/ صفحة 217 / القرن العاشر - 78 - المولود 918 المتوفى 984
إلى مَ ألام وأمــــــري شهيــر * وأشفــــــق مـــن كل نذل حقير وحــــــبي النــــــبي وآل النبي * وقــــــولي بالعـــدل نعم الخفير ولــــــي رحـــم تقتضي حرمة * ولــــــي نسبــة بولائي الخطير فــــــلي فــي المعاد عماد بهم * ولــــــي فـي القيام مقام نضير لأنــــــي أنـــادي لدى النائبات * والخــــــوف من أن ذنبي كبير أخــا المصطفى وأبا السيدين * وزوج البتـــــول ونجل الظهير ومحبــــــوب رب حــميد مجيد * وخــــــير نبـــــي بشــــير نذير ونــــور الظلام وكافي العظام * ومولى الأنــــــام بنص الغـدير مجـــلي الكروب عليم الغيوب * نقــــــي الجـــيوب بقول الخبير وأقضى الأنام وأقصى المرام * وسيف السلام السميع البصير (القصيدة 45 بيتا) (ما يتبع الشعر) : هذه الأبيات مستهل قصيدة للشيخ الحسين بن عبد الصمد العاملي والد شيخنا (البهائي) وشرحها بعد مدة من نظمها بشرح كبير، وأثبت كلما ذكر فيها من فضائل أمير المؤمنين عليه السلام بطريق الجمهور وقال فيه : قولي (ومولى الأنام بنص الغدير) إشارة إلى خبر غدير خم .
/ صفحة 218 / وقال بعد ذكر حديث الغدير ما ملخصه : رواه أحمد بن حنبل بست عشر طريقا والثعلبي بأربع طرق في تفسير قوله تعالى : يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك ورواه ابن المغازلي بثلث طرق، ورواه في الجمع بين الصحاح الست، قال ابن المغازلي : وقد روى حديث غدير خم عن رسول الله صلى الله عليه وآله نحو من مائة نفس، وذكر محمد بن جرير الطبري المؤرخ لحديث الغدير خمسا وسبعين طريقا، وأفرد له كتابا سماه كتاب الولاية وذكر الحافظ أبو العباس أحمد بن عقدة له خمسا ومائة طريقا، وأفرد له كتابا، فهذا قد تجاوز حد التواتر، ومن العجب تأويل هذا الحديث وهو نص في الإمامة ووجوب الطاعة، ويشهد العقل السليم بفساد ذلك التأويل كما يأباه الحال والمقام، وقوله صلى الله عليه وآله : ألست أولى منكم بأنفسكم . بعد نزول قوله تعالى : يا أيها الرسول . وأمثال ذلك فغفل أصحاب التأويل من معنى قول أبي الطيب : وهبــــني قلت : هذا الصبح ليل * أيغشى العالمون عن الضياء ؟ (الشاعر) : عز الدين الشيخ حسين بن عبد الصمد بن شمس الدين محمد بن زين الدين علي بن بدر الدين حسن بن صالح بن إسماعيل الحارثي الهمداني العاملي الجبعي . هو من بيت عرق فيه المجد والشرف بولاء العترة الطاهرة منذ العهد العلوي، فمن هنا بشر أمير المؤمنين عليه السلام جده الأعلى الحارث بن عبد الله الأعور الهمداني الخارفي (1) عند وفاته بنتيجة عقيدته الصحيحة به، وولائه الخالص له، والمترجم له صرح بانتسابه إلى هذا لموالي العلوي (الهمداني) في كتاب كتبه إلى السلطان شاه طهماسب في سنة 968 رأيته بخطه، وذكره في إجازته لتلميذه الشيخ رشيد الدين ابن الشيخ إبراهيم الاصبهاني تاريخها تاسع عشر جمادى الأولى سنة 971، وفي إجازته لملك علي كما في مستدرك الإجازات (2) لشخينا الحجة ميرزا محمد الرازي نزيل سامراء المشرفة . ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) الخارفي بكسر الراء نسبة إلى (خارف) بطن من همدان نزل الكوفة . ويقال : الحوتي بضم الحاء نسبة إلى (الحوت) بطن من همدان أيضا . (2) أحد أجزاء (مستدرك البحار) لشيخنا الأجل الرازي : كتاب كريم قيم ضخم فخم استدرك به .
/ صفحة 219 / ونص بهذه النسبة ولده شيخنا البهائي في إجازته سنة 1015 للمولى صفي الدين محمد القمي، وقال في كشكوله ص 279 طبع مصر سنة 1305 : من (نهج البلاغة) من كتاب كتبه أمير المؤمنين عليه السلام إلى الحارث الهمداني جد جامع الكتاب . وصرح بها لفيف من أساطين الطائفة ومشايخ الأمة ممن عاصر المترجم له أو من قارب عصره، وإليك أسماء جمع منهم غير المعاجم التي ذكرت فيها ترجمة المترجم له أو ولده البهائي . 1 - شيخنا الشهيد الثاني في إجازته للمترجم له سنة 941 . 2 - الشيخ حسن صاحب (المعالم) في استجازته من المترجم له سنة 983 كما في المستدرك . 3 - الشيخ أبو محمد ابن عناية الله الشهير ببا يزيد البسطامي الثاني في إجازته للسيد حسين الكركي سنة 1004 . 4 - السيد ماجد بن هاشم البحراني في إجازته للسيد أمير فضل الله دست غيب سنة 1023 . 5 - المولى حسن علي بن المولى عبد الله التستري في إجازته للمولى محمد تقي المجلسي سنة 1534 . 6 - الأمير شرف الدين علي الشولستاني النجفي في إجازته للمولى محمد تقي المجلسي سنة 1036 . 