[141]


أقول : ثم ذكر إتيانه القوم وإخباره إياهم بذل ومباهلته معهم ، فقال : فلولا تصديقه لرسول الله صلى الله عليه وآله عما بلغه عن الله تعالى لما سارع إلى القوم بالمباهلة بالنبي وتصديقه ، وما باهل به إلا ولم يكن عنده شك في أنه هو المنصور عليهم بما ثبت عنده من آيا الرسول الله صلى الله عليه وآله وصدقه ومعجزاته .
[ وقال ( 1 ) : ألم تعلموا أنا وجدنا محمدا * نبيا كموسى خط في أول الكتب فأقر بنبوته وأكد ذلك بأن شبهه بموسى عليه السلام ، وزاد في التأكيد بقوله : ( خط في أول الكتب ) فاعترف بأنه قد بشر بنبوته كل نبي له كتاب ، وهذا أمر لا يعترف به إلا من قد سبق له قدم في الاسلام ، ثم وكد اعترافه أيضا بقوله : وإن عليه في العباد محبة * ولا خير ممن خصه الله بالحب فاعترف بمحبة الخلق له وبمحبة الله له ، وجعله خير الخلق بقوله بقوله : ( ولا خير ) إلى آخره ، يعنى لا يكون أحد خيرا ممن خصه الله بحبه ، بل هو خير من كل أحد ] .
ثم ذكر الابيات المتقدمة في ذلك واستدل بها على إيمانه ، وذكر كثيرا من القصص والاشعار تركناها إيثارا للاختصار .
85 مد : من مسند عبدالله بن أحمد بن حنبل ، عن أبيه قال : علي بن أبي طالب واسم أبي طالب عبد مناف ، بن عبدالمطلب ، واسم عبدالمطلب شيبة الحمد ، بن هاشم ، واسم هاشم عمرو ، بن عبد مناف ، واسم عبد مناف المغيرة ، بن قصي ، واسم قصي زيد بن كلاب ، بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن النصر بن كنانة بن خزيمة بن مدركة ابن إلياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان بن أد بن أدد بن الهميسع بن يشجب ( 2 ) وقيل أشجب ابن نبت بن قيدار بن إسماعيل ، وإسماعيل أول من فتق لسنانه بالعربية المبينة التي نزل بها القرآن ، وأول من ركب الخيل وكانت وحوشا ، وهو ابن عرق الثرى خليل الله إبراهيم بن تارخ بن ناخور وقيل الناخر بن ساروع بن أرغو بن قالع وهو

_________________________________________________________
( 1 ) ما بين العلامتين يوجد في ( ك ) فقط .
( 2 ) في المصدر : يشحب وقيل أشحب .
وفى غير ( ك ) من النسخ : الهميسع بن سحب .

[142]


قاسم الارض بين أهلها ابن عامر وهو هود النبي عليه السلام ابن شالخ بن أرفخشد وهو الرافد ابن سام بن نوح بن مالك وهو في لغة العرب ملكان ابن المتوشلخ وهو المثوب ابن أخنخ وهو إدريس النبي عليه السلام ابن يرد وهو اليارد ابن مهلائيل بن قينان بن أنوش وهو الطاهر ابن شيث وهو هبة الله ، ويقال أيضا شاث ابن آدم أبي البشر عليه السلام ( 1 ) .
[ أقول : في الديوان المنسوب إلى أميرالمؤمنين عليه السلام أنه قال في مرثية أبي طالب رضي الله عنه : أرقت لنوح آخر الليل غردا * لشيخي ينعى والرئيس المسودا أبا طالب مأوى الصعاليك ذا الندى * وذا الحلم لا خلفا ولم يك قعددا أخا الملك خلى ثلمة سيسدها * بنو هاشم أو يستباح فيمهدا فأمست قريش يفرحون يفقده * ولست أرى حيا لشئ مخلد أرادت امورا زينتها حلومهم * ستوردهم يوما من الغي موردا يرجون تكذيب النبي وقتله * وأن يفتروا بهتا عليه ومحجدا كذبتم وبيت الله حتى نذيقكم * صدور العلوالي والصفيح المهندا ويبدو منا منظر ذو كريهة * إذا ما تسر بلنا ( 2 ) الحديد المسردا فإما تبيدونا وإما نبيدكم * وإما تروا سلم العشيرة أرشدا وإلا فإن الحي دون محمد * بنو هاشم خير البرية محتدا وإن له فيكم من الله ناصرا * ولست بلاق صاحب الله أوحدا نبي أتى من كل وحي بخطة * فسماه ربي في الكتاب محمدا أغر كضوء البدر صورة وجهه * جلا الغيم عنه ضوؤه فتوقدا أمين على ما استودع الله قلبه * وإن كان قولا كان فيه مسددا ( 3 )

