[101]
هل تدري ما نزل فيك ؟ فأعلمه بما لا عوض له لوبقي في الدنيا ما كانت الدنيا
باقية ، قال : يا علي نزل فيك : ( فاستجاب لهم ربهم أني لا اضيع عمل عامل منكم من
ذكر أو انثى ( 1 ) ) فالذكر أنت والاناث بنات رسول الله صلى الله عليه وآله يقول الله تبارك و
تعالى : ( فالذين هاجروا ) في سبيل الله ( واخرجوا من ديارهم واوذوا في سبيلي و
قاتلوا وقتلوا لاكفرن عنهم سيئاتهم ولا دخلنهم جنات تجري من تحتها الانهار
ثوابا من عندالله والله عنده حسن الثواب ) ) .
قال : فما دفع الضيم ؟ قال : ( 2 ) حيث حصر رسول الله صلى الله عليه وآله في الشعب حتى
أنفق أبوطالب ماله ، ومنعه ( 3 ) في بضع عشرة قبيلة من قريش ، وقال أبوطالب في
ذلك لعلي عليه السلام وهو مع رسول الله صلى الله عليه وآله في اموره وخدمته وموازرته ومحاماته .
قال : فما التصديق بالوعد ؟ قال : ( 4 ) قال له رسول الله صلى الله عليه وآله وأخبره بالثواب
والذخر وجزيل المآب لمن جاهد محسنا بماله ونفسه ونيته ، فلم يتعجل شيئا من
ثواب الدنيا عوضا من ثواب الآخرة ، لم يفضل ( 5 ) نفسه على أحد للذي كان منه ( 6 )
وترك ثوابه ليأخذه مجتمعا كاملا يوم القيامة ، وعاهد الله أن لا ينال من الدنيا إلا
قدر البلغة ( 7 ) ، ولا يفضل له شئ مما أتعب فيه بدنه ورشح فيه جبينه إلا قدمه قبله
فأنزل الله : ( وما تقدموا لانفسكم من خير تجدوه عند الله ( 8 ) ) .
قال : فقيل له : ( 9 ) فما الزهد في الدنيا ؟ قالوا : لبس الكرابيس وقطع ما
جاز ( 10 ) من أنامله وقصر طول كمه وضيق أسفله ، كان طول الكم ثلاثة أشبار و
*
_________________________________________________________
) * ( 1 ) سورة آل عمران 195 .
وما بعدها ذيلها .
( 2 ) في المصدر : قالوا .
( 3 ) أى حامى عنه وصانه من أن يضام .
( 4 ) في المصدر : قالوا .
( 5 ) في المصدر : ولم يفضل
( 6 ) في المصدر : عنده .
( 7 ) في المصدر : إلا بقدر البلغة .
( 8 ) سورة البقرة : 110 .
( 9 ) في المصدر : فقيل لهم .
( 10 ) في المصدر : جاوز .
[102]
أسفله اثني عشر شبرا وطول البدن ستة أشبار .
قال : قلنا فما ترك الامل ؟ قال : ( 1 ) قيل له : هذا قد قطعت ما خلف أناملك
فما لك لا تلف كمك ؟ قال : الامر أسرع من ذلك ، فاجتمعت إليه بنوهاشم قاطبة
وسألوه وطلبوا إليه لما وهب لهم لباسه ولبس لباس الناس وانتقل عما هو إليه من
ذلك فكان جوابه لهم البكاء والشهق ، ( 2 ) وقال : بأبي وأمي من لم يشبع من خبز
البر حتى لقي الله ، وقال لهم : هذا لباس هدى يقنع به الفقير ويستر به المؤمن .
قالوا : فما الحياء ؟ قال : ( 3 ) لم يهجم على أحد قط أراد قتله فأبدى عورته
إلاكف ( 4 ) عنه حياء منه .
