[ 91 ]

أبخل الناس وكان الزبير أبوه شجاعا وكان شحيحا ، قال له عمر : لو وليتها لظلت تلاطم الناس في البطحاء على الصاع والمد ، وأراد علي عليه السلام أن يحجر على عبدالله بن جعفر لتبذيره المال ، فاحتال لنفسه فشارك الزبير في أمواله وتجاراته ، فقال عليه السلام أما إنه قدلاذ بملاذ ، ولم يحجر عليه ! وكان طلحة شجاعا وكان شحيحا ، أمسك عن الانفاق حتى خلف من الاموال مالا يأتي عليه الحصر ، وكان عبدالملك شجاعا وكان شحيحا كان يضرب به المثل في الشح وسمي رشح الحجر لبخله ، وقد علمت حال أميرالمؤمنين عليه السلام في الشجاعة والسخاء كيف هي ؟ وهذا من أعاجيبه أيضا ( 1 ) .
وقال في موضع آخر : روي عن جعفر بن محمد الصادق عليه السلام قال : كان علي عليه السلام يرى مع رسول الله صلى الله عليه وآله الضوء ويسمع الصوت ( 2 ) .
وقال في موضع آخر : أقسام العدالة ثلاثة ، هي الاصول وما عداها من الفضائل فروع عليها ، الاولى الشجاعة ويدخل فيها السخاء لانه شجاعة وتهوين للمال كما أن الشجاعة الاصلية تهوين للنفس ، فالشجاع في الحرب جواد بنفسه والجواد بالمال شجاع في إنفاقه ، فلهذا قال الطائي : أيقنت أن من السماح شجاعة * تدعى وإن من الشجاعه جودا والثانية العفة ويدخل فيها القناعة والزهد والعزلة ، والثالثة الحكمة وهي أشرفها .
ولم تحصل العدالة الكاملة لاحد من البشر بعد رسول الله صلى الله عليه وآله إلا لهذا الرجل ، ومن أنصف علم صحة ذلك ، فإن شجاعته وجوده وعفته وقناعته وزهده يضرب بها الامثال ، وأما الحكمة والبحث في الامور الالهية فلم يكن من أحد ( 3 ) من العرب ولا نقل في كلام أكابرهم وأصاغرهم شئ من ذلك أصلا ، وهذا مما كانت اليونانيون وأوائل الحكماء وأساطين الحكمة ينفردون به ، وأول من *

_________________________________________________________
) * ( 1 ) شرح النهج 1 : 24 و 25 .
( 2 ) شرح النهج 3 : 375 .
( 3 ) في المصدر : من فن أحد .

[ 92 ]

خاض فيه من العرب علي عليه السلام ولهذا تجد المباحث الدقيقة في التوحيد والعدل مبثوثة عنه في فرش كلامه وخطبه ، ولا تجد في كلام أحد من الصحابة والتابعين كلمة واحده من ذلك ، ولا يتصورونه ولو فهموه لم يفهموه ، وأنى للعرب ذلك ؟ ولهذا انتسب المتكلمون الذين لججوا في بحار المعقولات إليه خاصة دون غيره ، وسموه استاذهم ورئيسم ، واجتذبه كل فرقة من الفرق إلى نفسها ، ألا ترى أن أصحابنا ينتهون ( 1 ) إلى واصل بن عطاء ، وواصل تلميذ أبي هاشم ابن محمد بن الحنفية ، وأبوهاشم تلميذ أبيه محمد ، ومحمد تلميذ أبيه علي عليه السلام ؟ فأما الشيعة من الامامية والزيدية والكيسانية فانتماؤهم إليه ظاهر ، وأما الاشعرية فإنهم بالاخرة ينتمون إليه ، لان أبا الحسن الاشعري تلميذ شيخنا أبي علي ، وابوعلي تلميذ أبي يعقوب الشحام ، وأبويعقوب تلميذ أبي الهذيل وأو الهذيل تلميذ عثمان الطويل ، وعثمان الطويل تلميذ واصل بن عطاء ، فعاد الامر إلى انتهاء الاشعرية إلى علي عليه السلام ، وأما الكرامية فإن ابن الهيصم ذكر في كتابه المعروف بكتاب المقالات أن أصل مقالتهم وعقيدتهم تنتهي إلى علي عليه السلام من طريقين : أحدهما أنهم يسندون اعتقادهم عن شيخ بعد شيخ إلى أن ينتهي إلى سفيان الثوري ، ثم قال : وسفيان الثوري من الزيدية ، ثم سأل نفسه فقال : إذا كان شيخكم الاكبر الذي تنتهون إليه زيديا فما بالكم أنتم لم تكونوا زيدية ( 2 ) ؟ وأجاب بأن سفيان الثوري وإن اشتهر عنه الزيدية إلا أن تزيده إنما كان عبارة من موالاة أهل البيت وإنكار ما كان بنو امية عليه من الظلم ، وإجلال زيد بن علي وتعظيمه و تصويبه في أحكامه وأحواله ، ولم ينقل عن سفيان الثوري أنه طعن في أحد من الصحابة .
الطريق الثاني أنه عد مشائخهم واحدا فواحدا حتى انتهى إلى علماء الكوفة من أصحاب علي عليه السلام كسلمة بن كهيل وحبة العرني وسالم بن أبي *

