(ص 713- 734) مطلق العدل: ان فكرة العدل التي لخصها امير المؤمنين (ع) بوضع الامور مواضعها لا تختص بالقضايا المالية، بل تتجاوزها الى مختلف القضايا الحقوقية والالزامية. فالعدل الاجتماعي يتم عبر امور مثل: أ _ الحقوق القانونية: وامثلتها حق التملك، وحق البيع والشراء، وحق العمل، وحق الزواج ونحوها. ب _ الواجبات القانونية: كعدم التعدي على حقوق الناس في اموالهم واعراضهم وانفسهم. ج _ الحقوق المالية: كالعطاء من بيت المال للفقراء، وعدالة الاجور، والضمان الاجتماعي بمفهومه العام. د _ المسؤوليات: كالعقوبة في حالتي الجناية والانحراف، ودفع الخَراج والصدقات الواجبة (الضريبة)، والجهاد (الخدمة العسكرية). هـ _ الفرص المتكافئة: في تسنّم وظيفة ولاية المصر مثلاً، وقيادة الجيش، وجبي الضريبة، بل وظائف الدولة بالشكل الاعم. فالعدل هنا هو اعطاء الفرص المتساوية للناس بحيث يتمتعون بحقوقهم القانونية الشرعية، وينفذوا واجباتهم ومسؤولياتم الدينية والاجتماعية. أي ان العدل اذا كان يعني وضع الامور مواضعها، فلابد ان يكون وضعها في حالتي الوصف والمعيار. والوصفية تمثّل احترام السماء لبني آدم وتكريمهم عبر تشريعٍ يحقق العدالة بينهم ؛ وتلك حالة وصفية تعبر عن مدى تكريم الخالق عزّ وجلّ لمخلوقاته. والمعيارية تمثّل فهم الدين لطبيعة الجشع الانساني الذي يؤدي الى ظلم الانسان لاخيه الانسان. وتلك حالة معيارية مشهودة في المجتمعات. ولذلك فقد عالجها الاسلام عن طريق فرض العدل بين الجميع عن طريق قوة التشريع. وبتعبير اوضح ان العدل الذي مارسه الامام (ع) مع الامة شمل النظرية والمصداق معاً. فعلى المستوى النظري قرأنا للتو افكاره حول مبدأ العدل عبر وضع الامور مواضعها.وعلى المستوى المصداقي او التطبيقي فقد ساوى بين الفقراء في العطاء، واخذ من الظالم الاموال التي اغتصبها واورده منهل الحق ثم سلّمها الى المظلوم. وهذا هو العدل بعينه. فهو (ع) في الوقت الذي فضّل الفاضل على المفضول في موارد العلم والولاء، ساوى بين الجميع في العطاء والامور المالية سواءً كانوا عبيداً أو سادةً، سابقين او مسبوقين، من عامة الناس او من اشرافهم. لان الله تعالى اكرم بني آدم، ولم يخلقهم عبيداً في بطون امهاتهم. ولانه (ع) لو ميز بينهم في امور المال لجعلهم في طبقات اجتماعية متفاوتة، وهذا _ بحد ذاته _ ينافي مفهوم العدل الذي جاء به الاسلام، وينتهك قاعدة وضع الامور مواضعها التي سارت عليه حكومة الامام (ع). شروط العدل: لا شك ان للعدل شروطاً ينبغي ان تتحقق كمقدمة، من اجل ان يتحقق العدل والانصاف كنتيجة. ومن ذلك: تحقق نزاهة الحاكم على سبيل القطع واليقين، وادراك معنى تساوى الحصص الحقوقية، والمساواة النسبية، والمساواة في العطاء دون النظر الى الفوارق التكوينية. فهنا جملة امور نفصّلها فيما يلي: 1 _ النـزاهة المالية من قبل الحاكم وعدم التحيز الا للحق: لا شك ان النـزاهة المالية، وعدم التحيز مطلوبتان في الحاكم. فالنـزاهة المالية والتجرد عن حب الدنيا امران مهمان في ادارة المال والثروة الاجتماعية وحسن توزيعها على الفقراء. بينما يكون عدم التحيز من الامور الحاسمة على صعيد القضاء وحُسن توزيع المسؤوليات والواجبات الاجتماعية. وبكلمة، فان النـزاهة وعدم التحيز _ الا للحق _ تعنيان مساواة الحاكم نفسه بفقراء الامة ومساكينها ومظلوميها، وعدم استئثاره بالسلطة. 2 _ المساواة في المحاسبة: ان فكرة «المساواة» امام الشريعة والقانون تعني ان الذين تتوفر فيهم نفس الشروط ويخضعوا لنفس الظروف، ينبغي ان يحاسبوا بمقدارٍ متساوٍ، حتى لو كان احدهم حاكماً والآخر محكوماً. أما اذا اختلّت تلك الشروط فان المساواة تنتفي. فلا يمكن ان نتعامل مع انسان مُكره بنفس الدرجة التي نتعامل فيها مع انسان يمتلك حرية كاملة في التصرف. ولا يمكن المساواة بين العاجز والقادر في تحمل المسؤوليات الاجتماعية. ولا يمكن المساواة بين المجنون والعاقل ايضا، وهكذا. وبتعبير اوفى ان نزاهة الحاكم _ قضائياً_ واعتداله تبعث في المجتمع، الشعور بروح المساواة. واذا حصل _ قهراً _ اختلاف في التعامل الاجتماعي والقانوني بين الناس من قبل الحاكم، فان ذلك يعكس اختلافاً في الظروف والشروط فحسب. 3 _ تساوي الحصص الغذائية للجميع: وهذا يعني ان للغني والفقير حصتين متساويتين فيما يتعلق بالاشباع او الاطعام. نعم، قد تختلف درجات الطعام من حيث النوعية والجودة، الا ان الاصل يبقى ثابتاً وهو تساوي الحصص الغذائية للجميع. لان الوعاء الذي يستهلك الطعام عند البشر متقارب في الحجم والعمل. فكل انسان له معدة واحدة تستوعب طعاماً محدداً. وليس هناك استثناءٌ في ذلك. ولذلك كان من العدل: المساواة في العطاء بين العبيد والاشراف، لان لكل واحد منهم حصة تساوي حصة الآخر في قضايا الاطعام والاشباع والاكساء. 4 _ تساوي الحصص الحقوقية بشروطها: وهو يعني ان لكل انسان الحق في التملك اذا كان لديه مال، ولكل انسان الحق في البيع والشراء والهبة اذا رغب في ذلك. ولكل منحرف قام بسرقة او قتل او قطع، عقوبة تساوي عقوبة النظير او المماثل في ذلك. ولكل مزارع مسؤولية عزل الخراج وتسليمه لولي الامر، عندما تتوفر الشروط الشرعية لذلك. وتلك الحصص تبدو _ للوهلة الاولى _ وكأنها تنتهك مبدأ المساواة، لان البائع يختلف حكمه عن المزارع، والمالك يختلف حكمه عن غير المالك. الا ان هذا الامر متطابق تماماً مع موضوع العدل الذي طرحه الامام (ع)، حيث يضع الامور مواضعها. 