[271]
هارون ومنازله من موسى عليه السلام فإذن هو وزير رسول الله صلى الله عليه وآله وشاد أزره ( 1 ) ، ولو لا
أنه خاتم النبيين لكان شريكا في أمره ، انتهى ( 2 ) .
وقال في موضع آخر : قال علي عليه السلام يوم الشورى : أفيكم أحد قال له رسول الله
أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي غيري ؟ قالوا : لا ( 3 ) .
أقول : اكتفينا بما أوردنا عن كثير مما تركنا والحمد لله الذي أظهر عناد من
نسب هذا الخبر إلى الشذوذ مع اعتراف هؤلاء الاعاظم من علمائهم بصحته بل بتواتره
" والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم " .
[ 41 - كنز الكراجكى : عن القاضي أسد بن إبراهيم السلمي ، عن عمر بن علي
العتكي ، عن محمد بن إبراهيم السمرقندي ، عن محمد بن عبدالله بن حكيم ، عن سفيان بن
بشر الاسدي ، عن علي بن هاشم ، عن محمد بن عبيدالله بن أبي رافع ، عن أبيه ، عن جده أبي رافع
أن النبي صلى الله عليه وآله جمع بني عبدالمطلب في الشعب وهم يومئذ أربعون رجلا ، قال : فجعل
لهم علي عليه السلام فخذا من شاة ثم ثرد لهم ثريدة ( 4 ) وصب عليها المرق ، وترك عليها اللحم
وقدمها ، فأكلوا منها حتى شبعوا ، ثم سقاهم عسا ( 5 ) واحدا فشربوا كلهم منه حتى
رووا ، فقال أبولهب : والله إن منا لنفرا يأكل الرجل منهم الجفنة ( 6 ) فما تكاد تشبعه
ويشرب الفرق ( 7 ) فما يرويه ، وإن هذا الرجل دعانا فجمعنا على رجل شاة وعس من
لبن فشبعنا وروينا منهما ، إن هذا لهو السحر المبين ! ثم دعاهم فقال : إن الله عزوجل
أمرني أن انذر عشيرتي الاقربين ورهطي المخلصين ، وإن الله تعالى لم يبعث نبيا إلا جعل له
من أهله أخا ووراثا ووزيرا ووصيا وخليفة في أهله ، فأيكم يبايعني على أنه أخي ووزيري
___________________________________________________________
( 1 ) الازر : الظهر .
( 2 ) شرح النهج لابن أبى الحديد 3 : 376 .
( 3 ) لم نظفر بموضعه .
( 4 ) ثرد الخبز : فته ثم بله بالمرق .
والمرق : الماء الذى اغلى فيه اللحم فصار دسما .
( 5 ) العس : القدح أو الاناء الكبير .
( 6 ) الجفنة : القصعة الكبيرة .
( 7 ) الفرق - بضم الفاء - اناء يكتال به .
[272]
ووارثي دون أهلي ويكون مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي ؟ فسكت
القوم ، فأعاد الكلام عليهم ثلاث مرات وقال : والله ليقومن قائمكم أو يكون في غيركم
ثم لتندمن ؟ قال : فقام علي عليه السلام وهم ينظرون كلهم إليه ، فبايعه وأجابه إلى ما دعاه
فقال له : ادن مني ، فدنا منه ، فقال : افتح فاك ، ففتح فاه ، فمج فيه من ريقه ( 1 ) وتفل
بين كتفيه وتفل بين قدميه ، فقال أبولهب : لبئس ما حبوت به ابن عمك إذا جاءك فملات
فاه بزاقا ! فقال رسول الله صلى الله عليه وآله : ملئ حكمة وعلما وفهما ، فقال لابي طالب : ليهنئك
أن تدخل اليوم في دين ابن أخيك وقد جعل ابنك مقدما عليك .
