[331]

النبي صلى الله عليه وآله أزهد من علي بن أبي طالب عليه السلام .
قال : حدثنا أبوالنجيب سعد بن عبدالله الهمداني المعروف بالمروزي بهذا الحديث عاليا عن الامام الحافظ سليمان ابن إبراهيم الاصفهاني .
ومنه عن سويد بن غفلة قال : دخلت على علي بن أبي طالب عليه السلام العصر ( 1 ) فوجدته جالسا بين يديه صحيفة فيها لبن حازر ، أجدريحه من شدة موضته ، وفي يده رغيف أرى قشار الشعير في وجهه ، وهو يكسر بيده أحيانا ، فإذا غلبه كسره بركبته وطرحه فيه ، فقال : ادن فأصب ( 2 ) من طعامنا هذا ، فقلت : إني صائم ، فقال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول : من منعه الصوم من طعام يشتهيه كان حقا على الله أن يطعمه من طعام الجنة ويسقيه من شرابها ، قال فقلت لجاريته وهي قائمة بقريب منه : ويحك يا فضة ألا تتقين الله في هذا الشيخ ؟ ألا تنخلون له طعاما مما أرى فيه من النخالة ؟ فقالت : لقد تقدم إلينا أن لا ننخل له طعاما ، قال : ما قلت لها فأخبرته ( 3 ) فقال : بأبي وامي من لم ينخل له طعام ولم يشبع من خبز البر ثلاثة أيام حتى قبضه الله عزوجل ( 4 ) .
قب : عن ابن غفلة مثله ، ثم قال : وقال لعقبة بن علقمة : يا أبا الجندب أدركت رسول الله صلى الله عليه وآله يأكل أيبس من هذا ، ويلبس أخشن من هذا ، فإن أنا لم آخذ به خفت أن لا ألحق به ( 5 ) .
بيان : الحازر : الحامض من اللبن .
14 كشف : المناقب عن أبي مطر قال : خرجت من المسجد فإذا رجل ينادي *

_________________________________________________________
) * ( 1 ) في المصدر : القصر .
( 2 ) في المصدر : وأصب .
( 3 ) أى أخبرت عليا عليه السلام بما قلته للجارية .
( 4 ) كشف الغمة : 47 .
( 5 ) مناقب آل أبى طالب 1 : 305 .

[332]

من خلفي : ارفع إزارك فإنه أبقى لثوبك وأتقى لك ( 1 ) ، وخذ من رأسك إن كنت مسلما ، فمشيت من خلفه وهو مؤتزر بإزار ومرتد برداء ومعه الدرة كأنه أعرابي بدوي ، فقلت : من هذا ؟ فقال لي رجل : أراك غريبا بهذا البلد ، قلت : أجل رجل من أهل البصرة ، قال : هذا علي أميرالمؤمنين ، حتى انتهى إلى داربني معيط وهو سوق الابل ، فقال : بيعوا ولا تحلفوا ، فإن اليمين ينفق ( 2 ) السلعة ويمحق البركة ، ثم أتى أصحاب التمر فإذا خادمة تبكي ، فقال : ما يبكيك ؟ قالت : باعني هذا الرجل تمرا بدرهم فرده موالي وأبى أن يقبله ( 3 ) ، فقال : خذ تمرك وأعطها درهما ، فإنها خادم ليس لها أمر ، فدفعه ، فقلت : أتدري من هذا ؟ قال : لا ، قلت : علي بن أبي طالب أميرالمؤمنين ، فصب تمره وأعطاها درهمها وقال : أحب أن ترضى عني ، فقال : ما أرضاني عنك إذا وفيتهم حقوقهم ، ثم مر مجتازا بأصحاب التمر فقال : يا أصحاب التمر أطعموا المساكين يربو كسبكم ، ثم مر مجتازا ، ومعه المسلمون حتى أتى أصحاب السمك فقال : لا يباع في سوقنا طاف ( 4 ) .
ثم أتى دار فرات وهو سوق الكرابيس فقال : يا شيخ أحسن بيعي في قميصيي بثلاثة دراهم ، فلما عرفه يم يشتر منه شيئا ثم أتى آخر فلما عرفه لم يشتر منه شيئا فأتى غلاما حدثا فاشترى منه قميصا بثلاثة دراهم ، ولبسه ما بين الرسغين ( 5 ) إلى الكعبين ، وقال حين لبسه : الحمد لله الذي رزقني من الرياش ما أتجمل به في الناس واواري به عورتي فقيل له : يا أميرالمؤمنين هذا شئ ترويه عن نفسك أو شئ سمعته من رسول الله صلى الله عليه وآله ؟ قال : بل شئ سمعته من رسول الله صلى الله عليه وآله يقول عند الكسوة ، فجاء أبوالغلام صاحب الثوب فقيل : يا فلان ! قد باع ابنك اليوم من أميرالمؤمنين قميصا بثلاثة دراهم ، قال : أفلا *

