[451]
الصحابة وليس في الارض بدري إلا وقد بايعني وهو معي أو قد أقام ورضي
فلا يغرنكم معاوية من أنفسكم ودينكم .
قال نصر : فتراسلوا بذلك ثلاثة أشهر ربيع الآخر وجماديين وهم مع ذلك
يفزعون الفزعة فيما بينها ويزحف بعضهم إلى بعض ويحجز القراء بينهم قال
ففزعوا في ثلاثة أشهر خمسا وثلاثين فزعة يزحف بعضهم إلى بعض ويحجز
القراء بينهم .
قال نصر : وخرج أبو أمامة الباهلي وأبوالدرداء فدخلا على معاوية فقالا :
يا معاوية علام تقاتل هذا الرجل ؟ فو الله لهو أقدم منك سلما وأحق منك بهذا
الامر وأقرب من رسول الله صلى الله عليه وآله فعلام تقاتله ؟ قال :
أقاتله على دم عثمان فإنه آوى قتلته فقولوا له : فليقدنا من قتلته وأنا أول من
بايعه من أهل الشام فانطلقوا إلى علي عليه السلام فأخبروه فقال : إنما يطلب
الذين ترون فخرج عشرون ألفا وأكثر متسربلين في الحديد لا يرى منهم إلا
الحدق فقالوا : كلنا قتله فإن شاؤا فليروموا ذلك منا .
فرجع أبوأمامة وأبوالدرداء فلم يشهدا شيئا من القتال .
حتى إذا كان في رجب وخشي معاوية أن يبايع القراء عليا عليه السلام
جد في المكر وكتب في سهم : من عبدالله الناصح إني أخبركم أن معاوية يريد
أن يفجر عليكم الفرات فيغرقكم فخذوا حذركم ثم رمى السهم في عسكر
علي عليه السلام .
فوقع السهم في يد رجل فقرأه ثم أقرأ صاحبه فلما قرأه من أقبل وأدبر
قالوا : هذا أخ لنا ناصح كتب إليكم يخبركم بما أراد معاوية فلم يزل السهم
يقرأ ويرتفع حتى رفع إلى علي عليه السلام وبعث معاوية فأتى رجال من
العملة إلى عاقول من النهر بأيديهم المرور والزبل يحفرون ( 1 ) فيها بحيال عسكر
___________________________________________________________
( 1 ) عاقول النهر والوادي : ما اعوج منه .
والمرور : جمع المر - بالفتح - وهو المسحاة .
والزبل : جمع زبيل وهو الجراب والقفة .
( * )
[452]
علي عليه السلام فقال عليه السلام : ويحكم إن الذي يعالج معاوية لا يستقيم
له ولا يقوى عليه إنما يرد أن يزيلكم عن مكانكم فانتهوا عن ذلك ودعوه .
فقالوا له : هم والله يحفرون والله لنرتحلن وإن شئت فأقم فارتحلوا
وصعدوا بعسكرهم مليا وارتحل علي عليه السلام في اخريات الناس وهو
يقول :
فلو أني أطعت عصبت قومي * إلى ركن اليمامة أو شمام ( 1 )
ولكني متي أبرمت أمرا * منيت بخلف آراء الطغام
قال : فارتحل معاوية حتى نزل بمعسكر علي عليه السلام الذي كان فيه .
فدعا علي عليه السلام الاشتر فقال : ألم تغلبني على رأيي أنت والاشعث
برأيكما ؟ فقال الاشعث : أنا أكفيك يا أمير المؤمنين سأداوي ما أفسدت اليوم
من ذلك فجمع كندة فقال لهم : يا معشر كندة لا تفضحوني اليوم ولا تخزوني
فإنما أنا أقارع بكم أهل الشام فخرجوا معه رجالة يمشون وبيده رمح له يلقيه
على الارض ويقول : امشوا قيس رمحي هذا فيمشون فلم يزل يقيس لهم
الارض برمحه ويمشون معه حتى أتى معاوية وسط بني سليم واقفا على الماء وقد
جاءه أداني عسكره فاقتتلوا قتالا شديدا على الماء ساعة وانتهى أوائل أهل
العراق فنزلوا وأقبل الاشتر في جند من أهل العراق فحمل على معاوية
والاشعث يحارب في ناحية أخرى فانحاز معاوية في بني سليم فردوا وجوه إبله
قدر ثلاثة فراسخ ثم نزل ووضع أهل الشام أثقالهم والاشعث يهدر ويقول :
أرضيتك يا أمير المؤمنين ؟ وقال الاشتر : يا أمير المؤمنين قد غلب الله لك على
الماء .
