[561]


وخرج ابن حديج في طلب محمد حتى انتهى إلى علوج على قارعة الطريق فسألهم هل مربكم أحد تنكرونه قالوا : لاقال أحدهم إني دخلت تلك الخربة فإذا أنا برجل جالس قال ابن حديج : هو هو ورب الكعبة فانطلقوا يركضون حتى دخلوا على محمد فاستخرجوه وقد كاد يموت عطشا فأقبلوا به نحو الفسطاط .
فوثب أخوه عبدالرحمن بن أبي بكر إلى عمرو بن العاص وكان في جنده فقال : لا والله لايقتل أخي صبرا ابعث إلى معاوية بن حديج فانهه عن قتله .
فأرسل عمرو بن العاص إلى معاوية أن ائتني بمحمد فقال معاوية أقتلتم كنانة بن بشر ابن عمي وأخلي عن محمد هيهات ( أكفاركم خير من أولئكم أم لكم براءة في الزبر ) فقال لهم محمد : اسقوني قطرة من ماء فقال له ابن حديج : لاسقاني الله إن سقيتك قطرة أبدا إنكم منعتم عثمان أن يشرب الماء حتى قتلتموه صائما محرما فسقاه الله من الرحيق المختوم والله لاقتلنك يا ابن أبي بكر وأنت ظمآن ويسقيك الله من الحميم والغسلين .
فقال محمد : يا ابن اليهودية النساجة ليس ذلك اليوم إليك ولا إلى عثمان إنما ذلك إلى الله يسقى أولياءه ويظمئ أعداءه وهم أنت وقرنائك ومن تولاك وتوليته والله لو كان سيفي في يدي ما بلغتم مني ما بلغتم .
فقال له معاوية بن حديج أتدري ما أصنع بك أدخلك جوف هذا
.
-بحار الانوار مجلد: 30 من ص 561 سطر 19 الى ص 569 سطر 18 الحمار الميت ثم أحرقه عليك بالنار .
قال : إن فعلتم ذلك بي فطال ما فعلتم ذلك بأولياء الله وأيم الله إني لارجو أن يجعل الله هذه النار التي تخوفني بها بردا وسلاما كما جعلها الله على إبراهيم خليله وأن يجعلها عليك وعلى أوليائك كما جعلها على نمرود وعلى أوليائه وإني لارجو أن يحرقك الله وإمامك معاوية وهذا - أشار إلى عمرو بن العاص - بنار تلظى عليكم كما خبت زادها الله عليكم سعيرا فقال معاوية بن حديج :

[562]


إني لا أقتلك ظلما إنما أقتلك بعثمان بن عفان ! قال محمد : وما أنت رجل عمل بالجور وبدل حكم الله والقرآن وقد قال الله عزوجل : ( ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون .
.
وأولئك هم الظالمون .
.
وأولئك هم الفاسقون ) فنقمنا عليه أشياء عملها فأردناه أن يختلع من عملنا فلم يفعل ف ؟ تله من قتله من الناس فغضب ابن حديج فقدمه فضرب عنقه ثم ألقاه في جوف حمار وأحرقه بالنار .
فلما بلغ ذلك عائشة جزعت عليه جزعا شديدا وقنتت في دبر كل صلاة تدعو على معاوية بن أبي سفيان وعمرو بن العاص ومعاوية بن حديج وقبضت عيال محمد أخيها وولده إليها فكان القاسم بن محمد في حجرها .
قال : وكان ابن حديج ملعونا خبيثا يسب عليا عليه السلام فقد روي عن داود بن أبي عوف قال : دخل معاوية بن حديج عن الحسن بن علي عليهما السلام في مسجد المدينة فقال له الحسن : ويلك يا معاوية أنت الذي تسب أميرالمؤمنين عليا ؟ ! أما والله لئن رأيته يوم القيامة - ولا أظنك تراه - لترينه كاشفا عن ساق يضرب وجوه أمثالك عن الحوض ضرب غرايب الابل ( 1 ) .
وعن محمد بن عبدالله بن شداد قال : حلفت عائشة [ أن ] لاتأكل شواءا أبدا بعد قتل محمد فلم تأكل شواءا حتى لحقت بالله وما عثرت قط الا قالت : تعس معاوية بن أبي سفيان وعمرو بن العاص ومعاوية بن حديج .
ويروى عن كثير النوا : أن أبابكر خرج في حياة رسول الله صلى الله عليه واله

