[591]


الليل فأمر به الاشتر أن يطلب فطلب فلم يصب .
قال عبدالله بن جعفر وكان لمعاوية بمصر عين يقال له مسعود بن رجرجة فكتب إلى معاوية بهلاك الاشتر فقام معاوية خطيبا في أصحابه فقال : إن عليا كان يمينان قطعت إحداهما بصفين يعني عمارا والاخرى اليوم إن الاشتر مر بأيلة متوجها إلى مصر فصحبه نافع مولى عثمان فخدمه وألطفه حتى أعجبه واطمأن إليه فلما نزل القلزم حاضر له شربة من عسل بسم فسقاها له فمات ألا وإن لله جنودا من عسل .
بيان : قال الجوهري : الارواق : الفساطيط يقال : ضرب فلان روقه بموضع كذا إذا نزل به وضرب خيمته .
وفي الحديث ( حين ضرب الشيطان روقة ومد أطنابه ) يقال : القى فلان عليك أرواقه وشراشره وهو أن يحبه حبا شديدا .
وقال : الساحل : شاطئ البحر وقد ساحل القوم إذا أخذوا على الساحل .
قوله : ( حتى نغر ) في بعض النسخ بالغين المعجمة قال في النهاية : نغرت القدر تنغر غلت .
وفي القاموس : نغر من الماء كفرح : أكثر .
وفي بعضها بالمهملة من نعر بمعنى صوت والاول أظهر ولعل ما في الخبر بيان لحاصل المعنى .
735 - ختص أحمد بن علي عن حمزة بن القاسم العلوي عن بكر بن عبدالله بن حبيب عن سمرة بن علي عن المنهال بن جبير الحميري عن عوانة قال : لما جاء هلاك الاشتر إلى علي بن أبي طالب عليه السلام صعد المنبر فخطب الناس ثم قال : ألا إن مالك بن الحارث قد قضى نحبه وأوفى عهده ولقى ربه فرحم الله مالكا لو كان جبلا لكان فندا ولو كان حجرا لكان صلدا

________________________________________________________
735 - رواه الشيخ المفيد رفع الله مقامه في الحديث : ( 136 ) في أوائل كتاب الاختصاص ص 81 ، وفي طبع النجف : ص 75 .
وللحديث مصادر جمة يجد الطالب كثيرا منها في ذيل المختار : ( 280 ) وتواليه من باب الكتب من نهج السعادة : ج 2 ص 460 ط 1 .

[592]


لله مالك ؟ وما مالك ؟ وهل قامت النساء عن مثل مالك ؟ وهل موجود كمالك ؟ قال : فلما نزل ودخل القصر أقبل عليه رجال من قريش فقالوا : لشد ما جزعت عليه ولقد هلك قال : أما والله هلاكه قد أعز أهل المغرب وأذل أهل المشرق قال وبكى عليه أياما وحزن عليه حزنا شديدا وقال : لاأرى مثله بعده أبدا .
736 - نهج وقال عليه السلام لما بلغه قتل محمد بن أبي بكر إن حزننا عليه على قدر سرورهم به إلا أنهم نقصوا بغيظا ونقصنا حبيبا .
737 - وقال عليه السلام وقد جاءه نعي الاشتر : مالك وما مالك ؟ لو كان جبلا لكان فندا [ ولو كان حجرا لكان صلدا ] لايرتقيه الحافر ولا يوفي عليه الطائر .
قوله عليه السلام ( الفند ) هو المنفرد من الجبال .
توضيح : قال في النهاية : الفند من الجبل أنفه الخارج منه ومنه حديث علي عليه السلام ( لو كان جبلا لكان فندا ) وقيل هو المنفرد من الجبال .
وقال ابن أبي الحديد : إنما قال عليه السلام ( لوكان جبلا لكان فندا ) لان الفند قطعة من الجبل طولا وليس الفند القطعة من الجبل كيف ما كانت ولذلك قال عليه السلام ( لايرتقيه الحافر ) لان القطعة المأخوذة من الجبل طولا في دقة لاسبيل للحافر إلى صعودها ولو أخذت عرضا لامكن صعودها ثم وصف عليه السلام تلك القطعة بالعلو العظيم فقال : ( ولا يوفي عليه الطائر ) أي لايصعد عليه يقال أو في فلان على الجبل أي أشرف .
738 - كش : ذكر أنه لما نعي الاشتر إلى أميرالمؤمنين عليه السلام تأوه