___________________________________________________________
( 1 ) كذا في ط الحديث ببيروت من شرح ابن أبي الحديد ، ومثله في ط مصر من كتاب
صفين .
قالوا : و " شمام " جبل لبني الباهلة .
وفي نسخة من كتاب صفين ومثلها
في البحار : " والشام " قال المصنف في بيانه الآتي ص 17 : " الشام " على [ زنة ] فعال :
الشامي كاليمان [ بمعنى اليماني ] ( * )
[453]
قال نصر : وكان كل واحد من علي ومعاوية يخرج الرجل الشريف في
جماعة ويقاتل مثله وكانوا يكرهون أن يزاحفوا بجميع الفيلق مخافة الاستيصال
والهلاك فاقتتل الناس ذا الحجة كله فلما انقضى تداعوا إلى أن يكف بعضهم
عن بعض إلى أن ينقضي المحرم لعل الله أن يجري صلحا أو اجتماعا فكف
الناس في المحرم بعضهم عن بعض .
قال نصر : حدثنا عمر بن سعد عن أبي المجاهد ( 1 ) عن المحل بن خليفة
قال : لما توادعوا في المحرم اختلف الرسل فيما بين الرجلين رجاء الصلح فأرسل
علي عليه السلام إلى معاوية عدي بن حاتم وشبث بن ربعي ويزيد بن قيس
وزياد بن خصفة فلما دخلوا عليه حمد الله تعالى عدي بن حاتم وأثنى عليه
وقال :
أما بعد فقد أتيناك لندعوك إلى أمر يجمع الله به كلمتنا وأمتنا ويحقن دماء
المسلمين ندعوك إلى أفضل الناس سابقة وأحسنهم في الاسلام آثارا وقد
اجتمع له الناس وقد أرشدهم الله بالذي رأوا وأتوا فلم يبق أحد غيرك وغير
من معك فانته يا معاوية من قبل أن يصيبك الله وأصحابك بمثل يوم الجمل .
فقال له معاوية : كأنك إنما جئت متهددا ولم تأت مصلحا هيهات يا عدي إني
لابن حرب ما يقعقع لي بالشنان ( 2 ) أما والله إنك من المجلبين على عثمان
وإنك لمن قتلته وإني لارجو أن تكون ممن يقتله الله .
فقال له شبث بن ربعي وزياد بن خصفة وتنازعا كلاما واحدا : أتيناك فيما
يصلحنا وإياك فأقبلت تضرب لنا الامثال دع ما لا ينفع من القول والفعل
وأجبنا فيما يعمنا وإياك نفعه .
___________________________________________________________
( 1 ) قال في هامش كتاب صفين : هو سعد الطائي الكوفي وثقه وكيع وابن حبان ، وقال ابن
حجر : لا بأس به .
( 2 ) الشنان والاشنان - كسنان وأسنان - : جمع الشن - بفتح أوله - : القربة الخلق كانوا
يحركونها للابل إذا أرادوا إسراع الابل في السير كما ذكره الميداني .
( * )
[454]
وتكلم يزيد بن قيس فقال : إنا لم نأتك إلا لنبلغك الذي بعثنا به إليك
ولنؤدي عنك ما سمعنا منك ولم ندع أن ننصح لك وأن نذكر ما ظننا أن فيه
عليك حجة أو أنه راجع بك إلى الامة والجماعة إن صاحبنا من قد عرفت
وعرف المسلمون فضله ولا أظنه يخفى عليك إن أهل الدين والفضل لا
يدلونك بعلي ولا يساوون بينك وبينه فاتق الله يا معاوية ولا تخالف عليا فإنا
والله ما رأينا رجلا قط أعلم بالتقوى ولا أزهد في الدنيا ولا أجمع لخصال الخير
كلها منه .
