[271]
لي إليك حاجة فإن قضيتها فلا كلام ، وإن لم تقضها فما أنا بتاركتك حتى تقضيها
لي ، فقال لها : وما حاجتك ؟ قالت : حاجتي أن تواقعني ! فزجرها وخوفها من الله
تعالى فلم يردعها ذلك ، فقالت : والله لئن لم تفعل ما آمرك لارمينك بداهية من
دواهي النساء ومكرهم لا تنجو منها ، فلم يلتفت إليها ولم يعبأ بها ، فلما كان في بعض
الليالي وقد سهر أكثر ليله بالعبادة فرقد في آخر الليل وغلب عليه النوم فأتته و
تحت رأسه مزادة فيهازاده .
فانتزعها من تحت رأسه وطرحت فيها كيسا فيه خمسمائة
دينار ، ثم أعادت المزادة تحت رأسه .
فلما ثور الوفد ( 1 ) قامت الملعونة من نومها وقالت : يا لله ويا للوفد ، يا وفد
أنا امرأة مسكينة وقد سرقت نفقتي ومالي ، وأنا بالله وبكم ، فجلس المقدم على
الوفد وأمر رجلا من المهاجرين والانصار أن يفتشوا الوفد ، ففتشوا الوفد فلم
يجدوا شيئا ، ولم يبق في الوفد إلا من فتش رحله ، فلم يبق إلا المقدسي ، فأخبروا
مقدم الوفد بذلك فقالت المرأة : يا قوم ماضركم لو فتشتموا رحله فله اسوة
بالمهاجرين والانصار ، وما يدريكم أن ظاهره مليح وباطنة قبيح ، ولم تزل المرأة
حتى حملتهم على تفتيش رحله ، فقصده جماعة من الوفد وهو قائم يصلي ، فلما رآهم
أقبل عليهم وقال لهم : ما حاجتكم ؟ فقالوا له : هذه المرأة الانصارية ذكرت أنها
سرقت لها نفقة كانت معها ، وقد فتشنا رحال الوفد بأسرها ولم يبق منها غيرك ، و
نحن لا نتقدم إلى رحلك إلا بإذنك لما سبق من وصية عمر بن الخطاب فيما يعود
إليك ، فقال : يا قوم ما يضرني ذلك ففتشوا ما أحببتم ، وهو واثق من نفسه ، فلما
نفضوا المزادة التي فيها زاده وقع منها الهميان ، فصاحت الملعونة : الله أكبر هذا
والله كيسي ومالي ، وهو كذا وكذا دينارا ، وفيه عقد لؤلؤ ووزنه كذا وكذا
مثقالا ، فأحضروه فوجدوه كما قالت الملعونة ، فمالوا عليه بالضرب الموجع و
السب والشتم وهو لا يرد جوابا ، فسلسلوه وقادوه راحلا إلى مكة ، فقال لهم :
يا وفد بحق الله وبحق هذا البيت إلا تصدقتم علي وتركتموني أقضي الحج و
*
_________________________________________________________
) * ( 1 ) ثار : هاج وارتفع وفي المصدر : فلما نزل الوفد .
[272]
اشهد الله تعالى ورسوله علي بأني إذا قضيت الحج عدت إليكم وتركت يدي في
أيديكم ، فأوقع الله تعالى الرحمة في قلوبهم له فاطلقوه .
فلما قضى مناسكه وما وجب عليه من الفرائض عاد إلى القوم وقال لهم :
أما إني قدعدت إليكم فافعلوا بي ما تريدون ، فقال بعضهم لبعض ، لو أراد المفارقة
لما عاد إليكم ، فتركوه ورجع الوفد طالبا مدينة الرسول صلى الله عليه وآله ، فأعوزت ( 1 ) تلك
المرأة الملعونة الزاد في بعض الطريق ، فوجدت راعيا فسألته الزاد ، فقال لها :
عندي ما تريدين غير أني لا أبيعه فإن آثرت أن تمكنيني من نفسك أعطيتك ،
ففعلت ما طلب وأخذت منه زادا ، فلما انحرفت عنه اعترض لها إبليس لعنه الله
فقال لها : أنت حامل ، قالت : ممن ؟ قال : من الراعي ، فصاحت وافضيحتاه ،
فقال : لا تخافي إذا رجعت إلى الوفد قولي لهم إني سمعت قراءة المقدسي فقربت
منه ، فلما غلب علي النوم دنا مني وواقعني ولم أتمكن من الدفاع عن نفسي
بعد القراءة ، وقد حملت منه وأنا امرأة من الانصار ، وخلفي جماعة من الاهل .
