[601]
وإذا أحدث لك ما أنت فيه من سلطانك أبهة أو مخيلة فانظر إلى عظم
ملك الله سبحانه فوقك وقدرته منك على ما لاتقدر عليه من نفسك فإن ذلك
يطامن إليك من طماحك ويكف عنك من غربك ويفئ إليك بما عزب عنك
من عقلك .
إياك ومساماة الله في عظمته والتشبه به في جبروته فإن الله يذل كل جبار
ويهين كل مختال .
أنصف الله وأنصف الناس من نفسك ومن خاصة أهلك ومن لك فيه
هوى من رعيتك فإنك إن لاتفعل تظلم ومن ظلم عبادالله كان الله خصمه
دون عباده ومن خاصمه الله أدحض حجته وكان لله حربا حتى ينزع ويتوب .
وليس شئ أدعى إلى تغيير نعمة الله وتعجيل نقمته من إقامة على ظلم
فإن الله [ سميع ( خ ) ] يسمع دعوة المظلومين وهو للظالمين بالمرصاد وليكن أحب
الامور إليك أوسطها في الحق وأعمها في العدل وأجمعها لرضى الرعية فإن
سخط العامة يجحف برضى الخاصة وأن سخط الخاصة يغتفر مع رضى العامة
وليس أحد من الرعية أثقل على الوالي مؤونة في الرخاء وأقل معونة له في
البلاء وأكره للانصاف وأسأل بالالحاف وأقل شكرا عند الاعطاء وأبطأ عذرا
عن المنع وأضعف صبرا عند ملمات الدهر من أهل الخاصة وإنما عمود الدين
وجماع المسلمين والعدة للاعداء العامة من الامة فليكن صغوك لهم وميلك
معهم .
.
-بحار الانوار مجلد: 30 من ص 601 سطر 19 الى ص 609 سطر 18
وليكن أبعد رعيتك منك وأشنأهم عندك أطلبهم لمعائب الناس فإن في
الناس عيوبا الوالي أحق من سترها فلا تكشفن عما غاب عنك منها فإنما عليك
تطهير ما ظهر لك والله يحكم على ما غاب عنك فاستر العورة ما استطعت
يسترالله منك ما تحب ستره من رعيتك .
أطلق عن الناس عقدة كل حقد واقطع عنك سبب كل وتر وتغاب عن
كل ما لا يضح لك ( 1 ) ولا تعجلن إلى تصديق ساع فإن الساعي غاش وإن
[602]
تشبه بالناصحين .
ولا تدخلن في مشورتك بخيلا يعدل بك عن الفضل ويعدك الفقر
ولا جبانا يضعفك عن الامور ولا حريصا يزين لك الشره بالجور فإن البخل
والجبن والحرص غرائز شتى يجمعها سوء الظن بالله .
[ إن ] شر وزرائك من كان للاشرار قبلك وزيرا ومن شركهم في الآثام فلا
يكونن لك بطانة فإنهم أعوان الائمة وإخوان الظلمة وأنت واجد منهم خير
الخلف ممن له مثل آرائهم ونفاذهم وليس عليه مثل آصارهم وأوزارهم
[ وآثامهم ] ممن لم يعاون ظالما على ظلمه ولا آثما على إثمه أولئك أخف عليك
مؤونة وأحسن لك معونة وأحنى عليك عطفا وأقل لغيرك الفا فاتخذ أولئك
خاصة لخلواتك وحفلاتك ثم ليكن آثرهم عندك أقولهم بمر الحق لك وأقلهم
مساعدة فيما يكون منك مما كره الله لاوليائه واقعا ذاك من هواك حيث وقع .
والصق بأهل الورع والصدق ثم رضهم على أن لايطروك ولايبجحوك
بباطل لم تفعله فإن كثرة الاطراء تحدث الزهو وتدني من الغرة .
( 1 )
ولا يكونن المحسن والمسئ عندك بمنزلة سواء فإن في ذلك تزهيدا لاهل
الاحسان في الاحسان وتدريبا لاهل الاساءة على الاساءة والزم كلا منهم ما
ألزم نفسه .
