[261]


حقك من غير دين كان منك ولا من آبائك ولا سابقة لك في الاسلام بعد أن كفرتم برسول الله صلى الله عليه وآله فأتعس الله منكم الجدود وأصعر منكم الخدود ورد الحق إلى أهله ولو كره المشركون وكانت كلمتنا هي العليا ونبينا هو المنصور فوليتم علينا بعد فأصبحتم تحتجون على سائر الناس بقرابتكم من رسول الله صلى الله عليه وآله ونحن أقرب إليه منكم وأولى بهذا منكم وكنا فيكم بمنزلة بني إسرائيل في آل فرعون وكان علي بعد نبينا محمد صلى الله عليه وآله بمنزلة هارون من موسى فغايتنا الجنة وغايتكم النار .
بيان : أتعسه : أهلكه .
والجدود : جمع الجد وهو البخت .
534 - أقول : وجدت في كتاب سليم بن قيس الهلالي عن أبان بن أبي عياش عنه أنه قال : دعا معاوية قراء أهل الشام وقضاتهم فأعطاهم الاموال وبثهم في نواحي الشام ومدائنها يروون الروايات الكاذبة ويضعون لهم الاصول الباطلة ويخبرونهم بأن عليا قتل عثمان ويتبرأ من أبي بكر وعمر وأن معاوية يطلب بدم عثمان ومعه أبان بن عثمان وولد عثمان حتى استمالوا أهل الشام واجتمعت كلمتهم ولم يزل معاوية على ذلك عشرين سنة ذلك عمله في جميع أعماله حتى قدم عليه طغاة أهل الشام وأعوان الباطل المنتزلون له بالطعام والشراب يعطيهم الاموال ويقطعهم القطائع حتى نشأ عليه الصغير وهرم عليه الكبير وهاجر عليه الاعرابي وترك أهل الشام لعن الشيطان وقالوا لعن علي وقاتل عثمان فاستقر على ذلك جهلة الامة وأتباع أئمة الضلالة والدعاة إلى النار فحسبنا الله ونعم الوكيل ولو شاء الله لجمعهم على الهدى ولكن الله يفعل ما يشاء .
أبان عن سليم قال : كان لزياد بن سمية كاتب يتشيع وكان لي صديقا فأقرأني كتابا كتبه معاوية إلى زياد جواب كتابه إليه : أما بعد فإنك كتبت إلي تسألني عن العرب من أكرم منهم ومن أهين ومن

________________________________________________________
534 - الحديث موجود في كتاب سليم بن قيس ص 173 ص 173 ، ط بيروت .

[262]


أقرب ومن أبعد ومن آمن منهم ومن أحذر .
وفي رواية أخرى : ومن أومن منهم ومن أخيف وأنا يا أخي أعلم الناس بالعرب أنظر إلى هذا الحي من اليمن فأكرمهم في العلانية وأهنهم في السر فإني كذلك أصنع بهم أكرمهم في مجالسهم وأهينهم في الخلاء إنهم أسوء الناس عندي حالا ويكون فضلك وعطاؤك لغيرهم سرا منهم .
وانظر إلى ربيعة بن نزار فأكرم أمراءهم وأهن عامتهم فإن عامتهم تبع لاشرافهم وساداتهم وانظر إلى مضر فاضرب بعضها ببعض فإن فيهم غلظة وكبرا ونخوة شديدة فإنك إذا فعلت ذلك وضربت بعضهم ببعض كفاك بعضم بعضا ولاترض بالقول منهم دون الفعل ولا بالظن دون اليقين .
وانظر إلى الموالي ومن أسلم من الاعاجم فخذهم بسنة عمر بن الخطاب فإن في ذلك خزيهم وذلهم أن ينكح العرب فيهم ولا ينكحونهم وأن يرثوهم العرب ولايرثوا العرب وأن تقصر بهم في عطائهم وأرزاقهم وأن يقدموا في المغازي يصلحون الطريق ويقطعون الشجر ولا يؤم أحد منهم العرب في صلاة ولا يتقدم أحد منهم في الصف الاول إذا أحضرت العرب إلا أن يتم الصف ولا تول أحدا منهم ثغرا من ثغور المسلمين ولا مصرا من أمصارهم ولا يلي أحد منهم قضاء المسلمين ولا أحكامهم فإن هذه سنة عمر فيهم وسيرته جزاه عن أمة محمد وعن بني أمية خاصة أفضل الجزاء .
فلعمري لولا ماصع هو وصاحبه وقوتهما وصلابتهما في دين الله لكنا وجميع هذه االامة لبني هاشم الموالي ولتوارثوا الخلافة واحدا بعد واحد كما يتوارث أهل كسرى وقيصر ولكن الله عزوجل أخرجها من بني هاشم وصيرها إلى بني تيم بن مرة ثم خرجت إلى عدي بن كعب وليس في قريش حيان أذل منهما ولا أنذل فاطمعنا فيها وكنا أحق بها منهما ومن عقبهما لان فينا الثروة والعز ونحن أقرب إلى رسول الله صلى الله عليه وآله في الرحم منهما .
ثم نالها صاحبنا عثمان بشورى ورضا من العامة بعد شورى ثلاثة أيام من الستة ونالها من نالها قبله بغير شورى .

