[151]
ولا قفل بقيلهم فإني ( 1 ) * وما حلت بكعبته النذور
وفي دون نفسك إن أرادو * بها الدهياء أو سالت بحور
.
أيا ابن الانف ) إلى آخره .
لك الله الغداة وعهدعم * تجنبه الفواحش والفجور
بتحفاظي ونصرة أريحي * من الاعمام معضاد يصور ( 2 ) ]
ثم قال السيد رضي الله عنه : ومن ذلك ما رواه الحنبلي صاحب كتاب نهاية
الطلوب وغاية السؤوال بإسناده قال : سمعت أبا طالب رضي الله عنه يقول : حدثني محمد ابن أخي
وكان والله صدوقا قال : قلت له : بم بعثت يا محمد ؟ قال : بصلة الارحام وإقام الصلاة
وإيتاء الزكاة .
ومن ذلك ما رواه صاحب كتاب نهاية الطلوب وغاية السؤوال بإسناده إلى عروة بن
عمر الثقفي قال : سمعت أبا طالب رضي الله عنه قال : سمعت ابن أخي الامين يقول : اشكر
ترزق ، ولا تكفر فتعذب .
ومن ذلك ما رواه صاحب الكتاب المزبور بإسناده إلى سعيد بن جبير ، عن ابن عباس
رضي الله عنه أن أبا طالب مرض فعاده النبي صلى الله عليه وآله .
ومن ذلك ما رواه أيضا الحنبلي في الكتاب المشارإليه بإسناده إلى عطاء بن أبي
رياح عن ابن عباس قال : عارض النبي صلى الله عليه وآله جنازة أبي طالب رضي الله عنه قال : وصلتك
رحم وجزاك الله يا عم خيرا .
ومن ذلك ما رواه بإسناده إلى ثابت البناني ، عن إسحاق بن عبدالله بن الحارث ،
عن العباس بن عبدالمطلب قال : قلت : يا رسول الله ما ترجو لابي طالب ؟ قال : كل خير
أرجوه من ربي .
ومن عجيب ما بلغت إليه العصبية على أبي طالب من أعداء أهل البيت عليهم السلام أنهم
_________________________________________________________
( 1 ) الظاهران ( ولاقفل ) مصحف ( ولا تحفل ) .
( 2 ) الاريحى : الواسع الخلق .
المعضاد : حديدة لقطع الشجر ، سكين كبير للقصاب يقطع
به العظام .
وصارالشئ يصوره : اماله .
[152]
زعموا أن المراد بقوله تعالى لنبيه صلى الله عليه وآله : ( إنك لا تهدي من أحببت ( 1 ) ) أنها في أبي طالب
رضي الله عنه ، وقد ذكر أبوالمجدبن رشادة الواعظ الواسطي في مصنفه كتاب أسباب نزول
القرآن ما هذا لفظه : قال : قال الحسن بن مفضل في قوله عزوجل : ( إنك لا تهدي من
أحببت ) : كيف يقال إنها نزلت في أبي طالب رضي الله عنه وهذه السورة من آخر ما نزل
من القرآن بالمدينة وأبوطالب مات في عنفوان الاسلام ( 2 ) والنبي صلى الله عليه وآله بمكة ، وإنما
هذه الآية نزلت في الحارث بن نعمان بن عبد مناف ، وكان النبي صلى الله عليه وآله يحب إسلامه ( 3 )
فقال يوما للنبي صلى الله عليه وآله : إنا نعلم أنك على الحق وأن الذي جئت به حق ولكن
يمنعنا من أتباعك أن العرب تتخطفنا ( 4 ) من أرضنا لكثرتهم وقلتنا ، ولا طاقة لنابهم ،
فنزلت الآية ، وكان النبي صلى الله عليه وآله يؤثر إسلامه لميله إليه .
قال السيد رحمه الله فكيف استجاز أحد من المسلمين العارفين مع هذه الروايات و
مضمون الابيات أن ينكروا إيمان أبي طالب رضي الله عنه ، وقد تقدمت روايتهم لوصية
أبي طالب أيضا لولده أميرالمؤمنين علي عليه السلام بملازمة محمد صلى الله عليه وآله وقوله رضي الله عنه : أنه
لا يدعو إلا إلى خير .