________________________________________________________
736 - رواه السيد الرضي رحمه الله في المختار : ( 325 ) من الباب الثالث من كتاب نهج البلاغة .
737 - رواه الشريف الرضي رحمه الله في المختار : ( 443 ) من قصار كلام أميرالمؤمنين في كتاب نهج البلاغة .
738 - رواه الكشي رضوان الله عليه في ترجمة مالك الاشتر رفع الله مقامه من رجاله

[593]


حزنا ثم قال : رحم الله مالكا وما مالك ؟ عز علي به هالكا لو كان صخرا لكان صلدا ولو كان جبلا لكان فندا وكأنه قدمني قدا .
739 - نهج : ومن كتاب له عليه السلام إلى محمد بن أبي بكر رضي الله عنه لما بلغه توجده من عزله بالاشتر عن مصر ثم توفي الاشتر في توجهه إلى مصر قبل وصوله إليها : وقد بلغتني موجدتك من تسريح الاشتر إلى عملك وإني لم أفعل ذلك استبطاء لك في الجهد ولا ازديادا لك في الجد ولو نزعت ما تحت يدك من سلطانك لوليتك ما هو أيسر عليك مؤنة وأعجب إليك ولاية .
إن الرجل الذي كنت وليته أمر مصر كان رجلا لنا ناصحا وعلى عدونا شديدا ناقما فرحمه الله فلقد استكمل أيامه ولاقى حمامه ونحن عنه راضون أولاه الله رضوانه وضاعف الثواب له .
فاصحر لعدوك وامض على بصيرتك وشمر لحرب من حاربك وادع إلى سبيل ربك واكثر الاستعانة بالله يكفك ما أهمك ويعنك على ما ينزل بك إن شاءالله .
توضيح : التوجد : الحزن .
والموجدة : الغضب ولعل المراد بها أيضا هنا الحزن .
والتسريح : الارسال .
والاستبطاء : عد الشئ بطيئا .
والجهد بالضم : الوسع والطاقة وبالفتح : المشقة .
والمؤونة : الثقل .
والاعجاب بالشئ : عدة حسنا .
والولاية بالكسر : السلطنة .
وتقول نقمت عليه أمره ونقمت منه كضربت
.
-بحار الانوار مجلد: 30 من ص 593 سطر 19 الى ص 601 سطر 18 وعلمت إذا عبته وكرهته أشد الكراهة لسوء فعله .
( واستكمل أيامه ) أي أتم عمره .
والحمام ككتاب : الموت وقيل قضاء الموت وقدره من قوله : حم كذا أي قدر ( أولاه الله رضوانه ) أي أوصله إليه وقربه منه وقيل : أي أعطاه .

________________________________________________________
739 - رواه السيد رضي الله تعالى عنه في المختار : ( 34 ) من الباب الثاني من نهج البلاغة .

[594]


