[431]
الاثقال والرجال وأمر الاشتر فوقف في ثلاثة آلاف فارس حتى لم يبق من الناس
أحد إلا عبر ثم عبر آخر الناس .
قال الحجاج : وازدحمت الخيل حين عبرت فسقطت قلنسوة عبدالله بن
أبي الحصين فنزل فأخذها فركب ثم سقطت قلنسوة عبدالله بن الحجاج فنزل
فأخذها ثم ركب فقال لصاحبه :
فإن يك ظن الزاجري الطير صادقا * كما زعموا ( 1 ) أقتل وشيكا وتقتل
فقال [ عبدالله بن أبي الحصين ] : ما شئ أحب إلي مما ذكرت فقتلا معا
يوم صفين .
قال نصر : فلما قطع علي الفرات دعا زياد بن النضر وشريح بن هانئ
فسرحهما أمامه نحو معاوية في إثني عشر ألفا وقد كان حين سرحهما من الكوفة
مقدمة له أخذا على شاطئ الفرات من قبل البر مما يلي الكوفة حتى بلغا عانات
فبلغهما أخذ علي عليه السلام طريق الجزيرة وعلما أن معاوية قد أقبل في جنود
الشام من دمشق لاستقباله فقالا : والله ما هذا برأي أن نسير وبيننا وبين أمير
المؤمنين هذا البحر وما لنا خير في أن نلقى جموع الشام في قلة من العدد منقطعين
عن المدد فذهبوا ليعبروا من عانات فمنعهم أهلها وحبسوا عنهم السفن فأقبلوا
راجعين حتى عبروا من هيت ولحقوا عليا ( عليه السلام ) بقرية دون قرقيسيا
فلما لحقوا عليا ( عليه السلام ) عجب وقال مقدمتي يأتي من ورائي ؟ فأخبره
زياد وشريح بالرأي الذي رأيا فقال : قد أصبتما رشدكما .
فلما عبر الفرات قدمهما أمامه نحو معاوية فلما انتهيا إلى معاوية لقيهما أبو
___________________________________________________________
( 1 ) كذا في تاريخ الطبري وهو الظاهر ، وفي ط الكمباني ساق الكلام بصورة النثر هكذا :
إن يكن زاجر الطير صادقا كما تزعمون أقتل وشيكا وتقتل .
( * )
[432]
الاعور السلمي في جنود من الشام وهو على مقدمة معاوية فدعواه إلى الدخول في
طاعة أمير المؤمنين ( عليه السلام ) فأبى فبعثوا إلى علي ( عليه السلام ) إنا قد
لقينا أبا الاعور السلمي بسور الروم في جند من أهل الشام فدعوناه وأصحابه
إلى الدخول في طاعتك فأبي علينا فمرنا بأمرك .
فأرسل علي ( عليه السلام ) إلى الاشتر فقال : يا مالك إن زيادا وشريحا
أرسلا إلي .
إلى آخر ما مر برواية ابن ميثم .
قال : وكتب علي ( عليه السلام ) إليهما - وكان الرسول الحارث بن جمهان
الجعفي - : أما بعد فإني قد أمرت عليكما مالكا فاستمعا له وأطيعا أمره فإنه
من لا يخاف رهقه ولا سقاطه ( 1 ) ولا بطؤه عما الاسراع إليه أحزم ولا إسراعه
إلى ما البطؤ عنه أمثل وقد أمرته بمثل الذي أمرتكما أن لا يبدأ القوم بقتال حتى
يلقاهم ويدعوهم ويعذر إليهم .
فخرج الاشتر حتى قدم على القوم فاتبع ما أمره به علي ( عليه السلام )
وكف عن القتال ولم يزالوا متواقفين حتى إذا كان عند المساء حمل عليهم أبو
الاعور فثبتوا له واضطربوا ساعة ثم إن اهل الشام انصرفوا .
ثم خرج [ إليهم ] هاشم بن عتبة في خيل ورجال حسن عدتها وعددها
فخرج إليهم أبوالاعور فاقتتلوا يومهم ذلك تحمل الخيل على الخيل والرجال
على الرجال وصبر بعضهم لبعض ثم انصرفوا .
وبكر عليهم الاشتر فقتل من أهل الشام عبدالله بن المنذر التنوخي قتله
ظبيان بن عمارة التميمي وما هو يومئذ إلا فتى حديث السن وان كان
___________________________________________________________
( 1 ) الرهق : خفة العقل .
الجهل .
الكذب .
العربدة .
والسقاط - ككتاب : العثرة والزلة .
