عن رجلٍ لا يرجوا الجنة ولا يخاف النار، ولا يخاف الله، ولا يركع ولا يسجد، ويأكل الميتة والدم، ويشهد بما لا يرى، ويحبّ الفتنة ويبغض الحق. فلم يجبه. فقال عمر: ازددت كفراً الى كفرك. فأخبر بذلك علي (ع).

فقال: هذا رجلٌ من اولياء الله.

لا يرجوا الجنة ولا يخاف النار ولكن يخاف الله.

ولا يخاف الله من ظلمه وانما يخاف من عدله.

ولا يركع ولا يسجد في صلاة الجنائز.

ويأكل الجراد والسمك ويأكل الكبد.

ويشهد بالجنة والنار وهو لم يرهما.

ويحب المال والولد: (... إنَّما أموالُكُم وأولادُكُم فِتنَةٌ...)[44].

ويكره الموت وهو حق»[45].

ب _ «اقبل يهودي بعد وفاة النبي (ص) حتى دخل المسجد، فقال: أين وصي محمّد؟ فأشار القوم الى ابي بكر، فوقف عليه. وقال: اني اريد ان أسألك عن اشياء لا يعلمها الا نبي او وصي نبي. قال ابو بكر: سل عما بدا لك. قال اليهودي: أخبرني عما ليس لله وعما ليس عند الله، وعما لا يعلم الله.

فقال ابو بكر: هذه مسائل الزنادقة، وهمّ ابو بكر والمسلمون باليهودي. فقال ابن عباس: ما أنصفتم الرجل. فقال ابو بكر: أما سمعت تكلم به؟ فقال ابن عباس: ان كان عندكم جوابه، والا فاذهبوا به الى من يجيبه، فاني سمعت رسول الله (ص) يقول لعلي بن ابي طالب: اللهم اهد قلبه وثبت لسانه. قال: فقام ابو بكر ومن حضره حتى أتوا امير المؤمنين (ع) فاستأذنوا عليه.

وقال ابو بكر: يا ابا الحسن، ان هذا اليهودي سألني عن مسائل الزنادقة. فقال علي (ع): وما تقول يا يهودي؟ فقال: أسألك عن أشياء لا يعلمها الا نبي او وصي نبي. فقال له: قل يا يهودي. فردّ اليهودي المسائل.

فقال علي (ع): اما ما لا يعلمه الله عزّ وجلّ، فذلك قولكم _ يا معشر اليهود _ ان عزيراً ابن الله، والله لا يعلم لنفسه ولداً.

واما قولك: أخبرني عما ليس لله، فليس له شريك.

وفي غير هذه الرواية: واما قولك عما ليس عند الله، فليس عند الله فقر ولا جور.

فقال اليهودي: اشهد ان لا اله الا اله، وأنّ محمّداً رسول الله، وأشهد أنك وصيّ الله. وقال المسلمون لعلي بن ابي طالب: يا مفرّج الكرب»[46]

6 _ العبادات:

اشرنا في اكثر من موضوع في هذا الكتاب، الى ان المعصوم (ع) من نبي او امام قادر على ادراك ملاكات الاحكام التعبدية. ذلك لان احكام العبادات توقيفية، بمعنى ان صحتها تتوقف على النص لا على ما هو راجح عقلاً. ومن هذا المنطلق كان دور الامام امير المؤمنين (ع) في تلك الفترة استثنائياً في توضيح احكام الشريع، لان الخلفاء لم يكونوا قادرين على النهوض لأداء تلك المهمة الاستثنائية.

