[571]


رجلين يحييان ما أحيا القران ويميتان ما أمات القران فاختلف رأيهما وتفرق حكمهما ونبذا مافي حكم القران وخالفا مافي الكتاب فجنبهما السداد ودلاهما في الضلالة فنبذا حكمهما وكانا أهله .
فانخزلت فرقة منا فتركناهم ماتركونا حتى إذا عثوا في الارض يقتلون ويفسدون أتيناهم فقلنا : ادفعوا إلينا قتلة إخواننا ثم كتاب الله بينا وبينكم ؟ قالوا : كلنا قتلهم وكلنا استحل دماءهم ودماءكم .
وشدت علينا خيلهم ورجالهم فصرعهم الله مصارع الظالمين .
فلما كان ذلك من شأنهم أمرتكم أن تمضوا من فوركم ذلك إلى عدوكم فقلتم : كلت سيوفنا ونفدت نبالنا ونصلت أسنة رماحنا ، وعاد أكثرها قصدا ، فارجع بنا إلى مصرنا لسنتعد بأحسن عدتنا فاذا رجعت زدت في مقاتلتنا عدة من هلك منا وفارقنا فإن ذلك ؟ أقوى لنا على عدونا .
فأقبلت بكم حتى إذا أظللتم على الكوفة أمرتكم أن تنزلوا بالنخيلة وأن تلزموا معسكركم وأن تضموا قواصيكم وأن توطنوا على الجهاد أنفسكم ولاتكثروا زبارة أبنائكم ونسائكم ، فإن أهل الحرب المصابروها ، وأهل التشمير فيها الذين لاينقادون من سهر ليلهم ولاظلمأ نهارهم ولاخمص بطونهم ولانصب أبدانهم ، فنزلت طائفة منكم معي معذرة ، ودخلت طائفة منكم المصر عاصية ، فلا من بقي منكم صبر وثبت ، ولامن دخل المصر عاد إلي ورجع فنظرت إلى معسكري وليس فيه خمسون رجلا .
فلما رأيت ما أتيتم دخلت إليكم فلم أقدر إلى أن يخرجوا إلى يومنا هذا .
فما تنتظرون ؟ ! أما ترون أطرافكم قد انتقصت ؟ وإلى مصركم قد فتحت وإلى شيعتي بها قد قتلت وإلى مسالحكم تعرى وإلى بلادكم تغزى ؟ ! وأنتم ذووا عدد كثير وشوكة وبأس ، فما بالكم ! لله أنتم ! من أين تؤتون ؟ وما لكم تسحرون ؟ ! وأنى تؤفكون ؟ ولو أعزمتم وأجمعتم لم تراموا .
ألا إن القوم قد اجتمعوا وتناشبوا وتناصحوا وأنتم قدونيتم وتغاششتم وافترقتم ، ما أنتم إن أتممتم عندي على هذا بمنقذين ، فانتهوا عما نهيتم واجمعوا على حقكم وتجردوا لحرب عدوكم ، قد أبدت الرغوة من الصريح ، وبين الصبح لذي عينين ،

[572]


