[421]

أما بعد فقد بعثت مقدمتي وأمرتهم بلزوم هذا الملطاط حتى يأتيهم أمري وقد رأيت أن أقطع هذه النطفة إلى شرذمة منكم موطنين أكناف دجلة فأنهضهم معكم إلى عدوكم وأجعلهم من أمداد القوة لكم .
قال السيد رضي الله عنه : يعني بالملطاط السمت الذي أمرهم بلزومه وهو شاطئ الفرات ويقال ذلك أيضا لشاطئ البحر وأصله ما استوى من الارض ويعني بالنطفة ماء الفرات وهو من غريب العبارات وعجيبها .
بيان : قال ابن ميثم روي أنه ( عليه السلام ) خطب بها وهو بالنخيلة خارجا من الكوفة متوجها إلى صفين لخمس بقين من شوال سنة سبع وثلاثين .
ووقب الليل : أي دخل .
وغسق أي أظلم .
ولاح أي ظهر .
وخفق النجم وأخفق إذا انحط في الغرب أو غاب .
وكافأته مكافأة وكفاءا أي جازيته وكل شئ ساوى شيئا فهو مكافئى له .
والافضال : الاحسان .
ومقدمة الجيش - بالكسر وقد يفتح - : أوله ومتقدموه " والنطفة " بالضم الماء الصافي قل أو كثر .
والشرذمة بالكسر : القليل من الناس .
والجار متعلق بمحذوف أي متوجها إليهم .
وأوطن المكان ووعنه واستوطنه : اتخذه وطنا .
والمراد قوم من أهل المدائن روي أنهم كانوا ثمانمائة رجل .
والكنف بالتحريك : الجانب والناحية .
ونهض كمنع : قام .
وأنهضه غيره : أقامه .
والامداد : جمع مدد بالتحريك وهو المعين والناصر .
وقال ابن الحديد ( 1 ) : وزاد أصحاب السير في هذه الخطبة : " وقد أمرت

___________________________________________________________
( 1 ) ذكره ابن أبي الحديد في شرح الكلام المتقدم وهو المختار : ( 48 ) من نهج البلاغة من شرحه : ج 1 ص 640 ط الحديث ببيروت .
ورواه مع كثير مما قبله مرسلا أبوجعفر الاسكافي في كتاب المعيار والموازنة ص 131 ، ط 1 ، وما وضعناه بين المعقوفين مأخوذ منه .
( * )

[422]

على المصر عقبة بن عمرو ولم آلكم ولا نفسي [ نصحا ] فإياكم والتخلف والتربص فإني قد خلفت مالك بن حبيب اليربوعي وأمرته أن لا يترك متخلفا إلا ألحقه بكم عاجلا إنشاء الله .
وروى نصر بن مزاحم عوض قوله : " إلى عدوكم " إلى عدو الله .
387 - 394 - أقول : وجدت في كتاب صفين زيادة وهي : ( 1 ) " الحمد لله غير مفقود النعم ولا مكافأ الافضال ، وأشهد أن لا إله إلا الله ونحن على ذلكم من الشاهدين ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله أما بعد .
.
" .
وقال نصر : فقام إليه معقل بن قيس الرياحي فقال : يا أمير المؤمنين والله ما يتخلف عنك إلا ظنين ولا بتربص بك إلا منافق فمر مالك بن حبيب فيضرب أعناق المتخلفين .
فقال : قد أمرته بامري وليس بمقصر إنشاء الله .
قال وقال مالك بن حبيب - وهو آخذ بعنان دابته ( عليه السلام ) - : يا أمير المؤمنين أتخرج بالمسلمين فيصيبوا أجر الجهاد والقتال وتخلفني في حشر الرجال ؟ فقال له علي ( عليه السلام ) : إنهم لن يصيبوا من الاجر شيئا إلا كنت شريكهم فيه وأنت ها هنا أعظم عن ؟ ؟ منك عنهم لو كنت معهم .
قال : سمعا وطاعة يا أمير المؤمنين .
قال نصر : ثم سار عليه السلام حتى انتهى إلى مدينة " بهرسير " وإذا رجل

