صفحة 111 صفحة 112 صفحة 113 اللاّم مَعَ الألف 35 ـ لا رَأيَ لِمَنْ لا يُطاعُ (1) . من خطبة له (عليه السّلام) في الجهاد أوّلها : (أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّ الْجِهَادَ بَابٌ مِنْ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ ... نَهَضْتُ فِيهَا ومَا بَلَغْتُ الْعِشْرِينَ وهَا أَنَا ذَا قَدْ ذَرَّفْتُ عَلَى السِّتِّينَ ، ولَكِنْ "لا رَأْيَ لِمَنْ لا يُطَاعُ" ) . أول من قاله عتبة بن ربيعة حين اجتمعت قريش للمسير إلى بدر ، وهو مأخوذ من قول الشاعر : أَمَرتُهُمُ أَمري بِمُنعَرَجِ اللِوى = وَلا أَمرَ لِلمَعصِيِّ إلاّ مُضَيَّعا (2) والمراد من نفي الرأي عند عدم الطاعة الغرض المترتّب على اتّباعه لا نفيه رأساً . وكلمة (لا) النافية للجنس تقتضي النفي رأساً ، ولكن لأجل القرينة الخارجيّة من عقل أو نقل يصرف ظهورها عن اقتضائها في ذلك كما قال الفقهاء في : (لا صلاة لمن جاره المسجد) أنّ المنفي فيها الكمال ، لا الصلاة رأساً حتى يحكم عليها بالبطلان إذا صلاّها المصلّي في غير المسجد . فكأنّ الذي لم يتّبع رأيه ولم يطع ، فاقد له رأساً . وكان (عليه السلام) في طوال خمس وعشرين سنة جليس بيته لم يُطع رأيه ، وهو (عليه السّلام) واجد له بالذات ، فالمثل جاء من باب المبالغة في عدم تحقّق الأهداف السامية عند تركهم طاعة الإمام (عليه السّلام) من أمرهم بجهاد العدوّ الألدّ كمعاوية بن أبي سفيان ومن يحذو حذوه ، وفي جميع الأدوار والعصور لم تحصل للأنبياء من أممهم الطاعة على سبيل العموم . ـــــــــــــــــ (1) النهج 2 : 75 ، 27/ط. (2) الجمهرة على هامش مجمع الأمثال 2 : 276 حرف اللام. صفحة 114 وهكذا أوصياهم (عليهم السّلام) ، وإلاّ لازدهرت الأيّام ولعمّت السعادة ، فقد جرى في هذه الأمّة ما جرى في السلف (القّذة بالقّذة) كما جاء الحديث في تفسير قوله تعالى: (لَتَرْكَبُنَّ طَبَقًا عَنْ طَبَقٍ) (1) ، فلا جرم أنّ صاحب الخلافة الكبرى أمير المؤمنين (عليه السّلام) قال هذه المقالة تحسّراً عليهم من قلب ملؤه حبّ وحنان ، وعن يقين أنّ في الطاعة نجاتهم وفي الخلاف هلاكهم . ولا يقول قائل هذا الكلام إلاّ تحسّراً على فوت الهدف الأفضل بالعصيان ، وعلماً منه بالعاقبة المحمودة بالطّاعة . ــــــــــــــــ (1) الانشقاق 84 : 19 ، تفسير البرهان 4 : 443. صفحة 115 اللاّم مَعَ الباء 36ـ لَبِّثْ قَليْلاً يَلْحَقِ الهَيْجا حَمَلُ (1) . تمثّل (عليه السّلام) بالرجز لكلام له في جواب معاوية من فقرة : (وذَكَرْتَ أَنَّهُ لَيْسَ لِي ولِأَصْحَابِي عِنْدَكَ إِلاَّ السَّيْفُ ، فَلَقَدْ أَضْحَكْتَ بَعْدَ اسْتِعْبَارٍ ، مَتَى أَلْفَيْتَ بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ عَنِ الأعْدَاءِ نَاكِلِينَ وبِالسَّيْفِ مُخَوَّفِينَ ؟! "فَلَبِّثْ قَلِيلاً يَلْحَقِ الْهَيْجَا حَمَلْ" = ................................. ) والرجز لحمل بن بدر القشيري صاحب الغبراء ـ أغير على إبله في الجاهليّة فاستنقذها وقال : فَلَبِّثْ قَلِيلاً يَلْحَقِ الْهَيْجَا حَمَلْ = لا بَأسَ بالمَوْتِ إذا الموتُ نَزَلْ (2) وفي لفظ: ................................. = ما أحسَنَ الموتَ إذا حَانَ الأجَلْ (قالوا في (حمل) هو اسم رجل شجاع كان يُستظهر به في الحرب . ولا يبعد أن يراد به : حمل بن بدر صاحب الغبراء ، يضربه من ناصِرُه