[241]
( مسكينا ) من مساكين المسلمين ( ويتيما ) من يتامى المسلمين ( وأسيرا ) من اسارى المشركين
ويقولون إذا أطعموهم : ( إنما نطعمكم لوجه الله لا نريد منكم جزاء ولا شكورا ) قال :
والله ما قولوا هذا لهم ولكنهم أضمروه في أنفسهم فأخبرالله بإضمارهم ، يقولون : لا نريد
جزاء تكافوننا به ولا شكورا تثنون علينا به ، ولكن إنما أطعمناكم لوجه الله وطلب ثوابه
قال الله تعالى ذكره ( فوقاهم الله شر ذلك اليوم ولقاهم نضرة ) في الوجوه ( وسرورا ) في
القلوب ( وجزاهم بما صبروا جنة ) يسكونها ( وحريرا ) يفترشونه ويلبسونه ( متكئين
فيها على الارائك ) والاريكة : السرير عليه الحجلة ( لا يرون فيها شمسا ولا زمهريرا )
قال ابن عباس : فبينا أهل الجنة في الجنة إذا رأوا مثل الشمس قد أشرقت لها الجنان ،
فيقول أهل الجنة : يا رب إنك قلت في كتابك : ( لايرون فيها شمسا ) ؟ ! فيرسل الله جل
اسمه إليهم جبرئيل فيقول : ليس هذه بشمس ولكن عليا وفاطمة ضحكا فأشرقت الجنان من
نور ضحكهما ، ونزلت ( هل أتى ) فيهم إلى قوله تعالى : ( وكان سعيكم مشكورا ( 1 ) ) .
2 - قب : روى أبوصالح ومجاهد والضحاك والحسن وعطاء وقتادة ومقاتل والليث
وابن عباس وابن مسعود وابن جبير وعمرو بن شعيب والحسن بن مهران والنقاش والقشيري
والثعلبي والواحدي في تفاسيرهم ، وصاحب أسباب النزول والخطيب المكي في الاربعين
وأبوبكر الشيرازي في نزول القرآن في أميرالمؤمنين ، والاشنهي في اعتقاد أهل السنة ،
وأبوبكر محمد بن أحمد بن الفضل النحوي في العروس في الزهد ، وروى أهل البيت عن لاصبغ
بن نباتة وغيره عن الباقر عليه السلام واللفظ له ، ثم ساق الحديث إلى قوله : وأصبحوا مفطرين
ليس عندهم شئ ، ثم قال : فرآهم النبي صلى الله عليه وآله جياعا فنزل جبرئيل ومعه صحفة ( 2 ) من
-بحار الانوار جلد: 31 من صفحه 241 سطر 19 إلى صفحه 249 سطر 18
الذهب ، مرصعة بالدر والياقوت ، مملوءة من الثريد وعراق يفوح منه رائحة المسك والكافور
فجلسوا وأكلوا حتى شبعوا ، ولم تنقص منها لقمة واحدة ، وخرج الحسين عليه السلام ومعه
قطعة عراق ، فنادته امرأة يهودية : يا أهل بيت الجوع من أين لكم هذا ؟ أطعمنيها ، فمد
يده الحسين ليطعمها فهبط جبرئيل وأخذها من يده ، ورفع الصحفة إلى السماء ، فقال النبي
_________________________________________________________
( 1 ) امالى الصدوق : 155 - 157 .
( 2 ) الصحفة قصعة كبيرة منبسطة تشبع الخمسة .
[242]
صلى الله عليه وآله : لولا ما أراد الحسين من إطعام الجارية تلك القصعة لتركت ( 1 ) تلك
الصحفة في أهل بيتي يأكلون منها إلى يوم القيامة لا تنقص لقمة ، ونزل ( 2 ) ( يوفون بالنذر )
وكانت الصدقة في ليلة خمس وعشرين من ذي الحجة ، ونزل ( 3 ) هل أتى في يوم الخامس
والعشرين منه ( 4 ) .
بيان : قال الجوهري : الجزة : صوف شاة في السنة ، انتهى .
وقوله عليه السلام :
( دهين ) كناية عنا النضارة والطراوة كأنه صب عليه الدهن ، ويقال : قوم مدهنون : عليهم
آثار النعم .