واعلم أنه ليس شئ بأدعى إلى حسن ظن وال برعيته من إحسانه إليهم
وتخفيفه المؤنات عنهم وترك استكراهه إياهم على ما ليس له قبلهم فليكن
منك في ذلك أمر يجتمع لك به حسن الظن برعيتك فإن حسن الظن يقطع
عنك نصبا طويلا وإن أحق من حسن ظنك به لمن حسن بلاؤك عنده وإن
أحق من ساء ظنك به لمن ساء بلاؤك عنده .
ولا تنقض سنة صالحة عمل بها صدور هذه الامة واجتمعت بها الالفة
________________________________________________________
( 1 ) وفي أصلي بالصاد المهملة .
( 2 ) كذا .
وانظر بيان المصنف الآتي .
[603]
وصلحت عليه الرعية ولاتحدثن سنة تضر بشئ من ماضي تلك السنن
فيكون الاجر لمن سنها والوزر عليك بما نقضت منها .
وأكثر مدارسة العلماء ومناقشة الحكماء في تثبيت ما صلح عليه أمر بلادك
وإقامة ما استقام به الناس قبلك .
واعلم أن الرعية طبقات لا يصلح بعضها إلا ببعض ولا غنى ببعضها عن
بعض فمنها جنودالله .
ومنها كتاب العامة والخاصة .
ومنها قضاة العدل .
ومنها عمال الانصاف والرفق .
ومنها أهل الجزية والخراج من أهل الذمة ومسلمة الناس .
ومنها التجار وأهل الصناعات .
ومنها الطبقة السفلى من ذوي الحاجة والمسكنة وكل قد سمى الله [ له ]
سهمه ووضع على حده وفريضته في كتابه أو سنة نبيه صلى الله عليه وآله عهدا
منه عندنا محفوظا .
فالجنود بإذن الله حصون الرعية وزين الولاة وعز الدين وسبل الامن
وليس تقوم الرعية إلا بهم .
ثم لاقوام للجنود إلا بما يخرج الله لهم من الخراج الذي يقوون به على في جهادهم ( 1 )
عدوهم ويعتمدون عليه فيما يصلحهم ويكون من وراء حاجتهم .
ثم لاقوام لهذين الصنفين إلا بالنصف الثالث من القضاة والعمال والكتاب لما
يحكمون من المعاقد ويجمعون من النافع ، ويؤتمنون عليه من خواص الامور وعوامها
ولا قوام لهم جميعا إلا بالتجار وذوي الصناعات فيما يجتمعون عليه من مرافقهم و
________________________________________________________
( 1 ) كذا في أصلي وفي متن ط الحديث من شرح ابن أبي الحديد : ( الذي يقوون به على
جهاد عدوهم ) .
[604]
يقيمونه من أسواقهم ويكفونهم من الترفق بأيديهم مما لا يبلغه رفق غيرهم .
ثم الطبقة السفلى من أهل الحاجة والمسكنة الذين يحق رفدهم ومعونتهم
وفي الله لكل سعة ولكل على الوالي حق بقدر ما يصلحه وليس يخرج الوالي
من حقيقة ما أكرم الله تعالى من ذلك إلا بالاهتمام والاستعانة بالله وتوطين
نفسه على لزوم الحق والصبر عليه فيما خف عليه أوثقل .
فول من جنودك أنصحهم في نفسك لله ولرسوله ولامامك أنقاهم جيبا
وأفضلهم حلما ممن يبطئ عن الغضب ويستريح إلى العذر ويرؤف بالضعفاء
وينبو على الاقوياء وممن لايثيره العنف ولا يقعد به الضعف ثم ألصق بذوي
[ المروآت و ] الاحساب وأهل البيوتات الصالحة والسوابق الحسنة ثم أهل
النجدة والشجاعة والسخاء والسماحة فإنهم جماع من الكرم وشعب من
العرف .
ثم تفقد من أمورهم ما يتفقده الوالدان من ولدهما ولايتفاقمن في نفسك
شئ قويتهم به ولا تحقرن لطفا تعاهدتهم به وإن قل فإنه داعية لهم إلى بذل
النصيحة لك وحسن الظن بك ولاتدع تفقد لطيف أمورهم اتكالا على
جسيمها فإن لليسير من لطفك موضعا ينتفعون به وللجسيم موقعا لايستغنون
عنه .