5 _ المساواة النسبية: وهي متطابقة مع انصاف المظلوم من الظالم. فالانصاف أمرٌ نسبي يتناسب مع مقدار الظلم الذي اُلحق بالمظلوم، وقد قال (ع): «... وأيمُ اللهِ لأنصفنَّ المظلومَ من ظالمهِ، ولاقودنَّ الظالِمَ بخزامتهِ، حتى أوردهُ منهلَ الحقِّ وإن كان كارهاً»[1]. وتلك القاعدة في المساواة تلحظ المسؤوليات التي تقع على الحاكم في ارجاع الحقوق التي اغتصبها الظالم وترجعها الى المظلوم. وهنا تكون العلاقة بين الظالم والمظلوم علاقة لا مساواة بسبب اختلافهما في تعاملهما الحقوقي الذي احدثه الظالم من البداية. وهنا احدث الظالم ارباكاً في الحصص الحقوقية المصممة لكل انسان. فكان على الامام المعصوم (ع) ان يرجع تلك الحصص الحقوقية الى طبيعتها قبل احداث الظلم. وهذا لون من الوان العدل، لانه يضع الامور مواضعها. وقد كان (ع) صريحاً غاية الصراحة في ذلك، وهو يشير الى الخليفة الثالث: «واللهِ لو وجدتُهُ قد تُزوّج بهِ النساءُ، ومُلِكَ بهِ الإماءُ لرددتُهُ، فإنَّ في العدلِ سِعَة...»[2]. 6 _ المساواة في العطاء دون النظر الى الفوارق التكوينية (الفسلجية): وقد ذكرنا سابقاً ان الامام (ع) قد ساوى في عطاء بيت المال الذي كان على نوعين: الاول: الخاص بالفقراء حيث ساوى بين الرجل والمرأة، الكبير والصغير، الاسود والابيض، العربي والعجمي. فمن كتابه (ع) الى عامله على مكة: «وانظُر الى ما اجتمَعَ عندكَ مِن مالِ اللهِ فاصرفهُ الى مَن قِبَلَك مِن ذَوي العيالِ والمَجاعة، مُصيباً بهِ مَواضع الفاقةِ والخلاتِ...»[3]. «وإنَّ لكَ في هذهِ الصدقةِ نصيباً مفروضاً، وحقّاً معلوماً، وشُركاءَ اهل مسكنةٍ، وضعفاءَ ذوي فاقةٍ. وإنّا موفُّوكَ حَقَّكَ، فَوفِّهِم حُقوقهم...»[4]. وقوله (ع): «... فاصرفهُ الى مَن قبلكَ من ذوي العيال والمجاعة...» يعني مفهوماً ان صاحب الاسرة الكبيرة او العيال ينبغي ان يُعطى ما يكفيه لاشباع عياله، وهو عطاء يختلف عن عطاء الاعزب المفرد مثلاً. الثاني: الخاص بالمقاتلين. حيث قسّم الفيء على المقاتلين بالتساوي، وبغضّ النظر عن التفاوت الطبيعي في بطولتهم ومقدار الجهد الذي بذلوه في قتل الاعداء. فقال (ع) لاحدهم وهو عبد الله بن زمعة جاءه يطلب مالاً: «ان هذا المال ليس لي ولا لكَ. وانما هو فيءٌ للمسلمينَ، وجلبُ أسيافهم. فإن شركتهم في حربهم، كان لك مثلُ حظّهم، وإلاّ فجناةُ أيديهم لا تكونُ لغيرِ أفواهِهِم»[5]. خصائص العدل: كان للعدل الذي طُبق في عصر الامام امير المؤمنين (ع) خصائص، تحتاج الى تعمق في البحث. فقد كان عطاء بيت المال يلحظ المساواة بين الفقراء ؛ وكان تغاير الحصص متناسباً مع التوزيع العادل ؛ وكانت المساواة مساواة نسبية عُرفية وليست عقلية مطلقة. 1 _ حكم المساواة في التوزيع: ان توزيع الثروة أو العطاء في نظر الامام (ع) ينبغي ان يلحظ الاولوية للمحتاجين من ذوي المسكنة والضعف. كما قرأنا في كتابه الى عامله على مكة: «وانظر الى ما اجتمعَ عندكَ من مالِ اللهِ فاصرفه الى من قبلكَ من ذوي العيالِ والمجاعة، مصيباً به مواضعَ الفاقةِ والخلّاتِ...»[6]. بينما كان الحاكم الدنيوي يلحظ الاولوية في القرابة عند توزيع الثروة. كما قرأنا في تبديد الخليفة الثالث ثروة المسلمين على اقاربه، بل كل من انتسب اليه بسبب او نسب. والعدل هو تشخيص المقدار الذي يمكن ان يُؤخذ من القوي، والمقدار الذي يمكن ان يُعطى الى الضعيف. فتكون النتيجة العادلة، مرتبطة بالمقدار الذي يصيب كل فرد في النهاية. وتلك الخصيصة من خصائص تحقيق العدل مهمة للغاية، لان بها يتمّ اشباع حاجات الفقراء. في الوقت الذي لا يُظلم فيها الاغنياء، لانهم قد اشبعوا حاجاتهم الاساسية بالاصل، وما عندهم هو فائض غير مستثمر. 2 _ تغاير الحصص متناسق مع التوزيع العادل: فلو اخذنا عطاء بيت المال وتصورنا ان لكل اسرة، مهما كان عدد افرادها، حصة واحدة من العطاء لاختلّ التوزيع وانتهكت العدالة. ولكن لو تصورنا ان لكل فرد حصة من عطاء بيت المال، فان كان عدد افراد الاسرة عشرة افراد استلمت الاسرة عشر حصص. وان كان عدد افراد البيت خمسة افراد استلمت الاسرة خمس حصص، لكان الامر اصح واقرب الى العدالة. وهذا هو الذي نفهمه من قوله (ع) الذي ذكرناه في اكثر من موقع: «...فاصرفهُ الى مَن قِبَلَكَ من ذوي العيالِ والمجاعةِ، مُصيباً به مواضعَ الفاقةِ والخلاّتِ...»[7]. فما يتجمع من الزكاة والصدقات والكفارات في كل ولاية _ والحديث هنا موجّه الى والي مكة _ ينبغي ان يسدّ حاجات الفقراء. واصابة مواضع الفاقة والخلات، لا يتم الا عن طريق الحصة المخصصة لكل فرد من الافراد. ويمكن حمل الرواية الواردة في «بحار الانوار» التي ذكرت مساواة سهل بن حنيف مع عبدٍ له اسود[8] على هذا المحمل. فالعبدُ تابعٌ لسيّده، ولكن عطاءه كان _ على الظاهر _ على اساس الحصة الواحدة للفرد. اما على مستوى الخراج والخمس والصدقات فان الحصص المأخوذة من فائض الاغنياء تكون ثابتة ولا تلحظ ما يُلحظ في توزيع الحقوق، لان ذلك المقدار يُخرج من الفائض. على عكس التوزيع على الفقراء، حيث ينبغي ملاحظة كون الفرد حصة واحدة، ولا تسد الحاجة الا عن ذلك الطريق. 