[263]


فلما قتل صاحبنا عثمان مظلوما نلناها به لان من قتل مظلوما فقد جعل الله لوليه سلطانا .
ولعمري يا أخي لو كان عمر سن دية العبد نصف دية المولى لكان أقرب إلى التقوى ولو وجدت السبيل إلى ذلك ورجوت أن تقبله العامة لفعلت ولكني قريب عهد بحرب فأتخوف فرقة الناس واختلافهم علي وبحسبك ما سنه عمر فيهم وهو خزي لهم وذل .
وفي رواية أخرى : يا أخي لو أن عمر سن دية الموالي على النصف من دية العربي فذلك أقرب للتقوى لما كان للعرب فضل على العجم ( 1 ) فإذا جاءك كتابي هذا فأذل العجم وأهنهم وأقصهم ولا تستعن بأحد منهم ولا تقض لهم حاجة فوالله إنك لابن أبي سفيان خرجت من صلبه وقد كنت حدثتني وأنت يا أخي عندي صدوق أنك قرأت كتاب عمر إلى الاشعري بالبصرة وكنت يومئذ كاتبه وهو عامل بالبصرة وأنت أنذل الناس عنده وأنت يومئذ ذليل النفس تحسب أنك مولى لثقيف ولو كنت تعلم يومئذ يقينا كيقينك اليوم أنك ابن أبي سفيان لاعظمت نفسك وأنفت أن تكون كاتبا لدعي الاشعريين وأنت تعلم ونحن [ نعلم ] يقينا أن أبا سفيان كان يحذو حذو أمية بن عبد شمس .
وحدثني ابن أبي المعيط أنك أخبرته أنك قرأت كتاب عمر إلى أبي موسى الاشعري وبعث إليه بحبل طوله خمسة أشبار وقال له : أعرض من قبلك من أهل البصرة فمن وجدت من الموالي ومن أسلم من الاعاجم قد بلغ خمسة أشبار فقدمه فاضرب عنقه فشاورك أبوموسى في ذلك فنهته وأمرته أن يراجع فراجعه وذهبت أنت بالكتاب إلى عمر وإ ؟ ؟ صنعت ما صنعت تعصبا للموالي وأنت يومئذ تحسب أنك ابن عبد ثقيف فلم ت ؟ ل تلتمس حتى رددته عن رأيه وخوفته فرقة الناس فرجع وقلت له يومئذ وقد عاديت أهل هذا البيت : أخاف أن يثوروا إلى علي فينهض بهم فيزيل ملكك فكف عن ذلك وما أعلم يا أخي

________________________________________________________
( 1 ) وفي نسخة من الكتاب : ( لما كان تفضل العرب على العجم [ ظ ] ) .

[264]


