[231]


إني لا أرى الاجل إلا قد اقترب ، فاتقي الله اصبري فإني نعم السلف أنا لك ، فبكيت [ بكائي الذي رأيت ] فلما رأى جزعى سارني الثانية فقال : يا فاطمة أما ترضين ( 1 ) أن تكوني [ سيدة نساء المؤمنين أو سيدة نساء هذه الامة ؟ كذا في جامع الاصول ، ثم قال : وفي رواية مسلم والترمذي : أما ترضين أن تكونى ] سيدة نساء أهل الجنة أو نساء المؤمنين وفي رواية : فسارني فأخبرني أنه يقبض في وجعه ، فبكيت ، ثم سارني فأخبرني أني أول أهل بيته أتبعه ، فضحكت .
وقال ابن حجر في صواعقه : إن أكثر المفسرين على أن الآية نزلت في علي و فاطمة والحسن والحسين عليهم السلام لتذكير ضمير ( عنكم ) ( 2 ) .
وقال الفخر الرازي في التفسير الكبير : اختلف الاقوال في أهل البيت والاولى أن يقال : هم أولاده وأزواجه ، والحسن والحسين منهم وعلي منهم ، لانه كان من أهل بيته بسبب معاشرته بيت النبي وملازمته للنبي صلى الله عليه وآله ( 3 ) .
وقال شيخ الطائفة في التبيان : روى أبوسعيد الخدري وأنس بن مالك وعائشة وام سلمة وواثلة بن الاسقع أن الآية نزلت في النبي وعلي وفاطمة والحسن والحسين عليهم السلام قال : وروي عن ام سلمة أنها قالت إن النبي كان في بيتي ، فاستدعى عليا وفاطمة والحسن والحسين وجللهم بعباء خيبرية ثم قال : اللهم هؤلاء أهل بيتي فأذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا ، فأنزل الله قوله : ( إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا ) فقالت ام سلمة : قلت : يا رسول الله هل أنا من أهل بيتك ؟ فقال : لا ولكنك إلى خير ( 4 ) .
وقال الشيخ الجليل أبوعلي الطبرسي في مجمع البيان : قال : أبوسعيد الخدري وأنس بن مالك وواثلة بن الاسقع وعائشة وام سلمة : إن الآية مختصة برسول الله وعلي وفاطمة

_________________________________________________________
( 1 ) كذا في ( ك ) وفى غيره : الا ترضين .
( 2 ) ص 141 .
( 3 ) ج 6 : 615 .
( 4 ) ج 2 : 448 .

[232]


والحسن والحسين عليهم السلام .
قال : وذكر أبوحمزة الثمالي في تفسيره بإسناده عن أبي سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وآله قال : نزلت هذه الآية في خمسة : في وفي علي وحسن وحسين وفاطمة .
وأخبرنا السيد أبوالحمد قال : حدثنا الحاكم أبوالقاسم الحسكاني ، عن أبي بكر السبيعي ، عن أبي عروة الحراني ، عن ابن مصغي ، عن عبدالرحيم بن واقد ، عن أيوب بن سيار ، عن محمد بن المنكدر ، عن جابر قال : نزلت هذه الآية على النبي صلى الله عليه وآله وليس في البيت إلا فاطمة والحسن والحسين وعلي عليهم السلام ( إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا ) فقال النبي صلى الله عليه وآله : اللهم هؤلاء أهلي وحدثنا السيد أبوالحمد عن أبي القاسم بإسناده عن زاذان عن الحسن بن علي عليه السلام قال : لما نزلت آية التطهير جمعنا رسول الله صلى الله عليه وآله وإياه في كساء لام سلمة خيبري ، ثم قال : اللهم هؤلاء أهل بيتي وعترتي .
والروايات في هذا كثيرة من طرق العامة والخاصة لو قصدنا إلى إيرادها لطال الكتاب ، وفيما أوردناه كفاية انتهى ( 1 ) .
وقد روى رواية البرمة موفق بن أحمد الخوارزمي في مسنده عن ام سلمة .
وقال صاحب كتاب إحقاق الحق رحمه الله : ذكر سيد المحدثين جمال الملة والدين عطاء الله الحسيني في كتاب تحفة الاحباء نقلا عن كتاب المصابيح في بيان شأن النزول لابي العباس أحمد بن الحسن المفسر الضرير الاسفرايني ما تضمن أنه صلى الله عليه وآله لما أدخل عليا وفاطمة وسبطيه في العباء قال : اللهم هؤلاء أهل بيتي وأطهار عترتي وأطائب ارومتي ( 2 ) من لحمى ودمي ، إليك لا إلى النار ، أذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا ، وكرر هذا الدعاء ثلاثا ، قالت ام سلمة : قلت : يا رسول الله وأنا معهم ؟ قال : إنك إلى خير وأنت من خير أزواجي ، انتهى ( 3 ) .