___________________________________________________________
( 1 ) ذكرها في أول الجزء الثالث من كتاب صفين ص 131 ، ط مصر .
( * )

[423]

من أصحابه يقال له جرير بن سهم ينظر إلى آثار كسرى ( 1 ) ويتمثل بقول الاسود بن يعفر : جرت الرياح على محل ديارهم * فكأنما كانوا على ميعاد فقال ( عليه السلام ) : ألا قلت * ( كم تركوا من جنات وعيون وزروع ومقام كريم ونعمة كانوا فيها فاكهين كذلك وأورثناها قوما آخرين فما بكت عليهم السماء والارض وما كانوا منظرين ) * [ 24 - 29 / الدخان ] .
إن هؤلاء كانوا وارثين فأصبحوا موروثين إن هؤلاء لم يشكروا النعمة فسلبوا دنياهم بالمعصية إياكم وكفر النعم لا تحل بكم النقم .
[ ثم قال : ] أنزلوا بهذه الفجوة ( 2 ) ( 4 ) .
قال نصر : وحدثنا عمر بن سعد عن مسلم الاعود عن حبة العرني قال : أمر على ( عليه السلام ) الحارث الاعور فصاح في أهل المدائن من كان من المقاتلة فليواف أمير المؤمنين صلاة العصر فوافوه في الساعة فحمد الله وأثنى عليه ثم قال : أما بعد فإني قد تعجبت من تخلفكم عن دعوتكم وانقطاعكم عن أهل مصركم في هذه المساكن الظالم أهلها الهالك أكثر ساكنيها لا معروف تأمرون به ولا منكر تنهون عنه .
قالوا : يا أمير المؤمنين كنا ننتظر أمرك مرنا بما أحببت .

___________________________________________________________
( 1 ) كذا في ط الكمباني من كتاب البحار ، ومثله في ترجمة الاسود بن يعفر من كتاب الاغاني : ج 13 ، ص 18 ، ط تراثنا .
وفي شرح ابن أبي الحديد : حر بن سهم بن طريف من بني ربيعة بن مالك ... ( 2 ) وللحديث مصادر أخر ذكر بعضها في ذيل المختار : ( 188 ) من كتاب نهج السعادة : ج 2 ص 135 ، ط 1 .
( * )

[424]

فسار وخلف عليهم عدي بن حاتم فأقام عليهم ثلاثا ثم خرج في ثمانمائة رجل منهم وخلف ابنه زيدا بعده فلحقه في أربعمائة رجل منهم .
وجاء علي ( عليه السلام ) حتى مر بالانبار فاستقبله بنو خشنوشك [ دهاقنتها ] قال نصر : الكلمة فارسية أصلها خش أي الطيب [ و " نوشك " : راض يعني بني الطيب الراضي بالفارسية ] ( 1 ) قال : فلما استقبلوه نزلوا عن خيولهم ثم جاؤا يشتدون معه وبين يديه ومعهم براذين قد أوقفوها في طريقه .
فقال : ما هذه الدواب التى معكم وما أردتم بهذا الذي صنعتم ؟ قالوا : أما هذا الذي صنعنا فهو خلق منا نعظم به الامراء وأما هذه البراذين فهدية لك وقد صنعنا للمسلمين طعاما وهيأنا لدوابكم علفا كثيرا .
فقال ( عليه السلام ) : أما هذا الذي زعمتم أنه فيكم خلق تعظمون به الامراء فو الله ما ينفع ذلك الامراء وإنكم لتشقون به على أنفسكم وأبدانكم فلا تعودوا له .
وأما دوابكم هذه فإن أحببتم أن آخذها منكم وأحسبها لكم من خراجكم أخذناها منكم .
وأما طعامكم الذي صنعتم لنا فإنا نكره أن نأكل من أموالكم إلا بثمن ! ! قالوا : يا أمير المؤمنين نحن نقومه ثم نقبل ثمنه .
قال : إذا لا تقومونه قيمته نحن نكتفي بما هو دونه قالوا : يا أمير المؤمنين فإن لنا من العرب موالي ومعارف أتمنعنا أن نهدي لهم أو تمنعهم أن تقبلوا منا ؟ فقال : كل العرب لكم موال وليس لاحد من المسلمين أن يقبل هديتكم وإن غصبكم أحد فأعلمونا

