صفحة 51 صفحة 52 صفحة 53 الدّال مَعَ العين 14ـ دَعْ عَنْكَ مَنْ مالَتْ بِهِ الرَّمْيَّةُ (1) . من كلام له (عليه السّلام) في جواب لكتاب معاوية الذي يذكر فيه بعض الناس ، قال (عليه السّلام): (... فَدَعْ عَنْكَ مَنْ مَالَتْ بِهِ الرَّمِيَّةُ فَإِنَّا صَنَائِعُ رَبِّنَا والنَّاسُ بَعْدُ صَنَائِعُ لَنَا ...) . الرَّمْيَّةُ بمعنى الرمي ، والباء للإلصاق : أي دع من رمته الدنيا بسهامها وصار غرضاً لها لإقباله عليها . ويشهد لذلك ما جاء في بعض خطبه (عليه السّلام) (تَرْمِيهِمْ بِسِهامِها، وتُفْنِيهِمْ بِحِمامِها) (2) . ويصحّ ذلك أيضاً رميه بسهام النفس وإبليس ، إذ استعارة رمي السهام فيها بجامع التأثير السريع على حدّ سواء ، وقد جاء (النظرة سهم مسموم من سهام الشيطان) (3) . وقيل الرَّمْيَّةُ : الطريدة المرميّة . (يقال للصيد : يرمي هذه الرَّمْيَّة ، وهي (فَعْليَّة) بمعنى مفعولة ، والأصل في مثلها أن لا تلحقها الهاء نحو : (كفّ خضيب ، وعين كحيل) إلاّ أنّهم أجروها مجرى الأسماء لا النعوت كالقصيدة والقطيعة ، والمعنى : دع ذكر من مال إلى الدنيا ومالت به ، أي أمالته إليها) (4) . ــــــــــــــــــ (1) النهج 15 : 182, 28/ك. (2) النهج 11 : 257, 221/ط. (3) الوسائل 14 : 138 ـ 140. (4) شرح النهج 15 : 194. صفحة 54 عن الشيخ محمد عبده : (يضرب لمن أعوّج غرضه فمال عن الاستقامة لطلبه) (1) . قيل : المراد من الموصول في المثل هو عثمان لا الشيخان ؛ لأنّه (عليه السّلام) لم يذكرهما بقدح والمثل يضرب لذلك ، فلابدّ من صرفه إلى غيرهما (2) . يجاب عنه : أنّ الكلام مقياس كليّ له اطّراده في جميع الناس إذا تحقّقت فيه الرّمية مهما كان نوعه ، ومعاوية المخاطب من أجلى مصاديقه ، ومن تدبّر صدر الكلام عرف الحق. ــــــــــــــــــ (1) رسالة الإسلام 118 ـ عدد 7 ـ 208. (2) شرح النهج 15 : 194. صفحة 55 الدّال مَعَ الهاء 15ـ الدَّهرُ يَومَانِ: يَوْمٌ لكَ وَيَوْمٌ عَليْكَ (1) . من كلام الإمام (عليه السّلام) الجاري مجرى الأمثال : (الدَّهْرُ يَوْمَانِ: يَوْمٌ لَكَ ، ويَوْمٌ عَلَيْكَ . فَإِذَا كَانَ لَكَ فَلاَ تَبْطَرْ ، وإِذَا كَانَ عَلَيْكَ فَاصْبِرْ). قال الشارح : (قديماً قيل هذا المعنى: الدّهر يومان: يوم بلاء ويوم رخاء ، والدّهر: ضربان : حبرة وعبرة , والدّهر وقتان: وقت سرور ووقت ثبور . وقال أبو سفيان يوم أحد : يوم بيوم بدر ، والدّنيا دول . ويحمل ذمّ البطر هاهنا على محملين : أحدهما البطر بمعنى الأشر وشدّة المرح . بَطِر الرجل (بالكسر) يبطر وقد أبطره المال ، وقالوا: بطر فلان معيشته ، كما قالوا : رشد فلان أمره . والثاني البطر بمعنى الحيرة والدّهش ، أي إذا كان الوقت لك فلا تقطعنّ زمانك بالحيرة والدّهش عن شكر الله ، ومكافأة النعمة بالطّاعة والعبادة ، والمحمل الأوّل أوضح) (2) . الدّهر هو ما سوى الله جلّ جلاله برمّته ، الممتدّ من البداية إلى النهاية . وربّما يتخيّل أنّه المنتزع من الحدّين ، وواقع المنتزع ـ كمّا تقدّم ـ هو المجزوم ، ولامتداده ظنّ قِدَمه حتّى زعم الدّهريّون أنّه منشأ الحياة والهلاك كما حكى عنهم الله (جلّ جلاله) : (وَمَا يُهْلِكُنَا إِلاَّ الدَّهْرُ)(3) . فإن أرادوا به الله تعالى وجهلوا أنّه هو ، أو أجروا عليه تعالى اسم الدّهر ، فهذا أهون ــــــــــــــــــ (1) النهج 19 : 364, 406/ح. (2) المصدر. (3) سورة الجاثية الآية 24. صفحة 56 من الأوّل .. والبحث في