صفحة 41 صفحة 42 صفحة 43 الحاء مَعَ الدّال 10ـ حَدْوَ الزّاجِرِ بِشَوْلِه (1) . قال (عليه السّلام) : (... عِبَادَ اللَّهِ إِنَّ الدَّهْرَ يَجْرِي بِالْبَاقِينَ كَجَرْيِهِ بِالْمَاضِينَ : لا يَعُودُ مَا قَدْ وَلَّى مِنْهُ ، ولا يَبْقَى سَرْمَداً مَا فِيهِ . آخِرُ فَعَالِهِ كَأَوَّلِهِ . مُتَشَابِهَةٌ أُمُورُهُ ، مُتَظَاهِرَةٌ أَعْلامُهُ ، فَكَأَنَّكُمْ بِالسَّاعَةِ تَحْدُوكُمْ "حَدْو الزَّاجِرِ بِشَوْلِهِ" ) . قال ابن الأثير : (وهي الناقَةُ التي شالَ لبَنُها : أي ارْتَفع . وتُسمَّى الشَّوْلَ : أي ذات شَوْلٍ ؛ لأنه لم يَبْقَ في ضَرْعها إلاّ شَولٌ من لبنٍ : أي بَقيَّة . ويكون ذلك بَعد سَبعة أشهُر من حَمْلها ، ومنه حديث عليّ (فَكَأَنَّكُمْ بِالسَّاعَةِ تَحْدُوكُمْ حَدْو الزَّاجِرِ بِشَوْلِهِ) أي الذي يزجُرُ إبلَه لتَسِير) (2) . والتاء في (شولة) تأنيث أو مصدر ، أي ذات شول . والشائلة : واحدة الشوائل . (وشُوَّل كرُكَّع : جمع شائل ، وهي الناقة الّتي تشول بذنبها للّقاح ، ولا لبن لها أصلاً ، وأتى عليها من نتاجها سبعة أشهر أو ثمانية . وشوّلت الناقة ... : أي صارت شائلة . وشوّال أحد فصول السّنة ... سمّى بذلك لشَوَلان الإبل بأذنابها في ذلك الوقت لشدّة شهوة الضّراب ؛ ولذلك كرهت العرب التّزويج فيه ، وعن النّبي (صلّى الله عليه وآله) : (سمّي شوّالاً لأنّ فيه شالت ذنوب المؤمنين) أي ارتفعت وذهبت) (3) . والحَدْو : سوق الإبل . والحادي : ــــــــــــــــ (1) النهج 9 : 209, 158/ط. (2) النهاية في (شول). (3) مجمع البحرين في (شول) [نقل بتصرُّف] . صفحة 44 السائق لها . والحدّي : التغنّي لجدّ السير . وإنّما شبّه (عليه السّلام) اندفاع النّاس بالسّاعة ـ أي القيامة ـ بسائق الناقة ، القليلة اللّبن أو عديمته ، في سرعة سيرها ؛ لخفّتها ولزجرها ، أي أنّ السّاعة تقهركم على الموقف لمحاسبتكم على أعمالكم : إن خيراً فخير وإن شرّاً فشرّ . وكرّر منه (عليه السّلام) التّعبير بالحَدْو ، ومنه: (وَرَاءَكُمُ السَّاعَةَ تَحْدُوكُمْ) (1) (وإِنَّ السَّاعَةَ تَحْدُوكُمْ) , بل (بَلْ السَّاعَةُ مَوْعِدُهُمْ وَالسَّاعَةُ أَدْهَى وَأَمَرُّ) (2) من الزجر والقتل والأسر وأفظع من كلّ فظيع وأدهى من الدّواهي كلّها. ــــــــــــــــ (1) النهج 1 : 301, 21/ط. (2) سورة القمر الآية 46. صفحة 45 الحاء مع السّين 11ـ الحَسَدُ يأكلُ الإيمان كَما يأكُل النّارُ الحَطَب (1) . من التمثيلات صادرة عن الإمام (عليه السّلام) في إحدى خطبه ، قال فيها: (وتَحَاسَدُوا فَإِنَّ الْحَسَدَ يَأْكُلُ الإيمَانَ كَمَا تَأْكُلُ النَّارُ الْحَطَبَ) . من الإيمان أن يعقد المؤمن قلبه على أنّه تعالى يؤتي الملك من يشاء وينزعه عمّن يشاء ، ويؤتي الفضل من رزق وغيره ، كما