[ 71 ]
وقال : شكوت فلانا شكاة إذا أخبرت بسوء فعله .
وقال ابن ميثم : البيت لابي ذويب وهو مثل يضرب لمن ينكر أمرا ليس منه
في شئ ولايلزمه دفعه .
والخشاش بالكسر الذي يدخل في عظم أنف البعير وخششت البعير إذا
جعلت في أنفه الخشاش .
والغضاضة بالفتح : المذلة والمنقصة .
قوله عليه السلام : ( وهذه حجتي إلى غيرك ) لعل المعنى لست أنت
المقصود بها لحقارتك كقوله عليه السلام ( غير مخبر لك ) أو لعلمي بأنك لا
تقبل حججي ولا تؤمن بها أو لانك عالم بها ولا فائدة في إخبار العالم بل
قصدي بذكرها إلى غيرك من السامعين لعله يؤمن بها من أنكرها ويطمئن بها
قلب من آمن بها .
وقال ابن ميثم : أي لست أنت المقصود بها إذ لست من هذا الامر في شئ
بل القصد منها غيرك أي الذين ظلموا وإنما ذكرت منها بقدر ما دعت الحاجة
إليه وسنح لي أن أذكره في جوابك .
قوله عليه السلام : ( فلك أن تجاب ) أي هذه ليست مثل السابقة التي
لم يكن له السؤال فيها لانك من بني أمية وبينك وبينه رحم .
وقوله عليه السلام ( فأينا ) ابتداء تقرير الجواب .
( والاعدى ) من العداوة أو من العدوان والاول أصوب ( وأهدى إلى مقاتله )
أي لوجوه قتله ومواضعه من الآراء والحيل ( أم من بذل ) أراد به نفسه
المقدسة فإنه لما اشتد الحاصر على عثمان بعث عليه السلام إليه وعرض عليه
نصرته فقال عثمان : لا أحتاج إلى نصرتك ولكن اقعدوكف شرك وذلك لان
عثمان كان متهما له عليه السلام بالدخول في أمره وأراد عليه السلام بقوله
( من استنصره ) معاوية وذلك أنه بعث عثمان حال حصاره إلى الشام
مستصرخا بمعاوية فلم يزل يتراخى عنه ويؤخر الخروج إلى أن قتل لطمعه في
الامر وذكر ( القدر ) ونسبة القتل إليه هاهنا مناسب لتبريه من دمه .
والبث :
[ 72 ]
النشر .
والمنون : الدهر والمنية أي نشر إليه نوائب الدهر وأسباب المنية وقوله
عليه السلام : ( والله لقد علم الله ) اقتباس من قوله تعالى : * ( قد يعلم الله
المعوقين منكم ) * قال الطبرسي رحمه الله هم الذين [ كانوا ] يعوقون غيرهم عن الجهاد
مع رسول الله صلى الله عليه وآله والتعويق : التثبيط ( والقائلين لاخوانهم )
يعني اليهود قالوا لاخوانهم المنافقين ( هلم إلينا ) أي تعالوا وأقبلوا إلينا ودعوا
محمدا صلى الله عليه وآله .
وقيل : القائلون هم المنافقون قالوا لاخوانهم من
ضعفة المسلمين : لاتحاربوا وخلوا محمدا صلى الله عليه وآله فإنا نخاف
عليكم الهلاك .
( ولايأتون البأس ) أي لايحضرون القتال .
والبأس : الحرب
وأصله الشدة ( إلا قليلا ) إلا كارهين يكون قلوبهم مع المشركين .
ولعل الغرض من الاقتباس أنه سبحانه عاب المعوقين والقائلين فالمتراخي
مقصر على تقدير وجوب الحضور كما زعمته .
ويحتمل أن يكون غرضه واقعا تعويقه عن نصره عليه السلام وإن أوهم
ظاهره نصر عثمان .
وقال الجوهري : نقمت على الرجل أنقم بالكسر إذا عتبت عليه .