_________________________________________________________
) * ( 1 ) في المصدر : ينتمون ( 2 ) في المصدر و ( د ) فما بالكم لا تكونون زيدية .

[ 93 ]

الجعد والفضل بن دكين وشعبة والاعمش وعلقمة وهبيرة بن مريم ( 1 ) وأبي إسحاق السبيعي وغيرهم .
ثم قال : وهؤلاء أخذوا العلم من علي بن أبي طالب عليه السلام فهو رئيس أهل الجماعة يعني أصحابه وأقوالهم منقولة عنه ومأخوذة منه .
وأما الخوارج فانتماؤهم إليه ظاهر أيضا مع طعنهم فيه ، لانهم أصحابه كانوا وعنه مرقوا بعد أن تعلموا عنه واقتبسوا منه ، وهم شيعته وأنصاره بالجمل وصفين ، ولكن الشيطان ران على قلوبهم وأعمى بصائرهم ( 2 ) .
وقال في موضع آخر : أليس يعلم معاوية وغيره من الصحابة أن النبي صلى الله عليه وآله قال له في ألف مقام : ( أنا حرب لمن حاربت وسلم لمن سالمت ) ونحو ذلك من قوله : ( اللهم وال من والاه وعاد من عاداه ) وقوله : ( حربك حربي وسلمك سلمي ) وقوله : ( أنت مع الحق والحق معك ) وقوله ( 3 ) : ( هذا أخي ) وقوله : ( يحب الله و رسوله ويحبه الله ورسوله ) وقوله : ( اللهم ائتني بأحب خلقك إليك ) وقوله : ( إنه ولي كل مؤمن بعدي ) وقوله ( 4 ) : ( لا يحبه إلا مؤمن ولا يبغضه إلا منافق ) وقوله : ( إن الجنة لتشتاق إلى أربعة ) وجعله أولهم ، وقوله لعمار : ( تقتلك الفئة الباغية ) وقوله : ( ستقاتل الناكثين والقاسطين والمارقين بعدي ) إلى غير ذلك مما يطول تعداده جدا ، ويحتاج إلى كتاب مفرد يوضع له ( 5 ) .
115 أقول : وجدت في كتاب سليم بن قيس الهلالي أنه قال : حدثني أبوذر وسلمان والمقداد ثم سمعته من علي عليه السلام قالوا : إن رجلا فاخر علي بن أبي طالب عليه السلام فقال رسول الله لعلي عليه السلام : أي أخي فاخر العرب فأنت أكرمهم ابن عم ، وأكرمهم أبا ، وأكرمهم أخا ، وأكرمهم نفسا ( 6 ) وأكرمهم زوجة ، وأكرمهم ولدا ، وأكرمهم *

_________________________________________________________
) * ( 1 ) بريم خ ل .
( 2 ) شرح النهج 2 : 208 و 209 .
( 3 ) في المصدر : بعد ذلك : وقوله : ( هذا منى وأنا منه ) اه .
( 4 ) في المصدر بعد ذلك : وقوله في كلام قاله خاصف النعل اه : ( 5 ) شرح النهج 4 : 301 .
( 6 ) زاد في المصدر هنا : وأكرمهم نسبا .

