[551]
فقال معاوية : مه فإنه لارأي لك فقال الوليد : أفمن الرأي أن يعلم الناس
أن أحاديث أبي تراب عندك تتعلم منها ؟ قال معاوية : ويحك أتأمرني أن أحرق
علما مثل هذا والله ما سمعت بعلم هو أجمع منه ولا أحكم فقال الوليد : إن
كنت تعجب من علمه وقضائه فعلام تقاتله ؟ فقال : لولا أن أبا تراب قتل
عثمان ثم أفتانا لاخذنا عنه ثم سكت هنيئة ثم نظر إلى جلسائه فقال : ألا لا
نقول : إن هذه من كتب علي بن أبي طالب ولكن نقول هذه من كتب أبي بكر
كانت عند ابنه محمد فنحن ننظر فيها ونأخذ منها .
قال : فلم تزل تلك الكتب في خزائن بني أمية ولي عمر بن عبدالعزيز فهو
الذي أظهر أنها من أحاديث علي بن أبي طالب عليه السلام .
قال إبراهيم : فلما بلغ عليا [ عليه السلام ] أن ذلك الكتاب صار إلى معاوية اشتد
عليه حزنا .
وروى عن عبدالله بن سلمة قال : صلى بنا علي صلوات الله عليه فلما
انصرف قال :
لقد عثرت عثرة لا أعتذر * سوف أكيس بعدها وأستمر
وأجمع الامر الشتيت المنتشر
فقلنا ما بالك يا أميرالمؤمنين ؟ قال : إني استعملت محمد بن أبي بكر على مصر
فكتب إلي أنه لا علم لي بالسنة فكتبت إليه كتابا فيه أدب وسنة فقتل وأخذ
الكتاب .
قال إبراهيم فلم يلبث محمد بن أبي بكر شهرا كاملا حتى بعث إلى أولئك
المعتزلين الذين كان قيس بن سعد مرادعا لهم فقال : يا هؤلاء إما أن
تدخلوا في طاعتنا وإما أن تخرجوا من بلادنا فبعثوا إليه ان لا نفعل فدعنا حتى
ننظر إلى ما يصير أمر الناس فلا تعجل علينا فأبي عليهم فامتنعوا منه وأخذوا
حذرهم ثم كانت وقعة صفين وهم لمحمد هائبون ، فلما أتاهم خبر معاوية
وأهل الشام ثم صار الامر إلى الحكومة [ و ] أن عليا وأهل العراق قد قفلوا عن
معاوية والشام إلى عراقهم اجترؤا على محمد وأظهروا المنابذة له فلما رأى محمد
[552]
ذلك بعث إليهم ابن جمهان البلوى ومعه يزيد بن الحرث الكناني فقاتلاهم
فقتلوهما ثم بعث إليهم رجلا من كلب فقتلوه أيضا .
وخرج معاوية بن حديج من السكاسك يدعو إلى الطلب بدم عثمان
فأجابه القوم وأناس كثير آخرون وفسدت مصر على محمد بن أبي بكر فبلغ عليا
عليه السلام توثبهم عليه فقال : ما أرى لمصر إلا أحد الرجلين صاحبنا الذي
عزلناه بالامس يعني قيس بن سعد أو مالك بن الحارث الاشتر وكان علي حين
رجع عن صفين رد الاشتر إلى عمله بالجزيرة وقال لقيس بن سعد : أقم أنت
معي على شرطتي حتى نفرغ من أمر هذه الحكومة ثم اخرج إلى آذربيجان
فكان قيس مقيما على شرطته فلما انقضى أمر الحكومة كتب عليه السلام إلى
الاشتر وهو يومئذ بنصيبين كتابا وطلبه .
أقول : لما روى المفيد رحمه الله في المجالس ( 1 ) هذه القصة وهذا الكتاب
قريبا مما أورده أخرجته منه لكونه أبسط وأوثق إلا أن في رواية الثقفي أن بعث
الاشتر كان قبل شهادة محمد .
