[271]


فغضب عمر وقال : إن ابن أبي طالب يحسب أنه ليس عند أحد علم غيره فمن كان يقرأ من القرآن شيئا فليأتنا به فكان إذا جاء رجل بقرآن يقرءه ومعه آخر كتبه وإلا لم يكتبه .
فمن قال يا معاوية : انه ضاع من القرآن شئ فقد كذب هو عند أهله مجموع .
ثم أمر عمر قضاته وولاته فقال : اجتهدوا آراءكم واتبعوا ما ترون أنه الحق فلم يزل هو وبعض ولاته قد وقعوا في عظيمة فكان علي بن أبي طالب عليه السلام يخبرهم بما يحتج به عليهم وكان عماله وقضاته يحكمون في شئ واحد بقضايا مختلفة فيجيزها لهم لان الله لم يؤته الحكمة وفصل الخطاب وزعم كل صنف من أهل القبلة أنهم معدن العلم والخلافة دونهم فبالله نستعين على من جحدهم حقهم وسن للناس ما يحتج به مثلك عليهم ثم قاموا فخرجوا .
بيان : قوله عليه السلام : واختلف في شيئين كذا في أصل الكتاب وفي [ كتاب ] الاحتجاج ( واختلفوا في سنن اقتتلوا فيها وصاروا فرقا يلعن بعضها بعضا وهي الولاية .
فأما على ما في الاصل فالشئ الآخر إما القرآن كما ذكره بعد أو البراءة من خلفاء الجور ولعنهم وتركه للمصلحة والتقية .
وقوله : ( فمن أخذ ) المراد بهم المستضعفون فإنهم إذا أخذوا بالمجمع عليه من ولاية الائمة ومحبتهم ولم يتبرؤا من أعداءهم لاختلاف الامة فيه ولم يقولوا بإمامة الائمة لذلك ولم يكن لهم قوة في العلم والعقل يمكنهم معرفة ذلك كان يحتمل نجاتهم في الآخرة .
ويؤيده أنه روى في الاحتجاج في سياق هذه الرواية من كلام الحسن عليه السلام وروى هذه الكلمات أيضا عنه عليه السلام أنه قال : إنما الناس ثلاثة مؤمن يعرف حقنا ويسلم لنا ويأتم بنا فذلك ناج محب لله ولي .
وناصب لنا العداوة يتبرأ منا ويلعننا ويستحل دماءنا ويجحد حقنا ويدين

[272]


الله بالبراءة منا فهذاكافر مشرك فاسق وإنما كفر وأشرك من حيث لايعلم كما سبوا الله بغير علم كذلك كثيرا يشرك بالله بغير علم .
ورجل أخذ بما لم يختلف فيه ورد علم ما أشكل عليه إلى الله مع ولايتنا ولا يأتم بنا ولا يعادينا ويعرف حقنا فنحن نرجو أن يغفرالله له ويدخله الجنة فهذا مسلم ضعيف انتهى .
وقد أوردت الخبر برواية الاحتجاج في موضع آخر يناسبه وإنما كررنا للاختلاف .
535 - ما : جماعة عن أبي المفضل عن أحمد بن عبدالعزيز عن علي بن محمد بن سليمان عن أبيه عن ربعي بن عبدالله بن الجارود عن أبيه قال : قال معاوية لخالد بن معمر : على ما أحببت عليا ؟ قال : على ثلاث حصال : على حلمه إذا غضب ، وعلى صدقه إذا قال ، وعلى عدله إذا ولي .
536 - كايب : حبيب بن الحسن عن محمد بن عبدالحميد عن بشار عن زيد الشحام عن أبي عبدالله عليه السلام قال : أخذ نباش في زمن معاوية فقال لاصحابه : ماترون ؟ فقالوا : نعاقبه فنخلى سبيله .
فقال رجل من القوم : ما هكذا فعل علي بن أبي طالب عليه السلام قال : فما فعل ؟ قال : فقال : يقطع النباش وقال هو سارق وهتاك الموتى .
537 - كتاب الغارات لابراهيم بن محمد الثقفي رفعه قال : إن

________________________________________________________
535 - رواه الشيخ الطوسي رفع الله مقامه في الحديث الثالث من المجلس : ( 8 ) من المجلد .
الثاني من أماليه ص 605 ط بيروت .
536 - رواه ثقه الاسلام الكليني رفع الله مقامه في عنوان : ( باب حد النباش ) .
في أواسط كتاب الحدود من كتاب الكافي : ج 7 ص 228 .
537 - والحديث موجود تحت الرقم : ( 202 ) من كتاب منتحب الغارات : ج 1 ، ص 533 ، ط 1 .
ويأتي أيضا باختصار في الباب : ( 34 ) وهو باب : ( ذكر أصحاب النبي وأمير المؤمنين .
.
) من هذا الكتاب ص 729 ط 1 .