محلّه . يريد (عليه السّلام) أنّ للدّنيا إقبالاً وإدباراً ، فإن أقبلت عليك فلا تغترّ بها فتنسى كلّ شيء ، وإن أدبرت فاصبر . وقد جاء في الحديث القدسي : (يا موسى ، إن أقبلت الدّنيا فعقوبة عُجّلت ، وإن أدبرت فقل مرحباً بشعار الصّالحين) (1) . ــــــــــــــــــ (1) مجموعة ورّام 2 : 43. صفحة 57 صفحة 58 صفحة 59 الرّاء مَعَ الباء 16 ـ رُبَّ قولٍ أَنْفَذُ من صَوْلٍ (1) . وهذا المثل ذكره جمع ، منهم : المفضّل (2) . والميداني بعد إيراده بلفظ (ربّ قول أشدّ من صول) ، وكذا الزمخشري (3) ، قال: (يضرب عند الكلام يؤثِّر فيمَن يواجَه به ، قال أبو عبيد : وقد يضرب هذا المثل فيما يتّقي من العار . وقال أبو الهيثم : (أشدّ) في موضع خفضٍ ؛ لأنّه تابع للقول . وما جاء بعد (ربّ) فالنّعت تابع له) (4) . قال الشارح : (قد قيل هذا المعنى كثيراً (والقول ينفذ ما لا تنفذ الإبر) ، ومن ذلك: (القول لا تملكه إذا نما ، كالسّهم لا تملكه إذا رمى) ، وقال الشاعر: وَقافِيَةٍ مِثلِ حَدِّ السِنا = نِ تَبقى وَيَذهَبُ مَن قالَها تَخَيَّرْتُها ثُمَّ أرْسَلْتُهَا = ولَمْ يُطِقِ النّاسُ إرْسَالَها وقال محمود الورّاق : أَتاني عَنكَ ما لَيسَ = عَلى مَكروهِهِ صَبرُ فَأَغضَيتُ عَلى عَمدٍ = وَكَمْ يُغضي الفَتى الحُرُّ وَأَدَّبتُكَ بِالهَجرِ = فَما أَدَّبَكَ الهَجرُ وَلا رَدَّكَ عَمّا كا = نَ مِنكَ الصَفحُ وَالبِرُّ فَلَمّا اِضطَرَّني المَكرو = هُ وَاِشتَدَّ بِيَ الأَمرُ تَناوَلتُكَ مِن شِعرّي = بِما لَيسَ بِهِ قَدرُ فَحَرَّكتَ جَناحَ الضُرِّ = لَمّا مَسَّكَ الضُرُّ ) ــــــــــــــــــ (1) النهج 19 : 359, 402/ح. (2) الفاخر 265. (3) المستقصي 2 : 98. (4) مجمع الأمثال 1 : 290 حرف الراء. (5) النهج 19 : 359. صفحة 60 17 ـ رُبَّ مَلُومٍ لا ذَنْبَ لَهُ (1) . في جواب لكتاب معاوية: (وما كُنْتُ لِأََعْتَذِرَ مِنْ أنِّي كُنْتُ أَنْقِمُ عَلَيْهِ أحْداثاً ، فَإِنْ كانَ الذَّنْبُ إِلَيْهِ إِرْشادِي وهِدايَتِي لَهُ ، فَـ "رُبَّ مَلُومٍ لا ذَنْبَ لَهُ " . وقَدْ يَسْتَفِيدُ الظِّنَّةَ الْمُتَنَصِّحُ وما أَرَدْتُ إِلا الْإِصْلاحَ مَا اسْتَطَعْتُ ، وما تَوْفِيقِي إِلاّ بِاللّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وإِلَيْهِ أُنِيبُ) . هذا جزء من كلام له (عليه السّلام) بهذا الصدد حيث اتّهم معاوية الإمام (عليه السّلام) بالاشتراك في قتل عثمان فأجاب عنه : بأني كنت ناقماً عليه لأحداث ارتكبها . وليست هذه النقمة شركة في قتل عثمان ، بل كانت هداية له وإرشاداً ، فإن كنت ـ يا معاوية ـ تلومني على ذلك (فربّ ملومٍ لا ذنب له) وما أنا ذا ملوم ، بلا ذنب ركبته . قال الزمخشري : (ربَّ ملومٍ لا ذنب له : قاله الأحنف لرجل ذمّ عنده الكمأة مع السمن ، قال (بحر المتقارب) : فلا تلمْ المرءَ في شأنِه = فربَّ ملومٍ ولم يُذْنِبِ ) (2) و(رُبَّ لاَئِمٍ مُلِيْمٌ) (3) وهو معاوية وأضرابه من قالة الباطل. قيل : (قائل : (ربّ ملوم لا ذنب له) هو أكثم بن صيفي ، يقول قد ظهر للناس منه أمر أنكروه عليه وهم لا يعرفون حجّته وعذره ، فهو يلام عليه . وذكروا أنّ رجلاً في مجلس الأحنف بن قيس قال: ليس شيء أبغض إليّ من التمر والزبد ، فقال الأحنف: ربّ ملوم لا ذنب له) (4) . تقدّم انتماء ــــــــــــــــــ (1) النهج 15 : 183, 28/ك. (2) المستقصي 2 : 99. (3) المصدر 2 : 98. (4) مجمع الأمثال 1 : 305 حرف الراء [بتصرف طفيف] . |