ولد مولود من أبي سفيان أعظم شؤما عليهم منك حين رددت عمر عن رأيه ونهيته عنه .
وخبرني أن الذي صرفت به عن رأيه في قتلهم أنك قلت : أنك سمعت علي بن أبي طالب عليه السلام يقول : لتضربنكم الاعاجم على هذا الدين عودا كما ضربتموهم عليه بدءا .
وقال : ليملان الله أيديكم من الاعاجم وليصيرن أسدا لايفرون فليضربن أعناقكم وليغلبنكم على فيئكم .
فقال لك وقد سمع ذلك من علي يرويه عن رسول الله صلى الله عليه وآله : فذلك الذي دعاني إلى الكتاب إلى صاحبك في قتلهم وقد كنت عزمت على أن أكتب إلى عمالي في ساير الامصار .
فقلت لعمر : لاتفعل يا أميرالمؤمنين فإني لست آمن أن يدعوهم علي عليه السلام إلى نصرته وهم كثير وقد علمت شجاعة علي وأهل بيته وعداوته لك ولصاحبك فرددته عن ذلك فأخبرتني أنك لم ترده عن ذلك إلا عصبية وأنك لم ترجع عن رأيه جبنا وحدثتني أنك ذكرت ذلك لعلي في إمارة عثمان فأخبرك أن أصحاب الرايات السود .
وفي رواية أخرى : وخبرتني أنك سمعت عليا في إمارة عثمان يقول : إن أصحاب الرايات السود التي تقبل من خراسان هم الاعاجم وأنهم الذين يغلبون بني أمية على ملكهم ويقتلونهم تحت كل كوكب .
فلو كنت يا أخي لم ترد عمر عن ذلك لجرت سنة ولاستأصلهم الله وقطع .
أصلهم وإذا لانتست به الخلفاء بعده ( 1 ) حتى لايبقى منهم شعر ولا ظفر ولا نافخ نار فإنهم آفة الدين فما أكثر ما قد سن عمر في هذه الامة بخلاف سنة رسول الله صلى الله عليه وآله فتابعه الناس عليها وأخذوا بها فتكون هذه مثل واحدة منهن فمنهن تحويله المقام عن الموضع الذي وضعه فيه رسول الله صلى

________________________________________________________
( 1 ) لانتست به الخلفاء : اقتدت به وجعلوه أسوة .

[265]


الله عليه وآله وصاع رسول الله صلى الله عليه وآله ومده حين غيره وزاد فيه ونهيه الجنب عن التيمم وأشياء كثيرة شتى أكثر من ألف باب أعظمها وأحبها إلينا وأقرها لاعيننا زيله الخلافة عن بني هاشم وعن أهلها ومعدنها لانها لا تصلح إلا لهم ولا تصلح الارض إلا بهم فإذا قرأت كتابي هذا فاكتم ما فيه ومزقه .
قال : فلما قرأ زياد الكتاب ضرب به الارض ثم أقبل إلي فقال : ويلى مما خرجت وفيما دخلت كنت من شيعة آل محمد فدخلت في شيعة آل الشيطان وحزبه وفي شيعته من يكتب مثل هذا الكتاب إنما والله مثلي كمثل إبليس أبى أن يسجد لآدم كبرا وكفرا وحسدا .
قال سليم : فلم أمس حتى نسخت كتابه فلما كان الليل دعا بالكتاب فمزقه وقال : لايطلعن أحد من الناس على ما في هذا الكتاب ولم يعلم إني نسخته .
ووجدت أيضا في الكتاب المذكور برواية أبان عن سليم أنه قال : حدثنى عبدالله بن جعفر بن أبي طالب قال : كنت عند معاوية ومعنا الحسن والحسين صلوات الله عليهما وعنده عبدالله بن عباس فالتفت إلي معاوية فقال : يا عبدالله ما أشد تعظيمك للحسن والحسين وما هما بخير منك ولا أبوهما خير من أبيك ولولا أن فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وآله لقلت ما أمك أسماء بنت عميس بدونها .

.
-بحار الانوار مجلد: 30 من ص 265 سطر 19 الى ص 273 سطر 18 فقلت : والله إنك لقليل العلم بهما وبأبيهما وأمهما بل والله لهما خير مني وأبوهما خير من أبي وأمهما خير من أمي يا معاوية إنك لغافل عما سمعته أنا من رسول الله صلى الله عليه وآله يقول فيهما وفي أبيهما وأمهما [ مما ] قد حفظنه ووعبته ورويته .
قال : هات يا ابن جعفر فوالله ما أنت بكذاب ولا متهم فقلت : إنه أعظم مما في نفسك ! قال : وإن كان أعظم من أحد وحراء جميعا فلست أبالي

[266]