721 - قال المفيد : أخبرني الكاتب عن الزعفراني عن الثقفي عن محمد بن
زكريا عن عبدالله بن الضحاك عن هشام بن محمد قال :
لما ورد الخبر على أميرالمؤمنين عليه السلام بمقتل محمد بن أبي بكر رضي
الله عنه كتب إلى مالك بن الحارث الاشتر رحمه الله وكان مقيما بنصيبين :
أما بعد فإنك ممن أستظهر به على إقامة الدين وأقمع به نخوة الاثيم وأسد
به الثغر المخوف وقد كنت وليت محمد بن أبي بكر رحمه الله مصر فخرج عليه
خوارج وكان حدثا لا علم له بالحروب فاستشهد رحمه الله ( 2 ) فأقدم علي لننظر
________________________________________________________
( 1 ) المعروف بالامالي ذكر القصة في الحديث : ( 4 ) من المجلس التاسع منه ص 56 ط
النجف .
والقصة رواها الطبري من طريق أبي مخنف في حوادث سنة : ( 38 ) من تاريخه
ج 4 ص 71 .
[553]
في أمر مصر واستخلف على عملك أهل الثقة والنصيحة من أصحابك .
فاستخلف مالك على عمله شبيب بن عامر الازدي وأقبل حتى ورد على
أميرالمؤمنين عليه السلام فحدثه حديث مصر وأخبره عن أهلها وقال له ليس
لهذا الوجه غيرك فأخرج فإني إن لم أوصك اكتفيت برأيك واستعن بالله على
ما أهمك واخلط الشدة باللين وارفق ما كان الرفق أبلغ واعتزم على الشدة متى
لم يغن عنك إلا الشدة .
قال : فخرج مالك الاشتر فأتى رحله وتهيأ للخروج إلى مصر وقدم أمير
المؤمنين أمامه كتابا إلى أهل مصر :
بسم الله الرحمن الرحيم سلام عليكم فإني أحمد إليكم الله الذي لا إله
إلا هو وأسأله الصلاة على نبيه محمد وآله وإني قد بعثت إليكم عبدا من عباد
الله لاينام أيام الخوف ولا ينكل عن الاعداء حذر الدوائر من أشد عبيدالله
بأسا وأكرمهم حسبا أضر على الفجار من حريق النار وأبعد الناس من دنس أو
عار وهو مالك بن الحارث الاشتر لانابي الضريبة ولا كليل الحد حليم في
الحذر رزين في الحرب ذو رأي أصيل وصبر جميل فاسمعوا له وأطيعوا أمره
فإن أمركم بالنفير فانفروا وإن أمركم أن تقيموا فأقيموا فإنه لايقدم ولايحجم
إلا بأمري فقد آثرتكم به على نفسي نصيحة لكم وشدة شكيمة على عدوكم
عصمكم الله بالهدى وثبتكم بالتقوى ووفقنا وإياكم لما يحب ويرضى والسلام
عليكم ورحمة الله وبركاته .
.
-بحار الانوار مجلد: 30 من ص 553 سطر 19 الى ص 561 سطر 18
ولما تهيأ مالك الاشتر للرحيل إلى مصر كتب عيون معاوية بالعراق إليه
يرفعون خبره فعظم ذلك على معاوية وقد كان طمع في مصر فعلم أن الاشتر
ان قدمها فاتته وكان أشد عليه من ابن أبي بكر فبعث إلى دهقان من أهل
________________________________________________________
( 2 ) جملة : ( فاستشهد رحمه الله ) أقحمت في الحديث سهوا من الراوي أو الكتاب لقيام
القرائن القطعية على أن بعث الاشتر رفع الله مقامه كان قبل استشهاد محمد بن أبي
بكر رضوان الله عليه .
[554]
الخراج بالقلزم أن عليا قد بعث بالاشتر إلى مصر وإن كفيتنيه سوغتك خراج
ناحيتك ما بقيت فاحتل في قتله بما قدرت عليه .
ثم جمع معاوية أهل الشام وقال لهم : إن عليا قد بعث بالاشتر إلى مصر
فهلموا ندعو الله عليه يكفينا أمره ثم دعا ودعوا معه .