وعن السلمي ، عن العتكي ، عن سعيد بن محمد الحافظ ، عن محمد بن الحسين الكوفي
عن عبادة الازدي ، عن كادح العابد ، عن ابن لهيعة ، عن عبدالرحمان بن زياد ، عن مسلم
بن يسار ، عن جابر بن عبدالله قال : لما قدم علي عليه السلام على رسول الله صلى الله عليه وآله بفتح خيبر
قال ( 2 ) رسول الله صلى الله عليه وآله : لولا أن تقول فيك طائفة من امتي ما قالت النصارى في المسيح ابن
مريم لقلت فيك اليوم مقالا لاتمر بملا إلا أخذوا التراب من تحت قدميك ومن فضل
طهورك فاستشفوا به ، ولكن حسبك أن تكون مني وأنا منك ، ترثني وأرثك وأنت مني
بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا بني بعدي ، وإنك تبرئ ذمتي وتقاتل على سنتي
وإنك غدا في الآخرة أقرب الناس مني ، وإنك أول من يرد علي الحوض ، وإنك على
الحوض خليفتي ، وإنك أول من يكسى معي ، وإنك أول داخل الجنة من امتي ، و
إن شيعتك على منابر من نور مبيضة وجوههم حولي أشفع لهم ، ويكونون غدا في الجنة
جيراني ، وإن حربك حربي ، وإن سلمك سلمي ( 3 ) ، وإن سريرتك سريرتي وعلانيتك
علانيتي ، وإن ولدك ولدي ، وإنك منجز عداتي ، وإنك علي ( 4 ) وليس أحد من الامة
يعدلك عندي ، وإن الحق على لسانك وفي قلبك وبين عينيك ، وإن الايمان خالط لحمك
___________________________________________________________
( 1 ) مج الشراب أو الشئ من فمه : رمى به .
وتفل ايضا بمعناه .
( 2 ) في المصدر : قال له رسول الله صلى الله عليه وآله .
( 3 ) في المصدر : وسلمك سلمى .
( 4 ) : وانك على الحوض .
[273]
ودمك كما خالط لحمي ودمي ، وإنه لا يرد الحوض ( 1 ) مبغض لك ، ولا يغيب محب لك
غدا عني حتى يرد علي الحوض معك يا علي ، فخر علي عليه السلام ساجدا ثم قال : الحمد
لله الذي من علي بالاسلام وعلمني القرآن وحببني إلى خير البرية خاتم النبيين وسيد
المرسلين إحسانا منه إلي وفضلا منه علي ، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله : يا علي لولا أنت لم
يعرف المؤمنون بعدي ( 2 ) .
]
42 - مع : الحسن بن محمد بن سعيد الهاشمي ، عن فرات بن إبراهيم ، عن محمد بن
علي بن معمر ، عن أحمد بن علي الرملي ، عن محمد بن موسى ، عن يعقوب بن إسحاق
المروزي ، عن عمرو بن منصور ، عن إسماعيل بن أبان ، عن يحيى بن أبي كثير ، عن أبيه
عن أبي هارون العبدي قال : سألت جابر بن عبدالله الانصاري ، عن معنى قول النبي صلى الله عليه وآله
لعلي عليه السلام : " أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي " قال : استخلفه
بذلك والله على امته في حياته وبعد وفاته ، وفرض عليهم طاعته ، فمن لم يشهد له بعد هذا
القول بالخلافة فهو من الظالمين ( 3 ) .
43 - مع : القطان ، عن السكري ، عن الجوهري ، عن ابن عمارة ، عن أبيه ،
عن أبي خالد الكابلي قال : قلت لسيد العابدين علي بن الحسين عليهما السلام : إن الناس يقولون
إن خير الناس بعد رسول الله صلى الله عليه وآله أبوبكر ثم عمر ثم عثمان ثم علي عليه السلام قال : فما
يصنعون بخبر رواه سعيد بن المسيب عن سعد بن أبي وقاص عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال
لعلي عليه السلام : " أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي " فمن كان في
زمن موسى عليه السلام مثل هارون ( 4 ) ؟ .
قال الصدوق قدس الله روحه : أجمعنا وخصومنا على نقل قول النبي صلى الله عليه وآله لعلي
عليه السلام : " أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي " فهذا القول
يدل على أن منزلة علي منه في جميع أحواله منزلة هارون من موسى في جميع أحواله
___________________________________________________________
( 1 ) في المصدر : وانه لا يرد على الحوض .
( 2 ) كنز الكراجكى : 280 و 281 .
( 3 و 4 ) معانى الاخبار : 74 .