[ 94 ]

عما ، وأكرمهم غناء ( 1 ) بنفسك ومالك ، وأتمهم حلما ، وأكثرهم علما ، وأنت أقرأهم لكتاب الله ، وأعلمهم بسنن الله ، وأشجعهم قلبا ، وأجودهم كفا ، وأزهدهم في الدنيا ، وأشدهم اجتهادا ، وأحسنهم خلقا ، وأصدقهم لسانا ، وأحبهم إلى الله و إلي ، وستبقى بعدي ثلاثين سنة تعبدالله وتصبر على ظلم قريش ، ثم تجاهد في سبيل الله إذا وجدت أعوانا ، تقاتل على تأويل القرآن كما قاتلت على تنزيله الناكثين و القاسطين والمارقين من هذه الامة ، تقتل شهيدا تخضب لحيتك من دم رأسك ، قاتلك يعدل عاقر الناقة في البغض إلى الله والبعد من الله ، ويعدل قاتل يحيى بن زكريا وفرعون ذا الاوتاد .
قال أبان : وحدثت بهذا الحديث الحسن البصري عن أبي ذر قال : صدق أبوذر ولعلي بن أبي طالب عليه السلام السابقة في الدين والعلم ، وعلى الحكمة والفقه ، وعلى الرأي والصحبة ، وعلى الفضل ( 2 ) في البسطة وفي العشيرة ، وفي الصهر وفي النجدة ، وفي الحرب وفي الجود وفي الماعون ( 3 ) وعلى العلم بالقضاء ، وعلى القرابة وعلى
-بحار الانوار مجلد: 36 من ص 94 سطر 13 الى ص 102 سطر 13 البلاء ( 4 ) ، إن عليا في كل أمره علي ، وصلى عليه ( 5 ) ثم بكى حتى بل لحيته ، فقلت له : يا أبا سعيد أتقول ذلك لاحد غير النبي إذا ذكرته ؟ قال : ترحم على المسلمين إذا ذكرتهم وتصلي على آل محمد صلى الله عليه وآله ( 6 ) وإن عليا خير آل محمد ، فقلت : يا أبا سعيد خير من حمزة وجعفر وخير من فاطمة والحسن والحسين ؟ فقال : إي والله إنه لخير منهم ، ومن يشك أنه خير منهم ؟ ثم إنه قال : لم يجر عليهم ( 7 ) *

_________________________________________________________
) * ( 1 ) كذا في النسخ ، وفي المصدر : وأعظمهم عناء .
( 2 ) في المصدر : والحكمة والفقه وفي الرأى والصحبة وفي الفضل اه .
( 3 ) الماعون : المعروف ( 4 ) في المصدر : وفي العلم بالقضاء وفي القرابة وفي البلاء .
( 5 ) في المصدر : فرحم الله عليا وصلى عليه .
( 6 ) في المصدر : وصل على محمد وآل محمد .
( 7 ) في المصدر : فقلت له : بماذا ؟ قال انه لم يجر عليه اه .

[ 95 ]

