[ 11 ]

وطالب بطئ رجا ومفصر في النار هوى اليمين والشمال مضلة والطريق الوسطى هي الجادة عليها باقي الكتاب وآثار النبوة ومنها منفذ السنة وإليها مصير العاقبة هلك من ادعى وخاب من افترى من أبدى صفحته للحق هلك عند جهلة الناس وكفى بالمرء جهلا ان لا يعرف قدره لا يهلك على التقوى سنخ أصل ولا يظمأ عليها زرع [ حرث " خ " ] قوم .
فاستتروا ببيوتكم واصلحوا ذات بينكم والتوبة من ورائكم فلا يحمد حامد الا ربه ولا يلم لائم إلا نفسه .
5 - روى ابن أبي الحديد عن الجاحظ من كتاب البيان والتبيين عن أبي عبيدة معمر بن المثنى قال : أول خطبة خطبها أمير المؤمنين علي عليه السلام بالمدينة في خلافته حمد الله وأثنى عليه وصلى عليه النبي صلى الله عليه وسلم ثم قال : " ألا لا يرعين " .
وساق الخطبة كما مر إلى قوله " وما علينا إلا الاجتهاد " [ ثم ] قال : قال الجاحظ : وقال ابوعبيدة : وزاد فيها في رواية جعفر بن محمد عن آبائه عليهم السلام : ألا إن أبرار عترتي إلى قوله : " وبنا يختم لا بكم " .
قال ابن أبي الحديد : قوله : " لا يرعين " أي لا يبقين [ يقال : ] أرعيت عليه أي أبقيت يقول : من أبقى على الناس فإنما أبقى على نفسه .
و " الهوادة " : الرفق والصلح وأصله اللين والسهولة ، والتهويد : المشي رويدا ، وآزرت زيدا : أعنته ، والترة : الوتر ، والربقة : الحبل يجعل في عنق الشاة .
وردي : هلك من الردى كقولك : عمى من العمى [ وشجي من الشجى ] .

___________________________________________________________
5 - رواه الجاحظ في المجلد الثالث من كتاب البيان والتبيين ص 44 ط مصر ، ورويناه عنه حرفيا في المختار : ( 56 ) من كتاب نهج السعادة ج 1 ، ص 191 ، ط 2 وله مصادر كثيرة أشرنا إليها في ذيل المختار المشار إليه .
ورواه أيضا عنه حرفيا ابن أبي الحديد في شرح المختار : ( 16 ) من نهج البلاغة من شرحه : ج 1 ، ص 224 ط بيروت .
( * )

[ 12 ]

وقوله : " شغل من الجنة والنار أمامه " يريد به أن من كانت هاتان الداران أمامه لفي شغل عن أمور الدنيا إن كان رشيدا .
وقوله : " ساع مجتهد " إلى قوله : " لا سادس " كلام تقديره المكلفون على خمسة أقسام : " ساع مجتهد وطالب راجع ومقصر هالك " ثم قال : ثلاثة أي فهو ثلاثة أقسام : وهذا ينظر إلى قوله تعالى " ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا فمنهم ظالم لنفسه ومنهم مقتصد ومنهم سابق بالخيرات بإذن الله " [ 32 / فاطر 35 ] .
ثم ذكر القسمين : الرابع والخامس فقال : هما ملك طار بجناحيه ونبي أخذ الله بيده .
يريد عصمة هذين النوعين من القبيح ثم قال : " لا سادس " أي لم يبق في المكلفين قسم سادس .
وقوله : " هلك من ادعى " يريد هلك من ادعى وكذب لابد من تقدير ذلك لان الدعوى يعم الصدق والكذب وكأنه يقول : هلك من ادعى الامامة وردي من اقتحمها وولجها من غير استحقاق لان كلامه في هذه الخطبة كله كنايات عن الامامة لا عن غيرها .
وقوله : " اليمين والشمال [ مضلة ] " مثال لان السالك الطريق المنهج اللاحب ناج والعادل عنها يمينا وشمالا معرض للخطر .
وقوله عليه السلام : " كالغراب " يعني في الحرص والجشع ، والغراب يقع على الجيفة ويقع على التمرة وعلى الحبة وفي المثل أشجع من غراب وأحرص من غراب .
وقوله : " ويحه لو قص ... " يريد لو كان قتل أو مات قبل أن يتلبس بالخلافة لكان خيرا من أن يعيش ويدخل فيها .
ثم قال لهم : افكروا فيها قد قلت فإن كان منكرا فأنكروه ، وإن كان حقا فأعينوا عليه .
وقوله : " استتروا في بيوتكم " نهي لهم عن العصبية والاجتماع والتحزب فقد كان قوم بعد قتل عثمان تكلموا في قتله من شيعة بني امية بالمدينة .