إنما تقاتلون الطلقاء وأبناء الطلقاء وأولي الجفاء ومن أسلم كرها فكان لرسول الله صلى الله عليه واله أنف الاسلام كله حربا ، أعداءالله والسنة والقران وأهل البدع والاحداث ، ومن كانت بوائقة تتقى ، وكان على الاسلام وأهله مخوفا ، وأكلة الرشا وعبدة الدنيا .
[ و ] لقد انتهى إلي أن ابن النابغة لم يبايع معاويه حتى أعطاه وشرط له أن يؤتيه أتية هي أعظم مما في يده من سلطانه ، ألا صفرت يد هذا البايع دينه بالدنيا وخزيت أمانة هذا المشتري نصرة فاسق غادر بأموال المسلمين .
وإن فيهم من قد شرب فيكم الخمر وجلد الحد يعرف بالفساد في الدين والفعل السئ ، وإن فيهم من لم يسلم حتى رضخ له على الاسلام رضيخة ، فهؤلاء قادة القوم ، ومن تركت ذكر مساويه من قادتهم مثل من ذكرت منهم بل هو شر منهم ، ويود هؤلاء الذين ذكرت لوولوا عليكم فأظهروا فيكم الكفر والفساد والكبر والفجور والتسلط بالجبرية ، واتبعوا الهوى وحكموا بغير الحق .
ولانتم على ما كان فيكم من تواكل وتخاذل خير منهم وأهدى سبيلا فيكم العلماء والفقهاء النجباء والحكماء وحملة الكتاب والمتهجدون بالاسحار وعمار المساجد بتلاوة القرآن أفلا تسخطون وتهتمون أن ينازعكم الولاية عليكم سفهاؤكم والاشرار الاراذل منكم .
فاسمعوا قولي هداكم الله إذا قلت وأطيعوا أمري إذا أمرت فوالله لان أطعتموني لا تغوون وإن عصيتموني لاترشدون خذوا للحرب أهبتها وأعدوا لها عدتها وأجمعوا إليها فقد شبت نارها وعلا شنارها وتجرد لكم فيها الفاسقون كي يعذبوا عبادالله ويطفؤوا نورالله ! ! ألا إنه ليس أولياء الشيطان من أهل الطمع والمكر والجفاء بأولى بالجد في غيهم وضلالهم وباطلهم من أولياء الله أهل البر والزهادة والاخبات بالجد في حقهم وطاعة ربهم ومناصحة إمامهم .
إني والله لو لقيتهم فردا وهم ملا الارض ما باليت ولا استوحشت وإني من ضلالتهم التي هم فيها والهدى الذي نحن عليه لعلى ثقة وبينة ويقين وبصيرة وإني إلى لقاء ربي لمشتاق ولحسن ثوابه لمنتظر ولكن أسفا يعتريني وحزنا يخامرني من أن يلي أمر

[573]


هذه الامة سفهاؤها وفجارها فيتخذوا مال الله دولا وعبادالله خولا والفاسقين حزبا وأيم الله لولا ذلك لما أكثرت تأنيبكم وتحريضكم ولتركتكم إذا ونيتم وأبيتم حتى ألقاهم بنفسي متى حم لي لقاءهم فوالله إني لعلى الحق وإني لشهادة لمحب ف ( انفروا خفافا وثقالا وجاهدوا بأموالكم وأنفسكم في سبيل الله ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون ) [ 41 / التوبة ] ولاتثاقلوا إلى الارض فتفروا بالخسف وتبوؤا بالذل ويكن نصيبكم الاخسر إن أخا الحرب اليقظان الارق من نام لم ينم عنه ومن ضعف أودى ومن ترك الجهاد في الله كان كالمغبون المهين .
اللهم اجمعنا وإياهم على الهدى وزهدنا وإياهم في الدنيا واجعل الآخرة لنا ولهم خير من الاولى والسلام .
توضيح : قوله : ( والمرتشين ) في بعض النسخ ( المرتبئين ) أي المنتظرين المترصدين للحكومة أيهما يأخذها قال الجوهري : المربا : المرقبة وكذلك المربأ والمرتبأ .
وربأت القوم ربئا وأرتبأتهم أي راقبتهم وذلك إذا كنت لهم طليعة فوق شرف يقال : ربا لنا فلان وارتبأ إذا اعتان وربأت المرباة وارتبأتها أي علوتها قال أبوزيد : رأبأت الشئ مرابأة إذا حذرته واتقيته وقال الدهم : العدد الكثير .
قوله : ( فإنه لاعطر بعد عروس ) قال الزمخشري بعد إيراد المثل ويروي : ( لا مخبأ لعطر بعد عروس ) وأصله أن رجلا أهديت إليه امرأة فوجدها تفلة فقال لها : أين الطيب فقالت : خبأته .
فقال ذلك .
وقيل : عروس اسم رجل مات فحملت امرأته أواني العطر فكسرتها على قبره وصبت العطر فوبخها بعض معارفها فقالت ذلك ، يضرب على الاول في ذم ادخار الشئ وقت الحاجة إليه وعلى الثاني في الاستغناء عن ادخار الشئ لعدم من يدخر له .
وقال الميداني : قال المفضل أول من قال ذلك امرأة من عذرة يقال لها أسماء بنت عبدالله وكان لها زوج من بني عمها يقال لها عروس فمات عنها فتزوجها رجل من قومها بقال له نوفل وكان أعسر أبخر بخيلا دميما فلما أراد

[574]