فحمد معاوية الله وأثنى عليه وقال : أما بعد فإنكم دعوتم إلى الجماعة
والطاعة فأما التي دعوتهم إليها فنعما هي وأما الطاعة لصاحبكم فإنه لا نرضى
به ( 1 ) إن صاحبكم قتل خليفتنا وفرق جماعتنا وآوى ثأرنا وقتلتنا وصاحبكم
يزعم أنه لم يقتله فنحن لا نرد ذلك عليه أرأيتم قتلة صاحبنا ألستم تعلمون
أنهم أصحاب صاحبكم فليدفعهم إلينا فلنقتلنهم به ونحن نجيبكم إلى الطاعة
والجماعة .
فقال له شبث : أيسرك يا معاوية إن أمكنت من عمار بن ياسر فقتلته ؟
قال : وما يمنعني من ذلك والله لو أمكنني صاحبكم من ابن سمية ما أقتله
بعثمان ولكن كنت أقتله بنائل مولى عثمان ! ! فقال شبث : وإله السماء ما
عدلت معدلا ولا والذي لا إله إلا هو لا تصل إلى قتل ابن ياسر حتى تندر الهام
عن كواهل الرجال ( 2 ) وتضيق الارض الفضاء عليك برحبها فقال معاوية : إذا
كان ذلك كانت عليك أضيق .
ثم رجع القوم عن معاوية فبعث إلى زياد بن
___________________________________________________________
( 1 ) كذا في ط الكمباني من البحار ، وكتب بدل هذه الجملة في هامشه هكذا : " فإنا لا
نراها [ خ ل ] " .
أقول : وذكرها في كتاب صفين وشرح ابن أبي الحديد بمثل ما في
هامش البحار بعنوان البدلية .
( 2 ) هذا هو الظاهر المذكور في كتاب صفين ط مصر ، وفي شرح ابن أبي الحديد ، وفي ط
الكمباني من البحار : " لا يصل إليك قتل ابن ياسر ... " .
( * )
[455]
خصفة من بينهم فأدخل عليه فحمد معاوية الله وأثنى عليه ثم قال : أما بعد يا
أخا ربيعة فإن عليا قطع أرحامنا وقتل إمامنا وآوى قتلة صاحبنا وإني أسألك
النصرة عليه بأسرتك وعشيرتك ولك علي عهد الله وميثاقه إذا ظهرت أن
أوليك أي المصرين أحببت .
قال زياد فلما قضى معاوية كلامه حمدت الله وأثنيت عليه ثم قلت : أما
بعد فإني لعلى بينة من ربي وبما أنعم الله علي فلن أكون ظهيرا للمجرمين ثم
قمت .
فقال معاوية لعمرو بن العاص وكان إلى جانبه : ما لهم عضبهم الله ما
قلبهم إلا قلب رجل واحد ( 1 ) .
قال نصر : وبعث معاوية حبيب بن مسلمة الفهرى إلى علي عليه السلام
و [ بعث معه ] شرحبيل بن السمط ومعن بن يزيد فدخلوا عليه عليه السلام
فتكلم حبيب وحمد الله وأثنى عليه وقال : أما بعد فإن عثمان بن عفان كان
خليفة مهديا يعمل بكتاب الله وينيب إلى أمر الله فاستثقلتم حياته واستبطأتم
وفاته فعدوتم عليه فقتلتموه فادفع إلينا قتلة عثمان لنقتلهم به فإن قلت : إنك لم
تقتله فاعتزل أمر الناس فيكون أمرهم شورى بينهم يولي الناس أمرهم من
أجمع عليه رأيهم .
___________________________________________________________
( 1 ) كذا في شرح ابن أبي الحديد ، وفي ط مصر من كتاب صفين : " ليس يكلم رجل منا
رجلا منهم بكلمة فيجيب بخير ! ! ما لهم عضبهم الله ما في قلوبهم إلا قلب رجل
واحد " .
