[461]
398 - قال : وروى سعد بن طريف عن الاصبغ بن نباته قال : ما كان علي في
قتال قط إلا نادى يا كهيعص .
399 - قال نصر : وحدثنا قيس بن ربيع عن عبدالواحد بن حسان العجلي عمن
حدثه عن علي أنه سمعه يقول يوم صفين :
اللهم إليك رفعت الابصار وبسطت الايدي ونقلت الاقدام ودعت الالسن
وأفضت القلوب وإليك التحاكم في الاعمال فاحكم بيننا وبينهم بالحق وأنت
خير الحاكمين .
اللهم إنا نشكو إليك غيبة نبينا وكثرة عدونا وقلة عددنا وتشتت أهوائنا
وشدة الزمان وظهور الفتن فأعنا على ذلك بفتح تعجله ونصر تعز به سلطان
الحق وتظهره .
400 - وعن عمر بن سعد عن سلام بن سويد عن علي عليه السلام في قوله :
" وألزمهم كلمة التقوى " قال : هي لا إله إلا الله .
وفي قوله " الله أكبر "
قال : هي آية النصر .
قال نصر : [ هذه ] كانت شعاره يقولها في الحرب ثم يحمل فيورد والله من اتبعه ومن
حاده حياض الموت ( 1 ) .
401 - قال نصر : وحدثنا عمر بن سعد عن عبدالرحمان بن جندب عن أبيه
قال : لما كان غداة الخميس لسبع خلون من [ شهر ] صفر سنة سبع وثلاثين
صلى علي عليه السلام الغداة فغلس - ما رأيت عليا غلس بالغداة أشد من تغليسه -
يومئذ وخرج بالناس إلى أهل الشام فزحف نحوهم وكان هو يبدؤهم فيسير إليهم
فإذا رأوه قد زحف استقبلوه بزحوفهم .
402 - وعن عمر بن سعد عن مالك بن أعين عن زيد بن وهب قال : لما خرج
علي عليه السلام إليهم غداة ذلك اليوم فاستقبلوه رفع يديه إلى السماء فقال :
___________________________________________________________
( 1 ) كذا في طبع الكمباني من البحار هذا ، وفي شرح ابن أبي الحديد : " قال سلام :
[ هذه ] كالنت شعاره عليه السلام يقولها في الحرب ثم يحمل فيورد ... " .
( * )
[462]
اللهم رب هذا السقف المحفوظ المكفوف الذي جعلته مغيضا لليل والنهار
وجعلت فيه مجرى للشمس والقمر ومنازل الكواكب والنجوم وجعلت سكانه
سبطا من الملائكة لا يسأمون العبادة ورب هذه الارض التي جعلتها قرارا
للانام والهوام والانعام وما لا يحصى مما يرى ومما لا يرى من خلقك العظيم
ورب الفلك التي تجري في البحر بما ينفع الناس ورب السحاب المسخربين
السماء والارض ورب البحر المسجور والمحيط بالعالمين ورب الجبال الرواسي
التي جعلتها للارض أوتادا وللخلق متاعا إن أظهرتنا على عدونا فجنبنا البغى
وسددنا للحق وإن أظهرتهم علينا فارزقنا الشهادة واعصم بقية أصحابي من
الفتنة .
قال : فلما رأوه قد أقبل تقدموا إليه بزحوفهم
وكان على ميمنته يومئذ عبدالله بن بديل والناس على راياتهم ومراكزهم
وعلي عليه السلام في القلب في أهل المدينة جمهورهم الانصار ومعه من خزاعة
وكنانة عدد حسن .
قال نصر : ورفع معاوية قبة عظيمة وألقى عليها الكرابيس وجلس تحتها
وقد كان لهم قبل هذا اليوم ثلاثة أيام وهو اليوم الرابع من صفر .
وخرج في هذا اليوم محمد بن الحنفية في جمع من أهل العراق فخرج إليه
معاوية عبيدالله بن عمر بن الخطاب في جمع من أهل الشام فاقتتلوا فطلب
عبيدالله محمدا إلى المبارزة فلما خرج إليه دعاه علي عليه السلام وخرج بنفسه
راجلا بيده سيفه وقال : أنا أبارزك فهلم .