_________________________________________________________
) * ( 1 ) في المصدر : فانه أتقى لثوبك وابقى لك .
( 2 ) أى ينفذ ويفنى .
( 3 ) في المصدر : فردوه موالى فأبى أن يقبله .
( 4 ) السمك الطافى : الذى يموت في الماء فيعلو ويظهر .
( 5 ) الرسغ بالضم : المفصل ما بين الساعد والكف أو الساق والقد .

[333]

أخذت منه درهمين ؟ فأخذ أبوه درهما وجاء به إلى أميرالمؤمنين عليه السلام وهو جالس على باب الرحبة ومعه المسلمون ، فقال : أمسك هذا الدرهم يا أميرالمؤمنين ، قال : ما شأن هذا الدرهم ؟ قال : كان ثمن قميصك درهمين ، فقال : باعني برضاي و أخذت برضاه .
ومنه عن قبيصة بن جابر قال : ما رأيت أزهد في الدنيا من علي بن أبي طالب عليه السلام .
ونقلت من كتاب اليواقيت لابي عمر الزاهد : قال أميرالمؤمنين عليه السلام وقد أمر بكنس بيت المال ورشه فقال : يا صفراء غري غيري ، يا بيضاء غري غيري ، ثم تمثل ( 1 ) : هذا جناي وخياره فيه * إذ كل جان يده إلى فيه وعنه قال ابن الاعرابي : إن عليا عليه السلام دخل السوق وهو أميرالمؤمنين فاشترى قميصا بثلاثة دراهم ونصف ، فلبسه في السوق فطال أصابعه ، فقال للخياط قصه ، قال : فقصه وقال الخياط : أحوصه يا أميرالمؤمنين ؟ قال : لا ، ومشى والدرة على كتفه وهو يقول : شرعك ما بلغك المحل ، شرعك ما بلغك المحل .
( 2 ) بيان : قال الجزري في النهاية : في حديث علي عليه السلام : ( هذا جناي وخياره فيه * إذ كل جان يده إلى فيه ) هذا مثل ، أول من قاله عمرو بن اخت جذيمة الابرش ، كان يجني الكمأة ( 3 ) مع أصحاب له ، فكانوا إذا وجدوا خيار الكمأة أكلوها وإذا وجدها عمرو جعلها في كمه حتى يأتي بها خاله ، فقال هذه الكلمة فصارت مثلا ، وأراد علي عليه السلام بقوله : إنه لم يتلطخ بشئ من في المسلمين بل وضعه مواضعه ، يقال : جنى واجتنى ، والجنى اسم ما يجتنى من الثمر ، ( 4 ) وقال : *

_________________________________________________________
) * ( 1 ) في المصدر : ثم تمثل شعرا .
( 2 ) كشف الغمة : 47 و 48 .
( 3 ) جمع الكمء : نبات يقال له أيضا ( شحم الارض ) يوجد في الربيع تحت الارض ، وهو أصل مستدير كالقلقاس لا ساق له ولا عرق ، لونه يميل إلى الغبرة .
( 4 ) النهاية 1 : 184 .

