[ 61 ]
وبقيت خصلة واحدة وهو أن يثبت عندهم أنه يبرأ من أبي بكر وعمر وينسبهما
إلى الظلم ومخالفة الرسول في أمر الخلافة وأنهما وثبا عليها غلبة وغصباه إياها
فكانت هذه تكون الطامة الكبرى وليست مقتصرة على إفساد أهل الشام عليه
بل وأهل العراق الذين هم جنده وبطانته وأنصاره لانهم كانوا يعتقدون إمامة
الشيخين إلا القليل الشاذ من خواص الشيعة .
فلما كتب ذلك الكتاب مع أبي مسلم الخولاني قصد أن يغضب عليا
ويحرجه ويحوجه إذا قرأ ذكر أبي بكر وأنه أفضل المسلمين إلى أن يرهن خطه في
الجواب بكلمة تقتضي طعنا في أبي بكر فكان الجواب مجمجما ( 1 ) غير بين
ليس فيه تصريح بالتظليم لهما ولا التصريح ببراءتهما وتارة يترحم عليهما وتارة
يقول : أخذا حقي وقد تركته لهما .
فأشار عمرو بن العاص على معاوية أن يكتب كتابا ثانيا مناسبا للكتاب
الاول ليستفزا فيه عليا عليه السلام ويستخفاه ويحمله الغضب منه أن يكتب
كلاما يتعلقان به في تقبيح حاله وتهجين مذهبه وقال له عمرو : إن عليا عليه
السلام رجل نزق تياه ما استطعمت ( 2 ) منه الكلام بمثل تقريظ أبي بكر وعمر
فاكتب [ إليه ثانيا ] فكتب كتابا أنفذه إليه مع أبي أمامة الباهلي وهو من الصحابة
بعد أن عزم على بعثه مع أبي الدرداء ونسخة الكتاب :
من عبدالله معاوية بن أبي سفيان إلى علي بن أبي طالب أما بعد فإن الله
تعالى جده اصطفى محمدا صلى الله عليه وآله لرسالته واختصه بوحيه وتأدية
شريعته فأنقذبه من العماية وهدى به من الغواية ثم قبضه إليه رشيدا حميدا قد
________________________________________________________
( 1 ) قال الفيروزآبادي : ( الجمجمة ) أن لايبين كلامه وإخفاء الشئ في الصدر .
منه رحمه الله - [ و
جمجم ] عن الامر : لم يقدم عليه
( 2 ) النزق : الخفة في كل أمر .
العجلة في جهل وحمق .
والتياه : كثير التيه وهو الكبر .
وقال المجلسي على ما في هامش بحار الانوار الكمباني : ( الاستطعام ) هنا استخراج الكلام .
قال
الجوهري : ( استطعمه ) سأله أن يطعمه ، وفي الحديث : إن استطعمكم الامام فأطعموه .
انتهى .
وفي
بعض النسخ بتقديم الميم على العين ولعله تصحيف .
[ 62 ]
بلغ الشرع ومحق الشرك وأخمد نار الافك فأحسن الله جزاءه وضاعف عليه
نعمه وآلاءه .
ثم إن الله سبحانه اختص محمدا صلى الله عليه وآله بأصحاب أيدوه
وآزروه ونصروه وكانوا كما قال الله سبحانه لهم : * ( أشداء على الكفار رحماء
بينهم ) * [ 29 / الفتح : 48 ] فكان أفضلهم مرتبة وأعلاهم عندالله والمسلمين
منزلة الخليفة الاول الذي جمع الكلمة ولم الدعوة وقاتل أهل الردة ثم الخليفة
الثاني الذي فتح الفتوح ومصر الامصار وأذل رقاب المشركين ثم الخليفة الثالث
المظلوم الذي نشر الملة وطبق الآفاق بالكلمة الحنيفية .
فلما استوثق الاسلام وضرب بجرانه عدوت عليه فبغيته الغوائل ونصبت
له المكائد وضربت له بطن الامر وظهره ودسست عليه وأغريت به وقعدت
حيث استنصرك عن نصرته وسألك أن تدركه قبل أن يمزق فما أدركته .
وما يوم المسلمين منك بواحد لقد حسدت أبابكر والتويت عليه ورمت
إفساد أمره وقعدت في بيتك عنه واستغويت عصابة من الناس حتى تأخروا عن
بيعته .
