[281]

منه ، وأنزل فلانا منزلة فلان الذي أوصيتك به وأجره مجراه فإن ذلك يجب له من أرش جناية أو قيمة سلعة ( 1 ) أو ميراث أو غير ذلك " لوجب على الوصي أن يسوي بينهما في العطية ولا يخالف بينهما فيها من حيث اختلفت جهة استحقاقهما ، ولا يكون قول هذا القائل عند أحد من العقلاء يقتضي سلب المعطى الثاني العطية من حيث سلب جهة استحقاقها في الاول فوجب بما ذكرناه أن يكون منزلة هارون من موسى في استحقاق خلافته له بعد وفاته ثابتة لامير المؤمنين عليه السلام لاقتضاء اللفظ هنا ، وإن كانت تجب لهارون من حيث كان في انتقائها تنفير تمنع نبوته ويجب لامير المؤمنين عليه السلام من غير هذا الوجه .
ويزيد ما ذكرناه وضوحا أن النبي صلى الله عليه وآله لو صرح به حتى يقول صلى الله عليه وآله : " أنت مني بمنزلة هارون من موسى في خلافته له في حياته واستحقاقها له لو بقي إلى بعد وفاته إلا أنك لست بنبي " كان كلامه صلى الله عليه وآله صحيحا غير متناقض ولا خارج عن الحقيقة ، ولم يجب عند أحد أن يكون باستثناء النبوة نافيا لما أثبته من منزلة الخلافة بعد الوفاة ، وقد يمكن مع ثبوت هذه الجملة أن يرتب الدليل في الاصل على وجه يجب معه كون هارون مفترض الطاعة على امة موسى عليه السلام لو بقي إلى بعد وفاته وثبوت مثل هذه المنزلة لامير المؤمنين عليه السلام وإن لم يرجع إلى كونه خليفة له في حال حياته ووجوب استمرار ذلك إلى بعد الوفاة ، فإن في المخالفين من يحمل نفسه على دفع خلافة هارون لموسى في حياته ، وإنكار كونها منزلة تفضل عن نبوته ( 2 ) ، وإن كان فيما حمل عليه نفسه ظاهره المكابرة ( 3 ) ، ونقول ( 4 ) : قد ثبت أن هارون كان مفترض الطاعة على امة موسى لمكان

___________________________________________________________
( 1 ) السلعة - بكسر السين - : المتاع وما يتاجر به .
وفى المصدر : أو قيمة متلفه .
( 2 ) في المصدر : تنفصل عن نبوته .
وحاصله أن الخصم يدعى أن الثابت لهارون هو النبوة فقط ، وليست الخلافة أمرا آخر ، فاذا نفى النبي صلى الله عليه وآله كون أمير المؤمنين نبيا فينتفى خلافته ايضا لعدم الفصل بينهما .
( 3 ) وجه المكابرة أن النبوة والخلافة امران مستقلان ، كيف لا وقد قال موسى عليه السلام لهارون عند خروجه من المدينة على ما حكاه الله تعالى في القرآن : " اخلفنى في قومى " مع أن نبوته كان ثابتا قبلا .
( 4 ) هذا بيان ترتيب الدليل على الوجه المذكور .

[282]

