بسمه تعالى
بحار الانوار : 41


[ 1 ]


باب 99 : يقينه صلوات الله عليه ، وصبره على المكاره وشدة ابتلائه  

1 - يد : أبي ، عن سعد ، عن ابن أبي الخطاب ، عن جعفر بن بشير ، عن العزرمي عن أبي عبدالله عليه السلام قال : كان لعلي عليه السلام غلام اسمه قنبر ، وكان يحب عليا حبا شديدا ، فاذا خرج علي خرج على أثره بالسيف ، فرآه ذات ليلة فقال ( 1 ) : يا قنبر مالك ؟ قال : جئت لامشي خلفك ، فان الناس كما تراهم يا أميرالمؤمنين : فخفت عليك ، قال : ويحك أمن أهل السماء تحرسني أم من أهل الارض ؟ قال : لابل من أهل الارض ، قال : إن أهل الارض لا يستطيعون بي شيئا إلا بإذن الله عزوجل من السماء ، فارجع فرجع ( 2 ) .
2 - يد : القطان ، عن ابن زكريا ، عن ابن حبيب ، عن علي بن زياد ، عن مروان بن معاوية ، عن الاعمش ، عن أبي حيان التيمي ( 3 ) ، عن أبيه - وكان مع علي عليه السلام يوم صفين وفيما بعد ذلك - قال : بينما علي بن أبي طالب عليه السلام يعبئ ( 4 ) الكتائب يوم صفين ومعاوية مستقبله على فرس له يتأكل ( 5 ) تحته تأكلا وعلي عليه السلام على فرس رسول الله صلى الله عليه وآله المرتجز وبيده حربة رسول الله صلى الله عليه وآله وهو متقلد سيفه ذاالفقار ، فقال رجل من أصحابه : احترس يا أمير المؤمنين فإنا نخشى أن يغتالك ( 6 ) هذا الملعون ، فقال علي عليه السلام : لئن قلت ذاك إنه غير *

_________________________________________________________
) * ( 1 ) في المصدر : فقال له .
( 2 ) التوحيد : 350 .
( 3 ) عن ابن حيان التميمى خ ل .
( 4 ) أى يهيئ .
( 5 ) أى يكاد يسقط .
( 6 ) في المصدر : أن يقاتلك .
( * )

[ 2 ]

مأمون على دينه ، وإنه لاشقى القاسطين وألعن الخارجين على الائمة المهتدين ولكن كفى بالاجل حارسا ، ليس أحد من الناس إلا ومعه ملائكة حفظة يحفظونه من أن يتردى في بئر ، أو يقع عليه حائط ، أو يصيبه سوء ، فإذا حان ؟ أجله خلوا بينه وبين ما يصيبه ، فكذلك ( 1 ) أنا إذا حان أجلي انبعث أشقاها فخضب هذه من هذا وأشار إلى لحيته ورأسه - عهدا معهودا ووعدا غير مكذوب ; والحديث طويل أخذنا منه موضع الحاجة ( 2 ) .
3 - يد : الوراق وابن المغيرة ( 3 ) معا ، عن سعد ، عن النهدي ، عن ابن علوان ، عن عمرو بن ثابت ، عن ابن طريف ، عن ابن نباتة قال : إن أمير المؤمنين عليه السلام عدل من عند حائط مائل إلى حائط آخر ، فقيل له : يا أمير المؤمنين تفر من قضاء الله قال ( 4 ) : أفر من قضاء الله إلى قدر الله عزوجل ( 5 ) .
بيان : لعل المعنى أن فراري أيضا مما قدره الله تعالى ، فلا ينافي الاحتراز عن المكاره ، الايمان بقضائه تعالى ، وقد مر توضيحه في كتاب العدل .
4 - قب : كان أمير المؤمنين عليه السلام يطوف بين الصفين بصفين في غلالة ( 6 ) ، فقال الحسن عليه السلام : ما هذا زي الحرب ، فقال : يا بني إن أباك لا يبالى وقع على الموت أو وقع الموت عليه .
وكان عليه السلام يقول : ما ينتظر أشقاها أن يخضبها من فوقها بدم ، ولما ضربه ابن ملجم قال : فزت ورب الكعبة ، فقد قال الله تعالى : " قل يا أيها الذين هادوا إن زعمتم أنكم أولياء ( 7 ) " الآية ومن صبره ما قال الله تعالى فيه : " الصابرين و *