3 _ درجات المساواة: ان المساواة في العطاء لا تحمل على اساس الدقة العقلية، وانما تتبع الدقة العرفية. فقد تكون ثلاثة دنانير كافية لفرد يأكل طعاماً أساسياً مثل الخبز والتمر، ولكن المبلغ نفسه قد يكون قليلاً لسد حاجة مريض يضره اكل ذلك اللون من الطعام مثلاً. فهنا اختلفت درجات المساواة، لكنها في النهاية لا تخرج عن اطار الدقة العرفية. فيحمل ذلك المبلغ في العطاء على محمل المساواة العرفية، حتى لو كان هناك اختلاف نسبي في الحاجة. من آثار العدل: ان لتطبيق العدل آثاراً مهمة تظهر بسرعة بين ثنايا المجتمع. فما ان يطبّق العدل وتنتشر أحكامه، حتى تبرز ظواهر اجتماعية في غاية الاهمية مثل: تكافؤ الفرص، والمساواة القضائية، وقناعة الفقراء، والمساواة الاقتصادية والسياسية، كنتائج اساسية لذلك التطبيق. 1 _ تكافؤ الفرص: ومعنى تكافؤ الفرص هو التعامل الموحد مع جميع الافراد الذين تتوفر فيهم الشروط التي تؤهلهم لخدمة الامة على الصعيد السياسي والادارة الاجتماعية. بمعنى ان كل فرد يحمل الشروط الموضوعية لتحمّل المسؤولية ، يستطيع _ نظرياً _ تحمّل مسؤولية منصب والي الاقليم او قائد الجيش أو القاضي مثلاً. ولكن اختلاف قدرات الافراد، وتفاوت درجات ايمانهم يضيّق دائرة الاختيار. وبالنتيجة فان تكافؤ الفرص تعني، ان المجتمع سوف لن يعيش ظلماً ولا ظالماً يقرّب عشيرته واقربائه الى المناصب العامة، ويحرم منها بقية افراد الامة من اهل الكفاءة والايمان. واستقراءً للتاريخ نستطيع الجزم والقطع بان الامام امير المؤمنين (ع) لم يعين _ محاباةً _ احداً من اقرباءه في بطانته او في دائرة عماله على الولايات والامصار. ونظرة سريعة الى قائمة عماله على الولايات والجيش والمال، يتبين لنا صحّة ما ذهبنا اليه: مالك الاشتر (عامله على مصر) وقبله كان محمد بن ابي بكر، وزياد بن ابيه (عامله على فارس)، وقثم بن العباس (عامله على مكة)، والاشعث بن قيس (عامله على اذربيجان)، والاسود ابن قطيبة (صاحب جند حلوان في فارس)، وعمار بن ياسر وابو الهيثم بن التيّهان (على بيت مال المدينة). وليس من هؤلاء من حباه لقرابة نسبية او سببية. بينما كانت بطانة عثمان وعماله مكونة من عشيرته واقاربه ومن انتسب اليه بسبب. كمروان بن الحكم (زوج ابنته ام ابان). حيث اختاره وزيراً مقرباً. وعبد الله بن ابي سرح (اخو عثمان من الرضاعة) الذي ارتد بعد كتابة الوحي فأهدر النبي (ص) دمه، ولاّه عثمان ولاية مصر. والوليد بن عقبة بن ابي معيط الذي نزل فيه قرآن يصفه بالنفاق، عيّنه والياً على الكوفة. وزبدة القول ان الامام (ع) عيّن موظفيه على مؤسسات الدولة، على اساس الكفاءة والايمان ، لا على اساس النسب والقرابة. وكان ذلك المنحى قد فتح الباب واسعاً لتكافؤ الفرص. فلا عجب ان ابرزت فترة حكم الامام (ع) فكرة تكافؤ الفرص بين جميع افراد الامة، بأجلى صورها. 2 _ المساواة القضائية: بمعنى ان للمدعي وللمدعى عليه نفس الحقوق القضائية ما لم يتم تحريم الجاني. وعند ادانة الجاني، تنفذ العقوبة بحقه. هنا اصبحت المساواة القضائية جزءً من الحقوق القانونية التي يتمتع بها الانسان في ظل ولاية الامام (ع). وأنصع امثلة المساواة القضائية وقوف الامام (ع)، وهو الحاكم الاعلى في الدولة مع خصمه امام القضاء على قدم المساواة، كما تذكره الروايات العديدة[9]. 3 _ قناعة شاملة من قبل الفقراء بسد حاجاتهم: اذا لم يشبع الفقير، فان الحديث عن العدالة يبقى مجرد آمال بعيدة عن الواقع. وبتعبير آخر ان من آثار تحقيق العدالة هو اقتناع الفقراء بأن حاجاتهم الاساسية قد اُشبعت فعلاً. اما الاغنياء فانهم مقتنعون بسد حاجاتهم الاساسية، وما يُؤخذ منهم هو الفائض فقط، كما ذكرنا ذلك آنفاً. وهنا تقاربت _ الى حدّ ما _ الامتيازات الاقتصادية الاساسية بين الفقراء والاغنياء، وهذا هو عين ما اراده الامام (ع) خلال خلافته. 4 _ المساواة الاقتصادية: وهي تعني حق الانسان _ كل انسان _ بالتملك والحيازة. والحق في التملك، نابعٌ من قدرة الانسان على الكسب الحلال. واذا كان الكسب حلالاً، فان عملية التملك ستكون اقرب الى العدالة وابعد عن الظلم الذي يحصر التملك بفئة او طبقة معينة. 5 _ المساواة السياسية: وتعني توزيع القوة السياسية وتحميل مسؤولية الادارة الاجتماعية، على اكبر عدد ممكن من الناس، من ذوي الايمان والكفاءة والنـزاهة والتعفف عن المال والتسلط. ولا شك ان توزيع المقاعد السياسية في ادارة القضاء، وادارة الولايات، والجيش، وجبي الضرائب والحقوق، والاستشارة، وبيت المال، على اكبر عدد من الناس يعكس عدم احتكار السلطة بين فئة محدودة من الافراد. وهذا هو ما نقصده بالمساواة السياسية في عصر الامام (ع). فقد توزعت المقاعد السياسية في ذلك العصر بين عدد كيبر من المؤمنين المجاهدين من اهل الكفاءة. وسوف ترد اسماء العديد منهم في ثنايا هذا الكتاب. الاستنتاج: ان اشباع الفقراء وسد حاجاتهم لا يعني بالضرورة زيادة عددهم. فالصدقة لا تشجع الغني على الهبوط الى الطبقة الفقيرة من اجل استلام تلك العطية. والاهتمام بالفقراء لا يعني تقليل الانتاج الاجتماعي من زراعة وصناعة . بل العكس، فالمجتمع الذي يتساوى فيه الناس بسد رمقهم واشباع حاجاتهم، يكون اكثر انتاجاً وأوفر عطاءً في العلم والفضائل. فالعدل اذن، هو: 1 _ المساواة بين الفقراء في العطاء من بيت المال. 2 _ التكافؤ في الفرص. 3 _ المساواة امام الشريعة او القانون عندما يتوحد الشرط والظرف. 4 _ المفاضلة بين الناس على اساس العلم والايمان والتقوى. 5 _ التفاضل بالاجور على مقدار العلم والجهد وقيمة العمل. وهذا هو جوهر فكرة: وضعُ الامورِ مواضعها.