ثم كرهت خلافة عمر وحسدته واستطلت مدته وسررت بقتله وأظهرت
الشماتة بمصابه حتى أنك حاولت قتل ولده لانه قتل قاتل أبيه .
ثم لم تكن أشد حسدا منك لابن عمك عثمان نشرت مقابحه وطويت
محاسنه وطعنت في فقهه ثم في دينه ثم في سيرته ثم في عقله وأغريت به
السفهاء من أصحابك وشيعتك حتى قتلوه بمحضر منك لاتدفع عنه بلسان
ولايد .
وما من هؤلاء إلا من بغيت عليه وتلكأت في بيعته حتى حملت إليه قهرا
تساق بخزائم الاقتسار ( 1 ) كما يساق الفحل المخشوش ثم نهضت الآن
________________________________________________________
( 1 ) و ( الخزائم ) جمع ( الخزيمة ) وخزمت البعير بالخزامة وهى حلقه من شعر تجعل في وترأنفه في وترأنفه يشد بها
الزمام .
و ( الاقتسار ) الاكراه على الامر .
منه رحمه الله .
[ 63 ]
تطلب الخلافة وقتلة عثمان خلصاؤك وسجراؤك ( 1 ) والمحدقون بك وتلك من
أماني النفوس وضلالات الاهواء .
فدع اللجاج والعنت جانبا وادفع إلينا قتلة عثمان وأعد الامر شورى بين
المسلمين ليتفقوا على من هو لله رضا فلا بيعة لك في أعناقنا ولا طاعة لك
علينا ولا عتبى لك عندنا وليس لك ولاصحابك عندي إلا السيف والذي لا
إله إلا هو لاطلبن قتلة عثمان أين كانوا وحيث كانوا حتى أقتلهم أو تلحق
روحي بالله .
فأما ما لا تزال تمت به من سابقتك وجهادك ( 2 ) فإني وجدت الله سبحانه
يقول : * ( يمنون عليك أن أسلموا قل لاتمنوا علي إسلامكم بل الله يمن
عليكم أن هداكم للايمان إن كنتم صادقين ) * [ 17 / الحجرات : 49 ] .
ولو
نظرت في حال نفسك لوجدتها أشد الانفس إمتنانا على الله بعملها وإذا كان
الامتنان على السائل يبطل أجر الصدقة فالامتنان - على الله يبطل أجر الجهاد
ويجعله ( كصفوان عليه تراب فأصابه وابل فتركه صلدا لايقدرون على شئ
مما كسبوا والله لايهدي القوم الكافرين ) .
قال النقيب أبوجعفر : فلما وصل هذا الكتاب إلى علي عليه السلام مع
أبي أمامة الباهلي كلم أبا أمامة بنحو مما كلم به أبا مسلم الخولاني وكتب معه
هذا الجواب .
قال النقيب : وفي كتاب معاوية هذا ذكر لفظة الجمل المخشوش أو الفحل
المخشوش لافي الكتاب الواصل مع أبي مسلم وليس في ذلك هذه اللفظة
وإنما فيه ( حسدت الخلفاء وبغيت عليهم عرفنا ذلك من نظرك الشزر وقولك
________________________________________________________
( 1 ) والسجير الخليل والصفي ، ج : ذكره الفيروزآبادي وفي بعض النسخ : ( سمراؤك ) جمع
( السمير ) وهو المحدث بالليل .
منه رحمه الله .
( 2 ) قال الجوهري : ( المت ) المد والتوسل بقرابة ، و ( الماتة ) الحرمة والوسيلة ، تقول : فلان يمت بالملك
بقرابة .
انتهى .
وفي بعض النسخ : تمن بالنون .
منه رحمه الله .
أقول : وفي المطبوع من شرح النهج : ( تمن ) كما هو المتناسب مع الآية .
[ 64 ]
الهجر وتنفسك الصعداء وإبطاؤك عن الخلفاء ) قال : وإنما كثير من الناس لا
يعرفون الكتابين والمشهور عندهم كتاب أبي مسلم فيجعلون هذه اللفظة فيه
والصحيح أنها في كتاب أبي إمامة ألا تراها عادت في الجواب ؟ ولو كانت في
كتاب أبي مسلم لعادت في جوابه .