قوله عليه السلام ( فأصحر لعدوك ) قال في النهاية أي كن من أمره على أمر واضح منكشف من أصحر الرجل إذا خرج إلى الصحراء .
وقال ابن أبي الحديد : أي أبرز له ولا تستترعنه في المدينة التي أنت فيها .
وقال ابن ميثم : السبب في إرسال هذا الكتاب أن محمد بن أبي بكر رضي الله عنه كان يضعف عن لقاء العدو ولم يكن في أصحاب علي عليه السلام أقوى بأسا في الحرب من الاشتر رحمه الله وكان معاوية بعد وقائع صفين قد تجرد للاغارة على أطراف بلاد المسلمين وقد كانت مصر جعلت طعمة لعمرو بن العاص وعلم عليه السلام أنها لاتتحفظ إلا بالاشتر فكتب له العهد الذي يأتي ذكره وجهه إليها فبلغه أن محمدا تألم من ذلك ثم إن الاشتر مات قبل وصوله إليها فكتب عليه السلام إلى محمد هذا الكتاب وهو يؤذن بإقراره على عمله واسترضائه وتعريفه وجه عذره في تولية الاشتر لعمله وأنه لم يكن ذلك لموجدة عليه ولاتقصير منه .
740 - نهج : ومن كتاب له عليه السلام إلى عبدالله بن العباس بعد مقتل محمد بن أبي بكر بمصر : أما بعد فإن مصر قد افتتحت ومحمد بن أبي بكر رحمه الله قد استشهد فعندالله فحتسبه ولدا ناصحا وعاملا كادحا وسيفا قاطعا وركنا دافعا و [ قد ] كنت حثث الناس على لحاقه وأمرتهم بغياثه قبل الوقعة ودعوتهم سرا وجهرا وعودا وبدءا فمنهم الآتي كارها ومنهم المعتل كاذبا ومنهم القاعد خاذلا اسأل الله تعالى أن يجعل لي منهم فرجا عاجلا فوالله لولا طمعي عند لقائي عدوي في الشهادة وتوطيني نفسي على المنية لاحببت أن لا أبقى مع هؤلاء يوما واحدا ولا ألتقي [ بهم ] أبدا .
إيضاح : أستشهد على بناء المجهول : أي قتل في سبيل الله .
وقال في النهاية : الاحتساب من الحسب كالاعتداد من العد وإنما قيل لمن ينوي بعمله وجه الله : احتسبه لان له حينئذ أن يعتد بعمله فجعل في حال مباشرة الفعل

________________________________________________________
740 - رواه الشريف الرضي رحمه الله في المختار : ( 35 ) من باب الكتب من نهج البلاغة .

[595]


كأنه معتد به والاحتساب في الاعمال الصالحات ، وعند المكروهات هو البدار إلى طلب الاجر وتحصيله بالصبر والتسليم أو باستعمال أنواع البر والقيام بها على الوجه المرسوم فيها طلبا للثواب المرجو منها ومنه الحديث : ( من مات له ولد فاحتسبه ) أي احتسب الاجر بصبره على مصيبته يقال : احتسب فلان ابنا له إذا مات كبيرا وافترطه إذا مات صغيرا ومعناه اعتد مصيبته به في جملة بلايا الله التي يثاب على الصبر عليها انتهى .
والكدح : العمل والسعي قاله الجوهري وقال : ركن الشئ : جانبه الاقوى وهو يأوي إلى ركن شديد أي عز ومنعة وقال : لحقه ولحق به لحاقا بالفتح : أي أدركه : وقال : استغاثني فأغثته والاسم الغياث : صارت الواوياءا لكسرة ما قبلها .
قوله عليه السلام : ( ومنهم المعتل ) أي قعد واعتل بعلة كاذبة قوله عليه السلام : ( ولا ألتقي ) معطوف على [ قوله ] ( لاحببت أن أبقى ) كما أن في بعض النسخ بالنصب وفي بعضها بالرفع .
741 - نهج : ومن كتاب له [ عليه السلام ] إلى أهل مصر لما ولى عليهم الاشتر رحمه الله : من عبدالله علي أميرالمؤمنين إلى القوم الذين غضبوا لله حين عصي في أرضه وذهب بحقه فضرب لجور سرادقه على البر والفاجر والمقيم والظاعن فلا معروف يستراح إليه ولا منكر يتناهى عنه .
أما بعد فقد بعثت إليكم عبدا من عبادالله لاينام أيام الخوف ولاينكل عن الاعداء ساعات الروح أشد على الفجار من حريق النار وهو مالك بن الحارث أخو مذحج فاستمعوا له وأطيعوا أمره فيما طابق الحق فإنه سيف من سيوف الله لاكليل الظبة ولانابي الضريبة فإن أمركم أن تنفروا فانفروا وإن أمركم أن تقيموا فأقيموا فإنه لايقدم ولايحجم ولايؤخر ولا يقدم إلا عن

________________________________________________________
741 - رواه الشريف الرضي رفع الله مقامه في المختار : ( 38 ) من باب كتب أميرالمؤمنين عليه السلام في نهج البلاغة .