___________________________________________________________
( 1 ) ما بين المعقوفات مأخوذ من كتاب صفين ص 144 ، وفيه : قال سليمان [ أحد روات كتاب صفين ] : خشن : طيب .
نوشك : راض .
يعني بني الطيب الراضي بالفارسية .
( * )

[425]

قالوا : يا أمير المؤمنين إنا نحب أن تقبل هديتنا وكرامتنا قال : ويحكم فنحن أغنى منكم .
فتركهم وسار .
قال نصر : وحدثنا عبدالعزيز بن سياه عن حبيب بن أبي ثابت عن أبي سعيد التيمي المعروف بعقيصا ( 1 ) قال : كنا مع علي ( عليه السلام ) في مسيره إلى الشام حتى إذا كنا بظهر الكوفة من جانب هذا السواد عطش الناس واحتاجوا إلى الماء فانطلق بنا علي ( عليه السلام ) حتى أتى إلى صخرة مضرس في الارض كأنها ربضة عنز ( 2 ) فأمرنا فاقتلعناها فخرج لنا تحتها ماء فشرب الناس منه حتى ارتووا ثم أمرنا فاكفأناها عليه .
وسار الناس حتى إذا مضى قليلا قال ( عليه السلام ) : أمنكم أحد يعلم مكان هذا الماء الذي شربتم منه ؟ قالوا : نعم يا أمير المؤمنين .
قال : فانطلقوا إليه فانطلق منا رجال ركبانا ومشاة فاقتصصنا الطريق إليه حتى انتهينا إلى المكان الذي نرى أنه فيه فطلبناه فلم نقدر على شئي إذا عيل علينا انطلقنا إلى دير قريب منا فسألناهم أين هذا الماء الذي عندكم ؟ قالوا : ليس قربنا ماء فقلنا : بلى إنا شربنا منه قالوا : أنتم شربتم منه ؟ قلنا : نعم .

___________________________________________________________
( 1 ) رواة هذا الحديث مترجمون في كتاب تهذيب التهذيب .
والحديث رواه أيضا إبراهيم بن ديزيل بهذا السند كما رواه عنه ابن أبي الحديد في شرح المختار : ( 48 ) من شرحه : ج 1 ص 643 .

-بحار الانوار مجلد: 29 من ص 425 سطر 19 الى ص 433 سطر 18 ورواه أبوجعفر الاسكافي المتوفى ( 240 ) على وجه قريب في كتاب المعيار والموازنة ص 134 .
ورواه أيضا الخوارزمي في الفصل الثالث من الفصل : ( 16 ) من مناقب علي عليه السلام ص 167 .
( 2 ) كذا في أصلي المطبوع ، وفي شرح ابن أبي الحديد : " حتى أتى بنا إلى صخرة ضرس في الارض ... وفي كتاب صفين : " فانطلق بنا علي حتى أتى بنا على صخرة ضرس من الارض ... " .
( * )

[426]

