[261]
دعا بالثالث فسأله عما سأل الرجلين ، فحكى خلاف ما قالا ، وأثبت ذلك عنه ، ثم
كبر وأمر بإخراجه نحو صاحبيه ، ودعا برابع القوم فاضطرب قوله وتلجلج
فوعظه و خوفه ، فاعترف أنه وأصحابه قتلوا الرجل وأخذوا ماله ، وأنهم دفنوه
في موضع كذا وكذا بالقرب من الكوفة ، فكبر أميرالمؤمنين عليه السلام وأمر به إلى
السجن ، واستدعى بواحد ( 1 ) من القوم وقال له : زعمت أن الرجل مات حتف أنفه
وقد قتلته اصدقني عن حالك وإلا نكلت بك ، فقد وضح الحق في قصتكم ، ( 2 )
فاعترف من قتل الرجل بما اعترف به صاحبه ، ثم دعى الباقين فاعترفوا عنده بالقتل
وسقطوا في أيديهم ، ( 3 ) واتفقت كلمتهم على قتل الرجل وأخذ ماله ، فأمر من مضى
معهم ( 4 ) إلى موضع المال الذي دفنوه ، فاستخرجوه منه وسلموه ( 5 ) إلى الغلام ابن
الرجل المقتول .
ثم قال له : ما الذي تريد ؟ قد عرفت ما صنع القوم بأبيك ، قال : اريد أن
يكون القضاء بيني وبينهم بين يدي الله عزوجل ، وقد عفوت عن دمائهم في الدنيا
فدرأ أميرالمؤمنين عليه السلام ( 6 ) حد القتل وأنهكهم ( 7 ) عقبوة ، فقال شريح : يا أمير
المؤمنين كيف هذا الحكم ؟ فقال له : إن داود عليه السلام مر بغلمان يلعبون وينادون
بواحد منهم يا ( مات الدين ) قال : والغلام يجيبهم ، فدنا داود عليه السلام منهم فقال له : يا غلام ما اسمك ؟ فقال : اسمي ( مات الدين ) قال له داود : من سماك بهذا الاسم ؟
قال : امي ، فقال داود : أين امك ؟ قال : في منزلها ، قال داود : انطلق بنا إلى
*
_________________________________________________________
) * ( 1 ) في المصدر : واحدا .
( 2 ) في المصدر : في قضيتكم .
( 3 ) أى ندموا على ما فعلوا .
( 4 ) في المصدر : فأمر من مضى منهم مع بعضهم اه .
( 5 ) في المصدر : فاستخرجه منه وسلمه .
( 6 ) في المصدر : فدرا عنهم أميرالمؤمنين عليه السلام .
( 7 ) أنهكه : بالغ في عقوبته .
[262]
امك ، فانطلق به إليها فاستخرجها من منزلها ، فخرجت ، فقال لها : يا أمة الله ما
اسم ابنك هذا ؟ قالت : اسمه ( مات الدين ) قال لها داود عليه السلام : ومن سماه بهذا
الاسم ؟ قالت : أبوه ، قال لها : وما كان سبب ذلك ؟ قالت : إنه خرج في سفر له و
معه قوم وأنا حامل بهذا الغلام ، فانصرف القوم ولم ينصرف زوجي ، ( 1 ) فسألتهم عنه
قالوا : مات ، فسألتهم عن ماله فقالوا : ما ترك مالا ، فقلت : ما أوصاكم ( 2 ) بوصية ؟
قالوا : نعم يزعم ( 3 ) أنك حبلى ، فإن ولدت جارية أو غلاما فسميه ( مات الدين )
فسميته كما وصى ولم احب خلافه ، فقال لها داود عليه السلام : فهل تعرفين القوم ؟ قالت :
نعم ، قال : انطلقي مع هؤلاء يعني قوما بين يديه فاستخرجيهم من منازلهم ، فلما
حضروا حكم فيهم بهذه الحكومة ، فثبت عليهم الدم واستخرج منهم المال ، ثم قال
لها : يا أمة الله سمي ابنك هذا بعاش الدين .