إذا قتل الله صاحبك وفرق جمعكم وصار الامر في أهله فحدثنا فما نبالي ما قلتم ولا يضرنا ما عددتم .
قلت : سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسئل عن هذه الآية : * ( وما جعلنا الرؤيا التي أريناك إلا فتنة للناس والشجرة الملعونة في القرآن ) * [ 60 / الاسراء : 17 ] فقال : إني رأيت إثني عشر رجلا من أئمة الضلال يصعدون منبري وينزلون يردون أمتي على أدبارهم القهقرى فيهم رجلين من حيين من قريش مختلفين وثلاثة من بني أمية وسبعة من ولدالحكم بن أبي العاص [ وسمعته يقول إن بني أبي العاص ] إذا بلغوا خمسة عشر رجلا جعلوا كتاب الله دخلا وعبادالله خولا .
يا معاوية إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول على المنبر وأنا بين يديه وعمرو بن أبي سلمة وأسامة بن زيد وسعد بن أبي وقاص وسلمان الفارسي وأبوذر الغفاري والمقداد والزبير بن العوام وهو يقول : ألست أولى بالمؤمنين من أنفسهم ؟ فقلنا : بلى يا رسول الله قال : من كنت مولاه فهذا مولاه أولى به من نفسه وضرب بيده على منكب علي عليه السلام : اللهم وال من والاه وعاد من عاداه .
أيها الناس أنا أولى بالمؤمنين من أنفسهم ليس لهم معي أمر وعلي من بعدي أولى بالمؤمنين من أنفسهم ليس لهم معه أمر ثم ابني الحسن أولى بالمؤمنين من أنفسهم ليس لهم معه أمر .
ثم أعاد فقال : يا أيها الناس إذا أنا استشهدت فعلي أولى بكم من أنفسكم فإذا استشهد علي فابني الحسن أولى بالمؤمنين منهم بأنفسهم وإذا استشهد الحسن فابني الحسن فابني الحسين أولى بالمؤمنين منهم بأنفسهم فإذا استشهد الحسين فابني علي بن الحسين أولى بالمؤمنين منهم بأنفسهم ليس لهم معه أمر .
ثم أقبل إلى علي فقال : يا علي أنك ستدركه فاقرأ مني السلام فإذا استشهد فابني محمد أولى بالمؤمنين منهم بأنفسهم وستدركه أنت يا حسين فاقرأ مني السلام ثم يكون في عقب محمد رجال واحد بعد واحد وليس منهم أحد إلا وهو أولى بالمؤمنين منهم بأنفسهم ليس لهم معه أمر كلهم هادون

[267]


مهتدون .
فقام علي بن أبي طالب عليه السلام وهو يبكي فقال : بأبي أنت وأمي يا رسول الله أتقتل ؟ قال : نعم أهلك شهيدا بالسم وتقتل أنت بالسيف وتخضب لحيتك من دم رأسك ويقتل ابني الحسن ويقتل ابني الحسين بالسيف يقتله طاغ بن طاغ دعي ابن دعي .
فقال معاوية : يا ابن جعفر لقد تكلمت بعظيم ولئن كان ما تقول حقا لقد هلكت أمة محمد من المهاجرين والانصار غيركم أهل البيت وأوليائكم وأنصاركم فقلت : والله إن الذي قلت بحق سمعته من رسول الله صلى الله عليه آله .
قال معاوية : يا حسن ويا حسين ويا ابن عباس ما يقول ابن جعفر ؟ فقال ابن عباس : إن كنت لاتؤمن بالذي قال فارسل إلى الذين سماهم فاسألهم عن ذلك .
فأرسل معاوية إلى عمرو بن أبي سلمة وإلى أسامة بن زيد فسألهما فشهدا أن الذي قال ابن جعفر قد سمعناه من رسول الله صلى الله عليه وآله كما سمعه .
فقال معاوية : يا ابن جعفر قد سمعنا في الحسن والحسين وأبيهما فما سمعت في أمهما ؟ ومعاوية كالمستهزئ والمنكر فقلت : سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول : ليس في جنة عدن منزل أشرف ولا أفضل ولا أقرب إلى عرش ربي من منزلي ومعي ثلاثة عشر من أهل بيتي أولهم أخي علي وإبنتي فاطمة وابناي الحسن والحسين وتسعة من ولد الحسين الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا هداة مهتدون أنا المبلغ عن الله وهم المبلغون عني وهم حجج الله على خلقه وشهداؤه في أرضه وخزانه على علمه ومعادن حكمه من أطاعهم أطاع الله ومن عصاهم فقد عصى الله لاتبقى الارض طرفة عين إلا ببقائهم ولا تصلح إلا بهم يخبرون الامة بأمر دينهم حلالهم وحرامهم يدلونهم على رضى ربهم وينهونهم عن سخط بأمر واحد ونهي واحد ليس