[596]


أمري وقد آثرتكم به على نفسي لنصيحته لكم وشدة شكيمته على عدوكم .
742 كتاب الغارات عن فضيل بن خديج عن مولى الاشتر قال : لما هلك الاشتر وجدنا في ثقله رسالة علي إلى أهل مصر وذكر نحوه وزاد في آخره عصمكم الله بالحق وثبتكم باليقين والسلام عليكم .
بيان : قوله عليه السلام ( إلى القوم الذين غضبوا لله ) قال ابن أبي الحديد : هذا الفصل يشكل تأويله علي لان أهل مصرهم الذين قتلوا عثمان بالعصيان وإذا شهد أميرالمؤمنين عليه السلام بأنهم غضبوا لله حين عصي الله في أرضه فهذه شهادة قاطعة على عثمان بالعصيان وإتيان المنكر .
ثم أجاب بتأويلات ركيكة لاتقبل الجواب .
وقال الجوهري : كل بيت من كرسف فهو سرادق .
وفي القاموس : استراح إليه : سكن واطمأن .
وفي النهاية : ضبة السيف حده وطرفه .
وفي القاموس : الضريبة : السيف وحده .
وفي الصحاح : نبا السيف إذا لم يعمل في الضريبة وقال : فلان شديد الشكيمة إذا كان شديد النفس انفا أبيا وفلان ذو شكيمة إذا كان لاينقاد .
743 - نهج : ومن كتاب له عليه السلام إلى [ أهل ] مصر مع مالك الاشتر لما ولاه إمارتها .
أما بعد فإن الله سبحانه بعث محمدا صلى الله عليه وآله نذيرا للعالمين ومهيمنا على المرسلين فلما مضى عليه السلام تنازع المسلمون الامر من بعده فوالله ما كان يلقى في روعي ولايخطر على بالي أن العرب تزعج هذا الامر من بعده صلى الله عليه وآله عن أهل بيته ولا أنهم منحوه عني من بعده فما راعني إلا ان ؟ ثال الناس على فلان يبايعونه فأمسكت بيدي حتى رأيت راجعة الناس قد رجعت عن الاسلام يدعون إلى محق دين محمد صلى الله عليه وآله

________________________________________________________
742 - رواه الثقفي رحمه الله في باب خبر مقتل الاشتر ، ج 1 ، ص 266 ، ط 1 .
743 - رواه السيد الرضي رفع الله مقامه في المختار ( 62 ) من الباب الثاني من كتاب نهج البلاغة .

[597]


فخشيت إن لم أنصر الاسلام وأهله أن أرى فيه ثلما أو هدما تكون المصيبة به علي أعظم من فوت ولايتكم التي إنما هي متاع أيام قلائل يزول منها ما كان كما يزول السراب أو كما يتقشع السحاب فنهضت في تلك الاحداث حتى زاح الباطل وزهق واطمأن الدين وتنهنه .
ومنه : إني والله لو لقيتهم واحدا وهم طلاع الارض كلها ما باليت ولا استوحشت وإني من ضلالهم الذي هم فيه والهدى الذي أنا عليه لعلى بصيرة من نفسي ويقين من ربي وإني إلى لقاءالله لمشتاق ولحسن ثوابه لمنتظر راج ولكني آسى أن يلي هذه الامة سفهاؤها وفجارها فيتخذوا مال الله دولا وعباده خولا والصالحين حربا والفاسقين حزبا فإن منهم الذي شرب فيكم الحرام وجلد حدا في الاسلام وإن منهم من لم يسلم حتى رضخت له على الاسلام الرضايخ فلولا ذلك ما أكثرت تأليبكم وتأنيبكم وجمعكم وتحريضكم ولتركتكم إذ أبيتم وونيتم .
ألا ترون إلى أطرافكم قد انتقضت وإلى أمصاركم قد افتتحت وإلى مماللكم تزوى وإلى بلادكم تغزى انفروا رحمكم الله إلى قتال عدوكم ولا تثاقلوا إلى الارض فتقروا بالخسف وتبوؤا بالذل ويكون نصيبكم الاخس إن أخا الحرب الارق ، ومن نام لم ينم عنه [ والسلام ] .
توضيح : [ قوله عليه السلام : ] ومهيمنا : أي شاهدا على المرسلين يشهد لهم في الآخرة وأصله من آمن غيره من الخوف لان الشاهد يؤمن غيره من الخوف بشهادته .
وقيل : هو الرقيب .
وقيل : المؤتمن وقيل : القائم بأمور الخلق .
وقيل : اصله المؤيمن فأبدلت الهاء من الهمزة وهو مفيعل من الامانة والمراد بالامر الخلافة .
والروع بالضم القلب أو سواده .
وقيل : الذهن والعقل .
وأزعحه : قلعه عن مكانه .
ونحاه أي أزاله ولعل الغرض إظهار شناعة هذا الامر وأنه مما لم يكن يخطر ببال بظاهر الحال فلا ينافي علمه بذلك بإخبار الرسول صلى الله عليه وآله .