_________________________________________________________
( 1 ) عمده ابن بطريق : 12 .
* مابين العلامتين لا يوجد في ( ت ) .
( 2 ) تسربل بالسربال : تلبس به ، وهو القميص أو كل ما يلبس .
( 3 ) في المصدر : 41 و 2 .

[143]


بيان : أرقت بالكسر أي سهرت .
والغرد والتغريد : التطريب .
والصعاليك : جمع الصعلوك وهو الفقير .
والندى بالفتح الجود .
والخلف بالسكون قوم سوء يخلفون غيرهم .
ورجل قعدد وقعدد : إذا كان قريب الآباء إلى الجد الاكبر ، ويمدح به من وجه لان الولاء للكبر ، ويذم به من وجه لانه من أولاد الهرمى وينسب إلى الضعف ذكره الجوهري ( 1 ) .
والثلمة بالضم الخلل في الحائط وغيره .
وفي الاساس : أهمد فلان الامر : أماته ( 2 ) .
وفى الصحاح : همدت النار تهمد همودا أي طفئت وذهبت البتة ، والهمدة : السكتة ، وهمد الثوب : بلي ، وأهمد في المكان : أقام ، وفي السير : أسرع ( 3 ) .
والبهت : البهتان .
وعالية الرمح : ما دخل السنان إلى ثلثه .
والصفيحة : السيف العريض والكريهة : الشدة في الحرب .
وسرد الدروع : إدخال حلقها بعضها في بعض ، وكذا التسريد .
والمحتد : الاصل .
وصاحب الله : النبي صلى الله عليه وآله .
والاوحد : الذي ليس له ناصر .
والخطة بالضم الامر والقصة .
والغرة : بياض في جبهة الفرس ميمون .
ومنه في مرثية خديجة وأبي طالب رضي الله عنهما : أعيني جودا بارك الله فيكما * على هالكين لاترى لهما مثلا على سيد البطحاء وابن رئيسها * وسيدة النسوان أول من صلى مهذبة قد طيب الله خيمها * مباركة والله ساق لها الفضلا مصابهما أدجى إلى الجو والهواء * فبت أقاسي منهم الهم والثكلا لقد نصرا في الله دين محمد * على من يعافي الدين قد رعيا إلا ( 4 ) بيان : الخيم بالكسر السجية والطبيعة ، لا واحد من له لفظه .
والال بالكسر العهد .
ومنه في مرثية أبي طالب رضي الله عنه : أبا طالب عصمة المستجير * وغيث المحول ونور الظلم

_________________________________________________________
( 1 ) الصحاح ج 1 ص 524 .
( 2 ) ص 487 .
( 3 ) الصحاح ج 1 ص 553 .
( 4 ) المصدر : ص 106 .