فقال عبيد الله لا حاجة بي إلى
مبارزتك فرجع إلى صفه .
قال نصر : وأما اليوم الخامس فإنه خرج عبدالله بن العباس فخرج إليه
الوليد بن عقبة وأكثر من سب بني عبدالمطلب فأرسل إليه ابن عباس ابرز إلي
فأبى أن يفعل وقاتل ابن عباس ذلك اليوم قتالا شديدا ثم انصرفوا وكل غير
غالب .
[463]
وخرج ذلك اليوم شمر بن أبرهة بن الصباح الحميري ( 1 ) فلحق بعلي
عليه السلام في ناس من قراء أهل الشام ففت ذلك في عضد معاوية
وعمرو بن العاص .
وقال عمرو : يا معاوية إنك تريد أن تقاتل بأهل الشام رجلا له من محمد
صلى الله عليه وآله قرابة قريبة ورحم ماسة وقدم في الاسلام ليس لاحد مثله
قد سار إليك بأصحاب محمد المعدودين وفرسانهم وأشرافهم ومهما نسيت فلا
تنس أنك على باطل وعليا على الحق فبادر الامر قبل اضطرابه عليك فقام
معاوية في أهل الشام خطيبا وحثهم على القتال .
فخطب علي عليه السلام أصحابه - قال أبوسنان الاسلمي ( 2 ) كأني
أنظر إليه متكئا على قوسه وقد جمع أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله
وسلم وهو يلونه كأنه أحب أن يعلم الناس أن الصحابة متوافرون معه - فقال :
أيها الناس اسمعوا مقالتي وعوا كلامي فإن الخيلاء من التجبر وإن النخوة
من التكبر وإن الشيطان عدو حاضر يعدكم الباطل .
ألا إن المسلم أخو المسلم فلا تنابذوا ولا تجادلوا .
___________________________________________________________
( 1 ) هذا هو الظاهر المذكور في كتاب صفين ص 222 .
وفي طبع الكمباني من البحار :
" سمرة بن أبرهة " .
( 2 ) هذا هو الصواب المذكور في أواسط الجزء الرابع من كتاب صفين ص 223 ، ورواه
عنه ابن أبي الحديد في شرحه على المختار : ( 65 ) من نهج البلاغة : ج 2 ص 212
ط الحديث ببيروت : وللحديث مصادر أخر ذكرناه في ذيل المختار : ( 200 ) من نهج
السعادة ، ج 2 ص 173 .
وفي ط الكمباني من البحار : " قال ابن سنان الاسلمي " وقد حذف المصنف ها
هنا السند ، ومطالب كما هو عادته في أكثر ما يرويه عن كتاب صفين وشرح ابن أبي
الحديد .
( * )
[464]
ألا إن شرايع الدين واحدة وسبله قاصدة من أخذ بها لحق ومن فارقها
محق ومن تركها مرق .
ليس المسلم بالخائن إذا ائتمن ولا بالمخلف إذا وعد ولا الكاذب إذا
نطق .
نحن أهل بيت الرحمة وقولنا الصدق وفعلنا القصد ومنا خاتم النبيين
وفينا قادة الاسلام وفينا حملة الكتاب ألا إنا ندعوكم إلى الله وإلى رسوله وإلى
جهاد عدوه والشدة في أمره وابتغاء مرضاته وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وحج
البيت وصيام شهر رمضان وتوفير الفئ على أهله .
ألا وإن من أعجب العجائب أن معاوية بن أبي سفيان الاموي وعمرو بن
العاص السهمي أصبحا يحرضان على طلب الدين بزعمهما ولقد علمتم أني لم
أخالف رسول الله صلى الله عليه وآله قط ، ولم أعصيه في أمر قط ، أقيه
بنفسي في المواطن التي تنكص فيها الابطال وترعد فيها الفرائض نجدة أكرمني
الله سبحانه بها وله الحمد .
ولقد قبض رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وإن رأسه لفي حجري
ولقد وليت غسله بيدي وحدي تقلبه الملائكة المقربون معي وأيم الله ما
اختلفت أمة قط بعد نبيها إلا ظهر أهل باطلها على أهل حقها إلا ما شاء
الله .