( 4 )
كا : علي ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن علي بن أبي حمزة ، عن أبي بصير
عن أبي جعفر عليه السلام مثله وزاد في آخره : ثم إن الفتى والقوم اختلفوا في مال الفتى
كم كان ، فأخذ أميرالمؤمنين عليه السلام خاتمه وجميع خواتيم من عنده ، ثم قال : أجيلوا ( 5 )
هذه السهام فأيكم أخرج خاتمي فهو صادق في دعواه ، لانه سهم الله وسهم الله لا
يخيب .
( 6 )
كا : عدة من أصحابنا ، عن أحمد بن أبي عبدالله ، عن إسحاق بن إبراهيم الكندي
عن خالد النوفلي ، عن الاصبغ بن نباتة مثله .
( 7 )
*
_________________________________________________________
) * ( 1 ) في المصدر : ولم ينصرف زوجى معهم .
( 2 ) في المصدر : فقلت لهم : فهل وصاكم .
( 3 ) الصحيح كما في المصدر : زعم .
( 4 ) الارشادللمفيد : 102 105 .
( 5 ) من جال يجول ، أى أديروا .
( 6 ) فروع الكافى ( المجلد السابع من الطبعة الحديثة ) : 371 373 .
( 7 ) فروع الكافى ( المجلد السابع من الطبعة الحديثة ) : 373 .
[263]
قب : مرسلا مثله .
( 1 )
31 قب ، شا : وروي أن امرأة هوت غلاما ، فدعته إلى نفسها ( 2 ) فامتنع
الغلام ، فمضت وأخذت بيضة وألقت بياضها على ثوبها ، ثم علقت بالغلام ورفعته
إلى أميرالمؤمنين عليه السلام وقالت : إن هذا الغلام كابرني على نفسي وقد فضحني ، ثم
أخذت ثيابها فأرت بياض البيض وقالت : ماؤه ( 3 ) على ثوبي ، فجعل الغلام يبكي و
يتبرأ مما ادعته ويحلف ، فقال أميرالمؤمنين عليه السلام لقنبر : مرمن يغلي ماء حتى
يشتد حرارته ، ثم لتأتني ( 4 ) به على حاله ، فجيئ بالماء فقال : ألقوه على ثوب
المرأة ، فألقوه عليه ، فاجتمع بياض البيض والتأم ، فأمر بأخذه ودفعه إلى رجلين
من أصحابه ، فقال : تطعماه ( 5 ) والفظاه ، فطعماه فوجداه بيضا ، فأمر بتخلية الغلام
وجلد المرأة عقوبة على ادعائها الباطل .
( 6 )
32 شا : وروى الحسن بن محبوب ، قال : حدثني عبدالرحمن بن الحجاج ، قال :
سمعت ابن أبي ليلى يقول : لقد قضى أميرالمؤمنين عليه السلام بقضية ما سبقه إليها أحد
وذلك أن رجلين اصطحبا في سفر فجلسا يتغذيان ، ( 7 ) فأخرج أحدهما خمسة
أرغفة وأخرج الآخر ثلاثة ، فمر بهما رجل فسلم ، فقالا له : الغداء ، فجلس يأكل
معهما ، فلما فرغ من أكله رمى إليهما ثمانية دراهم وقال لهما : هذا ( 8 ) عوض ما
أكلت من طعامكما ، فاختصما وقال صاحب الثلاثة : هذا ( 9 ) نصفان بيننا ، فقال
صاحب الخمسة : بل لي خمسة ولك ثلاثة ، فارتفعا إلى أميرالمؤمنين عليه السلام وقصا
*
_________________________________________________________
) * ( 1 ) مناقب آل ابى طالب 1 : 507 .
( 2 ) في المصدر : فراودته عن نفسه .