فقال صاحب الدير : والله با بني هذا الدير إلا بذلك الماء وما استخرجه إلا نبي أو وصي نبي .
قال : ثم مضى ( عليه السلام ) حتى نزل بأرض الجزيرة فاستقبله بنو تغلب والنمر بن قاسط بجزر ( 1 ) فقال ( عليه السلام ) ليزيد بن قيس الارحبي : يا يزيد .
قال : لبيك يا أمير المؤمنين .
قال : هؤلاء قومك من طعامهم فاطعم ومن شرابهم فاشرب .
قال : نعم .
ثم سار حتي أتى الرقة وجل أهلها عثمانية فروا من الكوفة إلى معاوية فأغلقوا أبوابها دونه فتحصنوا وكان رئيسهم سماك بن مخرمة الاسدي بالرقة في طاعة معاوية وقد كان فارق عليا في نخو من مائة رجل من بني أسد ثم كاتب معاوية وأقام بالرقة حتى لحق به منهم سبعمائة رجل .
قال نصر : فروى حبة أن عليا ( عليه السلام ) لما نزل على الرقة نزل على موضع يقال له : البليخ على جانب الفرات فنزل راهب هناك من صومعته فقال لعلي ( عليه السلام ) إن عندنا كتابا توارثناه عن آبائنا كتبه أصحاب عيسى بن مريم أعرضه عليك ؟ قال : نعم فقرأ الراهب الكتاب : بسم الله الرحمن الرحيم الذي قضى فيما قضى وسطر فيما كتب ( 2 ) أنه باعث في الاميين رسولا منهم يعلمهم الكتاب والحكمة ويدلهم على سبيل الله لا فظ ولا غليظ ولا صخاب في الاسواق ولا يجزى بالسيئة السيئة بل يعفو ويصفح ، أمته الحمادون الذين يحمدون الله على كل نشر وفي كل صعود وهبوط تذل ألسنتهم بالتكبير والتهليل والتسبيح وينصره الله على من ناواه .

___________________________________________________________
( 1 ) كذا في ط الكمباني من البحار ، وفي ط الحديث ببيروت من شرح ابن أبي الحديد : " بجزور ... " .
وفي كتاب صفين ط مصر : " فاستقبله بنو تغلب والنمر بن قاسط بالجزيرة ... " .
( 2 ) ومثله في شرح ابن أبي الحديد ، وفي كتاب صفين ص 147 : " وسطر فيما سطر ... " .
( * )

[427]

فإذا توفاه الله اختلفت أمته من بعده ثم اجتمعت فلبثت ما شاء الله ثم اختلفت فيمر رجل من أمته بشاطئ هذا الفرات يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر ويقضي بالحق ، ولا يركس في الحكم ( 1 ) الدنيا أهون عليه من الرماد في يوم عصفت به الريح والموت أهون عليه من شرب الماء على الظمآن ( 2 ) .
يخاف الله في السر وينصح له في العلانية ، ولا يخاف في الله لومة لائم ثم فمن أدرك ذلك النبي ( صلى الله عليه وآله ) من أهل هذه البلاد فآمن به كان ثوابه رضوانه والجنة .
ومن أدرك ذلك العبد الصالح فلينصره فإن القتل معه شهادة .
ثم قال : أنا مصاحبك فلا أفارقك حتى يصيبني ما أصابك .
فبكى [ علي ] عليه السلام ثم قال : الحمد لله الذي لم أكن عنده منسيا ، الحمد لله الذي ذكرني عنده في كتب الابرار .
فمضى الراهب معه فكان فيما ذكروا يتغدى مع أمير المؤمنين ( عليه السلام ) ويتعشى حتى أصيب يوم صفين فلما خرج الناس يدفنون قتلاهم قال ( عليه السلام ) : أطلبوه فلما وجده صلى عليه ودفنه وقال : هذا منا أهل البيت واستغفر له مرارا .