أن يظعن بها قالت له : لو أذنت لي فرثيت ابن عمي وبكيت عند رمسه فقال : افعلى فقالت : أبكيك يا عروس الاعراس يا ثعلبا في أهله وأسدا عند البأس مع أشياء ليس يعلمها الناس .
قال : وما تلك الاشياء ؟ قالت : كان عن الهمة غير نعاس ويعمل السيف صبيحات البأس .
ثم قالت : يا عروس الاغر الازهر الطيب الخيم الكريم المحضر مع أشياء له لاتذكر .
قال وما تلك الاشياء ؟ قالت : كان عيوفا للخنا والمنكر طيب النكهة غير أبخر أيسر غير أعسر .
فعرف الزوج أنها تعرض به فلما رحل بها قال : ضمي إليك عطرك ونظر إلى قشوة عطرها مطروحة فقالت : لاعطر بعد عروس فذهبت مثلا يضرب لمن لايدخر عنه نفيس .
قوله عليه السلام : ( لقد كان ما علمت ) أي ما دمت علمته وعرفته أو علمت حاله أو صرت عالما بتنزيله منزلة اللازم .
ويحتمل أن تكون ( ما ) موصولة بتقدير الباء أي بالذي علمت منه أو بجعله خبر ( كان ) والافعال بعده بدله أو إسم ( كان ) والافعال خبره أي كان الذي علمت منه تلك الصفات والاول لعله أظهر وانثال : انصب .
والاجفال : الاسراع .
قوله عليه السلام ( فكان مرضي السيرة ) أي ظاهرا عند الناس وكذا ما مر في وصف أبي بكر وآثار التقية والمصلحة في الخطبة ظاهرة بل الظاهر أنها من الحاقات المخالفين .
قوله عليه السلام ( فبهتوا ) في بعض النسخ ( فهبوا ) أي انتبهوا ولكن لم ينفعهم الانتباه .
وقال الجوهري : صغا يصغو ويصغي صغوا أي مال .
وأصغيت إلى فلان

[575]


إذا ملت بسمعك نحوه وأصغيت الاناء : أملته يقال : فلان مصغى اناؤه إذا نقص حقه وقال : الكمد : الحزن المكتوم .
وقال : جاؤوا من كل أوب أي من كل ناحية .
قوله عليه السلام : ( أو يولى عليه ) أي من كان لقلة عقله وسفاهته حريا لان يقوم عليه ولي يتولى أموره .
وقال الجوهري نظمت اللؤلؤ أي جمعته في سلك .
وطعنه فانتظمه أي اختله وقال : يقال : نصل السهم إذا خرج منه النصل ونصل السهم إذا ثبت نصله في الشئ فلم يخرج وهو من الاضداد ونصلت السهم تنصيلا نزعت نصله .
وقال : القصدة بالكسر : القطعة من الشئ إذا انكسر والجمع قصد يقال القنا قصد وقد انقصد الرمح وتقصدت الرماح : تكسرت .
وقال الفيروزآبادي : رمح قصد ككتف وقصيد واقصار : متكسر .
وقال : أطل على الشئ : أشرف .
قوله عليه السلام ( إلى مسالحكم تعرى ) إي ثغوركم خالية عن الرجال والسلاح .
والصريح : اللبن الخالص إذا ذهبت رغوته .
ذكره الجوهري وقال : أنف كل شئ : أوله .
وأنف البرد : أشدة .
وقال المخامرة : المخالطة .
وقال : حم الشئ أي قدر .
وأحم أي حان وقته .
وقال : أودى فلان أي هلك فهو مود .
723 - ج كتب محمد بن أبي بكر رضي الله عنه إلى معاوية احتجاجا عليه : بسم الله الرحمن الرحيم من محمد بن أبي بكر إلى الباغي معاوية بن صخر سلام الله أهل طاعة الله ممن هو أهل دين الله وأهل ولاية الله أما بعد فإن الله

________________________________________________________
723 - رواه الطبرسي رحمه الله في أوائل عنوان : ( احتجاجه [ يعني أميرالمؤمنين عليه السلام ] على معاوية .
.
) من كتاب الاحتجاج ص 183 .