وقول نبيهم صلى الله عليه وآله : جزاك الله يا عم خيرا .
وقوله صلى الله عليه وآله : لو كان
حيا قرت عيناه .
ولو لم يعلم نبيهم صلى الله عليه وآله أن أبا طالب رضي الله عنه مات مؤمنا مادعاله ،
ولا كانت تقر عينه بنبيهم صلى الله عليه وآله ولولم يكن إلا شهادة عترة نبيهم صلى الله عليه وآله له بالايمان لوجب
تصديقهم كما شهد نبيهم صلى الله عليه وآله أنهم لا يفارقون كتاب الله تعالى ، ولا ريب أن العترة
أعرف بباطن أبي طالب رضي الله عنه من الاجانب ، وشيعة أهل البيت عليهم السلام مجمعون على
ذلك ، ولهم فيه مصنفات ، وما رأينا ولا سمعنا أن مسلما أخرجوا فيه إلى مثل ما أخرجوا
في إيمان أبي طالب رضي الله عنه ، والذي نعرفه منهم أنهم يقبتون إيمان الكافر بأدنى
سبب وبأدنى خبر واحد وبالتلويح ، فقد بلغت عداوتهم ببني هاشم إلى انكار إيمان أبي طالب
_________________________________________________________
( 1 ) القصص .
56 .
( 2 ) عنفوان الشئ : اوله .
( 3 ) يحبه ويحب اسلامه .
( خ ل )
( 4 ) تخطف الشئ : الجتذبه وانتزعه .
[153]
رضي الله عنه مع تلك الحجج الثواقب : إن هذا من جملة العجائب ( 1 ) .
* [ بيان : عبق به الطيب كفرح : لزق .
والشطية : كل فلقة من شئ ، والجمع
شظايا ، والتشظية : التفريق .
والعس بالضم القدح العظيم .
وتضلع من الطعام :
امتلا كأنه ملا أضلاعه .
وبضع من الماء كمنع : روي .
وفي النهاية : لم يكن أبولهب أعور
ولكن العرب تقول للذي لم يكن له أخ من أبيه وأمه : أعور ، وقيل : إنهم يقولون
للردئ من كل شئ من الامور والاخلاق : أعور ( 2 ) .
وقال : في حديث الاستسقاء : ( وما
ينزل حتى يجيش كل ميزاب ) أي يتدفق ويجري بالماء ( 3 ) .
( ربيع اليتامى ) أي ينمون و
يهتزون به كالنبات ينمو ويهتز في الربيع .
وفي بعض النسخ ( ثمال اليتامى ) كما في
النهاية .
وقال : الثمال بالكسر الملجأ والغياث ، وقيل : هو المطعم في الشدة ( 4 ) .
وفي
القاموس : كلف به كفرح أولع ، وأكلفه غيره والتكليف : الامربما يشق عليك ( 5 )
وفي النهاية : كلفت بهذا الامر اكلف به : إذا ولعت به وأحببته ( 6 ) .
وقال : يقال :
وجدت بفلانة وجدا : إذا أحببتها حبا شديدا ( 7 ) .
و ( دينا ) تمييز مؤكد .
والطامة :
الداهية تغلب ما سواها .
ونسف البناء ينسفه : قلعه من أصله كانتسفه .
وفي القاموس :
التقريب : ضرب من العدو ، والشكاية ( 8 ) .
والظنة بالكسر التهمة ، وكأنه هنا مجاز .
والبهم جمع البهمة بفتحهما وهي أولاد الضأن والمغر .
وحاضنها : مربيها .
وفي بعض
النسخ بالخاء المعجمة ، يقال : خضن ناقته : حمل عليها وعض من بدنها ، وكمنبر من يهزل
_________________________________________________________
( 1 ) الطرائف : 74 87 .
( * ) هذا البيان ايضا من مختصات ( ك ) .
-بحار الانوار جلد: 31 من صفحه 153 سطر 19 إلى صفحه 161 سطر 18
( 2 ) النهاية 3 : 138 وقد ذكر الزمخشرى مثل ذلك وأشار إلى القصة في كتاب .