________________________________________________________
1 - وللحديث شواهد كثيرة وقد رواه الطبراني في ترجمة الامام الحسن تحت الرقم ( 2727 ) و ( 2758 ) من المعجم الكبير ج 3 ص 82 و 94 ط بغداد .
ورواه أيضا البلاذري في الحديث ( 9 ) من ترجمة الامام الحسن من أنساب الاشراف ج 3 ص 11 ط 1 .
ورواه أيضا الحاكم في مناقب أميرالمؤمنين من المستدرك ج 3 ص 138 .
ورواه أيضا الهيتمي في مجمع الزوائد ج 9 ص 130 .
ورواه أيضا ابن أبي الحديد في شرح المختار ( 30 ) من الباب الثاني من شرحه ج 16 ص 18 ط مصر .
ورواه أيضا الحافظ ابن عساكر بطرق في ترجمة معاوية بن حديج من تاريخ دمشق .

[563]


في غزاة فرأت أسماء بنت عميس وهي تحته كأن أبابكر متخضب بالحناء رأسه ولحيته وعليه ثياب بيض فجاءت إلى عائشة فأخبرتها فبكت عائشة وقالت : إن صدقت رؤياك فقد قتل أبوبكر ، إن خضابه الدم وإن ثيابه أكفانه .
فدخل النبي صلى الله عليه واله وهي كذلك فقال : ما أبكاها ؟ فذكروا الرؤيا فقال عليه السلام : ليس كما عبرت عائشة ولكن يرجع أبوبكر صالحا فتحمل منه أسماء بغلام تسميه محمدا يجعله الله غيظا على الكافرين والمنافقين .
قال : فكان كما أخبر عليه السلام .
وعن الحارث بن كعب عن حبيب إبن عبدالله ( 1 ) قال : والله إني لعند علي عليه السلام جالسا إذ جاءه عبيدالله بن قعين من قبل محمد بن أبي بكر يستصرخه قبل الوقعة فقام علي عليه السلام فنادى في الناس : الصلاة جامعة .
فاجتمع الناس فصعد المنبر فحمدالله وأثنى عليه وذكر رسول الله صلى الله عليه واله وسلم فصلى عليه ثم قال : أما بعد فهذا صريخ محمد بن أبي بكر واخوانكم من أهل مصر قد سار إليهم ابن النابغة عدوالله وعدو من والاه وولي من عادى الله ، فلا يكونن أهل الضلال إلى باطلهم والركون إلى سبيل الطاغوت أشد اجتماعا على باطلهم منكم على حقكم ، فكأنكم بهم قد بدؤكم وإخوانكم بالغزو فاعجلوا إليهم بالمواساة والنصر .
عبادالله إن مصر أعظم من الشام خيرا وخير أهلا فلا تغلبوا على مصر فإن بقاء مصر في أيديكم عز لكم وكبت لعدوكم ، أخرجوا إلى الجرعة - والجرعة بين الحيرة إلى الكوفة - لنتوا في هناك كلنا غدا إن شاءالله .
قال : فلما كان الغد خرج يمشي فنزلها بكرة فأقام بها حتى انتصف النهار فلم يوافه مائة رجل فرجع ! ! فلما كان العشي بعث إلى الاشراف فجمعهم فدخلوا عليه القصر وهو كئيب حزين فقال :

________________________________________________________
1 - من هنا إلى قوله ( قال المدائني ) ذكره الطبري عن أبي مخنف في تاريخه ج 4 ص 79 وما بعدها .
وليلاحظ ما ذكرناه في ذيل المختار ( 285 ) وما بعده من كتاب نهج السعادة ج 2 ص 472 وما بعدها .