7 - السيد نور الدين العاملي أخ السيد محمد صاحب (المدارك) في إجازته سنة 1051 للمولى محمد محسن بن محمد مؤمن . ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ * ما فات مولانا العلامة المجلسي قدس سره، أتى في عدة مجلدات، تربو صحائف مستدرك إجازاته فحسب على ألفي صحيفة، وقس عليها غيرها من أجزاء البحار، ومن سرح النظر في هذا السفر الحافل يجد العلم طافحا من جوانبه، وتترائى له الفضيلة المتدفقة في طياته، ويشاهد همة قعساء يقصر دونها البيان، وتفشل عن إدراكها الهمم، ولا تبلغ مداها جمل الاطراء والثناء أبقى له ذكرا خالدا مع الأبد يذكر ويشكر، قدس الله روحه وطيب رمسه : / صفحة 220 / 8 - الأمير السيد أحمد العاملي صهر سيدنا الأمير محمد باقر داماد الراوي عنه في صورة طرق روايته . 9 - المولى محمد تقي المجلسي في طرق روايته [الصحيفة السجادية] في مواضع ثلاثة توجد في إجازات البحار ص 145، 146، 149، وفي إجازته للميرزا إبراهيم ابن المولى كاشف الدين محمد اليزدي سنة 1063، وفي إجازته للمولى محمد صادق الكرباسي الاصفهاني الهمداني سنة 1068، وفي إجازته لبعض تلاميذه، وفي إجازته لولده العلامة المجلسي . 10 - آقا حسين بن اقا جمال الخونساري في إجازته للأمير ذي الفقار سنة 1064 . 11 - المحقق السبزواري المولى محمد باقر في إجازته للمولى محمد الكيلاني سنة 1081 وفي إجازته للمولى محمد شفيع سنة 85 1 . 12 - الشيخ قاسم بن محمد الكاظمي في إجازته للشيخ نور الدين محمد بن شاه مرتضى الكاشاني سنة 1095 كما في مستدرك الإجازات . 13 - العلامة المجلسي في موضعين من فائدة أوردها في إجازات البحار ص 134 وفي غير واحد من إجازاته لتلامذته . 14 - الشيخ حسام الدين بن جمال الدين الطريحي في إجازته للشيخ محمد جواد الكاظمي سنة نيف وتسعين وألف . 15 - السيد الأمير حيدر بن السيد علاء الدين الحسيني البيروني في موضعين من إجازته للسيد حسين المجتهد ابن السيد حيدر الكركي . 16 - بعض تلمذة البهائي في بيان روايته عنه، قال العلامة المجلسي : لعله السيد حسين بن حيدر الكركي . 17 - الشيخ محمد حسين الميسي العاملي في إجازته للشيخ أبي الحسن الشريف العاملي سنة 1100 . 18 - الشيخ عبد الواحد بن محمد البوراني في إجازته للشيخ أبي الحسن الشريف الفتوني العاملي سنة 1103 . 19 - الأمير محمد صالح بن عبد الواسع في إجازته للشيخ أبي الحسن الشريف / صفحة 221 / الفتوني سنة 1107 . 20 - الشيخ صفي الدين بن فخر الدين الطريحي في إجازته للشيخ أبي الحسن الشريف الفتوني سنة 1111 وفي غير واحد من إجازاته . وأشار إلى هذا النسب الذهبي الشيخ جعفر الخطي البحراني (1) المتوفى سنة 1028 في قصيدته التي جارا بها رائية شيخنا البهائي ومدحه فيها، وكتب الشيخ تقريضا عليها، يقول فيها : فيا بن الأولى أثــنى الوصــــــي عـليهم * بمــــــا ليــــــس تثــــــني وجهه يد إنكار بصفــــــين إذ لــــــم يلــــف من أوليائه * وقــــــد عــــــض نــاب للوغى غير فرار وأبصــــــر منهم جــــــند حرب تهـافتـوا * على الموت إســراع الفراش على النار ســـراعا إلــــــى داعي الحروب يرونها * عــــــلــــى شربها الاعمار مورد أعمار أطــاروا غمود البــــــيض واتكلوا على * مفــــــارق قــــوم فــــــارقوا الحق فجار وأرســــــوا وقد لاثوا على الركب الحبا * بــــــروكــــــا كهــــــدي أبــــركوه لجزار فقــــــال وقــــــد طابــــــت هنــالك نفسه * رضــــــى وأقــــــروا عــيـــنه أي إقرار : فلــــــو كنــــــت بــــوابا على باب جنة * كــــــما أفــــــصحت عـنه صحيحات آثار أشار إلى ما كان عليه قبيلة همدان يوم صفين وكان فيهم البطل المجاهد جد المترجم له (الحارث) فأثنى عليهم أمير المؤمنين عليه السلام وقال : يا معشر همدان ! أنتم درعي و رمحي ما نصرتم إلا الله وما أجبتم غيره . دعوت فلباني من القوم عصبة * فــــوارس من همدان غير لئام فوارس من همدان ليسوا بعزل * غــــداة الوغا من شاكر وشبام بكــــــل رديـــــني وعضب تخاله * إذا اختــلف الأقوام شعل ضرام لهـــــــمدان أخلاق ودين يزينهم * وبــــــأس إذا لاقوا وجـد خصام وجــد وصدق في الحروب ونجدة * وقــــــول إذا قـــــالوا بغير أثام متـى تأتهم في دارهم تستضيفهم * تبــــــت ناعما في خدمة وطعام جـــــزى الله همدان الجنان فإنها * ســمام العدى في كل يوم زحام ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) توجد ترجمته في (سلافة العصر) و (أنوار البدرين) .