شركته في النبوة التي لا يتمكن أحد من دفعها ، وثبت أنه لو بقي بعده لكان ما يجب من طاعته على جميع امة موسى عليه السلام يجب له ( 1 ) ، لانه لا يجوز خروجه عن النبوة وهو حي ، وإذا وجب ما ذكرناه وكان النبي صلى الله عليه وآله قد أوجب بالخبر لامير المؤمنين جميع منازل هارون من موسى ونفى أن يكون نبيا وكان من جملة منازله أنه لو بقي بعده لكان طاعته مفترضة على امته وإن كانت تجب لمكان نبوته ، وجب ( 2 ) أن يكون أمير المؤمنين عليه السلام مفترض الطاعة على سائر الامة بعد وفاة النبي صلى الله عليه وآله وإن لم يكن نبيا ، لان نفي النبوة لا يقتضي نفي ما يجب لمكانها على ما بيناه ، وإنما كان يجب بنفي النبوة نفي فرض الطاعة لو لم يصح حصول فرض الطاعة إلا للنبي وإذا جاز أن يحصل لغير النبي كالامام دل على انفصاله من النبوة ، وأنه ليس من شرائطها وحقائقها التي تثبت بثبوتها وتنتفي بانتقائها ، والمثال الذي تقدم يكشف عن صحة قولنا ، وأن النبي صلى الله عليه وآله لو صرح أيضا بما ذكرناه حتى يقول : " أنت مني بمنزلة هارون من موسى ، في فرض الطاعة على امتي وإن لم تكن شريكي في النبوة وتبليغ الرسالة " لكان كلامه مستقيما بعيدا من التنافي .
فإن قال : فيجب على هذه الطريقة أن يكون أمير المؤمنين عليه السلام مفترض الطاعة على الامة في حال حياة النبي كما كان هارون كذلك في حال حياة موسى قيل : لو خلينا وظاهر الكلام لاوجبنا ما ذكرته ، غير أنه الاجماع مانع منه ، لان الامة لا تختلف في أنه عليه السلام لم يكن مشاركا للرسول في فرض الطاعة على الامة على جميع أحوال حياته حسب ما كان عليه هارون في حياة موسى ، ومن قال منهم : إنه كان مفترض الطاعة في تلك الاحوال يجعل ذلك في أحوال غيبة الرسول صلى الله عليه وآله على وجه الخلافة ، لا في أحوال حضوره ، وإذا خرجت أحوال الحياة بالدليل ثبتت الاحوال بعد الوفاة بمقتضى اللفظ .
فإن قال : ظاهر قوله صلى الله عليه وآله : " أنت مني بمنزلة هارون من موسى " يمنع ما

___________________________________________________________
( 1 ) أى كما كان واجب الاطاعة في حال حياة موسى لاجل النبوة فكذلك ايضا لو كان بقى بعده .
ويمكن أن يكون مرجع الضمير في " طاعته " موسى عليه السلام وإن لا يخلو عن تكلف .
( 2 ) جواب اذا .

[283]

ذكرتموه لانه يقتضي من المنازل ما حصل لهارون من جهة موسى واستفاده به ، وإلا فلا معنى لنسبة المنازل إلى أنها منه ، وفرض الطاعة الحاصل عن النبوة غير متعلق بموسى ولا واجب من جهته ( 1 ) .
قيل له : أما سؤالك فظاهر السقوط على كلامنا ، لان خلافة هارون لموسى عليهما السلام في حياته لاشك في أنها منزلة منه وواجبة بقوله الذي ورد به القرآن ، فأما ما أوجبناه من استحقاقه للخلافة بعده فلا مانع من إضافته أيضا إلى موسى ، لانه من حيث استخلفه في حياته وفوض إليه تدبير قومه ولم يجز أن يخرج عن ولاية جعلت له ، وجب حصول هذه المنزلة بعد الوفاة ، فتعلقها بموسى عليه السلام تعلق قوي ، فلم يبق إلا أن يبين الجواب على الطريقة التي استأنفناها .
والذي يبينه أن قوله صلى الله عليه وآله : " أنت مني بمنزلة هارون من موسى " لا يقتضي ما ظنه السائل من حصول المنازل بموسى ومن جهته ، كما أن قول أحدنا : أنت مني بمنزلة أخي مني أو بمنزلة أبي مني لا يقتضي كون الاخوة والابوة به ومن جهته ، وليس يمكن أحدا أن يقول في هذا القول إنه مجاز أو خارج عن حكم الحقيقة ، ولو كانت هذه الصيغة تقتضي ما ادعي لوجب أيضا أن لا يصح استعمالها في الجمادات وكل ما لا يصح منه فعل ، وقد علمنا صحة استعمالها فيما ذكرناه ، وأنهم لا يمنعون من القول بأن منزلة دار زيد من دار عمرو ، بمنزلة دار خالد من دار بكر ، ومنزلة بعض أعضاء الانسان منه منزلة بعض آخر منه وإنما يفيدون تشابه الاحوال وتقاربها ، ويجري لفظة " من " في هذه الوجوه مجرى " عند " و " مع " وكأن القائل أراد : محلك عندي وحالك معي في الاكرام والاعطاء كحال أبي عندي ومحله فيهما .
ومما يكشف عن صحة ما ذكرناه حسن استثناء الرسول النبوة من جملة المنازل ، ونحن نعلم أنه لم يستثن إلا ما يجوز دخوله تحت اللفظ عندنا أو يجب دخوله عند مخالفينا

___________________________________________________________
( 1 ) توضيحه أن وجوب طاعة هارون لاجل نبوته غير وجوب طاعته لاجل خلافته عن موسى ، فان الاول كان ثابتا عن الله سبحانه وغير مقيد بحياة موسى أو وفاته ، بخلاف الثانى فان قوامه كان بموسى فينتفى بوفاته ، وكذا الحال في أمير المؤمنين عليه السلام .