واللؤم - بالضم مهموزا - الشح .
وقال الجوهري : قولهم : لئيم راضع أصله
زعموا رجل كان يرضع إبله أو غنمه ولايحلبها لئلا يسمع صوت حلبه فيطلب منه ، ثم قالوا :
رضع الرجل - بالضم - كأنه كالشئ يطبع عليه ، وفي بعض الروايات : ولا ضراعة ،
وهي الذل والاستكانة والضعف .
والزنيم : اللئيم الذي يعرف بلؤمه .
والاشبال : جمع الشبل
وهو ولد الاسد .
والكبل : القيد .
وقال الجزري : القديد : اللحم المملوح المجفف في
الشمس ، وفي حديث الاوزاعي : لا يسهم من الغنيمة للعبد والاجير ولا القديديين ، قيل :
هو من التقدد : التقطع والتفرق لانهم يتفرقون في البلاد للحاجة وتمزق ثيابهم ،
وقال الفيروز آبادي : نكد عيشهم - كفرح - اشتد وعسر ، والبئر : قل ماؤها ، ونكد
الغراب - كنصر - استقصى في شحيجه ، وفلانا : منعه ما سأله ، أقول : فظهر أنه يمكن
أن يقرء على المعلوم والمجهول وإن كان الاول أظهر .
والدبر : الجرح الذي يكون في
ظهر البعير ، يقال : دبر البعير - بالكسر - والمراد هنا الجرح وصلابة اليد من العمل .
ورجل عبل الزراعين أي ضخمهما .
قوله : ( يقول عابسا كلوحا ) الكلوح : العبوس ، ولعله
كان تفسير قوله تعالى : ( يوما عبوسا قمطريرا ) فاشتبه على الراوي ويحتمل أن يكون
المراد أن هذا اليوم هو ذلك اليوم الذي سيوصف بعد ذلك بالعبوس .
قوله ( على شهوتهم )
هذا أحد الوجهين اللذين ذكرهما المفسرون ، والوجه الآخر أن يكون المعنى : على
_________________________________________________________
( 1 ) في المصدر : تلك القطعة لتركت .
( 2 و 3 ) في المصدر : ونزلت .
( 4 ) مناقب آل ابى طالب 2 : 124 .
[243]
حب الله ؟ وقيل : على حب الاطعام ، والعرق - بالفتح - العظم الذي اخذ عنه معظم اللحم ،
والجمع : عراق - بالضم - وهذا الجمع نادر ، ولعل المعنى هنا العضو الذي يصير بعد
الاكل عراقا مجازا ، يقال : عرقت اللحم واعترقته وتعرقته : إذا أخذت عنه اللحم
بأسنانك .
3 - فس : قوله تعالى : ( ويطعمون الطعام ) حدثني أبي عن القداح عن أبي عبدالله
عليه السلام قال : كان عند فاطمة عليها السلام شعير فجعلوه عصيدة ، فلما أنضجوها ( 1 ) ووضعوها
بين أيديهم جاء مسكين فقال المسكين : رحمكم الله أطعمونا مما رزقكم الله ، فقام علي عليه السلام
فأعطاه ثلثها ، ولم يلبث ( 2 ) أن جاء يتيم فقال اليتيم رحمكم الله ( 3 ) ، فقام علي عليه السلام فأعطاه
ثلثها ، ثم جاء أسير ( 4 ) فقال : الاسير رحمكم الله ، فأعطاه علي عليه السلام الثلث الباقي ( 5 ) ،
وما ذاقوها ، فأنزل الله فيهم هذه الآية إلى قوله : ( وكان سعيكم مشكورا ) وهي جارية
في كل مؤمن فعل مثل ذلك ( 6 ) .