قال : فقال أبوسنان الاسدي فسمعت عمار بن ياسر يقول : أما أمير
المؤمنين فقد أعلمكم أن الامة لم تستقم عليه [ أولا ] وأنها لن تستقيم عليه
[ آخرا ] ثم تفرق الناس وقد نفذت بصائرهم .
403 - وعن زيد بن وهب أن عليا عليه السلام قال في هذه الليلة : حتى متى لا
نناهض القوم بأجمعنا فقام في الناس عيشة الثلاثاء بعد العصر فقال :
الحمد لله الذي لا يبرم ما نقض ولا ينقض ما أبرم ولو شاء ما اختلف
[465]
إثنان من هذه الامة ولا من خلقه ولا تنازع البشر في شئ من أمره ولا جحد
المفضول ذا الفضل فضله وقد ساقتنا وهؤلاء القوم الاقدار حتى لفت بيننا في
هذا الموضع ونحن من ربنا بمرأى ومسمع ولو شاء لعجل النقمة ولكان منه
التغيير حتى يكذب الله الظالم ويعلم الحق أين مصيره ولكنه جعل الدنيا دار
الاعمال وجعل الآخرة دار الجزاء والقرار * ( ليجزي الذين أساؤا بما عملوا
ويجزي الذين أحسنوا بالحسنى ) * [ 31 / النجم ] ألا إنكم لاقوا العدو غدا
إنشاء الله فأطيلوا الليلة القيام وأكثروا تلاوة القرآن واسألوا الله الصبر والنصر
والقوهم بالجد والحزم وكونوا صادقين .
قال : فوثب الناس إلى رماحهم وسيوفهم ونبالهم ليصلحونها وخرج عليه
السلام وعبئ الناس ليلته تلك كلها حتى أصبح وعقد الالوية وأمر الامراء
وبعث إلى أهل الشام مناديا ينادي فيهم : اغدوا على مصافكم .
فضج أهل الشام في معسكرهم واجتمعوا إلى معاوية فعبئ خيله وعقد
ألويته وأمر أمراءه وكتب كتائبه وكان أهل الشام أكثر من أهل العراق
بالضعف ونصب لمعاوية منبر فقعد إليه في قبة ضربها عظيمة ألقى عليها
الثياب والدرانك ( 1 ) .
ثم تناهض القوم يوم الاربعاء سادس صفر واقتتلوا إلى آخر نهارهم
وانصرفوا عند المساء وكل غير غالب .
___________________________________________________________
( 1 ) كذا في أصلي ، وهو جمع الدرنوك والدرنيك - كزنبور ودردير - : نوع من البسط أو
-بحار الانوار مجلد: 29 من ص 465 سطر 19 الى ص 473 سطر 18
الثياب له خمل .
وصحفت هذه اللفظة في طبع الحديث ببيروت من شرح ابن أبي
الحديد : ج 2 ص 213 ب " الارائك " .
ثم إن ما يأتي بعد الحديث التالي وهو المختار : ( 65 ) من نهج البلاغة موجود في
شرح ابن أبي الحديد : ج 2 ص 216 ، ولكنه سقط عن طبعة إيران وطبعة مصر من
كتاب صفين .
وللخطبة مصادر كثيرة يجدها الباحث في ذيل المختار : ( 215 ) من نهج
السعادة : ج 2 ص 235 ط 1 .
( * )
[466]
فأما اليوم السابع فكان القتال فيه شديدا والخطب عظيما وكان عبدالله بن
بديل الخزاعي على ميمنة العراق فزحف نحو حبيب بن مسلمة وهو على
مسيرة أهل الشام حتى اضطرهم إلى قبة معاوية وقت الظهر .
404 - قال نصر : وحدثنا عمر بن سعد عن عبدالرحمن بن أبي عمرو عن أبيه
أن عليا عليه السلام خطب هذا اليوم فقال : معاشر المسلمين استشعروا
الخشية .
إلى آخر ما سيأتي بطوله .