[273]


النجاشي الشاعر شرب الخمر في شهر رمضان فحده أميرالمؤمنين أقامه في سراويل فضربه ثمانين ثم زاده عشرين سوطا وقال : هذا لجرأتك على ربك وإفطارك في شهر رمضان فغضب ولحق بمعاوية .
فدخل طارق بن عبدالله على أميرالمؤمنين عليه السلام فقال : يا أمير المؤمنين ما كنا نرى أن أهل المعصية والطاعة وأهل الفرقة والجماعة عند ولاة العدل ومعادن الفضل سيان في الجزاء حتى رأيت ما كان من صنيعك بأخي الحارث فأوغرت صدورنا وشتت أمورنا وحملتنا على الجادة التي كنا نرى أن سبيل من ركبها النار فقال علي عليه السلام * ( وإنها لكبيرة إلا على الخاشعين ) * [ 45 / البقرة : 2 ] .
يا أخا بني نهد فهل هو إلا رجل من المسلمين انتهك حرمة من حرم الله فأقمنا عليه حدا كان كفارته إن الله تعالى يقول في كتابه : * ( ولا يجر منكم شنآن قوم على أن لاتعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى ) * [ 8 / المائدة : 5 ] .
فخرج طارق ولقيه الاشتر فقال له : أنت القائل لامير المؤمنين أوغرت صدورنا وشتت أمورنا ؟ قال طارق : أنا قائلها .
قال الاشتر : والله ما ذلك كما قلت وإن صدورنا له لسامعة وإن أمورنا له لجامعة قال فغضب طارق وقال : ستعلم يا أشتر أنه غير ما قلت .
فلما جنه الليل همس ( 1 ) هو والنجاشي وذهبا إلى معاوية فلما دخلا عليه نظر معاوية إلى طارق وقال : مرحبا بالمورق غصنه [ والمعرق أصله ، المسود غير المسود ] ( 2 ) من رجل كانت منه هفوة ونبوة باتباعه صاحب الفتنة ورأس الضلالة إلى آخر ما قال لعنه الله .

.
-بحار الانوار مجلد: 30 من ص 273 سطر 19 الى ص 281 سطر 18 فقال طارق : يا معاوية إن المحمود على كل حال رب علا فوق عباده فهم

________________________________________________________
ورواه ابن أبي الحديد عن كتاب الغارات وعن ابن الكلبي في شرحه على المختار : ( 56 ) من نهج البلاغة : ج 1 ، ص 799 ط الحديث ببيروت .
( 1 ) همس - على زنة ضرب - : سار بالليل بلا فتور .
( 2 ) كذا في المصدر المحكي عنه وشرح ابن أبي الحديد ، وكان المصنف قد أسقط ما وضعناه بين المعقوفين وكان في ط الكمباني .
من البحار هكذا : ( مرحبا بالموت غصنه - إلى أن قال : - من رجل كانت منه فهوة .
.
) .

[274]


بمنظر ومسمع منه بعث فيهم رسولا منهم لم يكن يتلو من قبله كتابا ولا يخطه بيمينه إذا لارتاب المبطلون فعليه السلام من رسول كان بالمؤمنين رحيما ، أما بعد فإنا كنا نوضع في رجال من أصحاب النبي صلى الله عليه وآله مرشدين منارا للهدى ومعلما للدين سلفا لخلف مهتدين وخلفا لسلف مهتدين أهل دين لادنيا وأهل الآخرة كل الخير فيهم أهل بيوتات وشرف ليسوا بناكثين ولا قاسطين ( 1 ) فلم تك رغبة من رغب عنهم وعن صحبتهم إلا لمرارة الحق حيث جرعوها ولوعورته حيث سلكوها غلبت عليهم دنيا مؤثرة وهوى متبع وكان أمرالله قدرا مقدورا .
[ وقد فارق الاسلام قبلنا جبلة بن الايهم فرارا من الضيم وأنفا من الذلة ] فلا تفخر يا معاوية أن قد شددنا إليك الرحال وأوضعنا نحوك الركاب فتعلم وتنكر .
ثم أجلسه معاوية على سريره ودعا له بمقطعات وبرود يضعها عليه ثم أقبل عليه بوجهه يحدثه حتى قام فلما قام خرج طارق فأقبل عليه عمرو بن مرة وعمرو بن صيفي يلومانه في خطبته إياه وفيما عرض لمعاوية فقال طارق لهما : والله ما قمت حتى كان بطن الارض أحب إلي من ظهرها عند إظهار ما أظهر من البغي والعيب والنقص لاصحاب محمد صلى الله عليه وآله ولمن هو خير منه في العاجلة والاجلة ولقد قمت مقاما عنده أوجب الله علي فيه أن لا أقول إلا حقا فبلغ عليا مقالة طارق فقال : لو قتل أخو بني نهد لقتل شهيدا .
وزعم بعض الناس أن طارق بن عبدالله رجع إلى علي عليه السلام ومعه النجاشي .
538 - 541 - كنز الفوائد للكراجكي [ عن ] محمد بن علي بن طالب