_________________________________________________________
) * ( 1 ) في المصدر : وكذلك .
( 2 ) التوحيد : 376 ( 3 ) في ( م ) وفى نسخة من المصدر : وابن مقبرة .
( 4 ) في المصدر : أتفر من قضاء الله ؟ فقال .
( 5 ) التوحيد : 377 .
( 6 ) بكسر أوله : شعار يلبس تحت الثوب أو تحت الدرع .
( 7 ) سورة الجمعة : 6 .
( * )

[ 3 ]

الصادقين والقانتين والمنفقين والمستغفرين بالاسحار ( 1 ) " .
والدليل على أنها نزلت فيه أنه قام الاجماع على صبره مع النبي صلى الله عليه وآله في شدائده من صغره إلى كبره وبعد وفاته ، وقد ذكر الله تعالى صفة الصابرين في قوله : " والصابرين في البأساء والضراء وحين البأس اولئك الذين صدقوا ( 2 ) ! وهذا صفته بلاشك .
مجمع البيان وتفسير علي بن إبراهيم وأبان بن عثمان : أنه أصاب عليا عليه السلام يوم أحد ستون جراحة .
تفسير القشيري قال أنس بن مالك : أنه اتي رسول الله صلى الله عليه وآله بعلي عليه السلام وعليه نيف وستون جراحة ، قال أبان : أمر النبي صلى الله عليه وآله أم سليم وأم عطية أن تداوياه فقالتا : قد خفنا عليه ، فدخل النبي صلى الله عليه وآله والمسلمون يعودونه وهو قرحة واحدة فجعل النبي صلى الله عليه وآله يمسحه بيده ويقول : إن رجلا لقي هذا في الله لقد أبلى ( 3 ) أعذر ، فكان يلتئم ، فقال علي عليه السلام : الحمدلله الذي جعلني لم أفر ولم اولي الدبر فشكر الله تعالى له ذلك في موضعين من القرآن ، وهو قوله تعالى " سيجزي الله الشاكرين ( 4 ) " " وسنجزي الشاكرين ( 5 ) " .
سعيد بن جبير عن ابن عباس في قوله تعالى .
" أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم ومن ينقلب على عقبيه فلن يضر الله شيئا وسيجزي الله الشاكرين ( 6 ) " يعني بالشاكرين صاحبك علي بن أبي طالب عليه السلام ، والمرتدين على أعقابهم الذين ارتدوا عنه .
سفيان الثوري ، عن منصور ، عن إبراهيم ، عن علقمة ، عن ابن مسعود في قوله *

_________________________________________________________
) * ( 1 ) سورة آل عمران : 17 .
( 2 ) سورة البقرة : 177 .
( 3 ) أبلى فلانا عذره : قدمه له فقبله .
أبلى في الحرب بلاء حسنا : أظهر فيها بأسه حتى بلاه الناس وامتحنوه .
( 4 و 6 ) سورة آل عمران 144 .
( 5 ) سورة آل عمران : 145 .
( * )

[ 4 ]