[564]


ألحمدلله على ماقضى من أمر وقدر من فعل وابتلاني بكم أيتها الفرقة التي لاتطيع إذا أمرتها ولاتجيب إذا دعوتها ، لا أبا لغيركم ماذا تنتظرون بنصركم والجهاد على حقكم ؟ ! الموت خير من الذل في هذه الدنيا لغير الحق ، والله إن جاءني الموت - وليأتيني فليفرقن بيني وبينكم - لتجدنني لصحبتكم قاليا .
ألادين يجمعكم ؟ ألا حمية تغيظكم ؟ ألا تسمعون بعدوكم ينتقص بلادكم ويشن الغارة عليكم .
أوليس عجبا أن معاوية يدعو الجفاة الطغام الظلمة فيتبعونه على غير عطاء ولا معونة فيجيبونه في السنة المرة والمرتين والثلاث إلى أي وجه شاء ، ثم أنا أدعوكم وأنتم أولى النهى وبقية الناس [ ف ] تختلفون وتفترقون عني وتعصوني وتخالفون علي ؟ ! فقام إليه مالك بن كعب الارحبي فقال : يا أميرالمؤمنين اندب الناس معي فانه لاعطر بعد عروس ، لمثل هذا اليوم [ كنت أدخر نفسي ] وإن الاجر لايأتي إلا بالكرة .
ثم التفت إلى الناس وقال : اتقواالله وأجيبوا إمامكم وانصروا دعوته وقاتلوا عدوكم إنا نسير إليهم يا أميرالمؤمنين .
فأمر علي سعدا مولاه أن ينادي : ألا سيروا مع مالك بن كعب إلى مصر .
وكان وجها مكروها فلم يجتمعوا إليه شهرا فلما اجتمع له منهم ما اجتمع خرج بهم مالك فعسكر بظاهر الكوفة وخرج معه علي فنظر فإذا جميع من خرج نحو من ألفين فقال علي عليه السلام : سيروا والله ما أنتم ؟ ! ما أخالكم تدركون القوم حتى ينقضي أمرهم .
فخرج مالك بهم وسار خمس ليال فقدم الحجاج بن غزية الانصاري من مصر فأخبره بما عاين من هلاك محمد .
وقدم عبدالرحمان بن شبيب وكان عينا لعلي عليه السلام وأخبره أنه لم يخرج من الشام حتى قدمت البشر من قبل عمرو بن العاص يتبع بعضه بعضا بفتح مصر وقتل محمد بن أبي بكر وقال : يا أميرالمؤمنين ما رأيت يوما قط سرورا مثل سرور رأيته بالشام حين أتاهم قتل محمد .
فقال علي عليه السلام : أما إن حزننا على قتله على قدر سرورهم به ، لابل

[565]