3- العلاقة بين الحاكم والمحكومتبقى العلاقة بين الحاكم والمحكوم من اهم القضايا العقلية والفلسفية التي تشغل بال روّاد النظرية السياسية. فكيف يتم تحديد تلك العلاقة؟ وما هي حقوق الرعية؟ وما هو حق الوالي؟ وما هي واجباتهما معاً تجاه بعضهما البعض وتجاه الله سبحانه وتعالى؟ اجاب الدين على تلك الاسئلة عبر شذرات من اقوال الامام امير المؤمنين (ع). نعرضها اولاً، ثم ندرس فحواها ونستظهر المعاني التي يمكن ادراكها من تلك النصوص. فمن تلك الشذرات: تأدية الحقوق المتبادلة بين الحاكم والمحكومين، وخلط الشدة مع اللين، والرحمة بالرعية، وستر عوراتهم، وكون المفاضلة بين الناس على اساس مقدار احسانهم، وعدم نقض السنن الصالحة، وان المقياس في الجهد الجماعي العبادي هو: اضعف الناس، وعدم الاحتجاب عن الامة طويلاً، وحرمة سفك الدماء في غير حلّها، وعدم المنّ على الرعية، وان يكون المقياس في امور الناس هو الحق، وعلى الحاكم ان يلتقي الامة وجهاً لوجه. والآن، فلنقرأ تلك النصوص:1ً _ تأدية الحقوق المتبادلة: قال (ع): «فاذا ادتِ الرعيةُ الى الوالي حقّهُ، وأدى الوالي اليها حقها، عزّ الحقُّ بينهم، وقامت مناهجُ الدينِ، واعتدلت معالِمُ العدلِ، وجرَت على اذلالها السننُ، فصلح بذلك الزمانُ، وطُمع في بقاءِ الدولةِ ، ويَئست مطامِعُ الأعداءِ. واذا غلبتِ الرعيةُ واليها، أو أجحفَ الوالي برعيّتهِ، اختلفت هنالِكَ الكلمَةُ، وظهرت معالِمُ الجَورِ، وكثُرَ الإدغالُ في الدينِ، وتُركت محاجُّ السُننِ»[10].2ً _ الشدّة مع اللين: ومن كتاب له (ع) الى بعض عماله: «أما بعدُ، فإنّك ممّن أستظهرُ بهِ على اقامة الدينِ، وأقمَعُ به نَخوةَ الاثيمِ، وأسدُّ بهِ لهاة الثغرِ المُخوفِ. فاستعِن باللهِ على ما أهمَّكَ، واخلِطِ الشدّةَ بضغثٍ من اللينِ، وارفُق ما كان الرفقُ أرفق، واعتزِم بالشدّة حينَ لا يُغني عنكَ إلاّ الشدّةُ. واخفِض للرعيةِ جَناحك، وابسُط لَهُم وَجهَكَ، وألِن لهُم جانبكَ وآسِ (أي سوِّ) بينهم في اللحظةِ والنظرةِ، والاشارةِ والتحيةِ، حتى لا يطمعَ العظماءُ في حَيفِكَ، ولا ييأس الضُعفاءُ من عدلِكَ، والسلامُ»[11]. 3ً _ الرحمة بالرعية: من كتاب له (ع) الى مالك الاشتر: «... وأشعِر قلبكَ الرحمةَ للرعيةِ، والمحبّةَ لهُم، واللطفَ بهم، ولا تكونن عليهم سَبُعاً ضارياً تغتنمُ أكلَهُم فإنَّهم صنفان: إمّا اخٌ لَكَ في الدينِ، أو نظيرٌ لَكَ في الخلقِ، يفرط منهمُ الزللُ (أي يسبق منهم الخطأ)، وتعرضُ لهمُ العللُ، ويؤتى على ايديهم في العمدِ والخطأ. فأعطهم من عفوكَ وصفحكَ مثلَ الذي تُحبُّ أن يُعطيكَ اللهُ مِن عفوهِ وصفحِهِ، فإنَّك فَوقَهُم، ووالي الامر عليكَ فوقَكَ، واللهُ فَوقَ مَن ولاّكَ! وقدِ استكفاكَ امرهُم وابتلاكَ بهم...»[12]. 4ً _ ستر العورات وتطهير العيوب: « وليكن ابعدُ رعيّتكَ منكَ وأشنأهُم عندكَ (أي ابغضهم) اطلبُهم لمعائبِ الناسِ، فإنَّ في الناسِ عُيوباً، الوالي أحقّ مَن سَتَرها. فلا تكشفنَّ عمّا غابَ عنكَ منها، فإنَّما عليكَ تطهيرُ ما ظهَرَ لَكَ. واللهُ يحكُمُ على ما غابَ عنكَ. فاسترِ العورَةِ ما استطعتَ يستر اللهُ مِنكَ ما تُحبّ سترهُ من رعيّتكَ. أطلق عن الناسِ عُقدةَ كل حقدٍ، واقطع عنكَ سبب كلِّ وترٍ، وتغابَ (أي تغافل) عن كلِّ ما لا يصحّ لكَ، ولا تعجلنَّ الى تصديقِ ساعٍ، فان الساعيَ غاشٌّ، وإن تشبّه بالناصحين...»[13]. 5ً _ المفاضلة على اساس الاحسان، وحسن الظن بالرعية: «ولا يكوننَّ المُحسنُ والمسيءُ عندكَ بمنـزلةٍ سَواءٍ، فإنَّ في ذلكَ تزهيداً لأهلِ الاحسان في الاحسانِ، وتدريباً لأهلِ الاساءة على الاساءةِ! وألزِم كلاً منهم ما ألزم نفسَهُ. واعلَم أنَّهُ ليسَ شيءٌ أدعى الى حُسنِ ظنّ راعٍ برعيتهِ من احسانهِ اليهم، وتخفيفه المؤوناتِ عليهم، وتركِ استكراههِ ايّاهُم على ما ليسَ لهُ قبلَهُم. فليكُن منكَ في ذلكَ أمرٌ يجتمعُ لَكَ بهِ حُسنُ الظنّ برعيتكَ، فإنَّ حُسن الظنّ يقطعُ عنكَ نَصباً طويلاَ. وإنَّ أحقَّ مَن حَسُنَ ظنُّكَ بهِ لِمَن حَسُنَ بلاؤكَ عندهُ، وإنَّ أحقَّ مَن ساء ظنّكَ به لمَن ساء بلاؤكَ عنده»[14]. 6ً _ عدم نقض السنن الصالحة: «ولا تنقُض سُنّةً صالحةً عَمِلَ بِها صدورُ هذهِ الأمّةِ، واجتمعت بها الإلفَةُ، وصلَحتْ عليها الرعيةُ. ولا تُحدثنَّ سُنّةً تضرُ بشيءٍ من ماضي تلكَ السُننِ، فيكونَ الأجرُ لِمَن سَنّها والوزرُ عليكَ بما نقضتَ منها. واكثِرْ مدارسة العُلماءِ ومنافثةَ الحُكماءِ (أي محادثتهم)، في تثبيتِ ما صلحَ عليهِ أمرُ بلادكَ، وإقامَةِ ما استقامَ بهِ الناسُ قَبلكَ»[15]. 7ً _ المقياس في الجهد الجماعي: أضعف الناس: «وإذا قُمتَ في صلاتِكَ للناسِ، فلا تكونن مُنفّراً ولا مُضيّعاً، فإنَّ في الناسِ مَن بِهِ العلّةُ ولهُ الحاجةُ. وقد سألتُ رسول اللهِ (ص) حينَ وجّهني الى اليمَنِ كيفَ اُصلِّي بهم؟ فقال: «صلِّ بهم كصلاةِ أضعفهم، وكُن بالمؤمنينَ رَحيماً»[16]. 8ً _ عدم الاحتجاب طويلاً: «وأما بعدُ، فلا تطوّلنَّ احتجابَكَ عن رعيتّكَ، فإنَّ احتجابَ الولاةِ عن الرعيةِ شعبةٌ من الضيقِ، وقلّةُ علمٍ بالامورِ. والاحتجابُ منهم يقطعُ عنهم علمَ ما احتجبوا دونهُ، فيصغرُ عندهمُ الكبيرُ، ويعظمُ الصغيرُ، ويقبحُ الحسنُ، ويحسنُ القبيحُ، ويشابُ الحقُّ بالباطلِ. وانما الوالي، بَشرٌ لا يعرفُ ما توارى عنهُ الناسُ به من الأمورِ، وليست على الحقّ سماتٌ تُعرف بها ضروب الصدقِ من الكذبِ. وإنما انت احدُ رجُلينِ: إمّا امرؤٌ سَخت نفسك بالبذلِ في الحقِّ، ففيم احتجابُكَ من واجبِ حقٍّ تُعطيهِ، أو فعلٍ كريمٍ تُسديهِ! أو مبتلىً بالمنعِ، فما أسرعَ كفَ الناسِ عن مسألَتِكَ إذا أيسوا من ذلكَ! معَ أنَّ أكثرَ حاجاتَ الناسِ اليكَ ممّا لا مؤونةَ فيهِ عليكَ، من شكاةِ مظلمةٍ، أو طلبِ انصافٍ في معاملةٍ»[17]. 