تعالى : " إني جزيتهم اليوم بما صبروا ( 1 ) " يعني صبر علي بن أبي طالب وفاطمة والحسن والحسين عليهم السلام في الدنيا على الطاعات وعلى الجوع وعلى الفقر ، وصبروا على البلاء لله في الدنيا " أنهم هم الفائزون ( 2 ) " وقال علي بن عبدالله بن عباس : " وتواصوا بالصبر ( 3 ) " علي بن بن أبي طالب عليه السلام ولما نعى رسول الله صلى الله عليه وآله عليا بحال جعفر في غزوة مؤتة ( 4 ) قال : " إنا لله وإنا إليه راجعون " فأنزل الله عزوجل : " الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون أولئك عليهم صلوات ( 5 ) " الآية .
وقال رجل : إني والله لا حبك في الله تعالى ، فقال : إن كنت تحبني فأعد للفقر نجفافا أو جلبابا ( 6 ) .
قال أبوعبيدة وتغلب ( 7 ) : أي استعد جلبابا من العمل الصالح والتقوى ، يكون لك جنة من الفقر ، يوم القيامة ، وقال آخرون : أي فليرفض الدنيا وليزهد فيها وليصبر على الفقر ، يدل عليه قول أمير المؤمنين عليه السلام : ومالي لا أرى منهم سيماء الشيعة ؟ قيل : وما سيماء الشيعة يا أمير المؤمنين ؟ قال : خمص البطون من الطوى ، يبس الشفاه من الظماء ، عمش العيون من البكاء .
في مسند أبي يعلى واعتقاد الاشنهي ومجموع أبي العلاء الهمداني عن أنس وأبي برزة وأبي رافع ، وفي إبانة ابن بطة من ثلاثة طرق أن النبي صلى الله عليه وآله خرج يتمشى إلى قبا ، فمر بحديقة فقال علي عليه السلام : ما أحسن هذه الحديقة ! فقال النبي صلى الله عليه وآله : حديقتك يا علي في الجنة أحسن منها .
حتى مر بسبع حدائق على *

_________________________________________________________
) * ( 1 و 2 ) سورة المؤمنون : 111 .
( 3 ) سورة العصر : 3 ( 4 ) في المصدر " في أرض مؤتة " وهى اسم قرية بالشام على اثنى عشر ميلا من اذرخ ، بها قبر جعفر بن أبي طالب وزيد بن أبي حارثة وعبدالله بن رواحة ، على كل قبر منها بناء منفرد .
( مراصد الاطلاع 3 : 1330 ) ( 5 ) سورة البقرة : 156 .
( 6 ) التجفاف - بالفتح والكسر - : آلة للحرب يتقى بها كالدرع ، والجلباب : القميص او الثوب الواسع .
( 7 ) كذا في النسخ ، والصحيح " ثعلب " .
( * )

[ 5 ]

ذلك ، ثم أهوى إليه فاعتنقه ، فبكى وبكى علي عليه السلام ثم قال علي عليه السلام : مالذي أبكاك يا رسول الله ؟ قال : أبكي لضغائن في صدور قوم لن تبدو لك إلا من بعدي ، قال : يا رسول الله كيف أصنع ؟ قال : تصبر فإن لم تصبر تلق جهدا وشدة ، قال : يا رسول الله أتخاف فيها هلاك ديني ؟ قال : بل فيها حياة دينك .
وقال أمير المؤمنين عليه السلام : ما رأيت منذ بعث الله محمدا رخاء - فالحمد لله - ولقد خفت صغيرا وجاهدت كبيرا اقاتل المشركين واعادي المنافقين ، حتى قبض الله نبيه ، فكانت الطامة الكبرى ، فلم أزل محاذرا وجلا أحاف أن يكون مالا يسعني فيه المقام ، فلم أر بحمدالله إلا خير ، حتى مات عمر ، فكانت أشياء ففعل الله ما شاء ، ثم أصيب فلان ، فما زلت بعد فيما ترون دائبا أضرب بسيفي صبيا حتى كنت شيخا ، الخبر .
عمرو بن حريث في حديثه : قال أمير المؤمنين عليه السلام : كنت أحسب أن الامراء يظلمون الناس ، فإذا الناس يظلمون الامراء .
أبوالفتح الحفار باسناده أن عليا عليه السلام قال : ما زلت مظلوما منذ كنت قيل له : عرفنا ظلمك في كبرك فما ظلمك في صغرك ؟ فد كرأن عقيلا كان به رمد ، فكان لا يذر هما حتى يبدؤوا بي ( 1 ) .
5 - قب : أبومعاوية الضرير ، عن الاعمش ، عن سمي ، عن أبي صالح ، عن أبي هريرة وابن عباس في قوله تعالى : فما يكذبك بعد بالدين ( 2 ) " يقول : يا محمد لا يكذبك علي بن أبي طالب عليه السلام بعد ما آمن بالحساب .
وقال أمير المؤمنين عليه السلام في مقامات كثيرة : أنا باب المقام ، وحجة الخصام ودابة الارض ، وصاحب العصا ، وفاصل القضاء ، وسفينة النجاة ، من ركبها نجاومن تخلف عنها غرق .
وقال أيضا : أنا شجرة الندى ، وحجاب الورى ، وصاحب الدنيا ، وحجة *