يزيد أضعافا .
فرد عليه السلام مالكا من الطريق وحزن على محمد حتى رؤي ذلك فيه وتبين في وجهه وقام خطيبا فحمدالله وأثنى عليه ثم قال : ألا وإن مصر قد افتتحها الفجرة أولياء الجور والظلم الذين صدوا عن سبيل الله وبغوا الاسلام عوجا ، ألا وإن محمد بن أبي بكر قد استشهد رحمة الله عليه وعندالله نحتسبه ، أما والله لقد كان - ما علمت - ينتظر القضاء ويعمل للجزاء ويبغض شكل الفاجر ويحب سمت المؤمن ، وإني والله ما ألوم نفسي على تقصير ولاعجز ، وإني لمقاساة الحرب مجد [ خ ل : لجد ] بصير ، إني لاقدم على الحرب وأعرف وجهه وجه الحزم وأقوم بالرأي المصيب ، فأستصرخكم معلنا ، وأنا ديكم مستغيثا ، فلا تسمعون لي قولا ، ولاتطيعون [ لي ] أمرا ، حتى تصير الامور إلى عواقب المساءة ، وأنتم القوم لايدرك بكم الثار ولاينقص بكم الاوتار .
دعوتكم إلى غياث إخوانكم منذ بضع وخمسين ليلة فجر جرتم علي جرجرة الجمل الاسر وتثاقلتم إلى الارض تثاقل من لانية له في الجهاد ولا رأي له في اكتساب الاجر ، ثم خرج إلي منكم جنيد متذائب ضعيف كأنما يساقون إلى الموت ؟ ؟ ؟ ظرون ! فأف لكم ( 1 ) .
ثم ؟ ؟ ؟ ؟ رحله .
قال إبراهيم : فحدثنا محمد بن عبدالله عن المدائني قال : كتب علي عليه السلام إلى عبدالله بن العباس وهو على البصرة : من عبدالله علي أميرالمؤمنين إلى عبدالله بن عباس : سلام عليك ورحمة الله وبركاته أما بعد ، فإن مصر قد افتتحت وقد استشهد محمد بن أبى بكر وعندالله عزوجل - نخسبه ، وقد كنت أوعزت إلى الناس وتقدمت إليهم في بدء الامر ، وأمرتهم بإعانته قبل الوقعة ، ودعوتهم سرا وجهرا ، وعودا وبدءا ، فمنهم الاتي كارها ، ومنهم المعتل كاذبا ، ومنهم القاعد خاذلا .
أسأل الله أن يجعل لي منهم فرجا وأن يرحيني

________________________________________________________
1 - وللخطبة مصادر وقد رواها الزبير بن بكار في ج 6 من كتاب الموفقيات ص 348 ط بغداد و رواها بسنده عنه ابن عساكر في ترجمة عبدالرحمان بن شبيب من تاريخ دمشق .
ورواه الابي في أواخر الباب الثالث من نثر الدرر 1 / 314 ط مصر .

[566]


منهم عاجلا ، فوالله لولا طمعي عند لقاء العدو في الشهادة وتوطيني نفسي عند ذلك لاحببت أن لا أبقى مع هؤلاء يوما واحدا ، عزم الله لناولك على تقواه وهداه إنه على كل شئ قدير والسلام عليك ورحمة الله وبركاته ( 1 ) .
قال : فكتب إليه عبدالله بن عباس : لعبدالله علي أميرالمؤمنين من عبدالله بن عباس : سلام على أميرالمؤمنين ورحمة الله وبركاته ، أما بعد فقد بلغني كتابك تذكر فيه افتتاح مصر وهلاك محمد بن أبي بكر وأنك سألت ربك أن يجعل لك من رعيتك التي ابتليت بها فرجا ومخرجا ، وأنا أسأل الله أن يعلي كلمتك وأن يأتي بما تحبه عاجلا ، وأعلم أن الله صانع لك ومقر دعوتك وكابت عدوك ، وأخبرك يا أميرالمؤمنين أن الناس ربما قبضوا ثم نشطوا فارفق بهم يا أميرالمؤمنين ودارهم ومنهم واستعن بالله عليهم ، كفاك الله المهم والسلام عليك ورحمة الله وبركاته .
قال المدائني : وروي أن عبدالله بن عباس قدم من البصرة على علي فعزاه بمحمد بن أبي بكر .
وعن مالك بن الجون الحضرمي أن عليا عليه السلام قال : رحم الله محمدا كان غلاما حدثا لقد كنت أردت أن أولي المرقال هاشم بن عتبة مصر فإنه والله لو وليتها لما حلى لابن العاص وأعوانه العرصة ولاقتل إلا وسيفه في يده بلاذم لمحمد فلقد أجهد نفسه وقضى ما عليه ( 2 ) .
قال المدائني : وقيل لعلي عليه السلام : لقد جزعت على محمد بن أبي بكر جزعا شديدا يا أميرالمؤمنين فقال : وما يمنعني إنه كان لي ربيبا وكان لبني أخا وكنت له والدا أعده ولدا .
وروى ابراهيم [ الثقفي ] عن رجاله عن عبدالرحمان بن جندب عن أبيه قال : دخل عمرو بن الحمق وحجر بن عدي وحبة العرني والحارث الاعور وعبدالله بن سبأ على أميرالمؤمنين بعد ما افتتحت مصر وهو مغموم حزين فقالوا له : بين لنا ما

________________________________________________________
1 - ورواه السيد الرضي رفع الله مقامه في المختار ( 35 ) من الباب الثاني من نهج البلاغة .
2 - وقريبا منه رواه السيد الرضي رضوان الله عليه في المختار ( 65 ) من نهج البلاغة .

