بسمه تعالى
بحار الانوار : 37
[ 1 ]
قال الشيخ المفيد قدس الله روحه في كتاب الفصول فيما نقل عنه السيد المرتضى :
الامامية هم القائلون بوجوب الامامة والعصمة ووجوب النص ، وإنما حصل لها
هذا الاسم في الاصل لجمعها في المقالة هذه الاصول ، فكل من جمعها إمامي ، وإن ضم
إليها حقا في المذهب - كان - أم باطلا ، ثم إن من شمله هذا الاسم واستحقه لمعناه قد
افترقت كلمتهم في أعيان الائمة وفي فروع ترجع إلى هذه الاصول وغير ذلك فأول
من شذ ( 1 ) عن الحق من فرق الامامية الكيسانية وهم أصحاب المختار ، وإنما
سميت بهذا الاسم لان المختار كان اسمه أولا الكيسان ، وقيل : إنه سمي ( 2 ) بهذا
الاسم لان أباه حمله وهو صغير ، فوضعه بين يدي أمير المؤمنين عليه السلام قالوا : فمسح يده
على رأسه وقال : كيس كيس ، فلزمه هذا الاسم ، وزعمت فرقة منهم أن محمد بن علي
استعمل المختار على العراقين بعد قتل الحسين عليه السلام وأمره بالطلب بثاراته ، وسماه
كيسان لما عرف من قيامه ومذهبه ، وهذه الحكايات في معنى اسمه في الكيسانية
خاصة ، وأما نحن فلا نعرف لم سمي بهذا ( 3 ) ولا نتحقق معناه .
___________________________________________________________
( 1 ) أى خالف .
( 2 ) في المصدر : انما سمى .
( 3 ) : وهذه الحكايات في اسمه عن الكيسانية خاصة ، فأما نحن فلا نعرف له
الا أنه سمى بهذا .
[ 2 ]
وقالت هذه الطائفة بإمامة أبي القاسم محمد بن أمير المؤمنين عليه السلام ابن خولة
الحنفية ، وزعموا أنه هو المهدي الذي يملا الارض قسطا وعدلا كما ملئت ظلما
وجورا ، وأنه حي لم يمت ولا يموت حتى يظهر بالحق ( 1 ) ، وتعلقت في إمامته
بقول أمير المؤمنين عليه السلام له يوم البصرة : أنت ابني حقا ، وأنه كان صحاب رايته كما
كان أمير المؤمنين عليه السلام صاحب راية رسول الله صلى الله عليه وآله ، وكان ذلك عندهم دليلا ( 2 ) على
أنه أولى الناس بمقامه ، واعتلوا في أنه المهدي بقول النبي صلى الله عليه وآله : " لن تنقضي ،
الايام والليالي حتى يبعث الله تعالى رجلا من أهل بيتي اسمه اسمي ، وكنيته كنيتي ،
واسم أبيه اسم أبي ، يملا الارض قسطا وعدلا كما ملئت ظلما وجورا " قالوا : وكان
من أسماء أمير المؤمنين عليه السلام عبدالله بقوله : " أنا عبدالله وأخو رسوله صلى الله عليه وآله ( 3 )
وأنا الصديق الاكبر لا يقولها بعدي إلا كذاب مفتر " وتعلقوا في حياته أنه إذا ثبت
إمامته بأنه القائم فقد بطل أن يكون الامام غيره ، وليس يجوز أن يموت قبل ظهوره
فتخلو الارض من حجة ، ولابد ( 4 ) على صحة هذه الاصول من حياته .
