[ 11 ]

وقالت فرقة اخرى : إن الامام بعد أبي عبدالله ابنه عبدالله بن جعفر ، واعتلوا في ذلك بأنه كان أكبر ولد أبي عبدالله ، وأن أبا عبدالله عليه السلام قال : الامامة لا تكون إلا في الاكبر من ولد الامام ! وهذه الفرقة تسمى الفطحية ، وإنما سميت بذلك لان رئيسا لها يقال له عبدالله بن أفطح ، ويقال : إنه كان أفطح الرجلين ( 1 ) ، ويقال : بل كان أفطح الرأس ، ويقال : إن عبدالله كان هو الافطح .
قال الشيخ أدام الله عزه : فأما الناووسية فقد ارتكبت في إنكارها وفاة أبي عبدالله عليه السلام ضربا من دفع الضرورة وإنكار المشاهدة ، لان العلم بوفاته كالعلم بوفاة أبيه من قبله ، ولا فرق بين هذه الفرقة وبين الغلاة الدافعين لوفاة أمير المؤمنين عليه السلام وبين من أنكر مقتل الحسين عليه السلام ودفع ذلك وادعى أنه كان مشبها للقوم ، فكل شئ جعلوه فصلا بينهم وبين من ذكرناه فهو دليل على بطلان ما ذهبوا إليه في حياة أبي عبدالله عليه السلام ، وأما الخبر الذي تعلقوا به فهو خبر واحد لا يوجب علما ولا عملا ، ولو رواه ألف إنسان وألف ألف لما جاز أن يجعل ظاهره حجة في دفع الضرورات وارتكاب الجهالات بدفع المشاهدات ، على أنه يقال لهم : ما أنكرتم أن يكون هذا القول إنما صدر من أبي عبدالله عند توجهه إلى العراق ليؤمنهم من موته في تلك الاحوال ، ويعرفهم رجوعه إليهم من العراق ، ويحذرهم من قبول أقوال المرجفين به ( 2 ) المؤدية إلى الفساد ، ولا يجب أن يكون ذلك مستغرقا لجميع الازمان ، وأن يكون على العموم في كل حال ، ويحتمل أن يكون أشار إلى جماعة علم أنهم لا يبقون بعده وأنه يتأخر عنهم فقال : " من جاءكم من هؤلاء " فقد جاء في بعض الاسانيد " من جاءكم منكم " وفي بعضها " من جاءكم من أصحابي " وهذا يقتضي الخصوص .
وله وجه آخر وهو أنه عنى بذلك كل الخلق ما سوى الامام القائم من بعده لانه ليس يجوز أن يتولى غسل الامام وتكفينه ودفنه إلا الامام القائم مقامه عليه السلام إلا أن تدعو ضرروة إلى غير ذلك ، فكأنه أنبأهم بأنه لا ضرورة تمنع القائم من بعده عن

___________________________________________________________
( 1 ) الافطح : العريض .
( 2 ) أرجف : خاض في الاخبار السيئة والفتن قصد أن يهيج الناس .

[ 12 ]