ففعلت الملعونة ما أشار به عليها إبليس لعنه الله ، فلم يشكوا في قولها لما
عاينوا أولا من وجود المال في رحله ، فعكفوا على الشاب المقدسي وقالوا : يا هذا
ما كفاك السرقة حتى فسقت ؟ فأوجعوه شتما وضربا وسبا ، وعادوه إلى السلسلة
وهو لا يرد جوابا ، فلما قربوا من المدينة عى ساكنها أفضل الصلاة والسلام خرج عمر بن الخطاب ومعه جماعة من المسلمين للقاء الوفد ، فلما قربوا منه لم يكن
له همة إلا السؤال عن المقدسي ، فقالوا : يا أبا حفص ما أغفلك عن المقدسي ! فقد
سرق وفسق ، وقصوا عليه القصة ، فأمر بإحضاره بين يديه فقال له : يا ويلك يا
-بحار الانوار مجلد: 36 من ص 272 سطر 19 الى ص 280 سطر 18
مقدسي تظهر بخلاف ما تبطن حتى فضحك الله تعالى ؟ لانكلن بك أشد النكال ،
وهو لا يرد جوابا .
فاجتمع الخلق وازدحم الناس لينظروا ماذا يفعل به ؟ وإذا بنور قد سطع و
*
_________________________________________________________
) * ( 1 ) أعوزنى الشئ : احتجت إليه .
وفي المصدر و ( م ) فأعوز .
وعليه فالفاعل ( الزاد )
أى أعجزها الزاد وصعب عليهانيله .
[273]
شعاع قد لمع ، فتأملوه وإذا به عيبة علم النبوة علي بن أبي طالب عليه السلام فقال : ما
هذا الرهج ( 1 ) في مسجد رسول الله ؟ فقالوا : يا أميرالمؤمنين إن الشاب المقدسي
الزاهد قد سرق وفسق ، فقال عليه السلام : والله ما سرق ولا فسق ولا حج أحد غيره ، فلما
سمع عمر كلامه قام قائما على قدميه وأجلسه موضعه ، فنظر إلى الشاب المقدسي
وهو مسلسل وهو مطرق إلى الارض والمرأة جالسة ، فقال لها أميرالمؤمنين عليه السلام :
ويلك قصي قصتك ، قالت : يا أميرالمؤمنين إن هذا الشاب قد سرق مالي وقد شاهد
الوفد مالي في مزادته ، وما كفاه ذلك حتى كانت ليلة من الليالي حيث قربت منه
فاستغرقني بقراءته واستنامني ، فوثب إلي وواقعني ، وما تمكنت من المدافعة عن
نفسي خوفا من الفضيحة ، وقد حملت منه .
فقال لها أميرالمؤمنين عليه السلام : كذبت يا ملعونة فيما ادعيت عليه ، يا أبا حفص
إن هذا الشاب مجبوب ليس معه إحليل ، وإحليله في حق من عاج ، ثم قال : يا
مقدسي أين الحق ؟ فرفع رأسه وقال : يا مولاي من علم بذلك يعلم أين الحق
فالتفت إلى عمر وقال له : يا أبا حفص قم فأحضر وديعة الشاب ، فأرسل عمر فأحضر
الحق بين يدي أميرالمؤمنين عليه السلام ، ففتحوه وإذا فيه خرقة من حرير وفيها إحليلة
فعند ذلك قال الامام عليه السلام : قم يا مقدسي ، فقام فجردوه من ثيابه لينظروه وليحقق
من اتهمه بالفسق ، ( 2 ) فجردوه من ثيابه فإذا هو مجبوب ، فعند ذلك ضج العالم
فقال لهم أمير المؤمنين عليه السلام : اسكتوا واسمعوا مني حكومة أخبرني بها رسول الله
صلى الله عليه وآله .