________________________________________________________
( 1 ) ما بين المعقوفين أخذناه من شرح المختار : ( 56 ) من نهج البلاغة من شرح ابن أبي الحديد .
538 - رواه العلامة الكراجكي في أواخر كتاب كنز الفوائد ، ص 270 ، ط 1 .
وهذا هو المختار : ( 77 ) من الباب الثالث من نهج البلاغة ، وتقدم عن مصدر آخر تحت الرقم : ( 524 ) ص 578 .
ورويناه بسند قريب مما في المتن في المختار : ( 52 ) من القسم الثاني من باب خطب نهج السعادة : ج 3 ص 199 ، ط 1 .

[275]


البلدي عن أبي المفضل الشيباني عن منصور بن الحسن عن محمد بن زكريا بن دينار عن العباس بن بكار عن عبدالواحد بن أبي عمرو الاسدي عن محمد بن السائب : عن أبي صالح مولى أم هانئ قال : دخل ضرار بن ضمرة الكناني على معاوية بن أبي سفيان يوما فقال له : يا ضرار صف لي عليا فقال : أوتعفيني من ذلك ؟ قال : لا أعفوك قال : أما إذ لا بد : فإنه كان والله بعيد المدى شديد القوى يقول فصلا ويحكم عدلا يتفجر العلم من جوانبه وتنطق الحكمة على لسانه يستوحش من الدنيا وزهرتها ويأنس بالليل وظلمته .
كان والله غزير الدمعة طويل الفكرة يقلب كفه ويخاطب نفسه يعجبه من اللباس ما قصر ومن الطعام ما جشب .
كان والله معنا كأحدنا يدنينا إذا أتيناه ويجيبنا إذا سألناه وكان مع دنوه لنا وقربه منا لانكلمه هيبة له فإن تبسم فعن مثل اللؤلؤ النظيم .
يعظم أهل الدين ويحب المساكين لايطمع القوي في باطله ولا يياس الضعيف عن عدله .
أشهد بالله لرأيته في بعض مواقفه وقد أرخى الليل سدوله وغارت نجومه مماثلا في محرابه قابضا على لحيته يتململ تململ السليم ويبكي بكاء الحزين وكأني أسمعه وهو يقول : يا دنيا يا دنيا أبي تعرضت ؟ أم إلي تشوقت ؟ هيهات هيهات غري غيري لا حان حينك قد أبتك ثلاثا عمرك قصير وخيرك حقير وخطرك غير كبير آه آه من قلة الزاد وبعد السفر ووحشة الطريق .
فوكفت دموع معاوية على لحيته وجعل يستقبلها بكمه واختنق القوم جميعا بالبكاء وقال : هكذا [ كان ] أبوالحسن يرحمه الله فكيف وجدك عليه يا ضرار ؟ فقال : وجد أم واحد ذبح واحدها في حجرها فهي لايرقى دمعها ولا يسكن حزنها .