[ 13 ]

وأما قوله : " قد كانت أمور " فمراده أمر عثمان وتقديمه في الخلافة عليه .
ومن الناس من يحمل ذلك على خلافة الشيخين أيضا ويبعد عندي [ أن يكون أراده ] لان المدة قد كانت طالت ولم يبق من يعاتبه ( 1 ) ولسنا نمنع من ان يكون في كلامه الكثير من التوجد والتألم لصرف الخلافة بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وآله عنه ، وإنما كلامنا الآن في هذه اللفظات التي في هذه الخطبة على أن قوله : " سبق الرجلان " والاقتصار على ذلك فيه كفاية في انحرافه عنهما .
وأما قوله : " حق وباطل " إلى آخر الفصل فمعناه كل أمر إما حق وإما باطال ولكل واحد من هذين أهل وما زال أهل الباطل أكثر من أله الحق ولئن كان الحق قليلا فربما كثر ولعله ينتصر أهله ثم قال على سبيل التضجر بنفسه " وقل ما أدبر شئ فأقبل " استبعد عليه السلام أن تعود دولة قوم بعد زواها عنهم .
ثم قال : " ولئن رجعت إليكم أموركم " أي إن ساعدني الوقت وتمكنت من أن أحكم فيكم بحكم الله تعالى ورسوله وعادت إليكم أيام شبيهة بأيام رسول الله صلى الله عليه وآله وسيرة مماثلة لسيرته في أصحابه إنكم لسعداء ثم قال : " وإني لاخشى أن تكونوا في فترة " الفترة هي الازمنة التي بين الانبياء إذ : انقطعت الرسل فيها فيقول عليه السلام : إني لاحتى أن لا أتمكن من الحكم بكتاب الله تعالى فيكم فتكونوا كالامم الذين في ازمنة الفترة لا يرجعون إلى نبي يشافههم بالشرايع والاحكام وكأنه عليه السلام قد كان يعلم أن الامر سيضطرب عليه ( 2 ) .

___________________________________________________________
( 1 ) بل أكثر من مال - مع المائلين - إلى الشيخين وبايعهما كانوا باقين بعد قتل عثمان ، فقول هذا القائل هو القريب لا غير .
( 2 ) علمه عليه السلام بما يعامل الناس معه وبما يؤول إليه أمره هو المستفاد من محكمات الاخبار .
( * )

[ 14 ]

