[221]


الباب الثامن عشر : باب ماجرى بينه عليه السلام وبين عمرو بن العاص لعنه الله وبعض أحواله 

509 - ج : قال عليه السلام في عمرو جوابا عما قال فيه : عجبا لابن النابغة يزعم لاهل الشام أن في دعابة وأني امرؤ تلعابة أعارس [ أعافس ( خ ) ] وأمارس لقد قال باطلا ونطق آثما أما وشر القول الكذب إنه يقول فيكذب ويعد فيخلف ويسأل فيلحف ويسأل فيبحل ويخون العهد ويقطع الال فإذا كان عند الحرب فأي زاجر وآمر هو مالم تأخذ السيوف مآخذها فإذا كان ذلك كان أكبر مكيدته أن يمنح القوم سبته .
أم والله إني ليمنعني من اللعب ذكر الموت وإنه ليمنعه عن قول الحق نسيان الآخرة إنه لم يبايع معاوية حتى شرط له أن يؤتيه أتية ويرضخ على ترك الدين له رضيخة .
510 - نهج : ومن كلام له عليه السلام في ذكر عمرو بن العاص : عجبا لابن النابغة .
وذكر نحوه .

________________________________________________________
509 - رواه الطبرسي رحمه الله قبل عنوان : ( وكتب محمد بن أبي بكر إلى معاوية احتجاجا عليه ) من كتاب الاحتجاج : ج 1 ، ص 182 .
510 - رواه السيد الرضي رفع الله مقامه في المختار : ( 82 ) من كتاب نهج البلاغة .

[222]


بيان : نبغ الشئ : ظهر .
قال بعض الشارحين : سميت أم عمرو النابغة لشهرتها بالفجور وتظاهرها به وسيأتي وصف نسبه لعنه الله .
وزعم - كنصر - زعما مثلثة أي قال حقا أو باطلا وأكثر مايستعمل في الباطل و مايشك فيه .
والدعابة - بالضم - : المزاح ، والمراد هنا الدعابة الخارجة عن الاعتدال .
وروي أنه كان يقول لاهل الشام : إنما أخرنا عليا لان فيه هزلا لاجد معه وتبع في ذلك أثر عمر .
.
حيث قال يوم الشورى لما أراد صرف الامر عنه عليه السلام : لله أنت لولا أن فيك دعابة .
ورجل تلعابة بالكسر أي كثير اللعب .
والمعافسة : والعفاس بالكسر : الملاعبة .
وفي بعض نسخ [ كتاب ] الاحتجاج : ( أعاوس ) مكان ( أعافس ) ولعله من ( أعرس الرجل ) إذا دخل بامرأته عند بنائها ، وقد يطلق على الجماع .
والممارسة : المزاولة ، قال [ ابن الاثير ] في [ مادة : ( مرس ) من كتاب ] النهاية و [ قد ] يطلق على الملاعبة و منه حديث علي : ( زعم أنني كنت أعافس وأمارس ) أي ألاعب النساء .
و ( ألحف ) أي ألح .
و ( إل ) بالكسر : العهد والقرابة والحلف والجار .
ذكره الفيروزآبادي [ في مادة ( إل ) من كتاب القوموس ] .
والمراد بقطع ( الال ) هنا قطع الرحم أو تضييع الحليف والجار .
و ( المآخذ ) على لفظ الجمع وفي بعض النسخ على المفرد .
وكلمة ( كان ) الاولى تامة والاشارة إلى أخذ السيوف مآخذها وهو التحام الحرب ومخالطة السيوف ( وأكبر ) بالباء الموحدة وهو أظهر مما في بعض النسخ من المثلثة .
والمكيدة : المكر والحيلة .
و ( يمنح ) - كيمنع - أي يعطي .
و ( السبة ) الاست ، أي العجز أو حلقة الدبر .
والمراد بإعطاء القوم سبته ماذكره أرباب السير ويضرب به المثل من كشفه سوأته شاغرا برجليه لما لقيه أميرالمؤمنين عليه السلام في بعض أيام صفين وقد اختلطت الصفوف واشتعل نار الحرب فحمل عليه السلام عليه فألقى نفسه عن فرسه رافعا رجليه كاشفا عورته فانصرف عنه لافتا وجهه وفي ذلك قال أبوفراس : ولاخير في دفع الاذى بمذلة * كما ردها يوما بسوأته عمرو والاتية : العطية .
والرضخ : العطاء القليل .
والمراد بالاتية والرضيخة ولاية مصر

