[341]

عليها نفوس قوم وسخت عنها نفوس آخرين ، ( 1 ) ونعم الحكم الله ، وما أصنع بفدك وغير فدك ؟ والنفس مظانها في غد جدث تنقطع في ظلمته آثارها ، وتغيب أخبارها ، و حفرة لوزيد في فسحتها وأوسعت يدا حافرها لاضغطها الحجر والمدر وسد فرجها التراب المتراكم ، وإنما هي نفسي أروضها ( 2 ) بالتقوى لتأتي آمنة يوم الخوف الاكبر ، وتثبت على جوانب المزلق ( 3 ) ولو شئت لا هتديت الطريق إلى مصفى هذا العسل ولباب هذا القمح ونسائج هذا القز ، ولكن هيهات أن يغلبني هواي ويقيدني جشعي إلى تخير الاطعمة ، ولعل بالحجاز أو باليمامة ( 4 ) من لا طمع له في القرص ولا عهد له بالشبع ، أو أن أبيت ( 5 ) مبطانا وحولي بطون غرثى وأكباد حرى ، أو أكون كما قال القائل : وحسبك داء أن تبيت ببطنة * وحولك أكباد تحن إلى القد ( 6 ) ءأقنع من نفسي بأن يقال : أميرالمؤمنين ، ولا اشاركهم في مكاره الدهر ؟ أو أكون اسوة لهم في جشوبة العيش ؟ فما خلقت ليشغلني أكل الطيبات كالبهيمة المربوطة همها علفها ، أو المرسلة شغلها تقمهما ، تكترش من أعلافها وتلهوعما يراد بها ، أو اترك سدى ، أو اهمل عابثا ، أو أجر حبل الضلالة ، أو أعتسف ( 7 ) طريق المتاهة ، وكأني بقائلكم يقول : إذا كان هذا قوت ابن أبي طالب فقد قعد به الضعف عن قتال الاقران ومنازلة الشجعان ، ألا وإن الشجرة البرية أصلب عودا ، و الرواتع الخضرة ( 8 ) أرق جلودا ، والنابتات العذية ( 9 ) أقوى وقودا وأبطأ خمودا ، و *

_________________________________________________________
) * ( 1 ) في المصدر : نفوس قوم آخرين .
( 2 ) أى اذللها .
( 3 ) المزلق : موضع الزلة .
( 4 ) في المصدر : او اليمامة .
( 5 ) في المصدر : أو أبيت .
( 6 ) البيت لحاتم بن عبدالله الطائى كما في شرح النهج 4 : 149 .
( 7 ) الاعتساف : السلوك في غير طريق واضح .
( 8 ) في المصدر : والروائع الخضرة .
( 9 ) في المصدر : والنباتات البدوية .

[342]