[598]


[ قوله عليه السلام ] : ( فما راعني ) قال ابن أبي الحديد : تقول للشئ يفجوك بغتة : ما راعني إلا كذا .
والروع بالفتح الفزع كأنه يقول : ما أفزعني شئ بعد ذلك السكون الذي كان عندي والثقة التي اطمأننت إليها إلا وقوع ما وقع من انثيال الناس أي انصبابهم من كل وجه - كما ينثال التراب - على أبي بكر والاسم كان مذكورا في كتاب الاشتر صريحا وإنما الناس يكتبونه على فلان تذمما من ذكر الاسم .
[ قوله عليه السلام : ] ( حتى رأيت راجعة الناس ) أي الطائفة الراجعة من الناس التي قد رجعت عن الاسلام يعني أهل الردة كمسيلمة وسجاح وطليحة بن خويلد .
ويحتمل أن يكون المراد بهم المنافقين المجتمعين على أبي بكر فإنهم كانوا يغتنمون فتنة تصير سببا لارتدادهم عن الدين رأسا [ قوله عليه السلام ] : ( كما يتقشع ) أي يتفرق وينكشف .
وتنهنه أي انزجر عن الاضطراب والحركة وقال الجوهري : نهنهت الرجل عن الشئ فتنهنه أي كففته وزجرته فكف .
وفي النهاية : طلاع الارض ذهبا أي ما يملؤها حتى يطلع عنها ويسيل .
والاستيحاش : ضد الاستيناس وهنا كناية عن الخوف .
آسى : أي أحزن ( مال الله دولا ) في الصحاح أن دولا جمع دولة بالضم فيهما وفي القاموس الدولة : انقلاب الزمان والعقبة في المال ويضم أو الضم فيه والفتح في الحرب أو هما سواء أو الضم في الآخرة والفتح في الدنيا والجمع دول مثلثة .
وفي النهاية : كان عبادالله خولا أي خدما وعبيدا يعني أنهم يستخدمونهم ويستعبدونهم .
[ قوله عليه السلام : ] ( والصالحين حربا ) أي عدوا و ( الفاسقين حزبا ) أي ناصرا وجندا .
وقال ابن أبي الحديد : المراد بمن شرب الخمر الوليد بن عقبة وأما الذي رضخت له على الاسلام الرضائخ فمعاوية وأبوه وأخوه وحكيم بن حزام

[599]