[144]


لقد هد فقدك أهل الحفاظ * وقد كنت للمصطفى خيرهم ( 1 ) بيان : روى السيد حيدر في الغرر هاتين المرثيتين ، وتلك المراثي دلائل على كمال إيمان أبي طالب رضي الله عنه فإنه أجل وأتقى من أن يرثي ويمدح كافرا بأمثال تلك المدائح رعاية للنسب ، بل بعض أبياتها يدل كونه أفضل من حمزة رضي الله عنه ] .
وقال السيد بن طاوس في كتاب الطرائف : إني رأيت المخالفين تظاهروا بالشهادة على أبي طالب عم نبيهم وكفيله بأنه مات كافرا ، وكذبوا الاخبار الصحيحة المتضمنة لايمانه ، وردوا شهادة عترة نبيهم صلوات الله عليهم الذين رووا أنهم لا يفارقون كتاب ربهم ، وإنني وجدت علماء هذه العترة مجمعين على إيمان أبي طالب رضي الله عنه ، وما رأيت هؤلاء الاربعة المذاهب كابروا فيمن قيل عنه ( 2 ) أنه مسلم مثل هذه المكابرة ، وما زال الناس يشهدون بالايمان لمن يخبر عنه مخبر بذلك ، أوترى عليه صفة تقتضي الايمان ، وسوف أورد لك بعض ما أوردوا في كتبهم وبرواية رجالهم من الاخبار الدالة لفظا أو معنى ، تصريحا أو تلويحا بإيمان أبي طالب رضي الله عنه ، ويظهر لك أن شهادتهم عليه بالكفر عداوة لولده علي بن أبي طالب عليه السلام أو لبني هاشم .
فمن ذلك ما ذكروه ورووه في كتاب أخبارأبي عمرو محمد بن عبدالواحد الزاهد الطبري اللغوي ، عن أبي العباس أحمد بن يحيى بن تغلب ( 3 ) ، عن ابن الاعرابي ما هذا لفظه : وأخبرنا تغلب عن ابن الاعرابي قال : العور : الردئ من كل شئ ، والوعر : الموضع المخيف الوحش .
قال ابن الاعرابي : ومن العور خبر ابن عباس قال : فما نزلت : ( وأنذر عشيرتك الاقربين ) قال علي عليه السلام [ وقال ابن عباس : وكان النبي صلى الله عليه وآله يربيه وعبق من سمته وكرمه وخلائقه ما أطاق ] فقال لي صلى الله عليه وآله : [ يا علي ] قد امرت أن أنذر عشيرتي الاقربين ، فاصنع لي طعاما واطبخ لي لحما ( 4 ) ، قال علي عليه السلام : فعددتهم [ بني هاشم

_________________________________________________________
( 1 ) المصدر : ص 122 .
( 2 ) في المصدر : قيل عليه .
( 3 ) في ( ح ) : ثعلب .
( 4 ) في ( ح ) واطبخ لحما .

[145]


