[171]


يعكفن .
وفي القاموس : المطهم : السمين والتام من كل شئ ، وتطهم الطعام : كرهه ، وفلان يتطهم عنا : يستوحش ( 1 ) .
وحجرة القوم بالفتح ناحية دارهم ، والجمع : حجرات بالتحريك ، ومنه قولهم : دع عنك نهبا صيح في حجراته .
والغمغمة : أصوات الابطال في القتال كالمعمعة .
والحفائظ جمع الحفيظة وهي الغضب والحمية .
والكماة بالضم جمع الكمي وهو الشجاج المتكمي في سلاحه .
والاشائم جمع الاشأم .
والهذي : التكلم بغير معقول لمرض أو غيره ( 2 ) .
و القطف : قطع العنب عن الشجر ، استعير لقطع الرؤوس واللحى إشارة إلى أنه في غاية السهولة .
( من القوم مفضال ) مبتدء وخبر ، وكل منهما يحتمل كلا ؟ ! أو المبتدء مقدر أي هو من القوم .
أبي كفعيل أي يمتنع من المذلة والمغلبية ، وضمن معنى الغلبة والعلو فعدي بعلى .
وسوم تسويما : جعل عليه سيمة أي علامة ، وهو إشارة إلى خاتم النبوة ، ولا يخفى ما في هذا البيت من اللطف .
وقرع السن في الندامة مشهور .
والمضيمة مصدر ميمي من الضيم وهو الظلم .
والمطرد كمنبر رمح قصير .
وسن الرمح : ركب فيه سنانه .
ورهف السيف كمنع رققه كأرهفه .
والبكار بالكسر جمع البكرة بالفتح وهي الفتية من الابل والغيل بالكسر الاجمة وموضع الاسد .
والفنيق كأمير الفحل المكرم لايؤذى لكرامته .
وفي القاموس : ذببنا ليلتنا تذبيبا : أتعبنا في السير .
و راكب مذبب كمحدث عجل منفرد ( 3 ) .
والنهاب بالكسر جمع النهب وهو الغنيمة ، والوتيرة : الدخل وهو مكافاة الجناية وطلب الثار وفي بعض النسخ بالمثلثة ، جمع الوثيرة وهي السمينة الموافقة للمضاجعة ، وهو بعيد .
والخنفقيق كقندفير السريعة جدا ، من النوق والظلمان ، وحكاية جري الخيل ، وهو مشي في اضطراب ، كذا في القاموس ( 4 ) .

_________________________________________________________
( 1 ) القاموس 4 : 145 .
( 2 ) اشارة إلى قوله : ( إمانيكم هذى كأحلام نائم ) والظاهر أن ( هذى ) اسم اشارة كهذه وهو كثير الاستعمال لا سيما في الشعر ، واما الهذى بمعنى التكلم بغير معقول فلا يناسب بالاماتى ، فانها ليست من مقولة التكلم .
( 3 ) القاموس 1 .
67 .
( 4 ) 3 : 227 .
اقول : الظلمان جمع الظليم : الذكر من النعام .

[172]


وفي الصحاح : الخنفقيق : والداهية ، والخفيفة من النساء السريعة الجريئة ( 1 ) .
وقال : الصعر : الميل في الخد خاصة ، وقد صعر خده وصاعره أي أماله من الكبر ، قال الشاعر : وكنا إذا الجبار صعر خده * أقمنا له من درئه فتقوما ( 2 ) .
وحرضه تحريضا : حثه .
والشغب : تهييج ( 3 ) .
والقرم بالفتح السيد .
و الارومة بالفتح والضم الاصل .
والخضم .
بكسر الخاء وفتح الضاد وشد الميم السيد الحمول المعطاء ، والبحر والسيف القاطع .
وفي القاموس : الهشم : كسر الشئ اليابس ، وهاشم أبوعبدالمطلب واسمه عمرو لانه أول من ثرد الثريد وهشمه ( 4 ) .
وقال ربك الثريد : أصلحه ، والربيكة : عملها .
وهي أقط بتمر وسمن وربما صب عليه ماء فشرب ( 5 ) والعنجد : ضرب من الزبيب والمأزم ويقال المأزمان مضيق بين جمع وعرفة ، وآخر بين مكة ومنى ، قاله في القاموس ( 6 ) .
وقال : العربد كقرشب وتكسر الباء الشديد من كل شئ ، وكزبرج الحية والارض الخشنه ( 7 ) .
وقال : النجيع من الدم ما كان إلى السواد ، أودم الجوف ( 8 ) .
والعرين كأمير مأوى الاسد يقال : ليث عرينة والتوقد : كنايه عن شدة الغضب ، والتوقد : الحدة والمضي في الامر ، ويحتمل الفاء أيضا من التوفد وهو الاشراف والمستوفد : المستوفز .
وفي القاموس : الجأش : رواع القلب إذا اضطرب عند الفزع ، ونفس الانسان ، وقد لايهمز ( 9 ) .
وقال : سلقه بالكلام آذاء وفلانا : طعنه ( 10 ) والغرة من القوم : شريفهم .
والنعائم من منازل القمر .
والنثرة

