[ 21 ]

بين أظهرنا فمن لم يرض به فليتول كيف شاء فإن العامل بطاعة الله والحاكم بحكم الله لا وحشة عليه .
ثم نزل عن المنبر فصلى ركعتين ثم بعث بعمار بن ياسر وعبدالرحمان بن حسل القرشي ( 1 ) إلى طلحة والزبير وهما في ناحية المسجد فأتياهما فدعواهما فقاما حتى جلسا إليه عليه السلام فقام لهما : نشدتكما الله هل جئتماني طائعين للبيعة ودعوتماني إليها وأنا كاره لها ؟ قالا : نعم فقال : غير مجبرين ولا مقسورين فأسلمتما لي بيعتكما وأعطيتماني عهدكما ؟ قالا : نعم قال : فما دعاكما بعد إلى ما أرى ؟ قالا : أعطيناك بيعتنا على أن لا تقضي في الامور ولا تقطعها دوننا وأن تستشيرنا في كل أمر ولا تستبد بذلك علينا ولنا من الفضل على غيرنا ما قد علمت فأنت تقسم القسم وتقطع الامر وتمضي الحكم بغير مشاورتنا ولا علمنا ! ! فقال : لقد نقمتما يسيرا وأرجأتما كثيرا فاستغفرا الله يغفر لكما ألا تخبرانني أدفعتكما عن حق وجب لكما فظلمتكما إياه ؟ قالا : معاذ الله .
قال : فهل استأثرت من هذا المال لنفسي بشئ ؟ قالا : معاذ الله .
قال : أفوقع حكم أو حق لاحد من المسلمين فجهلته أو ضعفت عنه ؟ قالا : معاذ الله .
قال : فما الذي كرهتما من أمري حتى رأيتهما خلافي ؟ قالا : خلافك عمر بن الخطاب في القسم إنك جعلت حقنا في القسم كحق غيرنا وسويت بيننا وبين من لا يماثلنا فيما أفاء الله تعالى بأسيافنا ورماحنا وأوجفنا عليه بخيلنا ورجلنا وظهرت عليه دعوتنا وأخذناه قسرا وقهرا ممن لا يرى الاسلام إلا كرها .
فقال عليه السلام : أما ما ذكرتموه من الاستشارة بكما فو الله ما كانت لي في الولاية رغبة ولكنكم دعوتموني إليها وجعلتموني عليها فخفت أن أردكم فتختلف الامة فلما أفضت إلي نظر في كتاب الله وسنة رسوله فأمضيت ما

___________________________________________________________
( 1 ) كذا في طبع الحديث ببيروت من شرح ابن أبي الحديد ، وفي أصلي من البحار : ( عبد الله بن خل ... " .
( * )

[ 22 ]

دلاني عليه واتبعته ولم أحتج إلى رأيكما فيه ولا رأي غيركما ولو وقع حكم ليس في كتاب الله بيانه ، ولا في السنة برهانه واحتيج إلى المشاورة فيه لشاورتكما فيه .
وأما القسم والاسوة فإن ذلك أمر لم أحكم فيه بادئ بدء قد وجدت أنا وأنتما رسول الله صلى الله عليه وآله يحكم بذلك وكتاب الله ناطق به ، وهو الكتاب الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد .
وأما قولكما : جعلت فيئنا وما أفاءته سيوفنا ورماحنا سواءا بيننا وبين غيرنا .
فقديما سبق إلى الاسلام قوم ونصروه بسيوفهم ورماحهم فلم يفضلهم رسول الله صلى الله عليه وآله ( 1 ) في القسم وآثرهم بالسبق والله سبحانه موف السابق والمجاهد يوم القيامة أعمالهم وليس لكما والله عندي ولا لغيركما إلا هذا أخذ الله بقلوبنا وقلوبكم إلى الحق وألهمنا وإياكم الصبر .
ثم قال : رحم الله امرءا رأى حقا فأعان عليه ورأى جورا فرده وكان عونا للحق على من خالفه ( 2 ) .
قال ابن أبي الحديد : فإن قلت فإن أبا بكر قسم بالسواء ولم ينكروا ذلك كما أنكروه أيام أمير المؤمنين عليه السلام ؟ قلت إن أبا بكر قسم محتذيا لقسم رسول الله صلى الله عليه وآله فلما ولي عمر الخلافة ونفل قوما على قوم ألفوا ذلك ( 3 ) ونسوا تلك القسمة الاولى وطالت أيام عمر وأشربت قلوبهم حب المال