قال : فما الكرم ؟ قال : ( 5 ) له سعدبن معاذ وكان نازلا عليه في العزاب
في أول الهجرة : ما منعك أن تخطب إلى رسول الله صلى الله عليه وآله ابنته ؟ فقال عليه السلام : أنا
أجترئ أن أخطب إلى رسول الله صلى الله عليه وآله ؟ والله لو كانت أمة له ما اجترأت عليه ، فحكى
سعد مقالته لرسول الله صلى الله عليه وآله فقال له رسول الله صلى الله عليه وآله : قل له يفعل فإني سأفعل ، قال :
فبكى حيث قال له سعد ، قال : ثم قال : لقد سعدت إذا إن جمع الله لي صهره مع
-بحار الانوار مجلد: 36 من ص 102 سطر 14 الى ص 110 سطر 14
قرابته ،
فالذي يعرف من الكرم هو الوضع لنفسه وترك الشرف على غيره ، وشرف
أبي طالب ما قد علمه الناس ، وهو ابن عم رسول الله لابيه وامه ، أبي طالب بن عبدالمطلب
بن هاشم ، وامه فاطمة بنت أسد بن هاشم التي خاطبها رسول الله صلى الله عليه وآله في لحدها ، و
كفنها في قميصه ، ولفها في ردائه ، وضمن لها على الله أن لا تبلى أكفانها ، وأن
لا يبدي ( 6 ) لها عورة ، ولا يسلط عليها ملك ( 7 ) القبر ، وأثنى عليها عند موتها ،
*
_________________________________________________________
) * ( 1 ) في المصدر : قالوا .
( 2 ) في المصدر : الشهيق .
( 3 ) في المصدر : قال : فما الحياء ؟ قالوا اه .
( 4 ) في المصدر : إلا انكفأ .
( 5 ) في المصدر : قالوا .
( 6 ) في المصدر : وأن لا تبدى .
( 7 ) في المصدر : ملكى القبر .
[103]
وذكر حسن صنيعها به وتربيتها له وهو عند عمه أبي طالب ، وقال : ما نفعني
نفعها أحد .
ثم البلاغة قام الناس ( 1 ) إليه حيث نزل من المنبر فقالوا : ما سمعنا يا
أميرالمؤمنين أحدا قط أبلغ منك ولا أفسح ، فتبسم وقال : وما يمنعني وأنا مولد
مكي ، ولم يزدهم على هاتين الكلمتين .
ثم الخطب فهل سمع السامعون من الاولين والآخرين بمثل خطبه وكلامه ؟
وزعم أهل الدواوين لو لا كلام علي بن أبي طالب عليه السلام وخطبه وبلاغته في منطقه ما أحسن أحد أن يكتب إلى أمير جند ولا إلى رعية ،
ثم الرئاسة فجميع من قاتله ونابذه على الجهالة والعمى والضلالة ، فقالوا :
نطلب دم عثمان ولم يكن في أنفسهم ولا قدروا من قلوبهم أن يدعوارئاسته معه ، و
قال هو : أنا أدعوكم إلى الله وإلى رسوله بالعمل بما أقررتم لله ورسوله من فرض
الطاعة وإجابة رسول الله صلى الله عليه وآله إلى الاقرار بالكتاب والسنة .
ثم الحلم قالت له صفية بنت عبدالله بن خلف الخزاعي : أيم الله نساءك
منك كما أيمت نساءنا ، وأيتم الله بنيك منك كما أيتمت أبناءنا من آبائهم ، فوثب
الناس عليها فقال : كفوا عن المرأة ، فكفوا عنها ، فقالت لاهلها : ويلكم الذين
قالوا هذا سمعوا كلامه قط عجبا من حلمه عنها ( 2 ) .
*
_________________________________________________________
) * ( 1 ) في المصدر : مال الناس .
( 2 ) كذا في النسخ والمصدر ، ولا يخلو عن تصحيف ، والظاهر انه إشارة إلى ما سيذكره
المصنف في باب معجزات كلامه عليه السلام من اخباره بالغائبات ، ونحن نذكرها لتكون
على بصيرة :
قالت صفية بنت الحارث الشقفية زوجة عبدالله بن خلف الخزاعى لعلى عليه السلام يوم الجمل
بعد الوقعة : يا قاتل الاحبة يا مفرق الجماعة ، فقال عليه السلام : إنى لا ألومك ان تبغضينى يا
صفية وقد قتلت جدك يوم بد وعمك يوم احد وزوجك الان ، ولو كنت قاتل الاحبة لقتلت من في
هذه البيوت ، ففتش فكان فيها مروان وعبدالله بن الزبير .