أنا من رسول الله صلى الله عليه وآله كالصنومن الصنو والذراع من العضد ، والله لو تظاهرت العرب على قتالي لما وليت عنها ، ولو أمكنت الفرصة ( 1 ) من رقابها لسارعت إليها ، و سأجهد في أن اطهر الارض من هذا الشخص المعكوس والجسم المركوس حتى تخرج المدرة ( 2 ) من بين حب الحصيد ، إليك عني يا دنيا فحبلك على غاربك ، قد انسللت من مخالبك ، وأفلت من حبائلك ، واجتنبت الذهاب في مداحضك ، أين القرون الذين غررتهم بمداعبك ؟ أين الامم الذين فتنتهم بزخارفك ؟ هاهم رهائن القبور ومضامين اللحود ، والله لو كنت شخصا مرئيا وقالبا حسيا لاقمت عليك حدود الله في عباد غررتهم بالاماني ، وأمم ألقيتهم في المهاوي ، وملوك أسلمتهم إلى التلف ، وأوردتهم موارد البلاء ، إذ لاورد ولا صدر ، هيهات من وطئ دحضك زلق ومن ركب لججك غرق ، ومن ازور عن حبالك وفق ، والسالم منك لا يبالي إن ضاق به مناخه ، والدنيا عنده كيوم حان انسلاخه ، اعزبي عني فو الله لا أذل لك فتستذليني ، ولا اسلس لك فتقوديني ، وايم الله يمينا أستثني فيها بمشيئة الله لاروضن نفسي رئاضة تهش معها إلى القرص إذا قدرت عليه مطعوما ، وتقنع بالملح مأدوما ولادعن مقلتي كعين ماء نضب معينها ، مستفرغة دموعها ، أتمتلئ السائمة من رعيها فتبرك ؟ وتشبع الربيضة عن عشبها فتربض ؟ ويأكل علي من زاده فيهجع ؟ قرت إذا عينه إذا اقتدى بعد السنين المتطاولة بالبهيمة الهاملة والسائمة المرعية ! طوبى لنفس أدت إلى ربها فرضها ، وعركت بجنبها بؤسها ، وهجرت في الليل غمضها حتى إذا غلب الكرى عليها افترشت أرضها وتوسدت كفها في معشر أسهر عيونهم خوف معادهم ، وتجافت عن مضاجعهم جنوبهم ، وهمهمت بذكر ربهم شفاههم ، وتقشعت بطول استغفارهم ذنوبهم ، ( 3 ) فاتق الله يا ابن حنيف ولتكفك أقراصك ليكون من النار خلاصك .
( 4 ) *

_________________________________________________________
) * ( 1 ) في المصدر : ولو أمكنت الفرص .
( 2 ) المدرة : قطعة الطين اليابس .
( 3 ) في المصدر بعد ذلك : ( اولئك حزب الله ألا إن حزب الله هم المفلحون ) .
( 4 ) نهج البلاغة ( عبده ط مصر ) 2 : 72 78 .

[343]

ايضاح : المأدبة بضم الدال : الطعام يدعى إليه القوم .
والعائل : الفقير .
و الجفاء : نقيض الصلة .
والقضم : الاكل بأطراف الاسنان ، وظاهر كلامه عليه السلام أن النهي عن إجابة مثل هذه الدعوة من وجهين : أحدهما أنه من طعام قوم عائلهم مجفو وغنيهم مدعو ، فهم من أهل الرئاء والسمعة ، فالاحرى عدم إجابتهم ، و ثانيهما أنه مظنة المحرمات ، فيمكن أن يكون النهي عاما على الكراهة أو خاصا بالولاء فيحتمل أن يكون النهي للتحريم ، ويمكن أن يستفاد من قوله : ( تستطاب لك الالوان ) وجه آخر من النهي ، وهو المنع من إجابة دعوة المسرفين والمبذرين ويحتمل أيضا الكراهة والتحريم والعموم والخصوص .
والطمر بالكسر : الثوب الخلق ، والطمران : الازار والرداء .
والقرصان للغداء والعشاء .
والتبر من الذهب : ما كان غير مضروب ، وبعضهم يقول للفضة أيضا والقمح : البر .
والجشع : أشد الحرص .
والمبطان : الذي لا يزال عظيم البطن من كثرة الاكل .
والغرث : الجوع .
والحرى : ( 1 ) العطش ، والهمزة في قوله : ( أو أكون ) للاستفهام ، والواو للعطف .
والبطنة : أن يمتلئ من الطعام امتلاء شديدا .
والقد بالكسر سير يقدمن جلد غير مدبوغ .
قوله عليه السلام : ( ولا اشاركهم ) معطوف على ( أقنع ) أو ( يقال ) أو الواو للحال وطعام جشيب أي غليظ .
قوله : ( كالبهيمة ) هذا تشبيه للاغنياء لاهتمامهم بالتلذذ بما يحضر عندهم .
قوله : ( أو المرسلة ) تشبيه للفقراء الذين يحصلون من كل وجه ما يتلذذون به ، وليس همتهم إلا ذلك .
والتقمم : أكل الشاة ما بين يديها بمقمتها أي بشفتيها .
قوله عليه السلام : ( تكترش ) أي تملا بها كرشه ، وهو لكل مجتر ( 2 ) بمنزلة المعدة للانسان .
قوله عليه السلام : ( عما يراد بها ) أي من الذبح والاستخدام .
و المتاهة : محل التيه وهو الضلال .
والباء في ( قعدبه ) للتعدية .
*

_________________________________________________________
) * ( 1 ) ما ذكر في العبارة ( حرى ) وهو الذى به عطش شديد .
فالاولى أن يقال : الحر : العطش .
( 2 ) المجتر : كل حيوان يعيد الاكل من بطنه فيمضغه ثانية .

