صفحة 99 صفحة 100 صفحة 101 الكاف مَعَ اللاّم 30ـ كَلَعْقَةِ لاعِقٍ (1). من كتاب له (عليه السّلام) إلى أهل البصرة أوّله: (وقَدْ كَانَ مِنِ انْتِشَارِ حَبْلِكُمْ وشِقَاقِكُمْ مَا لَمْ تَغْبَوْا عَنْهُ ، فَعَفَوْتُ عَنْ مُجْرِمِكُمْ ... ولَئِنْ أَلْجَأْتُمُونِي إِلَى الْمَسِيرِ إِلَيْكُمْ لأوقِعَنَّ بِكُمْ وَقْعَةً لا يَكُونُ يَوْمُ الْجَمَلِ إِلَيْهَا إِلاَّ كَلَعْقَةِ لاعِقٍ ...) . شقاق أهل البصرة مع أمير المؤمنين معروف وجاء ذمّهم على لسانه (عليه السّلام) غير مرّة ، وكفى شقاقاً يوم الجمل . والكلام تهديد لتكرير الشقاق والخلاف منهم أنّه (عليه السّلام) يوقع وقعة هي أمّر وأدهى من يوم الجمل ، بل لا يكون القياس إلى الوقعة المتوّقعة إلاّ بمثل لعقة لاعق . قال الشارح : (كَلَعْقَةِ لاعِقٍ : مثل يضرب للشيء الحقير التافه ، ويروى بضّم اللام ، وهي ما تأخذه الملعقة) (2) . في الحديث: (الويل لمَن باع معاده بلعقة لم تبق) . اللعقة (بالفتح) المرة ، من لعِقتُ الشيء (بالكسر) ألعقه لعقاً ، أي لحسته ، ومنه الأصابع . ومن كلام له (عليه السّلام) في أمر الخلافة وتأخيره عنها : ( وهل هي إلاّ كلعقة الآكل ومذقة الشارب وخفقة الوسنان ، ثم تلزمهم المعرات) ، ومثله قوله (عليه السّلام) : (مصادرين أحدكم لعقة على لسانه ، صنيع من قد فرغ من عمله وأحرز رضى سيّده) ، ومثله قوله (عليه السّلام) في خلافة مروان (إنّ له إمرةً كلعقة الكلبِ أنْفَهُ) لأنّ خلافته كانت ستة أشهر (3) . ـــــــــــــــــــ (1) نهج البلاغة الخطبة رقم: 45. (2) نهج البلاغة خطبة المتقين (خطبة همام) . صفحة 102 من ذلك كلّه عرف أنّ المثل المذكور يضرب للأمر التافه وللقلّة . وقد يأتي من لفظه لما لم يكن له حقيقة ثابتة ، كقول الإمام الحسين (عليه السّلام) في كلام له : (الدين لعق على ألسنتهم يحوطونه ما درّت معائشهم ، فإذا محصّوا بالبلاء قلّ الدّيانون) (1) . ــــــــــــــــــ (1) حياة الإمام الحسين (عليه السّلام) 3 : 97. صفحة 103 الكاف مَعَ الميم من خطبة له (عليه السّلام) أوّلها: (وهُو فِي مُهْلَةٍ مِنَ اللَّهِ يَهْوِي مَعَ الْغَافِلِينَ ... وضَعْ فَخْرَكَ ، واحْطُطْ كِبْرَكَ ، واذْكُرْ قَبْرَكَ فَإِنَّ عَلَيْهِ مَمَرَّكَ ، وكَمَا تَدِينُ تُدَانُ ، وكَمَا تَزْرَعُ تَحْصُدُ ...) . عن الإمام الصادق (عليه السّلام) قال: (كانت امرأة على عهد داود يأتيها رجل يستكرهها على نفسها فألقى الله (عزّ وجلّ) في قلبها فقالت له : إنّك لا تأتيني مرّة إلاّ وعند أهلك من يأتيهم ، قال : فذهب إلى أهله فوجد عند أهله