وراءه) (3) . لم يرْتَب اثنان من البشر في شجاعة أمير المؤمنين (عليه السّلام) ، تشهد لها حروبه ومواقفه الجبّارة في حياة الرسول الأعظم (صلّى الله عليه وآله) وبعد مماته . وكيف لا وهو معلّم الشجعان فنون الحرب ؟! ومعاوية يقول هذه المقالة وهو يعلم أن لا مقاومة له ولا لجنوده وعشيرته للمقتولين بيد الإمام (عليه السّلام) ، بل ولا العرب كلّها عند ضربة عليّ (عليه السّلام) ، وهو ـــــــــــــــــــ (1) النهج 15 : 184 ، 28/ك. (2) رسالة الإسلام: 126 (عدد 7 ـ 8). (3) المستقصي 2 : 278. صفحة 116 القائل: (واللَّهِ ، لَو تَظَاهَرَتِ الْعَرَبُ عَلَى قِتَالِي لَمَا وَلَّيْتُ عَنْهَا ولَو أَمْكَنَتِ الْفُرَصُ مِنْ رِقَابِهَا لَسَارَعْتُ إِلَيْهَا ...) (1) . وإنما قالها لتخذير أفكار أصحابه المغفّلين ، بل معاوية يدري أنّ صاحب أمير المؤمنين (عليه السّلام) مالك الأشتر مبيد له وما يملك من أهل الشام ، وكان الأمر كذلك لولا حادثة التحكيم من جهلة الأصحاب من زهاء عشرين ألف نهرواني .. والحديث ذو شجون . وقد شابهت محنته (عليه السّلام) محنة هارون حيث طلب أصحاب موسى (عليه السّلام) منه أن يجعل العجل لهم إلهاً كما لهم آلهة ... ولا حول ولا قوة إلاّ بالله . ــــــــــــــــــــ (1) النهج 16 : 289. صفحة 117 اللاّم مَعَ الجيم 37ـ لَجَمَلُ أَهْلِكَ ، وشَسْعُ نَعْلِكَ ، خَيْرٌ مِنْكَ (1) . تمثّل الإمام (عليه السّلام) بالمثل المذكور من كتاب له إلى المنذر بن الجارود العبدي ، وقد كان استعمله على بعض النواحي ، فخان الأمانة في بعض ما وّلاه من أعماله : (... ولَئِنْ كَانَ مَا بَلَغَنِي عَنْكَ حَقّاً ، "لَجَمَلُ أَهْلِكَ وشِسْعُ نَعْلِكَ خَيْرٌ مِنْكَ" ...) . قال الشريف الرضي (طاب ثراه) : (المنذر بن الجارود هذا هو الذي قال فيه أمير المؤمنين (عليه السّلام) (إنّه لنَظَّارٌ في عَطْفَيْه ، مُخْتَالٌ في بُرْدَيْه ، تَفّالٌ في شِرَاكَيه) . استعرض جمع من أرباب التراجم ترجمته ، ولئن لم يكن في قدحه إلاّ ما جاء في كلام الإمام (عليه السّلام) لكفى . ولا يهّمنا الترجمة . وكلّ من كان على صفته وشاكلته شملَه القدحُ المذكور: أنّ جَمَل أهله ، وشسع نعله ، خير منه . ونظيره المثل النبوّي المروّي: (رُبَّ مَرْكُوْبٍ خَيْرٌ مِن رَاكِبِه) (2) فخائن الأمانة ، الراكب الجمل أو النعل ، مركوبه خير منه ؛ لأنه لم يخن . قال المعتزلي في الشرح: (العرب تضرب بالجمل المثل في الهوان ، قال : لَقَد عَظُمَ البَعيرُ بِغَيرِ لُبِّ = وَلَم يَستَغنِ بِالعِظَمِ البَعيرُ يُصَرِّفُهُ الصَبيُّ بِكُلِّ وَجهٍ = وَيَحبِسُهُ عَلى الخَسفِ الجَريرُ وَتَضرِبُهُ الَوليدَةُ بِالهَراوى = فَلا غِيَرٌ لَدَيهِ وَلا نَكيرُ فأمّا شسع النعل ، فضرب المثل بها في الاستهانة مشهور لابتذالها ـــــــــــــــــ (1) النهج 18 : 54 ، 71/ك. (2) المجازات النبويّة 315 رقم 355. صفحة 118 ووطئها الأقدام في التراب) (1) . ثم وجوب ردّ الأمانة ، وحرمة الخيانة ثابت بالأدّلة الأربعة : الكتاب والسّنة والعقل والإجماع . ولا فرق في ذلك بين القّلة والكثرة ، ولو كان كمثل إبرة أو أقلّ منها . وما قاله (عليه السّلام) (2) لابن عبّاس لما بلغه منه أن لو كان من الحسن والحسين (عليهما السّلام) لانتقم منهما ، يغني عن البحث. ــــــــــــــــــ (1) شرح النهج 18 : 58. (2) النهج 16 : 167 ـ 168 ، 41/ك. صفحة 119 اللاّم