فالاحكام الشرعية المتعلقة بالعبادات بالخصوص، مثلها مثل الثوابت المنطقية التي لا تتأثر بالمتغيرات ولا تقبل التبعيض او التجزيء او الالغاء. فهي توقيفية، وثابتة بثبوت الجوهر والصفة. فكان مناسباً للامام (ع) على ما كان عليه الوضع السياسي آنذاك، ان يرشد الامة الى احكامها الشرعية الواقعية. وفي ذلك ثلاث روايات:

أ _ قال الشنقيطي: «ولا جل ما خصه الله تعالى به من فهم دقائق العلم بسرعة احتاج أجلاء الصحابة لحلّه للعويصات، فكانوا يحيلون الاسئلة الصعبة عليه فيجيب فيها بالصواب على البديهة. فلذلك لما جاءه عمر سائلاً وقال: ان هؤلاء اصابوا بيض نعام وهم محرمون... قال علي (ع): يضربون الفحل قلائص[47] أبكاراً بعدد البيض، فلما نتج منها أهدوه[48]. قال عمر: فان الابل تخدج[49]. قال علي (ع): والبيض يمرض. فلما ادبر، قال عمر: اللهم لا تنـزل بي شدة الا وابو الحسن الى جنبي»[50].

ب _ «حج عثمان بن عفان، فحج عليٌّ معه. قال: فأتى عثمان بلحم صيد صاده حلال، فأكل منه ولم يأكل علي. فقال عثمان: والله ما صدنا ولا اُمرنا ولا اشرنا. فقال علي (ع): (... وحُرِّمَ عليكُم صَيدُ البَرِّ ما دُمتُم حُرُماً...)[51].

وعن صبيح بن عبد الله العبسي قال: بعث عثمان بن عفان أبا سفيان بن الحارث على العروض، فنـزل قديداً[52]، فمرّ به رجل من اهل الشام مع باز وصقر. فاستعاره منه فاصطاد به من اليعاقيب[53]، فجعلهن في حظيرة. فلما مرّ به عثمان طبخهنّ ثم قدمهن اليه. فقال عثمان: كلوا. فقال بعضهم: حتى يجيء علي بن ابي طالب.

فلما جاء، فرأى ما بين ايديهم، قال علي (ع): انا لن نأكل منه. فقال عثمان: ما لك لا تأكل؟ فقال: هو صيد ولا يحلّ أكله وانا محرم. فقال عثمان: بيّن لنا. فقال علي (ع): (يا أيُّها الذينَ آمَنوا لا تًقتُلُوا الصَيدَ وأنتُم حُرُمٌ...)[54]. فقال عثمان: أو نحن قتلناه؟ فقرأ عليه: (أُحِلَّ لَكُم صَيدُ البَحرِ وطعامُهُ مَتاعاً لَكُم وللسيّارَةِ وحُرِّمَ عليكُم صَيدُ البرِّ ما دُمتُم حُرُماً..)[55]»[56].

ج _ ذكرنا هذه الرواية في مكان آخر، وهي ان الراوي قال: «صليتُ أنا وعمران بن حصين خلف علي بن ابي طالب فكان اذا سجد كبّر، واذا رفع رأسه كبّر، واذا نهض من الركعتين كبّر. فلما انصرفنا اخذ عمران يدي فقال: لقد صلى صلاة محمد، ولقد ذكّرني صلاة محمد (ص)»[57].

7 _ في قضايا الحرب:

واهمها الاستشارة التي طلبها عمر بن الخطاب في الشخوص لقتال الفرس بنفسه. وكان جوابه (ع) جواباً شرعياً يحمل صدق المحتوى وبلاغة الاسلوب، وكان (ع) ينظر الى مصلحة الاسلام بالدرجة الاولى، بالرغم مما حصل في السقيفة. فقال (ع):

«إنّ هذا الأمرَ لم يكن نصرُهُ ولا خذلانُه بكثرةٍ ولا بِقلّةٍ. وهو دينُ اللهِ الذي اظهرَهُ، وجندُهُ الذي أعدَّهُ وأمدَّهُ، حتى بلغَ ما بلغ، وطلَعَ حيثُ طلع. ونحنُ على موعودٍ من اللهِ، واللهُ منجزٌ وعدَهُ، وناصِرٌ جُندَهُ.

ومكانُ القيم بالامر (أي القائم به) مكانُ النظام[58]ِ من الخرَزِ يجمعه ويضُمُّه. فإن انقطَعَ النظام تَفرَّقَ وذَهَب، ثم لم يجتمع بحذافيره[59] ابداً. والعربُ اليومَ وإن كانوا قليلاً، فهم كثيرونَ بالاسلامِ، عزيزون بالاجتماعِ.