4 - يج : روي أن الحسن والحسين مرضا فنذر علي وفاطمة والحسن والحسين
عليهم السلام صيام ثلاثة أيام فلما عافاهما الله - وكان الزمان قحطا - أخذ علي من يهودي
ثلاث جزات صوفا ، لتغزلها فاطمة عليها السلام وثلاثة أصواع شعيرا ، فصاموا ، وغزلت فاطمة
جزة ثم طحنت صاعا من الشعير فخبزته ، فلما كان عند الافطار أتى مسكين فأعطوه طعامهم
ولم يذوقوا إلا الماء ، ثم غزلت جزة اخرى من الغدثم طحنت صاعا فخبزته ، فلما كان عند
المساء ( 7 ) أتى يتيم فأعطوه ولم يذوقوا إلا الماء ، فلما كان من الغد غزلت الجزة الباقية
_________________________________________________________
( 1 ) العصيدة : دقيق يلت بالسمن ويطبخ .
نضج الثمر أو اللحم : ادرك وطاب أكله .
( 2 ) في المصدر : فأعطاه الثلث ، فما لبث .
( 3 ) في المصدر : بعد ذلك : اطعمونا مما رزقكم الله .
( 4 ) في المصدر : فأعطاه ثلثها الثانى فما لبث أن جاء اه .
( 5 ) في المصدر : فأعطاه الثلث الباقى .
( 6 ) تفسير القمى : 707 .
وفيه : في اميرالمؤمنين عليه السلام وهى جارية في كل مؤمن فعل مثل
ذلك لله عزوجل .
( 7 ) في المصدر : عند الافطار .
وكذا فيما يأتى .
[244]
ثم طحنت الصاع وخبزته ، وأتى أسير عند المساء فأعطوه ( 1 ) ، وكان مضى على رسول الله
أربعة أيام والحجر على بطنه وقد علم بحالهم ، فخرج ودخل حديقة المقداد ولم يبق على
نخلاتها ثمرة ، ( 2 ) ومعه علي ، فقال : يا أبا الحسن خذ السلة وانطلق إلى النخلة - وأشار
إلى واحدة - فقل لها : قال رسول الله صلى الله عليه وآله : سألتك عن الله أطعمينا من ثمرك ( 3 ) قال
علي عليه السلام : ولقد تطأطأت بحمل ( 4 ) ما نظر الناظرون إلى مثلها ، والتقطت من أطائبها
وحملت ( 5 ) إلى رسول الله صلى الله عليه وآله فأكل وأكلت ، فأطعم المقداد وجميع عياله ، وحمل إلى
الحسن والحسين وفاطمة عليهم السلام ما كفاهم ، فلما بلغ المنزل إذا فاطمة عليها السلام يأخذها
الصداع ، فقال صلى الله عليه وآله : أبشري واصبري فلن تنالي ما عند الله إلا بالصبر ، فنزل جبرئيل
بهل أتى ( 6 ) .
5 - كشف : روى الواحدي في تفسيره أن عليا عليه السلام آجر نفسه ليلة إلى الصبح
يسقي نخلا بشئ من شعير ، فلما قبضه طحن ثلثه واتخذوا منه طعاما ، فلماتم ( 7 ) أتى
مسكين فأخرجوا إليه الطعام ، وعملوا الثلث الثاني فأتاهم يتيم فأخرجوه إليه ، وعملوا
الثلث الثالث فأتاهم أسير فأخرجوا الطعام إليه وطوى ( 8 ) علي وفاطمة والحسن والحسين
عليهم السلام وعلم الله حسن مقصدهم وصدق نياتهم وأنهم إنما أرادوا بما فعلوه وجهه ،
وطلبوا بما أتوا ( 9 ) ما عنده والتمسوا الجزاء منه عزوجل ، فأنزل الله فيهم قرآنا ، وأولاهم
_________________________________________________________
( 1 ) في المصدر : فأعطوه ولم يذوقوا الا الماء .
( 2 ) في المصدر : تمرة .
( 3 ) في المصدر : سألتك بالله لما اطعمينا من تمرك .
( 4 ) تطأطأ : انخفض .
والحمل - بكسر الحاء - ما يحمل .
( 5 ) في المصدر : فحملت .
( 6 ) الخرائج والجرائح : 82 .
( 7 ) أى حضر .
( 8 ) طول الرجل : تعمد الجوع وقصده .
( 9 ) في المصدر : بما أتوه .