انتهى .
وأورد القضية ابن ابى الحديد
في شرح النهج 3 : 628 .
وكذا ذكره المصنف أيضا في المجلد الثامن من طبعة أمين الضرب
ص 451 فعليك المراجعة .
والمظنون أن تكون العبارة هكذا : فقال : كفوا عن المرأة فكفوا عنها
فقال الذين سمعوا كلامه هذا : عجبا من حلمه عنها .
[104]
ثم العلم فكم من قول قد قاله عمر : لو لا علي لهلك عمر .
ثم المشورة في كل أمر جرى بينهم حتى يجيئهم بالمخرج .
ثم القضاء لم يتقدم ( 1 ) إليه أحد قط فقال له : عد غدا أو دفعه ، إنما يفصل
القضاء مكانه ، ثم لوجاءه بعد لم يكن إلا من بدر منه أولا .
ثم الشجاعة كان منها على أمر لم يسبقه الاولون ولم يدركه الآخرون من
النجدة والبأس ومباركة الاخماس ( 2 ) على أمر لم يرمثله ، لم يول دبرا قط ،
ولم يبرز إليه أحد قط إلا قتله ، ولم يكع ( 3 ) عن أحد قط دعاه إلى مبارزته ، ولم
يضرب أحدا قط في الطول إلا قده ، ولم يضربه في العرض إلا قطعه بنصفين ، وذكروا
أن رسول الله صلى الله عليه وآله حمله على فرس فقال : بأبي أنت وامي أنا ، مالي وللخيل ؟ أنا
لا أتبع أحدا ولا أفر من أحد وإذا ارتديت سيفي لم أضعه إلا للذي أرتدي له .
ثم ترك الفرح وترك المرح ، أتت البشرى إلى رسول الله صلى الله عليه وآله ( 4 ) بقتل
من قتل يوم أحد من أصحاب الالوية فلم يفرح ولم يختل ، وقد اختال أبودجانة و
مشى بين الصفين مختالا ، فقال له رسول الله صلى الله عليه وآله : إنها لمشية يبغضها الله إلا في هذا
الموضع .
ثم لما صنع بخيبر ما صنع من قتل مرحب وفرار من فربها قال رسول الله
صلى الله عليه وآله : لاعطين الراية رجلا ( 5 ) يحب الله ورسوله ويحبه الله و
رسوله ليس بفرار فاختاره أنه ليس بفرار معرضا بالقوم ( 6 ) الذين فروا قبله ، فافتتحها
وقتل مرحبا وحمل بابها وحده ، فلم يطقه دون أربعين رجلا ، فبلغ ذلك رسول الله
*
_________________________________________________________
) * ( 1 ) في المصدر : لم يقدم .
( 2 ) أى مبارزة الشجعان وإذلالهم .
( 3 ) كع : ضعف وجبن .
كع فلانا : خوفه وجبنه .
( 4 ) في المصدر : إلى رسول الله صلى الله عليه وآله تترى اه .
( 5 ) في المصدر : غدا رجلا اه .
( 6 ) في المصدر : فاخباره أنه ليس بفرار معرضا عن القوم اه .
[105]
صلى الله عليه وآله فنهض مسرورا ، فلما بلغه أن رسول الله صلى الله عليه وآله قد أقبل إليه
انكفأ إليه فقال ( 1 ) رسول الله صلى الله عليه وآله : بلغني بلاؤك فأنا عنك راض ، فبكى علي عليه السلام
عند ذلك فقال له رسول الله صلى الله عليه وآله : أمسك ما يبكيك ؟ فقال : ومالي لا أبكي ورسول
الله صلى الله عليه وآله عني راض فقال له رسول الله : فإن الله ( 2 ) وملائكته ورسوله عنك راضون
وقال له : لو لا أن تقول فيك الطوائف من امتي ما قالت النصارى في عيسى بن
مريم لقلت فيك اليوم مقالا لا تمر بملاء من المسلمين قلوا أو كثروا إلا أخذوا التراب
من تحت قدميك يطلبون بذلك البركه .