ثم قال : " وما علينا إلا الاجتهاد " يقول : أنا أعمل بما يجب علي من الاجتهاد في القيام بالشريعة وعزل ولاة السوء عن المسلمين فإن تم ما أريده فذاك وإلا كنت قد أعذرت .
وأما التتمة المروية عن جعفر بن محمد [ عليهما السلام ] فواضحة الالفاظ وقوله في آخرها : " وبنا يختم لا بكم " إشارة إلى المهدي عليه السلام الذى يظهر في آخر الزمان من ولد فاطمة عليها السلام .
6 - أقول : روى ابن ميثم رحمه الله تمام الخطبة هكذا : الحمد لله أحق محمود بالحمد ، وأولاه بالمجد ، إلها واحدا صمدا ، أقام أركان العرش ، فأشرق بضوئه شعاع الشمس ، خلق فأتقن ، وأقام فذلت له وطأة المستمكن .
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ، أرسله بالنور الساطع والضياء المنير ، أكرم خلق الله حسبا وأشرفهم نسبا لم يتعلق عليه مسلم ولا معاهد بمظلمة ، بل كان يظلم .
فأما بعد فإن أول من بغى على الارض عناق ابنه آدم [ و ] كان مجلسها من الارض جريبا وكان لها عشرون اصبعا وكان لها ظفران كالمنجلين فسلط الله عليها أسدا كالفيل وذئبا كالبعير ونسرا كالحمار وكان ذلك في الخلق الاول فقتلها وقد قتل الله الجبابرة على أحسن أحوالهم وإن الله أهلك فرعون وهامان وقتل قارون بذنوبهم .
ألا وإن بليتكم قد عادت كهيئتها يوم بعث الله نبيكم صلى الله عليه وآله وسلم والذي بعثه بالحق لتبلبلن بلبلة ولتغربلن غربلة حتى يعود أسفلكم أعلاكم وأعلاكم أسفلكم وليسبقن سابقون كانوا قصروا ، وليقصرن سابقون .

___________________________________________________________
6 - رواها رفع الله مقامه في شرح المختار : ( 16 ) من خطب نهج البلاغة : ج 1 ، ص 297 ط 3 .
( * )

[ 15 ]

كانوا سبقوا ، والله ما كتمت وشمة ، ولا كذبت كذبة ، ولقد نبئت بهذا اليوم وهذا المقام ، ألا وأن الخطايا خيل شمس حمل عليها أهلها وخلعت لجمها فتقحمت بهم في النار فهم فيها كالحون .
ألا وإن التقوى مطايا ذلل حمل عليها أهلها فسارت بهم تاودا حتى إذا جاؤا ظلا ظليلا فتحت أبوابها وقال لهم خزنتها : سلام عليكم طبتم فادخلوها خالدين .
ألا وقد سبقني إلى هذا الامر من لم أشركه فيه ومن ليست له منه توبة - إلا بني مبعوث ولا نبي بعد محمد صلى الله عليه وآله - أشفى منه على شفا جرف هار فانهار به في نار جهنم .
أيها الناس كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وآله لا يرعى مرع إلا على نفسه ، من الجنة والنار أمامه .
ساع نجا وطالب يرجو ومقصر في النار ولكل أهل .
ولئن أمر الباطل فقديما فعل ، ولئن قل الحق لربما ولعل ، ولقلما أدبر شئ فأقبل ، ولئن رد أمركم عليكم إنكم لسعداء وما علينا إلا الجهد .
قد كانت أمور مضت ملتم فيها ميلة كنتم عندي فيها غير محمودي الرأي ولو أشاء أن أقول لقلت عفا الله عما سلف .
سبق الرجلان وقام الثالث كالغراب همه بطنه ويله لو قص جناحاه وقطع رأسه كان خيرا له ، شغل من الجنة والنار أمامه .
ساع مجتهد وطالب يرجو ومقصر في النار - ثلاثة وإثنان : خمسة ليس فيهم سادس - [ و ] ملك طار بجناحيه ونبي أخذ الله بضبعيه ، هلك من ادعى وخاب من افترى .
اليمين والشمال مضلة ووسط الطريق المنهج ، عليه باقى الكتاب وآثار النبوة .