9ً _ حرمة سفك الدماء في غير حلّها: «ايّاكَ والدماءَ، وسفكها بغيرِ حلّها. فإنّه ليس شيءٌ ادنى لنقمةٍ، ولا أعظمَ لتبعةٍ، ولا أحرى بزوالِ نعمةٍ وانقطاعِ مُدّةٍ، من سفكِ الدماءِ بغير حقّها. واللهُ سبحانهُ مبتديءٌ بالحُكمِ بينَ العبادِ فيما تسافكوا من الدماءِ يومَ القيامةِ، فلا تُقوّينَّ سُلطانكَ بسفكِ دَمٍ حرامٍ، فان ذلكَ ممّا يُضعِفَهُ ويُوهنُهُ، بل يزيلُهُ وينقلُهُ، ولا عُذرَ لكَ عندَ اللهِ ولا عندي في قتلِ العمدِ، لان فيه قَودَ (أي قصاص) البدنَ. وإن ابتُليتَ بخطأٍ وأفرط عليكَ سوطُكَ او سيفُكَ او يدُكَ بالعقوبَةِ، فإنَّ في الوَكزَةِ (الضربة بجمع الكف) فما فوقها مقتلةً، فلا تطمحنَّ بكَ نخوةُ سلطانِكَ عن أن تؤديَ الى أولياءِ المقتولِ حقَّهُم»[18]. 10ً _ عدم المنّ على الرعية: «وإيّاكَ والمَنَّ على رعيتكَ باحسانِكَ أو التزيُّدَ فيما كانَ من فعلِكَ، او ان تَعِدَهُم فتُتبعَ موعِدَكَ بِخُلفِكَ، فإنَّ المَنَّ يُبطلُ الإحسانَ، والتزيُّدَ يَذهَبُ بنورِ الحقِّ، والخُلفَ يُوجِبُ المقتَ عندَ اللهِ والناسِ. قال الله تعالى: (كَبُرَ مقتاً عندَ اللهِ ان تقولوا ما لا تفعلون)[19]»[20]. 11ً _ المقياس في امور الناس: الحق: من كتابٍ له (ع) الى الاسود بن قطيبة صاحب جند حلوان (في فارس): «أما بعدُ، فإنَّ الوليَ اذا اختلفَ هواهُ، منَعهُ ذلك كثيراً من العدلِ، فليكُن أمرُ الناسِ عندكَ في الحقٍّ سواءً. فإنّه ليسَ في الجورِ عوضٌ عن العدلِ. فاجتنب ما تُنكرُ أمثالهُ (المقصود: من غيرك) وابتذِلْ نفسَكَ فيما افترضَ اللهُ عليكَ، راجياً ثوابهُ، ومتخوّفاً عقابهُ»[21]. 12ً _ لقاء الامة وجهاً لوجه: من كتابٍ له (ع) الى قثم بن العباس وهو عامله على مكة: «ولا يَكُن لكَ الى الناسِ سَفيرٌ إلاّ لسانُكَ، ولا حاجِبٌ إلاّ وجهُكَ. ولا تحجبنّ ذا حاجةٍ عن لقائكَ بها، فانها إن ذيدَت عن أبوابِكَ في أوّلِ وردها لم تُحمدْ فيما بعدُ على قضائها»[22]. أ _ الحاكمية: العلاقة بين الراعي والرعيةتفتح نظرية الامام (ع) للبشرية نوافذ من اجل الدخول الى باحة الحاكم العادل وساحته التنفيذية، عبر مجموعة من العلاقات، منها: التواصل المشترك بين الوالي والامة: «فاذا أدّت الرعيةُ الى الوالي حقّهُ، وأدّى الوالي اليها حقّها، عزّ الحقُّ بينهم، وقامت مناهجُ الدينِ»[23]، والانفتاح على الناس: «واخفِض للرعيةِ جناحكَ، وابسُط لهم وجهَكَ، وألِن لهم جانِبَك...»[24]، وتطهير عيوب الناس لا كشفها: «فإن في الناس عيوباً، الوالي أحقُّ مَن سترها... فإنما عليكَ تطهيرُ ما ظهرَ لَكَ...»[25]، وتفضيلُ المحسن على المسيء: «ولا يكونن المحسنُ والمسيءُ عندك بمنـزلةٍ سواءٍ...»[26]، وعدم الانقطاع عن الامة فترة طويلة: «فلا تُطوِّلنَّ احتجابكَ عن رعيّتك، فإن احتجابَ الولاةِ عن الرعيةِ شُعبةٌ من الضيقِ...»[27]، وحرمة سفك الدماء بغر حلّها[28]. وتلك الفعاليات الشرعية التي يقوم بها الحاكم العادل تفتح الكثير من النوافذ المغلقة عادةً بين الرعية والحاكم، فينفتح قلب المكلف على وليه او حاكمه العادل. ومن الطبيعي، فان سلامة العلاقة بين الحاكم والمحكوم تؤثر على السياسة العامة للدولة، وتؤثر على طبيعة التوجه العامة للامة. فهناك نقاط ينبغي عدّها من آثار الحاكمية الشرعية التي يستعملها الحاكم على الامة: 1 _ ان المهم في حسن العلاقة بين الحاكم والمحكوم هي ان تقيم احتمالاً عقلائياً، بتوجيه سياسة الحاكم نحو تحيق آمال الرعية وتلبية طموحاتها في العبادة والعدالة والعمران. واكثر ما يستفيد منه الحاكم هو وجود العلماء والحكماء في مجالسه العامرة بالعلم والادب والمعرفة. ولذلك فان الامام امير المؤمنين (ع) يُشير على عامله في مصر بالاكثار من: «مدارسة العلماءِ ومنافثة الحُكماءِ، في تثبيتِ ما صلحَ عليهِ أمرُ بلادِكَ، وإقامَةِ ما استقامَ بهِ الناسُ قَبلكَ»[29]. فالانفتاح على الامة بالمقدار الذي وضّحته رسائل الامام (ع) وخطبه، يشخّص للحاكم الهوية السياسية، وطبيعة المشاكل الاجتماعية التي يواجهها الناس خلال ولايته (ع).2 _ ان انفتاح الامة على الحاكم سوف يزيح _ الى حد ما _ الحاشية الفاسدة التي تحاول عزل الحاكم عن مشاكل الامة، وتقوده نحو الانغماس في اللهو والمفسدة. والى ذلك يشير (ع): «ولا تعجلنَّ الى تصديقِ ساعٍ، فان الساعيَ غاشٌّ، وإن تشبّهَ بالناصحينَ...»[30]. واغلب السعاة هم من حاشية السلطان. والحاشية الفاسدة تقرّب اصحاب المال والثروة نحو الحاكم بينما تحاول ابعاد الفقراء والمساكين. ولا شك ان الانفتاح على الامة يحرم تلك الحاشية الفاسدة الكثير من الامتيازات التي يمكن ان تتمتع بها. 3 _ ان مجرد الشعور بامكانية الوصول الى الحاكم يمنح الامة شعوراً بالارتياح، ويجعلها تؤمن بأن السلطة الشريعة ما هي الا وسيلة من وسائل الادارة الاجتماعية وحفظ حقوق الناس. وليس وسيلة من وسائل الامتيازات المالية والاقتصادية وتجميع الثروة عند الطبقة الحاكمة. والى ذلك أمر عامله بعدم الاحتجاب طويلاً: «... فإن احتجاب الولاة عن الرعيةِ شعبةٌ من الضيقِ، وقلّة علمٍ بالامورِ. والاحتجابُ منهم يقطعُ عنهم علمَ ما احتجبوا دونَهُ...»