[284]

ونحن نعلم أيضا أن النبوة المستثناة لم تكن بموسى ( 1 ) ، وإذا ساغ استثناء النبوة من جملة ما اقتضى اللفظ مع أنها لم تكن بموسى بطل أن يكون اللفظ متناولا لما وجب من جهة موسى من المنازل ( 2 ) .
وأما الذي يدل على أن اللفظ يوجب حصول جميع المنازل إلا ما أخرجه الاستثناء وما جرى مجراه ( 3 ) وإن لم يكن من ألفاظ العموم الموجبة للاشتمال والاستغراق ولا كان أيضا من مذهبنا أن في اللفظ المستغرق للجنس على سبيل الوجوب لفظا موضوعا ( 4 ) له فهو أن دخول الاستثناء في اللفظ الذي يقتضي على سبيل الاجمال أشياء كثيرة متى صدر من حكيم يريد البيان والافهام ، دليل على أن ما يقتضيه اللفظ ويحتمله بعد ما خرج بالاستثناء مراد بالخطاب وداخل ما تحته ، ويصير دخول الاستثناء كالقرينة أو الدلالة التي توجب الاستغراق والشمول ، يدل على صحة ما ذكروه أن الحكيم منا إذا قال : من دخل داري اكرمه إلا زيدا ، فهمنا من كلامه بدخول الاستثناء أن من عدا زيد مراد بالقول ، لانه لو لم يكن مرادا لوجب استثناؤه مع إرادة الافهام والبيان ، وهذا وجه .
ووجه آخر وهو أنا وجدنا الناس في هذا الخبر على فرقتين : منهم من ذهب إلى أن المراد منزلة واحدة لاجل السبب الذي يدعون خروج الخبر عليه ، ولاجل عهد أو عرف ، والفرقة الاخرى تذهب إلى عموم القول لجميع ما هو منزلة هارون من موسى بعد ما أخرج الدليل ، على اختلافهم في تفصيل المنازل وتعيينها ، وهؤلاء هم الشيعة وأكثر مخالفيهم ، لان القول الاول لم يذهب إليه إلا الواحد والاثنان ، وإنما يمتنع من خالف الشيعة من إيجاب كون أمير المؤمنين صلوات الله عليه خليفة للنبي بعده ، حيث لم يثبت عندهم أن هارون لو بقي بعد موسى لخلفه ، ولا أن ذلك مما يصح أن يعد في جملة منازله ، فكان كل من ذهب إلى أن اللفظ يصح تعديه المنزلة الواحدة ذهب إلى

___________________________________________________________
( 1 ) بل هو أمر الهى يؤتيه من يشاء من عباده المخلصين .
( 2 ) لانه على هذا الفرض لم تكن النبوة داخلة رأسا حتى يحتاج إلى الاستثناء .
( 3 ) وهو العقل وفهم العرب حيث يخرج الاخوة النسبية كما بين سابقا .
( 4 ) كذا في النسخ والمصدر ، ولا يخلو عن اغلاق واضطراب .

[285]