[276]


فقال معاوية : لكن هؤلاء لو فقدوني لما قالوا ولا وجدوابي شيئا من هذا ثم التفت إلى أصحابه فقال : بالله لو اجتمعتم بأسركم هل كنتم تؤدون عني ما أداه هذا الغلام عن صاحبه ؟ فيقال : إنه قال له عمرو بن العاص : الصحابة على قدر الصاحب .
وقال أيضا فيه : روي أن معاوية بن أبي سفيان قال : إني أحب أن ألقى رجلا قد أتت عليه سن وقد رآى الناس يخبرنا عما رآى فقيل له : هذا رجل بحضر موت فأرسل إليه فأتاه فقال له : ما اسمك ؟ فقال : أمد .
قال : ابن من ؟ قال : ابن لبد .
قال : ما أتى عليك من السنين ؟ قال : ثلاثمائة وستون سنة .
قال : كذبت ثم تشاغل عنه معاوية ثم أقبل عليه بعد ذلك فقال له : ما اسمك ؟ قال : أمد قال : ابن من ؟ قال : ابن لبد قال : ما أتى عليك من السنين ؟ قال : ستون وثلاثمائة قال : أخبرنا عما رأيت من الازمان الماضية إلى زماننا هذا من ذاك ؟ قال : يا أميرالمؤمنين وكيف تسأل من يكذب ؟ قال : إني ما كذبتك ولكن أحببت أعلم كيف عقلك ؟ قال : يوم شبيه يوم وليلة شبيهة بليلة يموت ميت ويولد مولود ولولا من يموت لم تسعهم الارض ولولا من يولد لم يبق أحد على وجه الارض .
قال : فأخبرني هل رأيت هاشما ؟ قال : نعم رأيت رجلا طوالا حسن الوجه يقال : إن بين عينيه بركة أو غرة بركة .
قال : فهل رأيت أمية قال : نعم رأيت رجلا قصيرا أعمى يقال إن في وجهه أشرا أو شوبا قال : فهل رأيت محمدا ؟ قال : من محمد ؟ قال : رسول الله صلى الله عليه وآله قال : ويحك أفلا فخمته كما فخمه الله فقلت : رسول الله صلى الله عليه وآله قال : فأخبرني ما كانت صناعتك ؟ قال : كنت رجلا تاجرا قال : فما بلغت في تجارتك ؟ قال : كنت لا أستر عيبا ولا أرد ربحا .
قال معاوية : سلني قال : أسألك أن تدخلني الجنة قال ليس ذلك بيدي ولا أقدر عليه .
قال : فأسألك أن ترد علي شبابي قال : ليس ذلك بيدي ولا أقدر عليه .
قال : فلا أرى عندك شيئا من أمر الدنيا ولا أمر الآخرة فردني من حيث جئت قال : أما هذا فنعم ثم أقبل معاوية على جلسائه فقال : لقد أصبح

[277]


هذا زاهدا فيما أنتم فيه راغبون .
( 1 ) وروي عن عبدالله بن موهب عن بعض أشياخه أن مسجد الرملة لما حفر أساسه في دهر معاوية بن أبي سفيان انتهى بهم الحفر إلى صخرة فقلعوها فإذا تحتها شاب دهين الرأس موفر الشعر قائم مستقبل القبلة فكلموه فلم يكلمهم فكتب بذلك إلى معاوية قال : فخرجنا بالكتاب في خمسة فأتينا معاوية فأخبرناه بذلك ورفعنا إليه الكتاب فأمر أن ترد الصخرة على حاله كما كان .
وحدثهم غير واحد أنه لما أجرى معاوية بن أبي سفيان القناة التي في أحد أمر بقبور الشهداء فنبشت فضرب رجل بمعوله فأصاب إبهام حمزة رضوان الله عليه فبجس الدم من إبهامه فأخرج رطبا ينثني وأخرج عبدالله بن عمرو بن حزام وعمرو بن الجموح وكانا قتلا يوم أحد وهم رطاب ينثنون بعد أربعين سنة فدفنا في قبر واحد وكان عمرو بن الجموح أعرج .
فقال أبوسعيد الخدري أنه لشئ لا آمر بعده بمعروف ولا أنهى عن منكر 542 - 543 - كتاب الغارات لابراهيم الثقفي قال : بلغنا أن معاوية قال لهيثم بن الاسود وكان عثمانيا وكانت امرأته علوية الرأي تحب عليا وتكتب بأخبار معاوية في أعنة الخيل فتدفعها بعسكره [ عليه السلام ] في صفين فقال معاوية : يا هيثم أهل العراق كانوا أنصح لعلي أم أهل الشام لي قال : أهل العراق قبل أن يضربوا بالبلاء كانوا أنصح لصاحبهم من أهل الشام .
قال : ولم ذلك ؟ قال : لان القوم ناصحوا عليا عليه السلام على الدين وناصحك أهل الشام على الدنيا وأهل الدين أصبروهم أهل بصيرة ونصر وأهل الدنيا أهل يأس وطمع ثم والله ما لبث أهل العراق أن نبذوا الدين وراء ظهورهم ونظروا إلى الدنيا [ التي ] في يدك فما أصابها منهم إلا الذي لحق