انتهى كلام النقيب أبي جعفر أقول : إنما أوردت هذا الكتاب على كاتبه
وممليه أشد العذاب ليتضح الجواب وليظهر لكل عاقل كفر هذا المنافق
المرتاب .
قوله عليه السلام : ( فلقد خبأ لنا الدهر ) قال في النهاية : خبأت الشئ
خبأ إذا أخفيته والخباء كل شئ غائب مستور .
ولعل المعنى أن الدهر أخفى لنا
من أحوالك شيئا عجبا لم نكن نظن ذلك حتى ظهر منك .
ويحتمل أن يكون على سبيل التجريد أي أنت أعجب الاشياء في الدهر
كنت مخفيا فظهرت من قبيل لقيني منه أسد .
قال ابن ميثم : ووجه العجب أنه أخبر أهل بيت النبي صلى الله عليه
وآله بحاله وما أنعم الله به عليه مع علمهم البالغ بحاله وكونهم أولى بالاخبار
عنها وضرب له في ذلك مثلين وأصل المثل الاول أن رجلا قدم من هجر إلى
البصرة بمال اشترى به شيئا للربح فلم يجد فيها أكسد من التمر فاشترى بماله
تمرا وحمله إلى هجر وادخره في البيوت ينتظر به السعر فلم يزدد إلا رخصا حتى
فسد جميعه وتلف ماله فضرب مثلا لمن يحمل الشئ إلى معدنه لينتفع به فيه
وهجر معروفة بكثرة التمر حتى أنه ربما يبلغ سعر خمسين جلة بدينار ووزن
الجلة مائة رطل فذلك خمسة آلاف رطل ولم يسمع ذلك في غيرها من البلاد .
والثاني أنه شبهه بداعي مسدده واستاده في الرمي إلى المراماة ومسدده أولى
بأن يدعوه إلى ذلك .
قوله عليه السلام : ( إن تم اعتزلك كله ) أي تباعد عنك والمعنى ذكرت
أمرا إن تم لم ينفعك وإن نقص لم يضرك بل لاتعلق له بك أصلا .
والثلمة :
[ 65 ]
الخلل في الحائط وغيره .
والسياسة : القيام على الشئ بما يصلحه وليس في
هذا الكلام شهادة منه عليه السلام على فضل الخلفاء لما عرفت من المصلحة
في هذا الاجمال .
وقال في النهاية : اصل الحنين : ترجيع الناقة صوتها أثر ولدها ومنه كتاب
علي عليه السلام إلى معاوية ( [ وأما قولك كيت وكيت فقد ] حن قدح ليس
منها ) هو مثل يضرب لرجل ينتمي إلى نسب ليس منه أو يدعي ما ليس منه
في شئ .
والقدح بالكسر : أحد سهام الميسر فإذا كان من غير جوهر أخواته
ثم حركها المفيض بها خرج له صوت يخالف أصواتها يعرف به .
.
-بحار الانوار مجلد: 30 من ص 65 سطر 9 الى ص 73 سطر 9
قال الزمخشري في المستقصي : القداح : التي يضرب بها تكون من نبع
فربما ضاع منها قدح فنحيت على مثاله من غرب أو غيره آخر بالعجلة فإذا
احتك معها صوت صوتا لايشابه أصواتها .
فيقال ذلك ثم ضربه عمر
لعقبة بن أبي معيط حين أمر النبي صلى الله عليه وآله بضرب عنقه يوم بدر
فقال : ( اقتل من بين قريش ) أراد عمر أنك لست من قريش .
وقيل في بني الحنان وهم بطن من ( بلحرث ) أن جدهم ألقى
قدحا في قداح قوم يضربون بالميسر وكان يضرب لهم رجل أعمى فلما وقع
قدحه في يده قال : حن قدح ليس منها فلقب الحنان لذلك يضرب لمنتحل
نسبا أو فضلا انتهى .
قوله عليه السلام ( يحكم فيها ) أي في هذه القصة أو القضية من كان
الحكم لها عليه لا له .
ويجوز إرجاع الضمير إلى الطبقات .
وقال ابن ميثم : يضرب لمن يحكم على قوم وفيهم وهو من أراد لهم وليس
للحكم بأهل بل هم أولى منه به .
وقال الجوهري يقال : إربع على نفسك وإربع على ظلعك أي ارفق
بنفسك وكف يقال : ظلعت الارض بأهلها أي ضاقت بهم من كثرتهم ويقال :
[ 66 ]
ارق على ظلعك أي اربع على نفسك ولاتحمل عليها أكثر مما تطيق .