[245]
من لدنه إحسانا ، ونشر لهم بين العالمين ديوانا ( 1 ) ، وعوضهم عما بذلوا جنانا وحورا و
ولدانا ، فقال : ( ويطعمون الطعام على حبه مسكينا ويتيما وأسيرا ) إلى آخرها ، وهذه
منقبة لها عندالله محل كريم ، وجودهم بالطعام مع شدة الحاجة إليه أمر عظيم ، ولهذا
تتابع فيها وعده سبحانه بفنون الالطاف وضروب الانعام والاسعاف ( 2 ) ، وقيل : إن
الضمير في ( حبه ) يعود إلى الله تعالى وهو الظاهر ، وقيل : إلى الطعام ( 3 ) .
6 - كشف : من مناقب الخوارزمي عن ابن عباس وقد ذكره الثعلبي وغيره من مفسري
القرآن المجيد في قوله تعالى : ( يوفون بالنذر ويخافون يوما كان شره مستطيرا ) قال :
مرض الحسن والحسين فعادهما جدهما رسول الله صلى الله عليه وآله ومعه أبوبكر وعمر ، وعادهما
عامة العرب ، فقالوا : يا أبا الحسن لو نذرت على ولديك نذرا - وكل نذر لا يكون له
وفاء فليس بشئ - فقال علي عليه السلام إن برئ ولداي مما بهما صمت ( 4 ) ثلاثة أيام شكرا ،
وقالت فاطمة عليها السلام : إن برئ ولداي مما بهما صمت لله ثلاثة أيام شكرا ، وقالت جارية
يقال لها فضة : إن برئ سيداي مما بهما صمت ( 5 ) ثلاثة أيام شكرا ، فالبس الغلامان
العافية ، وليس عند آل محمد قليل ولا كثير ، فانطلق أميرالمؤمنين إلى شمعون الخيبري - و
كان يهوديا - فاستقرض منه ثلاثة أصواع من شعير .
وفي حديث المزني عن ابن مهران الباهلي : فانطلق إلى جارله من اليهود يعالج
الصوف يقال له : شمعون بن حانا ، فقال ( 6 ) : هل لك أن تعطيني جزة من صوف تغزلها لك
بنت محمد بثلاثة أصوع من شعير ؟ قال : نعم ، فأعطاه فجاء بالصوف والشعير ، فأخبر فاطمة
بذلك فقبلت وأطاعت ، قالوا : فقامت فاطمة عليها السلام إلى صاع فطحنته واختبزت منه خمسة
أقراص لكل واحد منهم قرص ، وصلى علي المغرب مع رسول الله صلى الله عليه وآله ثم أتى المنزل ،
_________________________________________________________
( 1 ) اى كتابا .
( 2 ) السعف : السلعة .
( 3 ) كشف الغمة : 49 .
( 4 و 5 ) في المصدر : صمت لله اه .
( 6 ) في المصدر : فقال له .
[246]
فوضع الطعام بين يديه إذ أتاهم مسكين فوقف بالباب وقال : السلام عليكم يا أهل بيت
محمد مسكين من مساكين المسلمين ، أطعموني أطعمكم الله من موائد الجنة ، فسمعه علي
عليه السلام فقال :
فاطم ذات المجد واليقين * يا بنت خير الناس أجمعين
أما ترين البائس المسكين * قد قام بالباب له حنين
يشكو إلى الله ويستكين * يشكو إلينا جائعا حزين
كل امرئ بكسبه رهين * وفاعل الخيرات يستبين
موعده جنة عليين * حرمها الله على الضنين
وللبخيل موقف مهين * تهوي به النار إلى سجين
شرابه الحميم والغسلين
فقالت فاطمة عليها السلام :
أمرك سمع يا ابن عم وطاعة * ما بي من لؤم ولا ضراعة
وأعطوه الطعام ومكثوا ليلتهم ( 1 ) لم يذوقوا إلا الماء ( 2 ) ، فلما كان اليوم الثاني
طحنت فاطمة عليها السلام صاعا واختبزته وأتى علي عليه السلام من الصلاة ، ووضع الطعام بين يديه
فأتاهم يتيم فقال : السلام عليكم يا أهل بيت محمد يتيم من أولاد المهاجرين ، استشهد والدي
يوم العقبة ، أطعموني أطعمكم الله على موائد الجنة ، فسمعه علي وفاطمة عليهما السلام فأعطوه
الطعام ومكثوا يومين وليلتين لم يذوقوا إلا الماء القراح ، فلما كان في اليوم الثالث قامت
فاطمة عليها السلام إلى الصاح الباقي فطحنته واختبزته ، وصلى علي مع النبي - صلى الله عليهما -
المغرب ثم أتى المنزل ، فوضع الطعام بين يديه إذ أتاهم أسير فوقف بالباب فقال : السلام
عليكم يا أهل بيت محمد تأسروننا ولا تطعموننا ؟ أطعموني فإني أسير محمد ، أطعمكم الله
على موائد الجنة ، فسمعه علي عليه السلام فآتوه وآثروه ( 3 ) ، ومكثوا ثلاثة أيام ( 4 )
_________________________________________________________
( 1 ) في المصدر : ومكثوا يومهم وليلتهم .
