الصفحة اللاحقةhttp://www.alhassanain.com/arabic/all/maktabeh-aqaed/al-imameh/index.htmlالصفحة السابقة

شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام)للتراث و الفكر الإسلامي

 

صفحة 121

إليه ليتزّوج بها فخرج في ألف فارس وخلّف باقي جنوده مع ابن أخيه .. (1) .

وهو مثل يضرب لمن خالف نصح الناصح ، وما أكثر من نزول الويل على من ترك نصح ذي الحجى وحلول الندامة عند معصية ذوي الرأي والإشفاق ؟! وهل كان أحد أسدّ من الأمير (عليه السّلام) رأياً وأكثر إشفاقاً على الرعيّة . وإنّ حادثة التحكيم المفروض منهم على الإمام (عليه السّلام) لمن أمرِّ الحوادث وأشدّها على الإسلام والمسلمين من جرّاء العصيان والتمرّد .

ـــــــــــــــــ

(1) السفينة 2 : 431


صفحة 122

باب الميم


صفحة 123

الميم مَعَ الألف

40 ـ مَا عَدا مِمَّا بَدا (1) .

جاء المثل في آخر كلام له (عليه السّلام) لما أنفذ عبد الله بن عبّاس إلى الزبير قبل وقوع الحرب يوم الجمل ليستفيئه إلى طاعته:

(لا تَلْقَيَنَّ طَلْحَةَ فَإِنَّكَ إِنْ تَلْقَهُ تَجِدْهُ كَالثَّوْرِ عَاقِصاً قَرْنَهُ ، يَرْكَبُ الصَّعْبَ ، ويَقُولُ هُو الذَّلُولُ . ولَكِنِ الْقَ الزُّبَيْرَ فَإِنَّهُ أَلْيَنُ عَرِيكَةً ، فَقُلْ لَهُ : يَقُولُ لَكَ ابْنُ خَالِكَ عَرَفْتَنِي بِالْحِجَازِ وأَنْكَرْتَنِي بِالْعِرَاقِ "فَمَا عَدَا مِمَّا بَدَا" ) .

قال الرضي (رحمه الله):

(وهو (عليه السّلام) أوّل من سمعت منه هذه الكلمة أعني: (فَمَا عَدَا مِمَّا بَدَا)) .

كتبها كلّ من الميداني (2) والمفضل (3) وغيرهما ناسبين لها إلى أمير المؤمنين (عليه السّلام) ، وهي صالحة للمثل ، بل هي هو.

قال القطب الراوندي :

(قوله : (فَمَا عَدَا مِمَّا بَدَا) له معنيان :

أحدهما : ما الذي منعك مما كان قد بدا منك من البيعة قبل هذه الحالة .

الثاني : ما الذي عاقك ، ويكون المفعول الثاني لـ (عدا) محذوفاً يدل عليه الكلام ، أي ما عداك . يريد : ما شغلك وما منعك ممّا كان بدا لك من نصرتي) (4) .

وقيل :

(المعنى  : ما الذي صدّك عن طاعتي بعد إظهارك لها . وحذفُ الضمير المفعول المنصوب كثيرٌ جدّاً ، كقوله تعالى : (وَاسْأَلْ مَنْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ

ـــــــــــــــــــ

(1) النهج 2 : 162 ، 31/كلام.

(2) المجمع 2 : 296 حرف الميم.

(3) الفاخر 1 ـ 3.

(4) شرح النهج 2 : 164.


صفحة 124

مِنْ رُسُلِنَا) (1) : أي أرسلناه) (2) .

يمكن كونه مثلاً سائراً تمثّل الإمام به ، أو من باب توارد الخواطر ، أو من كلمات قصار صالحة للمثل كما تقدم . قيل : أجاب زبير بعد إبلاغه :

(أبلغه سلامي وقل له : عهد خليفة ، ودَم خليفة ، وإجماع ثلاثة ، وانفراد واحد وأمّ مبرورة ، ومشاورة العشيرة ...) (3) .

ـــــــــــــــــــ

(1) سورة الزخرف : الآية 45.

(2) شرح النهج 2 : 164.

(3) الفاخر 301 (بتصرف طفيف) .


صفحة 125

الميم مَعَ التّاء

41 ـ والْمُتَعَلِّقُ بِهَا كَالْوَاغِلِ الْمُدَفَّعِ والنَّوْطِ الْمُذَبْذَبِ (1) .

