[541]


اتقاه وآثر طاعته وأمره على من سواه .
وكتب عبيدالله بن أبي رافع مولى رسول الله صلى الله عليه وآله بغرة شهر رمضان سنة ست وثلاثين .
أقول : روى [ الحسن بن علي بن شعبة ] في تحف العقول هذا العهد نحوا مما ذكر ( 1 ) .
ثم قال إبراهيم : ثم قام محمد بن أبي بكر خطيبا فحمدالله وأثنى عليه وقال : أما بعد فالحمدلله الذي هدانا وإياكم لما اختلف فيه من الحق وبصرنا وإياكم كثيرا مما عمي عنه الجاهلون ألا وإن أميرالمؤمنين ولاني أموركم وعهد إلي بما سمعتم وأوصاني بكثير منه مشافهة ولن آلوكم جهدا ما استطعت وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب فإن يكن ما ترون من آثاري وأعمالي طاعة لله وتقوى فاحمدوا الله على ما كان من ذلك فإنه هو الهادي إليه وإن رأيتم من ذلك عملا بغير الحق فارفعوه إلي وعاتبوني عليه فإني بذلك أسعد وأنتم بذلك مأجورون وفقنا الله وإياكم لصالح العمل .
قال : وكتب محمد بن أبي بكر إلى علي بن أبي طالب عليه السلام وهو إذ ذاك بمصر عاملها يسأله جوامع من الحلال والحرام والسنن والمواعظ فكتب إليه : لعبدالله أميرالمؤمنين من محمد بن أبي بكر سلام عليك فإني أحمد الله الذي لا إله إلا هو أما بعد فإن رأى أميرالمؤمنين - أرانا الله وجماعة المسلمين فيه أفضل سرورنا وأملنا فيه - أن يكتب لنا كتابا فيه فرائض وأشياء مما يبتلى به مثلي من القضاء بين الناس فعل فإن الله يعظم لاميرالمؤمنين الاجر ويحسن له الذخر .

________________________________________________________
( 1 ) وهذا رواه الشيخ المفيد رفع الله مقامه في الحديث : ( 2 ) من المجلس : ( 31 ) من أماليه ص 159 .
ورواه أيضا الشيخ الطوسي رضوان الله عليه في الحديث الاخير من المجلس الاول من أماليه ص 16 ، وفي ط بيروت ص 24 .

[542]


فكتب إليه علي عليه السلام : بسم الله الرحمن الرحيم من عبدالله أميرالمؤمنين علي بن أبي طالب إلى محمد بن أبي بكر وأهل مصر سلام عليكم فإني أحمدالله الذي لا إله إلا هو .
أما بعد فقد وصل إلي كتابك فقرأته وفهمت ما سألتني عنه فأعجبني اهتمامك بما لابد منه وما لا يصلح المؤمنين غيره ، وظننت أن الذي دعاك إليه نية صالحة ورأي غير مدخول ولا خسيس وقد بعثت إليك أبواب الاقضية جامعا لك ولا قوة إلا بالله وحسبنا الله ونعم الوكيل وكتب إليه بما سأله عنه من القضاء وذكر الموت والحساب وصفة الجنة والنار وكتب في الامامة وكتب في الوضوء وكتب إليه في مواقيت الصلاة وكتب إليه في الركوع والسجود وكتب إليه في الادب وكتب إليه في الامر بالمعروف والنهي عن المنكر وكتب إليه في الاعتكاف وكتب إليه في الزنادقة وكتب إليه في نصراني فجر بمسلمة وكتب إليه في أشياء كثيرة لم نحفظ منها غير هذه الخصال وحدثنا ببعض ما كتب إليه .
قال إبراهيم وحدثني يحيى بن صالح عن مالك بن خالد الاسدي عن الحسن بن إبراهيم عن عبدالله بن الحسن بن الحسن عن عباية قال : كتب علي صلوات الله عليه إلى أهل مصر لما بعث محمد بن أبي بكر إليهم كتابا يخاطبهم به ويخاطب محمدا أيضا فيه أما بعد فإني أوصيكم بتقوى الله في سر أمركم وعلانيته وعلى أي حال كنتم عليها وليعلم المرء منكم أن الدنيا دار بلاء وفناء والآخرة دار جزاء وبقاء فمن استطاع أن يؤثر ما يبقى على ما يفنى فليفعل فإن الآخرة تبقى والدنيا تفنى رزقنا الله وإياكم تبصرا [ بصرا ] لما بصرنا وفهما لما فهمنا حتى لانقصر فيما أمرنا ولا نتعدى إلى ما نهانا .
واعلم يا محمد أنك وإن كنت محتاجا إلى نصيبك من الدنيا إلا أنك إلى نصيبك من الآخرة أحوج ، فإن عرض لك أمران أحدهما للآخرة والآخر للدنيا فابدأ بأمر الآخرة ولتعظم رغبتك في الخير ولتحسن فيه نيتك فإن الله عز وجل يعطي العبد على قدر نيته وإذا أحب الخير وأهله ولم يعمله كان إنشاء

