بسمه تعالى
بحار الانوار: 32
[ 1 ]
بحار الانوار
الجامعة لدرر أخبار الائمة الاطهار
تأليف
العلم العلامة الحجة فخر الامة المولى
الشيخ محمد باقر المجلسي
" قدس الله سره "
الجزء الثاني والثلاثون
[ 5 ]
- أقول : قال ابن أبي الحديد في شرح النهج قال علي عليه
السلام للزبير
يوم بايعه : إني لخائف أن تغدر بي فتنكث بيعتي ؟ ! قال : لا تخافن فإن ذلك لا
يكون مني أبدا .
فقال علي عليه السلام : فلي الله عليك بذلك راع وكفيل ؟
قال : نعم الله لك علي بذلك راع وكفيل .
ولما بويع عليه السلام كتب إلى معاوية :
أما بعد فإن الناس قتلوا عثمان عن غير مشهورة مني وبايعوني عن مشورة
منهم وإجتماع فإذا أتاك كتابي فبايع لي وأوفد إلي [ في ] أشراف أهل الشام قبلك .
فلما قدم رسوله على معاوية وقرأ كتابه بعث رجلا من بني عبس وكتب
معه كتابا إلى الزبير بن العوام وفيه :
بسم الله الرحمن الرحيم لعبد الله الزبير أمير المؤمنين من معاوية بن أبي
سفيان سلام عليك أما بعد فإني قد بايعت لك أهل الشام فأجابوا واستوثقوا
الحلف فدونك الكوفة والبصرة لا يسبقنك لها ابن أبي طالب فإنه لا شئ بعد
___________________________________________________________
1 - ذكره ابن أبي الحديد في شرح المختار : ( 8 ) من نهج البلاغة من شرحه : ج 1 ،
ص 230 ط 1 مصر ، وفي ط الحديث ببيروت ص 190 .
( * )
[ 6 ]
هذين المصرين وقد بايعت لطلحة بن عبيد الله من بعدك فأظهرا الطلب بدم
عثمان وادعوا الناس إلى ذلك وليكن منكما الجد والتشمير أظهركما الله وخذل
مناوئكما .
فما وصل هذا الكتاب إلى الزبير سر به وأعلم به طلحة وأقرأه إياه فلم
يشكا في النصح لهما من قبل معاوية وأجمعا عند ذلك على خلاف علي .
قال : وجاء الزبير وطلحة إلى علي عليه السلام بعد البيعة له بأيام فقالا له :
يا أمير المؤمنين قد رأيت ما كنا فيه من الجفوة في ولاية عثمان كلها وعلمت
[ أن ] رأي عثمان كان في بني أمية وقد ولاك الله الخلافة من بعده فولنا بعض
أعمالك .
فقال لهما : ارضيا بقسم الله لكما حتى أرى رأيي واعلما أني لما أشرك
في أمانتي إلا من أرضى بدينه وأمانته من أصحابي ومن قد عرفت دخيله .
فانصرفا عنه وقد دخلهما اليأس فاستأذناه في العمرة .
وروي أنهما طلبا منه أن يوليهما المصرين البصرة والكوفة فقال : حتى
أنظر .
ثم لم يولهما فأتياه فاستأذناه للعمرة فقال : " ما العمرة تريدان " فحلفا له
بالله ما الخلاف عليه ولا نكث بيعته يريدان وما رأيهما غير العمرة قال لهما :
فأعيدا البيعة لي ثانيا فأعاداها بأشد ما يكون من الايمان والمواثيق فأذن لهما .
فلما خرجا من عنده قال لمن كان حاضرا : والله لا ترونها إلا في فئة
يقتتلان فيها .
قالوا : يا أمير المؤمنين فمر بردهما عليك قال : ليقضي الله أمرا
كان مفعولا .
فلما خرجا إلى مكة لم يلقيا أحدا إلا وقالا له : ليس لعلي في أعناقنا بيعة
وإنما بايعناه مكرهين .
فبلغ عليا قولهما فقال : أبعدهما الله وأغرب دارهما أما
والله لقد علمت أنهما سيقتلان أنفسهما أخبث مقتل ويأتيان من وردا عليه
بأشأم يوم والله ما العمرة يريدان ولقد أتياني بوجهي فاجرين ورجعا بوجهي
غادرين ناكثين والله لا يلقيانني بعد اليوم إلا في كتيبة خشناء يقتلان فيها
أنفسهما فبعدا لهما وسحقا .
[ 7 ]
2 - وقال ابن الاثير في الكامل : لما قتل عثمان اجتمع أصحاب رسول الله
من المهاجرين والانصار وفيهم طلحة والزبير فأتوا عليا فقالوا له : لابد للناس
من إمام قال : لا حاجة لي في أمركم فمن أخترتم رضيت به فقالوا : ما نختار
غيرك وترددوا إليه مرارا وقالوا له في آخر ذلك : إنا لا نعلم أحدا أحق به
منك لا أقدم سابقة ولا أقرب قرابة من رسول الله .