_________________________________________________________
( 1 ) الصحاح : ج 4 ص 147 .
( 2 ) الصحاح : ج 2 ص 712 .
ويقال : قومت درءه أى قومت اعوجاجه .
( 3 ) كذا .
والصحيح : تهييج الشر كما مرفى ص 135 .
( 4 ) القاموس 4 : 190 .
( 5 ) القاموس 3 : 303 .
والاقط : الجبن .
( 6 ) القاموس 4 : 74 .
( 7 ) القاموس 1 : 314 .
( 8 ) القاموس 3 : 87 .
( 9 ) القاموس 2 : 264 .
( 10 ) القاموس 3 : 245 .

[173]


كوكبان بينهما قدر شبر وفيهما لطخ بياض كأنه قطعة سحاب وهي أنف الاسد .
وفي الصحاح : غلام خليع بين الخلاعة - بالفتح - وهو الذي قد خلعه أهله ، فإن جنى لم يطلبوا بجنايته ( 1 ) ، وبالجيم : قلة الحياء التكلم بالفحش ، والاخير أنسب والاول أشهر .
مالم يحاول - على المجهول - أي لم يقصد .
وسائر الابيات قدمر شرح بعضها و سيأتي شرح باقيها إن شاء الله .
وفي القاموس : أشبل عليه : عطف وأعانه ( 2 ) .
وقال ، خبطه يخبطه : ضربه شديدا ، والقوم بسيفهم : جلدهم ( 3 ) .
وقد مضى شرح لغات خبر الاستسقاء في المجلد السادس ( 4 ) .
و النواجذ - بالذال المعجمة - أقصى الاضراس .
] وقال السيد المرتضى في كتاب الفصول ناقلا عن شيخه المفيد قدس سره أنه قال : مما يدل على إيمان أبي طالب إخلاصه في الود لرسول الله صلى الله عليه وآله والنصرة له بقلبه ويده ولسانه وأمره ( 5 ) ولديه عليا وجعفرا باتباعه ، وقوله رسول الله صلى الله عليه وآله فيه عند وفاته : ( وصلتك رحم وجزيت خيرا ياعم ) فدعاله ، وليس يجوز أن يدعو بعد الموت لكافر ولا يسأل ( 6 ) الله عز وجل له خيرا ، ثم أمره عليا عليه السلام خاصة من بين أولاده الحاضرين بتغسيله وتكفينه وتوريته ( 7 ) دون عقيل ابنه وقد كان حاضرا ، ودون طالب أيضا ، ولم يكن من أولاده من قدآمن في تلك الحال إلا أميرالمؤمنين عليه السلام وجعفر ، وكان جعفر غائبا في بلاد الحبشة ، فلم يحضر من أولاده مؤمن ( 8 ) إلا أميرالمؤمنين عليه السلام فأمره بتولي ( 9 ) أمره دون من لم يكن على الايمان ، ولو كان كافرا لما أمر ابنه المؤمن بتوليه ( 10 ) ولكان الكافر أحق به ،

_________________________________________________________
( 1 ) الصحاح ج 3 س 1205 .
( 2 ) القاموس 3 : 399 .
( 3 ) القاموس 2 : 356 .
( 4 ) راجع ج 18 ص 1 - 4 .
( 5 ) في المصدر : وامره ولديه .
( 6 ) في المصدر : وليس يجوز ان يدعو رسول الله صلى الله عليه وآله بعد موت الكافر ولا أن يسأل الله اه .
( 7 ) ورى تورية الشئ : أخفاه .
والمرادهنا الدفن .
( 8 ) في المصدر : من هو مؤمن .
( 9 ) في المصدر : فأمره ان يتولى أمره .
( 10 ) في المصدر : بتولية أمره .