( * )
[433]
الشامي : لفارس أهل الشام وأخذ الاشتر يقول : ويحكم أروني أبا الاعور .
ثم إن أبا الاعور دعا الناس فرجعوا نحوه فوقف على تل من وراء المكان
الذي كان فيه أول مرة وجاء الاشتر حتى صف أصحابه في المكان الذي كان
فيه أبوالاعور أول مرة فقال الاشتر لسنان بن مالك النخعي : انطلق إلى أبي
الاعور فادعه إلى المبارزة .
فقال ، إلى مبارزتي أو مبارزتك ؟ فقال الاشتر : أولو
أمرتك بمبارزته فعلت ؟ قال : نعم والذي لا إله إلا هو تعالى لو أمرتني أن
أعترض صفهم بسيفي فعلته حتى أضربه بالسيف فقال : يا ابن أخي أطال
الله بقاءك قد والله ازددت فيك رغبة لا ما أمرتك بمبارزته إنما أمرتك أن
تدعوه لمبارزتي فإنه لا يبارز إن كان ذلك من شأنه إلا ذوي الاسنان والكفاءة
والشرف وأنت بحمد الله من أهل الكفاءة والشرف ولكنك حديث السن
وليس يبارز الاحداث فاذهب فادعه إلى مبارزتي .
فأتاهم فقال : أنا رسول فأمنوني .
فأمنوه فجاء حتى انتهى إلى أبي الاعور
فقال له : إن الاشتر يدعوك إلى المبارزة قال فسكت عني طويلا ثم قال : إن
خفة الاشتر وسوء رأيه هو الذي دعاه إلى إجلاء عمال عثمان وافترائه عليه
يقبح محاسنه ويجهل حقه ويظهر عداوته ومن خفة الاشتر أنه سار إلى عثمان في
داره وقراره فقتله فيمن قتله وأصبح متبعا بدمه ( 1 ) لا حاجة لي في مبارزته ! !
فقلت : إنك قد تكلمت فاسمع حتى أجيبك فقال : لا حاجة لي في جوابك
ولا الاستماع منك اذهب عني وصاح بي أصحابه فانصرفت عنه ولو سمع
-بحار الانوار مجلد: 29 من ص 433 سطر 19 الى ص 441 سطر 18
لاسمعته عذر صاحبي وحجته فرجعت إلى الاشتر فأخبرته أنه قد أبي المبارزة
فقال : لنفسه نظر .
قال : فتواقفنا حتى حجز بيننا وبينهم الليل وبتنا متحارسين فلما أن
أصبحنا نظرنا فإذا هم انصرفوا .
___________________________________________________________
( 1 ) كذا بالعين المهملة ، ولعل الصواب : " مبتغى " بالمعجمة أي مطلوبا بدمه .
( * )
[434]
قال : وصبحنا علي عليه السلام غدوة سائرا نحو معاوية فإذا أبوالاعور
قد سبق إلى سهولة الارض وسعة المنزل وشريعة الماء مكان أفيح وكان أبو
الاعور على مقدمة معاوية واسمه سفيان بن عمرو .
وكان وصول علي ( عليه السلام ) إلى صفين لثمان بقين من المحرم من
سنة سبع وثلاثين .
قال نصر : فلما انصرف أبوالاعور عن الحرب راجعا سبق إلى الماء فغلب
عليه في الموضع المعروف بقناصرين إلى جانب صفين ( 1 ) وساق الاشتر يتبعه
فوجده غالبا على الماء وكان في أربعة آلاف من مستبصري أهل العراق
فصدموا أبا الاعور وأزالوه عن الماء فأقبل معاوية في جميع الفيلق بقضه
وقضيضه فلما رآهم الاشتر انحاز إلى علي ( عليه السلام ) وغلب معاوية وأهل
الشام على الماء وحالوا بين أهل العراق وبينه .
وأقبل علي ( عليه السلام ) في جموعه فطلب موضعا لعسكره وأمر الناس أن
يضعوا أثقالهم وهم أكثر من مائة ألف فلما نزلوا تسرع فوارس من فوارس علي
( عليه السلام ) على خيولهم إلى جهة معاوية يطعنون ويرمون بالسهام ومعاوية
بعد لم ينزل فناوشهم أهل الشام القتال فاقتتلوا هويا ( 2 ) .
قال نصر فحدثني عمر بن سعد عن سعد بن طريف عن الاصبغ بن نباتة
قال : فكتب معاوية إلى علي ( عليه السلام ) : عافانا الله وإياك ما أحسن العدل
___________________________________________________________
( 1 ) انظر تاج العروس .