( 3 ) في المصدر : هذا ماؤه .
( 4 ) في المصدر : ليأتنى .
( 5 ) في المصدر : أطعماه .
( 6 ) المناقب 1 : 498 .
الارشاد : 105 .
واللفظ له .
( 7 ) في المصدر : يتغديان .
( 8 و 9 ) في المصدر : هذه .
[264]
عليه القصة ، فقال لهما : هذا أمر فيه دناءة ، والخصومة غير جميلة فيه والصلح أحسن
فقال صاحب الثلاثة أرغفة : لست أرضى إلا بمر القضاء ، قال : أميرالمؤمنين عليه السلام :
إذا كنت لا ترضى إلا بمر القضاء فإن لك واحدا من ثمانية ولصاحبك سبعة ، فقال
سبحان الله كيف صار هذا هكذا ؟ فقال له : اخبرك أليس كان لك ثلاثة أرغفة ؟
قال : بلى ، ولصاحبك خمسة ؟ قال : بلى ، قال : هذه أربعة وعشرون ثلثا ، أكلت
أنت ثمانية وصاحبك ثمانية والضيف ثمانية ، فلما أعطاكم الثمانية كان لصاحبك
سبعة ولك واحد ، ( 1 ) فانصرف الرجلان على بصيرة من أمرهما في القضية .
( 2 )
كا : محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد ، وعلي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن
محبوب مثله ( 3 ) .
33 شا : وروى علماء أهل السير ( 4 ) أن أربعة نفر شربوا المسكر على عهد
أميرالمؤمنين عليه السلام فسكروا ، فتباعجوا ( 5 ) بالسكاكين ونال الجراح كل واحد
منهم ، ورفع خبرهم إلى أميرالمؤمنين عليه السلام ، فأمر بحبسهم حتى يفيقوا ، فمات في
السجن منهم اثنان وبقي اثنان ، فجاء قوم الاثنين إلى أميرالمؤمنين عليه السلام فقالوا :
أقدنا ( 6 ) يا أميرالمؤمنين من هذين النفسين فإنهما قتلا صاحبينا ، فقال لهم : وما
علمكم بذلك ؟ ولعل كل واحد منهما قتل صاحبه ؟ قالوا : لا ندري فاحكم فيها ( 7 )
بما علمك الله ، فقال : دية المقتولين على قبائل الاربعة بعد مقاصة الحيين منهما
بدية جراحهما ، وكان ذلك هو الحكم الذي لا طريق إلى الحق في القضاء سواه
*
_________________________________________________________
) * ( 1 ) في المصدر : واحدة .
-بحار الانوار مجلد: 36 من ص 264 سطر 19 الى ص 272 سطر 18
( 2 ) الارشاد للمفيد : 105 و 106 .
( 3 ) فروع الكافى ( المجلد السابع من الطبعة الحديثة ) : 427 و 428 .
( 4 ) في المصدر : علماء السير .
( 5 ) بعج البطن : شقه .
( 6 ) أقاد القاتل بالقتيل : قتله به قودا أى بدلامنه .
( 7 ) في المصدر : فيهم .
[265]
ألا ترى أنه لا بينة على القاتل تفرده من المقتول ولا بينة على العمد في القتل ؟
فلذلك كان القضاء فيه على حكم الخطاء في القتل ، واللبس في القاتل دون المقتول .
وروي أن ستة نفر نزلوا الفرات فتعاطوا فيه لعبا : فغرق واحد منهم ، فشهد
اثنان على ثلاثة منهم أنهم غرقوه ، وشهد الثلاثة على الاثنين أنهما غرقاه ، فقضى
عليه السلام بالدية أخماسا على الخمسة نفر ، ثلاثة [ أخماس ] منها على الاثنين
بحساب الشهادة عليهما ، وخمسان على الثلاثة بحساب الشهادة أيضا ، ولم يكن في
ذلك قضية أحق بالصواب مما قضى به عليه السلام ( 1 ) .