[567]


قولك في أبي بكر وعمر ؟ فقال لهم علي عليه السلام : هل فرغتم لهذا ؟ ! وهذه مصر قد افتتحت وشيعتي بها قد قتلت ، أنا مخرج إليكم كتابا أخبركم فيه عما سألتم وأسألكم أن تحفظوا من حفي ماضيعتم فاقرؤه على شيعتي وكونوا على الحق أعوانا وهذه نسخة الكتاب ( 1 ) : من عبدالله علي أميرالمؤمنين إلى من قرء كتابى هذا من المؤمنين والمسلمين السلام عليكم ، فاني أحمد إليكم الله الذي لا إله إلا هو .
أما بعد فان الله بعث محمدا نذيرا للعالمين وأمينا على التنزيل وشهيدا على هذه الامة ، وأنتم معاشر العرب يومئذ على شر دين وفي شردار ، منيخون على حجارة خشن ، وجنادل صم ، وشوك مبثوث في البلاد ، تشربون الماء الخبيث ، وتأكلون الطعام الجشب ، وتسفكون دماءكم ، وتقتلون أولادكم ، وتقطعون أرحامكم ، وتأكلون أموالكم بينكم بالباطل ، سبلكم خائفة ، والاصنام فيكم منصوبة ، ولا يؤمن أكثركم بالله إلا وهم مشركون ، فمن الله عزوجل عليكم بمحمد صلى الله عليه واله فبعثه إليكم رسولا من أنفسكم وقال فيما أنزل من كتابه : ( هو الذي بعث في الاميين رسولا منهم يتلو عليهم اياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة وإن كانوا من قبل لفي ضلال مبين ) [ 2 / الجمعة / 62 ] وقال : ( لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رؤف رحيم ) [ 128 / التوبة ] وقال : ( لقد من الله على المؤمنين إذ بعث فيهم رسولا من أنفسهم ) [ 164 / آل عمران ] وقال : ( ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذوالفضل العظيم ) [ 4 / الجمعة ] .
فكان الرسول إليكم من أنفسكم بلسانكم فعلمكم الكتاب والحكمة والفرائض والسنة وأمركم بصلة أرحامكم وحقن دمائكم وصلاح ذات البين ، وأن تؤدوا الامانات إلى أهلها وأن توفوا بالعهد ولاتنقضوا الايمان بعد توكيدها ، وأمركم أن تعاطفوا وتباروا وتباشروا وتباذلوا وتراحموا ، ونهاكم عن التناهب

________________________________________________________
1 - وتقدم في الباب 16 ص 148 كتاب يشبهه فراجع إليه ألبتة .
وهذا رواه أبن أبي الحديد في شرح المختار ( 67 ) من خطب نهج البلاغة لكن قال : انه خطب .

[568]