[223]


ولعل التعبير عنها بالرضيخة لقلتها بالنسبة إلى ترك الدين .
511 - ما : المفيد عن محمد بن عمران عن الحسن بن علي عن أحمد بن سعيد عن الزبير بن بكار عن علي بن محمد قال : كان عمرو بن العاص يقول : إن في علي دعابة فبلغ ذلك أميرالمؤمنين عليه السلام فقال : زعم ابن النابغة أني تلعابة مزاحة ذو دعابة أعافس وأمارس .
هيهات يمنع من العفاس والمراس ذكر الموت وخوف البعث والحساب ومن كان له قلب ففي هذا عن هذا له واعظ وزاجر .
أما وشر القول الكذب إنه ليحدث فيكذب ويعد فيخلف فإذا كان يوم البأس فأي زاجر وآمر هو ( 1 ) ما لم يأخذ السيوف هام الرجال كان ذلك فأعظم مكيدته في نفسه أن يمنح القوم أسته .
512 - كتاب الغارات لابراهيم بن محمد الثقفي قال : بلغ عليا عليه السلام أن ابن العاص ينتقصه عند أهل الشام فصعد المنبر فحمدالله وأثنى عليه ثم قال : يا عجبا - عجبا لاينقضي - لابن النابغة يزعم لاهل الشام إلى آخر الكلام وجمع بين الروايتين .

________________________________________________________
511 - رواه الشيخ الطوسي رفع الله مقامه في الحديث : ( 21 ) من الجزء الخامس من أماليه ص 131 ، ط بيروت .
وليلاحظ الحديث : ( 36 ) من أمالي الشيخ المفيد ص 82 .
( 1 ) هذا هو الظاهر المذكور في المطبوع من أمالي الشيخ ، وفي ط الكمباني من البحار : ( فأي زاجر وأين هو ؟ .
) .
512 - الحديث مذكور تحت الرقم : ( 188 ) من المطبوع من منتخب كتاب الغارات : ج 1 ، ص 513 ط 1 .
وللحديث صور مختلفة وأسانيد ومصادر كثيرة جدا على وسع الباحث أن يقف على بعضها تحت الرقم : ( 98 ) من ترجمة أميرالمؤمنين عليه السلام من كتاب أنساب الاشراف : ج 2 ص 127 ، ط 1 ، وفي المخطوطة : ج 1 / الورق 225 .
وذكره أيضا عن مصادر وغلى صور العلامة الاميني في ترجمة عمرو بن العاص من كتاب الغدير : ج 2 ص 128 ، ط بيروت .

[224]