وقال ابن ميثم في قوله عليه السلام ( فرب ملوم لاذنب له ) وأنا ذلك
الملوم وهو مثل لاكثم بن صيفي يضرب لمن قد ظهر للناس منه أمر أنكروه
عليه وهم لايعرفون حجته وعذره فيه وقوله : ( وقد يستقيد ( الخ يضرب
مثلا لمن يبالغ في النصيحة حتى يتهم أنه غاش وصدر البيت :
وكم سقت في آثاركم من نصيحة
وقال في الصحاح والقاموس : المتنصح من تشبه بالنصحاء وهذا المعنى وإن كان
محتملا في كلامه عليه السلام على وجه بعيد لكن الظاهر أنه ليس غرضا
للشاعر والظاهر ما ذكره الخليل في العين حيث قال : التنصح : كثرة النصيحة
قال : أكثم بن صيفي إياكم وكثرة التنصح فإنه يورث التهمة انتهى ( والظنة :
التهمة .
[ 73 ]
قوله عليه السلام : ( فلقد أضحكت بعد استعبار ) قال الجوهري : عبرت
عينه واستعبرت أي دمعت والعبران : الباكي .
وقال ابن ميثم : أي أتيت بشئ عجيب بالغ في الغرابة فإن الضحك
بعد البكاء إنما يكون لتعجب بالغ وذلك كالمثل في معرض الاستهزاء به .
وقيل : معناه لقد أضحكت من سمع منك هذا تعجبا بعد بكائه على
الدين لتصرفك فيه .
وألفيت الشئ : وجدته .
قوله عليه السلام : ( فالبث
قليلا ) قال ابن ميثم : مثل يضرب للوعيد بالحرب وأصله أن حمل بن بدر
رجل من قشير أغير على إبل له في الجاهلية في حرب داحس والغبراء فاستنقذها
وقال :
.
-بحار الانوار مجلد: 30 من ص 73 سطر 10 الى ص 81 سطر 10
لبث قليلا يلحق الهيجا حمل * ما أحسن الموت إذ الموت نزل
وقيل : أصله أن مالك بن زهير توعد حمل بن بدر فقال حمل : لبث قليلا
البيت فارسل مثلا ثم أتى وقتل مالكا فظفر أخوه قيس بن زهير به وبأخيه
حذيفة فقتلهما وقال :
شفيت النفس من حمل بن بدر * وسيفي من حذيفة قد شفاني
وقال الزمخشري في المستقصى تمام البيت :
ما أحسن الموت إذا حان الاجل
وقال : قالوا في حمل : هو اسم رجل شجاع كان يستظهر به في الحرب ولا
يبعد أن يراد به حمل بن بدر صاحب الغبراء يضربه من ناصره ورائه انتهى .
ثم اعلم أن حملا في بعض النسخ بالحاء المهملة وفي بعضها بالجيم .
وقال الفيروزآبادي : أرقل : أسرع .
والارقال : ضرب من الخبب .
والجحفل
بتقديم الجيم على الحاء : الجيش .
والقتام : الغبار .
وسطع الغبار والرائحة
والصبح : ارتفع .
والسربال : القميص .
( وسرابيل الموت ) إنما كناية عن
الدروع والاحوال والهيئات التي وطنوا نفوسهم على القتل فيها فكأنها أكفانهم .
[ 74 ]
وقوله عليه السلام ( ذرية بدرية ) أي أولاد البدريين .
وقد مر أن أخاه [ اي معاوية ] حنظلة وخاله الوليد وجده عتبة أبوأمه .