بحتا ] فكانوا أربعين ، قال : فصنعت الطعام طعاما يكفي لاثنين أو ثلاثة ( 1 ) ، قال : فقال لي المصطفى صلى الله عليه وآله : هاته ، قال : فأخذ شظية ( 2 ) من اللحم فشظاها بأسنانه وجعلها في الجفنة ( 3 ) ، قال : وأعددت لهم عسا من لبن ، قال : ومضيت إلى القوم فأعلمتهم أنه قد دعاهم لطعام وشراب ، قال : فدخلوا وأكلوا ولم يستتموا نصف الطعام حتى تضلعوا ، قال : ولعهدي بالواحد منهم يأكل مثل ذلك الطعام وحده ، قال : ثم أتيت باللبن ، قال : فشربوا حتى تضلعوا ( 4 ) ، قال : ولعهدي بالواحد منهم وحده يشرب مثل ذلك اللبن ، قال : وما بلغوا نصف العس ، قال : ثم قام فلما أراد أن يتكلم اعترض عليه أبولهب لعنه الله ، فقال : ألهذا دعوتنا ؟ ثم أتبع كلامه بكلمة ثم قال : قوموا ، فقاموا .
وانصرفوا كلهم .
قال : فلما كان من الغد قال لي : يا علي أصلح لي مثل ذلك الطعام والشراب ، قال : فأصلحته ومضيت إليهم برسالته ، قال : فأقبلوا إليه فلما أكلوا وشربوا قام رسول الله صلى الله عليه وآله ليتكلم فاعترضه أبولهب لعنه الله ، قال : فقال له أبوطالب رضي الله عنه : اسكت يا أعور ما أنت وهذا ؟ قال : ثم قال أبوطالب رضي الله عنه : لا يقومن أحد ، قال : فجلسوا ، ثم قال للنبي صلى الله عليه وآله : قم يا سيدي فتكلم بما تحب ، وبلغ رسالة ربك فإنك الصادق المصدق ، قال : فقال صلى الله عليه وآله لهم : أرأيتم لو قلت لكم : إن وراء هذا الجبل جيشا يريد أن يغير ( 5 ) عليكم أكنتم تصدقوني ؟ قال : فقالوا كلهم : نعم إنك لانت الامين الصادق ، قال : فقال لهم : فوحدوا الله الجبار واعبدوه وحده بالاخلاص ، واخلعوا ( 6 ) هذه الانداد الانجاس ، وأقروا وأشهدوا بأني رسول الله إليكم وإلى الخلق ، فإني قدجئتكم بعز الدنيا والآخرة .
قال : فقاموا وانصرفوا كلهم وكأن الموعظة قد
-بحار الانوار جلد: 31 من صفحه 145 سطر 19 إلى صفحه 153 سطر 18 عملت فيهم .
هذا آخر لفظة حديث أبي عمر والزاهد .

_________________________________________________________
( 1 ) كذا في ( ك ) وفى غيره : وضعت طعاما يكفى بالاثنين .
( 2 ) الشظية : فلقة العود والعظم ونحوهما .
وفى ( د ) شنطة .
وهى اللحمان المنضجة .
( 3 ) الجفنة : القصعة الكبيرة .
( 4 ) في ( ك ) : حتى بضعوا خ ل .
ويأتى في البيان معناه .
( 5 ) أغار إغارة : هجم وأوقع بهم .
( 6 ) في ( د ) : واقلعوا .

[146]


قال السيد رضي الله عنه : ولولم يكن لابي طالب رضي الله عنه إلا هذا الحديث وأنه سبب في تمكين النبي صلى الله عليه وآله من تأدية رسالته وتصريحه بقوله : ( وبلغ رسالة ربك فإنك الصادق المصدق ) لكفاه شاهدا بإيمانه وعظيم حقه على أهل الاسلام ، وجلالة أمره في الدنيا ودارالمقام ( 1 ) ، وما كان لناحاجة إلى إيراد حديث سواه ، وإنما نورد الاحاديث استظهارا في الحجة لما ذكرناه .
فمن ذلك أيضا ما ذكره الحميدي في كتاب الجمع بين الصحيحين في مسند عبدالله ابن [ عمر في الحديث الحادي عشر من إفراد البخاري تعليقا ، قال : وقال ] عمر بن حمزة ، عن سالم ، عن أبيه قال : ربما ذكرت قول الشاعر وأنا أنظر إلى وجه النبي صلى الله عليه وآله وهو يستسقي ، وما ينزل حتى يجيش كل ميزاب ، فمن ذلك : وأبيض يستسقى الغمام بوجهه * ربيع اليتامى عصمة للارامل وهو قول أبي طالب رضي الله عنه ، وقد أخرجه بالاسناد من حديث عبدالرحمن بن عبدالله بن دينار ، عن أبيه قال : سمعت ابن عمر يتمثل بشعر أبي طالب حيث قال وذكر البيت وهي قصيدة مشهورة بين الرواة لابي طالب رضي الله عنه وهي هذه : لعمري لقد كلفت وجدا بأحمد * وأحببته حب الحبيب المواصل إلى آخر الابيات .
ومن ذلك مارواه الثعلبي في تفسيره قال في تفسير قوله تعالى : ( وهم ينهون عنه وينؤن عنه وإن يهلكون إلا أنفسهم وما يشعرون ( 2 ) ) عن عبدالله بن عباس قال : اجتمعت قريش إلى أبي طالب رضي الله عنه وقالوا له : يا أبا طالب سلم إلينا محمدا فإنه قد أفسد أدياننا وسب آلهتنا ، وهذه أبناؤنا بين يديك تبن ( 3 ) بأيهم شئت ، ثم دعوا بعمارة بن الوليد وكان مستحسنا ، فقال لهم : هل رأيتم ناقة حنت إلى غير فصيلها ؟ لا كان ذلك أبدا ، ثم نهض عنهم فدخل على النبي صلى الله عليه وآله ( 4 ) فرآه كئيبا وقد علم مقالة قريش ( 5 ) ، فقال رضي الله