الفائق
فراجع ( ب ) .
( 3 ) النهاية 1 : 193 .
( 4 ) النهاية 1 : 134 .
( 5 ) القاموس 3 : 192 .
( 6 ) النهاية 4 : 31 .
( 79 النهاية 4 : 196 .
( 8 ) القاموس ج 1 : قال : في ص 114 وكفرح اشتكاه كقرب تقريبا وقال في ص 110 و
التقريب ضرب من العدو أو أن يرفع يديه معا ويضعهما معا ( ب ) .
[154]
الدواب ويذللها .
قوله : ( فإني والضوابح ) في النهاية : في حديث أبي طالب يمدح
النبي صلى الله عليه وآله .
فإني والضوابح كل يوم * وما تتلو السفافرة الشهور
الضوابح : جمع ضابح ، يقال : ضبح أي صاح ، يريد القسم بمن يرفع صوته بالقراءة
وهو جمع شاذفي صفة الآدمي كفوارس ( 1 ) .
والسفافرة : أصحاب الاسفار ، وهي الكتب ( 2 ) .
والشهور أي العلماء واحدهم : شهر ، كذا قال الهروي .
والفهر بالكسر أبوقبيلة من
من قريش ونوط القلب ونياطه : عرق نيط به القلب : ينتحون أي يقصدون ( علي دماء بدن )
كأنه ألزم على نفسه دماء البدن وأقسم بها إن لم يكن ما يقوله .
والعاطلات : الحسان
أو بلا قلائد وأرسان ، أو الطويلة الاعناق ، والمقسم عليه أنه لو هدرت دماء بسببكم لقام
الضاربون السيوف بكل ناحية ( بأيديهم مهندة ) أي سيوف مشحذة .
تمور أي تضطرب
وتتحرك .
حين تحزمه : أي تشده ، والضمير للنبي صلى الله عليه وآله ولا يبعد أن يكون بالياء ، و
يقال : راداه أي راوده وداراه ، وعن القوم : رمى عنهم بالحجارة ، أوهو من الردي : الهلاك
أن تغور به الغرور أي يذهب به إلى الغور أصحاب الغارة وله معان اخر مناسبة .
والزئر
والزئير : صوت الاسد من صدره عند غضبه ، والمجلجل ( 3 ) : السيد القوي والجرئ الدفاع
المنطيق .
والجلجلة : شدة الصوت .
وكأن الصدوق بالضم جمع صادق أي في الحرب
والزهاء : العدد الكثير ، وكأنه كناية عن تراكمهم واجتماعهم ، ويحتمل التصحيف .
و
شظي القوم : خلاف صميمهم ، وهم الاتباع والدخلاء عليهم .
والبادرة : الحدة عندالغضب
تدهدهت : تدحرجت .
( وما حلت ) الواو للقسم ( وما ) بمعنى ( من ) والمرادبه الرب تعالى و
الداهية الدهياء : البلية العظيمة .
( أوسالت ) ( أو ) بمعنى ( إلى أن ) أو ( إلا أن ) .
( لك
الله الغداة ) أي الله حافظك في هذه الغداة ويحفظك عهد عمك .
( تجنبه ) الاصل : تتجنبه
والاريحي : الواسع الخلق .
والمعضاد : الكثير الاعانة .
يصور أي يصوت ، كناية عن
_________________________________________________________
( 1 ) النهاية 3 : 11 .
( 2 ) النهاية 2 : 166 وفيه نقل الشعر هكذا : ( وما تتلو السفاسرة الشهور ) وقد أشرنا قبيل
هذا أن الصحيح .
( 3 ) في ( ك ) : والجلجل لكنه سهو والصحيح كما أثبتناه ، راجع القاموس 3 : 350 .
[155]
إعلان النصرة ، أويهد أركان الخصامة .
ويحتمل أن يكون بالنون بالفتح أو الضم
مبالغة في النصرة .
والمراد بهذا العم إما نفسه أو حمزة رضي الله عنهما .