وهذه الفرقة بأجمعها تذهب إلى أن محمدا كان الامام بعد الحسن والحسين عليهما السلام
وقد حكي عن بعض الكيسانية أنه كان يقول : إن محمدا كان الامام بعد أمير المؤمنين
عليه السلام ويبطل إمامة الحسن والحسين ، ويقول : إن الحسن إنما دعا في باطن الدعون
إلى محمد بأمره ! وإن الحسين ظهر بالسيف بإذنه ، وإنهما كانا داعيين إليه وأميرين
من قبله ! وحكي عن بعضهم أن محمدا رحمه الله عليه مات وحصلت الامامة من بعده في
ولده ، وأنها انتقلت من ولده إلى ولد العباس بن عبدالمطلب ، وقد حكي أيضا أن
منهم من يقول : إن عبدالله بن محمد حي لم يمت ( 5 ) وأنه القائم ، وهذه حكاية شاذة ،
وقيل : إن منهم من يقول : إن محمدا قد مات وإنه يقوم بعد الموت وهو المهدي ،
___________________________________________________________
( 1 ) في المصدر : حتى يظهر الحق .
( 2 ) : وكان ذلك عندهم الدليل ا ه .
( 3 ) : وأخو رسول الله .
( 4 ) : فلابد .
( 5 ) : لا يموت .
[ 3 ]
وينكر حياته ، وهذا أيضا قول شاذ ، وجميع ما حيكينا بعد الاول من الاقوال هو
حادث ألجا القوم إليه الاضطرار عند الحيرة وفراقهم الحق ، والاصل المشهور ما حكيناه
من قول الجماعة المعروفة بإمامة أبي القاسم بعد أخويه عليهما السلام والقطع على حياته وأنه
القائم ، مع أنه لا بقية للكيسانية جملة ، وقد انقرضوا حتى لا يعرف منهم في هذا
الزمان أحد إلا ما يحكى ولا يعرف صحته .
وكان من الكيسانية أبوهاشم إسماعيل بن محمد الحميري رحمه الله ( 1 ) ، وله في
مذهبهم أشعار كثيرة ، ثم رجع عن القول بالكيسانية وبرئ منه ( 2 ) ودان بالحق ،
لان أبا عبدالله جعفر بن محمد عليهما السلام دعاه إلى إمامته وأبان له عن فرض طاعته ، فاستجاب
له وقال بنظام الامامة ، وفارق ما كان عليه من الضلالة ، وله في ذلك أيضا شعر معروف ،
فمن بعض قوله في إمامة محمد ومذهب الكيسانية قوله :
ألا حي المقيم بشعب رضوى * وأهدله بمنزلة السلاما ( 3 )
أضر بمعشر والوك منها * وسموك الخليفة والاماما
وعادوا فيك أهل الارض طرا * مقامك عندهم سعبين عاما
لقد أضحى بمورق شعب رضوى * تراجعه الملائكة الكلاما
وما ذاق ابن خولة طعم موت * ولا وارت له أرض عظاما
وإن له بها لمقيل صدق * وأندية يحدثه الكراما
وله أيضا - وقد روى عبدالله بن عطاء بن أبي جعفر الباقر عليه السلام أنه قال : أنا
دفنت عمي محمد بن الحنفية ونفضت يدي من تراب قبره فقال - :
نبئت أن ابن عطاء روى * وربما صرح بالمنكر
لما روى أن أبا جعفر * قال ولم يصدق ولم يبرر
___________________________________________________________
( 1 ) في المصدر : الحميرى الشاعر رحمه الله .
( 2 ) : وتبرأ منه .
( 3 ) رضوى - بفتح اوله وسكون ثانية - جبل بين مكة والمدينة قرب ينبع على مسيرة
يوم منها يزعم الكيسانية أن محمد بن الحنفية مقيم به حى يرزق - هدل الشئ : ارسله إلى اسفل
وارخاه .
وفى المصدر : وأهله .