وبالاسناد أن عليا خطب ذلك اليوم فقال : أيها الناس إن الله تعالى ذكره
قد دلكم على تجارة تنجيكم من عذاب أليم إيمان بالله ورسوله وجهاد في
سبيله ( 1 )
إلى آخر ما سيأتي برواية المفيد رحمه الله ثم قام قيس بن سعد وخطب
خطبة بليغة حث الناس فيها على الجهاد .
ثم قام الاشتر رضي الله عنه بمثل ذلك وكذا يزيد بن قيس الارحبي
وغيرهم ( 2 ) .
405 - وروي عن عمرو بن شمر عن جابر عن أبي جعفر عليه السلام وزيد بن
الحسن قالا : طلب معاوية إلى عمرو بن العاص أن يسوي صفوف أهل الشام
فقال لهم عمرو : يا معشر أهل الشام سووا صفوفكم قص الشارب وأعيرونا
جماجمكم ساعة فإنه قد بلغ الحق مقطعه فلم يبق إلا ظالم أو مظلوم .
___________________________________________________________
( 1 ) وقد رواه الطبري بسند آخر بمغايرة في بعض الالفاظ في حوادث سنة : ( 37 ) من
تاريخ الامم والملوك : ج 2 ص 17 ، ط الحديث ، وفي ط : ج 1 ص 3291 ، وفي ط :
ج 4 ص 12 .
( 2 ) وخطبهم حرفية مذكورة في كتاب صفين وشرح ابن أبي الحديد ، وتاريخ الطبري .
( * )
[467]
وأقبل أبوالهيثم بن التيهان وكان من أصحاب محمد صلى الله عليه وآله
بدريا عقيبا يسوي صفوف أهل العراق وهو يقول : يا معشر أهل العراق إنه
ليس بينكم وبين الفتح العاجل أو الجنة في الآجل إلا ساعة من النهار فارسوا
أقدامكم وسووا صفوفكم وأعيروا ربكم جماجمكم واستعينوا بالله ربكم
واصبروا إن الارض لله يورثها من عباده والعاقبة للمتقين .
406 - وروى عن عمرو بن شمر ، عن جابر عن الشعبي أن أول فارسين التقيا في هذا
اليوم - وهو اليوم السابع وكان من الايام العظيمة - حجر بن عدي من أصحاب
علي عليه السلام وابن عم حجر من أصحاب معاوية كلاهما من كندة فاطعنا
برمحيهما وخرج خزيمة الاسدي من عسكر معاوية فضرب حجر بن عدي ضربة
برمحه فحمل أصحاب علي عليه السلام معاوية فقتلوا خزيمة ونجا ابن عم حجر
فخرج رفاعة الحميري من صف العراق وقتل قرن ابن عدي ( 1 ) .
ثم إن عليا ( ع ) دعا أصحابه إلى أن يذهب واحد منهم بمصحف كان في يده
إلى أهل الشام فقال : من يذهب إليهم فيدعوهم إلى ما في المصحف
فسكت الناس وأقبل فتى اسمه سعيد فقال : أنا صاحبه .
وقال ثانيا ولم يجب إلا
الفتى فقبضه بيده ثم أتاهم فناشدهم ودعاهم إلى ما فيه فقتلوه .
فقال أمير المؤمنين عليه السلام لعبد الله بن بديل : احمل عليهم الآن
فحمل عليهم بمن معه من أهل الميمنة وعليه يومئذ سيفان ودرعان فجعل
يضرب بسيفه قدما ويرتجز فلم يزل يحمل حتى انتهى إلى معاوية والذين بايعوه
___________________________________________________________
( 1 ) وهذا نقل بالمعنى لا يوافق لفظه لفظ كتاب صفين ولا شرح ابن أبي الحديد ، وفيه :
فحمل أصحاب علي عليه السلام فقتلوا خزيمة الاسدي ، ونجا حجر الشر هاربا
فالتحق بصف معاوية .
ثم برز حجر الشر ثانية فبرز إليه الحكم بن أزهر من أهل
العراق فقتله حجر الشر ، فخرج إليه رفاعة بن ظالم الحميري من صف العراق فقتله
وعاد إلى أصحابه [ وهو ] يقول : الحمد لله الذي قتل حجر الشر بالحكم بن أزهر .