[274]
إلا ما خصه الاستثناء الذي في نفس الخبر ، فمن منازل هارون من موسى أنه كان أخاه
ولادة ، والعقل يخص هذه ويمنع أن يكون النبي صلى الله عليه وآله عناها بقوله ، لان عليا لم يكن
أخاه ولادة ( 1 ) ، ومن منازل هارون من موسى أنه كان نبيا معه ، واستثناء النبي يمنع
من أن يكون علي عليه السلام نبيا ،
ومن منازل هارون من موسى بعد ذلك أشياء ظاهرة وأشياء باطنة فمن الظاهرة
أنه كان أفضل أهل زمانه وأحبهم إليه وأخصهم به وأوثقهم في نفسه ، وأنه كان يخلفه
على قومه إذا غاب موسى عنهم ، وأنه كان بابه في العلم ، وأنه لو مات موسى وهارون حي
كان هو خليفته بعد وفاته ، فالخبر ( 2 ) يوجب أن هذه الخصال كلها لعلي عليه السلام من
النبي صلى الله عليه وآله ، وما كان من منازل هارون من موسى باطنا وجب أن الذي لم يخصه العقل
منها كما خص اخوته بالولادة ( 3 ) فهو لعلي عليه السلام من النبي صلى الله عليه وآله وإن لم نحط به
علما ، لان الخبر يوجب ذلك ، وليس لقائل أن يقول : إن النبي صلى الله عليه وآله عنى بعض
هذه المنازل دون بعض فيلزمه أن يقال : عنى البعض الآخر دون ما ذكرته ، فيبطل
حينئذ ( 4 ) أن يكون عنى معنى بتة ، ويكون الكلام هذرا ( 5 ) ، والنبي صلى الله عليه وآله لا يهذر
في قوله ، لانه إنما كلمنا ليفهمنا ويعلمنا ، فلو جاز أن يكون عنى بعض منازل هارون
من موسى دون بعض ولم يكن في الخبر تخصيص ذلك لم يكن أفهمنا بقوله قليلا ولا كثيرا
فلما لم يكن ذلك وجب أنه قد عنى كل منزلة كانت لهارون من موسى مما لم يخصه
العقل ولا الاستثناء في نفس الخبر ، وإذا وجب ذلك فقد تبينت الدلالة ( 6 ) على أن عليا عليه السلام
أفضل أصحاب رسول الله وأعلمهم وأحبهم إلى رسول الله صلى الله عليه وآله ، وأوثقهم في نفسه ، وأنه
___________________________________________________________
( 1 ) في المصدر : لم يكن أخا له ولادة .
( 2 ) : والخبر .
( 3 ) : اخوة الولادة .
( 4 ) : فيبطل جميعا حينئذ .
( 5 ) هذر الرجل في كلامه : تكلم بمالا ينبغى .
والهذر : سقط الكلام الذى لا يعبأ به .
( 6 ) في المصدر : فقد ثبتت الدلالة .
[275]
يجب له أن يخلفه على قومه إذا غاب عنهم غيبة سفر أو غيبة موت ، لان ذلك كله كان
في شرط هارون ومنزلته من موسى .
فإن قال قائل : إن هارون مات قبل موسى عليه السلام ولم يكن إماما بعده فكيف قيس
أمر علي على أمر هارون بقول النبي صلى الله عليه وآله : " هو مني بمنزلة هارون من موسى " وعلي
عليه السلام قد بقي بعد النبي صلى الله عليه وآله ؟ قيل له : نحن إنما قسنا أمر علي عليه السلام على أمر هارون
على السلام بقول النبي صلى الله عليه وآله : " هو مني بمنزلة هارون من موسى " فلما كانت هذه المنزلة
لعلي عليه السلام وبقي علي فوجب أن يخلف النبي صلى الله عليه وآله بعد وفاته ( 1 ) ، ومثال ذلك ما أنا
ذاكره إن شاء الله .