وفيه بعد هذا البيت :
وقل يا ابن الوصى فدتك نفسى * أطلت بذلك الجبل المقاما
[ 4 ]
دفنت عمي ثم غادرته ( 1 ) * صفيح لبن وتراب ثرى
ما قاله قط ولو قاله * قلت اتقاء من أبي جعفر
وله عند رجوعه إلى الحق ( 2 )
تجعفرت باسم الله والله أكبر * وأيقنت أن الله يعفو ويغفر
ودنت بدين غير ما كنت دانيا * به ونهاني سيد الناس جعفر
فقلت له هبني تهودت برهة * وإلا فديني دين من يتنصر
فلست بغال ما حييت وراجعا ( 3 ) * إلى ما عليه كنت أخفي وأضمر
ولا قائلا قولا لكيسان بعدها * وإن عاب جهال مقالي وأكبروا
ولكنه عني مضى لسبيله * على أحسن الحالات يقفى ويؤثر ( 4 )
وكان كثير عزة كيسانيا ومات على ذلك ، وله في مذهب الكيسانية قوله :
ألا إن الائمة من قريش * ولاة الحق أربعة سواء
علي والثلاثة من بنيه * هم الاسباط ليس بهم خفاء
فسبط سبط أيمان وبر * وسبط غيبته كربلاء
وسبط لا يذوق الموت حتى * يقود الخيل يقدمها اللواء
يغيب فلا يرى فيهم زمانا * برضوى عنده غيل وماء ( 6 )
قال الشيخ أدام الله عزه : وأنا أعترض على أهل هذه الطائفة مع اختلافها في
مذاهبها بما أدل به على فساد أقوالها بمختصر من القول وإشارة إلى معاني الحجاج
دون استيعاب ذلك وبلوغ الغاية ، إذ ليس غرضي القصد لنقض المذاهب الشاذة
___________________________________________________________
( 1 ) غادره : تركه وأخفاه .
( 2 ) في المصدر بعد ذلك : وفراقه الكيسانية .
( 3 ) : وراجع .
( 4 ) : ولكنه من قد مضى لسبيله .
( 5 ) هو كثير بن عبدالرحمان بن الاسود بن عامر الخزاعى ، اخباره مع عزة بنت جميل
الضمرية كثيرة حتى انه انتسب اليها واشتهر بهذا الاسم ( الاغانى 258 ) .
( 6 ) الغيل : الماء الجارى على وجه الارض وسيأتى له معنى آخر في البيان .
وفى
المصدر : عسل وماء .
[ 5 ]
النظام عن الامامة ( 1 ) في هذا الكتاب ، وإنما غرضي حكايتها ، فأحببت أن لا اخليها
-بحار الانوار مجلد: 33 من ص 5 سطر 2 الى ص 13 سطر 2
من رسم لمع من الحجج ( 2 ) على ما ذكرت وبالله التوفيق .
مما يدل على بطلان قول الكيسانية في إمامة محمد رحمة الله عليه أنه لو كان على
ما زعموا إماما معصوما يجب على الامة طاعته ، لوجب النص عليه أو ظهور العلم الدال
على صدقه ، إذا العصمة لا تعلم بالحس ولا تدرك من ظاهر الخلقة ، وإنما تعلم بخبر
علام الغيوب المطلع على الضمائر ( 3 ) أو بدليله على ذلك ، وفي عدم النص
على محمد من الرسول صلى الله عليه وآله أو من أبيه عليه السلام أو من أخويه عليهما السلام أيضا ( 4 ) دليل على
بطلان مقال من ذهب إلى إمامته ، وكذلك عدم الخبر المتواتر بمعجز ظهر عليه عند دعوته
إلى إمامته أن لو كان ادعاها ( 5 ) برهان على ما ذكرناه ، مع أن محمدا لم يدع قط
الامامة لنفسه ، ولا دعا أحدا إلى اعتقاد ذلك فيه ، وقد كان سئل عن ظهور المختار
وادعائه عليه أنه أمره بالخروج والطلب بثار الحسين عليه السلام وأنه أمره أن يدعو
الناس إلى إمامته ، عن ذلك وصحته ، فأنكره وقال لهم : والله ما أمرته بذلك لكني
لا ابالي أن يأخذ بثارنا كل أحد ، وما يسوؤني أن يكون المختار هو الذي يطلب
بدمائنا ، فاعتمد السائلون له على ذلك - وكانوا كثيرة قد رحلوا إليه لهذا المعنى بعيينه على
ما ذكره أهل السير - ورجعوا ، فنصر أكثرهم المختار على الطلب بدم أبي عبدالله
الحسين عليه السلام ولم ينصروه على القول بإمامة أبي القاسم ، ومن قرأ الكتب وعرف
الآثار وتصفح الاخبار وما جرى عليه أمر المختار لم يخف عليه هذا الفصل الذي ذكرناه ،
فكيف يصح القول بإماة محمد مع ما وصفناه ؟
فأما ما تعلقوا به فيما ادعوه من إمامته من قول أمير المؤمنين عليه السلام له يوم البصرة
وقد أقدم بالراية : " أنت ابني حقا " فإنه جهل منهم بمعاني الكلام وعجرفة في النظر
___________________________________________________________
( 1 ) في المصدر : الشاذة عن النظام عن الامامة .
