[131]


بتأويله التوراة حتى تفرقوا * وقال لهم ما أنتم بطغام فذلك من أعلامه وبيانه * وليس نهار واضح كضلام ( 1 ) 75 وأخبرني شيخنا ابن إدريس بإسناده إلى أبي الفرج الاصفهاني يرفعه قال : لما رأى أبوطالب من قومه ما يسره من جلدهم معه وحدبهم عليه ( 2 ) مدحهم وذكر قديمهم وذكر النبي صلى الله عليه وآله فقال : إذا اجتمعت يوما قريش لمفخر * فعبد مناف سرها وصميمها وإن حضرت أشراف عبد منافها * ففي هاشم أشرافها وقديمها ففيهم نبي الله أعني محمدا ( 3 ) * هو المصطفى من سرها وكريمها تداعت قريش غثها وسمينها * علينا فلم تظفر وطاشت حلومها ( 4 ) 76 وأخبرني شيخي محمد بن إدريس بإسناده إلى الشيخ المفيد يرفعه إلى أبي رافع مولى النبي صلى الله عليه وآله وذكر حديثا طويلا في قصة بدر إلى أن قال : فاحتمل عبيدة من المعركة إلى موضع رحل رسول الله صلى الله عليه وآله وأصحابه ، فقال عبيدة : رحم الله أبا طالب لو كان حيا لرأى أنه صدق في قوله : ونسلمه حتى نصرع حوله * ونذهل عن أبنائنا والحلائل ( 5 ) 77 وأخبرني الشيخ محمد بن إدريس بإسناد متصل إلى الحسن بن جمهور العمي عن أبيه ، عن أحمد بن قتيبة ، عن صالح بن كيسان ، عن عبدالله بن رومان ، عن يزيد بن الصعق ، عن عمر بن خارجة ، عن عرفطة قال : بينا أنا بأصفاق مكة ( 6 ) إذ أقبلت عير من أعلى نجد حتى حاذت الكعبة ، وإذا غلام قدرمى بنفسه عن عجز بعير حتى أتى الكعبة

_________________________________________________________
( 1 ) المصدر نفسه : 75 78 .
( 2 ) اى تعطفهم معه واشفاقيم عليه .
( 3 ) في المصدر : وان فخرت يوما فان محمدا .
( 4 ) المصدر نفسه : 79 .
( 5 ) المصدر نفسه : 84 .
( 6 ) في ( م ) و ( د ) : بأصقاع مكة .
وكلاهما بمعنى الناحية والجانب .

[132]


وتعلق بأستارها ثم نادى : يا رب البنية أجرني ( 1 ) ، فقام إليه شيخ جسيم وسيم عليه بهاء الملوك ووقار الحكماء ، فقال : خطبك يا غلام ( 2 ) ؟ فقال : إن أبي مات وأنا صغير وإن هذا الشيخ النجدي استعبدني ( 3 ) وقد كنت أسمع أن الله بيتا يمنع من الظلم ، فأتى النجدي وجعل يسحبه ( 4 ) ويخلص أستار الكعبة من يده ، وأجاره القرشي ( 5 ) ومضى النجدي وقد تكنعت يداه ، قال عمر بن خارجة : فلما سمعت الخبر قلت : إن لهذا الشيخ لشأنا فصو بت رحلي ( 6 ) نحو تهامة حتى وردت الابطح وقد أجدبت الانواء وأخلفت العواء ( 7 ) ، وإذا قريش حلق قد ارتفعت لهم ضوضاء ، فقائل يقول : استجيروا باللات والعزى ، و قائل يقول : بل استجيروا بمناة الثالثة الاخرى ، فقام رجل من جملتهم يقال له ورقة بن نوفل عم خديجة ( 8 ) بنت خويلد فقال : فيكم ( 9 ) بقية إبراهيم ، وسلالة إسماعيل ، فقالوا كأنك عنيت أبا طالب ؟ قال : إنه ذلك ( 10 ) ، فقاموا إليه بأجمعهم وقمت معهم ( 11 ) ، فقالوا يا أبا طالب قد أقحط الواد وأجدب العباد ، فهلم ( 12 ) فاستسق لنا ، فقال : رويدكم دلوك