[268]


فيهم اختلاف ولا فرقة ولا تنازع يأخذ آخرهم عن أولهم إملائي وخط أخي علي بيده يتوارثونه إلى يوم القيامة أهل الارض كلهم في غمرة وغفلة وتيهة وحيرة غيرهم وغير شيعتهم وأوليائهم لايحتاجون إلى أحد من الامة في شئ من أمر دينهم والامة تحتاج إليهم هم الذين عنى الله في كتابه وقرن طاعتهم بطاعته وطاعة رسول الله صلى الله عليه وآله فقال : * ( أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الامر منكم ) * [ 99 / النساء ] : فأقبل معاوية على الحسن والحسين وابن عباس والفضل بن عباس وعمرو بن أبي سلمة وأسامة بن زيد فقال : كلكم على ما قال ابن جعفر ؟ قالوا : نعم .
قال : يا بني عبدالمطلب إنكم لتدعون أمرا عظيما وتحتجون بحجج قوية إن كانت حقا وإنكم لتضمرون على أمر تسرونه والناس عنه في غفلة عمياء وإن كان ماتقولون حقا لقد هلكت الامة وارتدت عن دينها وتركت عهد نبيها صلى الله عليه وآله غيركم أهل البيت ومن قال بقولكم فأولئك في الناس قليل فقلت : يا معاوية إن الله تبارك وتعالى يقول : * ( وقليل من عبادي الشكور ) * [ 13 / السبا ] ويقول : * ( وما أكثر الناس ولو حرصت بمؤمنين ) * [ 103 / يوسف : 12 ] ويقول : * ( إلا الذين آمنوا عملوا الصالحات وقليل ما هم ) * [ 24 / ص ] ويقول لنوح : * ( وما آمن معه إلا قليل ) * [ 40 / هود 11 ] يا معاوية المؤمنون في الناس قليل .
فقال ابن عباس يا معاوية إن الله تبارك وتعالى يقول في كتابه : * ( وقليل ما هم ) * [ 24 / ص : 38 ] ويقول لنوح : * ( وما آمن معه إلا قليل ) * ويقول : * ( وما أكثر الناس ولو حرصت بمؤمنين ) * يا معاوية المؤمنون في الناس قليل وإن أمر بني إسرائيل أعجب حيث قالت السحرة لفرعون : * ( اقض ما انت قاض إنما تقضي هذه الحياة الدنيا إنا آمنا بربنا ) * [ 72 / طه ] فآمنوا بموسى وصدقوه وتابعوه فسار بهم وبمن تبعه من بني إسرائيل فأقطعهم البحر وأراهم الاعاجيب وهم مصدقون به وبالتوراة مقرون له بدينه فمر بهم على قوم * ( يعبدون أصناما لهم فقالوا : يا موسى اجعل لنا إلها كما لهم آلهة ) * ثم اتخذوا العجل فعكفوا عليه جميعا غير هارون وأهل بيته وقال لهم السامري * ( هذا إلهكم وإله موسى ) * وقال لهم بعد ذلك * ( ادخلوا الارض المقدسة التى

[269]