___________________________________________________________
( 1 ) هذا هو الظاهر المذكور في شرح ابن أبي الحديد ، وفي ط الكمباني من البحار : " فلا فضلهم [ الله " خ " ] رسول الله صلى الله عليه وآله " .
( 2 ) وقريبا منه جدا يجده الباحث في المختار : ( 61 - 62 ) من نهج السعادة : ج 1 ، ص 212 ط 2 ، وفي المعيار والموازنة ص 109 ، ط 1 .
( 3 ) كذا في أصلي ، وفي ط الحديث من شرح ابن أبي الحديد : " وفضل قوما " .
( * )

[ 23 ]

وكثرة العطاء ، وأما الذين اهتضموا فقنعوا ومرنوا على القناعة فلما ولي عثمان أجرى الامر على ما كان عمر يجريه فازداد وثوق العوام بذلك ، ومن ألف أمرا شق عليه فراقه فلما ولي أمير المؤمنين عليه السلام أراد أن يرد الامر إلى ما كان في أيام رسول الله صلى الله عليه وآله وقد نسي ذلك ورفض وتخلل بين الزمانين إثنان وعشرون سنة فشق ذلك عليهم وأنكروه وأكبروه حتى حدث ما حدث ولله أمر هو بالغه .
بيان : قوله [ عليه السلام ] : " كنت كارها " أي طبعا وإن أحبها شرعا .
أو كنت كارها قبل دعوتكم لعدم تحقق الشرائط .
والمراد بالوالي الوالي بغير الاستحقاق ، والعامل بغير أمر الله فيها .
لعلى الوجه الاول التعليل للكراهة طبعا لعسر العمل بأمر الله فيها .
وعلى [ الوجه ] الثانى التعليل لعدم التعرض قبل تحقق الشرائط لانها تكون حينئذ ولاية جور أيضا .
وقال الجوهري : راقني الشئ : أعجبني ومنه قولهم : غلمان روقة وجوار روقة أي حسان .
ولعل مفعول القول محذوف أو هو " جرمنا " وقوله : " يقولون " تأكيد للقول أولا .
وقال الجوهري : الطاق : ضوب من الثياب .
وقال : القطر : ضرب من البرود يقال : لها : القطرية .
8 - وروى ابن أبي الحديد أيضا عن الطبري وغيره أن الناس غشوه وتكاثروا عليه يطلبون مبايعته وهو يأبى ذلك ويقول : دعوني والتمسوا غيري فإنا مستقبلون أمرا له وجوه وألوان لا تثبت عليه العقول ولا تقوم له القلوب .

___________________________________________________________
8 - رواه الطبري في أوائل حوادث سنة : ( 35 ) من تاريخه : ج 1 ، ص 3076 ، وفي ط الحديث ببيروت : ج 4 ص 434 .
ورواه عنه ابن أبي الحديد في شرح المختار : ( 198 ) من نهج البلاغة : ج 3 .
ص 572 الحديث ببيروت .
( * )

[ 24 ]