اسم شرك ولا كفر ولا عبادة صنم ولا شرب خمر ، وعلي خير منهم بالسبق إلى الاسلام والعلم بكتاب الله وسنة نبيه ، وإن رسول الله صلى الله عليه وآله قال لفاطمة : ( زوجتك خير امتي ) فلو كان في الامة خير منه لاستثناه ، وإن رسول الله صلى الله عليه وآله آخى بين أصحابه وآخى بين علي وبين نفسه ، فرسول الله صلى الله عليه وآله خيرهم نفسا وخيرهم أخا ، و نصبه يوم غدير خم للناس ، وأوجب له الولاية على الناس مثل ما أوجب لنفسه ( 1 ) ، وقال له : ( أنت مني بمنزلة هارون من موسى ) ولم يقل ذلك لاحد من أهل بيته ولا لاحد من امته غيره ، في سوابق كثيرة ( 2 ) ليس لاحد من الناس مثلها .
فقلت له ( 3 ) : من خير هذه الامة بعد علي ؟ قال : زوجته وابناه ، قلت : ثم من ؟ قال : ثم جعفر وحمزة خير الناس وأصحاب الكساء الذين نزلت فيه آية التطهير ، ضم فيه صلى الله عليه وآله نفسه وعليا وفاطمة والحسن والحسين ثم قال : ( هؤلاء ثقلي ( 4 ) وعترتي في أهل بيتي فأذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا ) فقالت ام سلمة : أدخلني معك في الكساء ، فقال لها : يا ام سلمة أنت بخير وإلى خير ، وإنما نزلت هذه الآية في وفي هؤلاء ، فقلت : الله يا با سعيد ما ترويه في علي عليه السلام وما سمعتك تقول فيه ، قال يا أخي أحقن بذلك دمي بين هؤلاء الجبابرة ( 5 ) الظلمة لعنهم الله يا أخي لولاذلك لقد شالت بي الخشب ، ولكني أقول ما سمعت فيبلغهم ذلك فيكفون عني وإنما أعني ببغض علي غير علي بن أبي طالب عليه السلام فيحسبون أني لهم ولي ، قال الله عزوجل : ( ادفع بالتي هي أحسن ) هي التقية ( 6 ) .
116 ومن الكتاب المذكور عن أبان عن سليم قال : قلت لابي ذر : حدثني رحمك *

_________________________________________________________
) * ( 1 ) في المصدر : على نفسه .
( 2 ) في المصدر : وله سوابق كثيرة .
( 3 ) في المصدر : قال فقلت له .
( 4 ) في المصدر : ثقتى .
( 5 ) في المصدر : من الجبابرة .
( 6 ) كتاب سليم بن قيس : 29 31 .
والاية في سورة المؤمنون : 97 وسورة فصلت : 34 .

[ 96 ]

الله بأعجب ماسمعته من رسول الله صلى الله عليه وآله يقوله في علي بن أبي طالب عليه السلام قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول : إن حول العرش لتسعين ألف ملك ليس لهم تسبيح ولا عبادة إلا الطاعة لعلي بن أبي طالب عليه السلام والبراءة من أعدائه و الاستغفار لشيعته ، قلت : فغير هذا رحمك الله ، قال : سمعته يقول : إن الله خص جبرئيل و ميكائيل وإسرافيل بطاعة علي والبراءة من أعدائه والاستغفار لشيعته ، قلت : فغير هذا رحمك الله ، قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول : لم يزل الله يحتج بعلي في كل امة فيها نبي مرسل ، وأشهدهم ( 1 ) معرفة لعلي أعظمهم درجة عند الله ، قلت : فغير هذا رحمك الله ، قال : نعم سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول : لو لا أنا وعلي ما عرف الله ولو لا أنا وعلي ما عبدالله ، ولو لا أنا وعلي ما كان ثواب ولا عقاب ، ولا يستر عليا عن الله ستر ولا يحجبه عن الله حجاب ، وهو الستر والحجاب فيما بين الله وبين خلقه .
قال سليم : ثم سألت المقداد فقلت : حدثني رحمك الله بأفضل ما سمعت من رسول الله صلى الله عليه وآله يقول في علي بن أبي طالب عليه السلام ، قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول : إن الله توحد بملكه فعرف أنواره نفسه ، ثم فوض إليهم وأباحهم جنته ، فمن أراد أن يطهر قلبه من الجن والانس عرفه ولاية علي بن أبي طالب ، ومن أراد أن يطمس على قلبه أمسك عنه معرفة علي بن أبي طالب ، والذي نفسي بيده ما استوجب آدم أن يخلقه الله وينفخ فيه من روحه وأن يتوب عليه ويرده إلى جنته إلا بنبوتي والولاية لعلي بعدي ، والذي نفسي بيده ما أرى إبراهيم ملكوت السماوات والارض ولا اتخذه خليلا إلا بنبوتي والاقرار لعلي بعدي ، والذي نفسي بيده ما كلم الله موسى تكليما ولا أقام عيسى آية للعالمين إلا بنبوتي ومعرفة علي بعدي ، والذي نفسي بيده ما تنبأ نبي إلا بمعرفتي والاقرار لنا بالولاية ، ولا استأهل خلق من الله النظر إليه إلا بالعبودية له والاقرار لعلي بعدي .
*