[174]


مع أن الخبر قد ورد على الاستفاضة بأن جبرئيل عليه السلام نزل على رسول الله صلى الله عليه وآله عند موت أبي طالب فقال له : يا محمد إن ربك يقرؤك السلام ويقول لك : اخرج من مكة فقد مات ناصرك .
وهذا يبرهن عن إيمانه لتحققه بنصرة رسول الله صلى الله عليه وآله ( 1 ) .
ويدل على ذلك قوله لعلي عليه السلام حين رآه يصلي مع رسول الله صلى الله عليه وآله : ما هذا يا بني ؟ فقال : دين ( 2 ) دعاني إليه ابن عمي ، فقال له : اتبعه فإنه لا يدعو ( 3 ) إلا إلى خير ، فاعترف بصدق رسول الله صلى الله عليه وآله وذلك حقيقة الايمان .
وقوله وقدمر على أميرالمؤمنين عليه السلام ثانيه ( 4 ) وهو يصلي عن ( 5 ) يمين رسول الله صلى الله عليه وآله ومعه جعفر ابنه فقال له : يا بني صل جناح ابن عمك ، فصلى جعفر معه ، وتأخر أمير المؤمنين عليه السلام حتى صار هو وجعفر خلف رسول الله صلى الله عليه وآله فجاءت الرواية بأنها ( 6 ) أول صلاة جماعة صليت في الاسلام ، ثم أنشأ أبوطالب يقول : ( إن عليا وجعفرا ثقتي ) الابيات ، فاعترف بنبوة النبي صلى الله عليه وآله اعترافا صريحا في قوله : ( والله لا أخذل النبي ) ولا فصل بين أن يصف رسول الله بالنبوة في نظمه وبين أن يقر بذلك في نثر كلامه ، ويشهد عليه من حضره .
ومما يدل على ذلك أيضا قوله في قصيدته اللامية ( ألم تعلموا أن ابننا لا مكذب ) الابيات ، فشهد بتصديق رسول الله صلى الله عليه وآله شهادة ظاهرة لا تحتمل تأويلا ، ونفى عنه الكذب على كل وجه ، وهذا هو حقيقة الايمان .
ومنه قوله : ألم يعلموا أن النبي محمدا * رسول أمين خط في أول الكتب ( 7 ) وهذا إيمان لا شبهة فيه لشهادته له برسول الله صلى الله عليه وآله ( 8 ) ، وقد روى أصحاب السير أن أبا طالب رحمه الله لما حضرته الوفاة اجتمع إليه أهله فأنشأ يقول :

_________________________________________________________
( 1 ) في المصدر : بنصرة الرسول صلى الله عليه وآله .
( 2 ) في المصدر فقال : هذا دين .
( 3 ) في المصدر : فانه دين لا يدعوك اه .
( 4 ) ليست في المصدر كلمة ( ثانية ) .
( 5 ) ليست في المصدر كلمة ( عن ) .
( 6 ) في المصدر : انها .
( 7 ) في المصدر : في سالف الكتب .
( 8 ) في المصدر : في الايمان برسول الله صلى الله عليه وآله .

