[581]


استشهد جعفر تزوجها أبوبكر فولدت له محمدا ثم تزوجها أميرالمؤمنين عليه السلام ونشأ محمد في حجره ورضع الولاء والتشيع وكان جاريا عنده عليه السلام مجرى بعض ولده .
وأما هاشم فهو ابن عتبة بن أبي وقاص وهو المرقال سمي به لانه كان يرقل في الحرب أي يسرع قتل بصفين رضي الله عنه .
726 - نهج : ومن كتاب له عليه السلام إلى محمد بن أبي بكر : فاخفض لهما جناحك وألن لهم جنابك ، وابسط لهم وجهك واس بينهم في اللحظة والنظرة حتى لايطمع العظماء في حيفك لهم ولاييأس الضعفاء من عدلك عليهم وإن الله تعالى يسائلكم معشر عباده عن الصغيرة من أعمالكم والكبيرة والظاهرة والمستورة فإن يعذب فأنتم أظلم وإن يعف فهو أكرم .
واعلموا عبادالله أن المتقين ذهبوا بعاجل الدنيا وآجل الآخرة فشاركوا أهل الدنيا في دنياهم ولم يشاركهم أهل الدنيا في آخرتهم سكنوا الدنيا بأفضل ما سكنت وأكلوها بأفضل ما أكلت فحظوا من الدنيا بما حظي به المترفون وأخذوا منها ما أخذت الجبابرة المتكبرون ثم انقلبوا عنها بالزاد المبلغ والمتجر الرابح [ المربح ( خ ل ) ] أصابوا لذة زهد الدنيا في دنياهم وتيقنوا أنهم جيران الله غدا في آخرتهم لاترد لهم دعوة ولاينقص لهم نصيب من لذة .
فاحذروا عبادالله الموت وقربه وأعدوا له عدته فإنه يأتي بأمر عظيم وخطب جليل بخير لايكون معه شر أبدا أو شر لايكون معه خير أبدا فمن أقرب إلى الجنة من عاملها ومن أقرب إلى النار من عاملها وانكم طرداء الموت إن أقمتم له أخذكم وإن فررتم منه أدرككم وهو ألزم لكم من ظلكم الموت معقود بنواصيكم والدنيا تطوى من خلفكم .
فاحذروا نارا قعرها بعيد وحرها شديد وعذابها جديد دار ليس فيها رحمة

________________________________________________________
726 - رواه السيد الرضي رضي الله عنه في المختار : ( 26 ) من الباب الثاني من نهج البلاغة .

[582]


ولاتسمع فيها دعوة ولا تفرج فيها كربة .
وإن استطعتم أن يشتد خوفكم من الله وأن يحسن ظنكم به فاجمعوا بينهما فإن العبد إنما يكون حسن ظنه بربه على قدر خوفه من ربه وإن أحسن الناس ظنا باالله أشدهم خوفا لله .
واعلم يا محمد بن أبي بكر أني قد وليتك أعظم أجنادي في نفسي أهل مصر فأنت محقوق أن تخالف على نفسك وأن تنافح عن دينك ولو لم يكن لك إلا ساعة من الدهر فلا تسخط الله برضاء أحد من خلقه فإن في الله خلفا من غيره وليس من الله خلف في غيره ، صل الصلاة لوقتها الموقت ولاتعجل وقتها لفراغ ولاتؤخرها عن وقتها لاشتغال واعلم أن كل شئ من عملك تبع لصلاتك .
ومنه : فإنه لاسواء إمام الهدى وإمام الردى وولي النبي وعدو النبي ولقد قال لي رسول الله صلى الله عليه وآله إني لاأخاف على أمتي مؤمنا ولامشركا أما المؤمن فيمنعه الله بإيمانه وأما المشرك فيقمعه الله بشركه ولكني أخاف عليكم كل منافق الجنان عالم اللسان يقول ما تعرفون ويفعل ما تنكرون .
بيان : قوله عليه السلام ( وآس بينهم ) قال [ ابن الاثير ] في [ مادة ] ( أسا ) من [ النهاية : الاسوة والمؤاساة : المساهمة والمشاركة في المعاش والرزق وأصلها الهمزة فقلبت واوا تخفيفا ومنه حديث علي عليه السلام ( آس بينهم في اللحظة والنظرة ) أي اجعل كل واحد منهم أسوة خصمه وقال ابن أبي الحديد : نبه بذلك على وجوب أن يجعلهم أسوة في جميع ما عدا ذلك من العطاء والانعام والتقريب كقوله تعالى : ( ولا تقل لهما أف ) .
وقال في قوله عليه السلام ( في حيفك لهم ) الضمير في لهم راجع إلى رعيته لا إلى العظماء وقد كان سبق ذكرهم في أول الخطبة أي حتى لايطمع العظماء في أن تتحيف الرعية وتظلمهم وتدفع أموالهم إليهم ويجوز أن يرجع الضمير إلى العظماء أي حتى لايطمع العظماء في جورك في القسم الذي إنما تفعله لهم ولاجلهم .
انتهى .
والحيف يكون بمعنى الميل عن القصد وبمعنى الظلم