لو أن الخليفة قال لوزيره : " لزيد عليك في كل يوم يلقاك فيه دينار ولعمر و
عليك مثل ما شرطته لزيد " فقد وجب لعمرو مثل ما لزيد ، فإذا جاء زيد إلى الوزير ثلاثة
أيام فأخذ ثلاثة دنانير ثم انقطع ولم يأته وأتى عمرو الوزير ثلاثة أيام فقبض ثلاثة
دنانير فلعمرو أن يأتي يوما رابعا وخامسا وأبدا وسرمدا ما بقي عمرو وعلى هذا الوزير
ما بقي عمرو أن يعطيه في كل يوم أتاه دينارا ، وإن كان زيد لم يقبض إلا ثلاثة أيام ،
وليس للوزير أن يقول لعمرو : لا اعطيك إلا مثل ما قبض زيد ، لانه كان في شرط زيد
أنه كلما أتاك فأعطه دينارا ، ولو أتى زيد لقبض ، وفعل هذا الشرط لعمرو وقد أتى
فواجب أن يقبض فكذلك إذا كان في شرط هارون الوصي أن يخلف موسى عليه السلام على
قومه ومثل ذلك لعلي عليه السلام فبقي علي على قومه ومثل ذلك لعلي ( 2 ) فواجب أن يخلف
النبي صلى الله عليه وآله في قومه ، نظير ما مثلناه في زيد وعمرو ، وهذا ما لابد منه أعطى القياس
حقه ( 3 ) .
فإن قال قائل : لم يكن لهارون لو مات موسى عليه السلام أن يخلفه على قومه قيل له :
بأي شئ ينفصل ( 4 ) من قول قائل قال لك : إنه لم يكن هارون أفضل أهل زمانه
___________________________________________________________
( 1 ) في المصدر : في قومه بعد وفاته .
وفى ( م ) و ( ت ) في قوله .
( 2 ) أى وبقى مثل ذلك لعلى عليه السلام لاجل بقائه بعد النبى صلى الله عليه وآله .
( 3 ) أى مادام أعطى القياس حقه .
( 4 ) أى أى فصل بين قولك وقول من أنكر أفضلية هارون عليه السلام من أهل زمانه في جميع
الجهات ؟ وفى ( ك ) : بأى شئ يتفضل .
[276]
بعد موسى ولا أوثقهم في نفسه ولا نائبه في العلم ؟ فإنه لا يجد فصلا ( 1 ) ، لان هذه
المنازل لهارون من موسى مشهورة ، فإن جحد جاحد واحدة منها لزمه جحود كلها .
فإن قال قائل : إن هذه المنزلة التي جعلها النبي صلى الله عليه وآله لعلي إنما جعلها في
حياته ، قيل له : نحن ندلك بدليل واضح على أن الذي جعله النبي صلى الله عليه وآله لعلي بقوله :
" أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي " إنما جعله له بعد وفاته لا معه
في حياته ، فتفهم ذلك إن شاء الله ، فمما يدل على ذلك أن في قول النبي صلى الله عليه وآله : " أنت
مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي " معنيين : أحدهما إيجاب فضيلة و
منزلة لعلي عليه السلام منه ، والآخر نفي لان يكون نبيا بعده ، ووجدنا نفيه أن يكون
علي نبيا بعده دليلا على أنه لو لم ينف ذلك لجاز لمتوهم أن يتوهم أنه نبي بعده ،
لانه صلى الله عليه وآله قال فيه : " أنت مني بمنزلة هارون من موسى " وقد كان هارون نبيا ، فلما
كان نفي النبوة لابد منه ( 2 ) وجب أن يكون نفيها عن علي عليه السلام في الوقت الذي جعل
الفضيلة والمنزلة له فيه ، لانه من أجل الفضيلة والمنزلة احتاج صلى الله عليه وآله ( 3 ) أن ينفي أن
يكون علي عليه السلام نبيا ، لانه لو لم يقل : " إنه مني بمنزلة هارون من موسى " لم
يحتج إلى أن يقول : " إلا أنه لا نبي بعدي " فلما كان نفيه النبوة إنما هو ( 4 ) لعلة
الفضيلة والمنزلة التي توجب النبوة ، وجب أن يكون نفي النبوة عن علي عليه السلام في الوقت
الذي جعل الفضيلة له فيه مما جعل له من منزلة هارون ، ولو كان النبي صلى الله عليه وآله إنما نفى
النبوة بعده ( 5 ) في وقت - والوقت الذي بعده عند مخالفينا لم يجعل لعلي عليه السلام فيه
منزلة توجب له نبوة - لكان ذلك من لغو الكلام ( 6 ) ، لان استثناء النبوة إنما وقع
___________________________________________________________
( 1 ) كذا في المصدر وهو الاصح ، وفى النسخ : فانه لا يجد فضلا .
( 2 ) للعلم الضرورى بكون رسول الله صلى الله عليه وآله خاتم الانبياء .