513 - كتاب سليم بن قيس الهلالي عن أبان بن أبي عياش عن سليم قال : إن عمرو بن العاص خطب بالشام فقال : بعنني رسول الله صلى الله عليه وآله على جيش فيه أبوبكر وعمر فظننت أنه إنما بعنني لكرامتي عليه فلما قدمت قلت : يا رسول الله أي الناس أحب إليك ؟ فقال : عائشة .
فقلت : من الرجال ؟ قال : أبوها .
أيها الناس وهذا علي يطعن على أبي بكر وعمر وعثمان وقد سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول : إن الله ضرب بالحق على لسان عمر وقلبه وقال في عثمان : إن الملائكة لتستحيي من عثمان .
وقد سمعت عليا وإلا فصمتا يعني أذنيه يروى على عهد عمر أن نبي الله نظر إلى أبي بكر وعمر مقبلين فقال : يا علي هذان سيدا كهول أهل الجنة من الاولين والآخرين ما خلا النبيين منهم والمرسلين ولاتحدثهما بذلك فيهلكا .
فقام علي عليه السلام فقال : العجب : لطغاة أهل الشام حيث يقبلون قول عمرو ويصدقونه وقد بلغ من حديثه وكذبه وقلة ورعه أن يكذب على رسو الله صلى الله عليه وآله وقد لعنه سبعين لعنة ولعن صاحبه الذي يدعو إليه في غير موطن وذلك أنه هجا رسول الله صلى الله عليه وآله بقصيدة سبعين بيتا فقال رسول الله صلى الله عليه وآله : اللهم إني لا أقول الشعر ولا أحله فالعنه أنت وملائكتك بكل بيت لعنة تترى على عقبه إلى يوم القيامة .
ثم ؟ مامات إبراهيم بن رسول الله صلى الله عليه وآله قام فقال : إن محمدا قد صار أبتر لاعقب له وإني لاشنأ الناس له وأقولهم فيه سوء فأنزل الله * ( إن شانئك هو الابتر ) * يعني أبتر من الايمان [ و ] من كل خير .
ما لقيت من هذه الامة من كذابيها ومنافقيها لكأنى بالقراء الضعفة المتهجدين رووا حديثه وصدقوه فيه واحتجوا علينا أهل البيت بكذبه أنا نقول : خير هذه الامة أبوبكر وعمر ولو شئت لسميت الثالث ! .
والله ما أراد بقوله في عائشة وأبيها إلا رضا معاوية بسخط الله عزوجل ولقد استرضاه بسخط الله .

________________________________________________________
513 - كتاب سليم بن قيس الهلالي ص 172 ط بيروت .

[225]


وأما حديثه الذي يزعم أنه سمعه مني فلا والذي فلق الحبة وبرأ النسمة [ إنه ] ليعلم أنه قد كذب علي يقينا وأن الله لم يسمعه مني سرا ولاجهرا .
اللهم العن عمروا والعن معاوية بصدهما عن سبيلك وكذبهما على كتابك واستخفافهما بنبيك صلى الله عليه وآله وكذبهما عليه وعلي .
514 - أقول : قال ابن ميثم رحمه الله : كتب أميرالمؤمنين عليه السلام إلى عمرو بن العاص من عبدالله علي أميرالمؤمنين إلى الابتر ابن الابتر عمرو بن العاص شانئ محمد وآل محمد في الجاهلية والاسلام ، سلام على من اتبع الهدى .
أما بعد فإنك تركت مروتك لامرئ فاسق مهتوك ستره يشين الكريم بمجلسه ويسفه الحليم بخلطته ، فصار قلبك لقلبه تبعا كما وافق شن طبقة فسلبك دينك وأمانتك ودنياك وآخرتك وكان علم الله بالغا فيك فصرت كاذئب يتبع الضرغام إذا ما الليل دجا أو الصبح أنى ( 1 ) يلتمس فاضل سؤره وحوايا فريسته ولكن لانجاة من القدر ولو بالحق أخذت لادركت ما رجوت وقد رشد من كان الحق قائده .
فإن يمكن الله منك ومن ابن آكلة الاكباد ألحقكما بمن قتله الله من ظلمة قريش على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وإن تعجزا أو تبقيا بعدي فالله حسبكما وكفى بانتقامه انتقاما وبعقابه عقابا والسلام .
وروى ابن أبي الحديد مثله عن نصر بن مزاحم من كتاب صفين .
515 - ج نهج ومن كتاب له عليه السلام إلى عمرو بن العاص :
.
-بحار الانوار مجلد: 30 من ص 225 سطر 19 الى ص 233 سطر 18

________________________________________________________
514 - رواه كمال الدين ابن ميثم البحراني رحمه الله في شرحه على المختار : ( 39 ) من الباب الثاني من نهج البلاغة : ج 5 ص 85 ط بيروت ، وفي ط 3 ج 5 ص 58 .
ورواه أيضا ابن أبي الحديد - نقلا عن كتاب صفين - في شرحه على المختار ( 39 ) من الباب الثاني من نهج البلاغة : ج 16 ، ص 163 ، وفي ط الحديث ببيروت : ج 4 ص 791 .
( 1 ) هذا هو الظاهر من السياق والمستفاد قطعيا مما يأتي في بيان المصنف ، وفي ط الكمباني من البحار هنا : ( أو الصبح إذا يلتمس .
.
) وهذا السياق أحسن مما في أصلي من شرح ابن أبي الحديد : ( أو أتى الصبح .
.
) .