وليكن آثر رؤوس جندك عندك من واساهم في معونته وأفضل عليهم من
جدته بما يسعهم ويسع من وراءهم من خلوف أهليهم حتى يكون همهم هما
واحدا في جهاد العدو فإن عطفك عليهم يعطف قلوبهم عليك ولا تصح
نصيحتهم إلا بحيطتهم على ولاة أمورهم ( 1 ) وقلة استثقال دولهم وترك استبطاء
________________________________________________________
( 1 ) ومثله في متن ط الحديث من شرح ابن أبي الحديد ، وهاهنا في نسخة الصبحي
الصالح زيادة هذا نصها :
( فإن عطفك عليهم يعطف قلوبهم عليك ، وإن أفضل قرة عين الولاة استقامه العدل في
البلاد وظهور مودة الرعية .
وأنه لاتظهر مودتهم إلا بسلامة صدورهم ، ولاتصح
نصيحتهم إلا بحيطتهم على ولاة الامور .
.
) .
[605]
انقطاع مدتهم فافسح في آمالهم وواصل في حسن الثناء عليهم وتعديد ما أبلى
ذوو البلاء منهم فإن كثرة الذكر لحسن فعالهم تهز الشجاع وتحرض الناكل
إن شاءالله تعالى .
ثم اعرف لكل امرى منهم ما أبلى ولا تضمن بلاء امرئ إلى غيره ولا
تقصرن به دون غاية بلاءه ولا يدعونك شرف امرئ إلى أن تعظم من بلائه
ما كان صغيرا ولاضعة امرئ إلى أن تستصغر من بلائه ما كان عظيما .
واردد إلى الله ورسوله ما يظلعك من الخطوب ويشتبه عليك من الامور
فقد قال الله سبحانه لقوم أحب إرشادهم : * ( يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله
وأطيعوا الرسول وأولي الامر منكم فإن تنازعتم في شئ فردوه إلى الله
والرسول ) * [ 59 / النساء : 4 ] فالرد إلى الله الاخذ بمحكم كتابه والرد إلى
الرسول الاخذ بسنته الجامعة غير المفرقة .
ثم اختر للحكم بين الناس أفضل رعيتك في نفسك ممن لاتضيق به
الامور ولا يمحكه الخصوم ولا يتمادى في الزلة ولا يحصر من الفئ إلى الحق
إذا عرفه ولاتشرف نفسه على طمع ولايكتفي بأدنى فهم دون أقصاه أوقفهم في
الشبهات وأخذهم بالحجج وأقلهم تبرما بمراجعة الخصم وأصبرهم على
تكشيف الامور وأصرمهم عند إيضاح الحكم ممن لايزدهيه إطراء ولايستميله
إغراء وأولئك قليل ثم اكثر تعاهد قضائه وافسح له في البذل ما يزيح علته
وتقل معه حاجته إلى الناس وأعطه من المنزلة لديك ما لا يطمع فيه غيره من
خاصتك ليأمن بذلك اغتيال الرجال له عندك فانظر في ذلك نظرا بليغا فإن
هذا الدين قد كان أسيرا في أيدي الاشرار يعمل فيه بالهوى وتطلب به الدنيا .
ثم انظر في أمور عمالك واستعملهم اختيارا ولاتولهم محاباة وأثرة فإنهما
جماع من شعب الجور والخيانة .
وتوخ منهم أهل التجربة والحياء من أهل
البيوتات الصالحة والقدم في الاسلام المتقدمة فإنهم أكرم أخلاقا وأصح أعراضا
وأقل في المطامع إشرافا وأبلغ في عواقب الامور نظرا ثم أسبغ عليهم الارزاق
فإن ذلك قوة لهم على استصلاح أنفسهم وغنى لهم عن تناول ما تحت أيديهم
[606]
وحجة عليهم إن خالفوا أمرك وأوثلموا أمانتك .