قال تعالى: (أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمْ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ) (2) . فإذا تمنّى زوال ذلك وانفجر من وجوده فقد عارض إلهه في قضائه وعطائه ، وهو مناف للإيمان بها ، فكيف يبقى الإيمان ؟! بلى يفنى كما تفني النّارُ الحطب . ثم الحسد جاء الأمر بالتعوّذ من شرّه كما قال تعالى : (وَمِنْ شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ) (3) ، وفي النبويّ : (... وكاد الحسد أن يغلب القدر) ، والصادقيّ : (آفة الدّين الحسد والعجب والفخر) ، والنبويّ : (قال الله (عَزَّ وجَلَّ) لموسى بن عمران : يا ابن عمران ، لا تحسدنّ النّاس على ما آتيهم من فضلي ، ولا تمدّن عينيك إلى ذلك ولا تتبعه نفسك ، فإنّ الحاسد ساخط لنعمي ، صادّ لقسمي الذي قسّمت بين عبادي ، ومن يك كذلك فلست منه وليس منّي) (4) . وهو من داعية الذنوب ، قال أمير المؤمنين (عليه السّلام): ( ... الحرص والكبر والحسد دواعٍ إلى التقحّم في الذنوب) (5) . وكما لا يسلم له إيمان لم تبق صحّة البدن معه ، قال (عليه السّلام): (العجبُ لغفلة الحسّاد عن سلامة الأجساد) (6) ، ــــــــــــــــ (1) النهج 6 : 354, 85/ط. (2) سورة النساء الآية 54. (3) سورة الفلق الآية 5. (4) أصول الكافي 2 : 307. (5) النهج 19 : 301. (6) النهج 19 : 49. صفحة 46
وكرّر هذا التمثيل المذكور في كلامه (عليه السّلام) في أكل الحسد الإيمان بأكل النّار الحطب في الأحاديث ومنها النبويّ (3) . ــــــــــــــــ (1) المصدر 97. (2) المصدر 6 : 425. (3) في (الأمثال النبويّة حرف الحاء). صفحة 47 الحاء مَعَ الكاف 12ـ الحكمةُ ضالةُ المؤُمنِ (1) . قال (عليه السّلام): (خُذِ الْحِكْمَةَ أَنَّى كَانَتْ ، فَإِنَّ الْحِكْمَةَ تَكُونُ فِي صَدْرِ الْمُنَافِقِ فَتَلَجْلَجُ فِي صَدْرِهِ حَتَّى تَخْرُجَ فَتَسْكُنَ إِلَى صَاحِبِهَا فِي صَدْرِ الْمُؤْمِنِ ) . قال الرضي (رحمه الله) : وقد قال عليّ (عليه السّلام) في مثل ذلك : (الْحِكْمَةُ ضَالَّةُ الْمُؤْمِنِ فَخُذِ الْحِكْمَةَ ولَومِنْ أَهْلِ النِّفَاقِ) . قال الميداني: (يعني أنّ المؤمن يحرص على جمع الحكم من أين يجدها يأخذها) (2) . يمكن أن لا يعلم أنّه لأمير المؤمنين (عليه السّلام) ، أو كونه مثلاً نبويّاً ، ولكن بعيد من مثله ، ونحن عددناه من الأمثال النبويّة والعلويّة ولا تنافي ذلك . قيل : (خطب الحجّاج فقال : إنّ الله أمرنا بطلب الآخرة وكفانا مئونة الدنيا ، فليتنا كفينا مئونة الآخرة وأمرنا بطلب الدنيا . فسمعها الحسن [ البصري ] فقال : هذه ضالّة المؤمن خرجت من قلب المنافق) (3) . [ تعريف الحكمة : ] عرفت الحكمة بتعاريف ، فقيل : هي فهم المعاني ، وطاعة الله ومعرفة الإمام ، وإتقان الأمور . وأجمع تعريف : هي