عمومه ، فإذا فسد قول من قصر القول على المنزلة الواحدة - لما سنذكره - وبطل وجب عمومه ، لان أحدا لم يقل بصحة تعديه مع الشك في عمومه ، بل القول بأنه مما يصح أن يتعدى وليس بعام خروج عن الاجماع .
فإن قال : وبأي شئ تفسدون أن يكون الخبر مقصورا على منزلة واحدة ؟ قيل له : أما ما تدعي من السبب الذي هو إرجاف المنافقين ( 1 ) ووجوب حمل الكلام عليه وأن لا يتعداه فيبطل من وجوه : منها أن ذلك غير معلوم على حد نفس الخبر بل غير معلوم أصلا ، وإنما وردت به أخبار آحاد ، وأكثر الاخبار واردة بخلافه ، وأن أمير المؤمنين عليه السلام لما خلفه النبي صلى الله عليه وآله بالمدينة في غزوة تبوك كره أن يتخلف عنه وأن ينقطع عن العادة التي كان يجري عليه السلام عليها في مواساته له بنفسه وذبه الاعداء عن وجهه ، فلحق به وسكن إليه ما يجده من ألم الوحشة ، فقال له هذا القول ، وليس لنا أن نخصص خبرا معلوما بأمر غير معلوم ، على أن كثيرا من الروايات قد أتت بأن النبي صلى الله عليه وآله قال له : " أنت مني بمنزلة هارون من موسى " في أماكن مختلفة وأحوال شتى ( 2 ) ، وليس لنا أيضا أن نخصه بغزاة تبوك دون غيرها ، بل الواجب القطع على الخبر والرجوع إلى ما يقتضيه ، والشك فيما لم تثبت صحته من الاسباب والاحوال .
ومنها أن الذي يقتضيه السبب مطابقة القول له ، وليس يقتضي مع مطابقته له أن لا يتعداه ، وإذا كان السبب ما يدعونه من إرجاف المنافقين واستثقاله صلى الله عليه وآله إذا كان الاستخلاف في حال الغيبة والسفر ، فالقول على مذهبنا وتأويلنا يطابقه ويتناوله ، وإن
-بحار الانوار مجلد: 33 من ص 285 سطر 19 الى ص 293 سطر 18 تعداه إلى غير من الاستخلاف بعد الوفاة الذي لا ينافي ما يقتضيه السبب ، يبين ذلك أن النبي صلى الله عليه وآله لو صرح بما ذهبنا إليه حتى يقول : " أنت مني بمنزلة هارون من موسى في المحبة والفضل والاختصاص والخلافة في الحياة وبعد الوفاة " لكان السبب الذي يدعى

___________________________________________________________
( 1 ) اشارة إلى ما ربما قاله المنافقون حين خلف رسول الله صلى الله عليه وآله عليا عليه السلام عند خروجه إلى غزوة تبوك .
( 2 ) قد أشرنا اليه فيما سبق راجعه .

[286]

غير مانع من صحة الكلام واستقامته .
ومنها أن القول لو اقتضى منزلة واحدة إما الخلافة في السفر أو ما ينافي إرجاف المنافقين من المحبة فكيف يصح الاستثناء ؟ لان ظاهره لا يقتضي تناول الكلام لاكثر من منزلة واحدة ، ألا ترى أنه لا يحسن ( 1 ) أن يقول أحدنا لغيره : " منزلتك مني في الشركة في المتاع المخصوص دون غيرها منزلة فلان من فلان إلا أنك لست بجاري " و إن كان الجوار ثابتا بينه وبين من ذكره ، من حيث لم يصح تناول قوله الاول ما يصح دخول منزلة الجوار فيه ، وكذلك لا يصح أن يقول : " ضربت غلامي زيدا إلا غلامي عمرا " وإن صح أن يقول : " ضربت غلماني إلا غلامي عمرا " من حيث تناول اللفظ الواحد دون الجميع .
وبهذا الوجه يسقط قول من ادعى أن الخبر يقتضي منزلة واحدة لان ( 2 ) ظاهر اللفظ لم يتناول أكثر من المنزلة الواحدة وأنه لو أراد منازل كثيرة لقال : " أنت مني بمنازل هارون من موسى " وذلك ( 3 ) أن اعتبار الاستثناء يدل على أن الكلام يتناول أكثر من منزلة واحدة ، والعادة في الاستعمال جارية بأن يستعمل مثل هذا الخطاب ، وإن كان المراد المنازلة الكثيرة ، لانهم يقولون : " منزلة فلان من الامير كمنزلة فلان منه " وإن أشاروا إلى أحوال مختلفة ومنازل كثيرة ، ولا يكادون يقولون بدلا مما ذكرناه : " منازل فلان كمنازل فلان " وإنما حسن منهم ذلك من حيث اعتقدوا أن ذوي المنازل الكثيرة والرتب المختلفة قد حصل لهم بمجموعها منزلة واحدة كأنها جملة متفرعة إلى غيرها ، فتقع الاشارة منهم إلى الجملة بلفظ الوحدة .
وباعتبار ما اعتبرناه من الاستثناء يبطل قول من حمل الكلام على منزلة يقتضيها العهد أو العرف ، ولانه ليس في العرف أن لا يستعمل لفظ " منزلة " إلا في شئ مخصوص دون ما عداه ، لان لا حال من الاحوال يحصل لاحد مع غيره من نسب وجوار وولاية

___________________________________________________________
( 1 ) كذا في المصدر و ( ت ) ، وفى النسخ " بحسن " وهو سهو ظاهر .
( 2 ) بيان الاقتضاء للمنزلة الواحدة .
( 3 ) بيان وجه السقوط .