_________________________________________________________
( 1 ) في المصدر : يا رب البيت أجرنى .
( 2 ) في المصدر : ما خطبك يا غلام ؟ ( 3 ) في المصدر : قد استعبدنى .
( 4 ) سحبه : جره على وجه الارض .
وفى المصدر : فأتى النجدى فجعل يسحبه .
( 5 ) في المصدر : فأجاره القرشى .
( 6 ) صوب فرسه : ارسله في الجرى .
( 7 ) الانواء : جمع نوء وهو النجم الطالع بالجدب أو الخصب والعواء : نباح الكلب وصوته أى أخلفت الانواء الطالعة دو ضاء الكلاب مكان النعم لاجل القحط .
والضوضاء : اصوات الناس .
( 8 ) ورقة بن نوفل : ابن أسد بن عبدالعزى بن قصى القرشى ابن عم خديجة ، وهو الذي أخبر خديجة أن رسول الله نبى هذه الامة ، وخبره مشهور .
( 9 ) في المصدر : فقال : انى نوفلى وفيكم اه .
( 10 ) في المصدر : قال : هوذاك .
( 11 ) في المصدر : بعد ذلك : فاتينا ابا طالب فخرج الينا من دار نسائه في حلة صفراء وكان رأسه يقطر من دهانه ، فقاموا اليه بأجمعهم وقمت معهم اه .
( 12 ) في المصدر : فقم .

[133]


الشمس وهبوب الريح ، فلما زاغت الشمس أو كادت ، وافى أبوطالب ( 1 ) قد خرج وحوله أغيلمة من بني عبدالمطلب ، وفي وسطهم غلام أيفع ( 2 ) منهم كأنه شمس دجى تجلت عنه غمامة قتماء ( 3 ) ، فجاء حتى أسند ظهره إلى الكعبة في مستجارها ، ولاذ بإصبعه و بصبصت الاغيلمة حوله وما في السماء قزعة ( 4 ) ، فأقبل السحاب من ههنا ومن ههنا حتى كث ( 5 ) ولف وأسحم وأقتم وأرعد وأبرق ( 6 ) وانفجر له الوادي ( 7 ) ، فلذلك قال أبوطالب يمدح النبي صلى الله عليه وآله : ( وأبيض يستسقى الغمام بوجهه ) إلى آخر الابيات ( 8 ) .
78 وأخبرني الشيخ محمد بن إدريس يرفعه قال : قيل لتأبط شرا ( 9 ) الشاعر واسمه ثابت بن جابر من سيد العرب ؟ فقال : أخبركم سيد العرب أبوطالب بن عبدالمطلب .
وقيل للاحنف بن قيس التميمي ( 10 ) : من اين اقتبست هذه الحكم وتعلمت هذا

_________________________________________________________
( 1 ) في المصدر : فاذا أبوطالب .
( 2 ) ايفع الغلام : ترعرع وناهض البلوغ .
( 3 ) في المصدر : كأنه شمس ضحى تجلت عن غمامة قتماء .
( 4 ) القزعة بفتح القاف والزاى القطعة من السحاب .
( 5 ) كت : غلظ وثخن .
وفى المصدر : لت أى قرن .
( 6 ) في المصدر : وأودق أى أمطر .
( 7 ) في المصدر : وانفجر به الوادى وافعوعم .
أى امتلا وفاض .
( 8 ) المصدر نفسه : 90 92 .
( 9 ) سمى بذلك لانه تأبط سيفا وخرج فقيل لامه : اين هو ؟ فقالت : تأبط شرا وخرج .
( 10 ) اسمه الضحاك ، وقيل : صخر بن قيس ، أدرك النبي صلى الله عليه وآله ولم يره ودعا له النبي صلى الله عليه وآله ، وكان أحد الحكماء الدهاة العقلاء ، وقدم على عمر في وفد البصرة ، فرأى مه عقلا ودينا وحسن سمت ، فتركه عنده سنة ثم أحضره وقال : يا احنف اتدرى لم احتبستك عند ى ؟ قال : لا ، قال : ان رسول الله صلى الله عليه وآله حذرنا كل منافق عليم فخشيت أن تكون منهم ، ثم كتب معه كتابا إلى الامير على البصرة يقول له : الاحنف سيد اهل البصرة فمازال يعلو من يومئذ ، وكان ممن اعتزل الحرب بين على وعائشة بالجمل وشهد صفين مع على عليه السلام وبقي إلى امارة مصعب بن الزبير على العراق ، وتوفى بالكوفة سنة سبع وستين ( اسد الغابة 1 : 55 ) .