[543]


الله كمن عمله ، فإن رسول الله صلى الله عليه وآله قال حين رجع من تبوك ( إن بالمدينة لاقواما ما سرتم من مسير ولا هبطتم من واد إلا كانوا معكم ما حبسهم إلا المرض ) يقول : كانت لهم نية .
ثم اعلم يا محمد أني وليتك أعظم أجنادي أهل مصر وإذ وليتك ما وليتك من أمر الناس فإنك محقوق أن تخاف فيه على نفسك وتحذر فيه على دينك ولو كان ساعة من نهار ، فإن استطعت أن لاتسخط ربك لرضا أحد من خلقه فافعل فإن في الله خلفا من غيره وليس في شئ غيره خلف منه ، فاشتد على الظالم ولن لاهل الخير وقربهم إليك واجعلهم بطانتك وإخوانك والسلام .
وبهذا الاسناد قال : كتب علي صلوات الله عليه إلى محمد وأهل مصر : أما بعد فإني أوصيكم بتقوى الله والعمل بما أنتم عنه مسؤولون فأنتم به رهن وأنتم إليه صائرون فإن الله عزوجل يقول : * ( كل نفس بما كسبت رهينة ) * [ 38 / المدثر : ] وقال : * ( ويحذركم الله نفسه وإلى الله المصير ) * وقال : * ( فوربك لنسألنهم أجمعين عما كانوا يعملون ) * [ 92 - 93 / الحجر ] .
فاعلموا عبادالله أن الله سائلكم عن الصغير من أعمالكم والكبير فإن يعذب فنحن الظالمون وإن يغفر ويرحم فهو أرحم الراحمين .
واعلموا أن أقرب ما يكون العبد إلى الرحمة والمغفرة حين ما يعمل بطاعة الله ومناصحته في التوبة فعليكم بتقوى الله عزوجل فإنها تجمع من الخير ما لا يجمع غيرها ويدرك بها من الخير ما لا يدرك بغيرها خير الدنيا وخير الآخرة يقول الله سبحانه : * ( وقيل للذين اتقوا ماذا أنزل ربكم قالوا خيرا للذين أحسنوا في هذه الدنيا حسنة ولدار الآخرة خير ولنعم دار المتقين ) * [ 30 / النحل : 16 ] واعلموا عبادالله أن المؤمن يعمل لثلاث : إما لخير الدنيا فإن الله يثيبه بعمله في الدنيا قال الله : * ( وآتيناه أجره في الدنيا وإنه في الآخرة لمن الصالحين ) * [ 27 / العنكبوت ] فمن عمل لله تعالى

[544]