[344]

وقال الفيروزآبادي : النزال بالكسر أن ينزل الفريقان عن إبلهما إلى خيلهما فيضاربوا ( 1 ) .
قوله عليه السلام : ( والرواتع ) أي الاشجار الراتعة ، من قولهم : رتع رتوعا : أكل وشرب ما شاء في خصب .
والعذي بالكسر : الزرع لا يسقيه إلا ماء المطر .
الصنو بالكسر : المثل ، وأصله أن تطلع النخلتان من عرق واحد ، وفي بعض النسخ ( كالضوء من الضوء ) أي كالضوء المنعكس من ضوء آخر ، كنور القمر المستفاد من ضوء الشمس .
قوله عليه السلام : ( والذراع من العضد ) وجه التشبيه أن العضد أصل للذراع ، والذراع وسيلة إلى التصرف والبطش بالعضد .
والركس : رد الشئ مقلوبا .
وقال ابن ميثم : سمى معاوية معكوسا لا نعكاس عضديه ، ومركوسا لكونة تاركا للفطرة الاصلية ، ويحتمل أن يكون تشبيها له بالبهائم .
قوله عليه السلام : ( حتى يخرج ( 2 ) ) أي حتى يخرج معاوية أو جميع المنافقين من بين المؤمنين ، ويخلصهم من وجودهم كما يفعل من يصفي الغلة .
وقال الجوهري : الغارب : ما بين السنام والعنق ، ومنه قولهم : ( حبلك على قاربك ) أي اذهبي حيث شئت ، وأصله أن الناقة إذا رعت وعليها الخطام القي على غاربها ، لانها إذا رأت الخطام لا يهنئها شئ ، انتهى .
( 3 ) والمداحض : المزالق .
والحبائل : المصائد .
والمداعب من الدعابة وهي المزاح والزخرف : الذهب وكمال حسن الشئ .
والمهوى والمهواة : ما بين الجبلين .
و الصدر بالتحريك : الرجوع عن الماء خلاف الورود .
وازور عنه : عدل وانحرف .

-بحار الانوار مجلد: 36 من ص 344 سطر 19 الى ص 352 سطر 18 وضيق المناخ كناية عن شدائد الدنيا كالفقر والمرض والحبوس والسجون .
وحان أي قرب .
ورجل سلس أي منقادلين .
وهش أي فرح واستبشر .
ونضب الماء : غار ونقد .
وماء معين أي ظاهر على وجه الارض .
والربيضة : جماعة من البقر والغنم .
*

_________________________________________________________
) * ( 1 ) القاموس 4 : 56 .
( 2 ) المذكور في العبارة ( حتى تخرج المدرة من بين حب الحصيد ) .
( 3 ) الصحاح : 193 .

[345]