[ 16 ]

الا وإن الله قد جعل أدب هذه الامة بالسوط والسيف ليس عند إمام فيهم هوادة ! ! فاستتروا ببيوتكم وأصلحوا ذات بينكم والتوبة من ورائكم من
-بحار الانوار مجلد: 29 من ص 16 سطر 3 الى ص 24 سطر 3 بعدى صفحته للحق هلك .
الا وإن كل قطيعة أقطعها عثمان أو مال أخذه من بيت مال المسلمين فهو مردود عليهم في بيت مالهم ولو وجدته قد تزوج به النساء وفرق في البلدان فإنه إن لم يسعه الحق فالباطل أضيق عليه أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم .
7 - وقال ابن أبي الحديد في شرح النهج نقلا عن أبي جعفر الاسكافي قال : لما أجتمعت الصحابة بعد قتل عثمان في مسجد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في أمر الامامة أشار أبوالهيثم بن التيهان ورفاعة بن رافع ومالك بن العجلان وأبوأيوب الانصاري وعمار بن ياسر بعلي عليه السلام وذكروا فضله وسابقته وجهاده وقرابته فأجابهم الناس إليه فقام كل واحد منهم خطيبا يذكر فضل علي عليه السلام فمنهم من فضله على أهل عصره خاصة ومنهم من فضله على المسلمين كلهم كافة .
ثم بويع وصعد المنبر في اليوم الثاني من يوم البيعة وهو يوم السبت لاحدى عشرة ليلة بقين من ذي الحجة فحمد الله وأثنى عليه وذكر محمدا فصلى عليه ثم ذكر نعمة الله على أهل الاسلام ثم ذكر الدنيا فزهدهم فيها وذكر الآخرة فرغبهم إليها ثم قال : أما بعد فإنه لما قبض رسول الله صلى الله عليه وآله استخلف الناس أبا بكر ثم استخلف أبوبكر عمر فعمل بطريقه ثم جعلها شورى بين ستة

___________________________________________________________
7 - رواه ابن أبي الحديد في شرح المختار : ( 91 ) من خطب نهج البلاغة : ج 7 ص 38 ط مصر ، وفي ط الحديث بيروت : ج 2 ص 599 .
ورواه أيضا باختصار محمد بن عبدالله الاسكافي المتوفى سنة : ( 240 ) من كتاب المعيار والموازنة ص 51 ط 1 .
( * )

[ 17 ]

فأفضى الامر منهم إلى عثمان فعمل ما أنكرتم وعرفتم ثم حصر وقتل ثم جثتموني فطلبتم إلي وإنما أنا رجل منكم لي ما لكم وعلي ما عليكم وقد فتح الله باب بينكم وبين أهل القبلة فأقبلت الفتن كقطع الليل المظلم ولا يحمل هذا الامر إلا أهل الصبر والبصر والعلم بمواقع الامر وإني حاملكم على منهج نبيكم صلى الله عليه وآله ومنفذ فيكم ما أمرت به إن إستقتم لي والله المستعان .
ألا إن موضعي من رسول الله صلى الله عليه وآله بعد وفاته كموضعي منه أيام حياته ، فامضوا لما تؤمرون به وقفوا عندما تنهون عنه ، ولا تعجلوا في أمر حتى نبينه لكم فإن لنا عن كل أمر منكر تنكرونه عذرا .
ألا وإن الله عالم من فوق سمائه وعرشه أني كنت كارها للولاية على أمة محمد صلى الله عليه وآله حتى اجتمع رأيكم على ذلك لاني سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول : " أيما وال ولي الامر من بعدي أقيم على حد الصراط ونشرت الملائكة صحيفته فإن كان عادلا أنجاه الله بعدله وإن كان جائرا انتقض به الصراط حتى تتزايل مقاصله ثم يهوي إلى النار فيكون أول ما يتقيها به أنفه وحر وجهه " ولكني لما اجتمع رأيكم لما يسعني ترككم .
ثم التفت عليه السلام يمينا وشمالا فقال : ألا لا يقولن رجال منكم غدا قد غمرتهم الدنيا فاتخذوا العقار وفجروا الانهار وركبوا الخيول الفارهة واتخذوا الوصائف الروقة فصار ذلك عليهم عارا وشنارا إذا ما منعتهم ، ما كانوا يخوضون فيه وأصرتهم إلى حقوقهم التي يعلمون فينقمون ذلك ويستنكرون ويقولون : حرمنا ابن أبي طالب حقوقنا .
ألا وأيما رجل من المهاجرين والانصار من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله يرى أن الفضل له على من سواه لصحبته فأن له الفضل النير غدا عند الله وثوابه وأجره على الله .
وأيما رجل أستجاب الله وللرسول فصدق ملتنا ودخل في ديننا واستقبل قبلتنا فقد استوجب حقوق الاسلام وحدوده .
فأنتم عباد الله والمال مال الله يقسم بينكم بالسوية لا فضل فيه لاحد على