_________________________________________________________
) * ( 1 ) في المصدر : واشدهم .

[ 97 ]

ثم سكت فقلت : غير هذا رحمك الله ، قال : نعم سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول : علي ديان هذه الامة والشاهد عليها والمتولي لحسابها ، وهو صاحب السنام الاعظم ، و طريق الحق الابهج ( 1 ) والسبيل ، وصراط الله المستقيم ، به يهتدى ( 2 ) بعدي من الضلالة ويبصربه من العمى ، به ينجو الناجون ، ويجار من الموت ، ويؤمن من الخوف ، ويمحى به السيئات ، ويدفع الضيم ، وينزل الرحمة ، وهو عين الله الناظرة ، وأذنه السامعة ولسانه الناطق في خلقه ، ويده المبسوطة على عباده بالرحمة ، ووجهه في السماوات والارض ، وجنبه الظاهر اليمين ، وحبله القوي المتين ، وعروته الوثقى التي لا انفصام لها ، وبابه الذي يؤتى منه ، وبيته الذي من دخله كان آمنا ، وعلمه على الصراط في بعثه ، من عرفه نجا إلى الجنة ، ومن أنكره هوى إلى النار .
وعنه عن سليم قال : سمعت سلمان الفارسي يقول : إن عليا عليه السلام باب فتحه الله ، من دخله كان مؤمنا ومن خرج منه كان كافرا .
( 3 ) 117 ختص : حدثنا عبيدالله ( 4 ) ، عن أحمد بن علي بن الحسن بن شاذان ، عن محمد بن علي بن الفضل بن عامر الكوفي ، عن الحسين بن محمد بن الفرزدق ( 5 ) عن محمد بن علي بن عمرويه ، عن الحسن بن موسى ، عن علي بن أسباط ، عن غير واحد من أصحاب ابن دأب ( 6 ) قال : لقيت الناس يتحدثون أن العرب كانت تقول : إن يبعث الله *

_________________________________________________________
) * ( 1 ) في المصدر : الابلج .
( 2 ) في المصدر و ( د ) : يهدى .
( 3 ) كتاب سليم بن قيس : 168 170 .
( 4 ) في المصدر : عبدالله .
( 5 ) في المصدر : الحسين بن الفرزدق .
( 6 ) قال المحدث القمى رحمه الله في الكنى والالقاب ( 1 : 277 ) : ابوالوليد عيسى بن يزيد بن بكر بن دأب كفلس كان من أهل الحجاز من كنانة ، معاصرا لموسى الهادى العباسى ، وكان اكثر أهل عصره ادبا وعلما ومعرفة بأخبار الناس وأيامهم ، وكان موسى الهادى يدعو متكئا ولم يكن غيره يطمع منه في ذلك ، وكان يقول له : يا عيسى ما استطلت بك يوما ولا ليلة ولا غبت عنى إلا ظننت انى لا ارى غيرك ، إلى آخر ما أورده في ترجمته : ومن أراده فليراجعه .