[334]

وفي حديث علي عليه السلام : ( شرعك ما بلغك المحلا ) أي حسبك وكافيك ، وهو مثل يضرب في التبليغ باليسير ، ( 1 ) وقال الميداني في مجمع الامثال : أي حسبك من الزاد ما بلغك مقصدك .
( 2 ) 15 كشف : وروى الحافظ أبونعيم بسنده في حليته أن النبي صلى الله عليه وآله قال : يا علي إن الله قد زينك بزينة لم يزين العباد بزينة أحب إلى الله منها ، هي زينة الابرار عند الله تعالى ، الزهد في الدنيا فجعلك لا ترزأ من الدنيا شيئا ولا ترزأ منك الدنيا شيئا .
وقال هارون بن عنترة : حدثني أبي قال : دخلت على علي بن أبي طالب عليه السلام بالخورنق ( 3 ) وهو يرعد تحت سمل ( 4 ) قطيفة ، فقلت : يا أميرالمؤمنين إن الله تعالى قد جعل لك ولاهل بيتك في هذا المال ما يعم ، وأنت تصنع بنفسك ما تصنع ؟ فقال : والله ما أرزأكم من أموالكم شيئا ، وإن هذا لقطيفتي التي خرجت بها من منزلي من المدينة ، ما عندي غيرها .
وخرج عليه السلام يوما وعليه إزار مرقوع ، فعوتب عليه ، فقال : يخشع القلب بلبسه ، ويقتدي به المؤمن إذا رآه علي .
واشترى يوما ثوبين غليظين ، فخير قنبرا فيهما ، فأخذ واحدا ولبس هو الآخر ورأى في كمه طولا عن أصابعه فقطعه .
*

_________________________________________________________
) * ( 1 ) النهاية 2 : 214 .
( 2 ) مجمع الامثال 1 : 376 .
( 3 ) بفتحتين وراء ساكنة ونون مفتوحة موضع بالكوفة قيل انه نهر ، والمعروف انه القصر القائم إلى الان بالكوفة بظاهر الحيرة ، قيل : بناه النعمان بن المنذر في ستين سنة بناه له رجل يقال له سنمار ، وكان يبنى فيه السنتين والثلاث ثم يغيب الخمس سنين واكثر أو أقل ويطلب فلا يوجد ثم يأتى فيحتج ، فلما فرغ من بنائه صعد نعمان على رأسه ونظر إلى البحر تجاهه والبر خلفه ، فقال : ما رأيت مثل هذا البناء قط ، فقال سنمار : انى اعلم موضع آجرة لوزالت لسقط القصر فقال له النعمان : يعرفها أحد غيرك ؟ قال : لا ، قال النعمان : لا دعنها لا يعرفها أحد ، ثم أمر به فقذف من أعلى القصر إلى أسفله فتقطع .
فضربت به العرب المثل وقالوا : جزاء سنمار .
( 4 ) السمل : الثوب الخلق البالى .

[335]