[583]


والثاني بالاول والاول بالثاني أنسب .
قوله عليه السلام : ( فأنتم أظلم ) أي من أن لاتعذبوا أو لاتستحقوا العقاب ( وإن يعف فهو أكرم ) من أن لايعفو أو يستغرب منه العفو .
أو المعنى أنه سبحانه إن عذب فظلمكم أكثر من عذابه ولايعاقبكم بمقدار الذنب ، وإن يعف فكرمه أكثر من ذلك العفو ويقدر على أكثر منه وربما يفعل أعظم منه .
وقال ابن أبي الحديد أي أنتم الظالمون كقوله تعالى : * ( وهو أهون عليه ) * وكقولهم : الله أكبر .
وقال ابن ميثم : ويحتمل أن يكون قد سمى مايجازيهم من العذاب ظلما مجازا لمشابهة الظلم في الصورة كما في قوله عليه السلام : ( فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم ) فصدق إذن اسم التفضيل لابتدائهم بالمعصية انتهى .
وقوله : ( سكنوا الدنيا ) بيان لقوله ( ذهبوا ) وقال ابن ميثم وإنما كان ما فعلوا أفضل لانهم استعملوها على الوجه الذي ينبغي لهم وأمروا باستعمالها عليه وظاهر أن ذلك أفضل الوجوه وهو الاخذ من لذات الدنيا المباحة لهم بقدر ضرورتهم وحاجتهم بل نقول : إن لذتهم بما استعملوا منها أتم وأكمل وذلك إن كل ما استعملوه من مأكول ومشروب ومنكوح ومركوب إنما كان عند الحاجة والضرورة وكلما كان الحاجة إلى الملذات أتم كانت اللذة أقوى وأعظم .
أقول ويحتمل أن تكون الافضلية باعتبار لما المتقين لما كان مصروفهم من الحلال لايخافون عليه عقابا وغيرهم لاكان ما ينتفعون به حراما أو مخلوطا يخشون العقوبة عليه وهذا مما يكدر عيشهم عامل الجنة من يعمل الاعمال المؤدية إليها وكذا عامل النار .
والطرداء بضم الطاء وفتح الراء : جمع طريد أي يطردكم عن أوطانكم ويخرجكم منها .
وقال في النهاية : فيه ( كنت أطارد حية ) أي أخادعها لاصيدها ومنه طراد الصيد .

[584]