( 2 ) في المصدر : الا الماء القراح .
( 3 ) في المصدر : فآثرء وآثروه .
( 4 ) في المصدر : ثلاثة ايام ولياليها .
[247]
لم يذوقوا سوى الماء .
فلما كان في اليوم الرابع وقد قضوا نذرهم أخذ علي الحسن بيده اليمنى والحسين
باليسرى وأقبل نحو رسول الله صلى الله عليه وآله وهم يرتعشون كالفراخ من شدة الجوع ، فلما بصر
به النبي صلى الله عليه وآله قال : يا أبا الحسن ما أشد ما يسوؤني ! ما أرى بكم ؟ انطلق إلى ابنتي ( 1 )
فانطلقوا إليها وهي في محرابها تصلي ، قد لصق بطنها بظهرها من شدة الجوع وغارت
عيناها ، فلما رآها النبي صلى الله عليه وآله قال : واغوثاه بالله ! يا أهل بيت محمد تموتون جوعا ؟ !
فهبط جبرئيل وقال : خذ يا محمد هنأك الله في أهل بيتك ، قال .
وما آخذ يا جبرئيل ؟ فأقرأه
( هل أتى على الانسان ) إلى قوله : ( إنما نطعمكم لوجه الله لا نريد منكم جزاء ولا
شكورا ) إلى آخر .
السورة .
قال الخطيب الخوارزمي حاكيا عنه وعن البراوي : وزادني ابن مهران الباهلي
في هذا الحديث : فوثب النبي ( 2 ) صلى الله عليه وآله حتى دخل على فاطمة عليها السلام ، فلما رأى ما بهم
انكب عليهم يبكي ، وقال : أنتم منذ ثلاث فيما أرى وأنا غافل عنكم ؟ ! فهبط جبرئيل
بهذه الآيات : ( إن الابرار يشربون من كأس كان مزاجها كافورا * عينا يشرب بها عباد
الله يفجرونها تفجيرا ) قال : هي عين في دار النبي صلى الله عليه وآله يفجر ( 3 ) إلى دور الانبياء
والمومنين .
وروى الخطيب في هذا رواية اخرى وقال في آخرها : فنزل فيهم : ( ويطعمون
الطعام على حبه ) أي على شدة شهوة ( مسكينا ) قرص ملة ، والملة ( 4 ) : الرماد ( ويتيما )
خزيرة ( وأسيرا ) حيسا ( إنما نطعمكم ) يخبر عن ضمائرهم ( لوجه الله ) يقول : إرادة
ما عندالله من الثواب ، ( لا نريد منكم ) ، يعني في الدنيا ( جزاء ) ثوابا ، ( ولا
شكورا ( 5 ) .
_________________________________________________________
( 1 ) في المصدر : إلى ابنتى فاطمة .
( 2 ) وثب : نهض وقام .
( 3 ) في المصدر : تفجر .
( 4 ) بفتح الميم .
( 5 ) كشف الغمة : 88 و 89 .
[248]
بيان : قال علي بن عيسي : هذه السورة نزلت في هذه القضية بإجماع الامة ، لا
أعرف أحدا خالف فيها .
أقول : قوله : ( قرص ملة ) أي قرص خبز في الملة ، وهي الرماد الحار .