/ صفحة 222 / فلــــــــو كنت بوابا على باب جنة * لقلت لهمدان : ادخلي بسلام (1) ومؤسس شرف هذا البيت الرفيع (الحارث الهمداني) كان صاحب أمير المؤمنين عليه السلام والمتفاني في ولائه، والفقيه الأكبر في شيعته، وأحد أعلام العالم، أثنى عليه جمع من رجال العامة (2) ذكره السمعاني في (الخارفي) من (الأنساب) وقال : كان غاليا في التشيع . وعده ابن قتيبة في المعارف ص 306 من الشيعة في عداد صعصعة بن صوحان وأصبغ بن نباتة وأمثالهما، وترجم له الذهبي في (ميزان الاعتدال) ج 1 ص 202 وقال : من كبار علماء التابعين . ونقل هو ابن حجر في تهذيب التهذيب ص 145 عن أبي بكر ابن أبي داود أنه قال : كان الحارث أفقه الناس، وأحسب الناس، وأفرض الناس، تعلم الفرائض من علي عليه السلام . وفي (خلاصة تهذيب الكمال) ص 58 : إنه أحد كبار الشيعة . وروى الكشي في رجاله ص 59 بإسناده عن أبي عمير البزاز عن الشعبي قال : سمعت الحرث الأعور وهو يقول : أتيت أمير المؤمنين عليا عليه السلام ذات ليلة فقال : يا أعور ! ما جاء بك ؟ قال : فقلت : يا أمير المؤمنين ! جاء بي والله حبك . قال : فقال : أما إني سأحدثك لتشكرها، أما إنه لا يموت عبد يحبني فيخرج نفسه حتى يراني حيث يحب، ولا يموت عبد يبغضني فخرج نفسه حتى يراني حيث يكره . قال : ثم قال لي الشعبي بعد : أما إن حبه لا ينفعك وبغضه لا يضرك (3) وحدث الشيخ أبو علي ابن شيخ الطايفة أبو جعفر الطوسي في أماليه ص 42 بإسناده عن جميل بن صالح عن أبي خالد الكاملي (4) عن الأصبغ بن نباتة قال : دخل الحارث الهمداني على أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام في نفر من الشيعة وكنت ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) كتاب صفين لابن مزاحم ص 310، 496 ط مصر، شرح ابن أبي الحديد 1 : 492، ج 2 : 294 . (2) خلا أناس منهم حناق على العترة الطاهرة، يتحرون الوقيعة في شيعتهم، فخلقوا له إفكا، و نبزوه بالسفاسف مما لا يقام له عند المنقب وزن . (3) قول الشعبي هذا مناقض لما جاء به النبي الأعظم في حب أمير المؤمنين عليه السلام وبغضه من الكثير الطيب، راجع ما مر في أجزاء كتابنا هذا وما يأتي . (4) كذا والصحيح : الكابلي .
/ صفحة 223 / فيهم فجعل يعني الحارث يتأود في مشيته ويخبط الأرض بمحجنه وكان مريضا فأقبل عليه أمير المؤمنين عليه السلام وكانت له منه منزلة فقال : كيف تجدك يا حارث ؟ ! قال : نال الدهر مني يا أمير المؤمنين ! وزادني أوارا وغليلا اختصام أصحابك ببائك قال : و فيهم خصومتهم ؟ قال : في شأنك والبلية من قبلك، فمن مفرط غال، ومقتصد قال، ومن متردد مرتاب، لا يدري أيقدم أو يحجم . قال : فحسبك يا أخا همدان ؟ ألا إن خير شيعتي النمط الأوسط، إليهم يرجع الغالي وبهم يلحق التالي قال : لو كشفت فداك أبي وأمي الرين عن قلوبنا وجعلتنا في ذلك على بصيرة من أمرنا، قال : قدك فإنك امرؤ ملبوس عليك، إن دين الله لا يعرف بالرجال بل بآية الحق، فاعرف الحق تعرف أهله، يا حار ! إن الحق أحسن الحديث والصادع به مجاهد، وبالحق أخبرك فأعرني سمعك ثم خبر به من كانت له حصانة من أصحابك ألا إني عبد الله وأخو رسوله وصديقه الأول، قد صدقته وآدم بين الروح والجسد، ثم إني صديقه الأول في أمتكم حقا، فنحن الأولون ونحن الآخرون، ألا وأنا خاصته يا حار ! وخالصته و صنوه ووصيه ووليه صاحب نجواه وسره، أوتيت فيهم الكتاب وفصل الخطاب و علم القرون والأسباب، واستودعت ألف مفتاح يفتح كل مفتاح ألف باب يفضي كل باب إلى ألف ألف عهد وأيدت . أو قال : أمددت بليلة القدر نفلا، وإن ذلك ليجري لي ومن استحفظ من ذريتي ما جرى الليل والنهار حتى يرث الله الأرض ومن عليها، وأبشرك يا حارث ! ليعرفني والذي فلق الحبة وبرء النسمة وليي وعدوي في مواطن شتى، ليعرفني عند الممات وعند الصراط وعند المقاسمة قال : وما المقاسمة يا مولاي ؟ ! قال : مقاسمة النار أقاسمها قسمة صحاحا أقول : هذا وليي وهذا عدوي . ثم أخذ أمير المؤمنين عليه السلام بيد الحارث وقال : يا حارث ! أخذت بيدك كما أخذ رسول الله صلى الله عليه وآله بيدي فقال لي واشتكيت إليه حسدة قريش والمنافقين لي : إنه إذا كان يوم القيمة أخذت بحبل أو بحجزة يعني عصمة من ذي العرش تعالى وأخذت يا علي ! بحجزتي وأخذ ذريتك بحجزتك وأخذ شيعتكم بحجزتكم، فماذا يصنع الله بنبيه ؟ وما يصنع نبيه بوصيه ؟ خذها إليك يا حارث ! قصيرة من طويلة أنت مع من أحببت، ولك ما احتسبت، أو قال : ما اكتسبت . قالها ثلثا فقال الحارث وقام يجر ردائه جذلا : ما أبالي ربي / صفحة 224 / بعد هذا متى لقيت الموت أو لقيني . قال جميل بن صالح فأنشدني السيد بن محمد في كتابه : قول (علي) لحــــــارث عجــــب * كــــــم ثــم أعجوبــة له حملا ؟ : يا حار همدان من يمت يرنــي * من مــــــؤمن أو منافــــق قبلا يعــــــرفني طرفــــــه وأعــــرفه * بنعــــــته واسمــــــه ومـا فعلا وأنت عند الصــــــراط تعـــرفني * فلا تخــــــف عــثــــرة ولا زللا أسقــــــيك مــــن بارد على ظمأ * تخــــــاله في الحـــلاوة العسلا أقول للنار حين تعرض للعرض * : دعــيــــــه لا تقبـــــلي الرجلا دعــيــــــه لا تقربــــــيه إن لـــه * حــــــبلا بحـــبل الوصي متصلا توفي الحارث الهمداني سنة 65 كما ذكره الذهبي في [ميزان الاعتدال ]، وابن حجر نقلا عن ابن حبان في [تهذيب التهذيب] ج 2 ص 147، والمؤرخ عبد الحي في [شذرات الذهب] ج 1 ص 73، فما في [خلاصة تذهيب الكمال] ص 58 من أنها سنة 165 ليس بصحيح . والمترجم له شيخنا (الحسين) أحد أعلام الطايفة، وفقهائها البارعين في الفقه و أصوله والكلام والفنون الرياضية والأدب، وكان إحدى حسنات هذا القرن، والألق المتبلج في جبهته، والعبق المتأرج بين أعطافه، أذعن بتقدمه في العلوم علماء عصره ومن بعدهم، قال شيخه الشهيد الثاني في إجازته له المؤرخة ب 941 المذكورة في كشكول شيخنا البحراني صاحب (الحدائق) : ثم إن الأخ في الله المصطفى في الأخوة المختار في الدين، المرتقى عن حضيض التقليد إلى أوج اليقين، الشيخ الإمام العالم الأوحد، ذا النفس الطاهرة الزكية، والهمة الباهرة العلية، والأخلاق الزاهرة الإنسية، عضد الاسلام والمسلمين، عز الدنيا والدين حسين بن الشيخ الصالح العالم العامل المتقن المتفنن خلاصة الأخيار الشيخ عبد الصمد بن الشيخ الإمام شمس الدين محمد الشهير بالجبعي أسعد الله جده، وجدد سعده، وكبت عدوه وضده، ممن انقطع بكليته إلى طلب المعالي، ووصل يقظة الأيام بإحياء الليالي، حتى أحرز السبق في مجاري ميدانه، وحصل بفضله السبق على سائر أترابه وأقرانه، وصرف برهة من / صفحة 225 / زمانه في تحصيل هذا العلم، وحصل منه على أكمل نصيب وأوفر سهم فقرأ على هذا الضعيف .. إلخ . وأثنى عليه معاصره السيد الأمير حيدر بن السيد علاء الدين الحسيني البيروي في إجازته للسيد حسين المجتهد الكركي بقوله : الشيخ الإمام الزاهد العابد العامل العالم، زبدة فضلاء الأنام، وخلاصة الفقهاء العظام، فقيه أهل البيت عليهم السلام، عضد الاسلام، والمسلمين، عز الدنيا والدين حسين بن الشيخ العالم . إلخ . وفي [رياض العلماء] : كان فاضلا عالما جليلا أصوليا متكلما فقيها محدثا شاعرا ماهرا في صنعة اللغز وله ألغاز مشهورة خاطب بها ولده البهائي فأجابه هو بأحسن منها وهما مشهوران وفي المجاميع مسطوران . وقال المولى مظفر علي أحد تلاميذ ولده البهائي في رسالة له في أحوال شيخه : وكان والد هذا الشيخ في زمانه من مشاهير فحول العلماء الأعلام والفقهاء الكرام، وكان في تحصيل العلوم والمعارف وتحقيق مطالب الأصول والفروع مشاركا ومعاصرا للشهيد الثاني، بل لم يكن له قدس الله سره في علم الحديث والتفسير والفقه والرياضي عديل في عصره وله فيها مصنفات . ا ه . وقال المولى نظام الدين محمد تلميذ ولده البهائي في (نظام الأقوال في أحوال الرجال) : الحسين بن عبد الصمد بن محمد الجبعي الحارثي الهمداني الشيخ العالم الأوحد، صاحب النفس الطاهرة الزكية، والهمة الباهرة العلية، والد شيخنا واستاذنا ومن إليه في العلوم استنادنا أدام الله ظله البهي من أجلة مشايخنا قدس الله روحه الشريفة، كان عالما فاضلا مطلعا على التواريخ ماهرا في اللغات، مستحضرا للنوادر والأمثال، وكان ممن جدد قراءة كتب الأحاديث، ببلاد العجم، له مؤلفات جليلة، ورسالات جميلة . ا ه . وفي (أمل الآمل) : كان عالما ماهرا محققا مدققا متبحرا جامعا أديبا منشئا شاعرا عظيم الشأن، جليل القدر، ثقة من فضلاء تلامذة شيخنا الشهيد الثاني .. الخ . إلى كلمات أخرى مبثوثة في الإجازات ومعاجم التراجم . وعرف فضله عاهل ايران بوقته السلطان شاه طهماسب الصفوي، فسامه تقديرا وتبجيلا، وقلده شيخوخة / صفحة 226 / الاسلام بقزوين، ثم بخراسان المقدسة ثم بهراة، وفوض إليه أمر التدريس والافادة، وكان يقدمه على كثير من معاصريه بعد أستاده المحقق الكركي، فنهض المترجم له بعبء العلم والدين ونشر أعلامهما بما لا مزيد عليه، فخلد له التاريخ بذلك كله ذكرا جميلا تضيئ به صحايفه، وتزدهي سطوره، ومما خصه المولى سبحانه به وفضله بذلك على كثير من عباده، وحري بأن يعد من أكبر فضايله الجمة، وأفضل أعماله المشكورة مع الدهر، إنه نشر ألوية التشيع في هرات ومناحيها، وأدرك خلق كثير بإرشاده الناجع سعادة الرشد، وسبيل السداد، واتبعوا الصراط السوي المستقيم . (مشايخه والرواة عنه) : يروي شيخنا المترجم له عن لفيف من أعلام الطايفة وأساتذة العلم . منهم : 1 - شيخنا الأكبر زين الدين الشهيد الثاني وأخذ منه العلم . 2 - السيد بدر الدين الحسن بن السيد جعفر الأعرجي الكركي العاملي . 3 - الشيخ حسن صاحب (المعالم) ابن الشهيد الثاني . 4 - السيد حسن بن علي بن شدقم الحسيني المدني . ويروي عنه : 1 - السيد الأمير محمد باقر الاسترابادي الشهير (داماد) . 2 - الشيخ رشيد الدين بن إبراهيم الاصفهاني بالاجازة المؤرخة بسنة 971 . 3 - السيد شمس الدين محمد بن علي الحسيني الشهير بابن أبي الحسن، كما في إجازة العلامة المجلسي للسيد نعمة الله الجزائري المؤرخة بسنة 1075 . 4 - السيد حيدر بن علاء الدين البيروي كما في إجازته للسيد حسين الكركي . 5 - الشيخ أبو محمد بن عناية الله البسطامي كما في إجازته للسيد حسين الكركي . 6 - المولى معاني التبريزي كما في إجازات البحار ص 134، 135 . 7 - الميرزا تاج الدين حسين الصاعدي كما في الإجازات ص 135 . 8 - الشيخ حسن صاحب (المعالم) كما في إجازة الأمير شرف الدين الشولستاني للمولي محمد تقي المجلسي .