أعطاه أجره في الدنيا والآخرة وكفاه المهم فيهما وقد قال الله تعالى : * ( يا عباد الذين آمنوا اتقوا ربكم للذين أحسنوا في هذه الدنيا حسنة وأرض الله واسعه إنما يوفى لصابرون أجرهم بغير حساب ) * [ 10 / الزمر : 39 ] فما أعطاهم الله في الدنيا لم يحاسبهم به في الآخرة قال الله تعالى : * ( للذين أحسنوا الحسنى وزيادة ) * [ 26 / يونس : 10 ] فالحسنى الجنة والزيادة الدنيا .
وإما لخير الآخرة فإن الله يكفر عنه بكل حسنة سيئة يقول : * ( إن الحسنات يذهبن السيئات ذلك ذكرى للذاكرين ) * [ 114 / هود : 11 ] حتى إذا كان يوم القيامة حسبت لهم حسناتهم وأعطوا بكل واحدة عشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف فهو الذي يقول : * ( جزاء من ربك عطاء حسابا ) * [ 36 / النبأ : 78 ] ويقول عزوجل : * ( أولئك لهم جزاء الضعف بما عملوا وهم في الغرفات آمنون ) * [ 37 / السبأ : 34 ] فارغبوا فيه واعملوا به وتحاضوا عليه .
واعلموا عبادالله أن المؤمنين المتقين قد ذهبوا بعاجل الخير وآجله شركوا أهل الدنيا في دنياهم ولم يشاركهم أهل الدنيا في آخرتهم يقول الله عز وجل : * ( قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق قل هي للذين آمنوا في الحياة الدنيا خالصة يوم القيامة كذلك نفصل الآيات لقوم يعلمون ) * [ 32 / الاعراف : 7 ] سكنوا الدنيا بأفضل ما سكنت وأكلوها بأفضل ما أكلت شاركوا أهل الدنيا في دنياهم فأكلوا من أفضل ما يأكلون وشربوا من أفضل ما يشربون ولبسوا من أفضل ما يلبسون وسكنوا بأفضل ما يسكنون وتزوجوا بأفضل ما يتزوجون وركبوا من أفضل ما يركبون أصابوا لذة الدنيا مع أهل الدنيا [ وتيقنوا ] أنهم غدا من جيران الله عزوجل ويتمنون عليه ما يرد لهم دعوة ولا ينقص لهم لذة أما في هذا ما يشتاق إليه من كان له عقل ولا حول ولاقوة إلا بالله .
واعلموا عبادالله أنكم إن اتقيتم ربكم وحفظتم نبيكم في أهل بيته فقد عبدتموه بأفضل ما عبد وذكرتموه بأفضل ما ذكر وشكرتموه بأفضل ما شكر وأخذتم بأفضل الصبر وجاهدتم بأفضل الجهاد وإن كان غيركم أطول صلاة

[545]


منكم وأكثر صياما إذا كنتم أتقى لله وأنصح لاولياء الله من آل محمد صلى الله عليه وآله وأخشع .
واحذروا عبادالله الموت ونزوله وخذوا له عدته فإنه يدخل بأمر عظيم خير لا يكون معه شر أبدا أو شر لا يكون معه خير أبدا فمن أقرب إلى الجنة من عاملها .
وليس أحد من الناس يفارق روحه جسده حتى يعلم إلى أي المنزلتين يصير إلى الجنة أم إلى النار أعدو هو لله أم ولي له ، فإن كان وليا فتحت له أبواب الجنة وشرع له طريقها ونظر إلى ما أعدالله عزوجل لاوليائه فيها [ و ] فرغ من كل شغل ووضع عنه كل ثقل .
وإن كان عدوا لله فتحت له أبواب النار وسهل له طريقها ونظر إلى ما أعدالله فيها لاهلها واستقبل كل مكروه وفارق كل سرور قال تعالى : * ( الذين تتوفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم فألقوا السلم ما كنا نعمل من سوء بلى إن الله عليم بما كنتم تعملون فادخلوا أبواب جهنم خالدين فيها فلبئس مثوى المتكبرين ) [ 28 - 29 / النحل 16 ] .
واعلموا عبادالله أن الموت ليس منه فوت فاحذروه [ قبل وقوعه ] وأعدوا له عدته فإنكم طرداء الموت إن أقمتم أخذكم وإن هربتم أدرككم وهو ألزم لكم من ظلكم معقود بنوا صيكم والدنيا تطوى من خلفكم فأكثروا ذكر الموت عندما تنازعكم إليه أنفسكم من الشهوات فإنه كفى بالموت واعظا وقد
.
-بحار الانوار مجلد: 30 من ص 545 سطر 19 الى ص 553 سطر 18 قال رسول الله صلى الله عليه وآله : أكثروا ذكر الموت فإنه هادم اللذات .
واعلموا عبادالله أن ما بعد الموت أشد من الموت لمن لايغفر الله له ويرحمه واحذروا القبر وضمته وضيقه وظلمته فإنه الذي يتكلم كل يوم يقول : أنا بيت التراب وأنا بيت الغربة وأنا بيت الدود .
والقبر روضة من رياض الجنة أو حفرة من حفر النار .
إن المسلم إذا مات قالت له الارض : مرحبا وأهلا قد كنت ح ممن أحب أن