قالوا [ له ] ننشدك الله ألا ترى الفتنة ؟ ألا ترى إلى ما حدث في الاسلام ؟ ألا تخاف الله ؟ فقال : قد أجبتكم لما أرى منكم واعلموا أني إن أجبتكم ركبت بكم ما أعلم وإن تركتموني فإنما أنا كأحدكم بل أنا أسمعكم وأطوعكم لمن
-بحار الانوار مجلد: 29 من ص 24 سطر 4 الى ص 32 سطر 4 وليتموه أمركم فقالوا : ما نحن بمفارقيك حيت نبايعك قال : إن كان لابد من ذلك ففي المسجد إن بيعتي لا تكون خفيا ولا تكون إلا عن رضا المسلمين وفي ملاء وجماعة .
فقام والناس حوله فدخل المسجد وانثال عليه المسلمون فايعوه [ و ] فيهم طلحة والزبير .
قال : وروى أبوعثمان الجاحظ ( 1 ) قال : أرسل طلحة والزبير إلى علي ( عليه السلام ) قبل خروجهما إلى مكة مع محمد بن طلحة وقالا : لا تقل له يا أمير المؤمنين وقل له : يا أبا الحسن لقد فال فيك رأينا وخاب ظننا أصلحنا لك الامر ووطدنا لك الامرة وأجلبنا على عثمان حتى قتل فلما طلبك الناس لامرهم جئناك وأسرعنا إليك وبايعناك وقدنا إليك أعناق العرب ووطئ المهاجرون والانصار أعقابنا في بيعتك حتى إذا ملكت عنانك استبددت برأيك عنا ورفضتنا رفض التريكة وملكت أمرك الاشتر وحكيم بن جبلة وغيرهما من الاعراب ونزاع الامصار فكنا فيما رجوناه منك كما قال الاول : فكنت كمهريق الذي في سقائه * لرقراق آل فوق رابية صلد فلما جاءه محمد بن طلحة .
وأبلغه ذلك قال ( عليه السلام ) : إذهب إليهما فقل لهما : فما الذي يرضيكما فذهب وجاء وقال : إنهما يقولان : ول أحدنا البصرة والآخر الكوفة فقال : والله إني لا آمنهما وهما عندي بالمدينة فكيف آمنهما وقد وليتهما العراقين اذهب إليهما فقل : أيها الشيخان أحذرا من الله ونبيه على أمته ولابتغيا المسلمين غائلة وكيدا وقد سمعتما قول الله " تلك الدار الآخرة

___________________________________________________________
( 1 ) رواه عنه ابن أبي الحديد في أواسط شرح المختار : ( 198 ) من نهج البلاغة : ج 3 ص 576 ط بيروت .
( * )

[ 25 ]

نجعلها للذين لا يريدون علوا في الارض ولا فسادا والعاقبة للمتقين " [ 83 / القصص ] .
فقام محمد بن طلحة فأتاهما ولم يعد إليه ، وتأخرا عنه أياما ثم جاءاه فاستأذناه في الخروج إلى مكة للعمرة فأذن لهما بعد أن أحلفهما أن لا ينقضا بيعته ولا يغدرا به ولا يشقا عصا المسلمين ولا يوقعا الفرقة بينهم وأن يعودا بعد العمرة إلى بيوتهما بالمدينة فحلفا على ذلك كله ثم خرجا ففعلا ما فعلا .
قال : ولما خرجا قال علي ( عليه السلام ) لاصحابه : والله ما يريدان العمرة وإنما يريدان الغدرة " ومن نكث فإنما ينكث على نفسه ومن أوفى بما عاهد عليه الله فسيؤتيه أجرا عظيما " ( 1 ) .
وروى عن الطبري ( 2 ) أنه لما بايع الناس عليا أتى الزبير فاستأذن عليه قال أبوحبيبة ( 3 ) مولى الزبير فأعلمته به فسل السيف ووضعه تحت فراشه وقال : إئذن له فأذنت له فدخل فسلم وهو واقف ثم خرج فقال الزبير لقد دخل الامر ما قضاه قم مقامه وانظر هل ترى السيف شيئا ؟ فقمت في مقامه فرأيت ذباب السيف فأخبرته فقال ذاك .
9 - ما : أحمد بن محمد بن موسى بن الصلت عن أحمد بن [ محمد ابن ] عقدة قال : حدثنا الحسن بن صالح من كتابه في ربيع الاول سنة ثمان وسبعين وأحمد بن يحيى عن محمد بن عمرو ، عن عبدالكريم ، عن القاسم بن أحمد عن أبي الصلت الهروي .

___________________________________________________________
( 1 ) اقتباس من الآية العاشرة من سورة الفتح : ( 48 ) .
( 2 ) رواه الطبري مسندا في أوائل حوادث سنة : ( 35 ) من تاريخه : ج 1 ، ص 3073 / ط 1 ، وفي ط بيروت : ج 4 ص 432 .
ورواه عنه ابن أبي الحديد في شرح المختار : ( 198 ) من نهج البلاغة : ج 3 ط الحديث بيروت ص 577 .
( 3 ) ومثله في شرح ابن أبي الحديد ، وفي تاريخ الطبري " لقد دخل المرء ما أقصاه .
.
" 9 - رواه الشيخ الطوسي رحمه الله في الحديث الاخير من المجلس : ( 26 ) من المجلد الثاني من أماليه ص 735 ط بيروت .
( * )

[ 26 ]