والخزيرة
شبه عصيدة بلحم ( 1 ) .
والحيس : تمريخلط بسمن وإقط فيعجن شديدا ثم يندر ( 2 ) منه
نواه ، وربما جعل فيه سويق .
يف : الثعلبي بإسناده إلى ابن عباس مثله إلى قوله : إلى آخر السورة .
وترك
فيها الابيات ، ثم قال : وزاد محمد بن علي الغزالي على ما ذكره الثعلبي في كتابه المعروف
بالبلغة : أنهم نزلت علهيم مائدة من السماء ، فأكلوا منها سبعة أيام ، قال : وحديث
المائدة ونزولها عليهم ( 3 ) مذكور في سائر الكتب .
ثم قال السيد : روى أخطب خوارزم
حديث المائدة في كتابه ، وروى الواحدي حديث نزول السورة كمامر في تفسيره ( 4 ) .
أقول : وروى الزمخشري أيضا في الكشاف ( 5 ) نحوا من ذلك مع اختصار ، و
كذا البيضاوي ( 6 ) .
وروى ابن بطريق في العمدة بإسناده عن الثعلبي ، عن الحسن بن أحمد الشيباني
العدل ، عن أبي حامد أحمد بن محمد ، عن عبدالله بن محمد بن عبدالوهاب ، عن أحمد بن حماد
المروزي ، عن محبوب بن حميد القصري ، عن القاسم بن مهران ، عن ليث ، عن مجاهد ،
عن ابن عباس ، قال : وأخبرنا عبدالله بن حامد ، عن أحمد بن عبدالله المزني ، عن محمد بن
_________________________________________________________
( 1 ) قال الزمخشرى في الفائق ( ج 1 : 347 ) : الخزيرة : حساء من دقيق ودسم ، وقيل :
الحريرة من الدقيق والخزيرة من النخالة .
وقال الجزرى في النهاية ( 1 : 292 ) الخزيرة لحم يقطع
صغارا ويصب عليه ماء كثير ، فإذا نضج ذر عليه الدقيق ، فإن لم يكن فيها لحم فهى عصيدة .
( 2 ) اى يؤخذ .
( 3 ) في المصدر : ونزولها عليهم في جواب ذلك اه .
اى في جواب الدعاء من الله تعالى ،
أو عوضا عن صنيعهم .
( 4 ) الطرائف : 27 .
( 5 ) ج 3 : 239 و 240 .
( 6 ) ج 2 : 247 .
[249]
أحمد الباهلي ، عن عبدالرحمن بن فهد بن هلال ، عن القاسم بن يحيى ، عن محمد بن الصائب ،
عن أبي صالح ، عن ابن عباس ، قال أبوالحسن بن مهران : وحدثني محمد بن زكريا البصري
عن شعيب بن واقد المزني ، عن القاسم بن مهران ، عن ليث ، عن مجاهد ، عن ابن عباس
مثل مامر إلى قوله : ثم هبط جبرئيل بهذه الآيات .
ثم قال : وزاد محمد بن علي صاحب الغزالي على ما ذكره الثعلبي في كتابه المعروف
بالبلغة : أنهم نزل عليهم مائدة من السماء فأكلوا منها سبعة أيام ، ونزولها عليهم مذكور
في سائر الكتب ( 1 ) .
ثم ساق الحديث في تفسير الآيات إلى آخر مامر في رواية الصدوق
رحمه الله ( 2 ) .