تولي أمره بنفسه ، وإذا كان الخصوص قد يكون في كتاب الله عزوجل مع ظاهر القول للعموم وجاز أن يخص القرآن ويصرف عن ظواهره على مذهب أصحاب العموم بالدلائل فلم لا جاز الانصراف عن ظاهر قول أبي عبدالله عليه السلام إلى معنى يلائم الصحيح ولا يحمل على وجه يفسد المشاهدات ويسد على العقلاء باب الضرورات ، وهذا كاف في هذا الموضع إن شاء الله ، مع أنه لا بقية للناووسية ، ولم يكن في الاصل أيضا كثرة ، ولا عرف منهم رجل مشهور بالعلم ، ولا قرئ لهم كتاب ، وإنما هي حكاية إن صحت فعن عدد يسير لم يبرز قولهم حتى اضمحل وانتقض ، وفي هذا كفاية عن الاطالة في نقضه .
وأما ما اعتلت به الاسماعيلية من أن إسماعيل - رحمه الله - كان الاكبر وأن النص يجب أن يكون الاكبر فلعمري إن ذلك يجب إذا كان الاكبر باقيا بعد الوالد ، فأما إذا كان المعلوم من حاله أنه يموت في حياته ولا يبقى بعده فليس يجب ما ادعوه ، بل لا معنى للنص عليه ، ولو وقع لكان كذبا ، لان معنى النص أن المنصوص عليه خليفة الماضي فيما كان يقوم به ، وإذا لم يبق بعده لم يكن خليفة ، ويكون ( 1 ) النص حينئذ عليه كذبا لا محالة ، وإذا علم الله سبحانه أنه يموت قبل الاول وأمره باستخلافه كان الامر بذلك عبثا مع كون النص كذبا ، لانه لا فائدة فيه ولا غرض صحيح فبطل ما اعتمدوه في هذا الباب .
وأما ما ادعوه من تسليم الجماعة لهم حصول النص عليه فإنهم ادعوا في ذلك باطلا وتوهموا فاسدا من قبل أنه ليس أحد من أصحابنا يعترف بأن أبا عبدالله عليه السلام نص على ابنه إسماعيل ، ولا روى راو ذلك في شاذ من الاخبار ولا في معروف منها ، وإنما كان الناس في حياة إسماعيل يظنون أن أبا عبدالله ينص عليه لانه أكبر أولاده ، وبما كانوا يرونه من تعظيمه ، فلما مات إسماعيل زالت ظنونهم وعلموا أن الامامة في غيره فتلعق هؤلاء المبطلون بذلك الظن وجعلوه أصلا ، وادعوا أنه قد وقع النص ، وليس معهم في ذلك خبر ولا أثر ( 2 ) يعرفه أحد من نقله الشيعة ، وإذا كان

___________________________________________________________
( 1 ) المصدر : فيكون .
( 2 ) : أثر ولا خبر .

[ 13 ]

معتمدهم على الدعوى المجردة عن البرهان فقد سقط بما ذكرناه .
فأما الرواية عن أبي عبدالله عليه السلام من قوله : " ما بدالله في شئ كما بداله في
-بحار الانوار مجلد: 33 من ص 13 سطر 3 الى ص 21 سطر 5 إسماعيل " فإنها على غير ما توهموه أيضا من البداء في الامامة ، وإنما معناها ما روي عن أبي عبدالله عليه السلام أنه قال : " إن الله عزوجل كتب القتل على ابني إسماعيل مرتين ، فسألته فيه فرقا ( 1 ) ، فما بداله في شئ كما بداله في إسماعيل " يعني به ما ذكره من القتل الذي كان مكتوبا فصرفه عنه بمسألة أبي عبدالله عليه السلام فأما الامامة فإنه لا يوصف الله عزوجل بالبداء فيها ( 2 ) وعلى ذلك إجماع فقهاء الامامية ، ومعهم فيه أثر عنهم عليهم السلام أنهم قالوا : " مهما بدالله في شئ فلا يبدو له في نقل نبي عن نبوته ولا إمام عن إمامته ولا مؤمن قد أخذ عهده بالايمان عن إيمانه " وإذا كان الامر على ما ذكرناه فقد بطل أيضا هذا الفصل الذي اعتمدوه وجعلوه دلالة على نص أبي عبدالله عليه السلام على إسماعيل .
فأما من ذهب إلى إمام محمد بن إسماعيل بنص أبيه عليه فإنه منتقض القول فاسد الرأي ، من قبل أنه إذا لم يثبت لاسماعيل إمامة في حياة أبي عبدالله عليه السلام لاستحالة وجود إمامين بعد النبي صلى الله عليه وآله في زمان واحد لم يجز أن يثبت إمامة محمد ، لانها تكون حينئذ ثابتة بنص غير إمام ، وذلك فاسد في النظر الصحيح .
وأما من زعم بأن أبا عبدالله عليه السلام نص على محمد بن إسماعيل بعد وفاة أبيه فإنهم لم يتعلقوا في ذلك بأثر ، وإنما قالوه قياسا على أصل فاسد ، وهو ما ذهبوا إليه من حصول النص على أبيه إسماعيل ( 3 ) ، فزعموا أن العدل يوجب بعد موت إسماعيل النص على ابنه لانه أحق الناس به ، وإذا كنا قد بينا عن بطلان قولهم فيما ادعوا من النص على إسماعيل فقد فسد أصلهم الذي بنوا عليه الكلام ، على أنه لو ثبت ما ادعوه من نص ابي عبدالله على ابنه إسماعيل لما صح قولهم في وجوب النص على محمد ابنه من بعده ، لان الامامة والنصوص ليستا موروثتين على حد ميراث الاموال ولو كانت كذلك

___________________________________________________________
( 1 ) في المصدر : فعفا عن ذلك .
( 2 ) : وأما الامامة فانه لا يوصف الله عزوجل فيه بالبداء .
( 3 ) : على ابنه إسماعيل .
فيكون مرجع الضمير أبا عبدالله عليه السلام .