[226]


فإنك جعلت دينك تبعا لدينا امرئ ظاهر غيه مهتوك ستره يشين الكريم بمجلسه ويسفه الحليم بخلطته فاتبعت أثره وطلبت فضله اتباع الكلب للضرغام يلوذ إلى مخالبه وينتظر ما يلقى إليه من فضل فر ؟ سته فأذهبت دنياك وآخرتك ولو بالحق أخذت أدركت ما طلبت فإن يمكن الله منك ومن ابن أبي سفيان أجزكما بما قدمتما وإن تعجزا وتبقيا فما أمامكما شر لكما والسلام .
بيان : إلى الابتر إشارة إلى قوله تعالى * ( إن شانئك هو الابتر ) * فإنه نزل فيه .
قال ابن أبي الحديد : أما غي معاوية فلا ريب في ظهور ضلاله وبغيه .
وأما مهتوك ستره فإنه كان كثير الهزل والخلاعة صاحب جلساء وسمار ومعاوية لم يتوقر ولم يلزم قانون الرياسة إلا منذ خرج على أميرالمؤمنين واحتاج إلى الناموس والسكينة وإلا فقد كان في أيام عثمان شديد التهتك موسوما بكل قبيح وكان في أيام عمر يستر نفسه قليلا منه إلا أنه كان يلبس الحرير ويشرب في آنية الذهب والفضة ويركب البغلات ذوات السروج المحلاة بها وعليها جلال الديباج والوشي وكان حينئذ شابا عنده نزق الصبا وأشر الشبيبة وسكر السلطان والامرة ونقل الناس عنه في كتب السيرة أنه كان يشرب الخمر في أيام عثمان بالشام فأما بعد وفاة أميرالمؤمنين عليه السلام واستقرار الامر له فقد اختلف فيه فقيل إنه شرب الخمر في سر وقيل : لم يشرب ولا خلاف في أنه سمع الغناء وطرب عليه وأعطى ووصل عليه أيضا .
وأما قوله ( يشين الكريم بمجلسه ويسفه الحليم بخلطته ) فالامر كذلك لانه لم يكن في مجلسه إلا شتم بني هاشم وقذفهم والتعرض بذكر الاسلام والطعن عليه وإن أظهر الانتماء إليه .

________________________________________________________
515 - رواه الطبرسي رحمه الله في آخر عنوان : ( احتجاج علي عليه السلام على معاوية في جواب كتاب كتب إليه .
.
) من كتاب الاحتجاج : ج 1 ، ص 182 ، ط بيروت .
ورواه السيد الرضي قدس الله نفسه في المختار : ( 39 ) من باب كتب أمير المؤمنين عليه السلام من كتاب نهج البلاغة .

[227]