ثم ترك الخديعة والمكر والغدر ، اجتمع الناس عليه جميعا فقالوا له :
اكتب يا أميرالمؤمنين إلى من خالفك بولايته ثم اعزله ، فقال : المكر والخديعة
والغدر في النار .
ثم ترك المثلة ، قال للحسن ابنه : ( 3 ) يا بني اقتل قاتلي وإياك والمثلة ، فإن
رسول الله صلى الله عليه وآله كرهها ولو بالكلب العقور .
ثم الرغبة بالقربة إلى الله بالصدقة ، قال له رسول الله صلى الله عليه وآله : يا علي ما
عملت في ليلتك ؟ قال : ولم يا رسول الله ؟ قال : نزلت فيك أربعة معالي ، قال : بأبي
أنت وامي كانت معي أربعة دراهم فتصدقت بدرهم ليلا وبدرهم نهارا وبدرهم
سراو بدرهم علانية ، قال : فإن الله أنزل فيك ( الذين ينفقون أموالهم بالليل و
النهار سرا وعلانية فلهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون ( 4 ) )
ثم قال له : فهل عملت شيئا غير هذا ؟ فان الله قد أنزل علي سبعة عشر آية يتلو
بعضها بعضا من قوله : ( إن الابرار يشربون من كأس كان مزاجها كافورا ( 5 ) )
*
_________________________________________________________
) * ( 1 ) في المصدر : فقال له رسول الله صلى الله عليه وآله .
( 2 ) في المصدر : إن الله .
( 3 ) في المصدر : قال لابنه الحسن .
( 4 ) سورة البقرة : 274 .
( 5 ) سورة الدهر : 4 22 .
[106]
إلى قوله : ( إن هذا كان لكم جزاء وكان سعيكم مشكورا ) .
قوله : ( ويطعمون
الطعام على حبه مسكينا ويتيما وأسيرا ) قال : فقال العالم : أما إن عليا لم يقل
في موضع : ( إنما نطعمكم لوجه الله لا نريد منكم جزاء ولا شكورا ) ولكن الله علم
من قلبه أنما أطعم لله ، فأخبره بما يعلم من قلبه من غير أن ينطق به .
ثم هوان ما ظفر به من الدنيا عليه إنه جمع الاموال ثم دخل إليها فقال :
هذا جناي وخياره فيه * وكل جان يده إلى فيه ( 1 )
ابيضي واصفري وغري غيري أهل الشام غدا إذا ظهروا عليك .
وقال : أنا
يعسوب المؤمنين والمال يعسوب الظلمة .
ثم ترك التفضيل لنفسه وولده على أحد من أهل الاسلام ، دخلت عليه اخته
ام هانئ بنت أبي طالب ، فدفع إليها عشرين درهما ، فسألت ام هانئ مولاتها
العجمية فقالت : كم دفع إليك أميرالمؤمنين ؟ فقالت : عشرين درهما ، فانصرفت
مسخطة ، فقال لها : انصرفي رحمك الله ما وجدنا في كتاب الله فضلا لاسماعيل على
إسحاق ، وبعث إليه من خراسان بنات كسرى فقال لهن : ازوجكن ؟ فقلن له :
لاحاجة لنا في التزويج فإنه لا أكفاء لنا إلا بنوك فإن زوجتنا منهم رضينا ، فكره
أن يؤثر ولده بما لا يعم به المسلمين ، وبعث إليه من البصرة من غوص البحر بتحفة
لا يدرى ما قيمته ، فقالت له ابنته ام كلثوم : يا أميرالمؤمنين أتجمل به ويكون
في عنقي ؟ فقال لها : يا بارافع ( 2 ) أدخله إلى بيت المال ليس إلى ذلك سبيل حتى
لا تبقى امرأة من المسلمين إلا ولها مثل مالك ( 3 ) .
وقام خطيبا بالمدينة حين ولي
فقال : يا معشر المهاجرين والانصار يا معشر قريش اعلموا والله أني لا أرزؤكم ( 4 )
*
_________________________________________________________
) * ( 1 ) البيت لعمرو بن عدى ، وله قصة لطيفة طويلة راجع الاغانى 14 : 70 والقاموس 3 : 259 و 260 .