وفي ط الكمباني من بحار الانوار : " فقال معاوية ... ما لهم عضبهم الله ما في
قلوبهم ما قلبهم [ كذا ] إلا قلب رجل واحد " .
والعضب : القطع ، قال صاحب لسان العرب : وتدعو العرب على الرجل
فتقول : " ما له عضبه الله " يدعون عليه بقطع يده ورجله .
والحديث التالي مع كثير مما يأتي رواه الطبري بسنده عن أبي مخنف في حوادث
سنة : ( 37 ) من تاريخ الامم والملوك .
( * )
[456]
فقال له علي عليه السلام : ومن أنت لا أم لك والولاية والعزل والدخول في
هذا الامر اسكت فإنك لست هناك ولا بأهل لذاك فقام حبيب بن مسلمة
وقال : والله لتريني حيث تكره فقال له علي عليه السلام : وما أنت ولو أجلبت
بخيلك ورجلك اذهب فصوب وصعد ما بدا لك فلا أبقى الله عليك إن
أبقيت .
فقال شرحبيل بن السمط : إن كلمتك فلعمري ما كلامي لك إلا نحو
كلام صاحبي فهل عندك جواب غير الذي أجبته ؟ قال : نعم .
قال : فقله .
فحمد الله علي عليه السلام وأثنى عليه ثم قال :
أما بعد فإن الله سبحانه بعث محمدا صلى الله عليه وآله فأنقذ به من
الضلالة ونعش به من الهلكة وجمع به بعد الفرقة ثم قبضه الله إليه وقد أدى
ما عليه فاستخلف الناس أبا بكر ثم استخلف أبوبكر عمر فأحسنا السيرة
وعدلا في الامة وقد وجدنا عليهما أن توليا الامر درننا ونحن آل الرسول وأحق
بالامر فغفرنا ذلك لهما .
ثم ولي أمر الناس عثمان فعمل بأشياء عابها الناس عليه فسار إليه ناس
فقتلوه ثم أتاني الناس وأنا معتزل أمرهم فقالوا لي : بايع فأبيت عليهم فقالوا
لي : بايع فإن الامة لن ترضى إلا بك وإنا نخاف إن لم تفعل أن يفترق الناس
فبايعتهم فلم يرعني إلا شقاق رجلين قد بايعاني وخلاف معاوية إياي الذي لم
ويجعل الله له سابقة في الدين ولا سلف صدق في الاسلام طليق ابن طليق
وحزب من الاحزاب لم يزل الله ولرسوله عدوا هو وأبوه حتى دخلا في الاسلام
كارهين مكرهين فيا عجبا لكم ولانقيادكم له وتدعون آل نبيكم الذي لا
ينبغي لكم شقاقهم ولا خلافهم ولا أن تعدلوا بهم أحدا من الناس إني
أدعوكم إلى كتاب الله عزوجل وسنة نبيكم صلى الله عليه وآله وسلم وإماتة
الباطل وإحياء معالم الدين أقول قولي هذا وأستغفر الله لنا ولكل مؤمن ومؤمنة
ومسلم ومسلمة .
فقال له شرحبيل ومعن بن يزيد : أتشهد أن عثمان قتل مظلوما ؟ فقال لهما :
[457]
إني لا أقول ذلك .
قالا : فمن لا يشهد أن عثمان قتل مظلوما فنحن براء منه
ثم قاما فانصرفا .
فقال علي عليه السلام : " إنك لا تسمع الموتى ولا تسمع الصم الدعاء إذا
ولوا مدبرين وما أنت بهادي العمي عن ضلالتهم ان تسمع إلا من يؤمن
بآياتنا فهم مسلمون " [ 80 - 81 / النمل ] .
ثم أقبل على أصحابه فقال : لا يكن هؤلاء في ضلالتهم بأولى بالجد
منكم في حقكم وطاعة إمامكم .
ثم مكث الناس متوادعين إلى انسلاخ المحرم .