وخرج يوما إلى السوق ومعه سيفه ليبيعه ، فقال : من يشتري مني هذا السيف ؟ فو الذي فلق الحبة لطال ما كشفت به الكرب عن وجه رسول الله صلى الله عليه وآله ولو كان عندي من إزار ( 1 ) لما بعته .
وكان عليه السلام قد ولى على عكبرا ( 2 ) رجلا من ثقيف قال : قال له ( 3 ) علي عليه السلام : إذا صليت الظهر غدا فعد إلي ، فعدت إليه في الوقت المعين فلم أجد عنده حاجبا يحبسني دونه ، فوجدته جالسا وعنده قدح وكوزماء ، فدعا بوعاء مشدود مختوم ، فقلت في نفسي : لقد أمنني حتى يخرج إلي جوهرا ، فكسر الختم وحله فإذا فيه سويق ، فأخرج منه فصبه في القدح وصب عليه ماء ، فشرب وسقاني ، فلم أصبر فقلت : ( 4 ) يا أميرالمؤمنين أتصنع هذا في العراق وطعامه كما ترى في كثرته ؟ فقال : أما والله ماأختم عليه بخلا به ولكني أبتاع قدر ما يكفيني ، فأخاف أن ينقص ( 5 ) فيوضع فيه من غيره ، وأنا أكره أن ادخل بطني إلا طيبا ، فلذلك أحترز عليه كما ترى ، فاياك وتناول ما لا تعلم حله .
( 6 ) .
16 كا : علي ، عن أبيه ، عن حماد بن عيسى ، عن ربعي بن عبدالله ، عن أبي عبدالله عليه السلام قال : كان رسول الله صلى الله عليه وآله يسلم على النساء ويرددن عليه السلام ، و كان أميرالمؤمنين عليه السلام يسلم على النساء وكان يكره أن يسلم على الشابة منهن ، و يقول : أتخوف أن تعجبني صوتها فيدخل علي أكثر مما أطلب من الاجر .
( 7 ) بيان : لعله عليه السلام إنما فعل ذلك وقال ما قال تعليما للامة .
*

_________________________________________________________
) * ( 1 ) في المصدر : ثمن ازار .
( 2 ) بضم أوله وسكون ثانيه وفتح الباء الموحدة ، تمد وتقصر ، بليدة من ناحية دجيل ، بينها وبين بغداد عشرة فراسخ .
( 3 ) في المصدر : قال : قال لى .
( 4 ) في المصدر : فقلت له .
( 5 ) كذا في النسخ والمصدر ، والظاهر : أن ينقض .
( 6 ) كشف الغمة : 49 و 50 .
( 7 ) فروع الكافى ( الجزء السابع من الطبعة الحديثة ) : 535 .

[336]

17 كا : محمد بن يحيى ، عن ابن عيسى ، عن ابن محبوب ، عن حماد ، عن حميد وجابر العبدي قال : قال أميرالمؤمنين عليه السلام : إن الله جعلني إماما لخلقه ففرض علي التقدير في نفسي ومطعمي ومشربي وملبسي كضعفاء الناس ، كي يقتدي الفقير بفقري ولا يطغي الغني غناه .
( 1 ) 18 كا : العدة ، عن البرقي ، عن أبيه ، عن محمد بن يحيى الخزاز ، عن حماد بن عثمان قال : حضرت أبا عبدالله عليه السلام وقال له رجل : أصلحك الله ذكرت أن علي بن أبي طالب عليه السلام كان يلبس الخشن ، يلبس القميص بأربعة دراهم وما أشبه ذلك ، ونرى عليك اللباس الجديد ! فقال له : إن علي بن أبي طالب عليه السلام كان يلبس ذلك في زمان لا ينكر ، ولو لبس مثل ذلك اليوم شهر به ، فخير لباس كل زمان لباس أهله ، غير أن قائمنا أهل البيت إذا قام لبس ثياب علي عليه السلام وسار بسيرة علي عليه السلام .
( 2 ) 19 نهج : من كلام له عليه السلام بالبصرة وقد دخل على العلاء بن زياد الحارثي يعوده وهو من أصحابه ، فلما رأى سعة داره قال : ما كنت تصنع بسعة هذه الدار في الدنيا ؟ أما أنت إليها في الآخرة كنت أحوج ، وبلى إن شئت بلغت بها الآخرة تقري فيها الضيف ، وتصل منها الرحم ، ( 3 ) وتطلع منها الحقوق مطالعها ، فإذا أنت قد بلغت بها الآخرة ، فقال له العلاء : يا أميرالمؤمنين أشكو إليك أخي عاصم بن زياد قال : وماله ؟ قال : لبس العباء وتخلى من الدنيا ، ( 4 ) قال : علي به ، فلما جاء قال : يا عدي نفسه لقد استهام بك الخبيث ، أما رحمت أهلك وولدك ؟ أترى الله أحل لك
-بحار الانوار مجلد: 36 من ص 336 سطر 19 الى ص 344 سطر 18 الطيبات وهو يكره أن تأخذها ؟ أنت أهون على الله من ذلك ، قال : يا أميرالمؤمنين هذا أنت في خشونة ملبسك وجشوبة مأكلك ، قال : ويحك إني لست كأنت ، إن *