مَعَ العين 38 ـ لِعَمْرِ أَبيكَ الخَيْرُ يا عَمْروُ إِنَّني=عَلى وَضَرٍ مِنْ ذا الإِناءِ قَليلٌ (1) . من خطبة له (عليه السّلام) وقد تواترت عليه الأخبار باستئلاء أصحاب معاوية على البلاد وقدم عليه عاملاه على اليمن وهما عبيد الله بن عبّاس وسعيد بن نمران لمّا غلب عليهما بسر بن أرطاة فقام على المنبر ضجراً بتثاقل أصحابه عن الجهاد ، ومخالفتهم له في الرأي فقال: (مَا هِيَ إِلاَّ الْكُوفَةُ أَقْبِضُهَا وأَبْسُطُهَا إِنْ لَمْ تَكُونِي إِلاَّ أَنْتِ تَهُبُّ أَعَاصِيرُكِ فَقَبَّحَكِ اللَّهُ ) . وتمثّل بقول الشاعر: ( "لَعَمْرُ أَبِيكَ الْخَيْرِ يَا عَمْرُو إِنَّنِي = عَلَى وَضَرٍ مِنْ ذَا الإنَاءِ قَلِيلِ" ) . والبيت من الطويل . والغرض من التمثّل به يُعرف من كلامه (عليه السّلام) قبله ، أي قبل البيت : (مَا هِيَ إِلاَّ الْكُوفَةُ ...) أنّها لديه (عليه السّلام) كالوضَرَ القليل في الإناء ، وهو غسالة الشيء وبقيّة الدسم ، أي لم يبق من البلاد والعباد له سوى الكوفة ، وهي مهدّدة بجيش الشام ؛ لخذلان أصحابه بنهوضهم للجهاد مع العدّو ، واستيلاء ابن أرطاة من قبل معاوية على اليمن وقتل أهلها ، وهي من الحوادث الممضّة . وهكذا كان (أرواحنا فداه) أيّام خلافته ممتحناً بالفتن وخذلان صحبه ، وأهل الكوفة أهل الغدر والتخذيل ، وكثيراً ما كان (عليه السّلام) يستنهضهم لجهاد العدّو فلم ينهضوا بالحرّ والقرّ . كانوا يقولون : حتّى تنقضي حمّارة الحرّ أو قرص البرد . وهو يخوّفهم نار جهّنم وغيرها من ألوان عذاب الله الأكبر فلم يتخوّفوا ، فهو (عليه السّلام) أوّل مظلوم في العالم قبل خلافته وبعدها (عليه السّلام) . ــــــــــــــــــ (1) النهج 1 : 332 ، 25/ط. صفحة 120 اللاّم مَعَ الواو 39 ـ لَوْ يُطاعُ لِقصيرٍ أَمْرٌ (1) . من خطبة أولّها: (الْحَمْدُ لِلَّهِ وإِنْ أَتَى الدَّهْرُ بِالْخَطْبِ الْفَادِحِ) . إلى قوله (عليه السّلام) : (وقَدْ كُنْتُ أَمَرْتُكُمْ فِي هَذِهِ الْحُكُومَةِ أَمْرِي ، ونَخَلْتُ لَكُمْ مَخْزُونَ رَأْيِي ، "لَو كَانَ يُطَاعُ لِقَصِيرٍ أَمْرٌ" ...) . والمثل من قصّة مشهورة ضربت فيها عدّة أمثال هو منها ، ذكرها الأدباء بتفصيل . منها صاحب (رسالة الإسلام) ، قال : (قاله قصير بن سعد اللخمي لجذيمة الأبرش عندما أشار عليه ألاّ يستجيب إلى الزباء ـ ملكة الجزيرة ـ حينما كتبتْ إليه في أن يقبل إليها لتضّم ملكها إلى ملكه ، وكانت تنوي من وراء ذلك الغدر به لأنّه كان قد وترها بقتله أباها ، فلم يقبل جذيمة مشورة قصير وذهب إليها ، فقال قصير : لو يطاع لقصير أمر . وكانت نهاية الأمر أن قتلت الزباء جذيمة وأدركت ثأرها (2) . والقصّة هذه من أحفل القصص في الأمثال التي قيلت خلال حوادثها ، فقد بلغت واحداً وعشرين مثلاً : ... رأيٌ فاتر وغدرٌ حاضر ، رَأْيُكَ في الْكِنِّ لا في الضحِّ ، لا يطاع لقصير أمر ، ببقَّةَ خَلَّفْتُ الرأي ، القول رداف ، خطب يسير ، لا يشّق غباره ، ويل أمّه ... خير ما جاءت به العصا ... واستشهد الإمام (عليه السّلام) بالمثل المذكور حيث نصح جماعته بعدم قبول التحكيم في وقعة صفّين وأبوا عليه ذلك (3) . والمحدّث القمّي (رحمه الله) أثبت المثل وقصّته من نصح قصير مولى جذيمة وبعثة الزباء ـــــــــــــــــــ (1) النهج 2 : 204 ، 35/ط. (2) مجمع الأمثال حروف الخاء. (3) العدد السابع والثمن وسنة ثانية ص 114 ـ 115. |