فلما انسلخ [ شهر المحرم ] واستقبل الناس صفرا من سنة سبع وثلاثين [ من هجرة
النبي ] بعث علي عليه السلام نفرا من أصحابه حتى إذا كانوا من عسكر معاوية
حيث يسمعونهم الصوت قام يزيد بن الحارث فنادى عند غروب الشمس يا
أهل الشام إن أمير المؤمنين عليا عليه السلام وأصحاب رسول الله صلى الله عليه
وآله يقولون لكم : إنا والله لم نكف عنكم شكا في أمركم ولا بقيا عليكم ( 1 ) : وإنما
كففنا عنكم لخروج المحرم وقد انسلخ وإنا قد نبذنا إليكم على سواء فإن الله
لا يحب الخائنين .
قال : فسار الناس إلى رؤسائهم وأمرائهم .
395 - قال نصر : وأما رواية عمرو بن شمر عن جابر عن أبي الزبير أن نداء ابن
مرثد الخثعمي كانت صورته : يا أهل الشام ألا إن أمير المؤمنين عليه السلام
يقول لكم : إني قد استأنيت بكم لتراجعوا الحق وتنيبوا إليه واحتججت عليكم
-بحار الانوار مجلد: 29 من ص 457 سطر 19 الى ص 465 سطر 18
بكتاب الله ودعوتكم إليه فلم تتناهوا عن طغيان ولم تجيبوا إلى حق فإني قد
___________________________________________________________
( 1 ) أي ابقاءا عليكم ورحمة لكم وإشقاقا بكم .
( * )
[458]
نبذت إليكم على سواء إن الله لا يحب الخائنين ( 1 ) .
قال : فسار الناس إلى رؤسائهم وخرج معاوية وعمرو بن العاص يكتبان
الكتائب ويعبئان العساكر وأوقدوا النيران وجاؤا بالشموع وبات علي عليه
السلام ليلته تلك كلها يعبي الناس ويكتب الكتائب ويدور في الناس
ويحرضهم .
قال نصر : فخرجوا أول يوم من صفر سنة سبع وثلاثين وهو يوم الاربعاء
فاقتتلوا قتالا شديدا جل النهار ثم تراجعوا وقد انتصف بعضهم من بعض ثم
خرج في اليوم الثاني هاشم بن عتبة في خيل ورجال حسن عددها وعدتها
فخرج إليه من أهل الشام أبوالاعور السلمي فاقتتلوا يومهم ذلك تحمل
الخيل على الخيل والرجال على الرجال ثم انصرفوا وقد صبر القوم بعضهم
لبعض .
وخرج في اليوم الثالث عمار بن ياسر وخرج إليه عمرو بن العاص فاقتتل
الناس كأشد قتال كان وجعل عمار يقول : يا أهل الاسلام أتريدون أن تنظروا
إلى من عادى الله ورسوله وجاهدهما وبغى على المسلمين وظاهر المشركين فلما
أراد الله أن يظهر دينه وينصر رسوله أتى إلى النبي صلى الله عليه وآله
فأسلم وهو والله فيما يرى راهب غير راغب ثم قبض الله رسوله وإنا والله
لنعرفه بعداوة المسلم ومودة المجرم ألا وإنه معاوية فقاتلوه والعنوه فإنه ممن
يطفي نور الله ويظاهر أعداء الله .
قال : وكان مع عمار زياد بن النضر على الخيل فأمره أن يحمل في الخيل
___________________________________________________________
( 1 ) وهذا وكثيرا مما قبله رواه أيضا الطبري في حوادث سنة : ( 37 ) من تاريخه : ج 4
ص 6 ط مصر ، ورواه أيضا المسعودي في مروج الذهب : ج 1 ، ص 387 .
وقد أسقط المصنف ها هنا كثيرا مما في كتاب صفين ص 203 ط مصر ، ومما في
شرح ابن أبي الحديد على المختار : ( 51 ) من شرحه : ج 1 ، ص 757 ط بيروت .
( * )
[459]
فحمل فصبروا له وشد عمار في الرجالة فأزال عمرو بن العاص عن موقفه
ورجع الناس يومهم ذلك .