[ 14 ]

لاشترك فيها ولد الامام ، وإذا لم تكن موروثة وكانت إنما تجب لمن له صفات مخصوصة ومن أوجبت المصلحة إمامته فقد بطل أيضا هذا المذهب .
وأما من ادعى إمامة محمد بن جعفر ، عليه السلام بعد أبيه فإنهم شذاذ جدا ، قالوا بذلك زمانا مع قلة عددهم وإنكار الجماعة عليهم ، ثم انقرضوا حتى لم يبق منهم أحد يذهب إلى هذا المذهب ، وفي ذلك بطلان مقالتهم ( 1 ) ، لانها لو كانت حقا لما جاز أن يعدم الله تعالى أهلها ( 2 ) كافة حتى لم يبق ( 3 ) منهم من يحتج بنقله ، مع أن الحديث الذي رووه لا يدل على ما ذهبوا إليه لو صح وثبت ، فكيف وليس هو حديثا معروفا ولا رواه محدث مذكور ، وأكثر ما فيه عند ثبوت الرواية أنه خبر واحد وأخبار الآحاد لا يقطع على الله عزوجل بصحتها ، ولو كان صحيحا أيضا لما كان من متضمنه ( 4 ) دليل الامامة ، لان مسح أبي عبدالله التراب عن وجه ابنه ليس بنص عليه في عقل ولا سمع ولا عرف ولا عادة .
وكذلك قوله : " إن أبي أخبرني أن سيولد لي ولد يشبهه ، وإنه أمره بتسميته باسمه ، وإنه أخبره أنه يكون على سنة رسول الله صلى الله عليه وآله ( 5 ) " ولا في مجموع هذا كله دلالة على الامامة في ظاهر قول وفعل ولا في تأويله ، وإذا لم يكن في ذلك في دلالة على ما ذهبوا إليه بان بطلانه ، مع أن محمد بن جعفر خرج بالسيف بعد أبيه ودعا إلى إمامته ، وتسمى بإمره المؤمنين ! ولم يتسم بذلك أحد ممن خرج من آل أبي طالب ، ولا خلاف بين أهل الامامة أن من تسمى بهذا الاسم بعد أمير المؤمنين عليه السلام فقد أتى منكرا ، فكيف يكون هذا على سنة رسول الله صلى الله عليه وآله ( 6 ) ، لو لا أن الراوي لهذا الحديث قد وهم فيه أو تعمد الكذب .
وأما الفطحية فإن أمرها أيضا واضح ، وفساد قولها غير خاف ولا مستور عمن تأمله ، وذلك أنهم لم يدعوا نصا من أبي عبدالله عليه السلام على عبدالله ، وإنما عملوا على ما رووه من أن

___________________________________________________________
( 1 ) في المصدر : ابطال مقالتهم .
( 2 ) : لما جاز لله أن يعدم أهلها .
( 3 ) : لا يبقى .
( 4 ) : في متضمنه .
( 5 ) : على شبه رسول الله صلى الله عليه وآله .
( 6 ) : شبه رسول الله صلى الله عليه وآله .