[546]


تمشي على ظهري فإذا وليتك فستعلم كيف صنعي بك فيتسع له مد بصره .
وإذ دفن الكافر قالت له الارض لا مرحبا ولا أهلا قد كنت ممن أبغض أن تمشي على ظهري فإذا وليتك فستعلم كيف صنعي بك فتنضم عليه حتى تلتقي أضلاعه .
واعلموا أن المعيشة الضنك التي قال الله سبحانه [ فإن له معيشة ضنكا ] [ 124 / طه ] هى عذاب القبر وأنه يسلط على الكافر في قبره حيات تسعة وتسعين تنينا عظام تنهش لحمه حتى يبعث لو أن تنينا منها نفخ في الارض ما أنبتت الزرع ريعها أبدا .
واعلموا عبادالله أن أنفسكم وأجسادكم الرقيقة الناعمة التي يكفيها اليسير من العقاب ضعيفة عن هذا فإن استطعتم أن ترحموا أنفسكم وأجسادكم عما لا طاقة لكم به ولا صبر عليه فتعملوا بما أحب الله سبحانه وتتركوا ماكره فافعلوا ولا حول ولاقوة إلا بالله .
واعلموا عبادالله أن ما بعد القبر أشد من القبر يوم يشيب فيه الصغير ويسكر فيه الكبير ويسقط فيه الجنين وتذهل كل مرضعة عما أرضعت .
واحذروا يوما عبوسا قمطريرا كان شره مستطيرا أما إن شر ذلك اليوم وفزعه استطار حتى فزعت منه الملائكة الذين ليست لهم ذنوب والسبع الشداد والجبال الاوتاد والارضون المهاد وانشقت السماء فهي يومئذ واهية وتتغير فكانت وردة كالدهان وتكون الجبال سرابا مهيلا بعدما كانت صما صلابا يقول الله سبحانه : * ( ونفخ في الصور فصعق من في السموات ومن في الارض إلا من شاءالله ) * [ 68 / الزمر : 39 ] فكيف من يعصيه بالسمع والبصر واللسان واليد والرجل والفرج والبطن إن لم يغفر الله ويرحم .
واعلموا عبادالله أن ما بعد ذلك اليوم أشد وأدهى على من لم يغفرالله له من ذلك اليوم نار فعرها بعيد وحرها شديد وعذابها جديد ومقامعها حديد وشرابها صديد لايفتر عذابها ولايموت ساكنها دار ليست لله سبحانه فيها

[547]


رحمة ولا يسمع فيها دعوة .
واعلموا عبادالله أن مع هذا رحمة الله التي وسعت كل شئ لا تعجز عن العباد جنة عرضها كعرض السموات والارض خير لايكون بعده شر أبدا وشهوة لاتنفد أبدا ولذة لاتفنى أبدا ومجمع لايتفرق أبدا قوم قد جاوروا الرحمان وقام بين أيديهم الغلمان بصحاف من ذهب فيها الفاكهة والريحان .
فقال رجل ( 1 ) : يا رسول الله إني أحب الخيل [ فهل ] في الجنة خيل ؟ قال : نعم والذي نفسي بيده إن فيها خيلا من ياقوت أحمر عليها يركبون فتدف بهم خلال ورق الجنة [ ف ] قال رجل : يا رسول الله إني يعجبني الصوت الحسن أفي الجنة الصوت الحسن ؟ قال : نعم والذي نفسي بيده إن الله ليأمر لمن أحب ذلك منهم بشجر يسمعه صوتا بالتسبيح ما سمعت الآذان بأحسن منه قط [ ف ] قال رجل : يا رسول الله صلى الله عليه وآله إني أحب الابل أفي الجنة إبل ؟ قال : نعم والذي نفسي بيده إن فيها نجائب من ياقوت أحمر عليها رحال الذهب قد الحفت بنمارق الديباج يركبون فتزف بهم خلال ورق الجنة وإن فيها صور رجال ونساء يركبون مراكب أهل الجنة فإذا أعجب أحدهم الصورة قال : اجعل صورتي مثل هذه الصورة فيجعل صورته عليها وإذا اعجبته صورة المرأة قال : رب اجعل صورة فلانة زوجته مثل هذه الصورة فيرجع وقد صارت صورة زوجته على ما اشتهى وإن أهل الجنة يزورون الجبار سبحانه في كل جمعة فيكون أقربهم منه على منابر من نور والذين يلونهم على منابر من ياقوت والذين يلونهم على منابر من زبرجد والذين يلونهم على منابر من مسك فبينا هم كذلك ينظرون إلى نور الله جل جلاله ( 2 )