398 - ما : المفيد عن محمد بن عمران عن محمد بن موسى عن هشام عن
أبي مخنف عن عبدالله بن عاصم عن جبر بن نوف قال : لما أراد أميرالمؤمنين
عليه السلام إلى الشام اجتمع إليه وجوه أصحابه فقالوا : لو كتبت يا أمير
المؤمنين إلى معاوية وأصحابه قبل مسيرنا إليهم كتابا تدعوهم إلى الحق
وتأمرهم بما لهم فيه من الحظ كانت الحجة تزداد عليهم قوة فقال أميرالمؤمنين
عليه السلام لعبيد لله بن أبي رافع كاتبه اكتب :
بسم الله الرحمن الرحيم من عبدالله علي أميرالمؤمنين إلى معاوية بن
أبي سفيان ومن قبله من الناس سلام عليكم فإني أحمد إليكم الله الذي لا إله
إلا هو أما بعد فإن لله عبادا آمنوا بالتنزيل وعرفوا التأويل وفقهوا في الدين
وبين الله فضلهم في القرآن الحكيم وأنت يا معاوية وأبوك وأهلك في ذلك
الزمان أعداء الرسول مكذبون بالكتاب مجتمعون على حرب المسلمين من
لقيتهم منهم حبستموه أو عذبتموه أو قتلتموه حتى إذا أراد الله تعالى إعزاز دينه
وإظهار رسوله دخلت العرب في دينه أفواجا وأسلمت هذه الامة طوعا وكرها
فكنتم ممن دخل في هذا الدين إما رغبة وإما رهبة فليس ينبغي لكم أن
تنازعوا أهل السبق ومن فاز بالفضل فإنه من نازعه منكم فبحوب وظلم فلا
ينبغي لمن كان له قلب أن يجهل قدره ولا يعدو طوره ولايشفى نفسه
بالتماس ما ليس له .
________________________________________________________
398 - 399 - رواهما الشيخ الطوسي رفع الله مقامه في الحديث : ( 10 ) والحديث :
( 37 ) من الجزء ( 7 و 8 ) من أماليه ص 115 ، و 135 .
والحديث الاول قد تقدم عن كتاب صفين في أواخر الباب : ( 11 ) ص 481
ط الكمباني .
وليلاحظ المختار : ( 78 ) وما حوله من باب الكتب من كتاب نهج السعادة : ج 4
ص 216 ط 1 .
[ 75 ]
إن أولى الناس بهذا الامر قديما وحديثا أقربهم برسول الله صلى الله عليه
وآله وأعلمهم بالكتاب وأقدمهم في الدين وأفضلهم جهادا وأولهم إيمانا
وأشدهم إطلاعا بما تجهله الرعية عن أمرها فاتقوا الله الذي إليه ترجعون ولا
تلبسوا الحق بالباطل لتدحضوا به الحق واعلموا أن خيار عبادالله الذين
يعملون بما يعلمون وأن شرهم الجهلاء الذين ينازعون بالجهل أهل العلم .
ألا وإني أدعوكم إلى كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وآله وحقن دماء
هذه الامة فإن قبلتم أصبتم رشدكم وهديتم لحظكم وإن أبيتم إلا الفرقة وشق
عصا هذه الامة لم تزدادوا من الله إلا بعدا ، ولم يزدد عليكم إلا سخطا
والسلام .
قال فكتب إليه معاوية أما بعد فإنه :
ليس بيني وبين عمرو عتاب * غير طعن الكلى وحز الرقاب
فلما وقف أميرالمؤمنين عليه السلام على جوابه بذلك قال : ( إنك لا
تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم ) .
بيان : الحز بالحاء المهملة وبالجيم المعجمة : القطع .
399 - ما : المفيد عن الكاتب عن الاجلح عن حبيب بن أبي ثابت عن
ثعلبة بن يزيد الحماني قال : كتب أميرالمؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام
إلى معاوية بن أبي سفيان :
أما بعد فإن الله أنزل إلينا كتابه ولم يدعنا في شبهة ولا عذر لمن ركب ذنبا
بجهالة والتوبة مبسوطة ولا تزر وازرة وزر أخرى وأنت ممن شرع الخلاف
متماديا في غمرة الامل مختلف السر والعلانية رغبة في العاجل وتكذيبا بعد في
الآجل وكأنك قد تذكرت ما مضى منك فلم تجد إلى الرجوع سبيلا .
وكتب صلوات الله عليه إلى عمرو بن العاص :
من عبدالله علي أميرالمؤمنين إلى عمرو بن العاص أما بعد فإن الذي .