وسهيل بن عمرو والحارث بن هشام وغيرهم وهم قوم معروفون لانهم من المؤلفة قلوبهم الذين رغبوا في الاسلام والطاعة بجمال وشاء دفعت إليهم للاغراض الدنياوية والطمع ولم يكن إسلامهم عن أصل ويقين .
وقال القطب الراوندي ( يعني عمرو بن العاص ) وليس بصحيح لان عمرا لم يسلم بعد الفتح وأصحاب الرضائخ كلهم صونعوا عن الاسلام بغنائم حنين ولعمري إن إسلام عمرو كان مدخولا أيضا إلا أنه لم يكن عن رضيخة وإنما كان لمعنى آخر والرضيخة شئ قليل يعطاه الانسان يصانع به عن أمر يطلب منه كالاجرة انتهى .
والتأليب : التحريض .
والتأنيب : أشد اللوم .
والونى الضعف والفتور .
وإلى ممالككم تزوى أي نفيض ( ولا تثاقلوا ) بالتشديد والتخفيف معا إشارة إلى قوله تعالى : * ( مالكم إذا قيل لكم انفروا في سبيل الله اثاقلتم إلى الارض ) * الآية وقال الفيروزآبادي : تثاقل عنه : تباطأ .
والقوم : لم ينهضوا للنجدة وقد استنهضوا لها .
وقال في النهاية : الخسف : النقصان والهوان .
وقال : أصل البواء : اللزوم ، وأبوء أي أقر والتزم وارجع .
وقال : الارق هو السهر ورجل أرق إذا سهر لعلة فإن كان السهر من عادته قيل : أرق بضم الهمزة والراء .
وأخو الحرب : ملازمه ( ومن نام لم ينم عنه ) لان العدو لايغفل عن عدوه .
744 - نهج من عهد له عليه السلام كتبه للاشتر النخعي رحمه الله [ لما ولاه ] على مصر وأعمالها حين اضطرب أمر محمد بن أبي بكر رحمه الله وهو أطول عهد كتبه وأجمعه للمحاسن : هذا ما أمر به عبدالله علي أميرالمؤمنين مالك بن الحارث الاشتر في عهده إليه حين ولاه مصر جباية خراجها وجهاد عدوها واستصلاح أهلها وعمارة بلادها .
أمره بتقوى الله وإيثار طاعته واتباع ما أمر به في كتابه من فرائضه وسننه

________________________________________________________
744 - رواه الشريف الرضي قدس الله نفسه في المختار : ( 53 ) من باب كتب أميرالمؤمنين عليه السلام في نهج البلاغة .

[600]


التي لا يسعد أحد إلا باتباعها ولايشقى إلا مع جحودها وإضاعتها وأن ينصر الله سبحانه بيده وقلبه ولسانه فإنه جل اسمه قد تكفل بنصر من نصره وإعزاز من أعز .
وأمره أن يكسر من نفسه عند الشهوات ( 1 ) ويزعها عند الجمحات فإن النفس أمارة بالسوء إلا ما رحم الله .
ثم اعلم يا مالك أني قد وجهتك إلى بلاد قد جرت عليها دول قبلك من عدل وجور وأن الناس ينظرون من أمورك في مثل [ الذي ] ما كنت ( 2 ) تنظر فيه من أمور الولاة قبلك ويقولون فيك ما كنت تقول فيهم وإنما يستدل على الصالحين بما يجري الله لهم على ألسن عباده فليكن أحب الذخائر إليك ذخيرة العمل الصالح فاملك هواك وشح بنفسك عما لايحل لك فإن الشح بالنفس الانصاف منها فيما أحبت أو كرهت وأشعر قلبك الرحمة للرعية والمحبة لهم واللطف بهم ولا تكونن عليهم سبعا ضاريا تغتنم أكلهم فإنهم صنفان إما أخ لك في الدين وإما نظير لك في الخلق ( 3 ) يفرط منهم الزلل وتعرض لهم العلل ويؤتى على أيديهم في العمد والخطأ فأعطهم من عفوك وصفحك مثل الذي تحب أن يعطيك الله من عفوه وصفحه فإنك فوقهم ووالي الامر عليك فوقك والله فوق من ولاك وقد استكفاك أمرهم وابتلاك بهم .
[ و ] لاتنصبن نفسك لحرب الله فإنه لايدي لك بنقمته ولا غنى بك عن عفوه ورحمته .
ولا تندمن على عفو ولا تبجحن بعقوبة ولا تسرعن إلى بادرة وجدت عنها مندوحة ولا تقولن إني مؤمر آمر فأطاع فإن ذلك إدغال في القلب ومنهكة للدين وتقرب من الغير .

________________________________________________________
( 1 ) وفي نسختين من طبع الحديث من نهج البلاغة ( وأمره أن يكسر نفسه من الشهوات ) .
( 2 ) كذا في متن أصلي ، وكتب في هامشه : ( في مثل الذي كنت ) ولم يشر إلى بدلتيه .
( 3 ) وفي بعض النسخ المطبوعة حديثا : ( أو نظير لك في الخلق ) .