_________________________________________________________
( 1 ) مجمع البيان 8 : 357 .
( 2 ) الارومة : أصل الشجرة .
( 3 ) احقاق الحق 2 : 567 و 568 .

[233]


أقول : وروى ابن بطريق في المستدرك عن الحافط أبي نعيم بإسناده عن أبي سعيد والاعمش ، عن عطية ، عن أبي سعيد قال : نزلت : ( إنما يريد الله ) الآية في خمسة : رسول الله وعلي وفاطمة والحسن والحسين عليهم السلام .
وقد مضى بعض الاخبار في باب معنى الآل والعترة ، وباب المباهلة ، وسائر أبواب الامامة ، وسيأتي في تضاعيف الابواب وفيما ذكرناه كفاية .
فأقول : قد ظهر من تلك الاخبار المتواترة من الجانبين بطلان القول بأن أزواج النبي صلى الله عليه وآله داخلة في الآية : وكذا القول بعمومها لجميع الاقارب ، ولا عبرة بما قاله زيد بن أرقم من نفسه ( 1 ) مع معارضته بالاخبار المتواترة .
ويدل أيضا على بطلان القول بالاختصاص بالازواج العدول عن خطابهن إلى صيغة الجمع المذكر ، وسيظهر بطلانه ( 2 ) عند تقرير دلالة الآية على عصمة من تناولته ، إذ لم يقل أحد من الامة بعصمتهن بالمعنى المتنازع فيه ( 3 ) ، وكذا القولان الآخران وهو واضح ( 4 ) .
إذا تمهد هذا فنقول : المراد بالارادة في الآية إما الارادة المستتبعة للفعل أعني إذهاب الرجس ، حتى يكون الكلام في قوة أن يقال : إنما أذهب الله عنكم الرجس ، أو الارادة المحضة التي لا يتبعها الفعل حتى يكون المعنى : أمركم الله باجتناب العاصي ياأهل البيت ، فعلى الاول ثبت المدعى ، وأما الثاني فباطل من وجوه : الاول أن كلمة ( إنما ) تدل على التخصيص كما قرر في محله ، والارادة المذكورة تعم سائر المكلفين حتى الكفار ، لا شتراك الجميع في التكليف ، وقد قال سبحانه : ( وما خلقت الجن والانس إلا ليعبدون ( 5 ) فلاوجه للتخصيص بأهل البيت عليهم السلام .

-بحار الانوار جلد: 31 من صفحه 233 سطر 19 إلى صفحه 241 سطر 18

_________________________________________________________
( 1 ) حيث قال : اهل بيته من حرم عليه الصدقة بعده ، وهم آل على وآل عقيل راجع ص 229 .
( 2 ) اى بطلان القول باختصاص الاية بالازواج .
( 3 ) وهو اذهاب الرجس اى الشرك والشك .
( 4 ) اى كذا يظهر بطلان القول باشتمال الاية لا صحاب الكساء وزوجات النبي ص .
والقول باشتمالها على من تحرم عليه الصدقة عند تقرير دلالة الاية على عصمة من تناولته ، وعلى ذلك يتعين القول الرابع وهو اختصاص الاية باصحاب الكساء .
( 5 ) الذاريات : 56 .