قوله عليه السلام ( كما وافق شن طبقة ) قال في مجمع الامثال قال الشرقي بن القطامي : كان رجل من دهاة العرب وعقلائهم يقال له شن فقال : والله لاطوفن حتى أجد امرأة مثلي فأتزوجها فبينما هو في بعض مسيره إذا رافقه رجل في الطريق فسأله شن : أين تريد ؟ فقال : موضع كذا وكذا .
يريد القرية التي يقصدها شن فرافقه حتى إذا أخذا في مسيرهما قال شن : أتحملني أم أحملك ؟ فقال له الرجل : يا جاهل أنا راكب وأنت راكب فكيف أحملك أم تحملني .
فسكت عنه شن فسارا حتى إذا قربا من القرية إذا هما بزرع قد استحصد فقال : أترى هذا الزرع أكل أم لا ؟ فقال له الرجل : يا جاهل ترى نبتا مستحصدا فتقول أكل أم لا ، فسكت عنه شن حتى إذا دخلا القرية لقيتهما جنازة فقال شن : أترى صاحب هذا النعش حيا أم ميتا ؟ فقال الرجل : ما رأيت أجهل منك جنازة تسأل عنها أميت صاحبها أم حي فسكت عنه شن فأراد مفارقته فأبى الرجل أن يتركه حتى يسير به إلى منزله فمضى معه .
وكان للرجل بنت يقال لها طبقة فلما دخل عليها أبوها سألته عن ضيفه فأخبرها بمرافقته إياه وشكى إليها جهله وحدثها بحديثه فقالت : يا أبت ما هذا بجاهل .
أما قوله ( أتحملني أم أحملك ) فأراد : أتحدثني أم أحدثك حتى نقطع طريقنا .
وأما قوله ( أترى هذا الزرع أكل أم لا ) فإنما أراد : هل باعه أهله فأكلوا ثمنه أم لا ؟ وأما قوله في الجنازة فأراد : هل ترك عقبا يحيي بهم ذكره أم لا .
فخرج الرجل فقعد مع شن فحادثه ساعة ثم قال : أتحب أن أفسر لك ما سألتني عنه ؟ قال : نعم .
ففسره ، فقال شن : ما هذا من كلامك فأخبرني من صاحبه ؟ فقال : ابنة لي .
فخطبها إليه ، فزوجه وحملها إلى أهله فلما رأوها قالوا : وافق شن طبقة .
فذهبت مثلا يضرب للمتوافقين .
وقال الاصمعي : هم قوم كان لهم وعاء أدم فتشنن فجعلوا له طبقا فوافقه

[228]


فقيل : وافق شن طبقة .
وهكذا رواه أبوعبيدة في كتابه وفسره .
وقال ابن الكلبي : طبقة قبيلة من أياد كانت لاتطاق فوقعت بها شن ابن أقصى بن عبدالقيس فانتصفت منها وأصابت فيها فضربتا مثلا للمتفقين في الشدة وغيرها .
قال الشاعر : لقيت شن أياد بالقنا * طبقا وافق شن طبقة فزاد المتأخرون فيه : وافقه فاعتنقه .
انتهى .
وقال الجوهري : أنى يأني أنيا [ وإنى وأناء ] أي حان وأنى [ تأنية ] أيضا : أدرك .
وفي بعض النسخ بالتاء .
والحوايا : الامعاء [ وهو ] جمع حوية .
قوله عليه السلام ( أدركت ) أي من الدنيا بقدر كفايتك أو من الآخرة .
قوله عليه السلام ( فإن يمكن الله ) المفعول محذوف أي يمكنني قوله عليه السلام ( وإن تعجزا ) أي غلبتما علي .
فالمفعول محذوف أيضا .
ولنذكر هنا نسب هذا الابتر لعنه الله وصاحبه الاكفر وبعض مثالبه ومثالب أبيه .
اعلم أن العاص بن وائل أباه كان من المستهزئين برسول الله صلى الله عليه وآله والكاشفين له بالعداوة والاذى وفيه وفي أصحابه نزول * ( إنا كفيناك المستهزئين ) * [ 95 / الحجر : 15 ] ولقب في الاسلام بالابتر لقوله ( سيموت هذا الابتر غدا فينقطع ذكره ) يعني رسول الله صلى الله عليه وآله وكان يشتم رسول الله صلى الله عليه وآله ويضع في طريقه الحجارة ليعثر بها إذا خرج ليلا للطواف وهو أحد القوم الذين روعوا زينب ابنة رسول الله صلى الله عليه وآله في هودجها حتى أجهضت جنينا ميتا فلما بلغه صلى الله عليه وآله لعنهم .

[229]