( 2 ) : يبلغ من الحجج .
( 3 ) : المطلع على السرائر .
( 4 ) ليست كلمة " ايضا " في المصدر .
( 5 ) كذا في النسخ ، وفى المصدر .
اذ لو كان ادعاؤها برهانا اه .
[ 6 ]
والحجاج ، وذلك أن النص لا يعقل من ظاهر هذا الكلام ولا من فحواه على معقول أهل
اللسان ، ولا من تأويله على شئ من اللغات ، ولا فصل بين من ادعى أن الامامة تعقل
من هذا اللفظ وأن النص بها يستفاد منه وبين من زعم أن النبوة تعقل منه وتستفاد من
معناه ، إذ تعريه من الامرين جميعا على حد واحد .
فإن قال منهم قائل : إن أمير المؤمنين عليه السلام لما كان إماما وقال لابنه محمد : " أنت
ابني حقا " دل ذلك ( 1 ) على أنه إنما شبهه به في الامامة لا غير وكان ( 2 ) هذا القول
منه تنبيها على استخلافه له على حسب ما رتبناه ، قيل له : لم زعمت ( 3 ) أنه لما أضافه إلى
نفسه وشبهه بها دل على أنه أراد التشبيه له بنفسه في الامامة دون غير هذه الصفة من
صفاته عليه السلام وما أنكرت ( 4 ) أنه أراد تشبيهه به في الصورة دون ما ذكرت ؟ فإن قال : إنه
لم يجر في تلك الحال ( 5 ) ذكر الصورة ولا ما يقتضي ( 6 ) أن يكون أراد تشبيهه به فيها
بالاضافة التي ذكرها ، فكيف يجوز حمل كلامه على ذلك ؟ قيل له : وكذلك لم يجر في
تلك الحال للامامة ذكر فيكون إضافته له إلى نفسه ( 7 ) بالذكر دليلا على أنه أراد
تشبيهه به فيها ( 8 ) .
على أن لكلامه عليه السلام معنى معقولا لا يذهب عنه ( 9 ) منصف ، وذلك أن محمدا لما
حمل الراية ثم صبر حتى كشف أهل البصرة فأبان من شجاعته وبأسه ونجدته ما كان
مستورا سر بذلك أمير المؤمنين عليه السلام فأحب أن يعظمه ( 10 ) ويمدحه على فعله فقال له :
" أنت ابني حقا " يريد عليه السلام به أنك أشبهتني في الشجاعة والبأس والنجدة ( 11 ) ، وقيل
___________________________________________________________
( 1 ) في المصدر : دل ذلك .
( 2 ) : فكان .
( 3 ) : على حسب ما بيناه ، قيل لهم : لم زعمتم اه .
( 4 ) اى : لم أنكرت ، وكذا فيما سيأتى ( ب ) .
( 5 ) في المصدر : في تلك الحالة .
( 6 ) اى ولم يجر في المقام ما يقتضى .
وفى المصدر : ولا يقتضى .