________________________________________________________
( 1 ) كنز الفوائد ، ص 260 ، ط 1 .
542 - الحديثان موجودان تحت الرقم 203 وتاليه من منتخب كتاب الغارات : ج 2 ، ص 545 - 547 ط 1 .
والحديث الاول رواه ابن أبي الحديد في شرحه على المختار : ( 56 ) من نهج البلاغة : ج 1 ، ص 802 ، ط الحديث ببيروت .

[278]


بك .
قال معاوية : فما منع الاشعث بن قيس أن يطلب ما قبلنا ؟ قال : أكرم نفسه أن يكون رأسا في العار وذنبا في الطمع .
قال : هل كانت امرأتك تكتب بالاخبار إلى علي عليه السلام في أعنة الخيل فتباع ؟ قال : نعم .
وعن محارب بن ساعدة الايادي قال : كنت عند معاوية وعنده أهل الشام ليس فيهم غيرهم إذ قال : يا أهل الشام قد عرفتم حبي لكم وسيرتي فيكم وقد بلغكم صنيع علي بالعراق وتسويته بين الشريف وبين من لايعرف قدره فقال رجل منهم : لايهذ الله ركنك ولايعدمك ولدك ولايرينا فقدك قال فما تقولون في أبي تراب ؟ فقال رجل منهم ما أراد ومعاوية ساكت وعنده عمرو بن العاص ومروان بن الحكم فتذاكرا عليا عليه السلام بغير الحق .
فوثب رجل من آخر المجلس من أهل الكوفة دخل مع القوم فقال : يا معاوية تسأل أقواما في طغيانهم يعمهون واختاروا الدنيا على الآخرة والله لو سألتهم عن السنة ما أقاموها فكيف يعرفون عليا وفضله أقبل علي أخبرك ثم لاتقدر أن تنكر أنت ولا من عن يمينك يعني عمرا هو والله الرفيع جاره الطويل عماده دمرالله به الفساد وباربه الشرك ووضع به الشيطان وأولياءه وضعضع به الجور وأظهر به العدل ونطق زعيم الدين وأطاب المورد وأضحى الداجي وانتصر به المظلوم وهدم به بنيان النفاق وانتقم به من الظالمين وأعز به المسلمين كريح رحمة أثارت سحابا متفرقا بعضها إلى بعض حتى التحكم واستحكم فاستغلظ فاستوى ثم تجاوبت نواتقه وتلالات بوارقه واسترعد خرير مائه فاسقى وأروى عطشانه وتداعت جنانه واستقلت به أركانه واستكثرت وابله ودام رزازه وتتابع مهطوله فرويت البلاد واخضرت وأزهرت .
ذلك علي بن أبي طالب سيد العرب إمام الامة وأفضلها وأعلمها وأجملها وأحكمها أوضح للناس سيرة الهدى بعد السعي في الردى وهو والله إذا اشتبهت الامور وهاب الجسور واحمرت الحدق وانبعث القلق وأبرقت البواتر استربط عند ذلك جأشه وعرف بأسه ولاذ به الجبان الهلوع فنفس كربته وحمى حمايته مستغن برأيه عن مشورة ذوي الالباب برأي صليب وحلم أريب مجيب للصواب مصيب .
فأسكت القوم جميعا وأمر معاوية بإخراجه فأخرج وهو يقول : قد جاء الحق وزهق

[279]