[ 98 ]

فينا نبيا يكون في بعض أصحابه سبعون خصلة من مكارم الدنيا والآخرة ، فنظروا و فتشوا هل يجتمع عشر خصال في واحد فضلا عن سبعين ، فلم يجدوا خصالا مجتمعة للدين والدنيا ، ووجدوا عشر خصال مجتمعة في الدنيا وليس في الدين منها شئ ووجدوا زهير بن حباب الكلبي ووجدوه شاعرا طبيبا فارسا منجما شريفا أيدا كاهنا قائفا عائفا راجزا ، ( 1 ) وذكروا أنه عاش ثلاثمائة سنة ، وأبلى أربعة لحم .
قال ابن دأب : ثم نظروا وفتشوا في العرب وكان الناظر في ذلك أهل النظر فلم يجتمع في أحد خصال مجموعة للدين والدنيا بالاضطرار على ما أحبوا و كرهوا إلا في علي بن أبي طالب عليه السلام فحسدوه عليها حسدا أنغل القلوب ( 2 ) وأحبط الاعمال ، وكان أحق الناس وأولاهم بذلك ، إذهدم الله عزوجل به بيوت المشركين ونصر به الرسول ، واعتز به الدين في قتله من قتل من المشركين في مغازي النبي صلى الله عليه وآله .
قال ابن دأب : فقلنالهم : وما هذه الخصال ؟ قالوا : المواساة للرسول صلى الله عليه وآله وبذل نفسه دونه ، والحفيظة ، ودفع الضيم عنه ، والتصديق للرسول بالوعد ، و الزهد ، وترك الامل ، والحياء ، والكرم ، والبلاغة في الخطب ، والرئاسة ، والحلم والعلم ، والقضاء بالفصل ، والشجاعة ، وترك الفرج عند الظفر ، وترك إظهار المرح وترك الخديعة والمكر والغدر ، وترك المثلة وهو يقدر عليها ، والرغبة الخالصة إلى الله ، وإطعام الطعام على حبه ، وهوان ما ظفر به من الدنيا عليه ، وتركه أن يفضل نفسه وولده على أحد من رعيته ، وطعمه ( 3 ) أدنى ماتأكل الرعية ، ولباسه *

_________________________________________________________
) * ( 1 ) الايد ككيس : القوى .
والقائف : الذى يعرف النسب بفراسته ونظره إلى أعضاء المولود .
والعائف : المتكهن بالطير أو غيرها .
والراجز : الذى يقول الشعر من بحر الرجز .
وفي المصدر : الزاجر .
( 2 ) أى أفسدها .
( 3 ) في المصدر : وطعامه .

[ 99 ]

أدنى ما يلبس أحد من المسلمين ، وقسمه بالسوية ، وعدله في الرعية ، والصرامة ( 1 ) في حربه وقد خذله الناس فكان ( 2 ) في خذل الناس وذهابهم عنه بمنزلة اجتماعهم عليه طاعة لله وانتهاء إلى أمره والحفظ وهو الذي تسميه العرب العقل حتى سمي أذنا واعية ، والسماحة ، وبث الحكمة ، واستخراج الكلمة ، والابلاغ في الموعظة وحاجة الناس إليه إذا حضر حتى لا يؤخذ إلا بقوله ، وانفلاق ما في الارض ( 3 ) على الناس حتى يستخرجه ، والدفع عن المظلوم ، وإغاثة الملهوف ، والمروءة ، و عفة البطن والفرج ، وإصلاح المال بيده ليستغني به عن مال غيره ، وترك الوهن و الاستكانة ، وترك الشكاية في موضع ألم الجراحة ، وكتمان ما وجد في جسده من الجراحات من قرنه إلى قدمه وكانت ألف جراحة في سبيل الله ، والامر بالمعروف والنهي عن المنكر ، وإقامة الحدود ولو على نفسه ، وترك الكتمان فيما لله فيه الرضى على ولده ، وإقرار الناس بما نزل به القرآن من فضائله ، وما يحدث الناس عن رسول الله صلى الله عليه وآله من مناقبه واجتماعهم على أنه لم يرد على رسول الله صلى الله عليه وآله كلمة قط ، ولم يرتعد ( 4 ) فرائصه في موضع بعثه فيه قط ، و شهادة الذين كانوا في أيامه أنه وترفيهم ( 5 ) ، وظلف نفسه عن دنياهم ( 6 ) ، ولم يرز شيئا في أحكامهم ( 7 ) ، وزكاء القلب ، وقوة الصدر عند ما حكمت الخوارج عليه ، و هرب كل من كان في المسجد وبقي على المنبر وحده ، وما يحدث الناس أن الطير بكت عليه ، وما روي عن ابن شهاب الزهري أن حجارة أرض بيت المقدس قلبت عند قتله فوجد تحتهادم عبيط ، والامر العظيم حتى تكلمت به الرهبان وقالوا فيه ودعاؤه الناس إلى أن يسألونه عن كل فتنة تضل مائة أو تهدي مائة ، وما روى الناس *