34 قب ، شا : ورووا أن رجلا حضرته الوفاة ، فوصى بجزء من ماله ولم
يعينه ، فاختلف الوراث في ذلك بعده ، وترافعوا إلى أميرالمؤمنين عليه السلام فقضى
عليهم بإخراج السبع من ماله ، وتلا قوله تعالى : ( لها سبعة أبواب لكل باب منهم
جزء مقسوم ( 2 ) ) .
وقضى عليه السلام في رجل وصى عند الموت بسهم من ماله ولم يبينه ، فلما مضى
اختلف الورثة في معناه ، فقضى عليهم بإخراج الثمن من ماله ، وتلا قوله تعالى
جل ذكره : ( إنما الصدقات للفقراء والمساكين ( 3 ) ) إلى آخر الآية ، وهم ثمانية
أصناف ، لكل صنف منهم سهم من الصدقات .
وقضى عليه السلام في رجل وصى فقال : أعتقوا عني كل عبد قديم في ملكي ،
فلما مات ما يعرف ( 4 ) الوصي ما يصنع ، فسأله عن ذلك فقال : يعتق عنه كل عبد
ملكه ستة أشهر ، وتلا قوله جل اسمه : ( والقمر قدرناه منازل حتى عاد كالعرجون
القديم ( 5 ) وقد ثبت أن العرجون إنما ينتهي إلى الشبه بالهلال في تقويسه بعدستة
*
_________________________________________________________
) * ( 1 ) الارشاد للمفيد : 106 .
( 2 ) سورة الحجر : 44 .
( 3 ) سورة التوبة : 60 .
( 4 ) في المصدر : لم يعرف .
( 5 ) سورة يس : 39 .
[266]
أشهر من أخذالثمرة منه .
وقضى عليه السلام في رجل نذر أن يصوم حينا ولم يعين ( 1 ) وقتا بعينه ، أن يصوم ستة
أشهر ، وتلا قوله عزوجل : ( تؤتي اكلها كل حين بإذن ربها ( 2 ) ) وذلك في
ستة أشهر .
( 3 )
35 شا : وجاءه رجل فقال : ( 4 ) يا أميرالمؤمنين إنه كان بين يدي تمر ،
فبدرت زوجتي فأخذت منه واحدة فألقتها في فيها ، فحلفت أنها لا تأكلها ولا تلفظها
فقال عليه السلام : تأكل نصفها وترمي نصفها وقد تخلصت من يمينك .
وقضى عليه السلام في رجل ضرب امرأة فألقت علقة أن عليه ديتها أربعين دينارا ،
وتلا قوله عزوجل : ( ولقد خلقنا الانسان من سلالة من طين * ثم جعلناه نطفة
في قرار مكين * ثم خلقنا النطفة علقة فخلقنا العلقة مضغة فخلقنا المضغة عظاما
فكسونا العظام لحما ثم أنشأناه خلقا آخر فتبارك الله أحسن الخالقين ( 5 ) ) ثم
قال : في النطفة عشرون دينارا ، وفي العلقة أربعون دينارا ، وفي المضغة ستون دينارا
وفي العظم قبل أن يستوي خلقا ثمانون دينارا ، وفي الصورة قبل أن تلجها الروح
مائة دينار ، وإذا ولجتها الروح كان فيه ( 6 ) ألف دينار .
فهذا طرف من ذكرقضاياه عليه السلام ( 7 ) وأحكامه الغريبة التي لم يقض بها أحد
قبله ، ولا عرفها من العامة والخاصة أحد إلا عنه ( 8 ) ، واتفقت عترته على العمل
*
_________________________________________________________
) * ( 1 ) في المصدر : ولم يسم .
( 2 ) سورة ابراهيم : 25 .
( 3 ) المناقب 1 : 509 .
الارشاد : 106 و 107 .
واللفظ له .
وفيه : وذلك في كل ستة
أشهر .