ومعجم الشعراء للمرزبانى : 205 .
والجنى ما يجنى من الثمرة ، والمعنى أن كل من جنى
شيئا أكل خياره وأفضله إلا أنا لارده إلى صاحبه وأهله .
( 2 ) الصحيح كما في المصدر : فقال يا بارافع .
( 3 ) الصحيح كما في المصدر : مثل ذلك .
( 4 ) رزا الرجل ماله : أصاب منه شيئا مهما كان أى نقصه .
[107]
من فيكم شيئا ما قام لي عذق بيثرب ، أفتروني مانعا نفسي وولدي ومعطيكم ؟
ولاسوين بين الاسود والاحمر ، فقام إليه عقيل بن أبي طالب فقال : لتجعلني و
أسودا من سودان المدينة واحدا ؟ فقال له : اجلس رحمك الله تعالى أما كان ههنا من
يتكلم غيرك ؟ وما فضلك عليه إلا بسابقة أو تقوى .
ثم اللباس ، استعدى زياد بن شداد الحارثي صاحب رسول الله صلى الله عليه وآله على
أخيه عبدالله بن شداد ( 1 ) فقال : يا أميرالمؤمنين ذهب أخي في العبادة وامتنع أن
يساكنني في داري ولبس أدنى ما يكون من اللباس ، قال : يا أميرالمؤمنين تزينت
بزينتك ولبست لباسك ، قال : ليس لك ذلك ، إن إمام المسلمين إذا ولي امورهم
لبس لباس أدنى فقيرهم لئلا يتبيغ ( 2 ) بالفقير فقره فيقتله ، فلاعلمن ما لبست إلا من
أحسن زي قومك ( وأما بنعمة ربك فحدث ) فالعمل بالنعمة أحب من الحديث بها .
ثم القسم بالسوية والعدل في الرعية ، ولى بيت مال المدينة عمار بن ياسر
وأبا الهيثم بن التيهان فكتب : العربي والقرشي والانصاري والعجمي وكل من
في الاسلام من قبائل العرب وأجناس العجم ( 3 ) ، فأتاه سهل بن حنيف بمولى له أسود
*
_________________________________________________________
) * ( 1 ) لم يذكر لرسول الله صلى الله عليه وآله صحابى اسمه ( زياد بن شداد الحارثى ) نعم
عبدالله بن شداد كان من أصحابه لكن لم يعرف له أخ بهذا الاسم ، والظاهر وقوع التحريف ، و
ستأتى في باب جوامع مكارم اخلاقه وآدابه وسننه صلوات الله عليه رواية عن الكافى ( 1 : 410 و 411 )
وفيه أن ربيع بن زياد شكا إليه عليه السلام من أخيه عاصم بن زياد حين لبس العباء وترك الملاء .
وقد
ذكرت القضية في نهج البلاغة أيضا ( 1 : 448 و 449 عبده ط مصر ) وفيه أن علاء بن زياد
الحارثى اشتكى من أخيه عاصم بن زياد .
وقال ابن أبى الحديد في شرحه ( 3 : 19 ط بيروت )
ان الذى رويته عن الشيوخ ورأيته بخط أحمد بن عبدالله الخشاب أن الربيع بن زياد الحارثى
أصابه نشابة في جبينه إلى أن قال : قال الربيع : يا أميرالمؤمنين ألا أشكو إليك عاصم بن
زياد أخى ؟ قال : ماله ؟ قال : لبس العباء وترك الملاء وغم أهله اه .
( 2 ) باغ وتبيغ : هاج .
( 3 ) في المصدر بعد ذلك : [ سواء ] .
[108]
فقال : كم تعطي هذا ؟ فقال له أميرالمؤمنين عليه السلام : كم أخذت أنت ؟ قال : ثلاثة
دنانير وكذلك أخذ الناس ، قال : فأعطوا مولاه مثل ما أخذ ثلاثة دنانير ، فلما عرف
الناس أنه لا فضل لبعضهم على بعض إلا بالتقوى عند الله أتى طلحة والزبير عمار بن
ياسر وأبا الهيثم بن التيهان فقالا : يا أبا اليقظان استأذن لنا على صاحبك ، قال :
وعلي صاحبي إذن قد أخذ بيد أجيره وأخذ مكتله ومسحاته ( 1 ) وذهب يعمل في نخلة
في بئر الملك وكانت بئر لتبع ( 2 ) سميت بئر الملك ، فاستخرجها علي بن أبي طالب عليه السلام
وغرس عليها النخل ، فهذا من عدله في الرعية وقسمه بالسوية .