وخرج الاشتر حتى أتى القلزم فاستقبله ذلك الدهقان فسلم عليه وقال :
أنارجل من أهل الخراج ولك ولاصحابك علي حق في ارتفاع أرضى فأنزل علي أقم بأمرك
وأمر أصحابك وعلف دوابكم واحتسب بذلك لي من الخراج فنزل عليه
الاشتر فأقام له ولاصحابه بما احتاجوا إليه وحمل إليه طعاما دس في جملته
عسلا جعل فيه سما فلما شربه الاشتر قتله ومات وبلغ معاوية خبره فجمع
أهل الشام وقال لهم : أبشر فإن الله قد أجاب دعاءكم وكفاكم الاشتر وأماته
فسروا بذلك واستبشروا به .
ولما بلغ أميرالمؤمنين عليه السلام وفاة الاشتر جعل يتلهف ويتأسف عليه
ويقول : لله در مالك لو كان من جبل لكان أعظم أركانه ولو كان من حجر
كان صلدا أما والله ليهدن موتك عالما فعلى مثلك فلتبك البواكي .
ثم قال : إنا لله
وإنا إليه راجعون والحمدلله رب العالمين إني أحتسبه عندك فإن موته من
مصائب الدهر فرحم الله مالكا فقد وفى بعهده وقضى نحبه ولقي ربه مع أنا
قد وطنا أنفسنا أن نصبر على كل مصيبة بعد مصابنا برسول الله صلى الله
عليه واله فإنها أعظم المصيبة .
أقول [ و ] في رواية الثقفي في كتابه عليه السلام إلى الاشتر : ( وهو غلام
حدث السن ) وليس فيه ذكر شهادة محمد فلا ينافي ما يظهر من روايته أن
بعث الاشتر كان قبل شهادته ، وما أورده السيد من الاعتذار من محمد لبعث
الاشتر يدل على ذلك أيضا وهو أشهر عند أرباب التواريخ ولكن رواية
الاختصاص ( 1 ) أيضا مؤيدة لهذا الرواية .
________________________________________________________
( 1 ) الآتية في الحديث : ( 734 ) من هذا الباب ، ص 306 .
[555]
722 - رجعنا إلى رواية الثقفي روى بإسناده عن عاصم بن كليب عن
أبيه أن معاوية لما بلغه خبر الاشتر بعث رسولا يتبعه إلى مصر وأمره باغتياله
فحمل معه مزودين فيهما شراب فاستسقى الاشتر يوما فسقاه من أحدهما
فاستسقى يوما آخر فسقاه من الآخر وفيه سم فشربه ومال عنقه فطلب الرجل
ففاته .
وعن مغيرة الضبي أن معاوية دس للاشتر مولى لآل عمر فلم يزل المولى
يذكر للاشتر فضل علي وبني هاشم حتى اطمأن إليه فقدم الاشتر يوما ثقله
واستسقى ماء فسقاه المولى شربة سويق فيها سم فمات .
قال : وقد كان معاوية قال لاهل الشام لما دس له مولى عمر : ادعوا على
الاشتر فدعوا عليه فلما بلغه موته قال : ألا ترون كيف استجيب لكم .
وقد روي من بعض الوجوه أن الاشتر قتل بمصر بعد قتال شديد
والصحيح أنه سقي سما فمات قبل أن يبلغ مصر .
وعن علي بن محمد المدائني أن معاوية أقبل يقول لاهل الشام : أيها الناس
ان عليا قد وجه الاشتر إلى مصر فدعوا الله أن يكفيكم فكانوا يدعون عليه
في دبر كل صلاة وأقبل الذي سقاه السم إلى معاوية فأخبره بهلاك الاشتر فقام
معاوية لعنه الله خطيبا فقال : أما بعد فإنه كان لعلي بن أبي طالب يدان يمينان
فقطعت إحداهما يوم صفين وهو عمار بن ياسر وقد قطعت الاخرى اليوم وهو
مالك الاشتر .
وقال إبراهيم : فلما بلغ عليا عليه السلام موت الاشتر قال : إنا لله وإنا
إليه راجعون والحمدلله رب العاليمن اللهم إني أحتسبه عندك فإن موته من
مصائب الدهر .
ثم قال : رحم الله مالكا فلقد وفى بعهده وقضى نحبه ولقى ربه مع أنا
________________________________________________________
722 - رواه مع التوالي الثقفي في الحديث : ( 116 ) وما بعده من كتاب تلخيص الغارات :
ج 1 ، ص 262 ، وما بعدها .