[287]

ومحبة واختصاص إلى سائر الاحوال إلا ويصح أن يقال فيه : إنه منزلة ، ومن ادعى عرفا في بعض المنازل كمن ادعاه في غيره ، وكذلك لا عهد يشار إليه في منزلة من منازل هارون من موسى عليه السلام دون غيرها ، فلا اختصاص بشئ من منازلة ليس في غيره ( 1 ) ، بل سائر منازله كالمعهود من جهة أنها معلومة بالادلة عليها ، وكل ما ذكرناه واضح لمن أنصف من نفسه .
طريقة اخرى من الاستدلال بالخبر على النص ، وهي أنه إذا ثبت كون هارون خليفة لموسى على امته في حياته ومفترض الطاعة عليهم وأن هذه المنزلة من جملة منازله ووجدنا النبي صلى الله عليه وآله استثنى ما لم يرده من المنازل بعده بقوله : " إلا أنه لا نبي بعدي " دل هذا الاستثناء على أن مالم يستثنه حاصل لامير المؤمنين عليه السلام بعده ، وإذا كان من جملة المنازل الخلافة في الحياة فتثبت بعده ، فقد صح وجه النص بالامامة .
فإن قال : ولم قلتم : إن الاستثناء في الخبر يدل على بقاء ما لم يستثن من المنازل وثبوته بعده ؟ قيل له : بأن الاستثناء كما من شأنه إذا كان مطلقا أن يوجب مالم يستثن مطلقا كذلك من شأنه إذا قيد بحال أو وقت أن يوجب ثبوت ما لم يستثن في تلك الحال وفي ذلك الوقت ، لانه لا فرق بين أن يستثنى من الجملة في حال مخصوص ما لم تتضمنه الجملة في تلك الحال وبين أن يستثنى منها ما لم تتضمنه على وجه من الوجوه ، ألا ترى أن قول القائل " ضربت غلماني إلا زيدا في الدار وإلا زيدا فإني لم أضربه في الدار " يدل على أن ضربه غلمانه كان في الدار لموضع تعلق الاستثناء بها ، وأن الضرب لو لم يكن في الدار لكان تضمن الاستثناء لذكر الدار كتضمنه ذكر ما لا تشتمل عليه الجملة الاولى من بهيمة وغيرها ، وليس لاحد أن يقول ويتعلق بأن لفظ " بعدي " مستثنى بمشية الله ( 2 ) ، ولا له أن يقول : من أين لكم ثبوت ما لم يدخل تحت الاستثناء من المنازل لانا قد دللنا على ذلك في الطريقة الاولى .

___________________________________________________________
( 1 ) الصحيح كما في المصدر : فلا اختصاص بشئ من منازله بعهد ليس في غيره .
( 2 ) كذا في النسخ وفيه سقط واضطراب ، والصحيح كما في المصدر : " وليس لاحد أن يقول ويتعلق بأن لفظ " بعدى " في الخبر لا يفيد حال الوفاة ، وأن المراد بها " بعد نبوتي " لان الجواب عن هذه الشبهة يأتى فيما بعد مستقصى بمشية الله " وأما جوابه فمذكور في جواب " إن

[288]