_________________________________________________________
) * ( 1 ) اصول الكافى ( الجزء الاول من الطبعة الحديثة ) : 410 ( 2 ) اصول الكافى ( الجزء الاول من الطبعة الحديثة ) : 411 ( 3 ) في المصدر : وتصل فيها الرحم .
( 4 ) في المصدر : عن الدنيا .

[337]

الله فرض على أئمة الحق ( 1 ) أن يقدروا أنفسهم بضعفة الناس كيلا يتبيغ بالفقير فقره .
( 2 ) بيان : قوله : ( كنت أحوج ) ( كنت ) ههنا زائدة ، مثل قوله تعالى : ( من كان في المهد صبيا ( 3 ) ) ومطالع الحقوق : وجوهها الشرعية .
قوله عليه السلام : ( علي به ) أي أحضره ، والاصل : اعجل به علي ، فحذف فعل الامر ودل الباقي عليه .
والعدي تصغير عدو ، وقيل : إنما صغره من جهة حقارة فعله ذلك ، لكونه عن جهل منه ، وقيل : اريد به الاستعظام لعداوته لها ، وقيل : خرج مخرج التحنن و الشفقة ، كقولهم : يا بني .
قوله : ( لقد استهام بك الخبيث ) أي جعلك الشيطان هائما ضالا ، والباء زائدة ، وطعام جشب أي غليظ ، وتبيغ الدم بصاحبه إذا هاج .
20 نهج : قيل له عليه السلام : كيف تجدك يا أميرالمؤمنين ؟ فقال عليه السلام : كيف يكون حال من يفنى ببقائه ويسقم بصحته ويؤتى من مأمنه ؟ .
( 4 ) بيان : الباء في قوله : ( ببقائه ) للسببية ، فإن البقاء مقرب للاجل موجب لضعف القوى ، وفي قوله : ( بصحته ) للملابسة ، ويمكن الحمل على السببية بتكلف فإن الصحة غالبا موجبة لجرأة الانسان وعدم تحرزه عن الامور المضرة له .
و قوله عليه السلام ( يؤتى من مأمنه ) أي يأتيه المصائب من الجهة التي لا يتوقع إتيانها منها وفي حال أمنه وغفلته ، ويحتمل أن يكون المأمن مصدرا ، فإن أمنه وغفلته من أسباب تركه للحزم وظفر الاعداء عليه .
21 نهج : قال عليه السلام : والله لدنياكم هذه أهون في عيني من عراق خنزير في يد مجذوم .
( 5 ) 22 نبه : ابن محبوب يرفعه عن علي بن أبي رافع قال : كنت على بيت مال علي بن أبي طالب عليه السلام وكاتبه ، وكان في بيته عقد لؤلؤ [ وهو ] كان أصابه يوم البصرة *

_________________________________________________________
) * ( 1 ) أئمة العدل : خ ل .
( 2 ) نهج البلاغة ( عبده ط مصر ) 1 : 448 و 449 .
( 3 ) سورة مريم : 29 .
( 4 ) نهج البلاغة ( عبده ط مصر ) 2 : 169 .
( 5 ) نهج البلاغة ( عبده ط مصر ) 2 : 197 .