أقول : ] وقال ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة : اختلف الناس في إسلام
أبي طالب فقالت الامامية وأكثر الزيدية : ما مات إلا مسلما ، وقال بعض شيوخنا المعتزلة
بذلك ، منهم : الشيخ أبوالقاسم البلخي وأبوجعفر الاسكافي وغيرهما ، وقال أكثر الناس
من أهل الحديث والعامة ومن شيوخنا البصريين وغيرهم : مات على دين قومه ، ويروون
في ذلك حديثا مشهورا : إن رسول الله قال له عند موته : قل ياعم كلمة أشهد لك بها
غدا عندالله تعالى ، فقال : لولا أن تقول العرب أن أبا طالب جزع عند الموت لاقررت بها
عينك ! وروي أنه قال : أنا على دين الاشياخ ! وقيل : إنه قال : أنا على دين عبدالمطلب ،
وقيل غير ذلك .
وروى كثير من المحدثين أن قوله تعالى : ( ما كان للنبي والذين آمنوا معه أن
يستغفروا للمشركين ولو كانوا أولي قربى من بعد ما تبين لهم أنهم أصحاب الجحيم *
وما كان استغفار إبراهيم لابيه إلا عن موعدة وعدها إياه فلما تبين له أنه عدو لله تبرء
منه ( 1 ) ) الآية أنزلت في أبي طالب ، لان رسول الله صلى الله عليه وآله استغفر ل بعد موته .
ورووا
أن قوله تعالى : ( إنك لاتهدي من أحببت ( 2 ) ) نزلت في أبي طالب ورووا أن عليا عليه السلام
جاء إلى رسول الله بعدموت أبي طالب فقال له : إن عمك الضال قد قضى فما الذي تأمرني
فيه ؟ واحتجوا بأنه لم ينقل أحد عنه أنه رآه يصلي ، والصلاة هي المفرقة بين المسلم و
الكافر ، أن عليا وجعفرا لم يأخذا من تركته شيئا .
ورووا عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال :
إن الله قد وعدني بتحفيف عذابه لما صنع في حقي ، وإنه في ضحضاح من نار .
ورووا عنه
أيضا أنه قيل له : لو استغفرت لابيك وامك ، فقال : لواستغفرت لهما لا ستغفرت لابي
طالب ، فإنه صنع إلي مالم يصنعا ، وأن عبدالله وآمنة وأبا طالب في حجرة من حجرات
جهنم ( 3 ) !
_________________________________________________________
( 1 ) سورة التوبة : 114 و 115 .
( 2 ) سورة القصص : 56 .
( 3 ) في المصدر : في جمرات من جمرات جهنم .
[156]
فأما الذين زعموا أنه كان مسلما فقد رووا خلاف ذلك ، فأسندوا خبرا إلى
أميرالمؤمنين عليه السلام أنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله : قال لي جبرئيل : إن الله مشفعك في
ستة : بطن حملتك آمنة بنت وهب ، وصلب أنزلك عبدالله بن عبدالمطلب ، وحجر كفلك
أبي طالب ، وبيت آواك عبدالمطلب ، وأخ كان لك في الجاهلية .
قيل : يا رسول الله وما
كان فعله ؟ قال كان سخيا يطعم الطعام ويجود بالنوال وثدي أرضعتك حليمة بنت أبي
ذؤيب .
قالوا : وقد نقل الناس كافة عن رسول الله صلى الله عليه وآله أنه قال : نقلنا من الاصلاب
الطاهرة إلى الارحام الزكية ، فوجب بهذا أن يكون آباؤهم كلهم منزهين عن الشرك
لانهم لوكانوا عبدة أصنام لما كانوا طاهرين .
قالوا : وأما ما ذكر في القرآن من إبراهيم
وأبيه آذر وكونه ضالا مشركا فلا يقدح في مذهبنا ، لان آذر كان عم إبراهيم ، فأما
أبوء فتارخ بن ناخور ، وسمي العم أبا كما قال : ( أم كنتم شهداء إذ حضر يعقوب الموت
إذ قال لبنيه ما تعبدون من بعدي قالوا نعبد إلهك وإله آبائك ( 1 ) ) ثم عد فيهم إسماعيل
وليس من آبائه ولكنه عمه .
ثم قال : واحتجوا في إسلام الآباء بما روي عن جعفر بن محمد عليه السلام أنه قال : يبعث
الله عبدالمطلب يوم القيامة وعليه سيماء الانبياء وبهاء الملوك .