قوله عليه السلام : ( معقود بنواصيكم ) أي ملازم لكم .
قوله عليه السلام : ( وإن أحسن الناس ظنا ) التلازم بينهما لكونهما لازمين للمعرفة فكلما صارت هذه المعرفة أكمل والعلم بجلالته سبحانه أتم كان حسن الظن والخوف أبلغ .
قوله عليه السلام ( أعظم اجنادي ) أي عساكري وأعواني وأقاليمي وبلداني .
قال ابن أبي الحديد : يقال للاقاليم والاطراف : أجناد .
وقال الجوهري : الجند : الاعوان والانصار والشام خمسة أجناد دمشق وحمص وقنسرين وأردن وفلسطين يقال : لكل مدينة منها جند والظاهر هو الاول لقوله : أهل مصر .
( فأنت محقوق ) أي حقيق وجدير .
وقال في النهاية : المنافحة والمكافحة : المدافعة والمضاربة ومنه حديث علي عليه السلام [ في صفين ] ( نافحوا بالظبى ) أي قاتلوا بالسيف وأصله أن يقرب أحد المتقاتلين من الآخر بحيث يصل نفح كل واحد منهما إلى صاحبه وهي ريحه ونفسه وقال : اللهم أعط كل منفق خلفا أي عوضا .
والمراد بإمام الردى معاوية كقوله تعالى : ( وجعلناهم أئمة يدعون إلى النار ) وكذا هو المراد بعدو النبي قال ابن أبي الحديد لان عدوه عليه السلام عدو النبي لقوله صلى الله عليه وآله ( وعدوك عدوي وعدوي عدوالله ) ولان دلائل النفاق كانت ظاهرة عليه من أفعاله وفلتات لسانه .
727 - كش : محمد بن مسعود عن علي بن محمد القمي عن أحمد بن محمد بن عيسى عن رجل عن عمر بن عبدالعزيز عن جميل بن دراج عن حمزة بن محمد الطيار قال : ذكرنا محمد بن أبي بكر عند أبي عبدالله عليه السلام فقال أبوعبدالله عليه السلام رحمه الله وصلى عليه قال لاميرالمؤمنين عليه السلام يوما من الايام : ابسط يدك أبايعك فقال : أو ما فعلت ؟ قال : بلى

________________________________________________________
727 - رواه أبوعمرو الكشي رحمه الله في ترجمة محمد بن أبي بكر تحت الرقم : ( 16 ) من رجاله ص 61 ط النجف .

[585]


فبسط يده فقال : أشهد أنك إمام مفترض طاعتك وأن أبي في النار فقال أبو عبدالله عليه السلام كان النجابة من قبل أمه أطماء بنت عميس رحمة الله عليها لا من قبل أبيه .
728 - ختص عن ابن الطيار مثله .
729 - كش حمدويه بن نصير عن محمد بن عيسى عن ابن أبي عمير عن ابن أذينة عن زرارة عن أبي جعفر عليه السلام أن محمد بن أبي بكر بايع عليا عليه السلام على البراءة من أبيه .
730 - ختص أحمد بن هارون الفامي عن ابن الوليد عن الصفار عن ابن يزيد عن ابن أبي عمير مثله .
731 - كش : حمدويه وإبراهيم عن محمد بن عبدالحميد عن أبي جميلة عن ميسر بن عبدالعزيز عن أبي جعفر عليه السلام قال : بايع محمد بن أبي بكر على البراءة من الثاني .
732 - كش حمدويه عن محمد بن عيسى عن يونس عن موسى بن مصعب عن شعيب عن أبي عبدالله عليه السلام قال : سمعته يقول : ما من أهل بيت إلا ومنهم نجيب من أنفسهم وأنجب النجباء من أهل بيت سوء محمد بن أبي بكر .
733 - ف كتب أميرالمؤمنين عليه السلام إلى أهل مصر بعد تسيير

________________________________________________________
728 - رواه الشيخ المفيد رفع الله مقامه في الحديث : ( 123 ) في أوائل كتاب الاختصاص
.
-بحار الانوار مجلد: 30 من ص 585 سطر 19 الى ص 593 سطر 18 ص 65 ط النجف .
729 - رواه أبوعمر الكشي رحمه الله في ترجمة محمد بن أبي بكر .
730 - رواه الشيخ المفيد رحمه الله في الحديث : ( 124 ) في أوائل كتاب الاختصاص ص 65 ط النجف .
733 - رواه الحسن بن علي بن شعبة رحمه الله في ما اختار من كلام أميرالمؤمنين عليه السلام في كتاب تحف العقول ص 119 ، ط النجف .