________________________________________________________
( 1 ) وفي هامش هذا المقام من البحار المصنف كلام هذا نصه : من قوله عليه السلام : ( فقال رجل ) إلى قوله : ( على ما اشتهي ) لم يكن في كتاب ابن أبي .
الحديد ، ولعله أسقطه لما فيه من التشويش وعدم الانطباق ( 2 ) من قوله : ( إن أهل الجنة - إلى قوله ، ينظرون إلى نور الله جل جلاله ) غير موجود في رواية الشيخ المفيد ولا ( في رواية ابن أبي الحديد ، فإن نهض سند الحديث لاثباته وثبت صدوره عن أميرالمؤمنين عليه السلام لابد من تأويله كما ذكروه في قوله تعالى :

[548]


وينظر الله في وجوههم إذ أقبلت سحابة تغشاهم فتمطر عليهم من النعمة واللذة والسرور والبهجة مالا يعلمه إلا الله سبحانه ومع هذا ما هو أفضل منه رضوان الله الاكبر .
أما إنا لو لم نخوف إلا ببعض ما خوفنا به لكنا محقوقين أن يشتد خوفنا مما لاطاقة لنا به ولا صبر لقوتنا عليه وأن يشتد شوقنا إلى ما لا غناء لنا عنه ولا بد لنا منه .
وإن استطعتم عبادالله أن يشتد خوفكم من ربكم ويحسن به ظنكم فافعلوه فإن العبد إنما تكون طاعته على قدر خوفه وإن أحسن الناس لله طاعة أشدهم له خوفا .
وانظر يا محمد صلاتك كيف تصليها فإنما أنت إمام ينبغي لك أن تتمها وأن تخففها وأن نصليها لوقتها فإنه ليس من إمام يصلي بقوم فيكون في صلاته وصلاتهم نقص إلا كان إثم ذلك عليه ولا ينقص ذلك من صلاتهم شيئا .
واعلم أن كل شئ من عملك يتبع صلاتك فمن صيع الصلاة فهو لغيرها أشد تضييعا ووضؤك من تمام الصلاة فأت بها على وجهه فإن الوضوء نصف الايمان وانظر صلاة الظهر فصلها لوقتها لاتعجل بها عن الوقت لفراغ ولاتؤخرها عن الوقت لشغل فإن رجلا جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وآله فسأله عن وقت الصلاة فقال النبي صلى الله عليه وآله أتاني جبرئيل فأراني وقت الصلاة فصلى الظهر حين زالت الشمس ثم صلى العصر وهي بيضاء نقية ثم صلى المغرب حين غابت الشمس ثم صلى العشاء حين غاب الشفق ثم صلى الصبح فأغلس بها والنجوم مشتبكة كان النبي صلى الله عليه وآله كذا يصلي قبلك فإن استطعت - ولا قوة إلا بالله - أن تلتزم السنة المعروفة وتسلك الطريق الواضح الذي أخذه ولعلك تقدم عليهم غدا .

________________________________________________________
* ( وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة ) * وذلك للادلة العقلية والاخبار المتواترة عن أهل بيته صلى الله عليه وآله على استحالة رؤية الله تعالى .

[549]