وروي أن العباس بن
عبدالمطلب قال لرسول الله صلى الله عليه وآله بالمدينة : يا رسول الله ما ترجو لابي طالب ؟ فقال : أرجو
له كل خير من الله عزوجل .
وروي أن رجلا من رجال الشيعه وهو أبان بن أبي محمود
كتب إلى علي بن موسى الرضا عليه السلام : جعلت فداك إني قد شككت في إسلام أبي طالب
فكتب إليه : ( ومن يشاقق الرسول من بعد ماتبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين عليه السلام )
الآية ، وبعدها : إنك إن لم تقر بإيمان أبي طالب كان مصيرك إلى النار .
وقد روي عن محمد بن علي الباقر عليه السلام أنه سئل عما يقوله الناس أن أبا طالب في
ضحضاح من نار ، فقال : لو وضع إيمان أبي طالب في كفة ميزان وإيمان هذا الخلق في
_________________________________________________________
( 1 ) البقرة : 133 .
( 2 ) النساء : 114 .
[157]
الكفة الاخرى لرجح إيمانه .
ثم قال : ألم تعلموا أن أميرالمؤمنين عليا عليه السلام كان يأمر
أن يحج عن عبدالله وآمنة وأبي طالب في حياته ، ثم أوصى في وصيته بالحج عنهم ؟ وقد
روي أن أبابكر جاء بأبي قحافة إلى النبي صلى الله عليه وآله عام الفتح يقوده وهو شيخ كبير أعمى ،
فقال رسول الله صلى الله عليه وآله : ألاتركت الشيخ حتى نأتيه ، فقال : أردت يا رسول الله أن يأجره
الله ، أما والذي بعثك بالحق لانا كنت أشد فرحا بإسلام عمك أبي طالب مني بإسلام
أبي ، ألتمس بذلك قرة عينك ، فقال : صدقت .
وروي أن علي بن الحسين عليهما السلام سئل عن هذا ( 1 ) فقال : واعجبا إن الله تعالى
نهى رسوله أن يقر مسلمة على نكاح كافر ، وقد كانت فاطمة بنت أسد من السابقات إلى الاسلام
ولم تزل تحت أبي طالب حتى مات .
ويروى عن قوم من الزيدية أن أبا طالب أسند
المحدثون عنه حديثا ينتهي إلى أبي رافع مولى رسول الله صلى الله عليه وآله قال : سمعت أبا طالب
يقول بمكة : حدثني محمد ابن أخي أن ربه بعثه بصلة الرحم وأن يعبده وحده لايعبد معه
غيره ، ومحمد عندي الصادقين الامين .
وقال قوم : إن قول النبي صلى الله عليه وآله : ( أنا وكافل اليتيم
كهاتين في الجنة ) إنما عنى به أبا طالب .
وقالت الامامية : إن ما يرويه العامة من أن عليا وجعفرا لم يأخذا من تركة
أبي طالب شيئا حديث موضوع ، ومذهب أهل البيت بخلاف ذلك ، فإن المسلم عندهم يرث
الكافر ولا يرث الكافر المسلم ولو كان أعلى درجة منه في النسب .
قالوا : وقوله صلى الله عليه وآله : ( لا
توارث بين أهل ملتين ) نقول بموجبه ، لان التوارث تفاعل ولا تفاعل عندنا في ميراثهما
واللفط يستدعي الطرفين كالتضارب لا يكون إلا اثنين .
قالوا : وحب رسول الله صلى الله عليه وآله
لابي طالب معلوم مشهور ولو كان كافرا ما جازله حبه لقوله تعالى : ( لاتجد قوما يؤمنون بالله
وباليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله ( 2 ) ) الآية ، قالوا : وقد اشتهر واستفاض
الحديث وهو قوله صلى الله عليه وآله لعقيل : أنا أحبك حبين : حبالك وحبا لحب أبي طالب لك
فإنه كان يحبك .
قالوا وخطبة النكاح مشهورة خطبها أبوطالب عند نكاح محمد صلى الله عليه وآله
_________________________________________________________
( 1 ) أى ايمان أبى طالب .