[134]


الحلم ؟ قال : من حكيم عصره وحليم دهره : قيس بن عاصم المنقري ( 1 ) ، ولقد قيل لقيس حلم من رأيت فتحلمت ؟ وعلم من رأيت ( 2 ) فتعلمت ؟ فقال من الحكيم الذي لم ينفدقط حكمته ( 3 ) : أكثم بن صيفي التميمي ( 4 ) ، ولقد قيل لاكثم : ممن تعلمت الحكمة و الرئاسة والحلم والسيادة ( 5 ) ؟ فقال : من حليف الحلم والادب سيد العجم والعرب أبي طالب بن عبدالمطلب ( 6 ) .
79 وحدثني النقيب محمد بن الحسن بن معية العلوي ، عن سلار بن حبيش البغدادي

_________________________________________________________
( 1 ) هو قيس بن عاصم بن سنان بن خالدين منقر بن عبيد بن مقاعس ، وقد على النبي صلى الله عليه و آله في وفد بنى تميم وأسلم سنة تسع ، ولما رآه النبي صلى الله عليه وآله قال : هذا سيد أهل الوبر وكان عاقلا حليما مشهورا بالحلم ، قيل للاحنف بن قيس ممن تعلمت الحلم ؟ فقال : من قيس بن عاصم رأيته يوما قاعدا بفناء داره ، نحتبيا يحمائل سيفه يحدث قومه اذا اتى برجل مكتوف وآخر مقتول فقيل : هذا ابن اخيك قتل ابنك ، قال : فوالله ما حل حبوته ولا قطع كلامه ، فلما اتمه التفت إلى ابن اخيه فقال : يا ابن اخى بئسما فعلت أثمت بربك وقطعت رحمك وقتلت ابن عمك ، فحل كتافه وقال : وارأخاك وسق إلى امك مائة من الابل دية ابنها فانها غريبه .
قال الحسن البصرى : لما حضرت قيس بن عاصم الوفاة دعا بنيه فقال : يا بنى احفظوا عنى فلا أحد أنصح لكم منى ، اذا أنامت فسودوا كباركم ولا تسودوا صغاركم فتسفه الناس كباركم وتهونوا عليهم ، واياكم ومسألة الناس فانها آخر كسب المرء ، ولا تقيموا على نائحة فانى سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله نهى عن النائحة .
( اسد الغابة 4 : 220 ) .
( 2 ) في المصدر : وعلم من رويت .
( 3 ) في المصدر : فقال : من الحليم الذى لم تحل قط حبوته والحكيم الذى لم تنفد قط حكمته .
( 4 ) هو اكثم بن سيفى بن عبدالعزى ، ولما بلفه ظهور رسول الله صلى الله عليه وآله أرسل اليه رجلين يسألانه عن نسبه وماجاء به ، فأخبرهما وقرأ عليهما ( ان الله يأمر بالعدل والاحسان ) الاية فعادا إلى أكثم فأخبراه فقرءا عليه الاية ، فلما سمع اكثم ذلك قال : يا قوم أراه يأمر بمكارم الاخلاق وينهى عن ملائمها ، فكونوا في هذا الامر رؤساء ولا تكونوا أذنابا ، وكونوا فيه أولا ولا تكونوا فيه آخرا ، فلم يلبث أن حضرته الوفاة فاوصى اهله : اوصيكم بتقوى الله وصلة الرحم فانه لايبلى عليها أصل ولا يهتصر عليها فرع .
( اسد الغابة 1 : 112 ) .
وانما جوزنا بعض التطويل للاشارة إلى جلالة ابى طالب ، كفاه شرفا وفخرا كونه ناصر رسول الله ووالد اميرالمؤمنين عليهما الصلاة والسلام .
( 5 ) في المصدر : والسياسة .
( 6 ) المصدر نفسه : 101 .