( 3 ) في المصدر و ( م ) : ما احتاج وهو سهو يظهر بالتأمل .
( 4 ) : انما كان هو .
( 5 ) أى بعد وفاته .
( 6 ) لان فائدة الاستثناء اخراج ما كان داخلا في المستثنى منه لولاه ، وليس المورد - على ما
زعموا - كذلك ، لان عدم كون أمير المؤمنين نبيا بعد وفاة رسول الله لم يكن داخلا رأسا ، فيكون
الاستثناء لغوا لا يتكلم النبى بمثله .
[277]
بعد الوفاة ، والمنزلة التي توجب النبوة في حال الحياة التي لم ينتف النبوة فيها ، فلو
كان ( 1 ) استثناء النبوة بعد الوفاة مع وجوب الفضيلة والمنزلة في حال الحياة لوجب أن
يكون نبيا في حياته ، ففسد ذلك ووجب أن يكون استثناء النبوة إنما هو في الوقت
الذي جعل النبي صلى الله عليه وآله لعلي عليه السلام المنزلة فيه ، لئلا يستحق النبوة مع ما استحقه
من الفضيلة والمنزلة .
ومما يزيد ذلك بيانا أن النبي صلى الله عليه وآله لو قال : " علي مني بعد وفاتي بمنزلة
هارون من موسى إلا أنه لا نبي معي في حياتي " لوجب بهذا القول أن لا يمتنع علي أن
يكون نبيا بعد وفاة النبي صلى الله عليه وآله لانه إنما منعه ذلك في حياته وأوجب له أن يكون
نبيا بعد وفاته ، لان إحدى منازل هارون أن كان نبيا ، فلما كان كذلك وجب أن
النبي إنما نفى أن يكون علي نبيا في الوقت الذي جعل له فيه الفضيلة ، لان بسببها
احتاج ( 2 ) إلى نفي النبوة ، وإذا وجب أن المنزلة هي في وقت نفي النبوة وجب أنها بعد
الوفاة ، لان نفي النبوة بعد الوفاة ، وإذا وجب أن عليا عليه السلام بعد رسول الله صلى الله عليه وآله بمنزلة
هارون من موسى في حياة موسى فقد وجبت له الخلافة على المسلمين وفرض الطاعة وأنه
أعلمهم وأفضلهم ، لان هذه كانت منازل هارون من موسى في حياة موسى .
فإن قال قائل : لعل قول النبي صلى الله عليه وآله " بعدي " إنما دل به على بعد نبوتي
ولم يرد بعد وفاتي ، قيل له : لو جاز ذلك لجاز أن يكون كل خبر رواه المسلمين من أنه
لا بني بعد محمد صلى الله عليه وآله أنه إنما هو لا نبي بعد نبوته ، وأنه قد يجوز أن يكون بعد وفاته
أنبياء ( 3 ) .
-بحار الانوار مجلد: 33 من ص 277 سطر 19 الى ص 285 سطر 18
___________________________________________________________
( 1 ) هذا رد آخر لما ادعاه الخصم ، وتوضيحه أن المعنى على ذلك يصير كذا : أنت منى بمنزلة
هارون من موسى في حال حياتي الا أنه لا نبى بعد وفاتى ، وهذا فاسد بالضرورة لاستلزامه كون
أمير المؤمنين نبيا في حياة النبى ، لان هارون كان نبيا في حياة موسى .
( 2 ) في النسخ والمصدر " ما احتاج " وهو سهو كما أشرنا إليه .
( 3 ) فان المعنى يصير على هذا التقدير كذلك " أنت منى بمنزلة هارون من موسى في حياتى
الا انه لا نبى بعد نبوتى " وهذا لا ينافى أن يكون بعده انبياء ، فان قيل : إن بعد حياة النبى يصدق
عليه أنه بعد نبوته ، فاذا نفى وجود نبى بعد نبوته فيشمل بعد حياته ايضا ، يقال : هذا كر على
[278]
فإن قال : قد اتفق المسلمون على أن المعنى قوله : لا بني بعدي " هو أنه لا نبي
بعد وفاتي إلى يوم القيامة ، فكذلك ( 1 ) يقال له في كل خبر وأثر روي فيه ( 2 ) أنه
لا نبي بعده .