_________________________________________________________
( 1 ) في ( ك ) وفى دارالمقام .
( 2 ) الانعام : 26 .
( 3 ) تبناه : اتخذه ابنا .
( 4 ) كذا في ( ك ) والمصدر ، وفى باقى النسخ : فدخل النبي صلى الله عليه وآله .
( 5 ) في المصدر : بمقالة قريش .

[147]


عنه : يا محمد لا تحزن ، ثم قال : والله لن يصلوا إليك بجمعهم * حتى اوسد في التراب دفينا فاصدع بأمرك ما عليك غضاضة * وابشر وقر بذاك منك عيونا ودعوتني وذكرت أنك ناصحي * ولقد نصحت وكنت قبل أمينا وذكرت دينا قد علمت بأنه * من خير أديان البرية دينا وروى الثعلبي أنه قد اتفق على صحة نقل هذه الابيات عن أبي طالب رضي الله عنه مقاتل وعبدالله بن عباس والقاسم بن محصرة ( 1 ) وعطاء بن دينا ر .
ومن ذلك مارواه بإسناده في كتاب اسمه ( نهاية الطلوب وغاية السؤول في مناقب آل الرسول ) رجل من علمائهم وفقهائهم حنبلي المذهب اسمه : إبراهيم بن علي بن محمد الدينوري يرفعه إلى الحسن بن علي بن أبي عبدالله الازدي الفقيه ، قال : حدثنا محمد بن صالح ، قال : حدثني أبي ، عن عبدالكريم الجزري ، وقال الحسن بن علي المذكور : وحدثنا أيضا عبدالله ابن عمر البرقي ، عن الكريم الجزري ، عن طاوس ، عن ابن عباس والحديث طويل أخذنا منه موضع الحاجة يقول فيه : إن النبي صلى الله عليه وآله قال للعباس : إن الله قد أمرني بإظهار أمري وقد أنبأني واستنبأني فما عندك ؟ فقال له العباس : يا أبن أخي تعلم أن قريشا أشد الناس حسدا لولد أبيك ، وإن كانت هذه الخصلة ، كانت الطامة الطماء والداهية العظيمة ( 2 ) ، ورمينا عن قوس واحد وانتسفونا نسفا صلتا ( 3 ) ، ولكن قرب إلى عمك ( 4 ) أبي طالب فإنه [ كان ] أكبر أعمامك ، إن لا ينصرك لايخذلك ولا يسلمك .
فأتياه فلما رآهما أبوطالب قال : إن لكما لظنة وخبرا ، ماجاء بكما في هذا الوقت ؟ فعرفه العباس ما قال له النبي صلى الله عليه وآله وما أجابه به العباس ، فنظر إليه أبوطالب رضي الله عنه وقال له : اخرج ابن أخي فإنك الرفيع كعبا ( 5 ) ، والمنيع حزبا ، والاعلى

_________________________________________________________
( 1 ) في ( ك ) : محضرة .
وفى المصدر : محيصرة .
( 2 ) في المصدر : والداهية العظماء .
( 3 ) الصلت من السيوف : الصقيل الماضى .
( 4 ) في المصدر : ولكن اقترب بنا إلى عمك .
( 5 ) في المصدر : اخرج يا ابن أخى فانك المنيع كعبا .