وعمرو هجا رسول الله صلى الله عليه وآله هجاء كثيرا وكان يعلمه صبيان مكة فينشدونه ويصيحون برسول الله صلى الله عليه وآله إذا مر بهم رافعين أصواتهم بالهجاء في وجهه فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وهو يصلي بالحجر : اللهم إن عمرو بن العاص هجاني ولست بشاعر فالعنه بعدد ما هجاني .
رواه عبدالحميد ابن أبي الحديد عن الواقدي وغيره من أهل الحديث .
( 1 ) 516 - قال : وروى أهل الحديث أن النضر بن الحارث وعقبة بن أبي معيط وعمرو بن العاص عمدوا إلى سلى جمل ( 2 ) فرفعوه بينهم ووضعوه على رأس رسول الله صلى الله عليه وآله وهو ساجد بفناء الكعبة فسال عليه فصبر ولم يرفع رأسه وبكى في سجوده ودعا عليهم فجاءت إبنته فاطمة عليها السلام وهي باكية فرفعته عنه فألقته وقامت على رأسه [ وهي ] باكية فرفع رأسه وقال : اللهم عليك بقريش قالها ثلاثا ثم قال رافعا صوته : إني مظلوم فإنتصر قالها ثلاثا ثم قام فدخل منزله وذلك بعد وفاة عمه أبي طالب بشهرين .
قال : ولشدة عداوة [ عمرو بن العاص لرسول الله صلى الله عليه وآله ] أرسله أهل مكة إلى النجاشي ليطرد أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله عن بلاده مهاجرة حبشة وليقتل جعفر بن أبي طالب عنده إن أمكنه فكان منه في أمر جعفر هناك ما هو مشهور في السير .
وقال ابن أبي الحديد : ذكر المزمخشري في كتاب ربيع الابرار قال : كانت النابغة أم عمرو بن العاص أمه لرجل من عنزة فسبيت فاشتراها عبدالله بن جذعان التيمي بمكة فكانت بغيا ثم أعتقها فوقع عليها أبولهب بن عبد

________________________________________________________
( 1 ) رواه مع ما يليه في شرحه على المختار : ( 82 ) من نهج البلاغة .
ج 2 ص 456 ط الحديث ببيروت .
( 2 ) السلى على زنة بلى : غلاف الولد في بطن أمه .

[230]


المطلب وأمية بن خلف الجمحي وهشام بن المغيرة المخزومي وأبوسفيان بن حرب والعاص بن وائل السهمي في طهر واحد فولدت عمرا فادعاه كلهم فحكمت أمه فيه فقالت : هو من العاص بن وائل وذلك لان العاص بن وائل كان ينفق عليها كثيرا .
قالوا : وكان أشبه بأبي سفيان .
قال : وروى أبوعبيدة معمر بن المثنى في كتاب الانساب أن عمرا اختصم فيه يوم ولادته رجلان ، أبوسفيان بن حرب والعاص بن وائل .
فقيل : لتحكم أمه .
فقالت أمه : إنه من العاص بن وائل .
فقال أبوسفيان : أما إني لا أشك أني وضعته في رحم أمه فأبت إلا العاص .
فقيل لها : أبوسفيان أشرف نسبا .
فقالت : إن العاص بن وائل كثير النفقة علي وأبوسفيان شحيح .
ففي ذلك يقول حسان بن ثابت لعمرو بن العاص حيث هجاه مكافئا له عن هجاء رسول الله صلى الله عليه وآله : أبوك أبوسفيان لاشك قد بدت * لنا فيك منه بينات الدلائل ففاخر به إما فخرت فلا تكن * تفاخر بالعاص الهجين بن وائل وإن التي في ذاك يا عمرو حكمت * فقالت رجاء عند ذاك لنائل من العاص عمرو تخبر الناس كلما * تجمعت الاقوام عند المحافل وروى ابن عبدالبر في الاستيعاب ( 1 ) عن ابن الكلبي في كتابه في أخبار صفين أن بسر بن أرطاة بارز عليا عليه السلام يوم صفين فطعنه علي عليه السلام فانكشف له فكف عنه كما عرض له مثل ذلك مع عمرو بن العاص .
قال : ولهم فيها أشعار مذكورة في موضعها من ذلك الكتاب .
منها فيما ذكر ابن الكلبي والمدائني قول الحارث بن النضر السهمي :

________________________________________________________
أفي كل يوم فارس ليس ينتهي * وعورته وسط العجاجة بادية يكف لها عنه على سنانه * ويضحك منه في الخلاء معاوية
________________________________________________________
( 1 ) الحديث موجود في آخر ترجمة بسر بن أرطاة من كتاب الاستيعاب بهامش الاصابة : ج 1 ، ص 161 .
وفي شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ، ج 6 ، ص 316 ، وفيه : الخيل المغيرة صبحة .