فكُن قطباً، واستدرِ الرحا بالعرب، وأصلِهم دونَكَ نارَ الحربِ، فإنَّكَ إن شَخصتَ (أي خرجت) من هذه الارض انقضت عليكَ العربُ من اطرافِها واقطارها، حتى يكونَ ما تدعُ وراءَكَ من العوارتِ أهمَّ اليك مما بين يديك.

ان الاعاجمَ إن ينظروا اليك غداً يقولوا: هذا أصلُ العربِ، فإذا اقتطعتموهُ استرحتم، فيكون ذلكَ أشدَّ لكلبِهم عليك، وطمعهم فيكَ.

فاما ما ذكرتَ من مسيرِ القومِ الى قتال المسلمين، فإن الله سبحانه هو اكرَهُ لمسيرهم منكَ، وهو أقدرُ على تغيير ما يكرَهُ.

واما ما ذكرتَ من عددهم، فانا لم نكن نُقاتلُ فيما مضى بالكثرة، وانما كنّا نقاتلُ بالنصرِ والمعونة»[60].

(تليها ص 671- 690)

 

اللاحق         السابق          صفحة التحميل         الصفحة الرئيسية


 

[1]  «شرح نهج البلاغة» ج 1 ص 9.

[2] «انساب الاشراف» ص 180 حديث 210. رواه البلاذري باسناده عن مطرف بن عبد الله.

[3]  «معارج العلى في مناقب المرتضى» - محمد صدر العالم. ص 197. مخطوط.

[4]   ترزأ: من الرزية أي المصيبة. ويقال: رزأته انا اذا أصبته بمصيبة (المصباح المنير ج 1 ص 273).

[5]  «حلية الاولياء» ج 1 ص 71. رواه ابو نعيم باسناده عن الاصبغ بن نباتة قال سمعت عمار بن ياسر يقول. ورواه المتقي الهندي في «كنـز العمال» ج 11 ص 626.

[6]  «تذكرة الخواص» ص 117.  رواه سبط ابن الجوزي باسناده عن ابي أعور.

[7]  كتاب «الزهد» - احمد بن حنبل ص 130 – 133 ورواها احمد في «الفضائل». والوصابي في «اسنى المطالب» الباب الخامس عشر ص 91 رقم 11.

[8]  كتاب «الزهد» - بن حنبل ص 130 – 133 ورواها احمد في «الفضائل».

[9]  «شرح نهج البلاغة» ج 4 ص 110.

[10]  راجع كتاب «التقية» - للمؤلف. مخطوط. ص 77 – 80.

[11]  سورة القمر: آية 10.

[12]  سورة مريم: آية 48.

[13]  سورة هود: آية 80.

[14]  سورة يوسف: آية 33.

[15]  سورة الشعراء: آية 21.

[16]  سورة الاعراف: آية 150.

[17]  «نهج البلاغة». الخطبة الشقشقية. خطبة 3 ص 36.

[18]  «نهج البلاغة» - من كتاب له (ع) الى اهل مصر مع مالك الاشتر ص 604 – 605.

[19]  م. ن. – خطبة 73 ص 110.

[20] «منتخب كنـز العمال» ج 5 ص 36. رواه المتقي الهندي باسناده عن علي (ع).

[21]  «الصواعق المحرقة» - ابن حجر. ص 73.

[22]  «المناقب» - الخوارزمي. الفصل السابع ص 39.

[23]  «نور الابصار» - الشبلنجي. ص 94.

[24]  «مطالب السئول» - محمد بن طلحة ص 56.

[25]  «كفاية الطالب» - الشنقيطي ص 57.

[26] «الاختصاص» ص 235.

[27]  سورة المائدة: آية 33.

[28]  «كنـز العمال». كتاب الحدود. ج 5 ص 319. رواه المتقي الهندي باسناده عن عبد الرحمن بن عائذ.