أعجبك مما رايت من الدنيا ووثقت به منها منقلب عنك فلا تطمئن إلى الدنيا
[ 76 ]
فإنها غرارة ولو اعتبرت بما مضى حذرت مابقي وانتفعت منها بما وعظت به
ولكنك تبعت هواك وآثرته ولولا ذلك لم تؤثر على ما دعوناك إليه غيره لانا
أعظم رجاء وأولى بالحجة والسلام .
وكتب عليه السلام إلى أمراء الاجناد :
من عبدالله أميرالمؤمنين [ علي ] إلى أصحاب المسالح أما بعد فإن
حقا على الوالي أن لايغيره عن رعيته فضل ناله ولا مرتبة اختص بها وأن
يزيده ما قسم الله له دنوا من عباده وعطفا عليهم .
ألا وإن لكم عندي أن لا أحجبن دونكم سرا إلا في حرب ولا أطوي
دونكم أمرا إلا في حكم ولا أؤخر لكم حقا عن محله وأن تكونوا عندي في
الحق سواء فإذا فعلت ذلك وجبت لي عليكم البيعة ولزمتكم الطاعة وأن لا
تنكصوا عن دعوة ولا تفرطوا في صلاح وأن تخوضوا الغمرات إلى الحق فإن
أنتم لم تسمعوا لي على ذلك لم يكن أحد أهون علي ممن خالفني فيه ثم أحل
لكم فيه عقوبته ولاتجدوا عندي فيها رخصة فخذوا هذا من أمرائكم وأعطوا
من أنفسكم هذا يصلح أمركم والسلام .
بيان :
قال الجوهري : فلان يباري فلانا أي يعارضه ويفعل مثل فعله وفلان
يباري الريح سخاء [ أي يعارضها خيرا وبركة ] .
أقول وسيأتي الكتاب الاخير برواية النهج بتغيير ما .
400 - نهج : ومن كتاب له عليه السلام إلى معاوية : إنه بايعني القوم الذين
بايعوا أبابكر وعمر وعثمان على ما بايعوهم عليه فلم يكن للشاهد أن
يختار ولا للغائب أن يرد وإنما الشورى للمهاجرين والانصار فإن اجتمعوا على
________________________________________________________
400 - رواه السيد الرضي قدس الله نفسه في المختار : ( 6 ) من الباب الثاني من نهج
البلاغة .
[ 77 ]
رجل وسموه إماما كان ذلك لله رضى فإن خرج من أمرهم خارج بطعن أو
بدعة ردوه إلى ما خرج منه فإن أبى قاتلوه على اتباعه غير سبيل المؤمنين
وولاه الله ماتولى .
ولعمري يا معاوية لئن نظرت بعقلك دون هواك لتجدني أبرأ الناس من
دم عثمان ولتعلمن أني كنت في عزلة عنه إلا أن تتجنى فتجن ما بدالك
والسلام .
تنبيه : لعل هذا منه عليه السلام إلزام لمعاوية بالاجماع الذي أثبتوا به
خلافة أبي بكر وعمر وعثمان وعدم تمسكه عليه السلام بالنص لعدم التفاتهم
إليه في أول العهد مع عدم تطاول الايام فكيف مع بعد العهد وقوله عليه
السلام ( إنما الشورى ) الخ أي الشورى الذي تعتقدونه وتحتجون به ولا
حاجة إلى حمل الكلام على التقية كما نقله ابن أبي الحديد من أصحابنا الامامية
قوله عليه السلام : ( كان ذلك لله رضا ) أي بزعمهم والعزلة الاسم من
الاعتزال .
والتجني أن يدعى عليك ذنب لم تفعله .
وقال ابن ميثم رحمه الله : هذا الفصل من كتاب كتبه إلى معاوية مع
جرير بن عبدالله البجلي حين نزعه من همدان ، وصدره :
أما بعد فإن بيعتي يا معاوية لزمتك وأنت بالشام لانه بايعني القوم .
ثم يتلو قوله : ( وولاه الله ما تولى ) تمام الآية .
ويتصل بها أن قال : ( وإن طلحة والزبير بايعاني ثم نقضا بيعتي وكان
نقضهما كردتهما فجاهدتهما على ذلك حتى جاء الحق وظهر أمرالله وهم كارهون .