___________________________________________________________
( 1 ) كذا في طبع الكمباني من البحار ، ومثله في شرح المختار : ( 48 ) من نهج البلاغة من شرح ابن أبي الحديد ، وفي طبع مصر من كتاب صفين ، ومثله في كتاب المعيار والموازنة ص 135 : " ولا يرتشي في الحكم ... " .
والحديث رواه أيضا من غير نقاش فيه ابن كثير بسنده عن ابن ديزيل في ترجمة أمير المؤمنين عليه السلام من تاريخ البداية والنهاية : ج 4 ص 254 ط بيروت وفيه : " ولا ينكس الحكم ... " .
( 2 ) كذا في أصلي ومثله في شرح ابن أبي الحديد ، وفي كتاب صفين : " على الظماء ... " .
والظمأ - على زنة الفرس - والظماء والظماءة - كسحاب وسحابة - : العطش .
( * )

[428]

روى هذا الخبر نصر في [ أواسط الجزء الثالث من ] كتاب صفين عن عمر بن سعد عن مسلم الاعور عن حبة العرني .
ورواه أيضا إبراهيم ابن ديزيل الهمداني بهذا الاسناد عن حبة أيضا في كتاب صفين ( 1 ) .
قال نصر : وحدثني عمر بن سعد [ الاسدي ] عن نمير بن وعلة عن أبي الوداك أن عليا ( عليه السلام ) بعث من المدائن معقل بن قيس الرياحي في ثلاثة آلاف وقال له : خذ على الموصل ثم نصيبين ثم القني بالرقة فإني موافيها وسكن الناس وآمنهم ولا تقاتل إلا من قاتلك وسر البردين وغور بالناس أقم الليل ورفه في السير ولا تسر أول الليل فإن الله جعله سكنا ، أرح فيه نفسك وجندك وظهرك فإذا كان السحر أو حين ينبطح الفجر فسر [ على بركة الله ] ( 2 ) .
فسار [ معقل ] حتى أتى " الحديثة " وهي إذ ذاك منزل الناس إنما بنى مدينة الموصل بعد ذلك محمد بن مروان فإذا بكبشين ينتطحان ومع معقل بن قيس رجل من خثعم يقال له شداد بن أبي ربيعة فأخذ يقول : إيه إيه فقال معقل : ما تقول ؟ فجاء رجلان نحو الكبشين فأخذ كل واحد منهما كبشا فانصرفا فقال الخثعمي : لا تغلبون ولا تغلبون قال معقل : من أين علمت ؟ قال : أبصرت الكبشين أحدهما مشرق والآخر مغرب التقيا فاقتتلا وانتطحا فلم يزل كل واحد من صاحبه منتصفا حتى أتى كل واحد منهما صاحبه فانطلق به فقال معقل : أو يكون خيرا مما تقول : يا أخا خثعم .

___________________________________________________________
( 1 ) قد تقدم أنه رواه عن ابن ديزيل ابن أبي الحديد في شرح المختار : ( 48 ) من نهج البلاغة من شرحه : ج 1 ، ص 643 ط الحديث ببيروت ، ورواه أيضا ابن كثير - نقلا عن ابن ديزيل - في البداية والنهاية : ج 4 ص 254 .
( 2 ) وهذه الوصية رواها السيد الرضي بزيادة وألفاظ أجود مما هنا في المختار : ( 12 ) من الباب الثاني من نهج البلاغة .
( * )

[429]