/ صفحة 227 / 9 - وملك علي يروي عنه بالاجازة المذكورة في [أعيان الشيعة] 26 ص 260 . 10، 11 - ولداه العلمان : شيخنا البهائي وأبو تراب الشيخ عبد الصمد . وقرأ عليه السيد علاء الدين محمد بن هداية الله الحسني الخيروي سنة 967 . (آثاره أو مآثره) : ومن آثاره أو مآثره تآليف قيمة منها : شرح على القواعد، شرحان على ألفية الشهيد، الرسالة الطهماسية في الفقه . الرسالة الوسواسية، رسالة في وجوب الجمعة، وصول الأخيار إلى أصول الأخبار . الرسالة الرضاعية، حاشية على الارشاد، رسالة مناظرة مع علماء حلب (1) . رسالة في الرحلة (2 )، رسالة في العقايد، رسالة الطهارة الظاهرية والقلبية . رسالة في المواريث، كتاب الغرر والدرر، رسالة في تقديم الشياع على اليد . رسالة في الواجبات، تعليقات على الصحيفة، رسالة في القبلة ديوان شعره دراية الحديث، كتاب الأربعين، تعليقة على خلاصة العلامة رسالة في جواز استرقاق الحربي البالغ حال الغيبة. رسالة تحفة أهل الإيمان في قبلة عراق العجم وخراسان . رسالة في وجوب صرف مال الإمام عليه السلام في أيام الغيبة . جواب عما أورد على حديث نبوي (3 )، رسالة في عدم طهر البواري بالشمس . (ولادته ووفاته) : ولد شيخنا المترجم له أول محرم الحرام سنة 918، وتوفي سنة 984 في ثامن ربيع الأول في قرية المصلى من أرباض (هجر) من بلاد البحرين وكان عمره ستا وستين سنة وشهرين وسبعة أيام ورثاه ولده الأكبر شيخنا البهائي بقوله : ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) للمترجم له رحلات فيها خطوات محمودة ومواقف تذكر وتشكر وراء صالح الأمة والسعي دون مناهج الدين والمذهب، ورسالته هذه تجمع شتات تلكم المساعي، راجع أعيان الشيعة لسيدنا الأمين . (2) رسالة قيمة في الإمامة تجد جملة ضافية في أعيان الشيعة 26 : 248 . (3) من قوله صلى الله عليه وآله : إني أحب من دنياكم ثلاثا : النساء. والطيب. وقرة عيني الصلاة .
/ صفحة 228 / قــــــــف بالطلول وسلها أين سلماها ؟ * وروّ مـــــــــن جــــرع الأجفان جرعاها وردد الطرف فـــــــــي أطـراف ساحتها * وروح الـــــــــروح مــن أرواح أرجاها وإن يفتـــــــــك مـــــن الأطلال مخبرها * فـــــــــلا يفـــــــــوتك مــــــرآها وريّاها ربـــــــــوع فــــضل تباهي التبر تربتها * ودار أنـــــــــس يحــــاكي الدر حصباها عـــــــــدا عــــــلي جيرة حلوا بساحتها * صـــــــــرف الــــزمان فأبلاهم وأبلاها بـــــــــدور تـــــــــم غمام الموت جـللها * شمــــوس فضل سحاب الترب غشاها فالمجـــــــــد يبـــكي عليها جازعا أسفا * والدين ينـــــــــدبها والفـــــضل ينعاها يا حبـــــــــذا أزمـــــــن في ظلهم سلفت * مـــــــا كان أقصرها عمرا وأحلاها ؟ أوقـــــــــات أنــــس قضيناها فما ذكرت * إلا وقـــــــــطع قـــــلب الصب ذكراها يا ســـــــــادة هجروا واستوطنوا هجرا * واهـــــــــا لقــبلي المعنى بعدكم واها رعـــــــــيا لليـلات وصل بالحمى سلفت * سقـــــــــيا لأيـــــامنا بالخيف سقناها لفــــــــقدكم شق جيب المجد وانصدعت * أركـــــــــانه وبكــــــم ما كان أقواها وخـــــــــر مــــن شامخات العلم أرفعها * وانهد من باذخــــــات الحلم أرساها يا ثـــــــــاويا بالمـــصلى من قرى حجر * كسيـــت من حلل الرضوان أرضاها أقـــــــــمت يا بحر ! بالبحرين فاجتمعت * ثـــــــــلاثة كـــــــــن أمثالا وأشـباها ثـــــــــلاثة أنت أنـــــــــداها وأغـــزرها * جـــــــــودا وأعذبها طعـــما وأحلاها حـــــــــويت مـــــن درر العلياء ما حويا * لكـــــــــن درك أعـــــــلاها وأغلاها يا أخمصا وطأت هام السهى شرفا (1) * سقــــاك ؟ من ديم الوسمي أسماها ويا ضريحـــــــــا علا فوق السماك علا * عـــــــــليك من صلـوات الله أزكاها فيك انطوى من شموس الفضل أزهرها * ومـــــــــن معـــالم دين الله أسناها ومـــــــــن شـــوامخ أطواد الفتوة أرسا * هـــــــــا وأرفعــــــها قدرا وأبهاها فاسحـــــب على الفلك الأعلى ذيول علا * فقد حــــــــويت من العلياء أعلاها ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) أخمص القدم : ما لا يصيب الأرض من باطنها، ويراد به القدم كلها . السهى : كوكب خفى من بنات نعش الصغرى . ومنه المثل : أريها السهى وتريني القمر . يضرب للذي يسأل عن شئ فيجيب جوابا بعيدا .
