صفحة 61 المثل إلى الأحنف من صاحب المستقصي . ثم الملامة أشدّ مراتب العتاب ، وهي تخطيء وتصيب. صفحة 62 الرّاء مَعَ الدّال 18ـ رُدُّوا الحَجَرَ مِنْ حَيْثُ جَاءَ (1) . قال (عليه السّلام): (رُدُّوا الْحَجَرَ مِنْ حَيْثُ جَاءَ فَإِنَّ الشَّرَّ لا يَدْفَعُهُ إِلاَّ الشَّرُّ) . قال الشارح: (هذا مثل قولُهم في المثل : إنّ الحديد بالحديد يفلح (2) . وقال عمرو بن كلثوم : أَلا لا يَجهَلَنْ أَحَدٌ عَلَينا = فَنَجهَلَ فَوقَ جَهلِ الجاهِلينا وقال الفند الزّماني: فَلَمّا صَرَّحَ الشَرُّ = فأمسى وهو عُريانُ وَلَم يَبقَ سِوى العُدوا = نِ دِنّاهُم كَما دانوا وَبَعضُ الحِلمِ عِندَ الجَهـ = لِ لِلذِلَّةِ إِذعانُ وفي الشَّرِّ نجاةٌ حيـ = نَ لا يُنجِيكَ إحسانُ وقال الأحنف: وذي ضَغَنٍ أمتُّ القَوْلَ عنه = بحِلْمِي فاسْتَمَرَّ على المَقَالِ وَمَن يَحلُم وَلَيسَ لَهُ سَفِيهٌ = يُلاقِ المُعْضِلاتِِ مِنَ الرِجالِ) (3) من أمثال متناسبة : (الشرّ بالشرّ ملحق) (4) , (الشرّ للشرّ خلق) (5) . ــــــــــــــــــ (1) النهج 19 : 221, 320/ح. (2) مجمع الأمثال 1 : 11 حرف الهمزة. (3) شرح النهج 19 : 221. (4) النهج 18 : 41. (5) مجمع الأمثال 1 : 366 حرف السين. صفحة 63 وقد جاء في صادقيّ : (إن اللعنة إذا خرجت من فيِّ صاحبها تردَّدت فإن وجدت مساغاً وإلاّ رجعت على صاحبها) (1) . والغرض من ردّ الحجر منع تجاوز الظالم الغاشم بردّ ظلمه إليه ، فإنّ الظلم شرّ وشر منه صاحبه كالظالم كما تقدّم المثل (2) . فإذا لم يردّ على المتجاوز تجاوزه ازداد تجاوزاً ، وإذا عومل بمثل ما صنع ارتدع . فصبر المظلوم زيادة في ظلم الظالم ، ولا ينافيه ما جاء في الصّبر ؛ فإن ذلك فيما لم يكن الردّ عليه . وحمْلُ الحجر على معناه الظاهري لا يمنع من معناه المثلي ، أي من ردّ ظلم الظالم إليه . ــــــــــــــــــ (1) السفينة 1 : 512 في (لعن). (2) فاعل الخير خير منه , وفاعل الشرّ شرّ منه. صفحة 64 الرّاء مَعَ الفاء 19ـ الرَّفيقُ قَبلَ الطَّريقِ ، وَالجارُ قَبلَ الدّارِ (1) . من وصيّته للحسن (عليهما السّلام) المطوّلة ، قال فيها: (سَلْ عَنِ الرَّفِيقِ قَبْلَ الطَّرِيقِ ، وعَنِ الْجَارِ قَبْلَ الدَّارِ) . وفي المثل : (الرفيق إمّا رحيق أو حريق) ، وفي المثل : (جار السوء كلب هارش وأفعى ناهش) (2) . قوله (عليه السّلام) : (الرَّفِيقِ قَبْلَ الطَّرِيقِ) من الأمثال ، ذكره بعض الأدباء ، منهم الميداني ، قال بعد ذكر المثل : (أي حَصِّلِ الرفيق أولاً واخْبُرْهُ ، فربَّما لم يكن موافقاً ولم تتمكّن من الاستبدال به) (3) . و[ قال : الميداني ] بعد مثل (الجار ثم الدار) بذكر (ثمّ) ، قال : (هذا كقولهم: (الرفيق قبل الطريق) وكلاهما يروي عن النبيّ (صلّى الله عليه وسلّم) . قال أبو عبيد : كان بعض فقهاء أهل الشام يحدّث بهذا الحديث ويقول : معناه إذا أردت شراء دار فسَلْ عن جوارها قبل شرائها) (4) . ثم الجار نذكر شيئاً من حقوقه لأدنى مناسبة : اهتمّ الشرع الإسلامي بالجار حتّى قال الإمام (عليه السّلام) في وصيّة له : (واللَّهَ اللَّهَ فِي جِيرَانِكُمْ فَإِنَّهُمْ وَصِيَّةُ نَبِيِّكُمْ)(5) ، وقال تعالى: (وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ ...) (6) . ـــــــــــــــــــــ (1) النهج 16 : 113 ، 31/الوصيّة. (2) شرح النهج 16 : 121. (3) المجمع 1 : 303 حرف الراء. (4) المجمع 1 : 172 (حرف الجيم). (5) النهج 17 : 5 ، 47/الوصيّة. (6) سورة النساء الآية 36. صفحة 65 الجار إمّا قريب أو بعيد ، وهما إمّا قريب أو أجنبيّ ، فهذه أربعة : فالجار ذو الرحم ، قريباً كان أو بعيداً ، داخل في (وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى) . والأجنبي ، القريب والبعيد ، في (وَالْجَارِ الْجُنُبِ) . (وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ) هو الذي يصحبك في السفر جنباً إلى جنب . ثم ليس حسن الجوار كفّ الأذى عنه فقط ، بل بتحمّل الأذى والصبر على ما يرى ، قال القائل: ليس حسن الجوار كفّ الأذى = ولكن حسن الجوار الصبر (1) ـــــــــــــــ (1) ذكرناه في الأمثال النبويّة حرف الجيم. صفحة 66 الرّاء مَعَ الكاف 20ـ رَكِبْنا أعْجازَ الإِبِل وإِنْ طَالَ السُّرى (1) . والأصل فيه قوله (عليه السّلام): (لَنَا حَقٌّ فَإِنْ أُعْطِينَاهُ وإِلا رَكِبْنَا أَعْجَازَ الإبِلِ وإِنْ طَالَ السُّرَى) . قال الرضي (رحمه الله تعالى) : (وهذا القول من لطيف الكلام وفصيحه ، ومعناه : أنّا إن لم نعط حقّنا كنّا أذلاّء ؛ وذلك أن الرديف يركب عجز البعير ، كالعبد والأسير ومن يجري مجراهما) . قال بعض الشرَّاح : (له تفسيران : أحدهما : أنّ راكب عجز البعير يلحقه مشقّة وضرر ، فأراد : أنّا إذا منعنا حقّنا صبرنا على المشقّة والمضرّة كما يصبر راكب عجز البعير . وهذا التفسير قريب مما فسّره الرّضي ، والوجه الثاني : أنّ راكب عجز البعير إنّما يكون إذا كان غيره قد ركب على ظهر البعير ، وراكب ظهر البعير متقدّم على راكب عجز البعير ، فأراد : أنّا إذا منعنا حقّنا تأخّرنا وتقدّم غيرنا علينا فكنّا كالراكب رديفاً لغيره . وأكّد المعنى على كلا التفسيرين بقوله : (وإِنْ طَالَ السُّرَى) ؛ لأنّه إذا طال السُّرى كانت المشقّة على راكب البعير أعظم ، وكان الصبر على تأخّر راكب عجز البعير عن الراكب على ظهره أشدّ وأصعب .. قاله يوم الشُّورى) (2) . وقال آخر: (عليّ (رضي الله تعالى عنه) قال يوم الشورى : (لنا حقّ إن نعطه نأخذه ، وإن نمنعه نركب أعجاز الإبل وإن طال السُّرى) . هذا مثل لركوبه الذلّ والمشقّة وصبره عليه وإن تطاول ذلك ، وأصله أن الراكب إذا اِعْرَوْرى ــــــــــــــــــ (1) النهج 18 : 132 ، 22/ح. (2) المصدر. صفحة 67 البعير ركب عجزه من أصل السنام ، فلا يطمئنّ ويحتمل المشقّة . وأراد بركوب أعجاز الإبل كونه ردفاً تابعاً ، وأنّه يصبر على ذلك وإن تطاول به . ويجوز أن يريد : وإن نمنعه نبذلِ الجهد في طلبه فعل من يضرب في ابتغاء طلبته أكباد الإبل ولا يبالي باحتمال طول السُّرى) (1) . وهكذا غيرهما من الجمهور ، قد خصّصوا كلامه (عليه السّلام) بيوم الشُّورى بعد وفاة عمر واجتماع الجماعة لاختيار واحد من الستّة . وليت شعري لِمَ خصّصوه بذلك ؟! وهل كان منْع القوم الإمام (عليه السّلام) عن حق الخلافة من بعد عمر وكان له ولصاحبه الحق وليس له (عليه السّلام) منه نصيب ؟! أو خصّصهما الله ورسوله به دونه [ مـا ] أو أنّه خاصّ به تقّمصه القوم ؟! اختر ما شئت! ـــــــــــــــــ (1) الفائق [ في غريب الحديث ، جار الله الزمخشري] 2 : 397 ـ 398. صفحة 68 صفحة 69 السّين مَعَ الرّاء 21ـ سُرُوحُ عَاهَةٍ بِوَادٍ وَعْثٍ (1) . أحد الأمثال الّتي ضربها في وصيّته لابنه الحسن (عليهما السّلام) ، قال فيها: (وإِيَّاكَ أَنْ تَغْتَرَّ بِمَا تَرَى مِنْ إِخْلادِ أَهْلِ الدُّنْيَا إِلَيْهَا ، وتَكَالُبِهِمْ عَلَيْهَا ؛ فَقَدْ نَبَّأَكَ اللَّهُ عَنْهَا ونَعَتَتْ نَفْسِهَا وتَكَشَّفَتْ لَكَ عَنْ مَسَاوئهَا . فَإِنَّمَا أَهْلُهَا كِلابٌ عَاوِيَةٌ وسِبَاعٌ ضَارِيَةٌ يَهِرُّ بَعْضُهَا عَلَى بَعْضٍ ، ويَأْكُلُ عَزِيزُهَا ذَلِيلَهَا ، ويَقْهَرُ كَبِيرُهَا صَغِيرَهَا . نَعَمٌ مُعَقَّلَةٌ وأُخْرَى مُهْمَلَةٌ ، قَدْ أَضَلَّتْ عُقُولَهَا ورَكِبَتْ مَجْهُولَهَا " سُرُوحُ عَاهَةٍ بِوَادٍ وَعْثٍ " ، لَيْسَ لَهَا رَاعٍ يُقِيمُهَا ولا مُسِيمٌ يُسِيمُهَا ...) . وهي وصيّة مطوّلة أخذنا منها ما يربط المثل الجاري . قال الشارح : (ثلاثة أمثال محرّكة لمن عنده استعداد ، واستقرأني أبو أفرج محمد بن عبّاد (رحمه الله) وأنا يومئذٍ حَدَثٌ هذه الوصيّة ، فقرأتها عليه من حفظي ، فلمّا وصلت إلى هذا الموضع صاح صيحة شديدة وسقط ، وكان جباراً قاسي القلب . (سُرُوحُ عَاهَةٍ) والسروح : جمع سرح ، وهو المال السارح . والعاهة : الآفة ... . ووادٍ وعثٍ لا يثبت الحافر والخفّ فيه ، بل يغيب فيه ويشقّ على من يمشي فيه) (2) . أو السروح : الأغنام . يقول (عليه السّلام) أهل الدّنيا كلاب ـــــــــــــــــــــ (1) النهج 16 : 89 ـ 90 ، 31/الوصية. (2) شرح النهج 16 : 90 ـ 91. صفحة 70 عاوية وسباع جائعة يتناهشن على جيف أو أغنام سائمة ترعى ، ومعقّلة متحيّرة في أودية لا يثبت فيها خفّ ولا خافر . لا راعي يرعاها ، وقد اعتورها الآفات من كلّ جوانبها . برزت في كلامه (عليه السّلام) حقائق أهل الدّنيا وبوائق ما طالت الأيّام تخفينها ، وسوف يحشر الناس على ما هم فيه من صفات الحيوانات كما جاء في تفسير (وَإِذَا الْوُحُوشُ حُشِرَتْ)(1) يأتون يوم القيامة على صور ما كانوا يزاولون من صفات الكلاب والسّباع وغيرها. ـــــــــــــــــ (1) سورة التكوير الآية 5. |