العلم بشرائع السماء والعمل بها . وقيل : العلم بمصالح الدارين ومفاسدهما . وقيل : النبوّة . وقيل غير ذلك .. ذكرنا نبذة من ــــــــــــــــ (1) النهج 18 : 229, 77/ح. (2) المجمع 1 : 214 حرف الحاء. (3) شرح النهج 18 : 229. صفحة 48 الأقوال في حرف الحاء من الأمثال النبويّة جاء في الحديث : (من أخلص لله أربعين صباحاً جرت ينابيع الحكمة من قلبه على لسانه) (1) . [ عوامل حصول الحكمة : ] من عوامل حصول الحكمة قلّة الكلام ، ونوم القيلولة ، وقلّة الأكل ، ومجالسة الأتقياء ، وصلاة الليل ، وقراءة القرآن الكريم ، وإخلاص العمل لله (عَزَّ وجَلَّ) ، ومعرفة الله والنبيّ والأئمّة (صلّى الله عليهم أجمعين) ، والطاعة له تعالى . وليست الحكمة المرضيّة هي المصطلحة عند قوم . ــــــــــــــــــ (1) السفينة 1 : 408 في خلص. صفحة 49 الحاء مع النّون 13ـ حَنَّ قِدْحٌ لَيْس مِنْها (1) . من أمثال سائرة تمثّل به أمير المؤمنين (عليه السّلام) في جواب كتاب معاوية (... وما لِلطُّلَقَاءِ وأَبْناءِ الطُّلَقاءِ ! وَالتَّمْيِيزَ بَيْنَ الْمُهاجِرِينَ الْأَوَّلِينَ ، وتَرْتِيبَ دَرَجاتِهِمْ ، وتَعْرِيفَ طَبَقاتِهِمْ ؟! هَيْهاتَ! لَقَدْ حَنَّ قِدْحٌ لَيْسَ مِنْها ، وطَفِقَ يَحْكُمُ فِيها مَنْ عَلَيْهِ الْحُكْمُ لَها) . (حنّ) من الحنين ، وهو نوع صوت . و( قِدْح : أصله من القداح ، من عود واحد يجعل فيها قدح من غير ذلك الخشب فيصوّت إذا أرادها المفيض ، فذلك الصوت هو حنينه . هذا مثل يضرب لمن يدخل نفسه بين قوم ليس له أن يدخل بينهم) (2) ، أو لمن يفتخر بقوم ليس منهم , أو يمتدح بما لا يوجد فيه . قيل : المثل لعمر أجاب به عقبة بن أبي معيط حينما قال له : (أأقتل من بين قريش ؟!) . قال الزمخشري : وقيل : بني الحنان ، وهم بطن من بلحارث ، أنّ جدّهم ألقى قِدْحاً في قداح قوم يضربون بالميسر وكان يضرب لهم رجل أعمى ، فلما وقع قِدْحه في يده قال: (حنّ قِدْح ليس منها) فلقب الحنان لذلك. ومنه يظهر : أنّ المثل ليس لعمر ، ويؤيّد ذلك قول الميداني إنّ عمر تمثّل به (3) . والقِدْح السهم من أقداح الميسر ، وعند إجالتها خالف ــــــــــــــــ (1) النهج 15 : 181, 28/ك. (2) شرح النهج 15 : 191 [العبارة لابن أبي الحديد والمؤلف تصرَّف في تقديم بعضها على بعض]. (3) رسالة الإسلام 117 ـ 118 العدد 7ـ 8. صفحة 50 صوت القِدح الذي ليس من مادّة بقية القداح صوتها ، فيعرف أنّه ليس من جملتها. قيل : إنّ كلام الإمام (عليه السّلام) تصديق للشيخين لأنّهما من المهاجرين ذوي الرتب والدرجات التي لم يكن لمعاوية صلوح التمييز لها ، بل لابدّ من مثل الإمام (عليه السّلام) يميّزها لأنهما في درجته في الفضل . والجواب : أنّ الكلام جاء كمقياس كليّ لا ينطق إلاّ على موارده الحقيقية بدون تعيين . |