[29] «السنن الكبرى» ج 6 ص 247. رواه البيهقي باسناده عن الشعبي. ورواه الدارمي في سننه مع فرق يسير في ج 2 ص 354.

[30]  «وسيلة الآل» ص 244. رواها بن باكثير عن محمد بن يحيى بن حبان. ورواه الوصابي في «اسنى المطالب» ص 57، رقم 50.

[31]  «المناقب». الفصل السابع ص 54. رواه الخوارزمي باسناده عن حنش. ورواه سبط ابن الجوزي في «تذكرة الخواص» ص 48. ورواه «الفقيه» في باب الحيل في احكام قضائه ناسباً له الى رواية ابراهيم الثقفي.

[32]  «المناقب». الفصل السابع ص 38. رواه الخوارزمي باسناده عن الحسن.

[33]  «المصدر السابق» ص 39. رواه الخوارزمي باسناده عن زيد بن علي عن ابيه عن جده عن علي بن ابي طالب (ع).

[34]  سورة البقرة: آية 233.

[35]  سورة الاحقاف: آية 15.

[36]  «المناقب» ص 50. رواه الخوارزمي باسناده عن ابي الاسود. ورواه المتقي الهندي في «كنـز العمال» كتاب الحدود ج 5 ص 457. وسبط ابن الجوزي في «تذكرة الخواص» ص 148.

[37]  «كنـز العمال» كتاب الحدود من قسم الافعال ج 5 ص 256. رواه المتقي باسناده عن ام كلثوم ابنة ابي بكر.

[38]  سورة المائدة: آية 90 – 92.

[39]  سورة المائدة: آية 93.

[40]  «المناقب». الفصل السابع ص 53. رواه الخوارزمي باسناده عن عبد الرحمن. ورواه العاصمي في «زين الفتى في تفسير هل اتى» ص 333 مخطوط.

[41]  «الارشاد» - الشيخ المفيد. ص 95.

[42]  «الموّطأ» ص 607 رقم 1531. رواه مالك بن انس عن ثور بن زيد الديلمي.

[43]  «السنن الكبرى» ج 7 ص 442. رواه البيهقي باسناده عن الشعبي.

[44]  سورة الانفال: آية 28.

[45]  «المناقب» - ابن شهر آشوب. ج 2 ص 358.

[46]  «زين الفتى» ص 182. رواه العاصمي باسناده عن أنس

[47]  القلائص: من القلوص، وهي الشابّة من النوق، وهي بمنـزلة الجارية من النساء.

[48]  أي جعلوه من الهدي.

[49]  خَدَجتِ الناقة تَخدِجُ خداجاً، فهي خادج والولد خديج، اذا القت ولدها قبل تمام الايام، وان كان تام الخلقة... وأخدجتِ الناقةُ، إذا جاءت بولدها ناقصُ الخلقِ وإن كانت ايامه تامةً. فهي مُخدِجٌ والولد مُخْدَجٌ. ومنه حديث علي (رض) في ذي الثُدَيَّة «مُخْدَجُ اليد» أي ناقص اليد (الصحاح ج 1 ص 308).

[50]  «كفاية الطالب» - الشنقيطي. ص 57.

[51]  سورة المائدة: آية 96.

[52]  قُدَيدٌ: ماءٌ بالحجاز، وهو مُصغّرٌ (الصحاح ج 2 ص 522).

[53]  اليعاقيب: جمع اليعقوب، وهو ذَكر الحَجَل (نوع من الطيور).

[54]  سورة المائدة: آية 95.

[55]  سورة المائدة: آية 96.

[56]  «جامع البيان عن تأويل آيات القرآن». ج 7 ص 70. رواه الطبري باسناده عن نوفل بن ابيه.

[57]  «انساب الاشراف» ص 180 حديث 210. رواه البلاذري باسناده عن مطرف بن عبد الله.

[58]  النظام: السلك ينظم فيه الخرز.

[59]  بحذافيره: أي باصله. والحذافير: جمع حِذفار، وهو اعلى الشيء وناصيته.

[60]  «نهج البلاغة» - باب الخطب رقم 146. ص 248.