رجلاً ، فأتى به داود (عليه السّلام) فقال : يا نبيّ الله ، وجدت هذا الرجل عند أهلي ، فأوحى الله إلى داود قل له : كما تدين تدان) (2) . وعنه (عليه السّلام) أنّ الله أوحى إلى موسى (عليه السّلام) (لا تزنوا فتزني نسائكم ، ومن وطئ فراش امرئ وُطِئ فراشُه : كما تدين تدان) (3). من هنا يعلم أنه مثل سماويّ ، وأثبتناه نحن في الأمثال النبويّة (4) . وأثبته الأدباء عن ابن دريد ، عن أبي حاتم ، عن أبي عبيدة ، قال : (كان ملك من ملوك غسّان ينقدر النساء ، لا يبلغه عن امرأةٍ جمالُ إلاّ أخذها ، فأخذ ابنة يزيد بن الصعق وكان أبوها غائباً ، فلمّا قَدِم أُخبّر ، فوفد على الملك ـــــــــــــــــ (1) النهج 9 : 158 ، 153/ط. (2) الوسائل 14 : 269. (3) الوسائل 14 : 236. و271. (4) في حرف الكاف. صفحة 104 فصادفه منتدياً ، وكان الملك إذا تبدّى لم يحجب عنه أحد ، فوقف منذ تحيّته يسمع كلامه ، فقال : يا أيّها الملك المقيت ، أما ترى ليلاً وصبحاً كيف يختلفان ؟! هل تستطيع الشمس أن تؤتى بها ليلاً وهل لك بالمليك يدان ؟! واعلم وايقن أنّ ملكك زائل ! واعلم بأنّ كما تدين تدان ، فأجابه الملك : إنّ الّتي سلبت فؤادك خطّة = مرفوضة فاصبر لها ابن كلاب فارجع بحاجتك التي طالبتها = والْحَق بقومك في هضاب إراب ثم نادى : إنّ هذه سنة مرفوضة . قال أبو عبيدة : ما أنشدت هذه الأبيات ملكاً ظالماً إلاّ كفته عن غربه ومعنى المثل كما تفعل يفعل بك) (1) . ـــــــــــــــــ (1) هامش المستقصي 2 : 231. [نقل بتلخيص وتصرّف] قوله : ينقدر النساء في نفس المصدر : لعلّه يقذّر النساء . أقول : لعلّه يغدر بالنساء. صفحة 105 32 ـ كَمْ مِنْ أكْلَةٍ تَمنَعُ أَكلاتٍ (1) . من كلمات الإمام القصار المعدودة من الأمثال جاءت بلفظ (ربّ أكلة تمنع أكلات) في كتب الأمثال . قال المفضّل : (أوّل من قال ذلك عامر بن الظرب العدواني ، وكان من حديثه أنّه كان يدفع النّاس في الحج ، فرآه ملك من ملوك غسّان فقال : لا أترك هذا العدواني حتّى أذلّه . فلمّا رجع ذلك الملك إلى منزله أرسل إليه : أحبّ أن تزورني فأحبوك وأكرمك وأتخذّك خليلاً . فأتاه قومه فقالوا : تفد ويفد معك قومك فيصيبون في جنبك ويتجيهون بجاهك . فخرج وأخرج معه نفراً من قومه ، فلمّا قدم بلاد الملك أكرمه وأكرم قومه ، ثم انكشف له رأى الملك ، فجمع أصحابه وقال: الرأي نائم والهوى يقظان ، ومن أجل ذلك يغلب الهوى الرأي . عجلتُ حين عجلتم ، ولن أعود بعدها . إنّا قد تورّطنا بلاد هذا الملك فلا تسبقوني بريث أمر أقيم عليه ، ولا بعجلة رأي أخفّ معه ، فإنّ رأيي لكم . فقال قومه : قد أكْرَمَنا كما ترى ، وبعد هذا ما هو خير منه . فقال : لا تعجلوا فإنّ لكلّ عام طعاماً وربّ أكلة تمنع أكلات ...)