[135]


عن الاميرأبي الفوارس الشاعر قال : حضرت مجلس الوزير يحيى بن هبيرة معي يومئذ جماعة من الاماثل وأهل العلم ، وكان في جملتهم الشيخ أبومحمد بن الخشاب اللغوي ( 1 ) و الشيخ أبوالفرج بن الجوزي وغيرهم ، فجرى حديث شعر أبي طالب بن عبدالمطلب فقال الوزير : ما أحسن شعره لوكان صدر عن إيمان ! فقلت : والله لاجيبن الجواب قربة إلى الله ، فقلت : يا مولانا ومن أين لك أنه لم يصدر عن إيمان ؟ فقال : لوكان صادرا عن إيمان لكان أظهره ( 2 ) ولم يخفه ، فقلت : لو كان أظهره لم يكن للنبي صلى الله عليه وآله ناصر ، قال : فسكت ولم يحر جوابا ، وكانت لي عليه رسوم فقطعها ، وكانت لي فيه مدائح في مسودات فغسلتها جميعا ( 3 ) .
[ بيان : رونق السيف : ماؤه وحسنه .
والشغب : تهييج الشر .
والمجانب : من كان في جنب الرجل والمباعد ، ضد .
واللزوب : اللصوق .
وحديث مرجم : لا يوقف على حقيقته .
والرجم : الظن .
والغضاضة : الذله والمنقصة .
وقوله : ( دينا ) تمييز مؤكد ، واستشهدوا بهذا البيت لذلك ( 4 ) .
وحريبة الرجل : ماله الذي سلبه أو ماله الذي يعيش به .
قولة : ( غير مدال ) كأن المعين : لا يغلب عله فيؤخذ منه .
والعيس بالكسر الابل البيض يخالط بياضها شقرة .
وقلصت الناقة قليصا : استمرت في مضيها .
والمصلات والمصلت : الرجل الماضي في الحوائج .
والانجاد : جمع نجد وهو الشجاع الماضي فيما يعجز غيه .
والطية بالكسر الضمير والنية والمنزل الذي انتواه .
والشرك بالتحريك جمع شركة وهي معظم الطريق ووسطه .
وسجم الدمع سجاما ككتاب سال .
وعرام الجيش كغراب حدهم وشدتهم وكثرتهم .
والغرام ، الولوع ، والشر الدائم ، والهلاك والعذاب .
والطغام بالفتح أو غار الناس ورذالهم .
والسر بالكسر جوف كل شئ ولبه ، ومحض النسب وأفضله .
كالسرار .
والغث : المهزول .
والطيش : النزق والخفة وذهاب العقل .

_________________________________________________________
( 1 ) في المصدر : النحوى اللغوى .
( 2 ) في المصدر : لاظهره .
( 3 ) المصدر نفسه : 116 ء 117 .
وفيه : فأبطلتها جميعا .
( 4 ) اى استشهد النحاة على مجئ التمييز مؤكدا ( ب ) .

[136]


وكنع يده : أشلها .
والصوب والتصوب : المجئ من علو .
وزاغت الشمس : أي مالت عن نصف النهار ، ( أو كادت ) أي قربت أن تميل .
والاقتم : الاسود كالاسحم ( 1 ) .
] 80 كا : محمد بن يحيى ، عن سعد بن عبدالله ، عن إبراهيم بن محمد الثقفي ، عن علي ابن المعلى ، عن أخيه محمد ، عن درست ، عن البطائني ، عن أبي بصير ، عن أبي عبدالله عليه السلام قال : لما ولد النبي صلى الله عليه وآله مكث أياما ليس له لبن فألقاه أبوطالب على ثدي نفسه فأنزل الله فيه لبنا فرضع منه أياما حتى وقع أبوطالب على حليمة السعدية ، فدفعه إليها ( 2 ) .
81 كا : الحسين بن محمد ، ومحمد بن يحيى ، عن أحمد بن إسحاق ، عن بكر بن محمد الازدي ، عن إسحاق بن جعفر ، عن أبيه عليه السلام قال : قيل له : إنهم يزعمون أن أبا طالب كان كافرا ! فقال : كذبوا كيف يكون كافرا وهو يقول : ألم تعلموا أنا وجدنا محمدا * نبيا كموسى خط في أول الكتب وفي حديث آخر كيف يكون أبوطالب كافرا وهو يقول : لقد علموا أن ابننا لامكذب * لدينا ولا يعبأ بقول الاباطل ( 3 ) وأبيض يستسقى الغمام بوجهه * ثمال اليتامى عصمة للارامل ( 4 ) 82 كا : علي ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن هشام بن الحكم ، عن أبي عبدالله عليه السلام قال : بيننا النبي صلى الله عليه وآله في المسجد الحرام وعليه ثياب جدد ( 5 ) ، فألقى المشركون