[586]


محمد بن أبي بكر ما هذا مختصره : من عبدالله علي أميرالمؤمنين إلى محمد بن أبي بكر وأهل مصر سلام عليكم أما بعد فقد وصل إلي كتابك وفهمت ما سألت عنه وأعجبني اهتمامك بما لابد لك منه وما لايصلح المسلمين غيره ، وظننت أن الذي أخرج ذلك منك نية صالحة ورأي غير مدخول .
أما بعد فعليك بتقوى الله في مقامك ومقعدك وسرك وعلانيتك وإذا قضيت بين الناس فاخفض لهم جناحك ولين لهم جانبك وابسط لهم وجهك وآس بينهم في اللحظ والنظرة حتى لايطمع العظماء في حيفك لهم ولا ييأس الضعفاء من عدلك عليهم وأن تسأل المدعي البينة وعلى المدعى عليه اليمين .
ومن صالح أخاه على صلح فاجز صلحه إلا أن يكون صلحا يحرم حلالا أو يحلل حراما .
وآثر الفقهاء وأهل الصدق والوفاء والحياء والورع على أهل الفجور والكذب والعدر وليكن الصالحون الابرار إخوانك والفاجرون الغادرون أعداءك فإن أحب إخواني إلي أكثرهم لله ذكرا وأشدهم منه خوفا وأنا أرجو أن تكون منهم إنشاءالله .
وإني أوصيكم بتقوى الله فيما أنتم عنه مسؤولون وعما أنتم إليه صائرون فإن الله قال في كتابه * ( كل نفس بما كسبت رهينة ) * [ 38 / المدثر : 74 ] وقال ويحذركم الله نفسه وإلى الله المصير ) * [ 28 / آل عمران : 2 ] وقال : * ( فوربك لنسألنهم أجمعين عما كانوا يعملون ) * [ 92 - 93 / الحجر : 15 ] فعليكم بتقوى الله فإنها تجمع من الخير ما لا يجمع غيرها ويدرك بها من الخير ما لا يدرك بغيرها من خير الدنيا وخير الآخرة قال الله : * ( وقيل للذين اتقوا ماذا أنزل ربكم قالوا خيرا للذين أحسنوا في هذه الدنيا حسنة ولدار الآخرة خير ولنعم دار المتقين ) * [ 30 / النحل : 16 ] اعلموا عبادالله أن المتقين ذهبوا بعاجل الخير وآجله شاركوا أهل الدنيا في دنياهم ولم يشاركهم أهل الدنيا في آخرتهم قال الله عزوجل : * ( قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من

[587]


الرزق ) * الآية [ 32 / الاعراف : 7 ] سكنوا الدنيا بأحسن ما سكنت فأكلوها بأحسن ما أكلت .
واعلموا عبادالله أنكم إذا اتقيتم الله وحفظتم نبيكم في أهله فقد عبدتموه بأفضل عبادته وذكرتموه بأفضل ما ذكر وشكرتموه بأفضل ما شكر وقد أخذتم بأفضل الصبر والشكر واجتهدتم بأفضل الاجتهاد وإن كان غيركم أطول منكم صلاة وأكثر منكم صياما وصدقة إذ كنتم أنتم أوفى لله وأنصح لاولياء الله ومن هو ولي الامر من آل رسول الله صلى الله عليه وآله .
واحذروا عبادالله الموت وقربه وكربه وسكراته وأعدوا له عدته فإنه يأتي بأمر عظيم بخير لايكون معه شر وبشر لايكون معه خير أبدا فمن أقرب إلى الجنة من عاملها ؟ وأقرب إلى النار من أهلها فأكثروا ذكر الموت عند ما تنازعكم إليه أنفسكم فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول : أكثروا ذكر هادم اللذات واعلموا أن ما بعد الموت لمن لم يغفرالله له ويرحمه أشد من الموت .
واعلم يا محمد أني وليتك أعظم أجنادي في نفسي أهل مصر وأنت محقوق أن تخاف على نفسك وأن تحذر فيه على دينك وإن لم يكن [ لك ] إلا ساعة من النهار فإن استطعت أن لاتسخط ربك برضا أحد من خلقه فافعل فإن في الله خلفا من غيره ولا في شئ خلف من الله .
اشدد على الظالم وخذ على يديه ولن لاهل الخير وقربهم منك واجعلهم بطانتك وإخوانك .
ثم انظر صلاتك كيف هي فإنك إمام وليس من إمام يصلي بقوم فيكون في صلاتهم تقصير إلا كان عليه أوزارهم ولاينتقص من صلاتهم شئ ولا يتممها إلا كان له مثل أجورهم ولا ينتقص من أجورهم شئ .
وانظر الوضوء فإنه تمام الصلاة ولا صلاة لمن لاوضوء له ، واعلم أن كل شئ من عملك تابع لصلاتك واعلم أنه من ضيع الصلاة فإنه لغير الصلاة