ثم قال : يا ملعونة لقد تجرأت على الله تعالى ، ويلك أما أتيت إليه وقلت له
كيت وكيت فلم يجبك إلى ذلك ؟ فقلت له : والله لارمينك بحيلة من حيل النساء
لا تنجومنها ؟ فقالت : بلى يا أميرالمؤمنين كان ذلك ، فقال عليه السلام : ثم إنك استنمتيه
وتركت الكيس في مزادته ، أقري ؟ فقالت : نعم يا أميرالمؤمنين ، فقال : اشهدوا
*
_________________________________________________________
) * ( 1 ) الرهج بفتح الاول والثانى : الفتنة والشغب .
( 2 ) في الفضائل : ويتحقق حاله من اتهمه بالفسق .
[274]
عليها ، ثم قال لها : حملك هذا من الراعي الذي طلبت منه الزاد فقال لك : لا أبيع
الزاد ولكن مكنيني من نفسك وخذي لحاجتك ، ففعلت ذلك وأخذت الزاد وهو
كذا وكذا ، قالت : صدقت يا أميرالمؤمنين قال : فضج العالم فسكتهم علي عليه السلام
وقال لها : فلما خرجت عن الراعي عرض لك شيخ صفته كذا وكذا وقال لك يا
فلانة : فإنك حامل من الراعي ، فصرختي وقلتي : وافضيحتاه ، فقال : لا بأس
عليك قولي للوفد : استنامني وواقعني وقد حملت منه ، فصدقوك لما ظهر من سرقته
ففعلك ما قال الشيخ ، فقالت : نعم ، فقال الامام عليه السلام : أتعرفين ذلك الشيخ ؟ قالت
لا ، قال : هو إبليس لعنه الله ، فتعجب القوم من ذلك ، فقال عمر : يا أبا الحسن ما
تريد أن تفعل بها ؟ قال : [ اصبروا حتى تضع حملها وتجدوا من ترضعه ] يحفر لها
في مقابر اليهود وتدفن إلى نصفها وترجم بالحجارة ، ففعل بها ما قال مولانا أمير
المؤمنين عليه السلام ، وأما المقدسي فلم يزل ملازم مسجد رسول الله صلى الله عليه وآله إلى أن توفي
رضي الله عنه ، فعند ذلك قام عمر بن الخطاب وهو يقول : لو لا علي لهلك عمر قالها :
ثلاثا ثم انصرف الناس وقد تعجبوا من حكومة علي بن أبي طالب .
( 1 )
40 يل ، فض : بالاسناد يرفعه إلى أبي جعفر ميثم التمار رضي الله عنه أنه
قال : كنت بين يدي أميرالمؤمنين علي عليه السلام في جامع الكوفة في جماعة من أصحابه
وأصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وهو كأنه البدربين الكواكب ، إذ دخل علينا من باب
المسجد رجل طويل عليه قباء خز أدكن ، ( 2 ) وقد اعتم بعمامة صفراء وهو متقلد
بسيفين ، فدخل وبرك ( 3 ) بغير سلام ، ولم ينطق بكلام ، فتطاولت إليه الاعناق ، ونظروا
إليه بالآماق ، ( 4 ) و قد وقف عليه الناس من جميع الآفاق ، ومولانا أميرالمؤمنين عليه السلام
لا يرفع رأسه إليه ، فلما هدأت من الناس الحواس أفصح عن لسانه كأنه حسام
*
_________________________________________________________
) * ( 1 ) الروضة : 6 8 .
وتوجد الرواية في الفضائل ايضا : 112 116 .
( 2 ) أى اسود .
( 3 ) برك بالمكان : أقام فيه .
برك البعير : استناخ .
( 4 ) جمع المأق : مجرى الدمع من العين أى من طرفها مما يلى الانف .
[275]
جذب عن غمده : أيكم المجتبى في الشجاعة والمعمم بالبراعة ؟ ( 1 ) أيكم المولود
في الحرم والعالي في الشيم والموصوف بالكرم ؟ أيكم الاصلع الرأس والبطل
الدعاس ( 2 ) والمضيق للانفاس والآخذ بالقصاص ؟ أيكم غصن أبي طالب الرطيب و
بطله المهيب والمسهم المصيب والقسم النجيب ؟ ( 3 ) أيكم خليفة محمد صلى الله عليه وآله الذي نصره
في زمانه واعتزبه سلطانه وعظم به شأنه ؟ .