وقال ابن عقدة : وحدثناه القاسم بن الحسن الحسيني عن أبي الصلت عن علي بن عبدالله بن النعجة عن أبي سهيل بن مالك : عن مالك بن أوس بن الحدثان قال : لما ولي علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) أسرع الناس إلى بيعته المهاجرون والانصار وجماعة الناس لم يتخلف عنه عن أهل الفضل إلا نفر يسير خذلوا وبايع الناس .
وكان عثمان قد عود قريشا والصحابة كلهم وصبت عليهم الدنيا صبا وآثر بعضهم على بعض وخص أهل بيته من بني أمية وجعل لهم البلاد وخولهم العباد فأظهروا في الارض فسادا وحمل أهل الجاهلية والمؤلفة قلوبهم على رقاب الناس حتى غلبوه على أمره فأنكر الناس ما رأوا من ذلك فعاتبوه فلم يعتبهم وراجعوه فلم يسمع منهم وحملهم على رقاب الناس حتى انتهى إلى أن ضرب بعضا ونفى بعضا وحرم بعضا فرأى أصحاب رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) أن يدفعوه وقالوا : إنما بايعناه على كتاب الله وسنة نبيه ( صلى الله عليه وآله ) والعمل بهما فحيث لم يفعل ذلك لم تكن له عليهم طاعة .
فافترق الناس في أمره على خاذل وقاتل فأما من قاتل فرأى أنه حيث خالف الكتاب والسنة واستأثر بالفئ واستعمل من لا يستأهل رأوا أن جهاده جهاد .
وأما من خذله فإنه رأى أنه يستحق الخذلان ولم يستوجب النصرة بترك أمر الله حى قتل واجتمعوا على علي بن أبي طالب فبايعوه فقام وحمد الله وأثنى عليه بما هو أهله وصلى الله على الني وآله ثم قال : أما بعد فإني قد كنت كارها لهذه الولاية يعلم الله في سماواته وفوق عرشه على أمة محمد صلى الله عليه وآله حتى اجتمعتم على ذلك فدخلت فيه وذلك إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول : أيما وال ولي أمر أمتي من بعدي أقيم يوم القيامة على حد الصراط ونشرت الملائكة صحيفته فإن نجا فبعدله وإن جار انتقض به الصراط انتقاضة تزيل ما بين مفاصله حتى يكون بين كل عضو وعضو من أعضائه مسيرة مائة عام يخرق به الصراط فأول ما

[ 27 ]

يلقى به النار أنفه وحر وجهه ولكني لما اجتمعتم علي نظرت فلم يسعني ردكم حيث اجتمعتم أقول ما سمعتم وأستغفر الله لي ولكم .
فقام إليه الناس فبايعوه فأول من قام فبايعه طلحة والزبير ثم قام المهاجرون والانصار وسائر الناس حتى بايعه الناس وكان الذي يأخذ عليهم البيعة عمار بن ياسر وأبوالهيثم بن التيهان وهما يقولا : نبايعكم على طاعة الله وسنة رسوله ( صلى الله عليه وآله ) وإن لم نف لكم فلا طاعة لنا عليكم ولا بيعة في أعناقكم والقرآن إمامنا وإمامكم .
ثم التفت علي ( عليه السلام ) عن يمينه وعن شماله وهو على المنبر وهو يقول : ألا لا يقولن رجال منكم غدا قد غمرتهم الدنيا فاتخذوا العقار فجروا الانهار وركبوا الخيول الفارهة واتخذوا الوصائف الروقة - فصار ذلك عليهم عارا وشنارا إن لم يغفر لهم الغفار - إذ منعوا ما كانوا فيه وصيروا إلى حقوقهم التي يعلمون يقولون حرمنا ابن أبي طالب وظلمنا حقوقنا ونستعين بالله ونستغفره .
وأما من كان له فضل وسابقة منكم فإنما أجره فيه على الله فمن استجاب لله ولرسوله ودخل في ديننا واستقبل قبلتنا وأكل ذبيحتنا فقد استوجب حقوق الاسلام وحدوده فأنتم أيها الناس عباد الله المسلمون والمال مال الله يقسم بينكم بالسوية وليس لاحد على أحد فضل إلا بالتقوى وللمتقين عند الله خير الجزاء وأفضل الثواب لم يجعل الله الدنيا للمتقين جزاءا وما عند الله خير للابرار .
[ و ] إذا كان غدا فاغدوا فإن عندنا مالا اجتمع فلا يتخلفن أحد كان في عطاء أو لم يكن إذا كان مسلما حرا احضروا رحمكم الله .
فاجتمعوا من الغد ولم يتخلف عنه أحد فقسم بينهم ثلاثة دنانير لكل إنسان الشريف والوضيع والاحمر والاسود ولم يفضل أحدا ، ولم يتخلف عنه أحد إلا هؤلاء الرهط : طلحة والزبير وعبدالله بن عمر وسعيد بن العاص ومروان بن الحكم وناس معهم .