[ 15 ]

الامامة تكون في الاكبر ، وهذا حديث لم يرو قط إلا مشروطا ، وهو أنه قد ورد أن الامامة تكون في الاكبر ما لم تكن به عاهة ، وأهل الامامة القائلون بإمامة موسى عليه السلام متواترون بأن عبدالله كان به عاهة في الدين ، لانه كان يذهب إلى مذهب المرجئة الذين يقفون في علي عليه السلام وعثمان ، وأن أبا عبدالله عليه السلام قال وقد خرج من عنده عبدالله : " هذا مرجئ كبر ؟ " وأنه دخل عليه يوما ( 1 ) وهو يحدث أصحابه فلما رآه سكت حتى خرج ، فسئل عن ذلك فقال : أو ما علمتم أنه من المرجئة ؟ هذا مع أنه لم يكن له من العلم ما يتخصص به من العامة ، ولا روي عنه شئ من الحلال والحرام ، ولا كان بمنزلة من يستفتى في الاحكام ، وقد ادعى الامامة بعد أبيه فامتحن بمسائل صغار فلم يجب عنها ولا تأتى للجواب ، فأي علة أكثر مما ذكرناه تمنع من إمامة هذا الرجل ؟ مع أنه لو لم يكن علة تمنع من إمامته لما جاز من أبيه صرف النص عنه ، ولو لم يكن قد صرفه عنه لاظهر فيه ، ولو أظهر لنقل وكان معروفا في أصحابه ، وفي عجز القوم عن التعلق بالنص عليه دليل على بطلان ما ذهبوا إليه .
قال الشيخ أدام الله عزه : ثم لم تزل الامامية بعد من ذكرناه على نظام الامامة حتى قبض موسى بن جعفر عليهما السلام فافترقت بعد وفاته فرقا ، قال جمهورهم بإمامة أبي الحسن الرضا عليه السلام ودانوا بالنص على وسلكوا الطريقة المثلى ( 2 ) في ذلك ، وقال جماعة منهم بالوقف على أبي حسن موسى عليه السلام ، وادعوا حياته وزعموا أنه هو المهدي المنتظر وقال فريق منهم : أنه قد مات وسيبعث وهو القائم بعده ، واختلفت الواقفة في الرضا عليه السلام ومن قام من آل محمد بعد أبي الحسن موسى عليه السلام ( 3 ) فقال بعضهم : هؤلاء خلفاء أبي الحسن وامراؤه وقضاته إلى أوان خروجه ، وإنهم ليسوا بأئمة وما ادعوا الامامة قط ، وقال الباقون : إنهم ضالون مخطؤون ظالمون ، وقالوا في الرضا عليه السلام خاصة قولا عظيما ، وأطلقوا تكفيره وتكفير من قام بعده من ولده ! وشذت فرقة ممن كان على الحق إلى

___________________________________________________________
( 1 ) في المصدر : وانه دخل عليه عبدالله يوما .
( 2 ) مؤنت الامثل : الافضل .
( 3 ) في المصدر : واختلفت الواقفة في الرضا عيله السلام بعد أبيه أبى الحسن موسى عليه السلام .

[ 16 ]

قول سخيف جدا ، فأنكروا موت أبي الحسن وحبسه وزعموا أن ذلك كان تخييلا للناس ! وادعوا أنه حي غائب وأنه هو المهدي ، وزعموا أنه استخلف على الامر محمد بن بشير ( 1 ) مولى بني أسد ، وذهبوا إلى الغلو والقول بالاتحاد ( 2 ) ، ودانوا بالتناسخ .
واعتلت الواقفة فيما ذهبت إليه بأحاديث رووها عن أبي عبدالله عليه السلام منها أنهم حكوا عنه أنه لما ولد موسى بن جعفر عليه السلام دخل أبوعبدالله عليه السلام على حميدة البربرية أم موسى عليه السلام فقال لها : يا حميدة بخ بخ حل الملك في بيتك ، قالوا : وسئل عن اسم القائم فقال : اسمه اسم حديدة الحلاق ، فيقال : لهذه الفرقة ما الفرق بينكم ( 3 ) وبين الناووسية الواقفة على أبي عبدالله عليه السلام والكيسانية والواقفة على أبي القاسم بن الحنيفة ، والمفوضة المنكرة لوفاة أبي عبدالله الحسين الدافعة لقتله ، والسبأية المنكرة لوفاة أمير المؤمنين عليه السلام المدعية حياته ، والمحمدية النافية لموت رسول الله صلى الله عليه وآله المتدينة بحياته ؟ وكل شئ راموا به كسر مذاهب من عددناه ( 4 ) فهو كسر لمذاهبهم ودليل على إبطال مقالتهم .
ثم يقال لهم فيما تعلقوا به من الحديث الاول : ما أنكرتم أن يكون الصادق عليه السلام أراد بالملك الامامة على الخلق وفرض الطاعة على البشر وملك الامر والنهي ؟ وأي دليل في قوله لحميدة : " حل الملك في بيتك " على أنه نص على أنه القائم بالسيف ؟ أما سمعتم الله تعالى يقول : " فقد آتينا آل إبراهيم الكتاب والحكمة وآتيناهم ملكا عظيما ( 5 ) " وإنما اراد ملك الدين والرئاسة على العالمين ( 6 ) ، وأما قوله : وقد سئل عن القائم ( 7 ) فقال : اسمه اسم حديدة الحلاق فإنه إن صح ذلك ( 8 ) - على أنه غير معروف -