فقال : لا تفعلوا فإني أكون
وزيرا خير من أن أكون أميرا ، فقالوا : والله ما نحن بفاعلين حتى نبايعك .
قال :
ففي المسجد فإن بيعتي لا يكون خفيا ولا تكون إلا في المسجد .
وكان في بيته
وقيل في حائط لبني عمرو بن مبذول فخرج إلى المسجد وعليه إزار وطاق
قميص وعمامة خز ونعلاه في يده متوكئا على قوسه فبايعه الناس .
وكان أول من بايعه من الناس طلحة بن عبيدالله فنظر إليه حبيب بن
ذؤيب فقال : إنا لله وإنا إليه راجعون أول من بدء بالبيعة من الناس يد شلاء
لا يتم هذا الامر .
فبايعه الزبير .
وقال لهما علي : إن أحببتما أن تبايعا لي ، وإن
أحببتما بايعتكما ؟ فقالا : بل نبايعك ، وقالا بعد ذلك : إنما صنعنا ذلك خشية
على أنفسنا وعرفنا أنه لا يبايعنا ! ! وهربا إلى مكة بعد قتل عثمان بأربعة
أشهر .
وبايعه الناس [ بعدما بايعه طلحة والزبير ] .
وجاؤا بسعد بن أبي وقاص فقال علي : بايع .
قال : لا حتى يبلغ الناس
والله ما عليك مني بأس .
فقال : خلوا سبيله .
وجاؤا بابن عمر فقالوا : بايع .
فقال : لا حتى يبايع الناس .
قال : ائتني بكف ؟ ل .
قال : لا أرى كفيلا .
قال الاشتر
___________________________________________________________
2 - ومثله ذكره الطبري مسندا مع خصوصيات أخر في عنوان : " خلافة أمير المؤمنين ...
وذكر الخبر عن بيعة من بايعه ... " في حوادث سنة : ( 35 ) من تاريخه : ج 4
ص 427 ط بيروت .
وقريبا منه ذكر أيضا بأسانيد البلاذري في عنوان : " بيعة علي بن أبي طالب عليه
السلام " من كتاب أنساب الاشراف : ج 2 ص 205 .
( * )
[ 8 ]
دعني أضرب عنقه ، قال : دعوه أنا كفيله .
إنك ما علمت لسئ الخلق صغيرا
وكبيرا .
وبايعت الانصار إلا نفرا يسيرا منهم حسان بن ثابت وكعب بن مالك
وسلمة بن مخلد وأبوسعيد الخدري ومحمد بن مسلمة والنعمان بن بشير
وزيد بن ثابت وكعب بن مالك ورافع بن خديج وفضالة بن عبيد وكعب بن
عجرة وكانوا عثمانية .
فأما النعمان بن بشير فإنه أخذ أصابع نائلة امرأة عثمان التي قطعت
وقميص عثمان الذي قتل فيه وهرب به فلحق بالشام فكان معاوية يعلق
قيص عثمان وفيه الاصابع فإذا رؤا ذلك أهل الشام ازدادوا غيظا وجدوا في
أمرهم .
وروي أنهم لما أتوا عليا ليبايعوه قال : دعوني والتمسوا غيري فإنا
مستقبلون أمرا له وجوه وله ألوان لا تقوم له القلوب ولا تثبت عليه العقول ( 1 ) .
فقالوا : ننشدك الله ألا ترى ما نحن فيه ؟ ألا ترى الاسلام ؟ ألا ترى الفتنة ألا
تخاف الله .
فقال : قد أجبتكم واعلموا أني إن أجبتكم أركب بكم ما أعلم فإن
تركتموني فإنما أنا كأحدكم إلا أني من أسمعكم وأطوعكم لمن وليتموه .
ثم افترقوا على ذلك واتعدوا الغد .
فلما أصبحوا يوم البيعة وهو يوم الجمعة حضر الناس المسجد وجاء علي
عليه السلام فصعد المنبر وقال : أيها الناس عن ملا وإذن إن هذا أمركم ليس
لاحد فيه حق إلا من أمرتم وقد افترقنا بالامس على أمر وكنت كارها لامركم
فأبيتم إلا أن أكون عليكم ألا وإنه ليس لي دونكم إلا مفاتيح ما لكم معي
وليس لي أن آخذ درهما دونكم فإن شئتم قعدت لكم وإلا فلا آخذ على أحد
فقالوا : نحن على ما فارقناك عليه بالامس فقال : اللهم اشهد .
___________________________________________________________
( 1 ) وقريبا منه ورواه السيد الرضي رحمه الله في المختار : ( 90 ) من خطب نهج البلاغة .