ثم مضى [ معقل ] حتى وافى عليا ( عليه السلام ) بالرقة .
قال نصر : وقالت طائفة من أصحاب علي ( عليه السلام ) له : يا أمير المؤمنين اكتب إلى معاوية ومن قبله من قومك فإن الحجة لا تزداد عليهم بذلك إلا عظما فكتب ( عليه السلام ) إليهم : من عبدالله علي أمير المؤمنين إلى معاوية ومن قبله من قريش سلام عليكم فإني أحمد إليكم الله الذي لا إله إلا هو .
أما بعد فإن لله عبادا آمنوا بالتنزيل وعرفوا التأويل وفقهوا في الدين وبين الله فضلهم في القرآن الحكيم وأنتم في ذلك الزمان أعداء للرسول الله ( صلى الله عليه وآله ) مكذبون بالكتاب مجمعون على حرب المسلمين من ثقفتم منهم حبستموه أو عذبتموه وقتلتموه ، حتى أراد الله تعالى إعزاز دينه وإظهار أمره فدخلت العرب في الدين أفواجا وأسلمت هذه الامة طوعا وكرها .
فكنتم فيمن دخل هذا الدين إما رغبة وإما رهبة على حين فاز أهل السبق بسبقهم وفاز المهاجرون والانصار بفضلهم ولا ينبغي لمن ليست لهم مثل سوابقهم في الدين ولا فضائلهم في الاسلام أن ينازعهم الامر الذي هم أهله وأولى به فيحوب ويظلم ( 1 ) .
ولا ينبغي لمن كان له عقل أن يجهل قدره ولا يعدو طوره ويشقى نفسه بالتماس ما ليس بأهله فإن أولى الناس بأمر هذه الامة قديما وحديثا أقربها من الرسول وأعلمها بالكتاب وأفقهها في الدين أولهم إسلاما وأفضلهم جهادا وأشدهم بما تحمله الرعية من أمر الله اضطلاعا فاتقوا الله الذي إليه ترجعون " ولا تلبسوا الحق بالباطل وتكتموا الحق وأنتم تعلمون " .
واعلموا أن خيار عباد الله الذين يعملون بما يعلمون وأن شرارهم الجهال الذين ينازعون بالجهل أهل العلم فإن للعالم بعلمه فضلا وإن الجاهل لا يزداد

___________________________________________________________
( 1 ) كذا في أصلي من البحار طبع الكمباني ، وفي كتاب صفين : " فيجور ويظلم " .
( * )

[430]

بمنازعته العالم إلا جهلا .
ألا وإني أدعوكم إلى كتاب الله وسنة نبيه ( صلى الله عليه وآله [ وسلم ] ) وحقن دماء هذه الامة فإن قبلتم أصبتم رشدكم واهتديتم لحظكم وإن أبيتم إلا الفرقة وشق عصا هذه الامة لن تزدادوا من الله إلا بعدا ولن يزداد الرب عليكم إلا سخطا والسلام ( 1 ) .
فكتب إليه معاوية جواب هذا الكتاب سطرا واحدا وهو أما بعد فإنه : ليس بيني وبين قيس عتاب * غير طعن الكلى وضرب الرقاب فقال علي ( عليه السلام ) لما أتاه هذا الجواب : " إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء وهو أعلم بالمهتدين .
قال نصر : أخبرني عمر بن سعد عن الحجاج بن أرطاة عن عبدالله بن عمار بن عبد يغوث أن عليا ( عليه السلام ) قال لاهل الرقة : جسروا لي جسرا أعبر عليه من هذا المكان إلى الشام فأبوا وقد كانوا ضموا السفن إليهم .
فنهض من عندهم ليعبر على جسر منبج وخلف عليهم الاشتر فناداهم فقال : يا أهل هذا الحصن : إني أقسم بالله إن مضى أمير المؤمنين ولم تجسروا له عند مدينتكم حتى يعبر منها لاجردن فيكم السيف فلاقتلن مقاتلتكم ولاخربن أرضكم ولآخذون أموالكم .
فلقي بعضهم بعضا فقالوا : إن الاشتر يفي بما يحلف عليه وإنما خلفه علي عندنا ليأتينا بشر فبعثوا إليه إنا ناصبون لك جسرا فأقبلوا .
فأرسل الاشتر إلى علي ( عليه السلام ) فجاء ونصبوا له الجسر فعبروا

___________________________________________________________
( 1 ) وهذه الرسالة رويناها عن مصدر آخر في المختار : ( 78 ) من باب الكتب من نهج السعادة : ج 4 ص 216 ط 1 .
( * )