( 2 ) أي قطعة من الزمان ، وهي بفتح الهاء وكسر الواو وشد الياء ، ويأتي قريبا عن المصنف
تفسيرها .
( * )
[435]
والانصاف بمن عمل وأقبح الطيش ثم النفش في الرجل ( 1 ) وكتب بعده :
اربط حمارك لا تنزع سويته * إذا يرد وقيد العير مكروب
ليست ترى السيد زيدا في نفوسهم * كما تراه بنو كوز ومرهوب
إن تسألوا الحق يعط الحق سائله * والدرع محقبة والسيف مقروب
أو تأنفون فإنا معشر أنف * لا نطعم الضيم إن السم مشروب
فأمر علي ( عليه السلام ) أن يوزع الناس عن القتال حتى أخذ أهل الشام
مصافهم ثم قال : أيها الناس إن هذا موقف من نطف فيه نطف يوم القيامة
ومن فلج فيه فلج يوم القيامة .
ثم قال لما رأى نزول معاوية بصفين :
لقد أتانا كاشرا عن نابه * يهمط الناس على اعتزابه
فليأتنا الدهر بما أتى به
قال نصر : وكتب علي إلى معاوية جواب كتابه أما بعد :
فإن للحرب عراما شررا * إن عليها قائدا عشنزرا
ينصف من أحجر أو تنمرا * على نواحيها مزجا زمجرا
أذا ونين ساعة تغشمرا
___________________________________________________________
( 1 ) كذا في أصلي المطبوع وظاهره أنه نثر ، ولكن الظاهر أن الباء في قوله : " بمن " من
زيادة الكتاب وان الصواب أنه شعر هكذا :
ما أحسن العدل والانصاف من عمل * وأقبح الطيش ثم النفش في الرجل
وهكذا ضبطه في ط مصر من كتاب صفين والطبع الحديث من شرح ابن أبي
الحديد : ج 1 ، ص 718 ط الحديث ببيروت .
( * )
[436]
وكتب بعده :
ألم تر قومي إذ دعاهم أخوهم * أجابوا وإن يغضب على القوم يغضبوا
هم حفظوا غيبي كما كنت حافظا * لقومي أخرى مثلها إذ تغيبوا
بنو الحرب لم تقعد بهم أمهاتهم * وآباؤهم آباء صدق فأنجبوا
قال : فتراجع الناس كل من الفريقين إلى معسكره وذهب شباب من
الناس إلى الماء ليستقوا فمنعهم أهل الشام .
قال ابن أبي الحديد ( 1 ) : قلت في هذه الالفاظ ما ينبغي أن يشرح قوله :
" فاقتتلوا هويا " بفتح الهاء أي قطعة من الزمان ، وذهب هوي من الليل أي
هزيع منه " والنفش " : كثرة الكلام .
والدعاوى وأصله من نفش الصوف .
" والسوية " : كساء محشو بثمام ونحوه كالبرزعة .
وكربت القيد إذا ضيقته على
المقيد ، وقيد مكروب أي ضيق يقول : لا تنزع برزعة حمارك عنه واربطه وقيده
وإلا أعيد إليك وقيده ضيق .
وهذا مثل ضربه لعلي ( عليه السلام ) يأمره فيه بأن يردع جيشه عن
التسرع والعجلة عند الحرب .
وزيد المذكور في الشعر هو زيد بن حصين بن ضرار [ بن عمرو بن
مالك بن زيد بن كعب بن بجالة بن ذهل بن مالك بن بكر بن سعد بن ضبة بن
ادبن طابخة بن إلياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان ] من بني ضبة وهو
المعروف بزيد الخيل وكان فارسهم .
وبنو السيد من ضبة أيضا [ وهم بنو السيد بن مالك بن بكر بن سعد بن
ضبة بن أد بن طابخة - إلى آخر النسب - ] وبنو السيد بنو عم زيد الفوارس
___________________________________________________________
( 1 ) ذكره ابن أبي الحديد في شرح المختار : ( 51 ) من نهج البلاغة من شرحه : ج 1 ،
ص 718 ط الحديث ببيروت .
( * )
[437]
[ لانه من بني دهل بن مالك ] وهؤلاء بنو السيد بن مالك وبينهم عداوة
النسب يقول : إن بني السيد لا يرون زيدا في نفوسهم كما يراه أهله الادنون
منه نسبا وهم بنو كوز وبنو مرهوب يقول : نحن لا نعظم زيدا ولا نعتقد
فيه من الفضيلة ما يعتقده أهله وبنو عمه الادنون .