قال ابن دأب : فقلنا : فما أدنى طعام الرعية ؟ فقال : يحدث الناس أنه كان
يطعم الخبز واللحم ويأكل الشعير والزيت ، ويختم طعامه مخافة أن يزاد فيه ، وسمع
مقلى ( 3 ) في بيته فنهض وهو يقول في ذمة علي بن أبي طالب مقلى الكراكر ( 4 ) ؟
قال : ففزع عياله وقالوا : يا أميرالمؤمنين إنها امرأتك فلانة نحرت جزور في حيها
فاخذلها نصيب منها فأهدى أهلها إليها ، قال : فكلوا هنيئا مريئا ، قال : فيقال :
إنه لم يشتكي المرأة ( 5 ) إلا شكوى الموت ، وإنما خاف أن يكون هدية من بعض
الرعية ، وقبول الهدية لو الي المسلمين خيانة للمسلمين .
قال : قيل فالصرامة ؟ قال : انصرف من حربه فعسكر في النخيلة وانصرف
الناس إلى منازلهم واستأذنوه ، فقالوا : يا أميرالمؤمنين كلت سيوفنا وتنصلت ( 6 )
*
_________________________________________________________
) * ( 1 ) المكتل ، زنبيل من خوص .
والمسحاة ما يسحى به كالمجرفة .
( 2 ) الصحيح كما في المصدر : بئر ينبع .
( 3 ) المقلى : وعاء ينضج فيه الطعام .
( 4 ) قال في لسان العرب ( 6 : 946 ) : الكركرة رحى زور البعير والناقة ، وهى إحدى الثفنات
الخمس ، وقيل : هو الصدر من كل ذى خف ، وفي الحديث ( ألم تروا إلى البعير يكون بكركرته
نكتة من جرب ) وجمعها كراكر ، وفي حديث عمر ( ما أجهل عن كراكر وأسنمة ) يريد
احضارها للاكل فانها من أطائب ما يؤكل من الابل .
( 5 ) كذا في النسخ ، وفي المصدر : إنه لم يشتك ألما إلا شكوى الموت .
( 6 ) في المصدر : ونصلت .
والمراد أنه زالت أثرها .
[109]
أسنة رماحنا ، فائذن لنا ننصرف فنعيد بأحسن من عدتنا ، وأقام هو بالنخيلة وقال :
إن صاحب الحرب الارق الذي لا يتوجد ( 1 ) من سهر ليله وظماء نهاره ولا فقد نسائه
وأولاده ، فلا الذي انصرف فعاد فرجع إليه ، ولا الذي أقام فثبت معه في عسكره
أقام ، فلما رأى ذلك دخل الكوفة فصعد المنبر فقال : لله أنتم ما أنتم إلا اسد الشرا
في الدعة وثعالب رواغة ( 2 ) ما أنتم بركن يصال به ولا ذو أثر يعتصر إليها ( 3 ) ، أيها
المجتمعة أبدانهم والمختلفة أهواؤهم ما عزت دعوة من دعاكم ، ولا استراح قلب من
ماشاكم ( 4 ) مع أي إمام بعدي تقاتلون ؟ وأي دار بعد دار كم تمنعون ؟ فكان في آخر
حربه أشد أسفا وغيظا وقد خذله الناس .