فعند ذلك رفع أميرالمؤمنين عليه السلام رأسه إليه فقال : مالك يا باسعد بن الفضل
ابن الربيع بن مدركة بن نجيبة بن الصلت بن الحارث بن وعران بن الاشعث بن
أبي السمع الرومي ؟ اسأل عما شئت ، أنا عيبة علم النبوة ، قال : قد بلغنا عنك أنك
وصي رسول الله صلى الله عليه وآله وخليفته على قومه بعده ، وأنك محل المشكلات ، وأنا رسول
إليك من ستين ألف رجل يقال لهم العقيمة ، وقد حملوني ميتا قد مات من مدة ، و
قد اختلفا في سبب موته وهو بباب المسجد ، فإن أحييته علمنا أنك صادق نجيب
الاصل ، وتحققنا أنك حجة الله في أرضه وخليفة محمد صلى الله عليه وآله على قومه ، وإن لم تقدر
على ذلك رددناه إلى قومه وعلمنا أنك تدعي غير الصواب وتظهر من نفسك ما لا
تقدر عليه .
قال أميرالمؤمنين عليه السلام : يا ميثم اركب بعيرك وناد في شوارع الكوفة ومحالها :
من أراد أن ينظر إلى ما أعطاه الله عليا أخا رسول الله وزوج ابنته من العلم الرباني
فليخرج إلى النجف ، فخرج الناس إلى النجف ، فقال الامام عليه السلام : يا ميثم هات
الاعرابي وصاحبه ، فخرجت ورأيته راكبا تحت القبة التي فيها الميت ، فأتيت
بهما إلى النجف ، فعند ذلك قال علي عليه السلام : قولوا فينا ما ترون منا وارووا عنا
ما تشاهدونه منا ، ثم قال : يا أعرابي أبرك الجمل وأخرج صاحبك أنت وجماعة
من المسلمين ، قال ميثم : فأخرجت تابوتا وفيه وطأ ديباج أخضر ، وفيها غلام أول
*
_________________________________________________________
) * ( 1 ) برع براعة : فاق علما أو فضيلة أو جمالا .
وفي الروضه : المعتم بالبراعة .
( 2 ) دعس الشئ : وطئه وداسه .
دعس فلانا : دفعه .
دعسه بالرمح : طعنه .
( 3 ) في ( ك ) : والقسم المجيب .
[276]
ماتم عذاره على خده ، بذوائب كذوائب الامرأة الحسناء ، فقال علي بن أبي طالب
عليه السلام : كم لميتكم ؟ قال : أحد وأربعون يوما ، قال : وما سبب موته ؟ فقال
الاعرابي : يافتى إن أهله يريدون أن تحييه ليخبرهم من قتله ، لانه بات سالما
وأصبح مذبوحا من اذنه إلى اذنه ، ويطالب بدمه خمسون رجلا يقصد بعضهم بعضا
فاكشف الشك والريب يا أخا محمد ، قال الامام عليه السلام : قتله عمه ، لانه زوجه ابنته
فخلاها وتزوج بغيرها ، فقلته حنقا ( 1 ) عليه ، قال الاعرابي : لسنا نقنع بقولك
فإنا نريد أن يشهد لنفسه عند أهله لترتفع الفتنة والسيف والقتال .