والمثل لعلي ( عليه السلام ) أي نحن لا نرى في علي ما يراه أهل العراق
من تعظيمه وتبجيله .
والدرع محقبة أي بحالها في حقابها وهو ما يشد به في غلافها والسيف
بحاله في قرابه وهو جفنه يقال : حقبت الدرع وقربت السيف كلاهما ثلاثيان
يقول : إن سألتم الحق أعطيناكموه من غير حاجة إلى الحرب بل نجيبكم إليه
والدروع بحالها لم تلبس والسيوف في أجفانها لم تشهر .
وأما إثبات النون في " تأنفون " فللشعر ( 1 ) يقول : وإن أنفتم وأبيتم إلا
الحرب فإنا نأنف مثلكم [ أيضا ] لا نطعم الضيم ولا نقبله ثم قال : إن السم
مشروب أي إن السم قد نشربه ولا نشرب الضيم أي نختار الموت على
الذلة .
والشعر لعبد الله بن غنم الضبي ( 2 ) من بني السيد .
فأما قوله ( عليه السلام ) : " هذا موقف من نطف فيه نطف يوم القيامة "
___________________________________________________________
( 1 ) كذا في طبعة الكمباني من بحار الانوار ، وقال ابن أبي الحديد في شرح المختار :
( 51 ) من شرح نهج البلاغة : ج 1 ص 719 ط الحديث ببيروت :
وأما إثبات النون في " تأنفون " فإن الاصوب حذفها لعطف الكلمة على المجزوم
قبلها ولكنه استأنف ولم يعطف كأنه قال : أو كنتم تأنفون ، يقول : وإن أنفتم وأبيتم
إلا الحرب فإنا نأنف مثلكم أيضا لا نطعم الضيم ولا نقبله ...
( 2 ) كذا في أصلي المطبوع ، وفي طبع الحديث ببيروت من شرح ابن أبي الحديد : " لعبد
الله عنمة الضبي من بني السيد " .
( * )
[438]
أي من تلطخ فيه بعيب من فرار أو نكول عن العدو .
يقال : نطف فلان -
بالكسر - إذا تدنس بعيب ونطف أيضا إذا أفسد يقول : من فسدت حاله اليوم
في هذا الجهاد فسدت حاله غدا عند الله .
قوله : " من فلج فيه " بفتح اللام أي من ظهر وفاز يقال : فلج على
خصمه كنصر أي ظهرت حجته عليه .
قوله ( عليه السلام ) " يهمط الناس " أي يقهرهم ويخبطهم وأصله الاخذ
بغير تقدير .
وقوله ( عليه السلام ) : " على اعتزابه " أي على بعده عن الامارة والولاية
على الناس .
والعرام بالضم : الشراسة والهوج .
والعشنزر : الشديد القوي ينصف من
يظلم الناس .
وأحجر : ظلم الناس حتى ألجأهم إلى أن دخلوا حجرهم أي
بيوتهم .
وتنمر أي تنكر حتى صار كالنمر يقول : هذا القائد الشديد القوي
ينصف من يظلم الناس ويتنكر لهم أي ينصف منه فحذف حرب الجر كقوله
تعالى : * ( واختار موسى قومه ) * أي من قومه .
والمزج بكسر الميم : السريع النفوذ وأصله الرمح القصير كالمزراق ورجل
زمجر أي مانع حوزته والميم زايدة .
ومن رواها زمخرا بالخاء عنى به المرتفع
العالي الشأن وجعل الميم زائدة أيضا من زخر الوادي أي علا وارتفع .
وغشمر
السيل : أقبل .
والغشمرة : إتيان الامر بغير تثبت يقول : إذا أبطأن ساقهن سوقا
عنيفا .
والابيات البائية لربيع بن مسروم ( 1 ) الضبي .
___________________________________________________________
( 1 ) كذا في ط الكمباني من البحار ، وفي شرح نهج البلاغة ط الحديث ببيروت :
" والابيات البائية لربيعة بن مشروم الطائي " .
( * )
[439]
وروى نصر عن عبدالله بن عوف قال : لما قدمنا على معاوية وأهل الشام
بصفين وجدناهم قد نزلوا منزلا اختاروه مستويا بساطا واحدا ( 1 ) وأخذوا
الشريعة فهي في أيديهم وقد صف أبوالاعور عليها الخيل والرجالة وقدم
المرامية ومعهم أصحاب الرماح والدرق وعلى رؤسهم البيض وقد أجمعوا أن
يمنعونا الماء ففزعنا إلى أمير المؤمنين ( عليه السلام ) فأخبرناه بذلك .