[338]

قال : فأرسلت إلى بنت علي بن أبي طالب عليه السلام فقالت لي : بلغني أن في بيت مال أميرالمؤمنين عقد لؤلؤ وهو في يدك ، وأنا احب أن تعيرنيه أتجمل به في أيام عيد الاضحى ، فأرسلت إليها وقلت : عارية مضمونة يا ابنة أميرالمؤمنين ، فقالت : نعم عارية مضمونة مردودة بعد ثلاثة أيام ، فدفعته إليها ، وإن أميرالمؤمنين رآه عليها فعرفه ، فقال لها : من أين صار إليك هذا العقد ؟ فقالت : استعرته من ابن أبي رافع ( 1 ) خازن بيت مال أميرالمؤمنين لاتزين به في العيد ثم أرده ، قال : فبعث إلي أمير المؤمنين عليه السلام فجئته فقال : أتخون المسلمين يا ابن أبى رافع ؟ فقلت له : معاذ الله أن أخون المسلمين ، فقال : كيف أعرت بنت أميرالمؤمنين العقد الذي في بيت مال المسلمين بغير إذني ورضاهم ؟ فقلت : يا أمير المؤمنين إنها ابنتك ، وسألتني أن اعيرها إياه تتزين به ، فأعرتها إياه عارية مضمونة مردودة ، وضمنته في مالي وعلي أن أرده مسلما إلى موضعه ، فقال : رده من يومك وإياك أن تعود لمثل هذا فتنالك عقوبتي ، ثم أولى لا بنتي لو كانت أخذت العقد على غير عارية مضمونة مردودة لكانت إذن أول هاشمية قطعت يدها في سرقة ، قال : فبلغ مقالته ابنته فقالت له : يا أمير المؤمنين أنا ابنتك وبضعة منك فمن أحق بلبسه مني ؟ فقال لها أميرالمؤمنين عليه السلام : يا بنت علي بن أبي طالب لا تذهبي بنفسك عن الحق ، أكل نساء المهاجرين تتزين ( 2 ) في هذا العيد بمثل هذا ؟ فقبضته منها ورددته إلى موضعه .
( 3 ) بيان : قال الجوهري قولهم : ( أولى لك ) تهددو وعيد ، قال الاصمعي : معناه قاربه بما يهلكه أي نزل به ( 4 ) .
23 أقول : قال السيد بن طاوس في كشف المحجة : رأيت في كتاب إبراهيم ابن محمد الاشعري الثقة بإسناده ، عن أبي جعفر عليه السلام قال : قبض علي عليه السلام وعليه *

_________________________________________________________
) * ( 2 ) في المصدر : من على بن أبى رافع .
( 3 ) في المصدر : يتزين .
( 4 ) تنبيه الخواطر 2 : 3 و 4 .
( 1 ) الصحاح : 253 ، وفيه قاربه ما يهلكه .

[339]

دين ثمانمائة ألف درهم ، فباع الحسن عليه السلام ضيعة له بخمسمائة ألف وقضاها عنه ( 1 ) وباع له ضيعة اخرى بثلاثمائة ألف درهم فقضاها عنه ، وذلك أنه لم يكن يذر من الخمس شيئا وكانت تنوبه نوائب .
( 2 ) 24 يب : علي بن الحسن ، عن محمد بن الحسن بن أبي الجهم ، عن عبدالله بن ميمون القداح ، عن أبي عبدالله ، عن أبيه عليهما السلام قال : جاء قنبر مولى علي عليه السلام بفطره إليه ، قال : فجاء بجراب فيه سويق عليه خاتم ، فقال له رجل : ( 3 ) يا أميرالمؤمنين إن هذا لهو البخل ! تختم على طعامك ؟ قال : فضحك علي عليه السلام ثم قال : أو غير ذلك ، لا احب أن يدخل بطني إلا شئ أعرف سبيله ، قال : ثم كسر الخاتم فأخرج سويقا فجعل منه في قدح ، فأعطاه إياه ، فأخذ القدح ، فلما أراد أن يشرب قال : بسم الله اللهم لك صمنا وعلى رزقك أفطرنا فتقبل منا إنك أنت السميع العليم .
( 49 * 25 ما : الحسين بن إبراهيم ، عن محمد بن وهبان ، عن محمد بن أحمد بن زكريا عن الحسن بن علي بن فضال ، عن علي بن عقبة ، عن سعيد بن عمر الجعفي ، ( 5 ) عن محمد بن مسلم ، عن أبي جعفر عليه السلام قال : إن كان صاحبكم يعني أميرالمؤمنين ليجلس جلسة العبد ، ويأكل أكل العبد ، ويطعم الناس الخبز واللحم ، ويرجع إلى رحله فيأكل الخل والزيت ، وإن كان ليشتري القميصين السنبلانيين ثم يخير غلامه خيرهما ، ثم يلبس الآخر ، فاذا جاز أصابعه قطعه ، وإن جاز كعبه ( 6 ) حذفه ، و ما ورد عليه أمران قط كلاهما لله رضى إلا أخذ بأشدهما على بدنه ، ولقد ولى الناس *