( 7 ) في المصدر : فتكون اضافته إلى نفسه .
( 8 ) اى في الامامة .
( 9 ) أى لا يعرض عنه .
( 10 ) في المصدر : ان يعظمه بذلك .
( 11 ) النجدة : الشجاعة .
الشدة والبأس .
[ 7 ]
من أشتبه أباه ( 1 ) فما ظلم ، وقيل : إن من نعمة الله ( 2 ) على العبد أن يشبه أباه ليصح
نسبه ، فكان الغرض المفهوم من قول أمير المؤمنين عليه السلام التشبيه لمحمد به في الشجاعة ،
والشهادة له بطيب المولد ، والقطع على طهارته ، والمدحة له بما تضمنه الذكر من إضافته ،
ولم يجر للامامة ذكر ولا كان هناك سبب يقتضي حمل الكلام على معناها ، ولا تأويله
على فائدة يقتضيها ، وإذا كان الامر على ما وصفناه سقطت شبهتهم في هذا الباب .
ثم يقال لهم : فإن أمير المؤمنين عليه السلام قال في ذلك اليوم بعينه في ذلك الموطن
نفسه بعد أن قال لمحمد المقال الذي رويتموه ( 3 ) للحسن والحسين عليهما السلام وقد رأى فيهما
انكسارا عند مدحه لمحمد : " وأنتما ابنا رسول الله صلى الله عليه وآله " فإن كان إضافة محمد رحمه الله
إليه بقوله : " أنت ابني حقا " يدل على نصه عليه فإضافة الحسن والحسين إلى رسول
الله صلى الله عليه وآله يدل على أنه قد نص على نبوتهما ! إذ كان الذي أضافهما إليه نبيا ورسولا
وإماما ، فإن لم يجب ذلك بهذه الاضافة لم يجب بتلك ما ادعوه ، وهذا بين لمن تأمله .
وأما اعتمادهم على إعطائه الراية يوم البصرة وقياسهم إياه بأمير المؤمنين عليه السلام عند
ما أعطاه رسول الله صلى الله عليه وسلم رايته فإن فعل النبي صلى الله عليه وآله ذلك وإعطاءه أمير المؤمنين عليه السلام
الراية لا يدل على أنه الخليفة من بعده ، ولو دل على ذلك لزم ( 4 ) أن يكون كل من حمل
الراية في عصر رسول الله صلى الله عليه وآله منصوصا عليه بالامامة ! وكل صاحب راية كان
لامير المؤمنين عليه السلام مشارا إليه بالخلافة ! وهذا جهل لا يرتكبه عاقل ، مع أنه يلزم
هذه الفرقة أن يكون محمد إماما للحسن والحسين عليهما السلام وأن لا تكون لهما إمامة البتة ،
لانهما لم يحملا الراية وكانت الراية له دونهما ، وهذا قول لا يذهب إليه إلا من شذ
من الكيسانية على ما حكيناه ، وقول اولئك ينتقض ( 5 ) بالاتفاق على قول النبي صلى الله عليه وآله
في الحسن والحسين : " ابناي هذان إماما قاما أو قعدا " وبالاتفاق على وصية أمير المؤمنين
___________________________________________________________
( 1 ) في المصدر : وقد قيل : إن من أشبه أباه اه .
( 2 ) : إن من نعم الله .
( 3 ) في المصدر : رسموه .
( 4 ) : لوجب .
( 5 ) في ( م ) و ( د ) منتقض .
وفى المصدر : منقوض .
[ 8 ]
إلى الحسن ووصية الحسن إلى الحسين عليهم السلام وبقيام الحسن عليه السلام بالامامة بعد أبيه ،
ودعائه الناس إلى بيعته على ذلك ، وبقيام الحسين عليه السلام من بعده وبيعة الناس له على
الامر ( 1 ) دون محمد حتى قتل ، من غير رجوع من هذا القول ، مع قول رسول الله صلى الله عليه وآله
فيهما الدال على عصمتهما وأنهما لا يدعيان باطلا حيث يقول : " ابناي هذان سيدا شباب
أهل الجنة " .