( 2 ) المجادلة : 22 .
[158]
خديجة ، وهى قوله :
الحمدلله الذي جعلنا من ذرية إبراهيم ، وزرع إسماعيل ، وجعل لنا بلدا حراما
وبيتا محجوجا وروي محجوبا وجعلنا الحكام على الناس ، ثم إن محمد بن عبدالله أخي
من لايوازن به فتى من قريش إلا رجح عليه برا وفضلا وحزما وعقلا ورأيا ونبلا ( 1 ) ، و
إن كان في المال قل ( 2 ) فانما المال ظل زائل وعارية مسترجعة ، وله في خديجة بنت خويلد
رغبة ولها فيه مثل ذلك ، وما أحببتم من الصداق فعلي ، وله والله بعد نبأ شائع وخطب ( 3 ) جليل .
قالوا : فتراه يعلم نبأه الشائع وخطبه الجليل ثم يعانده ويكذبه وهو من اولي
الالباب ؟ ! هذا غير سائغ في العقول .
قالوا وقدروي عن أبى عبدالله جعفر بن محمد عليهما السلام أن رسول الله صلى الله عليه وآله قال : إن أصحاب
الكهف أسر والا إيمان وأظهروا الشرك ( 4 ) ، فآتاهم الله أجرهم مرتين ، وإن أبا طالب
أسر الايمان وأظهر الشرك فآتاه الله أجره مرتين .
وفي الحديث الصحيح ( 5 ) المشهور أن
جبرئيل قال له ليلة مات أبوطالب : اخرج منها فقد مات ناصرك .
وأما ( 6 ) حديث الضحضاح من النار فإنما يرويه الناس كلهم عن رجل واحد
وهو المغيرة بن شعبة ، وبغضه لبني هاشم وعلى الخصوص لعلي عليه السلام مشهور معلوم ، وقصته
وفسقه غير خاف .
قالوا : وقد روي بأسانيد كثيرة بعضها عن العباس بن عبدالمطلب وبعضها
عن أبي بكر بن أبي قحافة أن أبا طالب ما مات حتى قال : لا إله إلا الله محمد رسول الله .
والخبر المشهور أن أبا طالب عند الموت قال كلاما خفيا ، فأصغى إليه أخوه العباس
ثم رفع رأسه إلى رسول الله صلى الله عليه وآله فقال : يا ابن أخي والله لقد قالها عمك ولكنه ضعف
عن أن يبلغك صوته .
وروي عن علي عليه السلام أنه قال : ما مات أبوطالب حتى أعطى رسول
_________________________________________________________
( 1 ) النبل بضم النون الذكاء .
النجابة .
الفضل .
( 2 ) القل بالضم ضد الكثرة .
اى هو قليل المال ولكن المال انما هو ظل زائل .
( 3 ) الخطب : الشأن .
( 4 ) في المصدر : وأظهروا الكفر .
( 5 ) في المصدر : وفى الحديث المشهور .
( 6 ) في المصدر : قالوا : وأما اه .
[159]
الله صلى الله عليه وآله من نفسه الرضى .
قالوا : وأشعار أبي طالب تدل على أنه كان مسلما ، ولا فرق ين الكلام المنظوم والمنثور
إذا تضمنا إقرارا بالاسلام ألاترى أن يهوديا لو توسط جماعة من المسلمين وأنشد شعرا
قد أرتجله ونظمه يتضمن الاقرار بنبوة محمد صلى الله عليه وآله لكنا نحكم بإسلامه ، كما لو قال :
أشهد أن محمدا رسول الله .