/ صفحة 229 / عــــليك مني سلام الله ما صدحت * على غصون إراك الدوح ورقاها قال صاحب (رياض العلماء) : ورثاه جماعة من الشعراء . وللمترجم له قصيدة جارى بها البردة للبوصيري يمدح بها الرسول الأعظم و خليفته الصديق الأكبر أولها : ألؤلؤ نظـــــــــم ثغـــــــر منك مبتسم ؟ * أم نرجس ؟ أم أقاح في صفى بشم ؟! والقصيدة طويلة تناهز 129 بيتا وقد وقف سيد الأعيان منها على 69 بيتا فحسب أنها تمام القصيدة فقال : تبلغ 69 بيتا ثم ذكر جملة منها، ومن شعر المترجم له قوله : ما شمـــــمت الورد إلا * زادني شــــــوقا إليك وإذا مــــــا مال غصن * خــــــــلته يحنو عليك لست تدري ما الذي قد * حـــــل بي من مقلتيك إن يكن جسمي تناءى * فالحــــــشى باق لديك كــــل حسن في البرايا * فــــــهو منسوب إليك رشـــــــق القلب بسهم * قــــوسه من حاجبيك إن ذاتـــــــــي وذواتــي * يا منـــــــايا في يديك آه لــــــو أسقى لأشفى * خــــــمرة من شفتيك وله قوله وهو المخترع لهذا الروي : فاح عرف الصبا وصاح الديك * وانثـنى البان يشتكي التحريك قـــــــــم بنــــا نجتلى مشعشعة * تــــــــاه من وجده بها النسيك لو رآها المجـــــــــوس عاكفة * وحدوهــــــا وجانبوا التشريك إن تسر نحونا نســــــــــر وإن * مت في السيـــــر دوننا نحييك وذكر شيخنا البهائي في كشكوله ص 65 لوالده على هذا الروي ثمانية عشر بيتا أولها : فاح ريح الصبا وصاح الديك * فانتـــبه وانف عنك ما ينفيك وعارضها ولده الشيخ بهاء الدين بقصيدة كافية مطلعها : / صفحة 230 / يا نديـــــــــمي بمــهجتي أفديك * قـــم وهات الكؤس من هاتيك خـــــــــمرة إن ضلـلت ساحتها * فســـــــــنا نــور كأسها يهديك يا كـــــــــليم الفـــؤاد ! داو بها * قـــــــــلبك المبتلى لكي تشفيك هـــــــــي نـــــار الكليم فاجتلها * واخــلع النعل واترك التشكيك صـــــــــاح ناهيــك بالمدام فدم * في احتساها مخالفا ناهيك(1) وخلف المترجم على علمه الجم وفضله المتدفق ولداه العلمان : شيخ الطايفة بهاء الملة والدين الآتي ذكره وهو أكبر ولديه ولد سنة 953، والشيخ أبو تراب عبد الصمد بن الحسين المولود بقزوين ليلة الأحد وقد بقي من الليل نحو ساعة ثالث شهر صفر سنة 966 كما في (الرياض) نقلا عن خط والده المترجم له (الشيخ حسين) وصرح والدهما المترجم له في إجازته لهما إن البهائي أكبر ولديه، وللشيخ عبد الصمد حاشية على أربعين أخيه شيخنا البهائي وفوائده على الفرائض النصيرية، وكتب الشيخ البهائي باسمه فوائده الصمدية، يروي بالاجازة عن والده المقدس الشيخ حسين، ويروي عنه العلامة السيد حسين بن حيدر بن قمر الكركي توفي سنة 1020، ترجمه صاحبا (الأمل) و (الرياض) وغيرهما، وورثه على علمه الغزير ولداه العالمان : الشيخ أحمد بن عبد الصمد نزيل هرات، يروي عنه بالاجازة السيد حسين بن حيدر بن قمر الكركي الراوي عن والده أيضا . وأخوه الشيخ حسين بن عبد الصمد كان قاضي هرات، قال صاحب [رياض العلماء] : كان شاعرا ماهرا في العلوم الرياضية له منظومة بالفارسية في الجبر والمقابلة . ا ه . يروي عن عمه شيخنا البهائي بالاجازة توجد بعض تعاليقه على بعض الكتب مؤرخا بسنة 1060 . وأما سائر رجالات هذه الأسرة الكريمة فوالد المترجم له الشيخ عبد الصمد من نوابع الطايفة، وعلمائها البارعين، وصفه شيخ الطايفة الشهيد الثاني في إجازته لولد المترجم له بالشيخ الصالح العامل العالم المتقن، وأثنى عليه السيد حيدر البيروي في ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) إلى آخر الأبيات المذكورة في [خلاصة الأثر] 3 : 449، وريحانة الألباء للخفاجي، و كشكول ناظمها ص 65.
/ صفحة 231 / إجازته للسيد حسين المجتهد الكركي، بالشيخ العالم العامل، خلاصة الأخيار، وزين الأبرار الشيخ عبد الصمد، ولد سنة 855 في 21 محرم وتوفي سنة 935 في منتصف ربيع الثاني ترجمه صاحبا (الرياض) و (أمل الآمل) وغيرهما . وأخو المترجم الأكبر الشيخ نور الدين أبو القاسم علي بن عبد الصمد الحارثي المولود سنة 898 من تلمذة الشهيد الثاني قال صاحب (رياض العلماء) : فاضل عالم جليل فقيه شاعر له منظومة في ألفية الشهيد تسمى بالدرة الصفية في نظم الألفية، يروي عن المحقق الكركي بالاجازة سنة 935 وقرء عليه جملة من كتب الفقه . وأخوه : الشيخ محمد بن عبد الصمد ولد سنة 903 وتوفي سنة 952 . وأخوه الثالث : الحاج زين العابدين المولود سنة 909 والمتوفى سنة 965 . وأوعزنا في ترجمة عم والد المترجم له الشيخ إبراهيم الكفعمي ص 215 إلى ترجمة جد المترجم الشيخ شمس الدين محمد، وجد والده الشيخ زين الدين علي . توجد ترجمة شيخنا عز الدين الحسين، وسرد جمل الثناء عليه في كشكول الشيخ يوسف البحراني، لؤلؤة البحرين ص 18، رياض العلماء، أمل الآمل ص 13، نظام الأقوال في أحوال الرجال (1) تاريخ عالم آراي عباسي، روضات الجنات ص 193، مستدرك الوسائل 3 : 421، تنقيح المقال 1 : 332، الأعلام للزركلي 1 : 250، أعيان الشيعة 26 : 226 - 270 وفيها فوائد جمة، سفينة البحار 1 : 174، الكنى والألقاب 2 : 91، الفوائد الرضوية 1 : 138، منن الرحمان 1 ص 8 .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) تأليف المولى نظام الدين محمد القرشي تلميذ شيخنا البهائي ولد المترجم له .