وأما تعلقهم بقول النبي صلى الله عليه وآله : " لن تنقضي الايام والليالي حتى يبعث الله
رجلا من أهل بيتي " إلى آخر الكلام فإن بإزائهم الزيدية يدعون ذلك في محمد بن
عبدالله بن الحسن بن الحسن ، وهم أولى به منهم ، لان أبا محمد كان اسمه المعروف به
عبدالله ، وكان أمير المؤمنين اسمه عليا ، وإنما انضاف إلى الله بالعبودية ( 2 ) ، وإن كان
لاضافته في هذا الموضع معنى يزيد على ما ذكرناه ، ليست بنا حاجة إلى الكشف عنه في
حجاج هؤلاء القوم ، مع أن الامامية الاثني عشرية أولى به في الحقيقة من الجميع ،
لان صاحبهم اسمه اسم رسول الله صلى الله عليه وآله ، وكنيته كنيته ، وأبوه عبد من عبيد الله ، وهم
يقولون بالعصمة وجميع اصول الامامة ، ويضمون مع الاخبار الواردة بالنصوص على
الائمة ، وينقلون فضائل من تقدم القائم من آبائه عليهم السلام ومعجزاتهم وعلومهم التي
بانوابها من الرعية ، ولا يدفعون ضرورة من موت حي ، ولا يقدمون على تضليل معصوم
وتكذيب إمام عدل ، والكيسانية بالضد ( 3 ) مما حكيناه ، فلا معتبر بتعلقهم بظاهر لفظ
قد تحدثته الفرق ، إذ المعتمد هو الحجة والبرهان ولم يأت القوم بشئ منه فيكون عذرا
لهم فيما صاروا إليه .
وأما تعلقهم في حياته بما ادعوه من إمامته وبناؤهم على ذلك أنه القائم من
آل محمد فإنا قد أبطلنا ذلك بما تقدم من مختصر القول فيه ، فسقط بسقوطه وبطلانه ،
ومما يدل أيضا على فساده تواتر الخبر بنص أبي جعفر الباقر على ابنه الصادق عليهما السلام بالامامة ،
___________________________________________________________
( 1 ) في المصدر : بالامر .
( 2 ) في المصدر بعد ذلك : كما انضاف جميع العباد إلى الله بالعبودية .
( 3 ) : على الضد .
[ 9 ]
ونص الصادق على ابنه موسى ، ( 1 ) ونص موسى على علي ، وبظاهر الخبر عمن ذكرناه
بالعلوم الدالة على إمامتهم ، والمعجزات المنبئة عن حقهم ( 2 ) وصدقهم ، مع الخبر عن
النبي صلى الله عليه وآله بالنص عليهم من حديث اللوح ، وما رواه عبدالله بن مسعود ووصفه سلمان
من ذكر أعيانهم وأعدادهم ، وقد أجمع من ذكرناه بأسرهم والائمة من ذريتهم وجميع
أهل بيتهم على موت أبي القاسم ، وليس يصح أن يكون هؤلاء باطلا ، ويؤيد
ذلك أن الكيسانية في وقتنا هذا لا بقية لهم ولا يوجد عدد منهم يقطع العذر بنقله ،
بل لا يوجد أحد منهم يدخل في جملة أهل العلم ، بل لا نجد أحدا منهم جملة ، وإنما مع
الناس ( 3 ) الحكاية عنهم خاصة ، ومن كان بهذه المنزلة لم يجز أن يكون ما اعتمده من
طريق الرواية حقا ، لانه لو كان كذلك لما بطلت الحجة عليه بانقراض أهله ، وعدم
تواترهم ، فبان بما وصفناه أن مذهب القوم باطل لم يحتج الله به على أحد ، ولا ألزمه
اعتقاده على ما حكيناه .