فإن قيل : لعل المعنى : بعد كوني نبيا لا بعد وفاتي قلنا : لا يخل ذلك بصحة تأويلنا ، لانا نعلم أن الذي أشاروا إليه من الاحوال ( 1 ) تشتمل على أحوال الحياة وأحوال الممات إلى قيام الساعة ، ويجب بظاهر الكلام وبما حكمنا به من مطابقة الاستثناء في الحال التي فيها المستثنى منه أن يجب لامير المؤمنين عليه السلام الامامة في جميع الاحوال التي تعلق النفي بها ، فإن أخرجت دلالة شيئا من هذه الاحوال أخرجناه لها وأبقينا ما عداه لاقتضاء ظاهر الكلام له ، فكان ما طعن به مخالفونا إنما زاد قولنا صحة وتأكيدا ، انتهى كلامه قدس الله روحه ملخصا ( 2 ) ، وقد أطنب رحمه الله بعد ذلك في رد الشبه والاشكالات الموردة على الاستدلالات بالخبر بما لا مزيد عليه ، فمن أراد الاطلاع عليها فليرجع إلى الكتاب .
ثم أقول : لا يخفى على منصف بعد الاطلاع على الاخبار التي أوردناها وما اشتملت عليه من القرائن الدالة على أن المراد بها ما ذكرناه على ما مر في كلام الفاضلين أن مدلول الخبر صريح في النص عليه عليه السلام لا سيما وقد انضمت إليها قرائن اخر ، منها الحديث المشهور الدال على أنه يقع في هذه الامة كل ما وقع في بني إسرائيل حذو النعل بالنعل ، ولم يقع في هذه الامة ما يشبه قصة هارون وعبادة العجل إلا بعد وفاة النبي صلى الله عليه وآله من غصب الخلافة وترك نصرة الوصي ، وقد ورد في روايات الفريقين أن أمير المؤمنين استقبل قبر الرسول - صلوات الله عليهما - عند ذلك وقال ما قاله هارون : " يا ابن ام إن القوم استضعفوني وكادوا يقتلوني " ومنها ما ذكره جماعة من المخالفين أن وصاية موسى وخلافته انتهى إلى أولاد هارون ، فمن منازل هارون من موسى كون أولاده خليفة موسى ، فيلزم بمقتضى المنزلة أن يكون الحسنان عليهما السلام المسميان باسمي ابني هارون باتفاق الخاص و العام خلفتيي الرسول ، فيلزم خلافة أبيهما لعدم القول بالفصل ، وممن ذكر ذلك محمد

___________________________________________________________
قيل " وقد سبق في كلام الصدوق ايضا فراجعه وقد بسط الكلام في الشافى بعد ذلك بما لم ينقله المصنف ، ثم تعرض للاشكال وجوابه ، ولاجل هذا الفصل الطويل قال : لان الجواب عن هذه الشبهة يأتى فيما بعد .
( 1 ) لم يتعرض المصنف إلى نقله ، راجع المصدر تجده هناك .
( 2 ) الشافى : 148 - 153 .

[289]

الشهرستاني حيث قال في أثناء بيان أحوال اليهود : إن الامر كان مشتركا بين موسى عليه السلام وبين أخيه هارون إذ قال : " وأشركه في أمري ( 1 ) " وكان هو الوصي ، فلما مات هارون في حياته ( 2 ) انتقلت الوصاية إلى يوشع وديعة ليوصلها إلى شبير وشبر ابني هارون عليهم السلام قرار ، وذلك أن الوصية والامامة بعضها مستقر وبعضها مستودع انتهى ( 3 ) .
مع أنك إذا رجعت إلى الاخبار الواردة في تسميتها وجدتها صريحة في عموم المنزلة لجميع الاحوال والاوصاف ومنها ما مر ، وسيأتي من الاخبار المتواترة الدالة بأجمعها على أنه صلى الله عليه وآله كان بصدد تعيينه للخلافة وإظهار فضله لذلك في كل موطن ومقام ، إلى غير ذلك مما سيأتي في الابواب الآتية وسنشير إليها ، وأقول بعد ذلك أيضا : إنا لو سلمنا للخصم جميع ما يناقشها فيه مع أنا قد أقمنا الدلائل على خلافها فلا يناقشها في أنه يدل على أنه عليه السلام كان أخص الناس بالرسول وأحبهم إليه ولا يكون أحبهم إليه إلا لكونه أفضلهم كما مر بيانه في الابواب السابقة ، فتقديم غيره عليه مما لا يقبله العقل ويعده قبيحا ، وأي عقل يجوز كون صاحب المنزلة الهارونية مع ما انضم إليها من سائر المناقب العظيمة والفضائل الجليلة رعية وتابعا لمن ليس له إلا المثالب الفظيعة ( 4 ) والمقابح الشنيعة ؟ ! والحمد لله الذي أوضح الحق لطالبيه ولم يدع لاحد شبهة فيه * .