396 - قال نصر : وحدثني أبوعبدالرحمن المسعودي عن يونس بن الارقم عمن
حدثه من شيوخ بكر بن وائل قال : كنا مع علي عليه السلام بصفين فرفع
عمرو بن العاص شقة خميصة سوداء في رأس رمع فقال ناس : هذا لواء عقد
له رسول الله صلى الله عليه وآله فلم يزالوا يتحدثون حتى وصل ذلك
إلى علي عليه السلام فقال : أتدرون ما هذ اللواء إن عمروا أخرج له رسول
الله صلى الله عليه وآله وسلم هذه الشقة فقال : من يأخذها بما فيها ؟ فقال
عمرو : وما فيها يا رسول الله ؟ فقال : لا تقاتل بها مسلما ولا تقربها من كافر
فأخذها فقد والله قربها من المشركين وقاتل بها اليوم المسلمين والذي فلق الحبة
وبرئ النسمة ما أسلموا ولكنهم استسلموا وأسروا الكفر فلما وجدوا عليه
أعوانا أظهروه .
بيان :
قوله عليه السلام : " عصبت قومي " يقال : عصبت الشجرة إذا ضممت
أغصانها ثم ضربتها ليسقط ورقها ، قال الحجاج : لاعصبنكم عصب السلم .
واليمامة : ناحية الحجاز واليمن .
" والشآم " على فعال الشامي كاليمان وفي
الديوان المصرع الثاني هكذا :
ولكني إذا أبرمت أمرا * تخالفني أقاويل الطغام
وقال الميداني : القعقعة : تحريك الشئ اليابس الصلب مع صوت مثل
السلاح وغيره .
والشنان جمع شن وهي القربة اليابسة وهم يحركونها إذا أرادوا
حث الابل على السير لتفزع فتسرع قال النابغة :
كأنك من جمال بني أقيس * يقعقع خلف رجليه بشن
يضرب لمن لا يتضع لما تنزل به من حوادث الدهر ولا يروعه ما لا حقيقة
له .
( * )
[460]
وقال أيضا ابن أبي الحديد كما وجدته في أصل الكتاب : كان أول أيام
الحرب بصفين في صفر من سنة سبع وثلاثين .
قال نصر بن مزاحم : كان علي عليه السلام يركب بغلة له قبل أن تلتقي
الفئتان بصفين فلما حضرت الحرب وبات تلك الليلة ( 1 ) يعبئ الكتائب حتى
أصبح قال : إئتوني بفرسي فأتي بفرس له أدهم يبحث الارض بيديه جميعا له
حمحمة وصهيل فركبه وقال : سبحان الذي سخر لنا هذا وما كنا له مقرنين ولا
حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم .
397 - قال نصر : وحدثنا عمرو بن شمر عن جابر الجعفي قال : كان علي عليه
السلام إذا سار إلى قتال ذكر اسم الله تعالى حين يركب كان يقول : الحمد لله
على نعمه علينا وفضله العظيم ، سبحان الذي سخر لنا هذا وما كنا له مقرنين
وإنا إلى ربنا لمنقلبون ثم يستقبل القبلة ويرقع يديه إلى السماء ويقول :
اللهم إليك نقلت الاقدام وأتعبت الابدان وأفضت القلوب ورفعت
الايدي وشخصت الابصار ربنا افتح بيننا وبين قومنا بالحق وأنت خير الفاتحين
ثم يقول : سيروا على بركة الله ، ثم يقول :
الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله والله أكبر يا الله يا أحد يا صمد يا رب
محمد أكفف عنا شر الظالمين .
الحمد لله رب العالمين الرحمن الرحيم مالك يوم الدين إياك نعبد وإياك
نستعين بسم الله الرحمن الرحيم ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم .
وكانت هذه الكلمات شعاره بصفين
___________________________________________________________
( 1 ) رواه نصر في أواسط الجزء ( 4 ) من كتاب صفين ص 23 .
ورواه ابن أبي الحديد عن نصر في شرح المختار : ( 65 ) من نهج البلاغة : ج 2
ص 208 ط بيروت .
( * )