فإن قال : إن قول النبي صلى الله عليه وآله لعلي عليه السلام : " أنت مني بمنزلة هارون من
موسى " إنما كان حيث خرج النبي صلى الله عليه وآله إلى غزوة تبوك فاستخلف عليا ، فقال : يا
رسول الله تخلفني مع النساء والصبيان ، فقال له رسول الله صلى الله عليه وآله : ألا ترضى أن تكون مني
بمنزلة هارون من موسى ،
قيل : هذا غلط في النظر ، لانك لا تروي خبرا تخصص به معنى الخبر المجمع عليه إلا
وروينا بإزائه ما ينقضه ويخصص الخبر المجمع عليه على المعنى الذي ندعيه دون ما تذهب
إليه ، ولا يكون لك ولا لنا في ذلك حجة ، لان الخبرين مخصوصان ويبقى الخبر على عمومه
ويكون دلالته وما يوجبه ووروده عموما لنا دونك ، لانا نروي بإزاء ما رويته أن النبي
صلى الله عليه وآله جمع المسلمين وقال لهم : وقد استخلفت عليا عليكم بعد وفاتي وقلدته أمركم وذلك
بوحي من الله عزوجل إلي فيه ، ثم قال له بعقب هذا القول مؤكدا له : أنت مني بمنزلة
هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي ، فيكون هذا القول بعد ذلك الشرح بينا مقاوما
لخبركم المخصوص ( 3 ) ويبقى الخبر الذي أجمعنا عليه وعلى نقله من أن البني صلى الله عليه وآله قال
لعلي عليه السلام : " أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي " بحاله نتكلم
في معناه ( 4 ) على ما تحمله اللغة والمشهور من التفاهم ، وهو ما تكلمنا فيه وشرحناه و
___________________________________________________________
مافر منه الخصم ، لانه يثبت بذلك أن ظرف اثبات المنزلة لعلى عليه السلام ايضا يشمل على ما بعد
الحياة كما يشمل حال الحياة للزوم تطابق المستثنى والمستثنى منه .
وسيأتى التعرض إلى ما ذكرناه
في آخر ما نقله عن الشافى .
( 1 ) هذا جواب الاشكال .
( 2 ) في المصدر : يؤمى فيه .
( 3 ) وكذلك يستفاد من بعض روايات الباب كالرواية 39 أن النبى صلى الله عليه وآله قال
له ذلك غير مرة .
( 4 ) في المصدر : بحالة يتكلم في معناه .
[279]
ألزمنا به أن النبي صلى الله عليه وآله قد نص على إمامة علي عليه السلام بعده ( 1 ) ، وأنه استخلفه وفرض
طاعته ، والحمد لله رب العالمين على نهج الحق المبين ( 2 ) .
أقول : قد أثبتنا هذا الخبر في باب عزوة تبوك ، وفي باب الغدير ، وفي أكثر
احتجاجاته على القوم ، وفي باب اعتذاره عليه السلام عن القعود عن قتال من تقدم عليه ، وفي
احتجاجات الحسن عليه السلام وفي أحوال ولادة الحسنين عليهما السلام وفي احتجاج سعد بن
أبي وقاص على معاوية ، وفي كثير من الابواب الآتية ، ولنذكر بعض ما ذكره السيد
المرتضى رضوان الله عليه في هذا المقام فإنه كالشرح لما ذكره الصدوق رحمه الله .
قال : الخبر دال على النص من وجهين : أحدهما أن قوله صلى الله عليه وآله : " أنت مني
بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي " يقتضي حصول جميع منازل هارون من
موسى لامير المؤمنين عليه السلام إلا ما خصه الاستثناء وما جرى مجراه من العرف ، وقد علمنا
أن من منازل هارون من موسى عليه السلام الشركة في النبوة واخوة النسب والفضل في المحبة
والاختصاص على جميع قومه والخلافة في حال غيبته على امته ، وأنه لو بقي بعده لخلفه
فيهم ، ولم يجز أن يخرج القيام بامورهم عنه إلى غيره ، وإذا خرج بالاستنثاء منزلة
النبوة وخص العرف منزلة الاخوة في النسب وجب القطع على ثبوت عداها ( 3 ) ، و
من جملته أنه لو بقي خلفه دبر أمر امته وقام فيهم مقامه ، وعلمنا بقاء أمير المؤمنين عليه السلام
بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وآله فوجبت له الامامة بلا شبهة .