كتب الله ) * [ 1 / المائدة ] فكان من جوابهم ما قص الله في كتابه : * ( إن فيها قوما جبارين وإنا لن ندخلها حتى يحرجوا منها فإن يحرجوا منها فإنا داخلون ) * [ 22 / المائدة : 5 ] قال موسى ( رب إني لا أملك إلا نفسي وأخي فافرق بيننا وبين القوم الفاسقين ) .
فاحتذت هذه الامة ذلك المثال سواء وقد كانت هم فضائل وسوابق مع رسول الله صلى الله عليه وآله ومنازل بينة قريبة منه مقرين بدين محمد والقرآن حتى فارقهم نبيهم صلى الله عليه وآله فاختلفوا وتفرقوا ونحاسدوا وخالفوا إمامهم ووليهم حتى لم يبق منهم على ما عاهدوا عليه نبيهم غير صاحبنا الذي هو من نبينا بمنزلة هارون من موسى ونفر قليل اتقوا الله عزوجل على دينهم وإيمانهم ورجع الآخرون القهقرى على أدبارهم كما فعل أصحاب موسى عليه السلام بإتخاذهم العجل وعبادتهم إياه وزعمهم أنه ربهم وإجماعهم عليه غير هارون وولده ونفر قليلمن أهل بيته ونبينا صلى الله عليه وآله قد نصب لامته أفضل الناس وأولاهم وخيرهم ثم الائمة واحدا بعد واحد بغدير خم وفي غير موطن واحتج عليهم به وأمر بطاعتهم وأخبرهم أن أولهم علي بن أبي طالب منه بمنزلة هارون من موسى وأنه ولي كل مؤمن من بعده وأنه من كان هو وليه ومن أولى به من نفسه فعلي أولى به وأنه خليفته فيهم ووصيه وأن من أطاعه أطاع الله ومن عصاه عصى الله ومن والاه والى الله ومن عاداه عادى الله فأنكروه وجعلوه وتولوا غيره .
يا معاوية أما علمت أن رسول الله حين بعث إلى مؤتة أمر عليهم جعفر بن أبي طالب عليه السلام ثم قال : إن هلك جعفر فزيد بن حارثة فإن هلك زيد فعبد الله بن رواحة ولم يرض لهم أن يختاروا لانفسهم أفكان يترك أمته ولابين لهم خليفته فيهم بعده بلى والله ما تركهم في عمى ولا شبهة بل ركب القوم ما ركبوا بعد نبيهم وكذبوا على رسول الله صلى الله عليه وآله فهلكوا وهلك من شايعهم وضل من تابعهم فبعدا للقوم الظالمين .
فقال معاوية : يا ابن عباس إنك لتتقوه بعظيم والاجتماع عندنا خير من

[270]


الاختلاف وقد علمت أن الامة لم تستقم على صاحبك .
فقال ابن عباس : إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول : ما اختلفت أمة بعد نبيها إلا ظهر أهل باطلها على أهل حقها وان هذه الامة اجتمعت على أمور كثيرة ليس بينها اختلاف ولا منازعة ولا فرقة شهادة لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله صلى الله عليه وآله والصلوات الخمس وصوم شهر رمضان وحج البيت وأشياء كثيرة من طاعة الله ونهى الله مثل تحريم الزنا والسرقة وقطع الارحام والكذب والخيانة واختلفت في شيئين أحدهما اقتتلت عليه وتفرقت فيه وصارت فرقا يلعن بعضها بعضا ويبرأ بعضها من بعض [ والثاني لم تقتتل عليه ولم تتفرق فيه ووسع بعضهم فيه لبعض وهو كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وآله وما يحدث زعمت أنه ليس في كتاب الله ولاسنة نبيه صلى الله عليه وآله وأما الذي اختلفت فيه وتفرقت وتبرأت بعضها من بعض ] فالملك والخلافة زعمت أنها أحق بها من أهل بيت نبي الله صلى الله عليه وآله فمن أخذ بما ليس بين أهل القبلة اختلاف ورد علم ما اختلفوا فيه إلى الله سلم ونجا من النار ولم يسأله الله عما أشكل عليه من الخصلتين اللتين اختلف فيهما ومن وفقه الله ومن عليه ونور قلبه وعرفه ولاة الامر ومعدن العلم أين هو فعرف ذلك كان سعيدا ولله وليا وكان نبي الله صلى الله عليه وآله يقول : رحم الله عبدا قال حقا فغنم أو سكت فلم يتكلم .
فالائمة من أهل بيت النبوة ومعدن الرسالة ومنزل الكتاب ومهبط الوحي ومختلف الملائكة لا تصلح إلا فيها لان الله خصها بها وجعلها أهلها في كتابه وعلى لسان نبيه صلى الله عليه وآله فالعلم فيهم وهم أهله وهو عندهم كله بحذافيره باطنه وظاهره ومحكمه ومتشابهه وناسخه ومنسوخه .
يا معاوية إن عمر بن الخطاب أرسلني في إمرته إلى علي بن أبي طالب عليه السلام إني أريد أن أكتب القرآن في مصحف فابعث إلينا ما كتبت من القرآن فقال : تضرب والله عنقي قبل أن تصل إليه .
قلت : ولم ؟ قال : إن الله يقول : * ( لايمسه إلا المطهرون ) * يعني لايناله كله إلا المطهرون إيانا نحن عنى الذين أذهب الله عنا الرجس وطهرنا تطهيرا وقال : * ( وأورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا ) * [ 32 / فاطر ] فنحن الذين اصطفانا الله من عباده ونحن صفوة الله ولنا ضرب الامثال وعلينا نزل الوحي .