[175]


اوصي بنصر النبي الخير مشهده * عليا ابني وشيخ القوم عباسا
وحمزة الاسد الحامي حقيقته * وجعفرا أن يذودوا دونه الناسا
كونوافدى لكم امي وما ولدت * في نصر أحمد دون الناس أتراسا
فأقر للنبي صلى الله عليه وآله بالنبوة عند الاحتضار ( 1 ) واعترف له بالرسالة قبل مماته ، وهذا يزيل الريب ( 2 ) في إيمانه بالله عزوجل وبرسوله صلى الله عليه وآله وتصديقه له وإسلامه ( 3 ) .
ومنه قوله رحمه الله المشهور عن بين أهل المعرفة ، وأنت إذا التمسته وجدته في غير موضع من المصنفات ، وقد ذكره الحسن بن بشر الآمدي في كتاب ملح القبائل :
ترجون أن نسخي بقتل محمد ( 4 ) * ولم تختضب سن العوالي من الدم
كذبتم ورب البيت حتى تفلقوا ( 5 ) * جماجم تلقى بالحطيم وزمزم
وتقطع أرحام وتنسى حليلة * حليلا ويغشى محرم بعد محرم ( 6 )
وينهض قوم في الحديد إليكم * يذودون عن أحسابهم كل مجرم
على ما أتى من بغيكم وضلالكم * وغشيانكم في أمرنا كل مأثم
بظلم نبي جاء يدعو إلى الهدى * وأمرأتى من عند ذي العرش مبرم
فلا تحسبونا مسلميه ومثله * إذا كان في قوم فليس بمسلم
فهذي معاذير مقدمة لكم ( 8 ) لئلايكون الحرب قبل التقدم
وهذا أيضا صريح في الاقرار بنبوة رسول الله صلى الله عليه وآله كالذي قبله على ما بيناه .
وقد قال في قصيدته اللامية ما تدل على ما وصفناه في إخلاصه في النصرة حيث يقول :

_________________________________________________________
( 1 ) في المصدر : عند احتضاره .
( 2 ) في المصدر : وهذا امر يزيل ابريب اه .
( 3 ) في المصدر : وبتصديقه وباسلامه .
( 4 ) في المصدر : أترجون اه .
( 5 ) كذا في ( ك ) وفى غيره من نسخ الكتاب ( حتى تعرفوا ) وفى المصدر حتى تفرقوا راجع ص 159 .
( 6 ) قد سقط هذا البيت من المصدر .
( 7 ) في المصدر : في الحديث .
وهو سهو .
( 8 ) في المصدر : وتقدمة لكم .

[176]


كذبتم وبيت الله نبزي محمدا ( 1 ) * ولما نطاعن دونه ونقاتل ( 2 )
ونسلمه حتى نصرع دونه * ونذهل عن أبنائنا والحلائل
فإن تعلقوا بما يؤثر عنه من قوله لرسول الله صلى الله عليه وآله .
والله لا وصلوا إليك بجمعهم * حتى اغيب في التراب دفينا
فامض لامرك ما عليك غضاضة ( 3 ) * أبشر بذاك وقر منك عيونا ( 4 )
لولا المخافة أن يكون معرة * لوجدتني سمحا بذاك قمينا ( 5 )
ودعوتني وزعمت أنك ناصح * ولقد صدقت وكنت ثم أمينا
فقالوا : هذا الشعر يتضمن أنه لم يؤمن برسول الله صلى الله عليه وآله ولم يسمح له في الاسلام ( 6 ) والاتباع خوف المعرة والتسفيه وكيف ( 7 ) يكون مؤمنا مع ذلك ؟ فإنه يقال لهم : إن أبا طالب لم يمتنع من الايمان برسول الله صلى الله عليه وآله في الباطن والاقرار بحقه من طريق الديانة : وإنما امتنع من إظهار ذلك لئلا تسفهه قريش وتذهب رئاسته ، ويخرج من كان منها متبعا له ( 8 ) عن طاعته ، وينخرق ( 9 ) هيبته عندهم ، فلا يسمع له قول ولا يمتثل له أمر ، فيحول ذلك بينه وبين مراده من نصرة رسول الله صلى الله عليه وآله ولا يتمكن من غرضه في الذب عنه ، فاستسر ( 10 ) بالايمان وأظهر منه ما كان يمكنه إظهاره على وجه الاستصلاح ، ليصل بذلك إل بناء الاسلام وقوام الدعوة واستقامة أمر رسول الله صلى الله عليه وآله ، وكان في ذلك كمؤمني أهل الكهف الذين أبطنوا الايمان وأظهروا ضده للتقية والاستصلاح

_________________________________________________________
( 1 ) في المصدر : نسلم احمدا .
( 2 ) في المصدر : ونناضل .
( 3 ) كذا في ( ك ) : وفى غيره من النسخ وكذا المصدر : فامض ابن اخ .
( 4 ) في المصدر : وقرفيه عيونا .
( 5 ) في المصدر : مبينا .
وقد ذكر فيه هذا البيت بعد البيت التالى .
( 6 ) في المصدر : بالاسلام .
( 7 ) في المصدر : فكيف .
( 8 ) في المصدر : ويخرج منها من كان متبعا اه .
( 9 ) في المصدر : ويتمزق .
( 10 ) في المصدر : فاستتر .