[148]


أبا ، والله لا يسلقك لسان إلا سلقته ( 1 ) ألسن حداد ، واجتذبته سيوف حداد ، والله لتذلن لك العرب ( 2 ) ذل البهم لحاضنها ، ولقد كان أبي يقرء الكتاب جميعا ، ولقد قال : إن من صلبي لنبيا لوددت أني أدركت ذلك الزمان فآمنت به ، فمن أدركه من ولدى فليؤمن به .
ثم ذكر ؟ ؟ إظهار نبيهم للرسالة عقيب كلام أبي طالب له وصورة شهادته ، وقد صلى وحده ، وجاءت خديجة فصلت معه ، ثم جاء علي فصلى معه ( 3 ) .
وزاد الزمخشري في كتاب الاكتاب بيتا آخر رواه عن أبي طالب رضي الله عنه .
وعرضت دينا لا محالة إنه * من خير أديان البرية دينا لولا الملامة أو حذاري سبة * لوجدتني سمحا بذاك مبينا ( 4 ) ومن ذلك ما ذكره الحنبلي صاحب الكتاب المذكور بإسناده إلى محمد بن إسحاق ، عن عبدالله بن مغيرة بن معقب قال : فقد أبوطالب رضي الله عنه رسول الله صلى الله عليه وآله فظن أن بعض قريش اغتاله فقتله ، فبعث إلى بني هاشم فقال : يا بني هاشم أظن أن بعض قريش اغتال محمدا فقتله ، فليأخذ كل واحد منكم حديدة صارمة ( 5 ) وليجلس إلى جنب عظيم

_________________________________________________________
( 1 ) سلقه بالكلام : آذاء .
وبالرمح : طعنه .
أى لا يؤذيك أحد بلسانه الا أن يؤذى بألس كثيره حداد أو يطعن بالسيوف والرماح .
( 2 ) في المصدر : لتذلن لك العزيز .
( 3 ) ليست الجملة الاخيرة في المصدر .
( 4 ) في كتاب ( الغدير ج ص 334 ) : قال السيد احمد زينى دحلان في اسنى المطالب ص 14 فقيل : إن هذا البيت موضوع أدخلوه في شعر ابى طالب وليس من كلامه .
قال الامينى : هب أن البيت الاخير من صلب ما نظمه أبوطالب عليه السلام ، أقصى ما فيه أن العار والسبة اللذين كان أبوطالب عليه السلام يحذرهما خيفة أن يسقط محله عند قريش فلاتتسنى له نصرة الرسول المبعوث صلى الله عليه وآله انما منعاء عن الابانة والاظهار لاعتناق الدين ، و إعلان الايمان بماجاء به النبى الامين ، وهو صريح قوله : لو جدتنى سمحا بذاك مبينا اى مظهرا واين هو من اعتناق الدين في نفسه والعمل بمفتضاه من النصرة والدفاع ؟ ولوكان يريد به عدم الخضوع للدين لكان تهافتأ بينا بينه وبين أبياته الاولى التى ينص فيها بأن دين محمد صلى الله عليه وآله من خير أديان البرية دينا ، وأنه صلى الله عليه وآله صادق في دعوته ، أمين على امته .
( 5 ) اى قاطعة كالسكين ونحوه .