_________________________________________________________
( 1 ) لا يوجد هذا البيان في غير ( ك ) ويبعد كونه من المصنف كما يظهر للمتأمل .
وقد ذكرت في غير ( ك ) من النسخ رواية عن تفسير الامام في هذا المقام نوردها بعينها : م : عن الحسن بن علي العسكرى صلوات الله عليه ، عن آبائه عليهم السلام في حديث طويل يذكر ان الله تبارك وتعالى أوحى إلى رسوله : انى قد آيدتك بشيعتين : شيعة تنصرك سرا وشيعة تنصرك علانية ، فأما التى تنصرك سرا فسيدهم وأفضلهم أبوطالب ، واما التى تنصرك علانية فسيدهم وافضلهم ابنه على بن أبي طالب عليه السلام ، قال : وقال : ان أبا طالب كمؤمن آل فرعون يكتم ايمانه .
( 2 ) اصول الكافى 1 : 448 .
( 3 ) في المصدر : بقيل الاباطل .
( 4 ) اصول الكافى 1 : 448 .
( 5 ) في المصدر : له جدد .

[137]


عليه سلى ناقة ، فملؤوا ثيابه بها فدخله من ذلك ما شاء الله ، فذهب إلى أبي طالب فقا له : ياعم كيف ترى حسبي فيكم فقال : ما ذاك ( 1 ) يا ابن أخي ؟ فأخبره الخبر ، فدعا أبوطالب حمزة وأخذ السيف وقال لحمزة خذالسلى ، ثم توجه إلى القوم النبي صلى الله عليه وآله معه ، فأتى قريشا وهم حول الكعبة ، فلمارأوه عرفوا الشر في وجهه ، فقال لحمزة ( 2 ) أمر السلا على أسبلتهم ( 3 ) ، ففعل ذلك حتى أتى على آخرهم ، ثم التفت أبوطالب إلى النبي صلى الله عليه وآله فقال : يا ابن أخي هذا حسبك فينا ( 4 ) .
83 كا : علي ، عن أبيه ، عن ابن أبي نصر ، عن إبراهيم بن محمد الاشعري ، عن عبيد بن زرارة ، عن أبي عبدالله عليه السلام قال : لما توفي أبوطالب نزل جبرئيل عليه السلام على رسول الله صلى الله عليه وآله فقال : يا محمد اخرج من مكة فليس لك فيها ناصر ، وثارت ( 5 ) قريش بالنبي صلى الله عليه وآله فخرج هاربا حتى جاء إلى جبل بمكة يقال له الحجون فصار إليه ( 6 ) .
84 كا : حميد بن زياد ، عن محمد بن أيوب ، عن محمد بن زياد ، عن أسباط بن سالم ، عن أبي عبدالله عليه السلام قال : كان حيث طلقت ( 7 ) آمنة بنت وهب وأخذها المخاض بالنبي صلى الله عليه وآله حضرتها فاطمة بنت أسد امرأة أبي طالب ، فلم تزل معها حتى وضعت ، فقالت إحداهما للاخرى : هل ترين ما أرى ؟ فقالت : وما ترين ؟ قالت : هذا النور الذي قد سطح ( 8 ) ما بين المشرق والمغرب ، فبينما هما كذلك إذ دخل عليهما أبوطالب فقال لهما : مالكما ؟ من أي شئ تعجبان ؟ فأخبرته فاطمة بالنور الذي قدر أت ، فقال لها أبوطالب : ألا أبشرك ؟ فقالت : بلى ، فقال : أما إنك ستلدين غلاما يكون وصي هذا المولود ( 9 ) .