[556]
قد وطنا أنفسنا أن نصبر على كل مصيبة بعد مصابنا برسول الله صلى الله عليه
وآله فإنها من أعظم المصيبات .
وعن معاوية الضبي قال : لم يزل أمر علي عليه السلام شديدا حتى مات
الاشتر وكان الاشتر بالكوفة أسود من الاحنف بالبصرة .
وعن جماعة من أشياخ النخع قالوا : دخلنا على أميرالمؤمنين عليه
السلام حين بلغه موت الاشتر فوجدناه يتلهف ويتأسف عليه ثم قال : لله درمالك وما
مالك لو كان من جبل لكان فندا ولو كان من حجر لكان صلدا أما والله
ليهدن موتك عالما وليفرحن عالما ! على مثل مالك فلتبك البواكي وهل مرجو
كمالك ؟ وهل موجود كمالك ؟
قال علقمة بن قيس النخعي : فما زال علي يتلهف ويتأسف حتى ظننا أنه
المصاب به دوننا وعرف ذلك في وجهه أياما .
قال إبراهيم : وحدثنا محمد بن عبدالله عن المدائني عن رجاله أن
محمد بن أبي بكر لما بلغه أن عليا عليه السلام قد وجه الاشتر إلى مصر شق
عليه فكتب علي عليه السلام إليه عند مهلك الاشتر :
أما بعد فقد بلغني موجدتك من تسريح الاشتر إلى عملك ولم أفعل ذلك
استبطاء لك عن الجهاد ولا استزادة لك مني في الجد ولو نزعت ما حوت يداك
من سلطانك لوليتك ما هو أيس مؤنة عليك وأعجب ولاية إليك إلا أن الرجل
الذي كنت وليته مصر كان رجلا لنا مناصحا وعلى عدونا شديدا فرحمة الله
عليه فقد استكمل أيامه ولاقى حمامه ونحن عنه راضون فرضي الله عنه
وضاعف له الثواب وأحسن له المآب .
فاصحر لعدوك وشمر للحرب وادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة
الحسنة وأكثر ذكرالله والاستعانة به والخوف منه يكفك ما أهمك ويعنك على
ما ولاك أعاننا الله وإياك على ما لا ننال إلا برحمته والسلام ( 1 ) .
________________________________________________________
( 1 ) ورواه السيد الرضي رحمه الله في المختار : ( 34 ) من الباب الثاني من كتاب نهج
[557]
فكتب محمد رحمه الله إلى عبدالله أميرالمؤمنين عليه السلام من محمد بن
أبي بكر سلام عليك فإني أحمد اليك الله الذي لا إله إلا هو .
أما بعد ، [ فقد ] انتهى إلي كتاب أميرالمؤمنين وفهمته وعرفت ما فيه وليس أحد من الناس
أشد على عدو أميرالمؤمنين ولا أرق خرجت فعسكرت وأمنت
الناس إلا من نصب لنا حربا وأظهر لنا خلافا وأنا أتبع [ متبع ( خ ل ) ] أمر أمير
المؤمنين وحافظه ولا جئ إليه وقائم به والله المستعان على كل حال والسلام
على أميرالمؤمنين ورحمة الله وبركاته .
وعن أبي جهضم الاسدي قال : إن أهل الشام لما انصرفوا عن صفين
وأتى بمعاوية خبر الحكمين وبايعه أهل الشام بالخلافة لم يزدد إلا قوة ولم يكن
له هم إلا مصر فدعا عمرو بن العاص وحبيب بن مسلمة وبسر بن أرطأة
والضحاك بن قيس و عبدالرحمن بن خالد وشرحبيل بن السمط وأبا الاعور
السلمي وحمزة بن مالك فاستشارهم في ذلك فقال عمرو بن العاص : نعم
الرأي رأيت في افتتاحها عزك وعز اصحابك وذل عدوك وقال آخرون : نرى ما رأى
عمرو .
فكتب معاوية إلى مسلمة بن مخلد الانصاري وإلى معاوية حديج الكندي
وكانا قد خالفا عليا عليه السلام فدعاهما إلى الطلب بدم عثمان فأجابا وكتبا
إليه عجل إلينا بخيلك ورجلك فإنا ننصرك ويفتح الله عليك .