قال الشيخ أدام الله عزه : ثم لم تزل الامامة على القول بنظام الامامة حتى
افترقت كلمتها بعد وفاة أبي عبدالله جعفر بن محمد عليهما السلام فقال فرقة منها : أن أبا عبدالله
حي لم يمت ولا يموت حتى يظهر فيملا الارض قسطا وعدلا كما ملئت ظلما وجورا ،
لانه القائم المهدي وتعلقوا بحديث رواه رجل يقال له عنبسة بن مصعب عن أبي عبدالله
عليه السلام أنه قال : " إن جاءكم من يخبركم عني بأنه غسلني وكفنني ودفنني فلا
تصدقوه " وهذه الفرقة تسمى الناووسية ، وإنما سميت بذلك لان رئيسهم في هذه
المقالة رجل من أهل البصرة يقال له عبدالله بن ناووس .
وقالت فرقة اخرى : إن أبا عبدالله عليه السلام توفي ونص على ابنه إسماعيل بن
جعفر ، وإنه الامام بعده ، وهو القائم المنتظر ، وإنما لبس على الناس في أمره لامر
رآه أبوه .
( 1 ) في المصدر : على ابنه الكاظم .
( 2 ) : عن حقوقهم .
( 3 ) : وانما يقع من الناس .
[ 10 ]
وقال فريق منهم : إن إسماعيل قد كان توفي على الحقيقة في زمن أبيه ، غير أنه
قبل وفاته نص على ابنه محمد ، وكان ( 1 ) الامام بعده ، وهؤلاء هم القرامطة وهم المباركية ،
فنسبهم إلى القرامطة برجل من أهل السواد يقال له قرمطويه ، ونسبهم إلى المباركية
برجل يسمى المبارك مولى إسماعيل بن جعفر ، والقرامطة أخلاف المباركية والمباركية
سلفهم .
وقال فريق من هولاء : إن الذي نص على محمد بن إسماعيل هو الصادق عليه السلام
دون إسماعيل ، وكان ذلك الواجب عليه ، لانه أحق بالامر بعد أبيه من غيره ، ولان
الامامة لا يكون في أخوين بعد الحسن والحسين ، وهؤلاء الفرق الثلاث هم الاسماعيلية ،
وإنما سموا بذلك لادعائهم إمامة إسماعيل ، فأما علتهم في النص على إسماعيل فهي
أن قالوا : كان إسماعيل أكبر ولد جعفر ، وليس يجوز أن ينص على غير الاكبر ،
قالوا : وقد أجمع من خالفنا على أن أبا عبدالله نص على إسماعيل ، غير أنهم ادعوا
أنه بدالله فيه ، وهذا قول لا نقبله منهم .
وقالت قرقة اخرى : إن أبا عبدالله توفي وكان الامام بعده محمد بن جعفر ،
واعتلوا في ذلك بحديث تعلقوا به ، وهو أن أبا عبدالله على ما زعموا كان في داره جالسا
فدخل عليه محمد وهو صبي صغير ، فعدا إلى فكبا ( 2 ) في قميصه ووقع لوجهه ( 3 ) ،
فقام إليه أبوعبدالله فقبله ومسح التراب عن وجهه وضمه إلى صدره وقال : سمعت أبي
يقول : إذا ولد لك ولد يشبهني فسمه باسمي ، وهذا الولد شبيهي وشبيه رسول الله
صلى الله عليه وآله وعلى سنته ( 4 ) ، وهذه الفرقة تسمى السبطية ( 5 ) لنسبتها إلى رئيس لها كان
يقال له : يحيى بن أبي السبط ( 6 ) .
___________________________________________________________
( 1 ) في المصدر : فكان .
( 2 ) اى انكب .
( 3 ) في المصدر : ووقع لحر وجهه .
( 4 ) بعد ذلك : وشبيه على .
( 5 ) : الشمطية ( السمطية خ ل ) .
( 6 ) : لنسبتها إلى رجل يقال له يحيى بن ابى السمط وهو رئيسهم .