7 - فر : أبوالقاسم العلوي ، عن فرات بن إبراهيم ، معنعنا عن جعفر بن محمد ، عن
أبيه ، عن جده عليهم السلام قال : مرض الحسن والحسين عليهما السلام مرضا شديدا ، فعادهما سيد
ولد آدم محمد صلى الله عليه وآله وعادهما أبوبكر وعمر ، فقال عمر لاميرالمؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام :
يا أبا الحسن إن نذرت لله نذرا واجبا فإن كل نذر لا يكون لله فليس فيه وفاء فقال
علي بن أبي طالب عليه السلام : إن عافي الله ولدي مما بهما صمت لله ثلاثة أيام متواليات ، و
قالت الزهراء عليها السلام مثل ما قال زوجها ، وكانت لهما جارية بربرية تدعى فضة ، قالت :
إن عافى الله سيدي مما بهما صمت لله ثلاثة أيام - وساق الحديث نحوا ممامر إلى أن
قال - : وإن أميرالمؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام أخذ بيد الغلامين ، وهما كالفرخين
لاريش لهما يرتعشان ( 3 ) من الجوع ، فانطلق بهما إلى منزل النبي صلى الله عليه وآله فلما نظر إليهما
النبي صلى الله عليه وآله اغرورقت ( 4 ) عيناه بالدموع وأخذ بيد الغلامين فانطلق بهما إلى فاطمة
-بحار الانوار جلد: 31 من صفحه 249 سطر 19 إلى صفحه 257 سطر 18
الزهراء عليها السلام ، فلما نظر إليها رسول الله صلى الله عليه وآله وقد تغير لونها وإذا بطنها لاصق بظهرها
_________________________________________________________
( 1 ) في المصدر : ونزولها عليهم في جواب ذلك .
( 2 ) العمدة : 180 - 182 .
( 3 ) في المصدر : يترججان .
اى يتحركان ويضطربان .
والريش : كسوة الطائر وزينته ، فهو
للطائر كالشعر لغيره .
( 4 ) اغرورقت العين : دمعت كأنها غرقت في الدمع .
[250]
انكب عليها يقبل بين عينيها ، ونادته باكية : واغوثاه بالله ثم بك يا رسول الله من الجوع ،
قال : فرفع رأسه ( 1 ) إلى السماء وهو يقول : اللهم أشبع آل محمد ، فهبط جبرئيل فقال :
يا محمد اقرء ، قال : وما أقرء ، قال : اقرء ( إن الابرار يشربون من كأس كان مزاجها كافورا )
إلى آخر ثلاث آيات .
ثم إن أميرالمؤمنين عليه السلام مضى من فوره ذلك ( 2 ) حتى أتى أبا جبلة الانصاري رضي
الله عنه فقال له : يا أبا جبلة هل من قرض دينار ( 3 ) ؟ قال : نعم يا أبا الحسن ، أشهد الله
وملائكته أن شطر مالي لك حلال من الله ومن رسوله ، قال : لاحاجة لي في شئ من ذلك
إن يك قرضا قبلته ، قال .
فدفع إليه دينارا ، ومر أميرالمؤمنين علي بن أبي طالب يتخرق
أزقة ( 4 ) المدينة ليبتاع بالدينار طعاما ، فإذا هو بمقداد بن الاسود الكندي قاعد على
الطريق ، فدنا منه وسلم عليه ( 5 ) وقال : يا مقداد مالي أراك في هذا الموضع كئيبا حزينا ؟
فقال : أقول كما قال العبد الصالح موسى بن عمران عليه الصلاة والسلام : ( رب إني لما
أنزلت إلي من خير فقير ) قال : ومنذكم يا مقداد ؟ قال : منذ أربع ( 6 ) ، فرجع أميرالمؤمنين
عليه السلام مليا ثم قال : الله أكبر الله أكبر آل محمد منذ ثلاث وأنت يا مقداد أربع ؟ ! أنت
أحق بالدينار مني ، قال : فدفع إليه الدينار ومضى حتى دخل على رسول الله صلى الله عليه وآله رآه
قد سجد ( 7 ) ، فلما انفتل ( 8 ) رسول الله ضرب بيده إلى كتفه ثم قال : يا علي انهض بنا
إلى منزلك لعلنا نصيب طعاما فقد بلغنا أخذك الدينار من أبي جبلة ، قال : فمضى و
_________________________________________________________
( 1 ) في المصدر : فرفع يده .
( 2 ) في القاموس ( 2 : 112 ) : أتوا من فورهم : من وجههم ، أو قبل أن يسكنوا .
( 3 ) في المصدر : هل عندك من قرض دينار ؟ :
( 4 ) جمع الزقاق - بضم أوله - : السكة .
الطريق الضيق .
( 5 ) في المصدر : فدنا منه يسلم عليه .
( 6 ) في المصدر : قال هذا اربع .
( 7 ) في المصدر : رآه في مسجده .
( 8 ) اى انصرف .