[588]


من شرائع الاسلام أضيع .
وإن استطعتم يا أهل مصر أن يصدق قولكم فعلكم وسركم علانيتكم ولاتخالف ألسنتكم أفعالكم فافعلوا و [ قد ] قال رسول الله صلى الله عليه وآله إني لاأخاف على أمتي مؤمنا ولا مشركا أما المؤمن فيمنعه الله بإيمانه وأما المشرك فيخزيه الله ويقمعه بشركه ولكن أخاف عليكم كل منافق حلو اللسان يقول ما تعرفون ويفعل ما تنكرون ليس به خفاء .
وقد قال النبي صلى الله عليه وآله من سرته حسناته وساءته سيئاته فذلك المؤمن حقا .
وكان يقول صلى الله عليه وآله : خصلتان لاتجتمعان في منافق : حسن سمت وفقه في سنة .
واعلم يا محمد بن أبي بكر أن أفضل الفقه الورع في الله والعمل بطاعة الله أعاننا الله وإياك على شكره وذكره وأداء حقه والعمل بطاعته إنه سميع قريب .
واعلم أن الدنيا دار بلاء وفناء والآخرة دار بقاء وجزاء فإن استطعت أن تؤثر ما يبقى على ما يفنى فافعل .
رزقنا الله بصر ما بصرنا وفهم ما فهمنا حتى لانقصر عما أمرنا ولانتعدى إلى ما نهانا عنه فإنه لابدلك من نصيبك من الدنيا وأنت إلى نصيبك من الآخرة أحوج فإن عرض لك أمران : أحدهما للآخرة والآخر للدنيا فابدأ بأمر الآخرة وإن استطعت أن تعظم رغبتك للخير وتحسن فيه نيتك فافعل فإن الله يعطي العبد على قدر نيته إذا أحب الخير وأهله وإن لم يفعله كان انشاءالله كمن فعله .
ثم إني أوصيك بتقوى الله ثم بسبع خصال هن جوامع الاسلام

________________________________________________________
( 1 ) كذا في أصلي ط الكمباني ، وفي كتاب تحف العقول ط بيروت : ( فيخزيه الله ويقمعه ) .

[589]


تخشى الله ولا تخشى الناس في الله وان خير القول ما صدقه الفعل ولاتقض في أمر واحد بقضائين فيختلف عليك أمرك وتزل عن الحق وأحب لعامة رعيتك ما تحب لنفسك وأهل بيتك واكره لهم ما تكره لنفسك وأهل بيتك والزم الحجة عندالله وأصلح رعيتك وخض الغمرات إلى الحق ولاتخف في الله لومة لائم وأقم وجهك وانصح للمرء المسلم إذا استشارك واجعل نفسك أسوة لقريب المسلمين وبعيدهم ، وأمر بالمعروف وانه عن المنكر واصبر على ما أصابك إن ذلك من عزم الامور والسلام عليك ورحمة الله وبركاته .
أقول : سيأتي مع شرحه إنشاءالله بإسناد آخر في باب مواعظه ( 1 ) صلوات الله عليه بتغيير وزيادة وقد مر برواية ابن أبي الحديد أيضا ( 2 ) .
734 - ختص : الحسين بن أحمد العلوي المحمدي وأحمد بن علي بن الحسين بن زنجويه جميعا عن حمزة بن القاسم العلوي عن بكر بن عبدالله بن حبيب عن سمرة بن علي عن أبي معاوية الضرير عن مجالد عن الشعبي : عن عبدالله بن جعفر ذي الجناحين قال : لما جاء علي بن أبي طالب صلوات الله عليه مصاب محمد بن أبي بكر حيث قتله معاوية بن حديج السكوني بمصر جزع عليه جزعا شديدا وقال : ما أخلق مصر أن يذهب آخر الدهر فلوددت أني وجدت رجلا يصلح لها فوجهته إليها فقلت : تجد فقال من ؟ قلت الاشتر قال : ادعه لي فدعوته فكتب له عهده وكتب معه :