[234]


الثاني : أن المقام يقتضي المدح والتشريف لمن نزلت الآية فيه ، حيث جللهم بالكساء ولم يدخل فيه غيرهم ، وخصصهم بدعائه فقال : اللهم هؤلاء أهل بيتي وحامتي ، على ما سبق في الاخبار ، وكذا التأكيد في الآية حيث أعاد التطهير بعد بيان إذهاب الرجس ، والمصدر وبعده منونا بتنوين التعظيم .
وقد أنصف الرازي في تفسيره حيث قال في قوله تعالى : ( ليذهب عنكم الرجس ) أي يزيل عنكم الذنوب ( ويطهركم ) أي يلبسكم خلع الكرامة ، انتهى ( 1 ) .
ولا مدح ولا تشريف فيها دخل فيه الفساق والكفار .
الثالث أن الآية على مامر في بعض الروايات إنما نزلت بعد دعوة النبي لهم وأن يعطيه ما وعده فيهم ، وقد سأل الله أن يذهب عنهم الرجس ويطهرهم لا أن يريد ذلك منهم ويكلفهم بطاعته ، فلو كان المراد هذا النوع من الارادة لكان نزول الآية في الحقيقة ردا لدعوته النبي صلى الله عليه وآله لا إجابه لها ، وبطلانه ظاهر .
وأجاب المخالفون عن هذا الدليل بوجوه : الاول أنا لا نسلم أن الآية نزلت فيهم بل المراد بها أزواجه لكون الخطاب في سابقها ولا حقها متوجها إليهن ، ويرد عليه أن هذاالمنع بمجرده بعد ورود تلك الروايات المتواترة من المخالف والمؤالف غير مسموع وأما السند ( 2 ) فمردود بما ستقف عليه في كتاب القرآن مما سننقل من روايات الفريقين أن ترتيب القرآن الذي بينبنا ليس من فعل المعصوم حتى لا يتطرق إليه الغلط ، مع أنه روى البخاري ( 3 ) والترمذي وصاحب جامع الاصول عن ابن شهاب عن خارجة بن زيد ابن ثابت أنه سمع زيد بن ثابت يقول : فقدت آية في سورة الاحزاب حين نسخت الصحف قد كنت أسمع رسول الله يقرء بها ، فالتمسناها فوجدناها مع خزيمة بن ثابت الانصاري ( من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه ) فألحقناها في سورتها من المصحف ، فلعل آية التطهير أيضا وضعوها في موضع زعموا أنها تناسبه ، أو أدخلوها في سياق مخاطبة الزوجات لبعض مصالحهم الدنيوية ، وقد ظهر من الاخبار عدم ارتباطها بقصتهن ، فالاعتماد في هذا الباب على النظم والترتيب ظاهر البطلان .

_________________________________________________________
( 1 ) مفاتيح الغيب 6 : 615 .
( 2 ) كذا في النسخ وهو تصحيف والصحيح : وأما السياق .
راجع ص 235 س 17 و 19 ( ب ) .
( 3 ) صحيح البخارى 3 : 140 .

[235]