والتظالم والتحاسد والتباغي والتفاذف ، وعن شرب الخمر وبخس الميكال ونقص الميزان ، وتقدم إليكم فيما تلا عليكم أن لاتزنوا ولاتربوا ولاتأكلوا أموال اليتامى ، وأن تؤدوا الامانات إلى أهلها ولاتعثوا في الارض مفسدين ولاتعتدوا إن الله لايحب المعتدين .
فكل خير يدني إلى الجنة ويباعد من النار أمركم به ، وكل شريدني إلى النار ويباعد من الجنة نهاكم عنه ( 1 ) .
فلما استكمل مدته من الدنيا توفاه الله إليه سعيدا حميدا فيالها مصيبة خصت الاقربين وعمت جمع المسلمين ما أصيبوا قبلها بمثلها ولن يعاينوا بعدها أختها .
فلما مضى لسبيله صلى الله عليه واله وسلم تنازع المسلمون الامر من بعده فوالله ما كان يلقى في روعي ولايحظر على بالي أن العرب تعدل هذا الامر بعد محمد عن أهل بيته ، ولا أنهم منحوه عني من بعده ، فما راعني إلا انثيال الناس على أبي بكر وإجفالهم إليه ليبايعوه ، فأمسكت يدي ورأيت أني أحق بمقام محمد صلى الله عليه واله وملة محمد صلى الله عليه واله في الناس بمن تولى الامر بعده .
فلبثت بذلك ماشاءالله حتى رأيت راجعة من الناس رجعت عن الاسلام تدعو إلى محق دين الله وملة محمد فخشيت إن لم أنصر الاسلام وأهله أن أرى فيه ثلما وهدما يكون المصيبة بهما علي أعظم من فوات ولاية أموركم التي إنما هي متاع أيام قلائل ثم يزول ما كان منها كما يزول السراب وكما ينقشع السحاب فمشيت عند ذلك إلى أبي بكر فبايعته ونهضت في تلك الاحداث حتى زاغ الباطل وزهق وكانت كلمة الله هي العليا ولو كره الكافرون .
فتولى أبوبكر تلك الامور وسدد وقارب واقتصد فصحبته مناصحا وأطعته فيما أطاع الله فيه جاهدا وما طمعت أن لوحدث به حدث وأنا حي أن يرد

________________________________________________________
1 - وهذه الفقرة من الخطبة ما توجب على المتشرعة الفحص التام وبذل الوسع كما ينبغي حول الاثار الواردة عن صاحب الشريعة وعدم جواز الاتكال على الفكر الشخصي والعقل الفردي قبل المراجعه أو بعد الوصول إلى ما بينه من لاينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحي إليه من لايعزب عن علمه شئ في الارض ولا في السماء وقنن القوانين المصالح المخلوقين وهو غنى عنهم .

[569]


إلي الامر الذي بايعته فيه طمع مستيقن ولايئست منه يأس من لايرجوه ، فلولا خاصة ما كان بينه وبين عمر لظننت أنه لايدفعها عني .
فلما احتضر بعث إلى عمر فولاه فسمعنا وأطعنا وناصحنا وتولى عمر الامر فكان مرضي السيرة ميمون النقيبة حتى إذا احتضر قلت في نفسي : لن يعدلها عني ليس بدافعها عني فجعلني سادس ستة ! ! .
فما كانوا لولاية أحد أشد كراهية منهم لولايتي عليهم فكانوا يسمعوني عند وفاة الرسول صلى الله عليه واله وسلم أحاج أبابكر وأقول : يا معشر قريش إنا أهل البيت أحق بهذا الامر منكم أما كان فينا من يقرء القرآن ويعرف السنة ويدين بدين الحق .
فخشي القوم إن أنا وليت عليهم أن لايكون لهم من الامر نصيب مابقوا فأجمعوا إجماعا واحدا فصرفوا الولاية إلى عثمان وأخرجوني منها رجاء أن ينالوها ويتداولوها إذ يئسوا أن ينالوها من قبلي ثم قالوا : هلم بايع وإلا جاهدناك .
فبايعت مستكرها وصبرت محتسبا فقال قائلهم : يا ابن أبي طالب إنك على هذا الامر لحريص ، فقلت : إنهم أحرص مني وأبعد ، أينا أحرص ؟ أنا الذي طلبت تراثي وحقي الذي جعلني الله ورسوله أولى به أم أنتم إذ تضربون وجهي دونه وتحولون بيني وبينه ؟ ! فبهتوا والله لايهدي القوم الظالمين .
اللهم إني استعديك على قريش فإنهم قطعوا رحمي وأصغوا إنائي وصغروا عظيم منزلتي وأجمعوا على منازعتي حقا كنت أولى به منهم فسلبونيه ثم قالوا : ألا إن
.
-بحار الانوار مجلد: 30 من ص 569 سطر 19 الى ص 577 سطر 18 في الحق أن تأخذه وفي الحق أن تمنعه فاصبر كمدا أومت أسفا وحنقا .
فنظرت فاذا ليس معي رافد ولاذاب ولاناصر ولامساعد إلا أهل بيتي فضننت بهم عن المنية فأغضيت على القذى وتجرعت ريقي على الشجى وصبرت من كظم الغيظ على أمر من العلقم وءالم للقلب من حز الشفار .
حتى إذا نقمتم على عثمان أتيتموه فقتلتموه ثم جئتموني لتبايعوني فأبيت عليكم وأمسكت يدي فنازعتموني ودافعتموني ، وبسطت يدي فكففتها ، ومددتموها فقبضتها ، وآزدحمتم علي حتى ظننت أن بعضكم قاتل بعض أو أنكم قاتلى فقلتم : بايعنا لانجد غيرك ولانرضى إلا بك بايعناك لانفترق ولاتختلف