________________________________________________________
( 1 ) وانظر الحديث : ( 11 ) من باب مواعظ أميرالمؤمنين عليه السلام من ج 17 ، ص 101 ، ط الكمباني ، وفي ط الحديث : ج 77 ، ص 387 .
للمصنف أن يحقق هذه الامنية فبقي من دون شرح .
( 2 ) تقدم في اخر الحديث الاول من هذا الباب ، فلاحظ .
734 - رواه الشيخ المفيد رحمه الله في الحديث : ( 135 ) في أوائل كتاب الاختصاص ض 75 ط النجف ، وفي ط طهران ، ص 79 .
وللكتاب مصادر أخر يجد الباحث كثيرا منها في المختار : ( 124 ) من باب الكتب من نهج السعادة : ج 5 ص 52 ط 1 .

[590]


بسم الله الرحمن الرحيم من علي بن أبي طالب إلى الملا من المسلمين الذين غضبوا لله حين عصي في الارض وضرب الجور بأرواقة على البر والفاجر فلا حق يستراج إليه ولا منكر يتناهى عنه سلام عليكم فإني أحمد إليكم الله الذي لا إله إلا هو أما بعد فقد وجهت إليكم عبدا من عباد الله لا ينام أيام الخوف ولاينكل عن الاعداء حذار الدوائر أشد على الفجار من حريق النار وهو مالك بن الحرث الاشتر أخو مذحج فاسمعوا له وأطيعوا فإنه سبف من سيوف الله لانابي الضريبة ولاكليل الحد فإن أمركم أن تنفروا فانفروا وإن أمركم أن تقيموا فأقيموا وإن أمركم أن تحجموا فأحجموا فإنه لا يقدم ولايحجم إلا بأمري وقد آثرتكم به على نفسي لنصيحته لكم وشدة شكيمته على عدوكم عصمكم ربكم بالهدى وثبتكم باليقين .
ثم قال له : لاتأخذ على السماوة فإني أخاف عليكم معاوية وأصحابه ولكن الطريق الاعلى في البادية حتى تخرج إلى أبلة ( 1 ) ثم ساحل مع البحر [ حتى ] تأتيها ففعل فلما انتهى إلى أيلة وخرج منها صحبه نافع مولى عثمان بن عفان فخدمه وألطفه حتى أعجبه شأنه فقال : ممن أنت ؟ قال : من أهل المدينة قال : من أيهم ؟ قال : مولى عمر بن الخطاب قال : وأين تريد ؟ قال : مصر قال : وما حاجتك بها ؟ قال : أريد أن أشبع من الخبز فإنا لانشبع بالمدينة فرق له الاشتر وقال له : الزمني فإني سأجيبك بخبز فلزمه حتى بلغ القلزم وهو من مصر على ليلة فنزل على إمرأة من جهينة فقالت : أي الطعام أعجب بالعراق فأعالجه لكم ؟ قال : الحيتان الطرية فعالجتها له فأكل وقد كان ظل صائما في يوم حار فأكثر من شرب الماء فجعل لايروى فأكثر منه حتى نغر يعني انتفخ بطنه من كثرة شربه فقال له نافع إن [ هذا ] الطعام [ الذي أكلت ] لايقتل سمه إلا العسل فدعا به من ثقله فلم يوجد قال له نافع : هو عندي فآتيك به ؟ قال نعم فأتني به فأتى رحله فحاضر شربة من عسل بسم قد كان معه أعده له فأتاه بها فشربها فأخذه الموت من ساعته وانسل نافع في ظلمة

________________________________________________________
( 1 ) ببفتح الهمزة ، مدينة على ساحل بحر القلزم ممايلي الشام .