ثم تفقد أعمالهم وابعث العيون من أهل الصدق والوفاء عليهم فإن
تعاهدك في السر لامورهم حدوة لهم على استعمال الامانة والرفق بالرعية .
وتحفظ من الاعوان فإن أحد منهم بسط يده إلى خيانة اجتمعت بها عليه
عندك أخبار عيونك اكتفيت بذلك شاهدا فبسط عليه العقوبة في بدنه
وأخذته بما أصاب من عمله ثم نصبته بمقام المذلة ووسمته بالخيانة وقلدته عار
النهمة .
وتفقد أمر الخراج بما يصلح أهله فإن في صلاحه وصلاحهم صلاحا لمن
سواهم ولا صلاح لمن سواهم إلا بهم لان الناس كلهم عيال على الخراج
وأهله .
وليكن نظرك في عمارة الارض أبلغ من نظرك في استجلاب الخراج لان
ذلك لايدرك إلا بالعمارة ومن طلب الخراج بغير عمارة أخرب البلاد وأهلك
العباد ولم يستقم أمره إلا قليلا فإن شكوا ثقلا أو علة أو انقطاع شرب أو بالة
أو إحالة أرض اغتمرها غرق أو أجحف بها عطش خففت عنهم بما ترجو أن
يصلح به أمرهم ولا يثقلن عليك شئ خففت به المؤونة عنهم فإنه ذخر
يعودون به عليك في عمارة بلادك وتزيين ولايتك مع استجلابك حسن ثنائهم
وتبجحك باستفاضة العدل فيهم معتمدا فضل قوتهم بما ذخرت عندهم من إجمامك لهم
والثقة منهم بما عودتهم من عدلك عليهم ورفقك بهم فربما حدث من الامور
ما إذا عولت فيه عليهم من بعد احتملوه طيبة أنفسهم به فإن العمران محتمل
ما حملته وإنما يؤتى خراب الارض من إعواز أهلها وإنما يعوز أهلها لاشراف
أنفس الولاة على الجمع وسوء ظنهم بالبقاء وقلة انتفاعهم بالعبر .
ثم انظر في حال كتابك فول على أمورك خيرهم واخصص رسائلك التي
تدخل فيها مكائدك وأسرارك بأجمعهم لوجود صالح الاخلاق ممن لاتبطره
الكرامة فيجترئ بها عليك في خلاف لك بحضرة ملاء ولاتقصر به الغفلة
عن إيراد مكاتبات عمالك عليك وإصدار جواباتها على الصواب عنك وفيما
[607]
يأخذ لك ويعطي منك ولا يضعف عقدا اعتقده لك ولا يعجز عن إطلاق ما
عقد عليك ولايجهل مبلغ قدر نفسه في الامور فإن الجاهل بقدر نفسه يكون
بقدر غيره أجهل .
ثم لا يكن اختيارك إياهم على فراستك واستنامتك وحسن الظن منك
فإن الرجال يتعرضون لفراسات الولاة بتصنعهم وحسن خدمتهم وليس وراء
ذلك من النصيحة والامانة شئ ولكن اختبرهم بما ولوا للصالحين قبلك
فاعمد لاحسنهم كان في العامة أثرا وأعرفهم بالامانة وجها فإن ذلك دليل على
نصيحتك لله ولمن وليت أمره .
واجعل لرأس كل أمر من أمورك رأسا منهم لايقهره كبيرها ولايتشتت
عليه كثيرها ومهما كان في كتابك من عيب فتغابيت عنه ألزمته .
ثم استوص بالتجار وذوي الصناعات وأوص بهم خيرا المقيم منهم
والمضطرب بماله والمترفق ببدنه فإنهم مواد المنافع وأسباب المرافق وجلابها من
المباعد والمطارح في برك وبحرك وسهلك وجبلك وحيث لايلئتم الناس
لمواضعها ولايجترؤن عليها فإنهم سلم لاتخاف بائقته وصلح لاتخشى
غائلته .