( 4 ) في المصدر : فقال له .
( 5 ) سورة المؤمنون : 14 .
( 6 ) في المصدر : فاذاوالجتهاالروح كان فيها اه .
( 7 ) في المصدر : من قضاياه .
( 8 ) في المصدر : ولا عرفها أحد من العامة والخاصة ولا أخذ الاعنه .
[267]
بها ، ولو مني ( 1 ) غيره بالقول فيها لظهر عجزه عن الحق في ذلك كما ظهر فيما
هو أوضح منه ، وفيما أثبتناه من قضاياه على الاختصار كفاية فيما قصدناه إن شاء الله ( 2 ) .
36 يل : روي أن امرأة تركت طفلا ابن ستة أشهر على سطح ، فمشى
الطفل يحبو حتى خرج من السطح وجلس على رأس الميزاب ، فجاءت امه على
السطح فما قدرت عليه ، فجاؤوا بسلم ووضعوه على الجدار ، فما قدروا على الطفل
من أجل طول الميزاب وبعده عن السطح ، والام تصيح وأهل الصبي يبكون و
كان في أيام عمر بن الخطاب فجاؤوا إليه ، فحضر مع القوم فتحيروا فيه ، فقالوا :
ما لهذا إلا علي بن أبي طالب عليه السلام : فحضر علي فصاحت ام الصبي في وجهه ،
فنظر أميرالمؤمنين عليه السلام إلى الصبي ، فتكلم الصبي بكلام لم يعرفه أحد ، فقال
عليه السلام : أحضروا ههنا طفلا مثله فأحضروه ، فنظر بعضها إلى بعض وتكلم
الطفلان بكلام الاطفال ، فخرج الطفل من الميزاب إلى السطح ، فوقع فرح في
المدينة لم يرمثله ، ثم سألوا أميرالمؤمنين عليه السلام علمت كلامهما ؟ فقالت : أما خطاب
الطفل فإنه سلم علي بإمرة المؤمنين فرددت عليه ، وما أردت خطابه لانه لم يبلغ
حد الخطاب والتكليف ، فأمرت بإحضار طفل مثله حتى يقول له بلسان الاطفال
يا أخي ارجع إلى السطح ولا تحرق قلب امك وعشيرتك بموتك ، فقال : دعني
يا أخي قبل أن أبلغ فيستولي علي الشيطان ، فقال : ارجع إلى السطح فعسى أن
تبلغ ويجيئ من صلبك ولد يحب الله ورسوله ويوالي هذا الرجل ، فرجع إلى
السطح بكرامة الله تعالى على يد أميرالمؤمنين عليه السلام ( 3 ) .
37 يل : روي عن عمار بن ياسر رضي الله عنه قال : كنت بين يدي مولاي
أميرالمؤمنين عليه السلام وإذا بصوت عظيم قد أخذ بجامع الكوفة ، فقال علي عليه السلام :
*
_________________________________________________________
) * ( 1 ) على المجهول أى امتحن واختبر .
( 2 ) الارشاد ، للمفيد ، 107 .
( 3 ) الفضائل : 66 و 67 .
[268]
اخرج يا عمار وائتني بذي الفقار البتار ( 1 ) للاعمار ، وجئت به إليه فقال : يا
عمار اخرج وامنع الرجل من ظلامة المرأة ، فإن انتهى وإلا منعته بذي الفقار ،
فقال عمار : فخرجت فإذا أنا برجل وامرأة وقد تعلق الرجل بزمام جملها والامرأة
تقول : إن الجمل جملي ، والرجل يقول : إن الجمل جملي ، فقلت له : إن
أميرالمؤمنين ينهاك عن ظلامة المرأة ، فقال : يشتغل علي بشغله ويغسل يده من
دماء المسلمين الذين قتلهم بالبصرة ! يريد يأخذ جملي ويدفعه إلى هذه المرأة الكاذبة !