_________________________________________________________
) * ( 1 ) في المصدر : بخمسمائة الف درهم فقضاها عنه .
( 2 ) كشف المحجة : 125 .
( 3 ) في المصدر : قال فقال له رجل .
( 4 ) التهذيب 1 : 417 .
( * ) هذه الرواية وما يليه من مختصات ( ك ) ( 5 ) في المصدر : عن سعيد بن عمرو الجعفى .
( 6 ) في المصدر : كعبيه .

[340]

خمس سنين ما وضع آجرة على آجرة ولا لبنة على لبنة ، ولا أقطع ( 1 ) قطيعة ، ولا أورث بيضاء ولا حمراء إلا سبعمائة درهم فضلت من عطائه ، أراد أن يبتاع بها لاهله خادما ، وما أطاق عمله منا أحد ، وإن كان علي بن الحسين عليهما السلام لينظر في كتاب من كتب علي عليه السلام فيضرب به الارض ويقول : من يطيق هذا ؟ .
( 2 ) 26 دعوات الراوندى : أكل أميرالمؤمنين عليه السلام من تمر دقل ( 3 ) ثم شرب عليه الماء ، وضرب يده على بطنه وقال : من أدخله بطنه النار فأبعده الله ، ثم تمثل .
شعر : وإنك مهما تعط بطنك سؤله * وفرجك نالا منتهى الذم أجمعا ( 4 ) 27 نهج : من كتاب له عليه السلام إلى عثمان بن حنيف الانصاري ، وهو عامله على البصرة ، وقد بلغه أنه دعي إلى وليمة قوم من أهلها فمضى إليها : أما بعد يا ابن حنيف فقد بلغني أن رجلا من فتية أهل البصرة دعاك إلى مأدبة فأسرعت إليها ، يستطاب ( 5 ) لك الالوان ، وتنقل إليك الجفان ، ( 6 ) وما ظننت أنك تجيب إلى طعام قوم عائلهم مجفو وغنيهم مدعو ، فانظر إلى ما تقضمه من هذا المقضم ، فما اشتبه عليك علمه فالفظه ، وما أيقنت بطيب وجوهه فنل منه ، ألا وإن لكل مأموم إماما يقتدي به ويستضيئ بنور علمه ، ألا وإن إمامكم قد اكتفى من دنياه بطمريه ومن طعمه بقرصيه ، ألا وإنكم لا تقدرون على ذلك ولكن أعينوني بورع واجتهاد ، ( 7 ) فو الله ما كنزت من دنياكم تبرا ، ولا ادخرت من غنائهما وفرا ولا أعددت لبالي ثوبي طمرا ، بلى كانت في أيدينا فدك من كل ما أظلته السماء فشحت *

_________________________________________________________
) * ( 1 ) في المصدر : ولا اقتطع .
( 2 ) أمالى ابن الشيخ : 73 .
( 3 ) الدقل : أردء التمر .
( 4 ) لم نظفر بنسخته .
( 5 ) في المصدر : تستطاب .
( 6 ) جمع الجفنة : القصعة الكبيرة .
( 7 ) في المصدر بعد ذلك : وعفة وسداد .