وتفقد أمورهم بحضرتك وفي حواشي بلادك واعلم مع ذلك أن في كثير
منهم ضيقا فاحشا وشحا قبيحا واحتكارا للمنافع وتحكما في البياعات وذلك
باب مضرة للعامة وعيب على الولاة فامنع من الاحتكار فإن رسول الله صلى
الله عليه وآله منع منه وليكن البيع بيعا سمحا بموازين عدل وأسعار لاتجحف
بالفريقين من البائع والمبتاع فمن قارف حكرة بعد نهيك إياه فنكل به وعاقب
في غير إسراف .
ثم الله الله في الطبقة السفلى من الذين لاحيلة لهم من المساكين
والمحتاجين وأهل البؤسى والزمنى فإن في هذه الطبقة قانعا ومعترا احفظ الله ما
استحفظك من حقه فيهم واجعل لهم قسما من بيت مالك وقسما من غلات
[608]
صوافي الاسلام في كل بلد فإن للاقصى منهم مثل الذي للادنى وكل من قد
استرعيت حقه فلا يشغلنك عنهم بطر فإنك لاتعذر بتضييع التافه لاحكامك
الكثير المهم فلا تشخص همك عنهم ولا تصعر خدك لهم .
وتفقد أمور من لايصل إليك منهم ممن تقتحمه العيون وتحقره الرجال
ففرغ لاولئك ثقتك من أهل الخشية والتواضع فليرفع إليك أمورهم ثم اعمل
فيهم بالاعذار إلى الله سبحانه يوم تلقاه فإن هؤلاء من بين الرعية أحوج إلى
الانصاف من غيرهم وكل فاعذر إلى الله تعالى في تأدية حقه إليه .
وتعهد أهل اليتم وذي الرقة في السن ممن لاحيلة له ولا ينصب للمسألة
نفسه وذلك على الولاة ثقيل والحق كله ثقيل وقد يخففه الله على أقوام طلبوا
العاقبة فصبروا أنفسهم ووثقوا بصدق موعود الله لهم .
وتعهد أهل اليتم وذي الرقة في السن ممن لاحيلة له ولا ينصب للمسألة
نفسه وذلك على الولاة ثقيل والحق كله ثقيل وقد يخففه الله على أقوام طلبوا
العاقبة فصبروا أنفسهم ووثقوا بصدق موعود الله لهم .
واجعل لذوي الحاجات منك قسما تفرغ لهم فيه شخصك وتجلس لهم
مجلسا عاما فتتواضع [ فيه ] لله الذي خلقك وتقعد عنهم جندك وأعوانك من
أحراسك وشرطك حتى يكلمك متكلمهم غير متعتع فإني سمعت رسول الله
صلى الله عليه وآله يقول في غير موطن : ( لن تقدس أمة لا يؤخذ
للضعيف فيها حقه من القوي غير متعتع ) ثم احتمل الخرق منهم والعي ونح
عنك الضيق والانف ( 1 ) يبسط الله عليك بذلك أكناف رحمته ويوجب لك
ثواب طاعته وأعط ما أعطيت هنيئا وامنع في إجمال وإعذار .
ثم أمور من أمورك لابد لك من مباشرتها منها إجابة عمالك بما يعيا
عنك كتابك .
ومنها إصدار حاجات الناس عند ورودها عليك مما تحرج به صدور
أعوانك .
وامض لكل يوم عمله فإن لكل يوم ما فيه واجعل لنفسك فيما بينك وبين
________________________________________________________
( 1 ) كذا في الاصل المطبوع ، وفي متن شرح ابن أبي الحديد ، ط الحديث ببيروت : ( ونح
عنهم الضيق .
.
) .
[609]
الله أفضل تلك المواقيت وأجزل تلك الاقسام وإن كانت كلها لله إذا صلحت
فيها النية وسلمت منها الرعية .
وليكن في خاصة ما تخلص لله به دينك إقامة فرائضه التي هي له خاصة
فأعط الله من بدنك في ليلك ونهارك ووف ما تقربت به إلى الله من ذلك
كاملا غير مثلوم ولا منقوص بالغا من بدنك ما بلغ .
وإذا قمت في صلاتك للناس فلا تكونن منفرا ولا مضيعا فإن في الناس
من به العلة وله الحاجة وقد سألت رسول الله صلى الله عليه وآله حين وجهني
إلى اليمن كيف أصلي بهم فقال : صل بهم كصلاة أضعفهم وكن بالمؤمنين
رحيما .