وربوض الغنم والبقر والفرس والكلب مثل بروك الابل .
والهجوع : النوم ليلا .
والهمل بالتحريك الابل بلا راع ، يقال : إبل همل وهاملة .
قوله : ( وعركت بجنبها ) يقال : يعرك الاذى بجنبه أي يحتمله ويقال : ما اكتحلت غمضا أي ما نمت والكرى : النعاس : قوله عليه السلام : ( وتقشعت ) أي زالت وذهبت كما يتقشع السحاب .
28 نهج : من خبر ضرار بن ضمرة الضبائي عند دحوله على معاوية ومسألته له عن أميرالمؤمنين عليه السلام قال : فأشهد لقد رأيته في بعض مواقفه ولقد أرخى الليل سدوله ، وهو قائم في محرابه قابض على لحيته يتململ تململ السليم ، ويبكي بكاء الحزين ويقول : يا دنيا يا دنيا إليك عني ، أبي تعرضت أم إلي تشوقت ؟ لاحان حينك ، هيهات غري غيري ، لا حاجة لي فيك ، قد طلقتك ثلاثا لارجعة فيها ، فعيشك قصير ، وخطرك يسير ، وأملك حقير ، آه من قلة الزاد ، وطول الطريق ، وبعد السفر ، وعظم المورد ، وخشونة المضجع ( 1 ) .
بيان : السديل : ما اسدل على الهودج ، والجمع : السدول .
ويقال : هو يتململ على فراشه : إذا لم يستقر من الوجع .
والسليم : اللديغ ، يقال : سلمته الحية أي لدغته .
وقيل : إنما سمي سليما تفألا بالسلامة .
و ( إليك ) من أسماء الافعال ، أي تنح .
و ( عني ) متعلق بما فيه من معنى الفعل .
ويقال : حان حينه أي قرب وقته ، وهذا دعاء عليها أي لاقرب وقت انخداعي بك وغرورك لي ، قوله عليه السلام : ( غري غيري ) ليس الغرض الامر بغرور غيره بل بيان أنه عليه السلام لا ينخدع بها ، بل غيره ينخدع بها .
قوله عليه السلام : ( وأملك ) أي ما يؤمل منك وفيك .
29 لى : علي بن أحمد الدقاق ، عن محمد بن الحسن الطاري ، عن محمد بن الحسين الخشاب ، عن محمد بن محسن ، عن المفضل بن عمر ، عن الصادق جعفر بن محمد ، عن أبيه ، عن جده ، عن أبيه عليهم السلام قال : قال أميرالمؤمنين عليه السلام : والله ما دنياكم عندي *

_________________________________________________________
) * ( 1 ) نهج البلاغة ( عبده ط مصر ) 2 : 158 .
وليست الجملة الاخيرة في المصدر .
وفي غير ( ك ) من النسخ وكذا المصدر : وعظيم المورد .

[346]

إلا كسفر على منهل ( 1 ) حلوا إذصاح بهم سائقهم فارتحلوا ، ولا لذاذتها في عيني إلا كحميم أشربه غساقا وعلقم أتجرعه ( 2 ) زعاقا ، وسم أفعاة ( 3 ) أسقاه دهاقا ، وقلادة من نار اوهقها خناقا ولقد رقعت مدرعتي هذه حتى استحييت من راقعها ، وقال لي : اقذف بها قذف الاتن ، لا يرتضيها ليراقعها ، فقلت له : اعزب عني فعند الصباح يحمد القوم السرى * وتنجلي عنا علالات الكرى ، ولو شئت لتسربلت بالعبقري المنقوش من ديباجكم ، ولاكلت لباب هذا البر بصدور دجاجكم ، ولشربت الماء الزلال برقيق زجاجكم ، ولكني اصدق الله جلت عظمته حيث يقول : ( من كان يريد الحياة الدنيا وزينتها نوف إليهم أعمالهم فيها وهم فيها لا يبخسون * أولئك الذين ليس لهم في الآخرة إلا النار ) ( 4 ) فكيف أستطيع الصبر على نار لو قذفت بشررة إلى الارض لاحرقت نبتها ، ولو اعتصمت نفس بقلة لانضجها وهج النار في قلتها وإنما خير ( 5 ) لعلي أن يكون عند ذي العرش مقربا أو يكون في لظى خسيئا مبعدا ، مسخوطا عليه بجرمه مكذبا ، والله لان أبيت على حسك السعدان مرقدا وتحتي أطمار على سفاها ممددا ، أو اجر في أغلالي مصفدا أحب إلي من أن ألقى في القيامة محمدا خائنا في ذي يتمة أظلمه بفلسه متعمدا ، ( 6 ) ولم أظلم اليتيم وغير اليتيم لنفس تسرع إلى البلى قفولها ، ويمتد في أطباق الثرى حلولها ، وإن عاشت رويدا فبذي العرش نزولها .
معاشر شيعتي احذروا فقد عضتكم ( 7 ) الدنيا بأنيابها ، تختطف منكم نفسا بعد نفس كذئابها ، وهذه مطايا الرحيل قدانيخت لركابها ، ألا إن الحديث ذوشجون ، *