[570]


كلمتنا ، فبايعتكم ودعوت الناس إلى بيعتي فمن بايع طوعا قبلته منه ومن أبى لم أكرهه وتركته .
فبايعني فيمن بايعني طلحة والزبير ولوأبيا ما أكرهتهما كما لم أكره غيرهما فما لبثنا إلا يسيرا حتى بلغني أنهما قد خرجا من مكة متوجهين إلى البصرة في جيش ما منهم رجل إلا قد أعطاني الطاعة وسمع لي بالبيعة .
فقدما على عاملي وخزان بيت مالي وعلى أهل مصري الذين كلهم على بيعتي وفي طاعتي فشتتوا كلمتهم وأفسدوا جماعتهم ، ثم وثبوا على شيعتي من المسلمين فقتلوا طائفة منهم عذرا وطائفة صبرا ، وطائفة منهم غضبوا لله ولي فشهروا سيوفهم وضربوا بها [ خ ل : غضبوا بأسيافهم فضاربوا ] حتى لقواالله صادقين فوالله لو لم يصيبوا منهم إلا رجلا واحدا متعمدين لقتله لحل لي به قتل ذلك الجيش بأسره ( 1 ) فدع ما أنهم قد قتلوا من المسلمين أكثر من العدة التي دخلوا بها عليهم وقد أدال الله منهم فبعدا للقوم الظالمين .
ثم إني نظرت في أمر أهل الشام فاذا أعراب وأهل طمع جفاة طغاة ، يجتمعون من كل أوب ، ومن كان ينبغي أن يؤدب أو يولى عليه ويؤخذ على يديه ليسوا من المهاجرين ولا الانصار ولاالتابعين بإحسان فسرت إليهم فدعوتهم إلى الطاعة والجماعة فأبوا إلا شقاقا وفراقا ، ونهضوا في وجوه المسلمين ينظمونهم بالنبل ويشجرونهم بالرماح فهناك نهدت إليهم بالمسلمين فقاتلتهم فلما عضهم السلاح ووجدوا ألم الجراح رفعوا المصاحف يدعونكم إلى مافيها فأنبأتكم أنهم ليسوابا هل دين ولا قران وأنهم رفعوها غدرا ومكيدة وخديعة ووهنا وضعفا فامضوا على حقكم وقتالكم فأبيتم علي وقلتم اقبل منهم فان أجابوا إلى مافي الكتاب جامعونا على ما نحن عليه من الحق وإن أبوا كان أعظم لحجتنا عليهم .
فقبلت منهم وكففت عنهم إذ ونيتم وأبيتم وكان الصلح بينكم وبينهم على

________________________________________________________
( 1 ) لهذه الفقرة شواهد كثيرة بعضها مذكور في عنوان ( الرجل يقتله النفر ) في كتاب الديات تحت الرقم ( 7743 - 7749 ) من كتاب المصنف لابن أبي شيبة ج 9 ص 347 - 348 .
وليراجع المصنف لعبدالرزاق ج 9 ص 485 وسنن البيهقي 8 / 41 ونصب الراية 4 / 453 .