فعند ذلك قام الامام علي بن أبي طالب عليه السلام فحمد الله وأثنى عليه وذكر
النبي صلى الله عليه وآله فصلى عليه وقال : يا أهل الكوفة ما بقرة بني إسرائيل بأجل عند الله
مني قدرا ، وأنا أخو رسول الله ، وإنها أحيت ميتا بعد سبعة أيام ، ثم دنا أميرالمؤمنين
عليه السلام من الميت وقال : إن بقرة بني إسرائيل ضرب ببعضها الميت فعاش ، و
أنا أضرب هذا الميت ببعضي لان بعضي خير من البقرة كلها ، ثم هزه برجله و
قال له : قم بإذن الله يا مدرك بن حنظلة بن غسان بن بحير بن فهر بن سلامة بن
الطيب بن الاشعث ، فهاقد أحياك الله تعالى على يد علي بن أبي طالب ، قال ميثم
التمار : فنهض غلام أضوء من الشمس أضعافا ومن القمر أوصافا ، فقال : لبيك
لبيك يا حجة الله على الانام المتفرد بالفضل والانعام ، فعند ذلك قال : يا غلام من
قتلك ؟ قال : قتلني عمي الحارث بن غسان ، قال له الامام عليه السلام : انطلق إلى قومك
فأخبرهم بذلك ، فقال : يا مولاي لا حاجة لي إليهم ، أخاف أن يقتلوني مرة اخرى
ولا يكون عندي من يحييني ، قال : فالتفت الامام إلى صاحبه وقال له : امض إلى
أهلك فأخبرهم ، قال : يا مولاي والله لا افارقك بل أكون معك حتى يأتي الله
بأجلي من عنده ، فلعن الله من اتضح له الحق وجعل بينه وبين الحق سترا ،
ولم يزل بين يدي أميرالمؤمنين حتى قتل بصفين ، ثم إن أهل الكوفة رجعوا إلى الكوفة
*
_________________________________________________________
) * ( 1 ) الحنق : الحقد والغيظ .
[277]
واختلفوا أقوالا فيه عليه السلام .
( 1 )
41 كشف : من مناقب الخوارزمي عن الزمخشري مرفوعا إلى الحسن عليه السلام
أن عمر بن الخطاب اتي بامرأة مجنونة حبلى قد زنت ، فأراد أن يرجمها ، فقال له
علي عليه السلام : يا عمر أما سمعت ما قال رسول الله صلى الله عليه وآله ؟ قال : وما قال ؟ قال : قال
رسول الله صلى الله عليه وآله : رفع القلم عن ثلاثة : عن المجنون حتى يبرأ ، وعن الغلام حتى
يدرك ، وعن النائم حتى يستيقظ ، قال : فخلى عنها .
ومنه عن علي عليه السلام قال : لما كان في ولاية عمر اتي بامرأة حاملة ، ( 2 ) فسألها
عمر فاعترفت بالفجور ، فأمر بها عمر أن ترجم ، فلقيها علي بن أبي طالب عليه السلام فقال :
ما بال هذه ؟ فقالوا : أمر بها عمر أن ترجم ، فردها علي عليه السلام فقال : أمرت بها أن
ترجم ؟ فقال : نعم اعترفت عندي بالفجور ، فقال : هذا سلطانك عليها فما سلطانك
على ما في بطنها ؟ ثم قال له علي عليه السلام : فلعلك انتهرتها أو أخفتها ، فقال : قد
كان ذلك ، قال : أوما سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول : لاحد على معترف بعد بلاء ، إنه
من قيدت أو حبست أو تهددت فلا إقرار له ؟ فخلى عمر سبيلها ، ثم قال : عجزت النساء
أن تلد مثل علي بن أبي طالب عليه السلام لو لا علي لهلك عمر .
ومن المناقب عن أبي سعيد الخدري قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله : أقضى امتي
علي بن أبي طالب عليه السلام .
( 3 )
42 يل ، فض : بالاسناد يرفعه إلى عمار بن ياسر وزيد بن أرقم قالا : كنا
بين يدي أميرالمؤمنين عليه السلام وكان يوم الاثين لسبع عشر خلت من صفر ، وإذا بزعقة ( 4 )
عظيمة أملات المسامع ، وكان على دكة القضاء ، فقال : يا عمار ائتني بذي الفقار ، و
كان وزنه سبعة أمنان وثلثي من مكي ، فجئت به ، فانتضاه ( 5 ) من غمده فتركه
*
_________________________________________________________
) * ( 1 ) الفضائل 2 5 .
الروضة : 26 .
( 2 ) في المصدر : بامرأة حامل .
( 3 ) كشف الغمة : 33 .
( 4 ) الزعقة : الصيحة .
( 5 ) نضى السيف من غمده : سله .