ولو سلم عدم التغيير في الترتيب فنقول : سيأتي أخبار مستفيضة بأنه سقط من القرآن آيات كثيره ( 1 ) ، فلعله سقط مما قبل الآية وما بعدها آيات لو ثبتت لم يفت الربط الظاهري بينها ، وقد وقع في سورة الاحزاب بعينها ما يشبه هذا ، فإن الل سبحانه بعد ما خاطب الزوجات بآيات مصدرة بقوله تعالى : ( يا نساء النبي إن كنتن تردن الحياة الدنيا ) الآية عدل إلى مخاطبة المؤمنين بمالا تعلق له بالزوجات بآيات كثيرة ثم عاد إلى الامر بمخاطبتهن وعيرهن ( 2 ) بقوله سبحانه : ( يا أيها النبي قل لازوا جك وبناتك ونساء المؤمنين يدنين عليهن من جلابيبهن ) وقد عرفت اعتراف الخصم فيما رووا أن كان قد سقط منها آية فالحقت ، فلا يستبعد أن يكون الساقط أكثر من آية ولم يلحق غيرها .
وروى الصدوق في كتاب ثواب الاعمال بإسناده عن عبدالله بن سنان عن أبي عبدالله عليه السلام قال : سورة الاحزاب فيها فضائح الرجال والنساء من قريش وغيرهم ، يا ابن سنان إن سورة الاحزاب فضحت نساء قريش من العرب ، وكانت أطول من سورة البقرة ولكن نقصوها وحرفوها ( 3 ) .
ولو سلم عدم السقوط أيضا كما ذهب إليه جماعة قلنا : لا يرتاب من راجع التفاسير أن مثل ذلك كثير في الآيات غير عزيز ، إذ قد صرحوا في مواضع عديدة في سورة مكية أن آية أو آيتين أو أكثر من بينها مدنية وبالعكس ، وإذا لم يكن ترتيب الآيات على وفق نزولها لم يتم لهم الاستدلال بنظم القرآن على نزولها في شأن الزوجات ، مع أن النظم والسياق لوكانا حجتين فإنما يكونان حجتين لو بقي الكلام على اسلوبه السابق ، و التغيير فيها لفظا ومعنى ظاهر ، أما لفظا فتذكير الضمير ، وأما معنى فلان مخاطبة الزوجات مشوبة بالمعاتبة والتأنيب ( 4 ) والتهديد ، ومخاطبة أهل البيت عليهم السلام محلاة بأنواع التلطف والمبالغة في الاكرام ؟ ولا يخفى بعد إمعان النظر المباينة التامه في السياق بينها وبين ما قبلها وما بعدها على ذوي الافهام .
الثاني أن الآية لا تدل على أن الرجس قد ذهب ، بل إنما دل على أنه الله

_________________________________________________________
( 1 ) هذه الروايات مطروحة أو مؤولة كما سيأتي الكلام فيه .
( 2 ) في النسخ التى بايدينا : وغيرهن وهو تصحيف ( ب ) .
( 3 ) ثواب الاعمال : 106 .
( 4 ) أنبه : عنفه ولامه .

[236]


سبحانه أراد إذهابه عنهم ، فلعل ما أراده لم يتحقق ، وقد عرفت جوابه في تقرير الدليل ( 1 ) مع أن الارادة بالمعنى الذي يصح تخلف المراد عنه إذا اطلق عليه تعالى يكون بمعنى رضاه بما يفعله غيره أو تكليفه إياه به ، وهو مجاز لا يصار إلهى إلا بدليل .
الثالث أن إذهاب الرجس لا يكون إلا بعد ثبوته ، وأنتم قد قلتم بعصمتهم من أول العمر إلى انقضائه .
ودفع بأن الاذهاب والصرف كما يستعمل في إزالة الامر الموجود يستعمل في المنع عن طريان أمر على محل قابل له كقوله تعالى : ( كذلك لنصرف عنه السوء والفحشاء ) وتقول في الدعاء : صرف الله عنك كل سوء وأذهب عنك كل محذور ) على أنا نقول : إذا سلم الخصم منا دلالة الآية على العصمة في الجملة كفى في ثبوت مطلوبنا ، إذ القول بعصمتهم في بعض الاوقات خرق للاجماع المركب .
الرابع أن لفظة ( يريد ) من صيغ المضارع فلم تدل على أن مدلولها قدوقع .
و اجيب بأن استعمال المضارع فيما وقع غير عزيز في الكلام المجيد وغيره ، بل غالب ما استعملت الارادة على صيغة المضارع في أمثاله في القرآن إنما اريد به لك ، كقوله تعالى : ( يريد الله بكم اليسر .
يريد الله أن يخفف عنكم .
يريدون أن يبدلوا كلام الله .
إنما يريد الشيطان أن يوقع بينكم العداوة .
ويريد الشيطان أن يضلهم ( 2 ) ) وغير ذلك .
وظاهر سياق الآية النازلة على وجه التشريف والاكرام قرينة عليه ، على أن الوقوع في الجملة كاف كما عرفت ( 3 ) .
الخامس أن قوله تعالى : ( ليذهب عنكم الرجس ) لا يفيد العموم ، لكون المعرف بلام الجنس في سياق الاثبات .
واجيب بأن الكلام في قوة النفي ، إذلا معنى لاذهاب الرجس إلا رفعه ، ورفع الجنس يفيد نفي جميع أفراده .
*