/ صفحة 232 / شعراء الغدير في القرن الحادي عشر - 79 - المتوفى بعد 1001 أجـــــل مصابي في الحياة وأكبر * مصاب لـــه كل المصائب تصغر مصــــاب به الآفاق أظلم نورها * ووجه التقى والدين أشعث أغبر مصــــاب به أطواد علم تدكدكت * وأصبــــــح نور الدين وهو مغبر إلى أن قال فيها : وسار النبي الطهر من أرض مكة * وقد ضاق ذرعا بالذي فيه أضمروا ولما أتى نحو (الغـــــــدير) برحله * تلقـــــــاه جـــــــبريل الأميــــن يبشر بنصـــــــب (عــــلي) واليا وخليفة * فـــــــذلك وحـــــــي الله لا يتــــــأخر فـــــــرد من القــــوم الذين تقدموا * وحـــــــط أناس رحلهم قـــد تأخروا ولــــم يك تلك الأرض منزل راكب * بحـــــــرّ هجـــــــير نـــــاره تتسعر رقـــــــى منبر الأكوار طهر مطهر * ويصـــــــدع بالأمـــر العظيم وينذر فأثـــــــنى عــلى الله الكريم مقدسا * وثــنى بمدح المرتضى وهو مخبر : بأن جــــاءني فيه من الله عزمة * وإن أنـــــــا لم أصدع فإني مقصر وإنـــــــي على اسم الله قمت مبلغا * رســـــــالته والله للحـــــــق ينصر عـــــــلي أخي في أمتـــي وخليفتي * وناصـــــــر دين الله والحق ينـصر وطاعـــــــته فرض على كل مؤمن * وعـــصيانه الذنب الذي ليس يغفر / صفحة 233 / ألا فاسمعوا قــــولي وكونوا لأمره * مطيعـــين في جنب الإله فتوجروا ألست بأولى منكم بنفـــــــوسكــم ؟ * فـــــقالوا : نعم نص من الله يذكر فـــــــقال : ألا من كنت مولاه منكم * فـــــــمولاه بعـــدي والخليفة حيدر إلتقطنا هذه الأبيات من قصيدة كبيرة لشاعرنا (ابن أبي شافين) تبلغ خمسمائة وثمانين بيتا توجد في المجاميع المخطوطة العتيقة . (الشاعر) : الشيخ داود بن محمد بن أبي طالب الشهير بابن أبي شافين الجد حفصي البحراني، من حسنات القرن العاشر، ومن مآثر ذلك العصر المحلى بالمفاخر، شعره مبثوث في مدونات الأدب، والموسوعات العربية، ومجاميع الشعر، إن ذكر العلم فهو أبو عذره أو حدث عن القريض فهو ابن بجدته، ذكره السيد علي خان في (السلافة) ص 529 و أطراه بقوله : البحر العجاج إلا أنه العذب لا الاجاج، والبدر الوهاج إلا أنه الأسد المهاج، رتبته في الاباءة شهيرة، ورفعته أسمى من شمس الظهيرة، ولم يكن في مصره وعصره من يدانيه في مده وقصره، وهو في العلم فاضل لا يسامى، وفي الأدب فاصل لم يكل الدهر له حساما، إن شهر طبق، وإن نشر عبق، وشعره أبهي من شف البرود، وأشهى من رشف الثغر البرود، وموشحاته الوشاح المفصل، بل التي فرع حسنها و أصل، ومن شعره قوله : أنـــــــا والله المعـــــــانـي * بالهـــــــوى شوقي أعرب كـــــــل آن مـــــــر حــالي * في الهوى يا صاح أغرب كــــــل ما غنى الهوى لي * أرقـص القلــــــب وأطرب وغـــــــدا يسقيـــــه كاسا * ت صبـــــــابات فيــــشرب فالذي يطـــــــمع فـي سلـ * ـب هـــــــوى قلبي أشعب قلـــــــت للمحــبوب : حتّا * م الهـــوى للقلب ينهب ؟ وبميـــــــدان الصبــا والــ * ــلهــــو ساه أنت تلعب ؟ قـــــــال : مــا ذنبي إذا شا* هــــدت نار الخد تلهب ؟ / صفحة 234 / فهـــــوى قلبـــــك فيــــها * ذاهبـــــا فـــي كل مذهب قلــت : هب إن الهوى هـ* ـب فألـــــقاه بهــــب هب أفـــــلا تنقـــــذ مـــن يهــ * ــواك مـــــن نار تلهب ؟ ثم ذكر له لامية وموشحة دالية تناهز 42 بيتا مطلعها : قل لأهل العذل : لو وجـــدوا * من رسيــس الحــب ما نجـد أوقـــــدوا فـــي كـــل جارحة * زفـــــرة فــي القلـــب تـتقـــد فاسعــــد الهايـــم ايها اللايم * فالهوى حاكم إن عصى أحد وذكره المحبي في خلاصة الأثر 2 : 88 وقال : من العلماء الأجلاء الأدباء، أستاد السيد أبي محمد الحسين بن الحسن بن أحمد بن سليمان الحسيني الغريفي البحراني ولما توفي تلميذه السيد العلامة الغريفي في سنة 1001 وبلغ نعيه إلى شيخه الشيخ داود ابن أبي شافين البحراني استرجع الشيخ وأنشد بديهة . هلـــــك القــــــصر يا همام فغني * طربا منك في أعالي الغصون(1) وأثنى عليه الشيخ سليمان الماحوزي في رسالته في علماء البحرين بقوله : واحد عصره في الفنون كلها، وشعره في غاية الجزالة، وكان جدليا حاذقا في علم المناظرة و آداب البحث، ما ناظر أحدا إلا وأفحمه .. إلخ . وقال الشيخ صاحب (أنوار البدرين) : كان هذا الشيخ من أكابر العلماء وأساطين الحكماء . وذكره العلامة المجلسي في [إجازات البحار] ص 129 وأطراه بما مر عن سلافة العصر، وجمل الثناء عليه منضدة في (أنوار البدرين) و (وفيات الأعلام) لشيخنا الرازي، و (الطليعة) للمرحوم السماوي، وتتميم أمل الآمل للسيد ابن أبي شبانة البحراني . لشاعرنا [ابن أبي شافين] رسائل منها رسالة في علم المنطق، وشرح على الفصول النصيرية في التوحيد . وشعره مبثوث في مجاميع الأدب ذكر له شيخنا الطريحي في المنتخب 1 : 127 قصيدة يرثي بها الإمام السبط عليه السلام تناهز 37 بيتا مستهلها : ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) وذكره السيد صاحب (السلافة) ص 504 .