[278]
على فخذه ، وقال : يا عمار هذا يوم أكشف لاهل الكوفة الغمة ليزداد المؤمن
وفاقا والمخالف نفاقا ، يا عمار ائت بمن على الباب ، قال عمار : فخرجت وإذا
على الباب امرأة في قبة على جمل ، وهي تشتكي وتصيح : يا غياث المستغيثين ، ويا
بغية الطالبين ، ويا كنز الراغبين ، ويا ذا القوة المتين ، ويا مطعم اليتيم ، ويا رازق
العديم ، ويا محيي كل عظم رميم ، ويا قديم سبق قدمه كل قديم ، ويا عون من ليس
له عون ولا معين ، يا طود من لا طودله ، يا كنز من لا كنزله ، إليك توجهت وبوليك
توسلت وخليفة رسولك قصدت ، فبيض وجهي وفرج عني كربتي .
قال عمار : وحولها ألف فارس بسيوف مسلولة ، قوم لها وقوم عليها ، فقلت :
أجيبوا أميرالمؤمنين أجيبوا عيبة علم النبوة ، قال : فنزلت المرأة من القبة ونزل
القوم معها ودخلوا المسجد ، فوقفت المرأة بين يدي أميرالمؤمنين عليه السلام وقالت : يا
مولاي يا إمام المتقين إليك أتيت وإياك قصدت ، فاكشف كربتي وما بي من غمة
فإنك قادر على ذلك وعالم بما كان وما يكون إلى يوم القيامة ، فعند ذلك قال : يا
عمار ناد في الكوفة : من أراد أن ينظر إلى ما أعطاه الله أخا رسول الله فليأت المسجد
قال : فاجتمع الناس حتى امتلا المسجد ، فقام أميرالمؤمنين عليه السلام وقال : سلوني ما
بدالكم يا أهل الشام ، فنهض من بينهم شيخ قد شاب ، عليه بردة يمانية ، فقال :
السلام عليك يا أميرالمؤمنين ويا كنز الطالبين ، يا مولاي هذه الجارية ابنتي قد خطبها
ملوك العرب ، وقد نكست رأسي بين عشيرتي ، وأنا موصوف بين العرب ، وقد فضحتني
في أهلي ورجالي ، لانها عاتق حامل ، وأنا فليس بن عفريس ، لا تخمدلي نار ولا
يضام ( 1 ) لي جار ، وقد بقيت حائرا في أمري ، فاكشف لي هذه الغمة فإن الامام
خبير بالامر ، فهذه غمة عظيمة لم أرمثلها ولا أعظم منها .
فقال أميرالمؤمنين عليه السلام : ما تقولين يا جارية فيما قال أبوك ؟ قالت : يامولاي
أما قوله : إني عاتق ، صدق ، وأما قوله : إني حامل ، فوحقك يا مولاي ما علمت
*
_________________________________________________________
) * ( 1 ) أى لا يقهر ولا يظلم .
[279]
من نفسي خيانة قط ، وإني أعلم أنك أعلم بي مني ، وإني ما كذبت فيما قلت
ففرج عني يا مولاي ، قال عمار : فعند ذلك أخذ الامام ذا الفقار وصعد المنبر فقال :
الله أكبر الله أكبر ( جاء الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقا ) ثم قال عليه السلام
علي بداية ( 1 ) الكوفة ، فجاءت امرأة تسمى لبناء وهي قابلة نساء أهل الكوفة ، فقال
لها : اضربي بينك وبين الناس حجابا وانظري هذه الجارية عاتق حامل أم لا ، ففعلت
ما أمر به ثم خرجت وقالت : نعم يا مولاي هي عاتق حامل ، فعند ذلك التفت
الامام إلى أبي الجارية وقال : يا أبا الغضب ألست من قرية كذا وكذا من أعمال
دمشق ؟ قال : وما هذه القرية ؟ قال : هي قرية تسمى أسعار ، قال : بلى يا مولاي
قال : ومن منكم يقدر على قطعة ثلج في هذه الساعة ؟ قال : يا مولاي الثلج في بلادنا
كثير ولكن ما نقدر عليه ههنا ، فقال عليه السلام : بيننا وبينكم مائتان وخمسون فرسخا ؟
قال : نعم يا مولاي ، ثم قال : يا أيها الناس انظروا إلى ما أعطاه الله عليا من العلم