[31]. ب _ الحاكمية: التواصل بين الحاكم والمحكوم ولا شك ان النظام السياسي المضطرب يقطع اسس التواصل بين الامة وطبقاتها المسحوقة من جهة، وبين الحاكم وحاشيته الفاسدة من جهة اخرى. وقد قرأنا سابقاً ان تصرفات (مروان بن الحكم) مستشار الخليفة الثالث، قد افسدت امر الوفود التي بعثتها الاقاليم لاصلاح وضع الدولة والخلافة. وعندما استجار الناس بعائشة، وسمع عثمان من حجرتها صوتاً، قال: اما يجد فسّاق العراق ومرّاقها ملجأ الا بيت عائشة[32]. وهذا بحد ذاته قطعاً للتواصل بين الامة والحاكم. ولذلك كان من اولويات الامام امير المؤمنين (ع) هو تنشيط عملية وصول الامة اليه، من اجل ان يسمع صوتها ويتفهم مشاكلها. وربّ سائل يتساءل: اذا كان الوصول الى الحاكم العادل ممكناً، فما هو نمط ذلك الوصول؟ في الاجابة على ذلك لابد من دراسة الامكانية العملية في الاقتراب من الحاكم، بعنوانه المطلق. أولاً: امكانية الوصول: ان امكانية الوصول الى الحاكم من قبل الامة تبرز امكانية تنظيم الحكومة بالطريقة التي تعالج مشاكل الناس والمجتمع. فالحكومة انما تُنشأ من اجل خدمة الناس، وليس العكس. أي ان الناس غير مكلفين بخدمة الحكومة، الا في اطار العمل الذي يتم التعاقد عليه بين الموظف وولي العمل. وهذا يعني ان الحكومة، برئيسها وموظفيها، مكلفة بخدمة الامة. وقد أشار امير المؤمنين (ع) الى ذلك قائلاً، وهو يخاطب احد عماله (ع): «... ولا تحجبنّ ذا حاجةٍ عن لقائكَ بها، فإنَّها إن ذيذت عن أبوابِكَ في أوّل وردها لم تُحمَد فيما بعدُ على قضائها»[33]. فلدى الناس حوائج لا تقوم بتلبيتها الا المؤسسة الحكومية، ولدى الناس مشاكل لا يقوم بحلّها الا ولي الامر. ولكن امكانية الوصول لا تتم ما لم تتوفر مجموعة من الشروط الموضوعية، منها: 1 _ تماسك الجهاز السياسي وحكمته ودقته في الادارة والتنظيم. والا، فاذا كان الجهاز السياسي مفككاً ومرتبكاً، فان امكانية الوصول تصبح فوضى واضطراب كما حصل في عهد الخليفة الثالث.2 _ عدل الحاكم ذاته. فاذا كان الحاكم ظالماً، فان امكانية الوصول لا تثمر عن شيء. بل قد يكون مفعولها سلبياً مدمراً. وقد عانى الفقراء والمظلومين من ظلم حكام بني امية وبني العباس. فكان الوصول الى الحاكم آنذاك يعني الموت. 3 _ ان تكون بيد الحاكم مفاتيح الثروة الاجتماعية وبيت المال، وان يكون قادراً على اصدار الاوامر، وقاطعاً بدقة تنفيذها من قبل العمال والامراء وقادة الجيش. بحيث ان امكانية الوصول تحقق مقداراً عظيماً من التغيير لمصلحة الامة وبالخصوص الفقراء والمظلومين. وتلك الشروط الموضوعية كانت كلها متحققة في حكومة الامام امير المؤمنين (ع) فقد كان جهازه السياسي متماسكاً، وكان حاكماً عادلاً منصفاً الى ابعد حدود العدل والانصاف ، وكانت مفاتيح الثروة الاجتماعية بيده. وبذلك تحققت على يد الامام (ع) حاكمية شرعية، كان فيها التواصل بين الحاكم والامة تواصلاً نموذجياً. ثانياً: نمط الوصول: يعكس نمط الوصول، طبيعة العلاقة بين الحاكم والمحكوم. فكلما كانت العلاقة طيبة كان النمط اقرب الى التمثيل الاجتماعي لمختلف الشرائح والطبقات الاجتماعية. ولكن بلحاظ عصر الامام (ع) فاننا نرى ان نمط الوصول كان يتكوّن من المركّبات التالية: 1 _ وصول الفقراء والمحرومين، وهم الذين لا ولي لهم ولا ساند ولا معيل. فهؤلاء كانوا يلتصقون بالحاكم العادل. وكان الامام (ع) يلمس ذلك بوجوده الاجتماعي، ولذلك تراه (ع) يقول: «اضرب بطرفكَ حيثُ شئتَ من الناسِ فهل تبصُرُ إلاّ فقيراً يُكابدُ فقراً، أو غنيّاً بدّل نعمةَ اللهِ كُفراً...»[34]. ويقول لعامله على مكة: «وانظُر الى ما اجتمعَ عندكَ من مالِ اللهِ فاصرفهُ الى مَن قِبَلَكَ من ذوي العيالِ والمجاعة، مُصيباً به مواضعَ الفاقةِ والخلاّتِ...»[35].2 _ وصول اهل الرأي والعلم: ان اهل العلم، عدا من شذّ من وعاظ السلاطين وعلماء السوء، يعدّون من انفع الشرائح الاجتماعية للوالي، فيما يتعلق بقضايا الحكم والادارة. فاذا التصق بهم الحاكم والتصقوا به، تركت تلك العلاقة الطيبة آثاراً عظيمة على مسيرة الادارة الاجتماعية. وقد اشار الامام (ع) في رسالته لعامله على مصر الى ذلك: «... ثمَّ ألصق بذوي المروءات والاحساب، وأهل البيوتات الصالحة...»[36]، و«ألصق بأهل الورع والصدق...»[37]. 3 _ وصول الشرائح الاخرى من التجار واصحاب الصناعات والمال والجيش والطب والادب والطلبة والقضاة ونحوهم الى الحاكم. وهذا يعني تحرّك قطاعات الامة باتجاه قيادتها الشرعية. 4 _ استمرارية الوصول: ويمثله قوله (ع) لاحد عماله: «ولا يكُن لكَ الى الناسِ سفيرٌ إلا لسانُكَ، ولا حاجبٌ إلاّ وجهُكَ...»[38]. فاستمرار التواصل بين الحاكم وامته يعطي الحاكمية بُعدين. الاول: ايصال المشاكل التي يعاني منها المجتمع الى الحاكم. والثاني: ايصال حلول الدولة وسياستها العلاجية الى الناس. وهنا ادّى الطرفان وظيفتهما، كما تنبأ (ع): «فإذا أدّت الرعيةُ الى الوالي حقّهُ، وأدّى الوالي اليها حقّها، عزّ الحقّ بينهم، وقامَت مناهجُ الدينِ، واعتدلت معالمُ العدلِ، وجرت على اذلالها السننُ، فصلحَ بذلكَ الزمانُ، وطُمِعَ في بقاءِ الدولةِ، ويئست مطامِعُ الاعداءِ»[39]. وهذا هو المراد من التواصل الشرعي بين الحاكم والمحكوم.