___________________________________________________________
( 1 ) في المصدر : محمد بن بشر وسيأتى ترجمته في البيان .
( 2 ) كذا في ( ك ) و ( ت ) وفى غيره من النسخ وكذا المصدر : والقول بالاباحة .
( 3 ) في المصدر : ما الفصل بينكم .
( 4 ) : من عددناهم .
( 5 ) سورة النساء : 54 .
( 6 ) في المصدر : والرئاسة فيه على العالمين .
( 7 ) : عن اسم القائم .
( 8 ) : ان صح وثبت ذلك .

[ 17 ]

فإنما أشاربه إلى القائم بالامامة بعده ، ولم يشر إلى القائم بالسيف ، وقد علمنا أن كل إمام فهو قائم بالامر بعد أبيه ، فأي حجة فيما تعلقوا به لولا عمى القلوب ؟ على أنه يقال لهم ( 1 ) : ما الدليل على إمامة أبي الحسن موسى عليه السلام ؟ وما البرهان على أن أباه نص عليه ؟ فبأي شئ تعلقوا في ذلك واعتمدوا عليه أريناهم بمثله إمامة الرضا عليه السلام ( 2 ) وثبوت النص من أبيه عليه السلام ، وهذا ما لا يجدون منه مخلصا .
وأما من زعم أن الرضا عليه السلام ومن بعده كانوا خلفاء أبي الحسن موسى عليه السلام ولم يدعوا الامر لانفسهم فإنه قول مباهت لا يفكر في دفعه بالضرورة ( 3 ) ، لان جميع شعية هؤلاء القوم وغير شيعتهم من الزيدية الخلص ومن تحقق بالنظر يعلم يقينا أنهم كانوا ينتحلون الامامة ، وأن الدعاة إلى ذلك خاصتهم من الناس ، ولا فصل بين هذه ( 4 ) في بهتها وبين الفرقة الشاذة من الكيسانية فيما ادعوه من أن الحسن والحسين عليهما السلام كانا خلفاء محمد ، وأن الناس لم يبايعوهما على الامامة لانفسهم ! وهذا قول وضوح فساده بغني عن الاطناب فيه .
وأما البشيرية ( 5 ) فإن دليل وفاة أبي الحسن وإمامة الرضا عليهما السلام وبطلان الحلول والاتحاد ولزوم الشرائع وفساد الغلو والتناسخ يدل بمجموع ذلك وبآحاده على فساد ما ذهبوا إليه .
قال الشيخ أدام الله عزه : ثم إن الامامية استمرت على القول باصول الامامة طول أيام أبي الحسن الرضا عليه السلام فلما توفي وخلف ابنه أبا جعفر عليه السلام وله عند وفاة أبيه سبع سنين اختلفوا وتفرقوا ثلاث فرق : فرقة مضت على سنن القول في الامامة ودانت

___________________________________________________________
( 1 ) في المصدر : مع أنه يقال لهم .
( 2 ) : صحة امامة الرضا عليه السلام .
( 3 ) كذا في ( ك ) ، وفى ( م ) و ( د ) : لا ينكر في دفع الضرورة .
وفى المصدر : لا يذكر في دفع الضرورة .
( 4 ) في المصدر : ولا فصل بين هذه الفرق .
( 5 ) : وأما البشرية .