___________________________________________________________
( 1 ) سورة طه : 32 .
( 2 ) في المصدر في حال حياته .
( 3 ) الملل والنحل 2 : 11 .
( 4 ) المثلبة : العيب .
فظع الامر : اشتدت شناعنه وجاوز المقدار في ذلك .
* اقول والحق الصحيح الذى يظهر من تتبع الاخبار وشرح قصة موسى في سورة طه آية 9 - 99 ان النبوة الاصلية المستلزمة لنزول الوحى والتكليم والمعجزات انما كان لموسى عليه السلام حيث كلمه الله وقال " اذهب إلى فرعون انه طغى قال رب اشرح لى صدرى ويسر لى امرى واحلل عقدة من لسانى يفقهوا قولى واجعل لى وزيرا من أهلى هرون اخى اشدد به ازرى واشركه من امرى " فاستجاب الله دعاءه وجعل اخاه هرون وزيرا في تدبير امر الرسالة و شريكا في امر التبليغ والذهاب إلى فرعون فقال " اذهب انت واخوك بآياتي ولاتنيا في ذكرى اذهبا إلى فرعون انه طغى " فهرون انما هو نبى الله نيابة عن موسى عليه السلام فانه كان يتعلم الوحى وحقائق التوراة من موسى ثم يوازره في تدبير الرسالة ويشاركه في التبليغ وهو خلقه ويمينه يشد أزره حيث يفتر .
وكذلك كان منزلة على عليه السلام من رسول الله فان النبوة الاصلية المساوقة لنزول القرآن وجبرئيل والتاييد بالمعجزات ودعوة الناس إلى ما يوحى اليه انما كان لرسول الله فقط واما على فهو وزيره في تدبير امر الرسالة وشريكه في امر التبليغ وهو خلفه ويمينه -

[290]


باب 54 : ما امر به النبي صلى الله عليه وآله من التسليم عليه بامرة المؤمنين وانه لا يسمى به غيره ، وعلّة التسمية به ، وفيه جملة من مناقبه وبعض النصوص على امامته صلوات الله عليه  

1 - ن : بإسناد التميمي عن الرضا عن آبائه عليهم السلام عن الحسين بن علي عليهما السلام قال : قال لي بريدة : أمرنا رسول الله صلى الله عليه وآله أن نسلم على أبيك بإمرة المؤمنين ( 1 ) .
2 - ما : الفحام ، عن المنصوري ، عن عم أبيه ، عن أبي الحسن الثالث ، عن آبائه عن علي عليهم السلام قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله : لما اسري بي إلى السماء كنت من ربي كقاب قوسين أو أدنى ، فأوحى إلي ربي ما أوحى .
ثم قال : يا محمد اقرء على علي بن أبي طالب عليه السلام أمير المؤمنين ( 2 ) ، فما سميت به أحدا قبله ولا اسمي بهذا أحدا بعده ( 3 ) .
3 - ما : ابن الصلت ، عن ابن عقدة ، عن عبدالله بن أحمد بن المستورد ، عن يوسف ابن كليب ، عن يحيى بن سالم ، عن صباح المزني ، عن علاء بن المسيب ، عن أبي داود ، عن بريدة قال : أمرنا النبي صلى الله عليه وآله أن نسلم على علي عليه السلام بإمرة المؤمنين ( 4 ) .
شف : أحمد بن مردويه ، عن محمد بن المظفر بن موسى ، عن محمد بن الحسين بن حفص عن إسماعيل بن إسحاق الراشدي ، عن يحيى بن سالم مثله ( 5 ) .

___________________________________________________________
( 1 ) يشد أزره حيث يفتر ولذلك اخذ منه البيعة على ان يكون اخاه ووراثه ووصيه والمؤدى عنه ولذلك لا ينزل آية الا ويعلمها عليا ظهرها وبطنها وجميع وجوهها ولذلك ارسله بسورة براءة إلى المشركين وقال لا يؤدى عنى الا على ولذلك .
.
ولذلك .
فعلى من النبى تمام منازل هارون من موسى حتى النيابة في التبليغ والاداء عنه معه وبعده الا أن شرع موسى منسوخ ونيابة هرون وابناؤه زائلة وشرع محمد غير منسوخ ونيابة على واولاده غير زائلة إلى يوم القيامة ( ب ) .
( 1 ) عيون الاخبار 226 .
( 2 ) كذا في النسخ وفى المصدر : اقرأ على بن أبى طالب أمير المؤمنين .
( 3 ) امالى الشيخ : 185 .
( 4 ) : 211 .
( 5 ) اليقين : 10 .