وأما بعد هذا فلا تطولن احتجابك من رعيتك فإن احتجاب الولاة عن
الرعية شعبة من الضيق وقلة علم بالامور والاحتجاب منهم يقطع عنهم علم
ما احتجبوا دونه فيصغر عندهم الكبير ويعظم الصغير ويقبح الحسن ويحسن
القبيح ويشاب الحق بالباطل .
وإنما الوالي بشر لايعرف ما توارى عنه الناس به من الامور وليست على
الحق سمات يعرف بها ضروب الصدق من الكذب .
وإنما أنت أحد رجلين : إما امرؤ سخت نفسك بالبذل في الحق ففيم
احتجابك من واجب حق تعطيه ؟ أو فعل كريم تسديه ؟ أو مبتلى بالمنع فما
اسرع كف الناس عن مسألتك إذا أيسوا من بذلك مع أن أكثر حاجات
.
-بحار الانوار مجلد: 30 من ص 609 سطر 19 الى ص 617 سطر 18
الناس إليك ما لا مؤونة فيه عليك من شكاة مظلمة أو طلب إنصاف في
معاملة .
ثم إن للوالي خاصة وبطانة فيهم إستيثار وتطاول وقلة إنصاف [ في
معاملة ] فاحسم مادة أولئك بقطع أسباب تلك الاحوال ( 1 ) .
________________________________________________________
( 1 ) كذا في متن أصلي ، وفي هامشه : ( فاحسم مؤنة أولئك .
.
) .
[610]
ولاتقطعن لاحد من حاشيتك وحامتك قطيعة ولا يطمعن منك في
اعتقاد عقدة تضر بمن يليها من الناس في شرب أو عمل مشترك يحملون
مؤونته على غيرهم فيكون مهنأ ذلك لهم دونك وعيبه عليك في الدنيا
والآخرة .
وألزم الحق من لزمه من القريب والبعيد وكن في ذلك صابرا محتسبا واقعا
ذلك من قرابتك وخاصتك حيث وقع وابتغ عاقبته بما يثقل عليك منه فإن مغبة
ذلك محمودة .
وإن ظنت الرعية بك حيفا فأصحر لهم بعذرك واعدل عنك ظنونهم
بإصحارك فإن في ذلك [ رياضة منك لنفسك ورفقا برعيتك و ] إعذارا تبلغ فيه
حاجتك ( 1 ) من تقويمهم على الحق .
ولاتدفعن صلحا دعاك إليه عدوك لله فيه رضى فإن في الصلح دعة
لجنودك وراحة من همومك وأمنا لبلادك ولكن الحذر كل الحذر من عدوك بعد
صلحه فإن العدو ربما قارب ليتغفل فخذ بالحزم واتهم في ذلك حسن الظن .
وإن عقدت بينك وبني عدو لك عقدة أو ألبسته منك ذمة فحط عهدك
بالوفاء وارع ذمتك بالامانة واجعل نفسك جنة دون ما أعطيت فإنه ليس من
فرائض الله سبحانه شئ الناس أشد عليه اجتماعا مع تفرق أهوائهم وتشتيت
آرائهم من تعظيم الوفاء بالعهود وقد لزم ذلك المشركون فيما بينهم دون
المسلمين لما استوبلوا من عواقب الغدر فلا تغدرن بذمتك ولا تخيسن بعهدك
ولا تختلن عدوك فإنه لايجترئ على الله إلا جاهل شقي وقد جعل الله عهده
وذمته أمنا أفضاه بين العباد برحمته وحريما يسكنون إلى منعته ويستفيضون إلى
جواره فلا إدغال ولا مدالسة ولا خداع فيه .
ولا تعقد عقدا تجوز فيه العلل ولا تعولن على لحن قول بعد التأكيد
والتوثقة .
________________________________________________________
( 1 ) ما بين المعقوفين غير موجود في أصلي وإنما أخذناه من عدة نسخ من مطبوعات نهج البلاغة .