قال : فما الحفظ ؟ قال : هو الذي تسميه العرب العقل ، لم يخبره رسول الله
صلى الله عليه وآله بشئ قط إلا حفظه ، ولا نزل عليه شئ قط إلا عني به ( 5 ) ولا نزل من أعاجيب
السماء شئ قط إلى الارض إلا سأل عنه حتى نزل فيه ( وتعيها اذن واعية ( 6 ) ) و
أتى يوما باب النبي صلى الله عليه وآله وملائكته يسلمون عليه وهو واقف حتى فرغوا ، ثم دخل
على النبي صلى الله عليه وآله فقال ( 7 ) : يا رسول الله سلم عليك أربعمائة ملك ونيف ، قال :
*
_________________________________________________________
) * ( 1 ) قال في النهاية ( 1 : 26 ) : الارق : السهر ، ورجل أرق إذا سهر لعلة ، فان كان السهر من
عادته قيل ( ارق ) بضم الهمزة والراء : وقوله ( لا يتوجد ) أى لا يشتكى .
يقال : توجد السهر
ونحوه أى شكاه .
( 2 ) قال في المراصد ( 2 : 787 ) : الشراء بالفتح والقصر : جبل بتهامة موصوف بكثرة
السباع ، انتهى .
والدعة : خفض العيش .
والرواغ : كثير الخداع والمكر يقال : هو ثعلب رواغ
وهم ثعالب رواغة .
( 3 ) صال عليه : وثب .
اعتصر بفلان : لاذبه والتجأ إليه .
وفي المصدر : ( ولازوافر عز
يفتقر إليها ) .
( 4 ) في المصدر : قاساكم .
( 5 ) في المصدر : إلا وعى به .
( 6 ) سورة الحاقة : 11 .
( 7 ) في المصدر : فقال له .
[110]
وما يدريك ؟ قال : حفظت لغاتهم ، فلم يسلم عليه صلى الله عليه وآله ملك إلا بلغة غير لغة صاحبه
قال السيد ( 1 ) :
فظل يعقد بالكفين مستمعا * كأنه حاسب من أهل دارينا ( 2 )
أدت إليه بنوع من مفادتها * سفائن الهند معلقن الربابينا ( 3 )
قال ابن دأب : ( وأهل دارينا ) قرية من قرى أهل الشام وأهل الجزيرة ( 4 )
وأهلها أحسن قوم .
ثم الفصاحة وثب الناس إليه فقالوا : يا أميرالمؤمنين ما سمعنا أحدا قط أفصح
منك ولا أعرب كلاما منك ، قال : وما يمنعني وأنا مولدي بمكة ،
قال ابن دأب : فأدركت الناس وهم يعيبون كل من استعان بغير الكلام الذي
يشبه الكلام الذي هو فيه ويعتبون ( 5 ) الرجل الذي يتكلم ويضرب بيده على بعض
جسده أو على الارض أو يدخل في كلامه ما يستعين به فأدركت الاولى وهم يقولون
كان عليه السلام يقوم فيتكلم بالكلام منذ ضحوة إلى أن تزول الشمس ، لا يدخل في كلامه
غير الذي تكلم به ، ولقد سمعوه يوما وهو يقول :
والله ما أتيتكم اختيارا ولكن أتيتكم سوقا ( 6 ) ، أما والله لتصيرن بعدي سبايا
-بحار الانوار مجلد: 36 من ص 110 سطر 15 الى ص 118 سطر 15
سبايا يغيرونكم ويتغاير بكم ، أما والله إن من ورائكم الادبر لا تبقي ولا تذر ، و
النهاس الفراس القتال الجموح ( 7 ) ، يتوارثكم منهم عشرة ( 8 ) يستخرجون كنوزكم
*
_________________________________________________________
) * ( 1 ) أى السيد إسماعيل الحميرى المادح لاهل البيت عليهم السلام .
( 2 ) دارين : فرضة بالبحرين يجلب إليها المسك من الهند .
( 3 ) الربابين جمع الربان بالضم والتشديد : رئيس الملاحين .
وفي المصدر : يحملن
الربابينا .
( 4 ) في المصدر : [ أو ] أهل جزيرة .
( 5 ) في المصدر : ويعيبون .
( 6 ) في نسخ الكتاب ( ما أنبأتكم اختبارا ولكم أنبأتكم سوقا ) ولا يخلو عن سهو .
( 7 ) النهاس : الاسد والذئب والفراس : الاسد .
والجموع : معرب ( جموش ) وفي الاحتجاج
والارشاد : النهاس الفراس الجموع المنوع .
( 8 ) في المصدر : عدة .