وقال في النهاية فيه : ( إنه لايربع على ظلعك ) الظلع بالسكون : العرج
والمعنى لايقيم عليك في حال ضعفك .
وربع في المكان : إذا أقام به .
وفي الصحاح : أصل الذراع هو بسط اليد ويقال : ضقت بالامر ذرعا إذا
لم تطقهولم تقو عليه .
وقال ابن ميثم [ قوله عليه السلام ] ( حيث أخره القدر ) إشارة إلى مرتبته
النازلة التي جرى القدر بها أن تكون نازلة عن مراتب السابقين وقد أمره بالتأخر فيها
والوقوف عندها .
قوله عليه السلام ( في التيه ) أي في الضلال والتحير أو في التكبر .
قال في النهاية تاه يتيه تيها إذا تحير وضل وإذا تكبر .
والرواغ : الميال .
والقصد : المعتدل الذي لايميل إلى طرفي الافراط والتفريط .
قوله عليه السلام ( غير مخبر ) أي أتكلم بكلامي هذا لا لاخباري إياك
بل للتحدث بنعمته سبحانه إما لان معاوية غير قابل للخطاب والاخبار بهذا
الكلام والمقام مقام تحقيره أو لانه كان عالما به أو لانه يتراءى من مثل هذا
الكلام وإخبار الخصم به المفاخرة بذكر تلك الفضائل فدفع ذلك التوهم
بقول : ( لكن بنعمة الله أحدث ) وما بعد لكن بهذا الاحتمال أنسب وإن كان
قوله عليه السلام : ( لك ) بالاول الصق .
قوله عليه السلام : ( قيل سيد الشهداء ) قال ابن أبي الحديد : أي في
حياة النبي صلى الله عليه وآله لان عليا عليه السلام مات شهيدا ولا خلاف
في أنه أفضل من حمزة وجعفر وغيرهما بل هو سيد المسلمين ( 1 ) .
________________________________________________________
( 1 ) هذا تلخيص كلام ابن أبي الحديد ، وإليك نص كلامه حرفيا في شرح الكلام في ج 4 ص 608 ط
الحديث ببيروت قال :
المرادها هنا [ من قوله : ] ( سيد الشهداء ) حمزة رضي الله عنه .
وينبغي أن يحمل قول النبي صلى الله عليه وآله فيه : ( إنه سيد الشهداء ) على أنه سيد الشهداء في حياة
[ 67 ]
قوله ( بسبعين تكبيرة ) قال ابن ميثم أي في أربع عشرة صلاة وذلك انه كلما كبر
عليه خمسا حضرت جماعة أخرى من الملائكة فصلى بهم عليه أيضا وذلك من
خصائص حمزة رضي الله عنه .
قوله عليه السلام : ( لذكر ذاكر ) يعني نفسه وإنما نكره ولم يأت بالالف واللام
ولم ينسبه إلى نسه لئلا يصرح بتزكية نفسه .
واستعار لفظ ( المج ) لكراهية النفس
لبعض ما يكرر سماعه وإعراضها عنه فإنها تصير كالقاذف له من الاذن كما يقذف
الماج الماء من فيه .
كذا قيل .
والظاهر أنه كناية عن أنها لوضوحها لايمكن لاحد
إنكارها فغير المؤمنين وإن ثقل عليهم سماعها فلا يمكنهم إنكارها .
قوله عليه السلام ( فدع عنك ) الخ الرمية : الصيد يرمى يقال : بئس
الرمية الارنب أي بئس الشئ مما يرمي الارنب والمعنى دع ذكر من مال إلى
الدنيا وأمالته إليها وأمالته عن الطريق المستقيم فإن شأن الصيد الخروج عن
الطريق وهي إشارة إلى الخلفاء والكلام في بيان التفاضل سابقا ولاحقا .
وقال ابن أبي الحديد : ( هذه إشارة إلى عثمان لا إلى أبي بكر وعمر )
وهذا مما لايسمن ولايغني من جوع مع أن المذكور في كتاب معاوية لم يكن
عثمان وحده كما عرفت .