فدعا صعصعة بن صوحان فقال : إئت معاوية فقل له : إنا سرنا إليك
مسيرنا هذا وأنا أكره قتالكم قبل الاعذار إليكم وإنك قدمت خيلك فقاتلتنا
قبل أن نقاتلك وبدأتنا بالحرب ونحن من رأينا الكف حتى ندعوك ونحتج
عليك وهذه أخرى قد فعلتموها قد حلتم بين الناس وبين الماء فخل بينهم
وبينه حتى ننظر فيما بيننا وبينكم وفيما قدمنا له وقدمتم له ، وإن كان أحب
إليك أن ندع ما جئنا له وندع الناس يقتتلون على الماء حتى يكون الغالب هو
الشارب فعلنا .
فلما مضى صعصعة برسالته إلى معاوية قال معاوية لاصحابه : ما ترون ؟
فقال الوليد بن عقبة : امنعنهم الماء كما منعوه ابن عفان حصروه أربعين يوما
يمنعونه برد الماء ولين الطعام اقتلهم عطشا قتلهم الله .
وقال عمرو بن العاص : خل بين القوم وبين الماء فإنهم لن يعطشوا وأنت
ريان ولكن لغير الماء فانظر فيما بينك وبينهم .
فأعاد الوليد مقالته .
وقال عبدالله بن سعيد بن أبي سرح ( 2 ) وكان أخا عثمان من الرضاعة :
امنعهم الماء إلى الليل فإنهم إن لم يقدروا عليه رجعوا وكان رجوعهم هزيمتهم
امنعهم الماء منعهم الله يوم القيامة .
___________________________________________________________
( 1 ) كذا في أصلي ، وفي كتاب صفين وشرح النهج : " بساطا واسعا " .
( 2 ) له ترجمة في كتاب الاصابة : ج 2 ص 470 .
( * )
[440]
فقال صعصعة : إنما يمنع الماء يوم القيامة الفجرة الكفرة شربة الخمر
ضربك وضرب هذا الفاسق ( 1 ) يعني الوليد فتواثبوا إليه يشتمونه ويتهددونه
فقال معاوية كفوا عن الرجل فإنما هو رسول .
قال عبدالله بن عوف : إن صعصعة لما رجع إلينا حدثنا بما قال معاوية
وما كان منه وما رده علينا وقال : لما أردت الانصراف من عنده قلت : ما ترد
علي ؟ قال : سيأتيكم رأيي .
قال : فو الله ما راعنا إلا تسوية الرجال والصفوف
والخيل فأرسل إلى أبى الاعور امنعهم الماء فازدلفنا والله إليهم فارتمينا وأطعنا
بالرماح واضطربنا بالسيوف فطال ذلك بيننا وبينهم حتى صار الماء في أيدينا
فقلنا : لا والله لا نسقيهم .
فأرسل علي عليه السلام أن خذوا من الماء
حاجتكم وارجعوا معسكركم وخلوا بينهم وبين الماء فإن الله قد نصركم عليهم
ببغيهم وظلمهم .
وقال نصر : قال عمرو بن العاص خل بينهم وبين الماء فإن عليا لم يكن
ليظلمأ وأنت ريان وفي يده أعنة الخيل وهو ينظر إلى الفرات حتى يشرب أو
يموت وأنت تعلم أنه الشجاع المطرق وقد سمعته أنا مرارا وهو يقول : " لو
أن معي أربعين رجلا " يوم فتش البيت - يعني بيت فاطمة - لو استمكنت من
أربعين رجلا يعني في الامر الاول ( 2 ) .
قال : ولما غلب أهل الشام على الفرات فرحوا بالغلبة وقال معاوية : يا
___________________________________________________________
( 1 ) الضرب بمعنى المثل والشبيه .
( 2 ) كذا في طبع الكمباني من البحار ، وفي شرح ابن أبي الحديد : ط الحديث ببيروت .
" وقد سمعته أنا مرارا وهو يقول : لو استمكنت من أربعين رجلا يعني في الامر
الاول .
أقول : وليلاخط " طبع " القديم من هذا الشرح أو مخطوطه إن تيسر .
وفي كتاب صفين : وقد سمعته أنا وأنت وهو يقول : لو استمكنت من أربعين
رجلا - فذكرا أمرا - يعني لو أن معي أربعين رجلا يوم فتش البيت .
يعنى بيت فاطمة .
( * )