[177]


فآتاهم الله أجرهم مرتين .
والدليل على ما ذكرناه في أمر أبي طالب رحمه الله قوله في هذا الشعر بعينه :
ودعوتني وزعمت أنك ناصح * ولقد صدقت وكنت ثم أمينا
فشهد بصدقه واعترف بنبوته وأقر بنصحه ، وهذا محض الايمان على ما قدمناه .
انتهى كلامه رحمه الله ( 1 ) .
وقال السيد فخار بعد إيراد الاخبار التي أوردنا بعضها : وأما ما ذكره المخالفون من أن النبي صلى الله عليه وآله كان يحب عمه أبا طالب ويريد منه أن يؤمن به وهو لا يجيبه إلى ذلك ، فأنزل الله تعالى في شأنه : ( إنك لا تهدي من أحببت ( 2 ) ) فإنه جهل بأسباب النزول ، وتحامل ( 3 ) على عم الرسول ، لان لهذه الآية ونزولها عند أهل العلم سببا معروفا وحديثا مأثورا ، وذلك أن النبي صلى الله عليه وآله ضرب بحربة في خده يوم حنين فسقط إلى الارض ، ثم قام وقد انكسرت رباعيته والدم يسيل على حر وجهه ، فمسح وجهه ثم قال : اللهم اهد قومي فإنهم لا يعلمون ، فنزلت الآية ، ووقعة حنين كانت بعد هجرة النبي صلى الله عليه وآله بثلاث سنين ، والهجرة كانت بعد موت أبي طالب رحمه الله .
وقد روي لنزولها سبب آخر ، وهو أن قوما ممن كانوا أظهروا الايمان بالنبي صلى الله عليه وآله تأخروا عنه هجرته ( 4 ) وأقاموا بمكة وأظهروا الكفر والرجوع إلى ما كانوا عليه ، فبلغ خبرهم إلى النبي صلى الله عليه وآله والمسلمين ، فاختلفوا في تسميتهم بالايمان ، فقال فريق من المسلمين ، هم مؤمنون وإنما أظهروا الكفر اضطرارا إليه ، وقال آخرون : بل هم كفار وقد كانوا قادرين على الهجرة والاقامة على الايمان ، فاجتمعوا إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وكان
-بحار الانوار جلد: 31 من صفحه 177 سطر 19 إلى صفحه 185 سطر 18 أشراف القوم يريدون منه أن يحكم لهم بالايمان لارحام بينهم وبينهم ، فأحب رسول الله أن ينزل ما يوافق محبة الاشراف من قومه لتألفهم ، فلما سألوه عن حالهم قال : حتى يأتيني الوحي في ذلك ، فأنزل الله في ذلك ( إنك لاتهدي من أحببت ) يريد : أنك لا

_________________________________________________________
( 1 ) الفصول المختارة 2 : 72 - 75 .
( 2 ) القصص : 56 .
( 3 ) تحامل على فلان : جار عليه ولم يعدل .
( 4 ) في ( ح ) والمصدر : عندهم هجرته .