[149]


من عظماء قريش ، فإذا قلت : أبغي محمدا ، قتل ( 1 ) كل رجل منكم الرجل الذي إلى جانبه ، وبلغ رسول الله صلى الله عليه وآله جمع أبي طالب ، وهو في بيت عندالصفا ، فأتى أبا طالب وهو في المسجد ، فلما رآه أبوطالب أخذ بيده ثم قال : يا معشر قريش فقدت محمدا فظننت أن بعضكم اغتاله ، فأمرت كل فتى شهد من بني هاشم أن يأخذ حديدة ويجلس كل واحد منهم إلى عظيم منكم ، فإذا قلت : أبغي محمدا ، قتل كل واحد منهم الرجل الذي إلى جنبه فاكشفوا ( 2 ) عما في أيديكم يا بني هاشم ، فكشف بنوهاشم ، عما في أيديهم فنظرت قريش إلى ذلك ، فعندها هابت قريش رسول الله صلى الله عليه وآله ثم أنشأ أبوطالب يقول : ألا أبلغ قريشاحيث حلت * وكل سرائر منها غرور فإني والضوابح غاديات * وما تتلو السفافرة الشهور ( 3 ) لآل محمد راع حفيظ * وود الصدر مني والضمير فلست بقاطع رحمي وولدي * ولو جرت مظالمها الجزور أيأمر جمعهم أبناء فهر * بقتل محمد والامر زور ؟ فلا وأبيك لا ظفرت قريش * ولا لقيت رشادا إذ تشير بني أخي ونوط القلب مني * وأبيض ماؤه غدق كثير ويشرب بعده الولدان ريا * وأحمد قد تضمنه القبور أيا ابن الانف أنف بني قصي ( 4 ) * كأن جبينك القمر المنير * [ أقول : روى جامع الديوان نحو هذا الخبر مرسلا ثم ذكر الاشعار هكذا ( ألا أبلغ ) إلى قوله : ( وكل سرائر منها غدور ) .

_________________________________________________________
( 1 ) في المصدر : فليقتل .
ومعنى ابغى أى اطلب .
( 2 ) في المصدر : فاكشفوا لى .
( 3 ) كذا في النسخ ، والصحيح : السفاسرة .
( 4 ) الانف : السيد .
( * ) من هنا إلى قوله : ثم قال السيد رضى الله عنه من مختصات ( ك ) .
وقال العلامة الامينى في ( الغدير 7 ص 35 ) : هذه الزيادة لا توجد في الديوان المطبوع لسيدنا ابى طالب أقول : ومع الاسف لم نظفر بنسخة الديوان إلى الان .

[150]


فإني والضوابح غايادت * وما تتلو المسفافرة الشهور إلى قوله : جزور فيالله در بني قصي * لقد احتل عرصتهم ثبور عشية ينتحون بأمرهزل * ويستهوي حلومهم الغررر ( فلا وأبيك ) إلى قوله : إذ تشتير .
( يأيأمر ) إلى قوله ( زور ) .
ألا ضلت حلومهم جميعا * وأطلق عقل حرب لا تبور أيرضى منكم الحلماء هذا * وما ذاكم رضى لى أن تبوروا ( بني أخى ) إلى قوله : القبور .
فكيف يكون ذلكم قريشا * وما مني الضراعة والفتور ( 1 ) علي دماء بدن عاطلات * لئن هدرت بذلكم الهدور لقام الضاربون بكل ثغر * بأيديهم مهندة تمور ( 2 ) وتلقوني أما الصف قدما * اضارب حين تحزمه الامور ارادي مرة وأكر اخرى * حذارا أن تغور به الغرور أذودهم بأبيض مشرفي * إذا ما حاطه الامر النكير وجمعت الجموع أسود فهر * وكان النقع فوقهم يثور ( 3 ) كأن الافق محفوف بنار * وحول النار آساد تزير بمعترك المنايا في مكر * تخال دماءه قدرا تفور إذا سالت مجلجلة صدوق * كأن زهاء ها رأس كبير وشظاها محل الموت حقا * وحوض الموت فيه يستدير هنالك أي بني يكون مني * بوادر لا يقوم لها الكثير تدهدهت الصخور من الرواسي * إذا ما الارض زلزلها القدير

_________________________________________________________
( 1 ) الضراعة : الضعف .
( 2 ) المهند : السيف المطبوع من حديد الهند .
مار السنان في المعطون : تردد .
( 3 ) النقع : الغبار .
وتاراى هاج .