[ 18 ]

بإمامة أبي جعفر عليه السلام ونقلت النص عليه ، وهم أكثر الفرق ( 1 ) عددا ، وفرقة ارتدت إلى قول الواقفة ورجعوا عما كانوا عليه من إمامة الرضا عليه السلام ، وفرقة قالت بإمامة أحمد بن موسى وزعموا أن الرضا عليه السلام كان وصى إليه ونص بالامامة عليه ، واعتل الفريقان الشاذان عن أصل الامامة بصغر سن أبي جعفر عليه السلام وقالوا : ليس يجوز أن يكون الامام ( 2 ) صبيا لم يبلغ الحلم فيقال لهم ما سوى الراجعة إلى مذاهب الوقف ( 3 ) كما قيل للواقفة : دلوا بأي دليل شئتم إلى إمامة الرضا عليه السلام حتى نريكم بمثله إمامة أبي جعفر عليه السلام ، وبأي شئ طعنتم على نقل النص على أبي جعفر عليه السلام ، فإن الواقفة تطعن بمثله في نقل النص على أبي الحسن الرضا عليه السلام ولا فصل في ذلك .
على أن ما اشتبه عليهم من جهة سن أبي جعفر فإنه بين الفساد ، وذلك أن كمال العقل لا يستنكر لحجج الله مع الصغر السن ، قال الله عزوجل : " قالوا كيف نكلم من كان في المهد صبيا قال إني عبدالله آتاني الكتاب وجعلني نبيا ( 4 ) " فخبر عن المسيح بالكلام في المهد ، وقال في قصة يحيى : " وآتيناه الحكم صبيا ( 5 ) " وقد أجمع جمهور الشيعة مع سائر من خالفهم على أن رسول الله صلى الله عليه وآله دعا عليا صغير السن ( 6 ) ، ولم يدع من الصبيان غيره ، وباهل بالحسن والحسين عليهما السلام وهما طفلان ، ولم ير مباهل قبله ولا بعده باهل بالاطفال ، وإذا كان الامر على ما ذكرناه من تخصيص الله تعالى حججه على ما شرحناه بطل ما تعلق به هؤلاء القوم ، على أنهم إن أقروا بظهور المعجزات عن الائمة عليهم السلام وخرق العادات لهم وفيهم بطل أصلهم الذي اعتمدوا ( 7 ) في إنكار إمامة أبي جعفر عليه السلام ، وإن أبوا ذلك لحقوا بالمعتزلة في إنكار المعجزات ( 8 ) إلا على الانبياء عليهم السلام ،

___________________________________________________________
( ) 1 ) في المصدر : وهى اكثر الفرق .
( 2 ) : أن يكون إمام الزمان اه .
( 3 ) : إلى التوقيف .
( 4 ) سورة مريم : 29 و 30 .
( 5 ) : 12 .
( 6 ) في المصدر : وهو صغير السن .
( 7 ) : اعتمدوا عليه .
( 8 ) : في انكار المعجز .

[ 19 ]

وكلموا بما يكلم به إخوانهم من أهل النصب ( 1 ) ، وهذا المقدار يكفي بمشيئة الله في نقض ما اعتمدوه بما حكيناه .
قال الشيخ أدام الله عزه : ثم ثبتت الامامية القائلون بإمامة أبي جعفر عليه السلام بأسرها على القول بإمامة أبي الحسن علي بن محمد عليه السلام من بعد أبيه ، ونقل النص عليه إلا فرقة قليلة العدد شذوا عن جماعتهم ، فقالوا بإمامة موسى بن محمد أخي أبي الحسن علي بن محمد عليه السلام ، ثم إنهم لم يثبتوا على هذا القول إلا قليلا حتى رجعوا إلى الحق ، ودانوا بإمامة علي بن محمد ، ورفضوا القول بإمامة موسى بن محمد ، وأقاموا جميعا على إمامة أبي الحسن عليه السلام ، فلما توفي تفرقوا بعد ذلك فقال الجمهور منهم بإمامة جميعا على محمد الحسن بن علي عليه السلام ونقلوا النص ( 2 ) وأثبتوه ، وقال فريق منهم : الامام ( 3 ) بعد أبي الحسن محمد بن علي أخو أبي محمد ، وزعموا أن أباه عليا نص عليه في حياته ، وهذا محمد كان قد توفي في حياة أبيه ، فدفعت هذه الفرقة وفاته ، وزعموا أنه لم يمت وأنه حي ، وهو الامام المنتظر ! وقال نفر من الجماعة شذوا أيضا عن الاصل أن الامام بعد محمد بن علي بن محمد بن علي بن موسى أخوه جعفر بن علي ، وزعموا أن أباه نص عليه بعد محمد ( 4 ) ، وأنه قائم بعد أبيه ، فيقال لهذه الفرقة الاولى ( 5 ) ك لم زعمتم أن الامام بعد أبي الحسن ابنه محمد ؟ وما الدليل على ذلك ؟ فان ادعوا النص طولبوا بلفظه والحجة عليه ، ولن يجدوا لفظا يتعلق به ( 6 ) في ذلك ولا تواترا يعتمدون عليه ، لانهم أنفسهم من الشذوذ ، والقلة على حد ينفي عنهم التواتر القاطع للعذر في العدد ، مع أنهم قد انقرضوا فلا بقية لهم ، وذلك مبطل أيضا ما ادعوه ، ويقال لهم في ادعاء حياته ما قيل للكيسانية والناووسية والواقفة ، ويعارضون بمن ذكرناه ( 7 ) فلا يجدون فصلا ،