وقال ابن ميثم رحمه الله : أي فدع عنك أصحاب الاغراض الفاسدة ولا
تلتفت إلى مايقولون في حقنا كعمرو بن العاص ويحتمل أن يكون الاشارة إلى
نفسه على طريقة قولهم : إياك أعني واسمعي يا جارة .
واستعار لفظ ( الرمية ) وكنى بها عن الامور التي تقصدها النفوس وترميها
بقصودها انتهى .
ولايخفى بعده وأبعد منه ما ذكر الكيدري حيث قال : أراد أنه مطعون
في نسبه وحسبه وأنه أزاله عن مقام التفاخر والتنافر مطاعن شهرت فيه انتهى .
________________________________________________________
النبي [ لاعموم الشهداء ] لان عليا عليه السلام مات شهيدا ، ولايجوز أن يقال : حمزة سيده ، بل هو
سيد المسلمين كلهم ولا خلاف بين أصحابنا أنه أفضل من حمزة وجعفر رضي الله عنهما .
.
[ 68 ]
وكأنه حمل الرمية على السهام المرمية .
قوله عليه السلام ( فإنا صنائع ربنا ) هذا كلام مشتمل على أسرار عجيبة
من غرائب شأنهم التي تعجز عنها العقول ولنتكلم على ما يمكننا إظهاره
والخوض فيه فنقول :
صنيعة الملك من يصطنعه ويرفع قدره ومنه قوله تعالى : * ( واصطنعتك
لنفسي ) * أي اخترتك وأخذتك صنيعتي لتنصرف عن إرادتي ومحبتي فالمعنى أنه
ليس لاحد من البشر علينا نعمة بل الله تعالى أنعم علينا فليس بيننا وبينه
واسطة والناس بأسرهم صنائعنا فنحن الوسائط بينهم وبين الله سبحانه .
ويحتمل أن يريد بالناس بعض الناس أي المختار من الناس نصطنعه ونرفع
قدره .
وقال ابن أبي الحديد : هذا مقام جليل ظاهره ما سمعت وباطنه أنهم
عبيدالله والناس عبيدهم .
وقال ابن ميثم : لفظ الصنائع في الموضعين مجاز من قبيل إطلاق اسم
المقبول على القابل والحال على المحل يقال : فلان صنيعة فلان إذا اختصه لموضع
نعمته ، والنعمة الجزيلة التي اختصهم الله بها هي نعمة الرسالة وما يستلزمه
من الشرف والفضل حتى كأن الناس عيالاتهم فيها .
قوله عليه السلام : ( وعادي طولنا ) قال الجوهري : ( عاد ) قبيلة وهم
قوم هود عليه السلام وشئ عادي أي قديم كأنه منسوب إلى عاد .
وقال ابن أبي الحديد : الطول : الفضل .
وقال : الافعال الجميلة كما تكون
عادية بطول المدة تكون عادية بكثرة المناقب والمآثر والمفاخر وإن كانت المدة
قصيرة ولايراد بالقديم قديم الزمان بل من قولهم لفلان قديم أثر أي سابقة
حسنة .
وإنما جعلنا اللفظ مجازا لان بني هاشم وبني أمية لم يفترقا في الشرف
إلا منذ نشأ هاشم بن عبد مناف ثم لم تكن المدة بين نشأ هاشم وإظهار محمد
صلى الله عليه وآله الدعوة إلا نحو تسعين سنة انتهى .
[ 69 ]
وأقول : قد ظهر لك مما سبق أن بني أمية لم يكن لهم نسب صحيح
ليشاركوا في الحسب آباءه مع أن قديم عزهم لم ينحصر في النسب بل أنوارهم
عليهم السلام أول المخلوقات ومن بدء خلق أنوارهم إلى خلق أجسادهم
وظهور آثارهم كانوا معروفين بالعز والشرف والكمالات في الارضين
والسموات ( 1 ) يخبر بفضلهم كل سلف خلفا ورفع الله ذكرهم في كل أمة عزا
وشرفا .
وقوله عليه السلام : ( فعل الاكفاء ) منصوب على المصدر بفعل مقدر
( المكذب ) أبوسفيان وقيل أبوجهل .
( وأسد الله ) حمزة رضي الله عنه
وأرضاه ( وأسد الاحلاف ) هو أسد بن عبدالعزى وقال في القاموس : الحلف
بالكسر العهد بين القوم .
والصداقة .
والصديق يحلف لصاحبه أن لايغدر به
والجمع : أحلاف .