(2) . والميداني : (يضرب في ذمّ حرص الطعام ...) وسَرَدَ القصة (3) . والعسكري : (يضرب مثلاً للخصلة من الخير تنال على غير وجه الصواب فتكون سبباً لمنع أمثالها) ثم أشار إلى ما تقدّم من قول المفضّل (4) . ــــــــــــــــــــ (1) المهج 18 : 397 ، 173/ح. (2) الفاخر 174. (3) المجمع 1 / 297 حرف الراء. (4) الجمهرة على هامش مجمع الأمثال 1 : 319. صفحة 106 من وجوه منع الأكلة الأكلات عدم مضغها كما ينبغي ، والمضغ مما يمري الطعام الذي لا يجّر مرضاً معه . إذا الطاعم أكل عند الجوع ورفع اليد عنه وهو يشتهي ، وأجاد المضغ ، لم يشتك وجعاً . ومنها : كبر اللقمة . ومنها : العجلة في الأكل وسرعة الابتلاع . ومنها عدم التعّهد لما يأكل (ربّ أكلة هاضت الآكل ومنعته مآكل) : كم أكلةٍ خامرتْ حشا شرهٍ = فأخرجت روحَه من الجسدِ (1) ـــــــــــــــــ (1) شرح النهج 18 : 397. صفحة 107 الكاف مَعَ النّون 33 ـ كَناقِشِ الشَّوكَةِ بِالشَّوْكَةِ (1) . من كلام له (عليه السّلام) وقد قام إليه رجل من أصحابه فقال : نهيتنا عن الحكومة ثم أمرتنا بها ! فما ندري أي الأمرين أرشد . فصفق (عليه السّلام) إحدى يديه على الأخرى ثم قال : (هَذَا جَزَاءُ مَنْ تَرَكَ الْعُقْدَةَ . أَمَا واللَّهِ لَو أَنِّي حِينَ أَمَرْتُكُمْ بِمَا أَمَرْتُكُمْ ، حَمَلْتُكُمْ عَلَى الْمَكْرُوهِ الَّذِي يَجْعَلُ اللَّهُ فِيهِ خَيْراً : فَإِنِ اسْتَقَمْتُمْ هَدَيْتُكُمْ ، وإِنِ اعْوَجَجْتُمْ قَوَّمْتُكُمْ ، وإِنْ أَبَيْتُمْ تَدَارَكْتُكُمْ ، لَكَانَتِ الْوُثْقَى ، ولَكِنْ بِمَنْ وإِلَى مَنْ أُرِيدُ أَنْ أُدَاوِيَ بِكُمْ وأَنْتُمْ دَائِي "كَنَاقِشِ الشَّوْكَةِ بِالشَّوْكَةِ" وهُو يَعْلَمُ أَنَّ ضَلْعَهَا مَعَهَا !! ) . أثبتنا صدر الكلام لربط التمثيل . قال المعتزلي : (وهذا مثل مشهور: (لا تنقش الشوكة بالشوكة ، فإنّ ضلعها معها) والضلع الميل ، يقول : لا تستخرج الشوكة الناشبة في رجلك بشوكة مثلها فإنّ إحداهما في القوة والضعف كالأخرى ، فكما أنّ الأولى انكسرت لمّا وطئتها فدخلت في لحمك فالثانية إذا حاولت استخراج الأولى بها تنكسر وتلج في لحمك) (2). قال الزمخشري بعد المثل : (ويروي : فإنّ (ألبها) . والمعنى ميلها : يضرب في النهي عن الاستعانة بمن هو للمطلوب منه الحاجة أنصح منه للطالب)(3) . أوردناه في الأمثال النبوّية (4) . والغرض من التمثيل به هنا يعرف ـــــــــــــــــــ (1) النهج 7 : 291 ، 