4 _ صفات الحاكم او الرئيس او الوالي وضع امير المؤمنين (ع) اضاءات حول الصلاحية الشرعية للحاكم. فالحاكم امين عام على اموال الناس واعراضهم وأنفسهم. وان كانت رسائله (ع) التي سنستدلّ بها موجّهة الى عماله على الامصار، الا ان مدلولها عامٌ لا يختصّ بمصر دون غيره، ولا بعامل دون آخر. ومن تلك الاضاءات انتخبنا اربعة: 1ً _ الامانة: فمن كتابٍ للامام (ع) الى الاشعث بن قيس عامله على اذربيجان: «وإنَّ عملكَ ليسَ لكَ بطعمةٍ، ولكنّهُ في عُنُقكَ أمانةٌ، وأنتَ مُسترعىً لمَن فوقَكَ، ليسَ لكَ أن تفتاتَ (أي تستبدّ) في رعيةٍ، ولا تخاطرَ إلاّ بوثيقةٍ...»[40]. 2ً _ الانصاف: ومن كتابٍ له (ع) الى عماله على الخراج: «فأنصفوا الناسَ من انفُسِكُمْ، واصبِروا لحوائجهم، فإنَّكُم خُزّانُ الرعيةِ، ووكلاءُ الامةِ، وسُفراءُ الائمةِ»[41]. 3ً _ الرحمة: ومن عهده (ع) الى مالك الاشتر: «وأشعِر قلبكَ الرحمةَ للرعيةِ، والمحبةَ لهم، واللُطفَ بهم، ولا تكونن عليهم سَبُعاً ضارياً تغتنِمُ اكلَهُم، فانهم صنفان: إمّا أخٌ لكَ في الدينِ، أو نظيرٌ في الخلقِ»[42]. 4ً _ عدم البخل وعدم الجهل وعدم المحاباة وعدم الارتشاء: قال (ع) في صفة الحاكم الفاضل: «وقد علمتُم انه لا ينبغي ان يكونَ الوالي على الفروجِ والدماءِ والمغانمِ والاحكامِ وامامةِ المسلمينَ، البخيلُ، فتكونَ في اموالهم نهمتُهُ. ولا الجاهلُ، فيضلَّهُم بجهله. ولا الجافي، فيقطعهم بجفائه. ولا الجائفُ للدولِ[43]، فيتخِذَ قوماً دونَ قومٍ. ولا المُرتشي في الحُكمِ، فيذهبَ بالحقوقِ، ويقفَ بها دونَ المقاطعِ. ولا المعطِّلُ للسُنَّةِ، فيُهلِكَ الامَّةَ»[44]. أ _ الحاكمية الشرعية والقدرة: عند دراسة النظام السياسي يبرز تعبير «السلطة» او «الحاكمية» في صدر البحث. ذلك لان افكار الحاكمية يمكن ان تنطبق على كل نظام سياسي يحكم على وجه الارض. ولكن ما يهمّنا هنا هو افكار الحاكمية عند الامام امير المؤمنين (ع). فكيف كان يرى الحاكمية؟ كان (ع) يرى في الحاكم الشرعي، الامور التالية: 1 _ ان لا يكون بخيلاً. بمعنى ان يكون كريماً. 2 _ ان لا يكون جاهلاً. ومفهوماً، ان يكون عالماً. 3 _ ان لا يكون جافياً. أي ان يصل الامة بالشيء المقدور. 4 _ ان لا يكون جائفاً للدول. أي ان يكون نزيهاً في التعامل مع المال. 5 _ ان لا يكون مرتشياً. فينبغي ان يكون متعففاً ورافضاً للرشوة. 6 _ ان لا يكون معطّلاً للسنّة[45]. ومفهوماً، عليه ان يقيم السنّة كما امرته الشريعة بذلك. وتلك صفات جليلة، لو توفرت لدى الحاكم الشرعي، لأمسك باطراف المجتمع وبخيوطه المتشابكة. فعن طريق علمه وكرمه وتعففه وتدينه واعتداله، يستطيع بيسر ان ينقل الثروة التي امر الله سبحانه بنقلها من الاغنياء الى الفقراء، كالحقوق الواجبة والمستحبة ونحوها. وعن طريق تلك الصفات الجليلة يستطيع ترسيخ الانسجام الاجتماعي بين جميع الطبقات، ومن ثم توجيه المجتمع نحو عبادة الله سبحانه وتعالى. ولا شك ان لفظ «السلطة» بمضمونه اللغوي يحمل ادانة ذاتية، لانه يعني التسلط على مقدرات الناس. ولكن «الحاكمية الشرعية» لفظ يحمل كل معاني السمو والقيم الاخلاقية الدينية والقدرة. لانه يعني القدرة على اقامة العدل والحرية ورفع الفقر والجهل والانحطاط. ولا يمكن ان تكون الحاكمية شرعية، ما لم تستمد صلاحيتها الالزامية من الدين. فلا نستطيع تصور دولة عادلة ونظام حقوقي واجتماعي وسياسي ، لا يستند على مبادئ الدين واحكامه وتشريعاته، واحكام العقل ودلالاته. والحاكمية الشرعية هنا تعني القدرة التي يمتلكها انسان كالمعصوم (ع) او من يوكله في هذه الحالة، على ادارة امور الامة ضمن علاقات اجتماعية شرعية واضحة بين الحاكم والمحكوم. وعندها تكون الصفات الفاضلة امثال: الكرم والعلم والصلة والاعتدال والتعفف والرحمة والامانة واقامة الدين، حتمية في ثبوت تلك العلاقات ورسوخها. ولو تفحّصنا القدرة التي تمنحها الحاكمية لوجدناها ضخمة جداً. خصوصاً اذا وضعنا فكر الامام (ع) في الدائرة التحليلية لمباني الدولة. وعندها تظهر اربع دوائر يمكن تلخيصها على ضوء دراسة افكار امير المؤمنين (ع)، وهي: اولاً: حجم الحاكمية الشرعية: ان حجم الحاكمية الشرعية التي يمنحها الاسلام للحاكم العادل وضخامتها، يستدعيان تغطية مساحة اقامة الدين بالكتاب والسنّة. وهي مساحة واسعة تشمل مقداراً عظيماً من الاحكام والقوانين الشرعية الالهية. ثانياً: ان الحاكمية لا تعني الشدة والتعنت، كما فهمنا من اقوال الامام امير المؤمنين (ع). بل ان الحاكمية تعني ايضاً انصافاً ورحمة بالرعية. وبمعنى اوضح ان الرحمة اذا غمرت قلب الحاكم تجاه رعيته، فان شدته معهم تجعله محل احترام الامة وموضع حبها له ايضاً. ذلك ان الحاكمية امرٌ نسبي. ورحمة الحاكم بالرعية لا تعني ضعفاً او انكساراً. بل ان ربط الشدة والحزم بطرف الرحمة واللين، تجعل النظام السياسي قوياً. فالرحمة اذن مقدمة من مقدمات تثبيت الامن وتحقيق العدالة بين الناس. وقد لمسنا بكل وضوح حجم الحاكمية الشرعية عند الامام (ع). فمع رحمته (ع) بالمؤمنين والمستضعفين واهتمامه بالفقراء واليتامى والمساكين، الا انه كان شديداً في الله على الناكثين والقاسطين والمارقين. وكان حكمه (ع) _ واقعاً _ اقامة الدين بكل ابعاده الروحية والاجتماعية والسياسية. ثالثاً: توزيع مقاعد السلطة: فقد كان التوزيع يتم على اساس الايمان والكفاءة والاخلاص، لا على اساس حجم ثروة الفرد ومقدار ممتلكاته. ولذلك كان حكم الامام (ع) عادلاً. والقاعدة التي نستفيدها هنا هو ان الحاكم اذا استشعر بان الحكم امانةً في عنقه، فان حكمه سيكون مبنياً على اساس العدالة والانصاف. وتحقيق العدالة امرٌ يعكس القدرة العظيمة التي يتمتع بها الحاكم العادل. وليس بمقدور الفرد ان يقيم العدالة، ما لم يكن عالماً تقياً مخلصاً لله سبحانه. رابعاً: تنظيم الموارد المالية: وهذا الامر لا يستطيع ان يقوم به البخيل ولا الجاهل ولا المرتشي ولا الجافي. ذلك لان الذي يتعامل مع المال لابد ان يكون كريماً عالماً متعففاً. ومن الطبيعي، فان تنظيم الموارد المالية يؤثر على ارزاق الناس وطبقاتهم واهدافهم في الحياة. ولذلك فان تلك القضية تعدّ من اهم قضايا السياسة والادارة في المجتمع الانساني. وتنظيم المال في الحكومة مرتبطٌ بقدرة الانسان الاستثنائية على التعفف، لان بريق المال يخدع الكثير من الناس. ولا يبقى الا الالمعي الطاهر الذي يقول للذهب والفضة: يا صفراء ويا بيضاء غرّي غيري! ب _ الولاة (العمال على البلاد): ومصطلح «العمل على البلاد» هنا يعني ساسة البلاد والموظفين الذين يعينهم الخليفة او الوالي. وعندما عين الامام (ع) مالك الاشتر لولاية مصر، فانه حثّه على انتخاب ثلّة من اهل الشرف والتأريخ الناصع والاخلاص والنـزاهة لتولي الوظائف المهمة في ذلك البلد، بعد اختبارهم وامتحان ايمانهم واخلاصهم في وظائفهم. فقال (ع) في كتابه لمالك الاشتر: «... ثمّ انظُر في اُمور عمّالكَ فاستعملهُمُ اختِباراً (أي ولِّهم الاعمال بعد الامتحان)، ولا تولِّهِم محاباةً وأثرةً، فإنهما جماعٌ من شُعَبِ الجورِ والخيانةِ، وتوَخَّ منهم أهلَ التجربةِ والحياءِ، من أهلِ البيوتاتِ الصالحةِ والقَدمِ في الاسلامِ المتقدِّمةِ. فإنَّهُم أكرَمُ أخلاقاً وأصحُّ أعراضاً، وأقلُّ في المطامِعِ إشراقاً، وأغلبُ في عواقبِ الامورِ نظراً. ثم أسبغ عليهمُ الارزاقَ، فإنَّ ذلكَ قوةٌ لهم على استصلاحِ أنفسِهم، وغنىً لهم عن تناولِ ما تحتَ ايديهم، وحجةٌ عليهم إن خالَفُوا أمركَ أو ثلموا أمانتكَ. ثم تفقَّد أعمالَهُم وابعَثِ العيونَ من اهلِ الصدقِ والوفاءِ عليهم. فإنَّ تعاهُدَكَ في السرِّ لامورهِم حدوَةٌ لهم على استعمالِ الامانةِ والرفقِ بالرعيةِ. وتَحفَّظ منَ الاعوانِ، فإن أحدٌ منهم بسطَ يَدَهُ الى خيانَةٍ اجتمعت بها عليهِ عندكَ اخبارُ عُيُونِكَ، اكتفيتَ بذلكَ شاهداً. فبسطتَ عليهِ العقوبةَ في بدنِهِ، وأخذتَهُ بما أصابَ من عملهِ. ثم نصبتَهُ بمقامِ المذلَّةِ، ووسمتَهُ بالخيانةِ، وقلَّدتهُ عارَ التهمةِ»[46]. وظهور كلام الامام امير المؤمنين (ع) اغنانا عن البيان والتفسير. ج _ اصالة العلية بين اهل الصلاح والعدالة: ان العلاقة بين «اهل التجربة والحياء، من اهل البيوتاتِ الصالحةِ والقدم في الاسلام» وبين الحاكمية الشرعية هي علاقة علّة ومعلول. فان معرفة العلّية هنا يعني معرفة التأثير والقدرة والحاكمية الشرعية. فكما ان تناول السُم يسبب موتاً محتماً للانسان، فان الوالي ذو المنشأ الفاسد يسبب فساداً وظلماً في المجتمع. وكما ان الراحة النفسية علّة لسلامة الجسم، فان موظف الدولة من «البيت الصالح» علة لاستتباب العدل والامن في المجتمع. وبالاجمال، فقد وضع خطاب الامام (ع)، الذي خصص به شروط العمال على البلاد من موظفين واهل سياسة ورؤى، الخصائص التالية: 1 _ شرعية التعيين: فقد امضى (ع) تعيين موظفي الدولة من اهل التجربة والحياء، من اهل البيوتاتِ الصالحة. 2 _ طبيعة المنشأ والاثر: فان طبيعة منشأ الفرد تعكس طبيعة عمله الاداري والحكومي. والقاعدة تقول: اذا كان الفرد من عائلة صالحة كريمة، فان عمله سيكون صالحاً وكريماً، في اغلب الاحوال. وإن كان منشؤه فاسداً، فان عمله الاداري سيتسم بالفساد. 3 _ قنوات الاختبار: ان قنوات الاختبار التي حددها الامام (ع) تبدأ بالامتحان لمعرفة اهلية الانسان للادارة، وتنتهي بتسليط العيون عليه من اجل معرفة إن اصاب في عمله واخلصَ أو خان الامانة وغدر. (تليها ص 735 - 747)
اللاحق السابق صفحة التحميل الصفحة الرئيسية [1] «نهج البلاغة» - خطبة 136 ص 238. [2] «نهج البلاغة» - خطبة 15 ص 48. [3] م. ن. – كتاب 67 ص 589. [4] م. ن. – كتاب 26 ص 483. [5] م. ن. – من كلام له (ع). باب الخطب رقم 231 ص 448. [6] «نهج البلاغة» - كتاب 67 ص 589. [7] م. ن. – كتاب 67 ص 589. [8] «بحار الانوار» ج 40 ص 107 – 108. [9] «الغارات» - الثقفي ص 75. [10] «نهج البلاغة» - خطبة 216 ص 419. [11] م. ن. – كتاب 46 ص 538. [12] م. ن. – كتاب 53 ص 547. [13] «نهج البلاغة» - كتاب 53 ص 549. [14] م. ن. – كتاب 53 ص 551. [15] م. ن. – كتاب 53 ص 552. [16] م. ن. – كتاب 53 ص 566. [17] «نهج البلاغة» - كتاب 53 ص 566. [18] م. ن. – كتاب 53 ص 570. [19] سورة الصف: آية 3. [20] «نهج البلاغة» - كتاب 53 ص 571. [21] م. ن. – كتاب 59 ص 577. [22] «نهج البلاغة» - كتاب 67 ص 589. [23] م. ن. – خطبة 216 ص 419. [24] م. ن. – كتاب 46 ص 538. [25] م. ن. – كتاب 53 ص 549. [26] م. ن. – كتاب 53 ص 551. [27] م. ن. – كتاب 53 ص 566. [28] م. ن. – كتاب 53 ص 570. [29] «نهج البلاغة» - كتاب 53 ص 552. [30] م. ن. – كتاب 53 ص 549. [31] م. ن. – كتاب 53 ص 566. [32] «مروج الذهب» ج 2 ص 224. [33] «نهج البلاغة» - كتاب 67 ص 589. [34] «نهج البلاغة» - خطبة 129 ص 230. [35] م. ن. – كتاب 67 ص 589. [36] «نهج البلاغة» - كتاب 53 ص 554. [37] م. ن. – كتاب 53 ص 551. [38] م. ن. – كتاب 67 ص 589. [39] م. ن. – خطبة 216 ص 419. [40] م. ن. – كتاب رقم 5 ص 463. [41] «نهج البلاغة» كتاب 51 ص 543. [42] م. ن. – كتاب 53 ص 547. [43] الدُّوَل: جمع دُولة، هي المال، لانه يُتداول. أي ينقل من يد الى يد. [44] «نهج البلاغة» - خطبة 131 ص 232. [45] م. ن. – خطبة 131 ص 232. [46] «نهج البلاغة» كتاب 53 ص 557.
|