فبعث معاوية عمرو بن العاص في ستة آلاف فسار عمرو في الجيش حتى
دنا من مصر فاجتمعت إليه العثمانية فأقام وكتب إلى محمد بن أبي بكر :
أما بعد فتنح عني بد ؟ ك يا ابن أخي فإني لا أحب أن يصيبك مني ظفر
وإن الناس بهذه البلاد قد اجتمعوا على خلافك ورفض أمرك وندموا على
________________________________________________________
البلاغة .
ورواه الطبري مع أكثر ما يليه في حوادث سنة : ( 38 ) من تاريخه : ج 1 ،
ص 3395 ، وفي ط : ج 4 ص 75 وفي ط : ج 5 ص 96 .
[558]
إتباعك وهم مسلموك لو قد التقت حلقتا البطان فاخرج منها إني لك من
الناصحين والسلام .
قال : وبعث عمرو مع هذا الكتاب كتاب معاوية إليه وهو :
أما بعد فإن غب الظلم والبغي عظيم الوبال وإن سفك الدم الحرام لا
يسلم صاحبه من النقمة في الدنيا والتبعة الموبقة في الآخرة وما نعلم أحدا
كان أعظم على عثمان بغيا ولا أسوأ له عيبا ولا أشد عليه خلافا منك سعيت
عليه في الساعين وساعدت عليه مع المساعدين وسفكت دمه مع السافكين ثم
تظن أني نائم عنك فأتيت بلدة فتأمن فيها وجل أهلها أنصاري يرون رأيي
ويرفعون قولك ويرقبون عليك وقد بعثت إليك قوما حناقا عليك يستسفكون
دمك ويتقربون إلى الله عزوجل بجهادك وقد أعطوا الله عهدا ليقتلنك ولو لم
يكن منهم إليك ما قالوا لقتلك الله بأيديهم أو بأيدي غيرهم من أوليائه وأنا
أحذرك وأنذرك فإن الله مقيد منك ومقتص لوليه وخليفته بظلمك له وبغيك
عليه ووقيعتك فيه وعدوانك يوم الدار عليه تطعن بمشاقصك فيما بين أحشائه
وأوداجه ومع هذا إني أكره قتلك ولا أحب أن أتولى ذلك منك ولن يسلمك
الله من النقمة أين كنت أبدا فتنح وانج بنفسك والسلام .
قال : فطوى محمد بن أبي بكر كتابيهما وبعث بهما إلى علي عليه السلام
وكتب إليه :
أما بعد يا أميرالمؤمنين فإن العاصي ابن العاص قد نزل أداني مصر
واجتمع عليه من أهل البلد كل من كان برى رأيهم وهو في جيش جرار وقد
رأيت ممن قبلي بعض الفشل فإن كان لك في أرض مصر حاجة فأمددني
بالاموال والرجال والسلام عليك ورحمة الله وبركاته .
فكتب إليه [ أميرالمؤمنين ] رضي الله عنه أما بعد فقد أتاني رسولك بكتابك
تذكر أن ابن العاص قد نزل أداني مصر في جيش جرار وأن من كان على مثل
رأيه قد حرج إليه وخروج من كان على رأيه خير لك من إقامته عندك .
[559]
وذكرت أنك قد رأيت ممن قبلك فشلا فلا تفشل وإن فشلوا حصن
قريتك واضمم إليك شيعتك وأول الحرس في عسكرك ( 1 ) واندب إلى القوم
كنانة بن بشر المعروف بالنصيحة والتجربة والبأس وأنا نادب إليك الناس
على الصعب والذلول فاصبر لعدوك وامض على بصيرتك وقاتلهم على نيتك
وجاهدهم محتسبا لله سبحانه وإن كان فئتك أقل الفئتين فإن الله تعالى يعين
القليل ويخذل الكثير .
وقد قرأت كتاب الفاجرين المتحابين على المعصية والمتلائمين على الضلالة
والمرتبئين [ المرتشين ( خ ل ) ] في الحكومة والمتكبرين على أهل الدين الذين
استمتعوا بخلاقهم كما استمتع الذين من قبلهم بخلافهم فلا يضرنك إرعادهما
وإبراقهما وأجبهما إن كنت لم تجبهما بما هما أهله فإنك تجد مقالا ما شئت
والسلام .