فادخل يا معاوية فيما دخل فيه المسلمون فإن أحب لامور إلي فيك العافية إلا
أن تتعرض للبلاء فإن تعرضت له قاتلتك واستعنت بالله عليك .
وقد أكثرت في قتلة عثمان فادخل فيما دخل فيه الناس ثم حاكم القوم إلي
أحملك وإياهم على كتاب الله .
وأما هاتيك التي تريدها فهي خدعة الصبي عن اللبن .
[ 78 ]
ثم يتصل به قوله ( ولعمري ) إلى قوله ( ما بدا لك ) ثم يتصل به
( واعلم أنك من الطلقاء الذين لاتحل لهم الخلافة ولايعرض فيهم الشورى
وقد أرسلت إليك وإلى من قبلك جرير بن عبدالله وهو من أهل الايمان
والهجرة فبايع ولاقوة إلا بالله .
وقال رحمه الله : وكتب معاوية إلى أميرالمؤمنين عليه السلام ، من معاوية بن
أبي سفيان إلى علي بن أبي طالب : أما بعد فلو كنت على ما كان عليه أبوبكر
وعمر إذن ما قاتلتك ولا استحللت ذلك ولكنه إنما أفسد عليك بيعتي خطيئتك
في عثمان بن عفان وإنما كان أهل الحجاز الحكام على الناس حين كان
الحق فيهم فلما تركوه صار أهل الشام الحكام على أهل الحجاز وغيرهم من
الناس ولعمري ما حجتك على أهل الشام كحجتك على أهل البصرة ولا
حجتك علي كحجتك على طلحة والزبير لان أهل البصرة قد كانوا بايعوك ولم
يبايعك أهل الشام وإن طلحة والزبير بايعاك ولم أبايعك .
وأما فضلك في الاسلام وقرابتك من رسول الله صلى الله عليه وآله
وموضعك من بني هاشم فلست أدفعه والسلام .
فكتب عليه السلام في جوابه : من عبدالله علي أميرالمؤمنين إلى
معاوية بن صخر أما بعد فإنه أتاني كتابك كتاب امرئ ليس له بصر يهديه ولا
قائد يرشده قد دعاه الهوى فأجابه وقاده الضلال فاتبعه فهجر لاغطا وضل
خابطا زعمت أنه إنما أفسد على بيعتك خطيئتي في عثمان ولعمري ما كنت إلا
رجلا من المهاجرين أوردت كما أوردوا وأصدرت كما أصدروا وما كان الله
ليجعلهم على ضلال ولايضربهم بعمى .
وأما ما زعمت أن أهل الشام الحكام على أهل الحجاز فهات رجلين من
قريش الشام يقبلان في الشورى أو تحل لهما الخلافة فإن زعمت ذلك كذبك
المهاجرون والانصار وإلا فأنا آتيك بهما من قريش الحجاز .
وأما ما ميزت بين أهل الشام وأهل البصرة وبينك وبين طلحة والزبير
فلعمري ما الامر في ذلك إلا واحد لانها بيعة عامة واحدة لايثنى فيها النظر ولا
[ 79 ]
يستأنف فيها الخيار والخارج منها طاعن والمروي فيها مداهن .
وأما فضلي في الاسلام وقرابتي من الرسول وشرفي في بني هاشم فلو
استطعت دفعه لفعلت والسلام .
فلما وصل هذا الكتاب إلى معاوية كتب [ إليه ] : أما بعد فاتق الله يا علي
ودع الحسن فإنه طال ما لم ينتفع به أهله ولا تفسد سابقة قديمك بشر من
حديثك فإن الاعمال بخواتيمها ولا تلحدن بباطل في حق من لاحق لك في
حقه فإنك إن تفعل ذلك لاتضلل إلا نفسك ، ولا تمحق إلا عملك ولعمري
إن ما مضى لك من السوابق الحسنة لحقيقة أن تردك وتردعك عما اجترأت
عليه من سفك الدماء وإجلاء أهل الحق عن الحل والحرام فاقرأ سورة الفلق
وتعوذ بالله من شر ما خلق ومن شر نفسك الحاسد إذا حسد قفل الله بقلبك
وأخذ بناصيتك وعجل توفيقك فإني أسعد الناس بذلك والسلام .