-بحار الانوار جلد: 31 من صفحه 137 سطر 18 إلى صفحه 145 سطر 18

_________________________________________________________
( 1 ) في المصدر : فقال له : وما ذاك اه .
( 2 ) في المصدر : ثم قال لحمزة .
( 3 ) في المصدر : سبالهم .
وقد مضى معناه .
( 4 ) اصول الكافى 1 : 449 .
( 5 ) الثور : الهيجان .
( 6 ) اصول الكافى 1 : 449 .
( 7 ) طلقت بكسر اللام أى أخذها الطلق وهو وجع المخاض .
( 8 ) أى انتشر .
( 9 ) روضة الكافى : 302 .

[138]


بيان : أبوطالب اسمه عبد مناف .
وقال صاحب كتاب عمدة الطالب : قيل : إن اسمه عمران وهي رواية ضعيفة رواها أبوبكر محمد بن عبدالله الطرسوسي النسابة ( 1 ) ، وقيل اسمه كنيته ، ويروى ذلك عن أبي علي محمد بن إبراهيم بن عبدالله بن جعفر الاعرج ( 2 ) ، وزعم أنه رأى خط أميرالمؤمنين عليه السلام ( وكتب علي بن أبوطالب ) ولكن حدثني تاج الدين محمد بن القاسم النسابة وجدي لامي محمد بن الحسين الاسدي إن الذي كان في آخر ذلك المصحف : ( علي بن أبي طالب ) ولكن الياء مشبهة بالواو في خط الكوفي ( 3 ) .
والصحيح أن اسمه عبد مناف وبذلك نطقت وصية أبيه عبدالمطلب حين أوصى إليه برسول الله صلى الله عليه وآله وهو قوله : أوصيك يا عبد مناف بعدى * بواحد بعد أبيه فرد انتهى ( 4 ) .
وقد أجمعت الشيعة على إسلامه وأنه قد آمن بالنبي صلى الله عليه وآله في أول الامر ، ولم يعبد صنما قط ، بل كان من أوصياء إبراهيم عليه السلام واشتهر إسلامه من مذهب الشيعة حتى أن المخالفين كلهم نسبوا ذلك إليهم ، وتواترت الاخبار من طرق الخاصة والعامة في ذلك

_________________________________________________________
( 1 ) في المصدر : العبسى الطرطوسى .
( 2 ) في المصدر : عبدالله بن جعفر الاعرج بن عبداله بن جعفر قتيل الحرة ابن ابى القاسم محمد ابن على بن ابى طالب النسابة ، وله كتاب مبسوط في علم النسب ، وزعم اه .
( 3 ) * أقول : قد زرت في المكتبة الشريفة الرضوية بمشهد الرضا عليه السلام كراسا من المصحف الشريف بالخط الكوفى وفى آخره : ( كتبه على بن أبى طالب ) ولعلها كانت من ذلك المصحف الذى شاهده تاج الدين ، ومحمد بن الحسين الاسدى والخط جيدمتقن غاية الاتقان بحيث لم يتغير صورة الحروف من اولها إلى آخرها اصلا ، لا شكلا ولا حجما ولادقة ولا غلظة ولا كبرا ولا صغرا فكأن الكاتب ولعله على بن ابيطالب عليه السلام على ما سمعت من صديق شيخنا اليهائى قده لذلك قد أشكل الحروف وسطر السطور بالمقياس والبر كار بحيث لا يفترق بين ( ن ) و ( ن ) و ( ك ) و ( ك ) كما في الطبعة الحروفية والمخلص : أن الوا وفى الخط الكوفى تشبه الياء شباهة تامة خصوصا اذا كان في آخر الكلمة كما أكثر حروفها كذلك ومن زار ذلك المصحف الشريف وزار ختامها عرف صدق ذلك عيانا ( ب ) .
( 4 ) عمدة الطالب في انساب آل أبى طالب : 5 و 6 .