قال : فكتب محمد بن أبي بكر إلى معاوية جواب كتابه :
أما بعد فقد أتاني كتابك تذكر من أمر عثمان أمرا لا أعتذر إليك منه
وتأمرني بالتنحي عنك كأنك لي ناصح وتخوفني بالحرب كأنك علي شفيق وأنا
أرجو أن تكون الدائرة عليكم وأن يخذلكم الله في الوقعة وأن ينزل بكم الذل
وأن تولوا الدبر فإن يكن لكم الامر في الدنيا فكم وكم لعمري من ظالم قد
نصرتم وكم من مؤمن قد قتلتم ومثلتم به وإلى الله المصير وإليه ترد الامور
وهو أرحم الراحمين والله المستعان على ما تصفون .
قال : وكتب محمد بن أبي بكر إلى عمرو بن العاص جواب كتابه :
أما بعد فقد فهمت كتابك وعلمت ما ذكرت وزعمت أنك لاتحب أن
يصيبني منك ظفر فأشهد بالله أنك لمن المبطلين وزعمت أنك لي ناصح وأقسم
أنك عندي ظنين وزعمت أن أهل البلد قد رفضوني وندموا على اتباعي
فأولئك حزبك وحزب الشيطان الرجيم وحسبنا الله رب العالمين وتوكلت على
________________________________________________________
( 1 ) كذا في أصلي ، وفي شرح ابن أبي الحديد : ( وأذك الحرس في عسكرك .
.
) .
[560]
الله العزيز الرحيم رب العرش العظيم .
قال إبراهيم : فحدثنا محمد بن عبدالله عن المدائني قال : فأقبل عمرو بن
العاص يقصد قصد مصر فقام محمد بن أبي بكر في الناس فحمدالله وأثنى
عليه ثم قال :
أما بعد يا معاشر المسلمين فإن القوم الذين كانوا ينتهكون الحرمة
ويغشون أرض الضلالة ( 1 ) قد نصبوا لكم العداوة وساروا إليكم بالجنود فمن
أراد الجنة والمغفرة فليخرج إلى هؤلاء القوم فليجاهدهم في الله انتدبوا رحمكم الله
مع كنانة بن بشر ومن يجيب معه من كندة ( 2 ) .
ثم ندب معه ألفي رجل وتخلف محمد في ألفين واستقبل عمرو بن العاص
كنانة وهو على مقدمة محمد فلما دنا عمرو من كنانة سرح إليه الكتائب كتيبة
بعد كتيبة فلم تأته كتيبة من كتائب أهل الشام إلا شد عليها بمن معه فيضربها
حتى يلحقها بعمرو ففعل ذلك مرارا فلما رأى عمرو ذلك بعث إلى معاوية بن
حديج الكندي فأتاه في مثل الدهم ( 3 ) فلما رأى كنانة ذلك الجيش نزل عن
فرسه ونزل معه أصحابه فضاربهم بسيفه وهو يقول : * ( وما كان لنفس أن
تموت إلا باذن الله كتابا مؤجلا ) * [ 145 / آل عمران : 3 ] فلم يزل يضاربهم
بالسيف حتى استشهد رحمه الله .
فلما قتل كنانة أقبل ابن العاص نحو محمد وقد تفرق عنه أصحابه فخرج
محمد فمضى في طريق حتى انتهى إلى خربة فآوى إليها وجاء عمرو بن العاص
حتى دخل الفسطاط .
________________________________________________________
( 1 ) كذا في أصلي ، وفي شرح ابن أبي الحديد : ج 2 ص 318 ط بيروت : ( ويغشون
الضلالة ويستطيلون بالجبرية قد نصبوا لكم العداوة .
.
) .
( 2 ) جملة ( ومن يجيب معه من كندة ) غير موجودة في شرح ابن أبي الحديد ، وكان في
أصلي وضع عليها علامة ولكن لم تكن واضحة .
( 3 ) الدهم - كسهم - : العدد الكثير الذي لكثرته يتبين سواده من البعيد .
ومعاوية بن
خديج هذا من رجال البخاري وكثير من أصحاب الصحاح الست .