من كتاب له (عليه السّلام) إلى زياد بن أبيه وقد بلغه أنّ معاوية كتب إليه يريد خديعته باستخلافه :

(وقَدْ كَانَ مِنْ أَبِي سُفْيَانَ فِي زَمَنِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فَلْتَةٌ مِنْ حَدِيثِ النَّفْسِ ، ونَزْغَةٌ مِنْ نَزَغَاتِ الشَّيْطَانِ ، لا يَثْبُتُ بِهَا نَسَبٌ ولا يُسْتَحَقُّ بِهَا إِرْثٌ و"الْمُتَعَلِّقُ بِهَا كَالْوَاغِلِ الْمُدَفَّعِ والنَّوْطِ الْمُذَبْذَبِ") .

قال الرّضي (رحمه الله) :

(قوله (عليه السّلام) : (الْوَاغِل) هو الذي يهجم على الشرب ليشرب معهم وليس منهم فلا يزال مدّفعاً محاجزاً ، و(النَّوْط الْمُذَبْذَبِ) : هو ما يناط برحل الراكب من قعب أو قدح أو ما أشبه ذلك ، فهو أبداً يتقلقل إذا حثّ ظهره واستعجل سيره.

وقيل :

(الواغل : غير المدعوّ إلى وليمة ، المعبّر عنه بـ : الطفيل . لا يزال يدفع بإخراجه عن ذلك) (2) .

قوله (عليه السّلام) (فَلْتَةٌ) : (الفلتة : وقوع الأمر من غير تدّبر ولا روّية ، وكلّ شيء يفعله الإنسان فجأة من غير تدبّر ولا روّية ، ومنه قول عمر : كانت بيعة‌ أبي بكر فلتة وقى الله شرّها (3) .

ومراده (عليه السّلام) من فلتة أبي سفيان قَولته في تبنّي زياد وأنه ولده . لا يثبت بهذا القول بنّوةٌ في ظاهر الشرع ، يتوارث عليها . فشبّهه (عليه

ـــــــــــــــــــ

(1) النهج 16 : 177 ، 44/ك.

(2) هامش بعض نسخ النهج.

(3) مجمع البحرين في (فلت) [بتصرُّف] .


صفحة 126

السلام) المتعلّق بها كمن يهجم على ورد ماء ليس من أصحابه ، فيدفع عنه ويمنع عن ورود الورد أشّد المنع ، أو كمن علّق على دابته قعباً أو قدحاً متقلقلاً أبداً ، وكِلا التمثيلين لمدّعى بنوّة من لا يكون له ، كأبي سفيان بدعوة بنوّة زياد ولزياد نفسه.


صفحة 127

الميم مَعَ الثّاء

42 ـ مَثَلُ آلِ مُحمَّدٍ كمَثَلِ نُجومِ السَّماءِ (1) .

في آخر خطبة له (عليه السّلام) (... أَلا إِنَّ مَثَلَ آلِ مُحَمَّدٍ كَمَثَلِ نُجُومِ السَّمَاءِ "إِذَا خَوَى نَجْمٌ طَلَعَ نَجْمٌ") .

تمثيلهم (عليهم السّلام) بالنجوم تكرّر في أحاديثهم ، كما جاء عن النبيّ (صلّى الله عليه وآله) ما يطابق ذلك .

روى الشيخ الصدوق بسنده إلى ابن عبّاس في حديث قال :

(قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله) : (... ومثلكم مثل النجوم كلمّا غاب نجم طلع نجم إلى يوم القيامة) (2) .

إذا جهل السالكون الطريق في الليل المظلم اهتدوا بنجوم السماء كما قال تعالى : (وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ)(3) بإضاءتها وانتظام الساكنة والسائرة منها ، حيث يستدلّ بوضعها على قطاع الأرض المنقسمة إلى أقاليمها السبعة ، وعلى أبعاض الليل وساعاته . والناس إذا جهلوا ، والجهل أصلهم حيث أخرجوا من بطون أمّهاتهم لا يعلمون شيئاً كما في الآية (4) ، افتقروا إلى الإضاءة في السلوك إلى الله تعالى إلى هداة يهدونهم سبل السلام ؛ من هنا جاء تمثيلهم (عليهم السّلام) بالنجوم ووقع في محلّه!