_________________________________________________________
( 1 ) من أنه ان كان المراد الارادة المستتبعة للفعل فقد ثبت المطلوب ، وان كان غيرها فمردود من وجوه قد ذكر آنفا .
( 2 ) الايات : يوسف 24 .
البقرة : 185 .
النساء .
28 .
الفتح : 15 .
المائدة : 91 .
النساء : 60 .
( 3 ) من عدم القول بالفصل في عصمتهم عليهم السلام .
* أقول : بل الاية بسياقها يشمل اهل بيت النبى صلى الله عليه وآله عامة حتى الازواج لكنها لما تأتى إلى البشارة بالعصمة والطهارة ينقلب السياق بتوجه الخطاب إلى اهل بيت خاص يغلب فيها الرجل فيقول : انما يريدالله ليذهب عنكم الرجس اهل البيت ويطهركم تطهيرا وليس ذلك الابيت فاطمة فقط لان فيها رجالا يصلح للمخاطبة بقوله ( عنكم - ويطهركم ) ولقد تأيد ذلك التنصيص بقول النبي وعمله حيث كان يجئ عند باب فاطمة قريبا من تسعة أشهر فيقول السلام عليكم اهل البيت و رحمة الله وبركاته الصلاة الصلاة انما يريد الله ليذهب عنكم الرجس اهل البيت ويطهركم تطهيرا ( ب )

[237]



باب 6 : نزول هل أتى  


1 - لى : الطالقاني ، عن الجلودي ، عن الجوهري ، عن شعيب بن واقد ، عن القاسم بن بهرام ، عن ليث ، عن مجاهد ، عن ابن عباس ، وحدثنا محمد بن إبراهيم بن إسحاق ، عن عبدالعزيز بن يحيى الجلودي ، عن الحسن بن مهران ، عن مسلمة بن خالد عن الصادق جعفر بن محمد ، عن أبيه عليهما السلام في قوله عزوجل : ( يوفون بالنذر ) قالا : مرض الحسن والحسين عليهما السلام وهما صبيان صغيران فعادهما رسول الله صلى الله عليه وآله ومعه رجلان ، فقال أحدهما : يا أبا الحسن لو نذرت في ابنيك نذرا إن الله عافاهما ، فقال : أصوم ثلاثة أيام شكرا لله عزوجل ، وكذلك قالت فاطمة عليها السلام ، وقال الصبيان : ونحن أيضا نصوم ثلاثة أيام ، وكذلك قالت جاريتم فضة ، فألبسهما الله عافيته ، فأصبحوا صياما وليس عندهم طعام ، فانطلق علي عليه السلام إلى جارله من اليهود يقال له شمعون يعالج الصوف ، فقال : هل لك أن تعطيني جزة من صوف تغزلها لك ابنة محمد بثلاثة أصوع ( 1 ) من شعير ؟ قال : نعم ، فأعطاه فجاء بالصوف والشعير وأخبر فاطمة عليها السلام فقبلت وأطاعت ، ثم عمدت ( 2 ) فغزلت ثلث الصوف ، ثم أخذت صاعا من الشعير فطحنته وعجنته وخبزت منه خمسة أقراص ، لكل واحد قرصا ، وصلى علي عليه السلام مع النبي صلى الله عليه وآله المغرب ؟ ثم أتى منزله فوضع الخوان وجلسوا خمستهم ، فأول لقمة كسرها علي عليه السلام إذا مسكين قد وقف بالباب فقال : السلام عليكم يا أهل بيت محمد ، أنا مسكين من مساكين المسلمين ، أطعموني مما تأكلون أطعمكم الله على موائد الجنة ، فوضع اللقمة من يده ثم قال : فاطم ذات المجد واليقين * يا بنت خير الناس أجمعين