فكتب عليه السلام : أما بعد فقد أتتني منك موعظة موصلة ورسالة محبرة
نمفتها بضلالك وأمضيتها بسوء رأيك وكتاب ليس ببعيد الشبه منك حملك على
الوثوب على ما ليس لك فيه حق ولولا علمي بك وما قد سبق من رسول الله
صلى الله عليه وآله فيك مما لامرد له دون إنفاذه إذا لوعظتك ولكن عظتي لا
تنفع من حقت عليه كلمة العذاب ولم يخف العقاب ولا يرجو لله وقارا ولم
يخف له حذارا فشأنك وما أنت عليه من الضلالة والحيرة والجهالة تجد الله في
ذلك بالمرصاد من دنياك المنقطعة وتمنيك الاباطيل وقد علمت ما قال النبي
صلى الله عليه وآله فيك وفي أمك وأبيك والسلام ( 1 ) .
بيان : أقول : قد روى السيد رضي الله عنه في النهج بعض الكتابين
________________________________________________________
( 1 ) رواه ابن ميثم رحمه الله في شرحه على المختار : ( 7 ) من باب كتب أميرالمؤمنين من
نهج البلاغة : ج 4 ص 356 ط الحديث بطهران .
وليلاحظ المختار : ( 45 و 99 ) من باب كتب أميرالمؤمنين عليه السلام من كتاب
نهج السعادة : ج 4 ص 94 و 266 ط 1 .
[ 80 ]
الذين أوردهما ابن ميثم وخلطهما ( 1 ) .
قوله عليه السلام : ( فهجر ) أي هذى .
واللغط بالتحريك : الصوت والجلبة
ذكره الجوهري وقال : خبط البعير فهو خابط إذا مشى ضالا فخبط بيديه كل
مايلقاه ولا يتوقى شيئا .
وخبطه : ضربه باليد ومنه قيل : خبط عشواء أي
الناقة التي في بصرها ضعف .
قوله عليه السلام : ( طاعن ) قال ابن ميثم : أي في صحتها فهو طاعن في
دين الله فيجب قتاله حتى يرجع إليها .
ورويت في الامر : نظرت فيه وفكرت
أي الشاك فيها مداهن .
والمداهنة : نوع من النفاق .
قوله عليه السلام : ( موصلة ) قال ابن أبي الحديد أي مجموعة الالفاظ من
هاهنا وهاهنا وذلك عيب في الكتابة والخطابة وقال : حبرت الشئ تحبيرا :
حسنته وزينته أي المزينة الالفاظ يشير عليه السلام إلى أنه قد كان يظهر عليها
أثر التكلف والتصنع .
وقال الجوهري : نمق الكتاب ينمقه بالضم أي كتبه ونمقه تنميقا : زينه
بالكتابة .
وقال ابن أبي الحديد في شرح النهج ( 2 ) : كتب معاوية في أثناء حرب صفين
إلى أميرالمؤمنين عليه السلام من عبدالله معاوية بن أبي سفيان إلى علي بن أبي
طالب : أما بعد فإن الله تعالى يقول في محكم كتابه : * ( ولقد أوحي إليك وإلى
الذين من قبلك لئن أشركت ليحبطن عملك ولتكونن من الخاسرين ) * [ 65 /
الزمر : 39 ] وإني أحذرك الله أن تحبط عملك وسابقتك بشق عصا هذه الامة
وتفريق جماعتها فاتق الله واذكر موقف القيامة واقلع عما أسرفت فيه من
________________________________________________________
( 1 ) قدر روى السيد الرضي قريبا مما رواه عنه ابن ميثم ثانيا ، في المختار : ( 7 ) من الباب
الثاني من نهج البلاغة .
( 2 ) في شرح المختار 7 من باب الكتب ، ج 14 ، ص 42 ، ط مصر ، قال : وهذا الكتاب كتبه علي
عليه السلام جوابا عن كتاب كتبه معاوية إليه في أثناء حرب صفين بل في أواخرها .