( * )
[468]
على الموت فأمرهم أن يصمدوا لابن بديل وبعث إلى حبيب بن مسلمة الفهري
وهو في الميسرة أن يحمل عليه بجمع من أصحابه واختلط الناس واصطدم
الصفان ميمنة أهل العراق وميسرة أهل الشام وأقبل ابن بديل يضرب الناس
بسيفه قدما حتى أزال معاوية عن موقفه وتراجع معاوية عن مكانه القهقرى
كثيرا وأشفق على نفسه وأرسل إلى حبيب بن مسلمة مرة ثانية وثالثة يستنجده
ويستصرخه ويحمل حبيب حملة شديدة بميسرة معاوية على ميمنة العراق
فكشفها حتى لم يبق مع ابن بديل إلا نحو مائة إنسان من القراء فاستند
بعضهم إلى بعض يحمون أنفسهم ولحج ابن بديل في الناس وصمم على قتل
معاوية وجعل يطلب موقفه حتى انتهى إليه فنادى معاوية في الناس ويلكم
الصخرة والحجارة إذا عجزتم عن السلاح أثخنوه .
فرضخه الناس بالحجارة
حتى أثخنوه فسقط فأقبلوا عليه بسيوفهم فقتلوه .
وجاء معاوية وعبدالله بن عامر حتى وقفا عليه فألقى عبدالله عمامته على
وجهه وترحم عليه وكان له أخا وصديقا من قبل فقال معاوية : اكشف عن
وجهه فقال : لا والله لا يمثل به وفي روح فقال له معاوية : قد وهبنا لك
فكشف عن وجهه فقال معاوية هذا كبير القوم ورب الكعبة اللهم ظفرني
بالاشتر النخعي والاشعث الكندي قال : فاستعلا أهل الشام عند قتل ابن
بديل على أهل العراق يومئذ وانكشف أهل العراق من قبل الميمنة وأجفلوا
أجفالا شديدا .
فأمر علي عليه السلام سهل بن حنيف فاستقدم ممن كان معه ليريد الميمنة
بعقدها ( 1 ) فاستقبلهم جموع أهل الشام في خيل عظيمة فحملت عليهم
___________________________________________________________
( 1 ) كذا في الكمباني من البحار ، وفي ط بيروت من شرح ابن أبي الحديد : " فأمر
علي عليه السلام سهل بن حنيف فاستقدم من كان معه ليرفد الميمنة ويعضدها
فاستقبلهم جموع أهل الشام في خيل عظيمة " .
وفي تاريخ الطبري : فأمر علي سهل بن حنيف فاستقدم فيمن كان معه من أهل
المدينة فاستقبلتهم جموع لاهل الشام عظيمة ...
وفي كتاب صفين : " فأمر علي سهل بن حنيف فاستقدم فيمن كان مع علي من أهل
المدينة ... " .
( * )
[469]
فألحقتهم بالميمنة وكانت ميمنة أهل العراق متصلة بموقف علي عليه السلام في
القلب في أهل اليمن فلما انكشفوا انتهت الهزيمة إلى علي عليه السلام فانصرف
يمشي نحو الميسرة فانكشفت عنه مضر من الميسرة فلم يبق مع علي عليه
السلام من أهل العراق إلا ربيعة وحدها في الميسرة .
407 - وروى عن زيد بن وهب قال : لقد مر علي يومئذ ومعه نبوه نحو الميسرة
ومعه ربيعة وحدها وإني لارى النبل يمر من بين عاتقه ومنكبه وما من بنيه إلا
يقيه بنفسه فيكره علي ذلك فيتقدم عليه ويحول بينه وبين أهل الشام ويأخذ
بيده إذا فعل ذلك فليقيه من ورائه .
وبصر به أحمر مولى بني أمية وكان شجاعا فقال : علي ورب الكعبة قتلني
الله إن لم أقتلك فأقبل نحوه فخرج إليه كيسان مولى علي عليه السلام فاختلفا
ضربتين فقتله أحمر وخالط عليا عليه السلام ليضربه بالسيف فمد [ علي ] يده
إلى جيب درعه فجذبه عن فرسه وحمله على عاتقه والله لكأني أنظر إلى رجلي
أحمر يختلفان على عنق علي ثم ضرب به الارض فكسر منكبيه وعضديه .