والاحلاف في قول زهير : أسد وغطفان لانهم تحالفوا على
________________________________________________________
( 1 ) وينبغي لنا هاهنا أن نشر إلى نموذج مما أشار إليه المصنف العلامة من طريق أهل
السنة فنقول :
روى أحمد في الحديث : ( 251 ) من باب فضائل أميرالمؤمنين عليه السلام من
كتاب الفضائل ص 178 ، ط 1 ، قال :
حدثنا الحسن ، قال : حدثنا أحمد بن المقدام العجلي قال : حدثنا الفضيل بن
عياض ، قال : حدثنا ثور بن يزيد ، عن خالد بن معدان ، عن زاذان :
عن سلمان قال : سمعت حبيبي رسول الله صلى الله عليه [ وآله ] وسلم يقول :
كنت أنا وعلي نورا بين يدي الله عزوجل قبل أن يخلق الله آدم باربعة عشر ألف
عام ، فلما خلق الله آدم قسم ذلك النور جزئين فجزء أنا وجزء علي .
وللحديث مصادر كثيرة يقف عليها الباحث في تعليق الحديث ، وفي الحديث :
( 186 ) وتعليقه من ترجمة أميرالمؤمنين عليه السلام من تاريخ دمشق : ج 1 ،
ص 151 ، ط 2 .
ورواه أيضا ابن أبي الحديد في شرح المختار : ( 154 ) من نهج البلاغة من شرحه :
ج 9 ص 171 ، ط مصر ، وفي ط الحديث ببيروت : ج 3 ص 252 قال : رواه أحمد
في مسند [ سلمان من كتاب ] المسند [ ج 5 ص 437 ] وذكره [ أيضا ] صاحب الفردوس
وزاد فيه : ثم انتقلنا حتى صرنا في عبدالمطلب فكان لي النبوة ولعلي الوصية .
[ 70 ]
التناصر .
والاحلاف قوم من ثقيف وفي قريش ست قبائل عبدالدار وكعب
وجمح وسهم ومخزوم وعدي لانهم لما أرادت بنو عبد مناف أخذ ما في أيدي
عبد الدار من الحجابة والسقاية وأبت عبدالدار عقد كل قوم على أمرهم حلفا
مؤكدا على أن لايتخاذلوا فأخرجت بنو عبد مناف جفنة مملؤة طيبا فوضعتها
لاحلافهم وهم أسد وزهرة وتيم عند الكعبة فغمسوا أيديهم فيها وتعاهدوا ،
وتعاقدت بنو عبدالدار وحلفاؤها حلفا آخر مؤكدا
فسموا الاحلاف انتهى ونحوه قال في النهاية إلا أنه قال بعد قوله : ( فغمسوا
أيديهم فيها وتعاقدوا ) فسموا المطيبين .
( وصبية النار ) إشارة إلى الكلمة التي قالها النبي صلى الله عليه وآله
لعقبة بن أبي معيط حين قتله صبرا يوم بدر وقال : كالمستعطف له صلى الله عليه
وآله : من للصبية يا محمد ؟ قال : النار .
و ( حمالة الحطب ) هي أم جميل بنت حرب بن أمطة امرأة أبي لهب .
وقوله عليه السلام : ( في كثير ) متعلق بمحذوف أي هذا الذي ذكرنا داخل
في كثير مما يتضمن ما ينفعنا ويضركم .
قوله عليه السلام : ( وجاهليتنا ) أي شرفنا وفضلنا في الجاهلية لايدفعه
أحد .
وفي بعض النسخ : ( وجاهليتكم ) ولعله أظهر .
ووجه الاستدلال بالآية الاولى ظاهر لانه عليه السلام كان أولى الارحام
برسول الله صلى الله عليه وآله وأقربهم إليه وكذا الثانية لانه كان أقرب الخلق
إلى اتباع رسول الله صلى الله عليه وآله وأول من آمن به وصدقه .
وقال الجوهري : الفلج : الظفر والفوز وقد فلج الرجل على خصمه يفلج
فلجا والاسم الفلج بالضم .
قوله عليه السلام : ( وتلك شكاة ) قال الجوهري : يقال هذا أمر ظاهر
عنك عاره أي زائل قال الشاعر :
وعيرها الواشون أني أحبها * وتلك شكاة ظاهر عنك عارها