[576]


بجلاله وسلطانه خلق خلقا بلا عبث منه ولا ضعف به في قوة ولكنه خلقهم عبيدا فمنهم شقي وسعيد وغوي ورشيد ثم اختارهم على علم منه واصطفى وانتخب منهم محمدا صلى الله عليه وآله واصطفاه لرسالته وائتمنه على وحيه فدعا إلى سبيل ربه بالحكمة والموعظة الحسنة .
فكان أول من أجاب وأناب وأسلم وسلم أخوه وابن عمه علي بن أبي طالب عليه السلام فصدقه بالغيب المكتوم وآثره على كل حميم ووقاه كل مكروه وواساه بنفسه في كل خوف وقد رأيتك تساويه ( 1 ) وأنت أنت وهو هو المبرز السابق في كل خير وأنت اللعين بن اللعين لم تزل أنت وأبوك تبغيان لدين الله الغوائل وتجتهدان على إطفاء نورالله تجمعان الجموع على ذلك وتبذلان فيه الاموال وتحالفان عليه القبائل على ذلك مات أبوك وعليه خليفته أنت فكيف لك الويل تعدل عن علي ( 2 ) وهو وارث رسول الله صلى الله عليه وآله ووصيه وأول الناس له اتباعا وآخرهم به عهدا وأنت عدوه وابن عدوه فتمتع بباطلك ما استطعت ، وتبدد بابن العاص في غوايتك فكأن أجللك قد انقضى وكيدك قد وهى ثم تستبين لمن تكون العاقبة العليا والسلام على من اتبع الهدى .
فأجابه معاوية إلى الزاري على أبيه محمد بن أبي بكر سلام على أهل طاعة الله .

________________________________________________________
( 1 ) كذا في أصلي من البحار والاحتجاج ، والصواب : ( وأنت تساميه ) كما في الحديث : ( 460 ) من ترجمة أميرالمؤمنين من كتاب أنساب الاشراف : ج 1 ، ص 404 ، وفي ط 1 : ج 2 ص 394 ومثله أواخر الجزء الثاني من كتاب صفين ص 118 ، وفي أيام معاوية من كتاب مروج الدهب : ج 3 ص 10 ، وفي ط مصر : ج 3 ص 20 ، وفي كتاب سمط النجوم العوالي : ج 2 ص 465 .
( 2 ) كذا في أصلي وكتاب الاحتجاج معا ، والصواب : ( تعدل نفسك بعلي ) كما في الحديث التالي وكما في الحديث المتقدم الذكر من كتاب أنساب الاشراف : ج 2 ص 394 ط المحمودي ببيروت ، وفي المخطوطة : ج 1 ، ص 404 ، وجميع المصادر المتقدم الذكر آنفا .

[577]


أما بعد فقد أتاني كتابك تذكر فيه ما الله أهله في قدرته وسلطانه مع كلام ألفته ورصفته لرأيك فيه ذكرت حق علي وقديم سوابقه وقرابته من رسول الله صلى الله عليه وآله ونصرته ومواساته إياه في كل خوف وهول وتفضيلك عليا وعيبك لي بفضل غيرك لابفضلك فالحمدلله الذي صرف ذلك عنك وجعله لغيرك .
[ ف ] قد كنا وأبوك معنا في زمان نبينا محمد صلى الله عليه وآله نرى حق علي لازما لنا وسبقه مبرزا علينا فلما اختار الله لنبيه صلى الله عليه وآله ما عنده وأتم له ما وعده وقبضه إليه صلى الله عليه وآله فكان أبوك وفاروقه أول من ابتزه [ حقه ] وخالفه على ذلك اتفقا ثم دعواه إلى أنفسهما فأب ؟ ؟ ؟ ليهما فهما به الهموم وأراد به العظيم فبايع وسلم لامرهما لايشركانه في أمرهما ولا يطلعانه على سرهما حتى قضى الله من أمرهما ما قضى .
ثم قام بعدهما ثالثهما يهدي بهديهما ويسير بسيرتهما فعبته أنت وأصحابك حتى طمع فيه الاقاصي من أهل المعاصي حتى بلغتمامنه مناكم [ وكان ] أبوك مهد مهاده فإن يكن ما نحن فيه صوابا فأبوك أوله وإن يكن جورا فأبوك سنه ونحن شركاؤه وبهديه اقتدينا .
ولولا ما سبقنا إليه أبوك ما خالفنا عليا ولسلمنا له ولكنا رأينا أباك فعل ذلك فأخذنا بمثاله فعب أباك أودعه والسلام على من تاب وأناب .
بيان : قوله ( تبدد بابن العاص ) التبدد : التفرق وتبددوا الشئ :
.
-بحار الانوار مجلد: 30 من ص 577 سطر 19 الى ص 585 سطر 18 اقتسموه حصصا .
ولايناسبان المقام إلا بتكلف والاظهر : وليمدك ابن العاص كما سيأتي ( 1 ) .
وزريت عليه : عبته .
والرصف : الشد والضم .
724 - ختص : كتاب محمد بن أبي بكر رضي الله عنه إلى معاوية لعنه