الباطل إن الباطل كان زهوقا .
وكان معاوية تعجبه الفصاحة ويصغي للمتكلم حتى يفرغ من كلامه .
بيان : قال الجوهري نتقت الغرب من البئر أي جذبته ونتقت المرأة أي كثر ولدها .
وفي القاموس : الناتق : الفاتق والرافع والباسط ومن الزناد : الواري ومن النوق : التي تسرع الحمل ومن الخيل : الذي ينفض راكبه انتهى .
والاكثر مناسب كما يظهر بعد التأمل .
والخرير : صوت الماء .
وتداعي القوم : اجتمعوا .
ورزت السماء : صوتت من المطر .
وكان المهطول بمعنى الهاطل أي المطر المتتابع أو الضعيف الدائم .
ولاريب : العاقل .
وأرب الدهر : اشتد .
554 - كشف من كتاب لطف التدبير لمحمد بن عبدالله الخطيب قال : حكي أن معاوية بن أبي سفيان قال لجلسائه بعد الحكومة : كيف لنا أن نعلم ما تؤل إليه العاقبة في أمرنا ؟ قال جلساؤه ما نعلم لذلك وجها .
قال : فأنا استخرج علم ذلك من علي صلوات الله عليه فإنه لايقول الباطل فدعا ثلاثة رجال من ثقاته وقال لهم : امضوا حتى تصيروا جميعا من الكوفة على مرحلة ثم تواطؤا على أن تنعوني بالكوفة وليكن حديثكم واحدا في ذكر العلة واليوم والوقت وموضع القبر ومن تولى الصلاة عليه وغير ذلك حتى لاتختلفوا في شئ ثم ليدخل أحدكم فليخبر بوفاتي ثم ليدخل الثاني فيخبر بمثله ثم

________________________________________________________
544 - رواه علي بن عيسى الاربلي رحمه الله في أواخر عنوان : ( ذكر كراماته وما جرى على لسانه من إخباره بالمغيبات ) من كتاب كشف الغمة : ج 1 ، ص 284 ط بيروت .
ورواه بتفصيل أكثر المسعودي في آخر ذكره شهادة الامام أميرالمؤمنين متصلا بعنوان : ( ذكر لمع من كلامه وأخباره .
.
) من كتاب مروج الذهب : ج 2 ص 430 ط مصر .
ورواه أيضا عن جماعة صاحب عبقات الانوار في الوجه : ( 38 ) من قدحه في حديث : ( أصحابي كالنجوم .
.
) من حديث الثقلين من كتاب العبقات : ج .
.
ض 758 ط إصفهان .

[280]


ليدخل الثالث فيخبر بمثل خبر صاحبيه وانظروا ما يقول علي .
فخرجوا كما أمرهم معاوية ثم دخل أحدهم وهو راكب مغذ شاحب فقال له الناس بالكوفة : من أين جئت ؟ قال : من الشام .
قالوا له : ما الخبر ؟ قال : مات معاوية فأتوا عليا عليه السلام فقالوا : جاء رجل راكب من الشام يخبر من موت معاوية فلم يحفل علي بذلك ثم دخل الآخر من الغد وهو مغذ فقال له الناس : ما الخبر ؟ فقال : مات معاوية وخبر بمثل ما خبر صاحبه فأتوا عليا عليه السلام فقالوا : رجل راكب يخبر بموت معاوية بمثل ما أخبر صاحبه ولم يختلف كلامهما .
فأمسك علي عليه السلام .
ثم دخل الآخر في اليوم الثالث فقال الناس : ما وراؤك ؟ قال : مات معاوية .
فسألوه عما شاهد فلم يخالف قول صاحبيه فأتوا عليا عليه السلام فقالوا : يا أميرالمؤمنين صح هذا الخبر هذا راكب ثالث قد خبر بمثل خبر صاحبيه فلما كثروا عليه قال علي صلوات الله عليه كلا أو تخضب هذه من هذه يعني لحيته من هامته ويتلاعب بها ابن آكلة الاكباد فرجع الخبر بذلك إلى معاوية .
بيان : الاغذاذ في السير : الاسراع .
الشاحب : المتغير أي كان عليه لون السفر .
قوله عليه السلام ( ويتلاعب بها ) أي بالخلافة والرياسة .
545 - 546 - إرشاد القلوب بإسناده إلى أبي جعفر الباقر عليه السلام قال : بينما أميرالمؤمنين عليه السلام يتجهز إلى معاوية ويحرض الناس على قتاله إذ اختصم إليه رجلان في فعل فعجل أحدهما في الكلام وزاد فيه فالتفت إليه أميرالمؤمنين عليه السلام وقال له : اخسأ .
فإذا رأسه رأس الكلب فبهت من حوله وأقبل الرجل بإصبعه المسبحة يتضرع إلى أميرالمؤمنين عليه السلام ويسأله الاقالة فنظر إليه وحرك شفتيه فعاد كما كان خلقا سويا فوثب إليه بعض أصحابه فقال له : يا أميرالمؤمنين هذه القدرة لك كما رأينا وأنت تجهز

________________________________________________________
545 - 546 - رواهما الديلمي رحمه الله في كتاب إرشاد القلوب ، ح 30 في عنوان ( فضائله عليه - السلام من طريق اهل البيت ) ج 2 ، ص 272 .