( * )
-بحار الانوار مجلد: 29 من ص 8 سطر 24 الى ص 16 سطر 2
[ 9 ]
وبويع يوم الجمعة لخمس بقين من ذي الحجة سنة خمس وثلاثين من
الهجرة وأول خطبه خطبها علي عليه السلام حين استخلف حمد الله وأثنى عليه
ثم قال :
إن الله أنزل كتابا هاديا بين فيه الخير والشر فخذوا بالخير ودعوا الشر ،
الفرايض [ الفرائض ] أدوها إلى الله تؤدكم إلى الجنة .
إن الله حرم حرمات غير مجهولة وفضل حرمة المسلم على الحرم كلها وشد
بالاخلاص والتوحيد حقوق المسلمين فالمسلم من سلم المسلمون من لسانه
ويد إلا بالحق [ و ] لا يحل أذى امرئ مسلم إلا بما يجب ، بادروا أمر العامة
وخاصة أحدكم الموت فإن الناس أمامكم وإنما خلفكم الساعة تحدوكم تخففوا
تلحقونا فإنما ينتظر الناس بآخركم اتقوا الله عباد الله في عباده وبلاده إنكم
مسؤولون حتى عن البقاع والبهائم وأطيعوا الله ولا تعصوه فإذا رأيتم الخير
فخذوه وإذا رأيتم الشر فدعوه ( 1 ) .
3 - شا : روت الخاصة والعامة عن أمير المؤمنين صلوات الله عليه وذكر ذلك
أبوعبيدة معمر بن المثنى وغيره ممن لا يتهمه خصوم الشيعة في روايته أن أمير
المؤمنين قال في أول خطبة خطبها بعد بيعة الناس له على أمر وذلك بعد قتل
عثمان بن عفان :
أما بعد فلا يرعين مرع إلا على نفسه شغل من الجنة والنار أمامه ساع
مجتهد وطالب يرجو ومقصر في النار ثلاثة وإثنان ملك طار بجناحيه ونبي أخذ
الله بيديه لا سادس هلك من ادعى وردى من اقتحم .
___________________________________________________________
( 1 ) ومثله رواه الطبري عن السري عن شعيب ، عن سيف ، عن سليمان بن أبي المغيرة ،
عن علي بن الحسين ...
ورواه بألفاظ أجود مما روياه السيد الرضي رحمه الله في المختار : ( 165 ) من باب
خطب نهج البلاغة .
3 - رواه الشيخ المفيد في الفصل : ( 13 ) مما اختار من كلام أمير المؤمنين عليه السلام في
كتاب الارشاد ، ص 136 .
( * )
[ 10 ]
اليمين والشمال مضلة والوسطى الجادة منهج عليه باقي الكتاب والسنة
وآثار النبوة إن الله تعالى داوي هذه الامة بداوئين السوط والسيف لا هوادة
عند الامام فيهما فاستتروا ببيوتكم وأصلحوا فيها بينكم والتوبة من ورائكم من
أبدى صفحته للحق هلك .
قد كانت أمور لم تكونوا عندي فيها معذورين أما إني لو أشاء أن أقول :
لقلت عفا الله عما سلف .
سبق الرجلان وقال الثالث كالغراب همته بطنه ويله [ ويحه " خ " ] لو قص
جناحاه وقطع رأسه كان خيرا له .
انظروا فإن أنكرتم فأنكروا أن عرفتم فبادروا [ فآزروا " خ " ] حق وباطل
ولكل أهل ولئن أمر الباطل فلقديما فعل ولئن قل الحق فلربما ولعل وقل ما
أدبر شئ فأقبل ولئن رجعلت إليكم أموركم [ نفوسكم " خ " ] إنكم لسعداء
وإني لاخشى أن تكونوا في فترة وما علي إلا الاجتهاد .
ألا وإن أبرار عترتي وأطائب أرومتي أحلم الناس صغارا وأعلم الناس
كبارا .
ألا وإنا أهل بيت من علم الله علمنا وبحكم الله حكمنا يقول صادق أخذنا [ من
قول صادق سمعنا " خ " ] ، فان تتبعوا آثارنا تهتدوا ببصائرنا وإن لم تفعلوا .
يهلككم الله بأيدينا .
معنا راية الحق من تبعها لحق ومن تأخر عنها غرق ألا وبنا تدرك ترة كل
مؤمن وبنا تخلع ربقة الذل من أعناقكم وبنا فتح الله لا بكم وبنا يختم لا
بكم .
4 - أقول : وفي النهج هكذا : شغل من الجنة والنار أمامه ساع سريع نجا
___________________________________________________________
4 - رواه السيد الرضي بزيادات كثيرة في المختار ( 16 ) من خطب نهج البلاغة .
( * )