________________________________________________________
( 1 ) وفي أنساب الاشراف ، ط بيروت ، ج 2 ، ص 395 : وليمدد لك عمرو في غوايتك .
724 - رواه الشيخ المفيد رحمه الله في أواسط كتاب الاختصاص : ص 126 ، وفي ط النجف : ص 119 .

[578]


الله من محمد بن أبي بكر إلى معاوية بن أبي سفيان سلام على أهل طاعة الله ممن هو سلم لاهل ولاية الله .
أما بعد فإن الله بجلاله وعظمته وسلطانه وقدرته خلق حلقا بلا عبث منه ولاضعف في قوة ولا من حاجة به إليهم ولكنه خلقهم عبيدا فجعل منهم غويا وشقيا وسعيدا ثم اختارهم على علمه فاصطفاه وانتجب منهم محمدا صلى الله عليه وآله فانتجبه واصطفاه برسالاته وأرسله بوحيه وائتمنه على أمره وبعثه رسولا مصدقا ودليلا .
فكان أول من أجاب وأناب وصدق وآمن وأسلم وسلم أخوه وابن عمه علي بن أبي طالب صدقة بالغيب المكتوم وآثره على كل حميم ووقاه كل هول وواساه بنفسه في كل خوف حارب من حاربه وسالم من سالمه ولم يزل باذلا نفسه في ساعات الخوف والجوع والجد والهزل حتى أظهر الله دعوته وأفلج حجته [ فلم يبرح مبتذلا لنفسه في ساعات الازل والهلوع حتى برز سابقا لا نظير له فيمن اتبعه ولامقارب له في فعل ( خ ل ) ] وقد رأيتك أيها الغاوي تساميه وأنت أنت وهو المبرز السابق في كل حين أول الناس إسلاما وأصدق الناس نية وأطيب الناس ذرية وأفضل الناس زوجة رسول الله ابن عمه وهو وصيه وصفيه ، وأخوه الشاري نفسه يوم موته وعمه سيد الشهداء يوم أحد وأبوه الذاب عن وجه رسول الله صلى الله عليه وآله وعن حوزته وأنت اللعين بن اللعين لم تزل أنت وأبوك تبغيان على رسول الله صلى الله عليه وآله الغوائل وتجهدان على إطفاء نور الله وتجمعان عليه الجموع وتؤلبان عليه القبائل وتبذلان فيه المال هلك أبوك على ذلك وعلى ذلك خلفك والشاهد عليك بفعلك من يأوي ويلجأ إليك من بقية الاحزاب ورؤوس النفاق وأهل الشقاق لرسول الله صلى الله عليه وآله وأهل بيته .
والشاهد لعلي بن أبي طالب عليه السلام بفضله المنير المبين وسبقه القديم أنصاره الذين معه الذين ذكروا بفضلهم في القرآن وأثنى الله عليهم من المهاجرين والانصار فهم معه كتائب وعصائب من حوله يجالدون بأسيافهم

[579]