_________________________________________________________
) * ( 1 ) صرم الرجل صرامة : كان صارما أى ماضيا .
( 2 ) في المصدر : وكان .
( 3 ) في المصدر : وانفلاق ( انغلاق خ ل ) كل ما في الارض .
( 4 ) في المصدر : ولم ترتعد .
( 5 ) في المصدر : أنه وفر فيئهم .
( 6 ) ظلف نفسه عن الشئ : كفه عنه .
( 7 ) كذا في النسخ ، وفي هامش ( د ) : ولم يرشأ و ( ت ) : ولم يرد شيئا وفي المصدر : ولم يرتش .

[100]

من عجائبه في إخباره عن الخوارج وقتلهم ، وتركه مع هذا أن يظهر منه استطالة أو صلف ( 1 ) بل كان الغالب عليه إذا كان ذلك غلبة البكاء عليه والاستكانة لله ، حتى يقول له رسول الله صلى الله عليه وآله ما هذا البكاء يا علي ؟ فيقول : أبكي لرضا رسول الله صلى الله عليه وآله عني ، قال : فيقول له رسول الله صلى الله عليه وآله : إن الله وملائكته ورسوله عنك راضون ، وذهاب البرد عنه في أيام البرد ، وذهاب الحر عنه في أيام الحر ، فكان لا يجد حرا ولا بردا ، والتأبيد بضرب السيف في سبيل الله ، والجمال قال : أشرف يوما على رسول الله صلى الله عليه وآله فقال : ما ظننت إلا أنه أشرف علي القمر ليلة البدر ، ومباينته للناس في إحكام خلقه ، قال : وكان له سنام كسنام الثور ، بعيدما بين المنكين ، وإن ساعديه لا يستبينان من عضديه من إدماجهما من إحكام الخلق لم يأخذ بيده أحدا ( 2 ) إلا حبس نفسه ، فإن زاد قليلا قتله .
قال ابن دأب : فقلنا : أي شئ معنى أول خصاله بالمواساة ؟ قالوا : قال رسول الله صلى الله عليه وآله له : إن قريشا قد أجمعوا على قتلي فنم على فراشي ، فقال : بأبي أنت وأمي السمع والطاعة لله ولرسوله ، فنام على فراشه ومضى رسول الله صلى الله عليه وآله لوجهه ، وأصبح علي وقريش يحرسه ، فأخذوه فقالوا : أنت الذي غدرتنا منذ الليلة فقطعوا له قبضان الشجر فضرب حتى كادوا يأتون على نفسه ، ثم أفلت من أيديهم وأرسل إليه رسول الله صلى الله عليه وآله وهو في الغار أن اكتر ثلاثة أباعر واحدا لي وواحدا لابي بكر وواحدا للدليل ، واحمل أنت بناتي إلى أن تلحق بي ، ففعل .
قال : فما الحفيظة والكرم ؟ قال : ( 3 ) مشى على رجليه وحمل بنات رسول الله صلى الله عليه وآله على الظهر ، وكمن النهار وسار بهن الليل ما شيا على رجليه فقدم على رسول الله صلى الله عليه وآله وقد تفلقت قدماه دما ومدة ، ( 4 ) فقال له رسول الله صلى الله عليه وآله : *

_________________________________________________________
) * ( 1 ) الصلف محركة : الادعاء ما فوق القدر إعجابا وتكبرا .
( 2 ) في المصدر : أحدا قط .
( 3 ) في المصدر : قالوا .
( 4 ) تفلق : تشقق واجتهد في العدو .
وفى المصدر : ( تعلقت ) .
والمدة بكسر الميم : ما يجتمع في الجرح من القيح .