[178]


تحكم ولا تسمي ولا تشهد بالايمان لمن أحببت ولكن الله يحكم له ويسميه إذا كان مستحقا له ، وهذا أيضا كان بعد موت أبي طالب بسنين ( 1 ) .
وأيضا هذه الآية إذا تأملها المنصف تبين له أن نزولها في أبي طالب باطل من وجوه : أحدها أنه لايجوز في حكمة الله تعالى أن يكره هداية أحد من عباده ولا أن يحب له الضلالة ، كما لا يجوز في حكمته أن يأمر بالضلال وينهى عن الهدى والرشاد .
والآخر أنه إذا كان الله تعالى قد أخبر في كتابه أن النبي صلى الله عليه وآله كان يحب عمه أبا طالب في قوله : ( إنك لاتهدي من أحببت ) فقد ثبت حينئذ أن أبا طالب كان مؤمنا ، لان الله تعالى قد نهى عن حب الكافرين في قوله : ( لا تجد قوما يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الل ورسوله ( 2 ) .
والآخر أنه إذا ثبت أن هذه الآية نزلت في أبي طالب فهي دالة على فضل أبي طالب وعلى مرتبته ( 3 ) في الايمان والهداية ، وذلك أن هداية أبي طالب كانت من الله تعالى دون غيره من خلقه ، وهو كان المتولي لها ، وكان تقديره : أن أبا طالب الذي تحبه لم تهده يا محمد أنت بنفسك بل الله الذي تولى هدايته ، فسبقت هدايته الدعوة له ، وهذا أولى مما ذكروه ، لعدم اشتماله على ارتكاب النبي صلى الله عليه وآله ما نهي عنه من حب الكافرين ( 4 ) .
أقول : لقد أطنب رحمة الله عليه في رد أخبارهم الموضوعة وأجاد ، وأورد كثيرا من القصص والاخبار والاشعار فليرجع إلى كتابه من أراد ، وإنما جوزنا هناك بعض التطويل والتكرار لكون هذا المطلوب من مهمات مقاصد الاخبار ، ولنذكر هنا قصة غريبة أوردها السيد فخار رحمه الله ، قال : ولقد حكى الشيخ أبوالحسن علي بن أبي المجد الواعظ الواسطي بها في شهر رمضان سنة تسع وتسعين وخمسمائة عن والده قال : كنت أروي أبيات أبي طالب رضي الله عنه هذه القافية وانشد قوله فيها .

_________________________________________________________
( 1 ) في ( ك ) بسنتين .
( 2 ) المجادلة : 22 .
( 3 ) في ( ك ) : وعلو مرتبته .
( 4 ) الحجة على الذاهب إلى تكفير أبي طالب : 29 - 31 .

[179]


بكف الذي قام في حينه ( 1 ) * إلى الصابر الصادق المتقي فرأيت في نومي ذات ليلة رسول الله صلى الله عليه وآله جالسا على كرسي وإلى جانبه شيخ عليه من البهاء ما يأخذ بمجامع القلب ، فدنوت من النبي صلى الله عليه وآله فقلت : السلام عليك يا رسول الله فرد علي السلام ، ثم أشار إلى الشيخ وقال : ادن من عمي فسلم عليه ، فقلت : أي أعمامك هذا يا رسول الله ؟ فقال : هذا عمي أبوطالب ، فدنوت منه وسلمت عليه ثم قلت له ، ياعم رسول الله إني أروي أبياتك هذه ( 2 ) القافية واحب أن تسمعها مني ، فقال : هاتها فأنشدته إياها إلى أن بلغت : بكف الذي قام في حينه ( 3 ) * إلى الصائن الصادق المتقي فقال : إنما قلت أنا ( إلى الصابر الصادق المتقي ) بالراء ولم أقل بالنون ، ثم استيقظت ( 4 ) .
أقول : قال في الفصول المهمة : امه عليه السلام فاطمة بنت أسد بن هاشم بن عبد مناف تجتمع هي وأبوطالب في هاشم ، ثم أسلمت وهاجرت مع النبي صلى الله عليه وآله وكانت من السابقات إلى الايمان ، بمنزلة الام من النبي صلى الله عليه وآله فلما ماتت كفنها النبي صلى الله عليه وآله بقميصه وأمر اسامة بن زيد وأبا أيوب الانصاري وعمر وغلاما أسود فحفروا قبرها ، فلما بلغوا لحدها حفره النبي صلى الله عليه وآله بيده ( 5 ) وأخرج ترابه ، فلما فرغ رسول الله صلى الله عليه وآله ( 6 ) اضطجع فيه وقال : ( الله الذي يحيي ويميت وهو حي لا يموت ، اللهم اغفر لامي فاطمة بن أسد ولقنها حجتها ، ووسع عليها مدخلها بحق نبيك محمد والانبياء الذين من قبلي فإنك أرحم الراحمين ) فقيل : يا رسول الله رأيناك صنعت شيئا لم تكن تصنعه ( 7 ) بأحد قبلها ، فقال صلى الله عليه وآله : ألبستها ( 8 ) قميصي لتلبس من ثياب الجنة ، واضطجعت في قبرها ليخفف