130/كلام. (2) شرح النهج 7 : 294. (3) المستقصي 2 : 260. (4) في حرف اللام مع الألف. صفحة 108 من قبله ، حيث قال (عليه السّلام): (أَنْ أُدَاوِيَ بِكُمْ وأَنْتُمْ دَائِي) فأصحابه يزيدون في علّته بدل أن يرفعونها ؛ لأنّ حادثة التحكيم لم تحدث إلاّ من قبلهم فكيف يعمل في رفعها بسبب هؤلاء وهم قد أوجدوها ، فحالهم وحال الإمام (عليه السّلام) كمعالجة إخراج الشوكة أخرى تزيدها ولوجاً . صفحة 109 34 ـ كَناقِلِ التَّمْرِ إلى هَجَرَ (1) . مثل سائر . من كتاب له (عليه السّلام) جواباً إلى معاوية ، وهو من محاسن الكتب ، أوّله : (أَمَّا بَعْدُ ، فَقَدْ أَتَانِي كِتَابُكَ تَذْكُرُ فِيهِ اصْطِفَاءَ اللَّهِ مُحَمَّداً ...) . ثم قال (عليه السّلام) : (فَلَقَدْ خَبَّأَ لَنَا الدَّهْرُ مِنْكَ عَجَباً إِذْ طَفِقْتَ تُخْبِرُنَا بِبَلاءِ اللَّهِ تَعَالَى عِنْدَنَا ، ونِعْمَتِهِ عَلَيْنَا فِي نَبِيِّنَا ، فَكُنْتَ فِي ذَلِكَ كَنَاقِلِ التَّمْرِ إِلَى هَجَرَ أَو دَاعِي مُسَدِّدِهِ إِلَى النِّضَالِ ...) . وإنّما تمثّل الإمام (عليه السّلام) في جواب معاوية المعدِّد لنعم الله تعالى على أهل البيت (عليهم السّلام) ، ردّاً له بأنّ : (أهل البيت أدرى بما فيه) و(أهل مكّة أعرف بشعابها) ، وليس معاوية في بيان نعم الله على آل محمد (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وتعدادها إلاّ كمستبضع التمر إلى بلدة (هجر) ، التّي ينقل منها التمر لا إليها كما عبّر بعض عن المثل الجاري بـ (كمستبضع التمر إلى هجر). قال النيسابوري بعد المثل بلفظه الأخير : قال أبو عبيد : هذا من الأمثال المبتذلة ومن قديمها ، وذلك أنّ (هجر) معدن التمر ، والمستبضع إليه مخطئ ... قال النابغة الجعدي : وإنَّ امرأً أهْدَى إلَيْكَ قَصَيْدةً = كَمُسْتَبْضِع تَمْرَاً إلَى أرضِ خَيْبَرَا ) (2) قال المعتزلي : (مثل قديم . وهَجَر اسم مدينة لا ينصرف للتعريف والتأنيث . وقيل : هو اسم مذكّر مصروف ... والنسبة : هاجريّ ، على غير قياس . وهي بلدة كثيرة النخل يحمل منها التمر إلى غيرها ، قال الشاعر في هذا المعنى : ــــــــــــــــــ (1) النهج 15 : 181 ، 28/ك. (2) مجمع الأمثال 2 : 152 ـ 153 حرف الكاف. صفحة 110 أهدى له طَرَفَ الكلامِ كما = يُهدَى لواليِ البصرةِ التمْرِ (قوله (عليه السّلام) : (أَو دَاعِي مُسَدِّدِهِ إِلَى النِّضَالِ) أي معلّمه الرمي ، وهذا إشارة إلى قول القائل الأوّل : أعلّمه الرماية كلّ يوم = فلمّا استدّ ساعده رماني) (1) من كلمة السديد لا الشديد . ــــــــــــــــ (1) شرح النهج 15 : 188 ـ 189. |