_________________________________________________________
( * ) من أول سورة الدهر إلى آية 22 ولا نكرر موضعها بتكررها في هذا الباب .
( 1 ) جمع الصاع : المكيال .
( 2 ) عمد للشئ والى الشئ : قصد فعله .

[238]


أما ترين البائس المسكين * جاء إلى الباب له حنين ( 1 ) يشكو إلى الله ويستكين * يشكو إلينا جائعآ حزين ( 2 ) كل امرئ بكسبه رهين * من يفعل الخير يقف سمين موعده في جنة دهين * حرمها الله على الضنين وصاحب البخل يقف حزين * تهوي به النار إلى سجين شرابه الحميم والغسلين .
فأقبلت فاطمة عليها السلام تقول : أمرك سمع يا ابن عم وطاعة * مابي من لؤم ولا رضاعة غديت باللب وبالبراعة ( 3 ) * أرجو إذا أشبعت من مجاعة أن ألحق الاخيار والجماعة * وأدخل الجنة في شفاعة وعمدت إلى ما كان على الخوان فدفعته إلى المسكين ، وباتوا جياعا وأصبحوا صياما لم يذوقوا إلا الماء القراح .
ثم عمدت إلى الثلث الثاني من الصوف فغزلته ، ثم أخذت صاعا من الشعير و طحنته ( 4 ) وعجنته وخبزت منه خمسة أقرصة لكل واحد قرصا ، وصلى علي المغرب مع النبي صلى الله عليهما ثم أتى منزله فلما وضع الخوان بين يديه وجلسوا خمستهم فأول لقمة كسرها علي عليه السلام إذا يتيم من يتامى المسلمين قد وقف بالباب فقال : السلام عليكم أهل بيت محمد ( 5 ) أنا يتيم من يتامى المسلمين أطعموني مما تأكلون أطعمكم الله على موائد الجنة ، فوضع علي عليه السلام اللقمة من يده ثم قال : فاطم بنت السيد الكريم * بنت نبي ليس بالزنيم

_________________________________________________________
( 1 ) حن حنينا : صوت لا سيما عن طرب أو حزن .
( 2 ) ليس هذا المصراع في المصدر .
وهو أصوب .
( 3 ) غدى الرجل : اطعمه اول النهار ، ولعله مصحف ( غذيت ) .
برع براعة : فاق علما أو فضيلة .
( 4 ) في المصدر : فطحنته .
( 5 ) في المصدر : يا أهل بيت محمد .

[239]


قد جاءنا الله بذا اليتيم * من يرحم اليوم هو الرحيم ( 1 ) موعده في جنة النعيم * حرمها الله على اللئيم وصاحب البخل يقف ذميم * تهوي به النار إلى الجحيم شرابه الصديد والحميم فأقبلت فاطمة عليها السلام وهي تقول : فسوف اعطيه ولا ابالي * واؤثر الله على عيالي أمسوا جياعا وهم أشبالي * أصغرهم ( 2 ) يقتل في القتال بكربلا يقتل باغتيال * لقاتليه الويل مع وبال يهودي به ( 3 ) النار إلى سفال * كبوله زادت على الاكبال ثم عمدت فأعطته عليها السلام جميع ما على الخوان ، وباتوا جياعا لم يذوقوا إلا الماء القراح ( 4 ) ، وأصبحوا صياما ، وعمدت فاطمة عليها السلام فغزلت الثلث الباقي من الصوف ، وطحنت الصاع الباقي وعجنته وخبزت منه خمسة أقراص لكل واحد قرصا ، وصلى علي عليه السلام المغرب مع النبي صلى الله عليه وآله ثم أتى منزله ، فقرب إليه الخوان وجلسوا خمستهم فأول لقمة كسرها علي عليه السلام إذا أسير من اسراء المشركين قد وقف بالباب فقال : السلام عليكم يا أهل بيت محمد ، تأسروننا وتشدوننا ولا تطعموننا ؟ فوضع علي عليه السلام اللقمة من يده ثم قال : فاطم يا بنت النبي أحمد * بنت نبي سيد مسود قدجاءك الاسير ليس يهتدي * مكبلا في غله مقيد يشكو إلينا الجوع قد تقدد * من يطعم اليوم يجده في غد عند العلي الواحد الموحد * ما يزرع الزارع سوف يحصد فأعطيه لا تجعليه ينكد فأقبلت فاطمة عليها السلام وهي تقول :