وشد ابناء علي حسين ومحمد فضرباه بأسيافهما حتى برد فكأني أنظر إلى
علي عليه السلام قائما وشبلاه يضربان الرجل حتى إذا أتيا عليه أقبلا على
أبيهما .
ثم إن أهل الشام دنوا عنه يريدونه والله ما يزيده قربهم منه ودنوهم
سرعة في مشيه فقال له الحسن : ما ضرك لو أسرعت حتى تنتهي إلى الذين
صبروا بعدك من أصحابك قال يعني ربيعة الميسرة فقال علي عليه السلام يا
بنى إن لابيك يوما لا يبطئ به عنه السعي ولا يقربه إليه الوقوف إن أباك لا
يبالي وقع على الموت أو وقع الموت عليه ( 1 ) .
___________________________________________________________
( 1 ) ورواه أيضا الطبري بسنده عن أبي مخنف في حوادث سنة : ( 37 ) من تاريخ الامم
والملوك : ج 1 ، ص 3293 وفى ط : ج 4 ص 13 ، وفى ط : ج 5 ص 19 .
( * )
[470]
408 - قال نصر : وروى عمرو بن شمر عن جابر عن أبى إسحاق قال : خرج
علي عليه السلام يوما من أيام صفين وفى يده عنزة فمر على سعيد بن قيس
الهمداني فقال له سعيد : أما تخشى يا أمير المؤمنين أن يغتالك أحد وأنت قرب
عدوك ؟ .
فقال علي عليه السلام : إنه ليس من أحد إلا وعليه من الله حفظة يحفظونه
من أن يتردى في قليب أو يخرب عليه حايط أو تصيبه آفة فإذا جاء القدر خلوا
بينه وبينه ( 1 ) .
409 - وعن عمرو عن فضيل بن خديج عن مولى الاشتر ( 2 ) قال : لما انهزمت
ميمنة العراق يومئذ أقبل علي نحو الميسرة يركض ليستثيب الناس ويستوقفهم ( 3 )
ويأمرهم بالرجوع نحو الفزع فمر بالاشتر فقال : يا مالك قال : لبيك يا أمير
المؤمنين قال : إئت هؤلاء القوم فقل لهم : أين فراركم عن الموت الذي لن
تعجزوه إلى الحياة التي لا تبقى لكم ؟ .
فمضى الاشتر فاستقبل الناس منهزمين فقال لهم الكلمات فناداهم أيها
الناس أنا مالك بن الحارث فلم يلتفت أحد منهم إليه فقال : أيها الناس أنا
الاشتر فأقبلت إليه طائفة وذهبت عنه طائفة فقال : عضضتهم بهن أبيكم وما
أقبح ما قاتلتم اليوم أيها الناس غضوا الابصار وعضوا على النواجذ فاستقبلوا
الناس بهامكم وشدوا عليهم شدة قوم موتورين بآبائهم وأبنائهم وإخوانهم
حنقا على عدوهم قد وطنوا على الموت أنفسهم كيلا يسبقوا بثار إن هؤلاء
القوم والله لن يقاتلوكم إلا عن دينكم ليطفئوا السنة ويحيوا البدعة ويدخلوكم
___________________________________________________________
( 1 ) وقد رويناه عن مصدر آخر ، بسندين آخرين في المختار : ( 201 ) من كتاب نهج
السعادة : ج 2 ص 174 ، ط 1 .
( 2 ) كذا في الاصل المطبوع ، ومثله في كتاب صفين وتاريخ الطبري ، ولا يوجد في
ط بيروت من شرح ابن أبي الحديد قول : " عن مولى الاشتر " .
( 3 ) هذا هو الصواب الموافق لما في ط مصر من كتاب صفين وشرح ابن أبي الحديد ، وفي
أصلي المطبوع ها هنا تصحيف .
ويستثيب الناس : يسترجعهم .
( * )