[ 28 ]

فسمع عبيد الله بن أبي رافع وهو كاتب علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) عبدالله بن الزبير وهو يقول للزبير وطلحة وسعيد بن العاص لقد التفت إلى زيد بن ثابت فقلت له : أياك أعني واسمعي يا جارة .
فقال له عبيد الله : يا سعيد بن العاص وعبدالله بن الزبير إن الله يقول في كتابه : * ( وأكثرهم للحق كارهون ) * قال عبيد الله : فأخبرت عليا فقال : لئن سلمت لاحملنهم على الطريق قاتل الله ابن العاص علم في كلامي أني أريده وأصحابه بكلامي والله المستعان .
قال مالك ابن أوس : وكان علي بن أبي طالب عليه السلام أكثر ما يسكن القناة فبينا نحن في المسجد بعد الصبح إذ طلع الزبير وطلحة فجلسا ناحية عن علي ( عليه السلام ) ثم طلع مروان وسعيد وعبدالله بن الزبير والمسور بن مخرمة فجلسوا .
وكان علي ( عليه السلام ) جعل عمار بن ياسر على الخيل فقال لابي الهيثم بن التيهان ولخالد بن زيد أبي أيوب ولابي حية ولرفاعة بن رافع في رجال من أصحاب رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : قوموا إلى هؤلاء القوم فإنه بلغنا عنهم ما نكره من خلاف أمير المؤمنين إمامهم والطعن عليه وقد دخل معهم قوم من أهل الجفاء والعداوة فإنهم سيحملونهم على ما ليس من رأيهم فقال : فقاموا وقمنا معهم حتى جلسوا إليهم فتكلم أبوالهيثم بن التيهان فقال : إن لكم لقدما في الاسلام وسابقة وقرابة من أمير المؤمنين ( عليه السلام ) وقد بلغنا عنكم طعن وسخط لامير المؤمنين فإن يكن أمر لكما خاصة فعاتبا ابن عمتكما وإمامكما وإن كان نصيحة للمسلمين فلا تؤخراه عنه ونحن عون لكما فقد عملتها أن بني أمية لن تنصحكها أبدا وقد عرفتما - وقال أحمد عرفتم - عداوتهم لكما وقد شركتما في دم عثمان ومالاتما .
فسكت الزبير وتكلم طلحة فقال : افرغوا جميعا مما تقولون فإني قد عرفت أن في كل واحد منكم خطبة .
فتكلم عمار بن ياسر رحمه الله فحمد الله وأثنى عليه وصلى على النبي .
( صلى الله عليه وآله ) وقال : أنتما صاحبا رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) وقد .

[ 29 ]