_________________________________________________________
( 1 و 3 ) في المصدر : في جنبه .
( 2 ) ليست كلمة ( هذه ) في المصدر .
( 4 ) الحجة على الذاهب : 53 .
( 5 ) في المصدر : حفره رسول الله صلى الله عليه وآله .
( 6 ) ليست كلمة ( رسول الله ) في المصدر .
( 7 ) في المصدر : وضعت شيئا لم تكن تصعه اه .
( 8 ) في ( ك ) فقال صلى الله عليه وآله : مه ألبستها اه .

[180]


عنها من ضغطة القبر ( 1 ) ، إنها كانت من أحسن خلق الله صنيعا إلي بعد أبي طالب ( 2 ) .
أقول : قد مضى بعض الاخبار في فضلهما وأحوالهما في أبواب كتاب أحوال النبي صلى الله عليه وآله وباب ولادة أميرالمؤمنين عليه السلام .
يل ، فض : لما ماتت فاطمة بنت أسد ( 3 ) أقبل علي بن أبي طالب عليه السلام باكيا ( 4 ) فقال له النبي صلى الله عليه وآله : ما يبكيك لا أبكى الله عينك ( 5 ) ؟ قال : توفيت والدتي ( 6 ) يا رسول الله فقال له النبي صلى الله عليه وآله : بل ووالدتي ( 7 ) يا علي فلقد كانت تجوع أولادها وتشبعني وتشعث أولادها وتدهنني ، والله لقد كان ( 8 ) في دار أبي طالب نخلة فكانت تسابق إليها من الغداة لتلتقط ( 9 ) ثم تجنيه رضي الله عنها وإذا خرجوا ( 109 بنو عمي تناولني ذلك .
ثم نهض صلى الله عليه وآله فأخد ( 11 ) في جهازها وكفنها بقميصه ، ، وكان في حال تشييع جنازتها يرفع قدما ويتأني في رفع الآخر وهو حافي القدم ، فلما صلى عليها كبر سبعين تكبيرة ، ثم لحدها في قبرها ( 12 ) بيده الكريمة بعد أن نام في قبرها ، ولقنها الشهادة ( 13 ) ، فلما اهيل ( 14 ) عليها

_________________________________________________________
( 1 ) ضغطة القبر : تضييقه على الميت .
( 2 ) الفصول المهمة : 13 .
وفيه : من أحسن خلق الله صنفا .
( 3 ) في المصدرين : لما ماتت فاطمة بنت اسد والدة اميرالمؤمنين عليه السلام .
( 4 ) في الصمدرين : وهو باك .
( 5 ) في الصمدرين : لا ابكى الله لك عينا .
وفى ( م ) و ( ح ) عينيك .
( 6 ) في الفضائل : امى .
( 7 ) في الفضائل : امى .
( 8 ) في الصمدرين : لقد كانت .
( 9 ) كذا في نسخ الكتاب ، وفيه اختصار وفى الفضائل : كنا نتسابق إليها من الغداة لنلتقط ما يقع منها في الليل ، وكانت تأمر جاريتها وتلتقط ما تحتها من الغلس ، ثم تجنبه اه وفى الروضة لتلقط ما يقع منها في الليل ، وكانت تأمر جاريتها فتلتقط ما يقع الغلس ، ثم تجنيه اه .
اقول : الغلس - بفتح الغين واللام - ظلمة آخر الليل .
( 10 ) في الفضائل : فيخرج بنو عمى فتناولنى اه .
وفى الروضة : فاذا خرج بنو عمى اه .
( 11 ) في الصمدرين : وأخذ .
( 12 ) في الفضائل : ثم وسدها في اللحد .
( 13 ) في الصمدرين : ولقنها الشهادتين .
( 14 ) هال عليه التراب : صبه .