ثم انظر ركوعك وسجودك فإن النبي صلى الله عليه وآله كان أتم الناس صلاة وأحفظهم لها وكان إذا ركع قال : سبحان ربي العظيم وبحمده ثلاث مرات وإذا رفع صلبه قال : سمع الله لمن حمده اللهم لك الحمد ملء سماواتك وملا أرضك وملء ما شئت من شئ فإذا سجد قال : سبحان ربي الاعلى وبحمده ثلاث مرات .
أسأل الله الذي يرى ولايرى وهو بالمنظر الاعلى أن يجعلنا وإياك ممن يحبه الله ويرضاه حتى يبعثنا على شكره وذكره وحسن عبادته وأداء حقه وعلى كل شئ اختاره لنا في دنيانا وديننا وأولانا وأخرانا وأن يجعلنا من المتقين الذين لا خوف عليهم ولا هم يحزنون .
فإن استطعتم يا أهل مصر ولاقوة إلا بالله أن تصدق أقوالكم أفعالكم وأن يتوافق سركم وعلانيتكم ولاتخالف ألسنتكم قلوبكم فافعلوا عصمنا الله وإياكم بالهدى وسلك بنا وبكم المحجة العظمى ( 1 ) .
وإياكم دعوة الكذاب ابن عند وتأملوا واعلموا أنه لا سواء إمام الهدى وإمام الردى ووصي النبي عليه السلام وعدو النبي جعلنا الله وإياكم ممن يحب ويرضى ، لقد سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول : إني لاأخاف على أمتي مؤمنا ولا مشركا أما المؤمن فيمنعه الله بإيمانه وأما المشرك فيخزيه الله بشركه ولكني أخاف عليكم ( 2 ) كل منافق عالم اللسان يقول ما تعرفون ويفعل ما تنكرون .
[ وقد ] قال النبي صلى الله عليه وآله من سرته وساءته حسناته سيئاته فذلك المؤمن حقا وقد كان يقول خصلتان لاتجتمعان في منافق حسن سمت ولافقه في سنة .
واعلم يا محمد أن أفضل الفقه الورع في دين الله والعمل بطاعته أعاننا

________________________________________________________
( 1 ) كذا في أصلي ، وفي شرح ابن أبي الحديد : ( المحجة الوسطى .
.
) .
( 2 ) كذا في الاصل ، وفي شرح ابن أبي الحديد : ( عليهم ) .

[550]


الله وإياك على شكره وذكره وأداء حقه والعمل بطاعته فعليك بالتقوى في سر أمرك وعلانيته وعلى أي حال كنت عليها جعلنا الله وإياك من المتقين .
أوصيك بسبع هن جوامع الاسلام اخش الله ولاتخش الناس في الله وخير القول ما صدقه العمل ولا تقض في أمر واحد بقضائين مختلفين فيتناقض أمرك ويزيغ عن الحق وأحب لعامة رعيتك ما تحب لنفسك واكره لهم ما تكره لنفسك وأهل بيتك والزم الحجة عند الله فأصلح أحوال رعيتك وخض الغمرات إلى الحق ولا تخف في الله لومة لائم وانصح لمن استشارك واجعل نفسك أسوة لقريب المسلمين وبعيدهم .
وعليك بالصوم وإن رسول الله صلى الله عليه وآله عكف عاما في العشر الاول من شهر رمضان وعكف العام المقبل في العشر الاوسط من شهر رمضان فلما كان العام الثالث رجع من بدر وقضى اعتكافه فنام فرأى في منامه ليلة القدر في العشر الاواخر كأنه يجد ( 1 ) في ماء وطين فلما استيقظ رجع من ليلته إلى أزواجه وأناس معه من أصحابه ثم إنهم مطروا ليلة ثلاث وعشرين فصلى النبي صلى الله عليه وآله حين أصبح فرأى في وجه النبي صلى الله عليه وآله الطين فلم يزل يعتكف في العشر الاواخر من شهر رمضان حتى توفاه الله .
وقال النبي صلى الله عليه وآله من صام رمضان ثم صام ستة أيام من شوال فكأنما صام السنة جعل الله خلتنا وودنا خلة المتقين وود المخلصين وجمع ع بيننا وبينكم في دار الرضوان إخوانا على سرر متقابلين إنشاءالله .
قال : إبراهيم حدثني عبدالله بن محمد بن عثمان عن علي بن محمد بن أبي سيف عن أصحابه أن عليا لما كتب إلى محمد بن أبي بكر هذا الكتاب كان ينظر فيه ويتأدب به فلا ظهر عليه عمرو بن العاص وقتله أخذ كتبه أجمع فبعث بها إلى معاوية فكان معاوية ينظر في هذا الكتاب ويتعجب منه .
فقال الوليد بن عقبة - وقد رأى إعجابه - به مر بهذه الاحاديث أن تحرق

________________________________________________________
( 1 ) وفي الغارات ط 1 : يسجد .