/ صفحة 235 / هلموا نبك أصحاب العباء * ونرثـــي سبط خير الأنبياء هلـــــموا نبك مقتولا بكته * ملائـــكة الإله من السماء وذكر له العلامة السيد أحمد العطار في الجزء الثاني من موسوعه (الرائق) قوله في رثاء الإمام السبط سلام الله عليه : يا واقـــــفا بطفوف الغاضريات * دعني أمسح الدموع العندميات من أعين بسيوف الحزن قاتلة * طــيب الكرى لقتيل السمهريات وســادة جاوزوا بيد الفـلات بها * وقـــــادة قـــــددوا بالمـشرفيات القصيدة تناهز 62 بيتا يقول في آخرها : لا يبتغي بن أبي شافين من عوض * إلا نجـــــاة وإسكـــــانا بجـــــنـــات وذكر السيد قدس سره في (الرائق) أيضا له قوله في رثاء الإمام الشهيد صلوات الله عليه : مصـــــائب يوم الطف أدهى المصائب * وأعظم من ضرب السيوف القواضب تذوب لهـــــا صـــــم الجـــلاميد حسرة * وتـــــنهد منــــــها شامخات الشناخب بهـــــا لبــــس الــدين الحنـيف ملابسا * غـــــرابيب ســودا مثل لون الغياهب القصيدة 50 بيتا وفي آخرها قوله : ودونكم غراء كالبدر في الدجى * مــن بن أبي شافين ذات غرائب وذكر الشيخ لطف الله بن علي بن لطف الله الجد حفصي البحراني في مجموعته (1) الشعرية له قصيدة تبلغ 71 بيتا في رثاء الإمام السبط الطاهر عليه السلام أولها : قــفا بالرسوم الخاليات الدواثر * تنوح على فقد البدور الزواهر بــدور لآل المصطفى قد تجللت * بعـــارض جون فاختفت بدياجر ففي كـــل قصر منهم قمر ثوى * وجـــلل من غيم الغموم بساتر ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) هذه المجموعة تتضمن على ما قاله أربع وعشرون شاعرا من فحول الشعراء في رثاء الإمام السبط عليه السلام أولهم سيدنا الشريف الرضي، وقفت منها بخط جامعها على عدة نسخ في النجف الأشرف والكاظمية المشرفة، وطهران عاصمة ايران .
/ صفحة 236 / وفي تلك المجموعة له في رثاء الإمام السبط عليه السلام تناهز 42 بيتا مطلعها : قـــــف بالطـــــفوف بتذكـــار وتزفار * وذب من الحزن ذوب التبر في النار واسحب ذيول الأسى فيها ونح أسفا * نـــــوح القــماري على فقدان أقمار وانثـــــر على ذهب الخدين من درر * الـدمع الهتون وياقوت الدم الجاري ونح هنـــــاك بليعـــات الأسى جزعا * فــما على الواله المحزون من عار وعـــــز نفســــك عن أثواب سلوتها * عـــلى القتيل الذبيح المفرد العاري لهـــــفي وقـــد مات عطشانا بغصته * يسقـــــى النجـــــيع ببـــــتار وخطار كأنمـــــا مهـــــره فـــــي جــريه فلك * ووجهـــــه قـــــمر فـي أفقه ساري وله قصيدة يمدح بها النبي الأعظم ووصيه الطاهر وآلهما صلوات الله عليهم أولها : بدا يختال في ثـــــوب الحـــــريــــر * فعـــــم الكـــــون مــــن شر العبير فقلنا : نـــــور فجـــــر مستـــــطير * جبـــــينك ؟ أم سـنا القمر المنير؟ *** وقـــــد مائـــــل أم غــــصن بــــان * تثنى ؟ أم قضــــيب خـــــيزراني ؟ عـــــليه بـــــدر تـــــم شعـــشعاني * بنور في الدياجـــــي مستطيــــر ؟ *** ألا يـــــا يوسفـــــي الحسن كم كم * فؤادي من لهيب الشوق يضرم ؟ وكم يا فتـنـــــة العـــــشاق اظـــلم * ومــــا لي في البرايا من نصير ؟ يقول فيها : فإن ضيعــت شيئا مــــن ودادي * فحسبي حـــب أحمد خير هادي ومبعـــــوث إلـــــى كــــل العباد * شفيع الخـــلق والهادي البشير *** وهـــــل أصلــــى لظى نار توقد * وعــندي حب خير الخلق أحمد وحب المرتضى الطهر المسدد * وحـــب الآل باق في ضميري ؟ *** / صفحة 237 / به داود يجزي فـــــي المعــــاد * نجــــاة من لظـــــى ذات اتــقاد وينجـــــو كل عــبــــد ذي وداد * بحـــــب الآل والهـــادي البشير ابن أبي شافين قد وقع الخلاف في ضبط كنية شاعرنا هذه، ففي (سلوة الغريب) للسيد علي خان المدني : ابن أبي شافيز، وكذلك ضبطها سيد الأعيان . وفي (سلافة العصر) للسيد المدني أيضا : ابن أبي شافير . بالراء المهملة تارة وبالنون أخرى . وفي (خلاصة الأثر) للمحبي : ابن أبي شاقين : بالقاف والنون . وفي (البحار) ابن أبي شافير مهملة الآخر . والذي نجده في شعره بلا خلاف فيه : ابن أبي شافين . بالفاء والنون . |