[ 18 ]

أحد وللمتقين عند الله غدا أحسن الجزاء وأفضل الثواب لم يجعل الله الدنيا للمتقين أجرا [ جزاءا " خ " ] ولا ثوابا وما عند الله خير للابرار .
وإذا كان غدا إنشاء الله فاغدوا علينا فأن عندنا مالا نقسمه فيكم ولا يتخلفن أحد منكم عربي ولا عجمي كان من أهل العطاء أو لم يكن إلا حضر إذا كان مسلما حرا أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم لي ولكم .
ثم نزل .
قال أبوجعفر : وكان هذا أول ما أنكروه من كلامه عليه السلام وأورثهم الضغن عليه وكراهوا عطاءه وقسمه بالسوية .
فلما كان من الغد غدا وغدا الناس لقبض المال فقال لعبيد الله بن أبي رافغ كاتبه : ابدأ بالمهاجرين فنادهم وأعط كل رجل ممن حضر ثلاثة دناثير ثم ثن بالانصار فافعل معهم مثل ذلك ومن يحضر من الناس كلهم الاحمر والاسود فاصنع به مثل ذلك ، فقال سهل بن حنيف : يا أمير المؤمنين هذا غلامي بالامس وقد اعتقته اليوم .
فقال : نعطيه كما نعطيك فأعطى كل واحد منهما ثلاثة دنانير ولم يفضل أحدا على أحد .
وتخلف عن هذا القسم يومئذ طلحة والزبير وعبدالله بن عمر وسعيد بن العاص ومروان بن الحكم ورجال من قريش وغيرها .
قال : وسمع عبيد الله بن أبي رافع عبدالله بن الزبير يقول لابيه وطلحة ومروان وسعيدا : ما خفي علينا أمس من كلام علي ما يريد ؟ فقال سعيد بن العاص - والتفت إلى زيد بن ثابت - : إياك أعني واسمعي يا جارة فقال ابن أبي رافع لسعيد وابن الزبير : إن الله يقول في كتابه " ولكن أكثرهم للحق كارهون " [ 43 / الزخرف ] .
ثم إن ابن أبي رافع أخبر عليا عليه السلام بذلك فقال : والله إن بقيت وسلمت لهم لاقيمنهم على المحجة البيضاء والطريق الواضح قاتل الله ابن

[ 19 ]