ويهرقون دماءهم دونه يرون الفضل في اتباعه والشقاء في خلافه فكيف بالك الويل تعدل نفسك بعلي وعلي أخو رسول الله صلى الله عليه وآله ووصيه وأبو ولده وأول الناس له اتباعا وآخرهم به عهدا يخبره بسره ويشركه في أمره وأنت عدوه وابن عدوه فتمتع ما استطعت بباطلك وليمدك ابن العاصي في غوايتك وكأن أجلك قد انقضى وكيدك قد وهى ثم تستبين لمن تكون العاقبة العليا واعلم أنك إنما تكائد ربك الذي قد أمنت كيده في نفسك وآيست من روحه وهو لك بالمرصاد وأنت منه في غرور وبالله ورسوله وأهل رسوله عنك الغناء والسلام على من اتبع الهدى .
فلما قرأ معاوية لعنه الله كتب إليه : بسم الله الرحمن الرحيم من معاوية بن أبي سفيان إلى محمد بن أبي بكر الزاري على أبيه أما بعد فقد بلغني كتابك تذكر فيه ما الله أهله من سلطانه وقدرته وما اصطفا به رسوله مع كلام ألفته ووضعته لرأيك فيه تضعيف ولابيك فيه تعنيف وذكرت فضل ابن أبي طالب وقديم سوابقه وقرابته لرسول الله صلى الله عليه وآله ونصرته له ومواساته إياه في كل خوف وهول فكان احتجاك علي وعيبك لي بفضل غيرك لا بفضلك فاحمد ربا صرف ذلك الفضل عنك وجعله لغيرك .
فقد كنا وأبوك معنا في حياة نبينا صلى الله عليه وآله نرى حق ابن أبي طالب لازما لنا وفضله مبرزا علينا حتى اختار الله لنبيه ما عنده فأتم له وعده وأظهر له دعوته وأفلج له حجته ثم قبضه الله إليه فكان أول من ابتزه حقه أبوك وفاروقه وخالفاه في أمره ، على ذلك اتفقا واتسقا ثم دعواه ليبايعها وأبطأ عنهما وتلكأ عليهما فهما به الهموم وأراد به العظيم ثم إنه بايع لهما وسلم فلم يشركاه في أمرهما ولم يطلعاه على سرهما حتى قبضا على ذلك .
ثم قام ثالثهما من بعدهما عثمان بن عفان فاقتدى بهديهما فعبته أنت وصاحبك حتى طمع فيه الاقاصي من أهل المعاصي وبطنتما له وأظهرتما له العداوة حتى بلغتما فيه مناكما فخذ حذرك يا ابن أبي بكر فسترى وبال أمرك

[580]


وقس شبرك بفترك فكيف توازي من لايوازن الجبال حلمه ولاتعب من مهد له أبوك مهاده وطرح للملكه وساده ، فإن يكن ما نحن فيه صوابا فأبوك فيه أول ونحن فيه تبع ، وإن يكن جورا فأبوك أول من أسس بناه فبهديه اقتدينا وبفعله احتذينا ولولا ما سبقنا إليه أبوك ما خالفنا عليا ولسلمنا إليه ولكن عب أباك بما شئت أو دعه والسلام على من أناب ورجع عن غوايته وتاب .
أقول : روى الكتاب والجواب نصر بن مزاحم في كتاب صفين بأدنى اختلاف أو مأنا إلى بعضه .
1 725 - نهج : [ و ] من كلام له عليه السلام - لما قلد محمد بن أبي بكر مصر فملكت عليه وقتل - : وقد أردت تولية مصر هاشم بن عتبة ولو وليته إياها لما خلي لهم العرصة ، ولا أنهزلهم الفرصة بلا ذم لمحمد بن أبي بكر فلقد كان إلي حبيبا وكان لي ربيبا .
بيان : [ قوله : ] ( لما قلد ) أي جعله واليها كأن ولايتها قلادة في عنقه لانه مسؤول عن خيرها وشرها .
ويقال ملكه عليه أي أخذه منه قهرا واستولى عليه .
وانهاز الفرصة إما تأكيد لتخلية العرصة والمراد بهما تمكين العدو وعدم التدبير في دفعه كما ينبغي أو التخلية كناية عن الفرار والانهاز عن تمكين الاعداء .
وعدم استحقاق الذم لكون هذا التمكين عن عجزه لا عن التقصير والتواني ( وكان إلى حبيبا ) أي كنت أحبه ومحبوبه عليه السلام لايستحق الذم وربيب الرجل : ابن امرأته من غير وأم محمد أسماء بنت عميس كانت عند جعفر بن أبي طالب وهاجرت معه إلى الحبشة فولدت له هناك عبدالله ، ولما

________________________________________________________
( 1 ) رواه ابن أواخر الجزء الثاني من كتاب صفين ص 118 ، ط مصر .
ورواه عنه ابن أبي الحديد في أواخر شرح المختار : ( 46 ) من نهج البلاغة من شرحه ط الحديث بمصر : ج 3 ص 188 ، وفي ط الحديث ببيروت : ج 1 ص 631 .
وأشار الطبري إلى هذه الكتب ولكن اعتذر عن ذكرها صراحة من أجل كراهة العامة من ذكر هذا النمط من الحقائق ! ! .
725 - رواه الشريف الرضي رحمه الله في المختار : ( 68 ) من كتاب نهج البلاغة .