النبوي والذي أودعه الله ورسوله من العلم الرباني ، قال عمار بن ياسر : فمد
يده عليه السلام من أعلى منبر الكوفة وردها وإذا فيها قطعة من الثلج يقطر الماء منها
فعند ذلك ضج الناس وماج الجامع بأهله ، فقال عليه السلام : اسكتوا فلو شئت أتيت
بجبالها ، ثم قال : يا داية خذي هذه القطعة من الثلج واخرجي بالجارية من المسجد
واتركي تحتها طشتا ، وضعي هذه القطعة مما يلي الفرج ، فسترى علقة وزنها سبع
مائة وخمسون درهما ودانقان ، فقالت : سمعا وطاعة لله ولك يا مولاي ، ثم أخذتها
وخرجت بها من الجامع فجاءت بطست فوضعت الثلج على الموضع كما أمرها عليه السلام
فرمت علقة وزنتها الداية فوجدتها كما قال عليه السلام ، فأقبلت الداية والجارية فوضعت
العلقة بين يديه ، ثم قال : يا أبا الغضب خذا بنتك فو الله مازنت وإنما دخلت الموضع
الذي فيه الماء فدخلت هذه العلقة في جوفها وهي بنت عشر سنين ، وكبرت إلى الآن
في بطنها ، فنهض أبوها وهو يقول : أشهد أنك تعلم ما في الارحام وما في الضمائر
وأنت باب الدين وعموده .
*
_________________________________________________________
) * ( 1 ) الداية : القابلة .
[280]
قال : فضج الناس عند ذلك وقال : يا أميرالمؤمنين : لنا اليوم خمس سنين
لم تمطر السماء علينا ، وقد أمسك عن الكوفة هذه المدة ، وقد مسنا وأهلنا الضر
فاستسق لنا يا وارث محمد ، فعند ذلك قام في الحال وأشار بيده قبل السماء فسال الغيث
حتى بقيت الكوفة غدرانا ( 1 ) ، فقالوا : يا أميرالمؤمنين كفينا وروينا ، فتكلم
بكلام فمضى الغيث وانقطع المطر وطلعت الشمس ، فلعن الله الشاك في فضل علي
ابن أبي طالب عليه السلام ( 2 ) .
بيان : جارية عاتق أي شابة أول ما أدركت فخدرت في بيت أهلها ولم تبن
إلى زوج .
43 فض ، يل : بالاسناد يرفعه إلى كعب الاحبار قال : قضي علي عليه السلام
قضية في زمن عمر بن الخطاب ، قالوا : إنه اجتاز عبد مقيد على جماعة ، فقال
أحدهم : إن لم يكن في قيده كذا وكذا فامرأته طالق ثلاثا ، فقال الآخر : إن
كان فيه كما قلت فامرأته طالق ثلاثا ، قال : فقاما فذهبا مع العبد إلى مولاه ،
فقالا له : إنا حلفنا بالطلاق ثلاثا على قيد هذا العبد ، فحله نزنه ، فقال سيده :
امرأته طالق ثلاثا إن حل قيده ، فطلق الثلاثة نساءهم ( 3 ) ، فارتفعوا إلى عمر بن
الخطاب وقصوا عليه القصة ، فقال عمر : مولاه أحق به ، فاعتزلوا نساءهم قال :
فخرجوا وقد وقعوا في حيرة ، فقال بعضهم لبعض : اذهبوا بنا إلى أبي الحسن عليه السلام
لعله أن يكون عنده شئ في هذا ، فأتوه فقصوا عليه القصة ، فقال لهم : ما أهون
هذا ! ثم إنه عليه أخرج جفنة وأمر أن يحط العبد رجله في الجفنة ( 4 ) ، وأن
-بحار الانوار مجلد: 36 من ص 280 سطر 19 الى ص 288 سطر 18
يصب الماء عليها ، ثم قال : ارفعوا قيده من الماء فرفع قيده وهبط الماء ، فأرسل
*
_________________________________________________________
) * ( 1 ) في المصدرين : حتى صارت الكوفة غدرانا .
والغدران جمع الغدير : قطعة من الماء
يتركها السيل .
( 2 ) الفضائل : 163 166 .
الروضة : 32 و 33 .
( 3 ) أى حلفوا بالطلاق .
( 4 ) الجفنة : القصعة الكبيرة .