أعطيتما إمامكما للطاعة والمناصحة والعهد والميثاق على العمل بطاعة الله وطاعة رسوله وأن يجعل كتاب الله - قال أحمد : وجعل كتاب الله - إماما ففيم السخط والغضب على علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) ؟ فغضب الرجال للحق انصرا نصركما الله .
فتكلم عبدالله بن الزبير فقال : لقد تهذرت يا أبا اليقظان فقال له عمار : مالك تتعلق في مثل هذا يا أعبس ثم أمر به فأخرج فقام الزبير فقال : عجلت يا أبا اليقظان على ابن أخيك رحمك الله فقال عمار : يا أبا عبدالله أنشدك الله أن تسمع قول من رأيت فإنكم معشر المهاجرين لم يهلك من هلك منكم حتى استدخل في أمره المؤلفة قلوبهم فقال الزبير : معاذ الله أن نسمع منهم فقال عمار : والله يا أبا عبدالله لو لم يبق أحد إلا خالف علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) لما خالفته ولا زالت يدي مع يده وذلك لان عليا لم يزل مع الحق منذ مبعث الله نبيه ( صلى الله عليه وآله ) فإني أشهد أنه لا ينبغي لاحد أن يفضل عليه أحدا .
فاجتمع عمار بن ياسر وأبوالهيثم ورفاعة وأبوأيوب وسهل بن حنيف فتشاوروا أن يركبوا إلى على ( عليه السلام ) بالقناة فيخبروه القوم فركبوا إليه فأخبروه باجتماع القوم وما هم فيه من إظهار الشكورى والتعظيم لقتل عثمان وقال له أبوالهيثم : يا أمير المؤمنين انظر في هذا الامر فركب بغلة رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ودخل المدينة وصعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه واجتمع أهل الخير والفضل من الصحابة والمهاجرين فقالوا لعلي ( عليه السلام ) إنهم قد كرهوا الاسوة وطلبوا الاثرة وسخطوا لذلك .
فقال : علي ( عليه السلام ) : ليس لاحد فضل في هذا المال هذا كتاب الله بيننا وبينكم ونبيكم محمد ( صلى الله عليه وآله ) وسيرته ثم صاح بأعلى صوته يا معشر الانصار أتمنون علي بإسلامكم بل لله ورسوله المن عليكم إن كنتم صادقين - وقال أحمد : [ أتمنون على الله بإسلامكم ( 1 ) ] - أنا أبوالحسن القرم .

___________________________________________________________
( 1 ) من قوله : " بل الله ورسوله المن - إلى قوله : - بإسلامكم " قد سقط عن الطبعة الكمباني من هذا الكتاب وأخذناه من أمالي الطوسي .
( * )

[ 30 ]

ونزل عن المنبر وجلس ناحية المسجد وبعث إلى طلحة والزبير فدعاهما ثم قال لهما : ألم تأتياني وتبايعاني طائعين غير مكرهين فما أنكرتم أجور في حكم أو استيثار في فئ ؟ قالا : لا .
قال : أو في أمر دعوتماني إليه من أمر المسلمين فقصرت عنه ؟ قالا : معاذ الله .
قال : فما الذي كرهتمان أمري حتى رأيتما خلافي ؟ قالا : خلافك عمر بن الخطاب في القسم وانتقاصنا حقنا من الفئ جعلت حظنا في الاسلام كحظ غيرنا فيما أفاء الله علينا بسيوفنا ممن هو لنا فئ فسويت بيننا وبينهم .
فقال علي ( عليه السلام ) : الله أكبر اللهم إني أشهدك وأشهد من حضر عليهما أما ما ذكرتما من الاستيثار ( 1 ) فو الله ما كانت لي في الولاية رغبة ولا لي فيها محبة ولكنكم دعوتموني إليها وحملتموني عليها فكرهت خلافكم فلما أفضت إلي نظرت إلى كتاب الله وما وضع وأمر فيه بالحكم وقسم وسن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) فأمضيته ولم أحتج فيه إلى رأيكما ودخولكما معي ولا غيركما ولم يقع أمر جهلته فأتقوى فيه برأيكما ومشورتكما ولو كان ذلك لم أرغب عنكما ولا عن غيركما إذا لم يكن في كتاب الله ولا في سنة نبينا صلى الله عليه وآله فأما ما كان فلا يحتاج إلى أحد .
وأما ما ذكرتما من أمر الاسوة فأن ذلك أمر لم أحكم أنا فيه ، ووجدت أنا وأنتما قد جاء به محمد ( صلى الله عليه وآله ) من كتاب الله فلم أحتج فيه إليكما قد فرغ من قسمه كتاب الله الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد .
وأما قولكما جعلتنا فيه كمن ضربناه بأسيافنا وأفاء الله علينا وقد سبق رجال رجالا فلم يضرهم ولم يستأثرهم عليهم من سبقهم لم يضرهم حين

___________________________________________________________
( 1 ) هذا الكلام يدل بالصراحة على أنهما ذكرا في جملة معاذيرهما قولهما : " إنا أعطيناك ببيعتنا على أن تستشيرنا ولا تستبد بأمر دوننا " أو نحوه كما مر في رواية أبي جعفر الاسكافي ، وقد سقط هذه الفقرة ها هنا من هذا الكتاب ومن كتاب الامالي أيضا .
( * )