___________________________________________________________
( 1 ) في المصدر : من أهل النصب والضلال .
( 2 ) : ونقلوا النص عليه .
( 3 ) : ان الامام .
( 4 ) : بعد مضى محمد .
( 5 ) : للفرقة الاولى .
( 6 ) : يتعلقون به .
( 7 ) : بما ذكرناه .

[ 20 ]

فأما أصحاب جعفر فأمرهم ( 1 ) مبني على إمامة محمد ، وإذا سقط قول هذا الفريق لعدم الدلالة على صحته وقيامها على إمامة أبي محمد عليه السلام فقد بان فساد ما ذهبوا إليه .
قال الشيخ أدام الله عزه : ولما توفي أبومحمد الحسن بن علي عليه السلام افترق أصحابه بعده - على ما حكاه أبومحمد الحسن بن موسى رحمه الله - ( 2 ) أربع عشرة فرقة ، فقال الجمهور منهم بإمامة القائم المنتظر ( 3 ) ، وأثبتوا ولادته ، وصححوا النص عليه ، وقالوا : هو سمي رسول الله صلى الله عليه وآله ومهدي الانام ، واعتقدوا أن له غيبتين إحداهما أطول من الاخرى ، فالاولى منهما هي القصرى ، وله فيها الابواب ( 4 ) والسفراء ، ورووا عن جماعة من شيوخهم وثقاتهم أن أباه الحسن عليه السلام أظهره لهم وأراهم شخصه ، واختلفوا في سنه عند وفاة أبيه ، فقال كثير منهم : كان سنه إذ ذاك خمس سنين ، لان أباه توفي سنة ستين ومائتين ، وكان مولد القائم سنة خمس وخمسين ومائتين ، وقال بعضهم : بل كان مولده سنة اثنتين وخمسين ومائتين وكان سنه عند وفاة أبيه ثمان سنين ، وقالوا : إن أباه لم يمت حتى أكمل الله عقله وعلمه الحكمة وفصل الخطاب ، وأبانه من سائر الخلق بهذه الصفة ، إذ كان خاتم الحجج ووصي الاوصياء وقائم الزمان ، واحتجوا في جواز ذلك بدليل العقل من حيث ارتفعت إحالته ودخل تحت القدرة لقوله تعالى ( 5 ) في قصة عيسى : " ويكلم الناس في المهد وكهلا ( 6 ) " وفي قصة يحيى " وآتيناه الحكم صبيا ( 7 ) " وقالوا : إن صاحب الامر حي لم يمت ولا يموت ولو بقي ألف عام حتى يملا الارض عدلا وقسطا ( 8 ) كما ملئت ظلما

___________________________________________________________
( 1 ) في المصدر : فان أمرهم .
( 2 ) سيأتى ترجمته في البيان .
( 3 ) في المصدر : ابنه القائم المنتظر .
( 4 ) : النواب خ ل .
( 5 ) في المصدر : وبقوله تعالى .
( 6 ) سورة آل عمران : 46 .
( 7 ) سورة مريم : 12 .
( 8 ) في المصدر : قسطا وعدلا .