ثم قال رضي الله عنه : وأما الدليل على أن هارون عليه السلام لو بقي بعد موسى عليه السلام
لخلفه في امته فهو أنه قد ثبتت خلافته له في حال حياته بلا خلاف ، وفي قوله تعالى :
" وقال موسى لاخيه هارون اخلفني ( 4 ) " أكبر شاهد بذلك ، وإذا ثبتت الخلافة في حياته
___________________________________________________________
( 1 ) في المصدر : بعد وفاته .
( 2 ) معانى الاخبار : 74 - 79 .
( 3 ) كذا في النسخ ، والظاهر " ما عداهما " وفى المصدر : ماعدا هاتين المنزلتين .
لكن المصنف
لخص كلام السيد كما يصرح به فيما يأتى ، ولاجل ذلك لا نشير إلى جميع الاختلافات الموجودة
بين الكتاب والمصدر .
( 4 ) سورة الاعراف : 142 .
[280]
وجب حصولها له بعد الوفاة لو بقي إليها ، لان خروجها عنه في حال من الاحوال مع
بقائه حط له من مرتبة كان عليها ، وصرف عن ولاية فوضت إليه ، وذلك يقتضي من
التنفير أكثر مما يعترف خصومنا من المعتزلة بأن الله يجنب أنبياءه عليهم السلام من القباحة في
الخلق والدنامة المفرطة ( 1 ) والضعائر المسخفة ( 2 ) ، وأن لا يجيبهم الله تعالى إلى ما يسألونه
لامتهم من حيث لا يظهر لهم .
قإن قيل : إذا ثبت أنه منفر وجب أن يجنبه هارون من حيث كان نبيا ومؤديا
عن الله عزوجل ، فكان نبوته هي المقتضية لاستمرار خلافته إلى بعد الوفاة ، وإذا كان
النبي صلى الله عليه وآله قد استثنى من الخبر النبوة وجب أن يخرج معها ما هي مقتضيه له وكالسبب
فيه ، وإذا خرجت هذه المنزلة مع النبوة لم يكن في الخبر دلالة على النص الذي تدعونه ( 3 )
قيل له : إن أردت بقولك : إن الخلافة من مقتضى النبوة أنه من حيث كان نبيا يجب له
هذه المنزلة كما يجب له سائر شروط النبوة فليس الامر كذلك ، لانه غير منكر أن يكون
هارون قبل استخلاف موسى له شريكا في نبوته وتبليغ شرعه ( 4 ) ، وإن لم يكن خليفة له فيما
سوى ذلك في حياته ولا بعد وفاته ، وإن أدرت أن هارون بعد استخلاف موسى له في حياته
يجب أن يستمر حاله ولا يخرج عن هذه المنزلة لان خروجه عنها يقتضي التنفير الذي
يمنع نبوة هارون منه وأشرت في قولك : إن النبوة يقتضي الخلافة بعد الوفاة إلى هذا
الوجه فهو صحيح ، غير أنه لا يجب ما ظننته من استثناء الخلافة باستثناء النبوة ، لان
أكثر ما فيه أن يكون كالسبب في ثبوت الخلافة بعد الوفاة ، وغير واجب أن ينفي ما هو
كالمسبب عن غيره عند نفي الغير ، ألا ترى أن أحدنا لو قال لوصيه : " أعط فلانا من مالي
كذا وكذا - وذكر مبلغا عينه - فإنه يستحق هذا المبلغ علي من ثمن سلعة ابتعتها
___________________________________________________________
( 1 ) دم دمامة : كان حقيرا وقبح منظره .
وفى ( ك ) : والدناءة المفرطة .
لكنه سهو فان الدناءة
منفى عنهم عليه السلام ولو لم تكن مفرطة .
( 2 ) سخف : كان ضعيف العقل .
وفى المصدر : والصغائر المستخفة .
( 3 ) توضيحه أن خروج هارون عن الخلافة المسببة عن النبوة يستلزم التنفير المنفى ، لكن
أمير المؤمنين لم يكن نبيا حتى يدوم خلافته ، فلا دلالة في الخبر على ما ادعيتموه .
( 4 ) في ( ك ) مطاع شرعه وفى ( ت ) متاع شرعه [ مشاع خ ل ] .