_________________________________________________________
) * ( 1 ) السفر بالفتح فالسكون جمع السافر : المسافر .
المنهل : موضع الشرب على الطريق ( 2 ) في المصدر : أتجرع به .
( 3 ) في المصدر : افعى .
( 4 ) سورة هود : 15 و 16 .
( 5 ) في المصدر : وأيماخير .
( 6 ) في المصدر : في ذى يتمه أظلمه متعمدا .
( 7 ) عضه : أمسكه بأسنانه .

[347]

فلا يقولن قائلكم إن كلام علي متناقض ، لان الكلام عارض .
ولقد بلغني أن رجلا من قطان ( 1 ) المدائن تبع بعد الحنيفية علوجه ، ولبس من نالة دهقانه منسوجه ، وتضمخ بمسك هذه النوافج صباحه ، وتبخر بعود الهند رواحه ، ( 2 ) وحوله ريحان حديقة يشم تفاحه ، وقد مدله مفروشات الروم على سرره ، تعساله بعد مانا هز السبعين من عمره ، وحوله شيخ يدب على أرضه من هرمه ، وذايتمة تضور من ضره ومن قرمه ، فماواساهم بفاضلات من علقمه ، لئن أمكنني الله منه لاخضمنه خضم البر ، ولاقيمن عليه حد المرتد ، ولاضربنه الثمانين بعد حد ، ولاسدن من جهله كل مسد ، تعسا له أفلا شعر أفلا صوف أفلا وبر أفلا رغيف قفار الله إفطار مقدم ؟ أفلا عبرة على خد في ظلمة ليالي تنحدر ؟ ولو كان مؤمنا لا تسقت له الحجة إذا ضيع ما لا يملك .
والله لقد رأيت عقيلا أخي وقد أملق حتى استماحني من بركم صاعة ، وعاودني في عشر وسق من شعيركم يطعمه جياعه ، ويكاد يلوي ثالث أيامه خامصا ما استطاعه ، ورأيت أطفاله شعث الالوان ( 3 ) من ضرهم كأنما اشمأزت وجوههم من قرهم ، فلما عاودني في قوله وكرره أصغيت إليه سمعي فغره وظنني اوتغ ديني فأتبع ما سره أحميت له حديدة ينزجر ( 4 ) إذ لا يستطيع منها دنوا ولا يصبر ، ثم أدنيتها من جسمه ، فضج من ألمه ضجيج ذي دنف يئن من سقمه ، وكاديسبني سفها من كظمه ، ولحرقة في لظى أضنى له من عدمه ، فقلت له : ثكلتك الثواكل يا عقيل أتئن من حديدة أحماها إنسانها لمدعبه وتجرني إلى نار سجرها جبارها من غضبه ؟ أتئن من الاذى ولا أئن من لظى ؟ والله لو سقطت المكافاة عن الامم وتركت في مضاجعها باليات في الرمم لاستحييت *

_________________________________________________________
) * ( 1 ) جمع القاطن : الذى يقيم في محل ويتوطنه .
( 2 ) الرواح : العشى أومن الزوال إلى الليل ويقابله الصباح .
( 3 ) في المصدر : ورأيت أطفاله عرنى شعث الالوان .
والعرن : داء يأخذ في آخر رجل الدابة يذهب الشعر ، أو هو تشقق في أيديها أو أرجلها .
( 4 ) في المصدر : لينزجر .