فقال عمار رضي الله عنه : فرجعت لاخبر مولاي وإذا به قد خرج والغضب في وجهه
وقال : يا ويلك خل جمل هذه المرأة ، فقال : هو لي ، فقال أميرالمؤمنين عليه السلام :
كذبت يالعين ، قال : فمن يشهد للامرأة ؟ فقال عليه السلام : الشاهد الذي لا يكذبه أحد
من أهل الكوفة ، فقال الرجل : إذا شهد بشهادته وكان صادقا سلمته إلى المرأة
فقال علي عليه السلام : تكلم أيها الجمل لمن أنت ، فقال الجمل بلسان فصيح : يا أمير
المؤمنين عليك السلام أنا لهذه المرأة منذ تسعة عشر سنة ، فقال عليه السلام : خذي جملك
وعارض الرجل بضربة قسمه نصفين ( 2 ) .
38 - فض ، يل : الواقدي عن جابر عن سلمان الفارسي رضي الله عنه قيل :
جاء إلى عمر بن الخطاب غلام يافع ، فقال له : إن امي جحدت حقي من ميرات أبي
وأنكرتني وقالت : لست بولدي ، فأحضرها وقال لها : لم جحدت ولدك هذا الغلام
وأنكرتيه ؟ قالت : إنه كاذب في زعمه ، ولي شهود بأني بكر عاتق ما عرفت بعلا ،
وكانت قدأ رشت ( 3 ) سبع نفر من النساء كل واحدة بعشرة دنانير بأني بكر
لم أتزوج ولا أعرف بعلا ، فقال لها عمر : أين شهودك ؟ فأحضرتهن بين يديه ، فشهدن
أنها بكر لم يمسها ذكر ولا بعل ، فقال الغلام : بيني وبينها علامة أذكرها لها عسى
تعرف ذلك ، فقال له : قل ما بدالك ، فقال الغلام : كان والدي شيخ سعد بن مالك
*
_________________________________________________________
) * ( 1 ) البتار بتقديم الموحدة التحتانية على المثناة الفوقانية : السيف القاطع .
( 2 ) الفضائل : 67 و 68 .
( 3 ) أى أعطت لهن رشوة .
[269]
يقال له الحارث المزني ، ورزقت في عام شديد المحل ( 1 ) ، وبقيت عامين كاملين أرتضع
من شاة ، ثم إنني كبرت وسافر والدي مع جماعة في تجارة ، فعادوا ولم يعد والدي
معهم ، فسألتهم عنه فقالوا : إنه درج ( 2 ) ، فلما عرفت والدتي الخبر أنكرتني و
أبعدتني ، وقد أضربي الحاجة ، فقال عمر : هذا مشكل لا يحله إلا نبي أو وصي نبي ،
فقوموا بنا إلى أبي الحسن علي عليه السلام .
فمضى الغلام وهو يقول : أين منزل كاشف الكروب ؟ أين خليفة هذه الامة
حقا ! فجاؤوا به إلى منزل علي بن أبي طالب عليه السلام كاشف الكروب ومحل المشكلات
فوقف هنا يقول : يا كاشف الكروب عن هذه الامة ، فقال له الامام : ومالك يا غلام ؟
فقال : يا مولاي امي جحدتني حقي وأنكرتني أني لم أكن ولدها ، فقال الامام
عليه السلام : أين قنبر ؟ فأجابه : لبيك يا مولاي ، فقال له : امض واحضر الامرأة
إلى مسجد رسول الله صلى الله عليه وآله ، فمضى قنبروأحضرها بين يدي الامام ، فقال لها ويلك
لم جحدت ولدك ؟ فقالت : يا أميرالمؤمنين أنابكر ليس لي ولد ولم يمسسني بشر ،
قال لها : لا تطيلي الكلام أنا ابن عم البدر التمام ، وأنا مصباح الظلام ، وإن جبرائيل
أخبرني بقصتك ، فقالت : يا مولاي أحضر قابلة تنظرني أنا بكر عاتق أم لا ، فأحضروا
قابلة أهل الكوفة ، فلما دخلت بها أعطتها سوارا كان في عضدها وقالت لها : اشهدي
بأني بكر ، فلما خرجت من عندها قالت له : يا مولاي إنها بكر ، فقال عليه السلام :
كذبت العجوز يا قنبر ، فتش العجوز وخذ منها السوار ، قال قنبر : فأخرجته من
كتفها ، فعند ذلك ضج الخلائق ، فقال الامام عليه السلام : اسكتوا فأنا عيبة علم النبوة
ثم أحضر الجارية وقال لها : يا جارية أنا زين الدين ، أنا قاضي الدين ، أنا أبوالحسن
والحسين ، وإني اريد أن ازوجك من هذا الغلام المدعي عليك فتقبليه مني زوجا
فقالت : لا يا مولاي أتبطل شرع محمد صلى الله عليه وآله ؟ فقال لها : بماذا ؟ فقالت : تزوجني
*
_________________________________________________________
) * ( 1 ) بالفتح فالسكون : الجدب .