فمن تلك الاشعار قوله :
يرجون منا خطة دون نيلها * ضراب وطعن بالوشيج المقوم
يرجون أن نسخي بقتل محمد * ولم تختضب سن العوالي من الدم ( 1 )
كذبتم وبيت الله حتى تفلقوا * جماجم تلقى بالحطيم وزمزم ( 2 )
وتقطع أرحام وتنسى حليلة * حليلا ويغشى محرم بعد محرم
على ما مضى من مقتكم وعقوقكم * وغشيانكم في أمركم كل مأثم
وظلم نبي جاء يدعو إلى الهدى * وأمر أتى من عند ذي العرش قيم
فلا تحسبوا مسلميه فمثله * إذا كان في قوم فليس بمسلم ( 3 )
ومن شعر أبي طالب في أمر الصحيفة التي كتبتها قريش في قطيعة بني هاشم :
ألا أبلغا عني على ذات بينها * لؤيا وخصا من لؤي بني كعب
ألم تعلموا أنا وجدنا محمدا * رسولا كموسى خط في أول الكتب
وأن عليه في العباد محبة * ولا حيف فيمن خصه الله بالحب ( 4 )
وإن الذي رقشتم في كتابكم * يكون لكم يوما كراغية السقب
أفيقوا أفيقوا قبل أن تحفر الزبى * ويصبح من لم يجن ذنبا كذي الذنب
ولا تتبعوا أمرالغواة وتقطعوا * أوا صرنا بعد المودة والقرب ( 5 )
_________________________________________________________
( 1 ) في النسخ والمصدر ( سم العوالى ) ، وسيأتى في البيان توضيح ذلك وأنه مصحف .
( 2 ) الحطيم بالفتح ثم الكسر بالمسجد الحرام شرفها الله تعالى ، ما بين الركن الاسود والباب
إلى مقام ابراهيم عليه السلام .
ويقال لحجر الكعبة الذى فيه الميزاب : الحطيم ايضا ( مراصد
الاطلاع 1 : 411 ) وزمزم بئر بمكة مشهور .
( 3 الاى لا تحسبونا أن نسلم محمدا اليكم كما تأملون فانه مثله لو كان في قوم لا يسلم أبدا .
( 4 ) الحيف : الظلم والجور .
وقد مرفى ص 141 .
( 5 ) الاواصر جمع الوصير بكسر الواو العهد .
[160]
وتستحلبوا حربا عوانا وربما ( 1 ) * أمر على من ذاقه حلب لحرب ( 2 )
فلسنا وبيت الله نسلم أحمد * لعراء من عض الزمان ولا كرب ( 3 )
ولما تبن منا ومنكم سوالف * وأيد اترت بالمهندة الشهب ( 4 )
بمعترك ضنك ترى قصد القنا * به والضباع العرج تعكف كالشرف
كأن عجال الخيل في حجراته ( 5 ) * وغمغمة الابطال معركة الحرب
أليس أبونا هاشم شد أزره * وأوصى بنيه بالطعان وبالضرب
ولسنا نمل الحرب حتى تملنا * ولا نشتكي مما ينوب من النكب ( 6 )
ولكننا أهل الحفائظ والنهى * إذا طار أرواح الكماة من الرعب
ومن ذلك قوله :
فلا تسفهوا أحلامكم في محمد * ولا تتبعوا أمر الغواة الاشائم
تمنيتموا أن تقتلوه وإنما * أمانيكم هذي كأحلام نائم
وإنكم والله لا تقتلونه * ولماتر واقطف اللحى والجماجم
زعمتم بأنا مسلمون محمدا * ولما نقاذف دونه ونزاحم
من القوم مفضال أبي على العدى * تمكن في الفرعين من آل هاشم
أمين حبيب في العباد مسوم * بخاتم رب قاهر في الخواتم
يرى الناس برهانا عليه وهيبة * وما حاهل في قومه مثل عالم
نبي أتاه الوحي من عند ربه * فمن قال لا ، يقرع بها سن نادم
_________________________________________________________
( 1 ) العوان الحرب التى قوتل فيها مرة بعد اخرى ، والحرب العوان أشد الحروب .
( 2 ) الحلب كما يأتى في البيان : اللبن المحلوب ويقال : ذاقوا حلب أمرهم أى وباله
والمراد من الشعر : أنكم بنقض العهد واتباع الغواة تستحلبون أشد الحروب وأمرها على من ذاق
وبال الحرب .
( 3 ) عض الزمان : اشتد عليه .
ويأتى معنى ( العراء ) في البيان .
( 4 ) أتريده : قطعها .
هند السيف : شحذه والشهب بضم الشين جمع الشهاب وهو السنان .
( 5 ) العجال جمع العجل : ولد البقرة .
( 6 ) النكب : المصيبة .