[348]

من مقت رقيب يكشف فاضحات من الاوزار تنسخ ، فصبرا على دنيا تمر بلاوائها كليلة بأحلامها تنسلخ ، كم بين نفس في خيامها ناعمة وبين أثيم في جحيم يصطرخ ، فلا تعجب ( 1 ) من هذا .
وأعجب بلا صنع منا من طارق طرقنا بملفوفات زملها في وعائها ، ومعجونة بسطها في إنائها ، فقلت له : أصدقة أم نذر أم زكاة ؟ وكل ذلك يحرم علينا أهل بيت النبوة ، وعوضنا منه خمس ذي القربى في الكتاب والسنة ، فقال لي : لاذاك ولا ذاك ، ولكنه هدية ، فقلت له : ثكلتك الثواكل أفعن دين الله تخدعني بمعجونة عرقتموها بقندكم ؟ وخبيصة ( 2 ) صفراء أتيتموني بها بعصير تمركم ؟ أمختبط أم ذو جنة أم تهجر ؟ أليست النفوس عن مثقال حبة من خردل مسؤولة ؟ فماذا أقول في معجونة أتزقمها معمولة ؟ والله لو اعطيت الاقاليم السبعة بما تحت أفلاكها واسترق لي قطانها مذعنة باملاكها على أن أعصي الله في نملة أسلبها شعيرة فألوكها ما قبلت ولا أردت ، ولدنياكم أهون عندي من ورقة [ في ] في جرادة تقضمها ، وأقذر عندي من عراقة خنزير يقذف بها أجذمها ، وأمر على فؤادي من حنظلة يلوكها ذوسقم فيبشمها ، فكيف أقبل ملفوفات ( 3 ) عكمتها في طيها ؟ ومعجونة كأنها عجنت بريق حية أو قيئها ؟ اللهم إني نفرت عنها نفار المهرة من كيها ( اريه السهاويريني القمر ) ءأمتنع من وبرة من قلوصها ساقطة وأبتلع إبلا في مبركها رابطة ؟ ! أدبيب العقارب من وكرها ألتقط ؟ أم قواتل الرقش في مبيتي أرتبط ؟ فدعوني أكتفي من دنياكم بملحي وأقراصي ، فبتقوى الله أرجو خلاصي ، ما لعلي ونعيم يفنى ، ولذة تنحتها المعاصي ؟ سألقى وشيعتي ربنا بعيون ساهرة ( 4 ) وبطون خماص ( ليمحص الله الذين آمنوا ويمحق الكافرين ) ونعوذ بالله من سيئات الاعمال ، وصلى الله على محمد وآله ( 5 ) .
في المصدر : ولا تعجب .
( 2 ) الخبيصة : الحلواء .
( 3 ) في المصدر : على ملفوفات .
( 4 ) في المصدر : سامرة .
( 5 ) أمالى الصدوق : 368 370 وبعض فقرات الرواية يوجد في نهج البلاغة أيضا .

[349]

بيان : الغساق بالتخفيف والتشديد : ما يسيل من صديد أهل النار و عسالتهم ، أو ما يسيل من دموعهم .
والعلقم : شجر مر ، و يقال للحنظل ولكل شئ مر : علقم .
والسم الزعاق : هو الذي يقتل سريعا ، والماء الزعاق : الملح الغليظ لا يطاق شربه .
والدهاق : الممتلئ ، والوهق محركة ويسكن : الحبل يرمى به في انشوطة ( 1 ) فيؤخذ به الدابة والانسان .
والمدرعة : القميص .
قوله : ( قذف الاتن ) هو بضمتين جمع الاتان وهي الحمارة ، والتشبيه بقذفها لكونها أشد امتناعا للحمل من غيرها ، وربما يقرأ ( الابن ) بالباء الموحدة المفتوحة وضم الهمزة جمع الابنة وهي العيب والقبيح ، فيكون الاضافة إلى المفعول .
والعلالة بالضم : بقية كل شئ .
والكرى : النعاس والنوم ، أي من يسير بالليل يعرضه في اليوم نعاس ، لكن ينجلي عنه بعد النوم ، فكذلك يذهب مشقة الطاعات بعد الموت .
وفي بعض النسخ ( غلالات ) بالغين المعجمة جمع الغلالة بالكسر ، وهي شعار تلبس تحت الثوب [ استعير لما يشتمل الانسان من حالة النوم ، وفي بعض النسخ ( غيابات الكرى ) كما في مجمع الامثال للميداني ، وفي بعضها ( عمايات ) كما في مستقصى الزمخشري ، قال الجوهري : الغيابة : كل شئ أظل الانسان فوق رأسه ، مثل السحابة والغبرة والظلمة ونحو ذلك ( 2 ) .
وفي النهاية : فيه ( في عماية الصبح ) أي في بقية ظلمة الليل ( 3 ) .
وقال الميداني : ( عند الصباح يحمد القوم السرى ) قال المفضل : إن أول من قال ذلك خالد بن الوليد ، لما بعث إليه أبوبكر وهو باليمامة أن : سر إلى العراق فأراد سلوك المفازة ( 4 ) ، فقال له رافع الطائي : قد سلكتها في الجاهلية هي خمس للابل الواردة ، ( 5 ) ولا أظنك تقدر عليها إلا أن تحمل الماء ، ( 6 ) فاشترى مائة : *