[139]


وصنف كثير من علمائنا ومحدثينا كتابا مفردا في ذلك كما لايخفى على من تتبع كتب الرجال .
وقال ابن الاثير في كتاب جامع الاصول : وما أسلم من أعمام النبي صلى الله عليه وآله غير حمزة والعباس وأبي طالب عند أهل البيت عليهم السلام .
وقال الطبرسي رحمه الله : قد ثبت إجماع أهل البيت عليهم السلام على إيمان أبي طالب ، وإجماعهم حجة لانهم أحد الثقلين اللذين أمر النبي صلى الله عليه وآله بالتمسك بهما .
ثم نقل عن الطبري وغيره من علمائهم : الاخبار و الاشعار الدالة على إيمانه .
وقال يحيى بن الحسن بن بطريق في كتاب المستدرك بعد إيراد مامر ذكره في أحوال النبي صلى الله عليه وآله من إخبار الاحبار والرهبان بنبوته صلى الله عليه وآله وتأييد أبي طالب له في رسالته ، وأشعاره في تلك الامور ناقلا عن أكابر علمائهم ومؤرخيهم كابن إسحاق صاحب كتاب المغازي وغيره قال : فيدل على إيمانه أشياء : منها لما عرفه بحيرا الراهب أمره ، قال : إنه سيكون لابن أخيك هذا شأن ، فارجع به إلى موضعه واحفظه ، فلم يزل حافظا له إلى أن أعاده إلى مكة ، وقد ذكر ذلك في شعره وقال : إن ابن آمنة النبي محمدا * عندي بمثل منازل الاولاد فأقر بنبوته كماترى .
ومنها قوله لما رأى بحيرا الغمامة على رأس رسول الله صلى الله عليه وآله فقال فيه : فلما رآه مقبلا نحو داره * يوقيه حر الشمس ظلل غمام حنا رأسه شبه السجود وضمه * إلى نحره والصدر أي ضمام إلى أن قال : وذلك من أعلامه وبيانه * وليس نهار واضح كضلام فافتخاره بذلك وجعله من أعلامه دليل على إيمانه .
ومنها قوله في رجوعه من عند بحيرا وذكر اليهود : فما رجعوا حتى رأوا من محمد * أحاديث تجلو غم كل فؤاد

[140]


وحتى رأو أحبار كل مدينة * سجودا له من عصبة وفراد ( 1 ) .
وهذا من أدل دليل على فرحه وسروره بمعجزاته وأخباره .
ومنها : أنه أرسل إليه عقيلا وجاء به في شدة الحر لما شكوا منه وقال له : إن بني عمك هؤلاء قد زعموا أنك تؤذيهم في ناديهم ( 2 ) ومسجدهم .
فانته عنهم ، فقال صلى الله عليه وآله لهم : أترون هذه الشمس ؟ فقالوا : نعم ، فقال أنا بأقدر ( 3 ) على أن أدع ذلك منكم على أن تشعلوا منها شعلة فقال لهم أبو طالب : والله ما كذب ابن أخي قط فارجعوا عنه ، وهذا غاية التصديق .
ومنها قوله في جواب ذلك في أبياته : فاصدع بأمرك ما عليك غضاضة * وابشر وقر بذاك منك عيونا وهذا أمر له بإبلاغ ما أمره تعالى به على أشق وجه ، وقوله في تمام الابيات : ودعوتني وزعمت أنك ناصحي * ولقد صدقت وكنت قبل أمينا فصدقه في دعائه له إلى الايمان وكونه أمينا ، وهذا غاية في قبول أمره له .
وفيها بعد هذا البيت .
وعرضت دينا قد علمت بأنه * من خير أديان البرية دينا وهذا من أدل الدليل على إيمانه .
ومنها قوله : ألم تعلموا أنا وجدنا محمدا * نبيا .
.
.
.
) الابيات .
وهذا القول إيمان بلاخلاف .
أقول : ثم ذكر قصة الصحيفة إلى أن قال : فقال له أبوطالب : يا ابن أخي من حدثك بهذا ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وآله : أخبرني ربي بهذا ، فقال له عمه : إن ربك الحق وأنا أشهد أنك صادق .

_________________________________________________________
( 1 ) العصبة : الجماعة ( 2 ) النادى : المجلس .
( 3 ) على صيغة التفضيل ، وقوله ( منكم ) متعلق به .