والمشابهة‌ بين أهل البيت (عليهم السّلام) والنجوم من وجوه: هي الإضاءة ، وامتدادها بقيام إمام عند موت إمام كطلوع نجم إذا خوى نجم ،

ـــــــــــــــــــ

(1) النهج 7 : 84 ، 99/ط.

(2) الأمالي 238.

(3) سورة النحل الآية 16.

(4) سورة النحل الآية 78.


صفحة 128

والرفعة المختصة بهم (عليهم السّلام) التّي اختارها الله تعالى لهم لا يشاركهم غيرهم فيها ، وسرور الناظر إلى نجوم الولاية كما يسُرّه إذا نظر إلى نجوم السماء ، وغيرها من وجوه لا تحصل بتمثيل الشمس والقمر وإن جاء في دعاء الندبة : (أين الشموس الطالعة ، والأقمار المنيرة)(1) وغير الدعاء ، لاختلاف وجهة الأهداف من التمثيل . وإن شئت الوصول إلى واقع التمثيل ، فابحثْ عن لزوم الحجّة في الأرض واستحالة خلّوها عند العقول والفطرة السليمة التّي تؤيّدها صحاح الأخبار أنّه لو خلت عن الحجّة لساخت بأهلها (2) .

ـــــــــــــــــــ

(1) مفاتيح الجنان ، الشيخ عباس القمي .

(2) أصول الكافي 1 : 178.


صفحة 129

43 ـ مَثَلُ الدُّنيَا كَمَثلِ الْحَيَّةِ (1) .

قال (عليه السّلام): ("مَثَلُ الدُّنْيَا كَمَثَلِ الْحَيَّةِ" لَيِّنٌ مَسُّهَا والسَّمُّ النَّاقِعُ فِي جَوْفِهَا يَهْوِي إِلَيْهَا الْغِرُّ الْجَاهِلُ ويَحْذَرُهَا ذُو اللُّبِّ الْعَاقِلُ) .

يشابه المثل المثلَ الآخر منه (عليه السّلام) في كتاب له كتبه إلى سلمان الفارسي (رحمه الله) قبل أيّام خلافته : (أَمَّا بَعْدُ ، فَإِنَّمَا مَثَلُ الدُّنْيَا مَثَلُ الْحَيَّةِ : لَيِّنٌ مَسُّهَا ، قَاتِلٌ سَمُّهَا . فَأَعْرِضْ عَمَّا يُعْجِبُكَ فِيهَا لِقِلَّةِ مَا يَصْحَبُكَ مِنْهَا ، وضَعْ عَنْكَ هُمُومَهَا ...) (2) .

لا يفتقر المثلان إلى توضيح بعد القدر المشترك بين الحيّة والدّنيا في إهلاك مزاولهما وأنّهما عدّو الإنسان والعاقل يكون على حذر دائماً منهما.

يقول أبو العتاهية :

إِنَّما الدَهرُ أَرقَمٌ لَيِّنُ المَس  =  وَفي نابِهِ السَقامُ العَقامُ (3)

وتجد الإمام (عليه السّلام) يمثّل الدنيا بما يحذّر الناس من اعتناقها إلاّ بقدر الحاجة ، والقرآن الكريم والسنّة النبويّة وتمام روايات أهل البيت (عليهم السّلام) تحذّرهم عنها غاية التحذير ، وقد جاء في الحديث : (حبّ الدنيا رأس كلّ خطيئة) (4) .

وجاءت في الكتاب والسنّة تمثيلاتٌ للدّنيا ببيت العنكبوت ، والعجوز ، والبحر العميق ،

ـــــــــــــــــــ

(1) النهج 18 : 284 ، 115/ح.

(2) النهج 18 : 34 ، 68/ك.

(3) شرح النهج 18 : 284.

(4) الوسائل 11 : 308.


صفحة 130

وفصول السنة ، والماء النازل من السماء ، والخضرة ... . وكلّ ذلك يشهد له الواقع ، وكان عمل الإمام (عليه السّلام) وزهده في الدنيا ، بل وعمل أهل البيت (عليهم السّلام) وزهدهم فيها يجسّد التحذير عنها أكثر منه من القول ؛ لأنّ العمل يترك في النفوس من الأثر غير الوصف .

 

الصفحة اللاحقةhttp://www.alhassanain.com/arabic/all/maktabeh-aqaed/al-imameh/index.htmlالصفحة السابقة