_________________________________________________________
) * ( 1 ) وهى العقدة التى يسهل انحلالها .
( 2 ) لم نجده في الصحاح .
( 3 ) النهاية 3 : 131 .
( 4 ) المفازة : الفلاة لا ماء فيها .
( 5 ) مؤنث الوارد : الشجاع الجرئ .
( 6 ) في المصدر : الا أن تحمل من الماء .

[350]

شارف ( 1 ) فعطشها ، ثم سقاها الماء حتى رويت ، ثم كتبها وكعم أفواهها ، ( 2 ) ثم سلك المفازة ، حتى إذا مضى يومان وخاف العطش على الناس والخيل ، وخشي أن يذهب ما في بطون الابل نحر الابل واستخرج ما في بطونها من الماء ، فسقى الناس والخيل ومضى ، فلما كان في الليلة الرابعة قال رافع : انظر هل ترى بيدرا ( 3 ) عظاما فإن رأيتموها وإلا فهو الهلاك ، فنظر الناس فرأوا البيدر ، ( 4 ) فأخبروه ، فكبر وكبر الناس ، ثم هجموا على الماء ، فقال خالد : لله در رافع أن اهتدى * فوز من قراقر إلى سرى ( 5 ) خمسا إذا ساربه الجيش بكى * ماسارها من قبله أيش ترى ( 6 ) عند الصباح يحمد القوم السرى * وتنجلي عنهم غيابات الكرى يضرب للرجل يحتمل المشقة رجاء الراحة ، انتهى ( 7 ) .
وقال في المستقصى بعد إيراد المثل : إذا أصبح الذين قاسوا كذ السرى وقد خلفوا البعد تبجحوا بذلك وحمدوا ما فعلوا يضرب في الحث على مزاولة الامر بالصبر وتوطين النفس حتى تحمد عاقبته ، قال الجليح : إني إذا الجيش على الكورانثنى * لو سأل الماء فدى لافتدى وقال كم أتعبت قلت قد أرى * عند الصباح يحمد القوم السرى وتنجلي منهم عمايات الكرى ] ( 8 ) .
والعبقري هو الديباج ، وقيل ، البسط الوشية ، وقيل : الطنافس الثخان .
قوله عليه السلام : ( ولو اعتصمت ) أي بعد قذف الشررة لو التجأت نفس أي رأس جبل لانضج *

_________________________________________________________
) * ( 1 ) الشارف من النوق : المسنة الهرمة .
( 2 ) أكتب القربة : شد رأسها وربطها .
كعم البعير : شد فمه لئلا يعض أو يأكل .
( 3 ) البيدر : الموضع الذى يجمع فيه الحصيد ويداس .
وفي المصدر : انظروا هل ترون سدرا عظاما .
( 4 ) في المصدر : فرأوا السدر .
( 5 ) في المصدر : لله در رافع أنى اهتدى * فوز من قراقر إلى سوى ( 6 ) في المصدر : انس يرى .
( 7 ) مجمع الامثال 1 : 464 .
* ( 8 ) لم نظفر بنسخته .