الشدة .
انقطاع المطر .
( 2 ) درج القوم : انقرضوا وماتوا .
[270]
بولدي كيف يكون ذلك ؟ فقال الامام عليه السلام : ( جاء الحق وزهق الباطل ) وما
يكون هذا منك قبل هذه الفضيحة ، فقالت : يا مولاي خشيت على الميراث ، فقال
لها : استغفري الله وتوبي إليه ، ثم إنه أصلح بينهما وألحق الولد بوالدته وبارث
أبيه ( 1 ) .
39 فض : روي من فضائله عليه السلام في حديث المقدسي ما يغني سامعه عما سواه
وهو ما حكي لنا أنه كان رجل من أهل بيت المقدس ورد إلى مدينة رسول الله صلى الله عليه وآله
وهو حسن الشباب ( 2 ) حسن الصورة ، فزار حجرة النبي صلى الله عليه وآله وقصد المسجد ولم
يزل ملازما له مشتغلا بالعبادة ، صائم النهار وقائم الليل في زمن خلافة عمر بن
الخطاب ، حتى كان أعبد الخلق ، والخلق تتمنى أن تكون مثله ، وكان عمر يأني
إليه ويسأله أن يكلفه حاجة ، فيقول له المقدسي : الحاجة إلى الله تعالى ، ولم يزل
على ذلك إلى أن عزم الناس الحج ، فجاء المقدسي إلى عمر بن الخطاب وقال :
يا أبا حفص قد عزمت على الحج ومعي وديعة احب أن تستودعها مني إلى حين
عودي من الحج ، فقال عمر : هات الوديعة ، فأحضر الشاب حقا من عاج عليه
قفل من حديد ، مختوم بختام الشاب ، فتسلمه منه وخرج الشاب مع الوفد ،
فخرج عمر إلى مقدم الوفد وقال : اوصيك بهذا الغلام ، وجعل عمر يودع الشاب ،
وقال للمقدم على الوافد : استوص به خيرا .
وكان في الوفد امرأة من الانصار ، فما زالت تلاحظ المقدسي وتنزل بقربه
حيث نزل ، فلما كان في بعض الايام دنت منه وقالت : يا شاب إني أرق لهذا الجسم
الناعم المترف كيف يلبس الصوف ؟ فقال لها : يا هذه جسم يأكله الدود ومصيره
التراب هذا له كثير ، فقالت : إني اغار ( 3 ) على هذا الوجه المضيئ تشعثه الشمس
فقال لها : يا هذه اتقي الله وكفي فقد شغلني كلامك عن عبادة ربي ، فقالت له :
*
_________________________________________________________
) * ( 1 ) الروضة : 6 .
الفضائل : 109 111 .
( 2 ) كذا في النسخ والمصدر .
وفي الفضائل : حسن الثياب .
( 3 ) من الغيرة .