العاص لقد عرف من كلامي ونظري إليه أمس أني أريده وأصحابه ممن هلك فيمن هلك .
قال : فبينا الناس في المسجد بعد الصبح إذ طلع الزبير وطلحة فجلسا ناحية عن علي عليه السلام ثم طلع مروان وسعيد وعبدالله بن الزبير فجلسوا إليهما ثم جاء قوم من قريش فانضموا إليهم فتحدثوا نجيا ساعة ثم قام الوليد بن عقبة فجاء إلى علي عليه السلام فقال : يا أبا الحسن إنك قد وترتنا جميعا أما أنا فقتلت أبي يوم بدر صبرا وخذلت أخي يوم الدار بالامس وأما سعيد فقتلت أباه يوم بدر في الحرب وكان ثور قريش وأما مروان فسخفت أباه عند عثمان إذ ضمه إليه ونحن إخوتك ونظراؤك من بني عبد مناف ونحن نبايعك اليوم على أن تضع عنا ما أصبناه من المال في أيام عثمان وأن تقتل قتلته وإنا إن خفناك تركتنا والتحقنا بالشام .
فقال عليه السلام : أما ما ذكرتم من وتري إياكم فالحق وتركم .
وأما وضعي عنكم ما أصبتم فليس لي أن أضع حق الله عنكم ولا عن غيركم .
وأما قتلي قتلة عثمان فلو لزمني قلتهم اليوم لقتلتهم أمس ولكن لكم علي إن خفتموني أن أؤمنكم وإن خفتكم أن أسيركم .
فقام الوليد إلى أصحابه فحدثهم وافترقوا على إظهار العداوة وإشاعة الخلاف .
فلما ظهر ذلك من أمرهم قال عمار بن ياسر لاصحابه : قوموا بنا إلى هؤلاء النفر من إخوانكم فإنه قد بلغنا عنهم ورأينا منهم ما نكره من الخلاف والطعن على إمامهم وقد دخل أهل الجفاء بينهم وبين الزبير والاعسر العاق يعني طلحة .
فقام أبوالهيثم وعمار وأبوأيوب وسهل بن حنيف وجماعة معهم فدخلوا على علي عليه السلام فقالوا : يا أمير المؤمنين انظر في أمرك وعاتب قومك هذا الحى من قريش فإنهم قد نقضوا عهدك وأخلفوا وعدك وقد دعونا في السر إلى

[ 20 ]

رفضك هداك الله لرشدك ، وذاك لانهم كرهوا الاسوة ، وفقدوا الاثرة ، ولما آسيت بينهم وبين الاعاجم أنكروا واستشاروا عدوك وعظموه وأظهروا الطلب بدم عثمان فرقة للجماعة وتألفا لاهل الضلالة فرأيك .
فخرج علي عليه السلام فدخل المسجد وصعد المنبر مرتديا بطاق مؤتزرا ببرد قطري متقلدا سيفا متوكئا على قوس فقال : أما بعد فإنا نحمد الله ربنا وإلهنا وولينا وولي النعم علينا الذي أصبحت نعمه علينا ظاهرة وباطنة امتنانا منه بغير حول منا ولا قوة ليبلونا أنشكر أم نكفر ، فمن شكر زاده ومن كفر عذبه ، فأفضل الناس عند الله منزلة وأقربهم من الله وسيلة أطوعهم لامره وأعملهم بطاعته وأتبهم لسنة رسوله وأحياهم لكتابه ليس لاحد عندنا فضل إلا بطاعة الله وطاعة الرسول .
هذا كتاب الله بين أظهرنا وعهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسيرته فينا لا يجهل ذلك إلا جاهل عاند عن الحق منكر قال الله تعالى : * ( يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم ) [ 13 / الحجرات ] .
ثم صاح بأعلا صوته : أطيعوا الله وأطيعوا الرسول : فإن توليتم فإن الله لا يحب الكافرين .
ثم قال : يا معشر المهاجرين والانصار أتمنون على الله ورسوله بإسلامكم بل الله يمن عليكم أن هداكم للايمان إن كنتم صادقين .
ثم قال : أنا أبوالحسن - وكان يقولها إذا غضب - ثم قال : ألا إن هذه الدنيا التي أصبحتم تتمنونها وترغبون فيها وأصبحت تغضبكم وترضيكم ليست بداركم ولا منزلكم الذي خلقتم له فلا تغرنكم فقد حذرتموها واستتموا نعم الله عليكم بالصبر لانفسكم على طاعة الله والذل لحكمه جل ثناؤه .
فأما هذا الفئ فليس لاحد على أحد فيه أثرة فقد فرغ الله من قسمته فهو مال الله وأنتم عباد الله المسلمون وهذا كتاب الله به أقررنا وله أسلمنا وعهد نبينا