_________________________________________________________
( 1 ) في النسخ : فهو رحيم وهو مصحف .
( 2 ) في النسخ : اصغرهما وهو مصحف .
( 3 ) في النسخ : في النار وهو مصحف .
( 4 ) القراح - بفتح القاف - بالماء الخالص .

[240]


لم يبق مما كان غير صاع * قد دبرت كفي مع الذراع شبلاي والله هما جياع * يارب لا تتركهما ضياع ( 1 ) أبوهما للخير ذواصطناع * عبل الذراعين طويل الباع ( 2 ) وما على رأسي من قناع * إلا عبا نسجتها بصاع وعمدوا إلى ما كان على الخوان فأعطوه وباتوا جياعا ، وأصبحوا مفطرين وليس عندهم شئ .
قال شعيب في حديثه : وأقبل علي بالحسن والحسين عليهم السلام نحو رسول الله صلى الله عليه وآله وهما يرتعشان كالفرخ من شدة الجوع ، فلما بصربهم النبي صلى الله عليه وآله قال : يا أبا الحسن شد ما يسوؤني ما أرى بكم ! ؟ انطلق إلى ابنتي فاطمة ، فانطلقوا إليها وهي في محرابها ، قد لصق بطنها بظهرها من شدة الجوع وغارت عيناها ( 3 ) ، فلما رآها رسول الله صلى الله عليه وآله ضمها إليه وقال : واغوثاه بالله ؟ أنتم منذ ثلاث فيما أرى ؟ فهبط جبرئيل فقال : يا محمد خذ ما هيا الله لك في أهل بيتك ، قال : وما آخذ يا جبرئيل ؟ قال : ( هل أتى على الانسان حين من الدهر ) حتى إذا بلغ ( إن هذا كان لكم جزاء وكان سعيكم مشكورا ) .
وقال الحسن بن مهران في حديثه : فوثب النبي صلى الله عليه وآله حتى دخل منزل فاطمة عليها السلام فرأى ما بهم فجمعهم ثم انكب عليهم يبكي ويقول : أنتم منذ ثلاث فيما أرى وأنا غافل عنكم ؟ فهبط عليه جبرئيل بهذه الآيات : ( إن الابراريشربون من كأس كان مزاجها كافورا * عينا يشرب بها عبادالله يفجرونها تفجيرا ) قال : هي عين في دار النبي صلى الله عليه وآله يفجر إلى دور الانبياء والمؤمنين ( يوفون بالنذر ) يعني عليا وفاطمة والحسن والحسين عليهم السلام وجاريتهم ( ويخافون يوما كان شره مستطيرا ) يكون عابسا كلوحا ( 4 ) ( ويطعمون الطعام علي حبه ) يقول : على شهوتهم للطعام وإيثارهم له

_________________________________________________________
( 1 ) الضياع - بفتح الضاد - : الهلاك .
( 2 ) الباع : قدر مد اليدين .
ويقال : طويل الباع ورحب الباع اى كريم مقتدر .
( 3 ) اى انخفضت .
( 4 ) في المصدر : يقول : عابسا كلوحا .
وهو الصحيح كما يأتى في البيان .