_________________________________________________________
) * ( 1 ) مناقب آل أبى طالب 1 : 320 - 323 .
( 2 ) سورة التين : 7 .
( * )

[ 6 ]

الانبياء ، واللسان المبين ، والحبل المتين ، والنبأ العظيم الذي عنه تعرضون وعنه تسألون وفيه تختلفون .
وقال عليه السلام : فوعزتك وجلالك وعلو مكانك في عظمتك وقدرتك ماهبت عدوا ولا تملقت وليا ، ولا شكرت على النعماء أحدا سواك .
وفي مناجاته : اللهم إني عبدك وليك ، اخترتني وارتضيتني ورفعتني ، وكرمتني بما أورثتني من مقام أصفيائك وخلافة أوليائك ، وأعنيتني وأفقرت الناس في دينهم ودنياهم إلي ، وأعززتني وأذللت العباد إلي ، وأسكنت قلبي نورك ، ولم تحوجني إلى غيرك ، وأنعمت علي وأنعمت بي ، ولم تجعل منة علي لاحد سواك ، وأقمتني لاحياء حقك والشهادة على خلقك ، وأن لا أرضى ولا أسخط إلا لرضاك وسخطك ، ولا أقول إلا حقا ، ولا أنطلق إلا صدقا ، فانظر إلى جسارته على الحق ، وخذلان جماعة كما تكلموا بما روي عنهم في حلية الاولياء وغريب الحديث وغيرهما ( 1 ) .
6 - كا : علي ، عن ابن أبي عمير ، عن زيد الشحام ، عن أبي عبدالله عليه السلام أن أمير المؤمنين عليه السلام جلس إلى حائط مائل يقضي بين الناس ، فقال بعضهم : لا تقعد تحت هذا الحائط فإنه معور ، فقال أمير المؤمنين عليه السلام : حرس امرءا أجله ( 2 ) .
فلما قام أمير المؤمنين عليه اسلام سقط الحائط ، قال : وكان أمير المؤمنين عليه السلام مما يفعل هذا وأشباهه ، وهذا اليقين ( 3 ) .
7 - كا : محمد بن يحيى ، عن ابن عيسى ، عن الوشاء ، عن عبدالله بن سنان ، عن أبي حمزة ، عن سعيد بن قيس الهمداني قال : نظرت يوما في الحرب إلى رجل *

_________________________________________________________
) * ( 1 ) مناقب آل أبى طالب 1 : 320 ( 2 ) " امرءا " مفعول " حرس " و " أجله " فاعله وهذا مما استعمل فيه النكرة في سياق الاثبات للعموم ، أى حرس كل امرئ أجله ، ويشكل هذا لانه يدل على جواز إلقاء النفس إلى التهلكة وعدم وجوب الفرار عما يظن عنه الهلاك ، والمشهور عند الاصحاب خلافه ، ويمكن أن يجاب عنه بوجوه ، راجع مرآة : العقول 2 : 83 .
( 3 ) اصول الكافى ( الجزء الثانى من الطبعة الحديثة ) : 58 .
( * )

[ 7 ]

عليه ثوبان ، فحركت فرسي فإذا هو أمير المؤمنين عليه السلام فقلت : ياأمير المؤمنين في مثل هذا الموضع ؟ فقال : نعم يا سعيد بن قيس ، إنه ليس من عبد إلا وله من الله عزوجل حافظ وواقية ، معه ملكان يحفظانه من أن يسقط من رأس جبل أو يقع في بئر ، فإذا نزل القضاء خليا بينه وبين كل شئ ( 1 ) .
8 - نهج : قال أمير المؤمنين عليه السلام : لما أنزل الله سبحانه قوله : " ألم أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون ( 2 ) " علمت أن الفتنة لا تنزل بنا
-بحار الانوار مجلد: 37 من ص 7 سطر 7 الى ص 15 سطر 2 ورسول الله صلى الله عليه وآله بين أظهرنا ، فقلت : يا رسول الله ما هذه الفتنة التي أخبرك الله تعالى بها ؟ فقال : يا علي إن أمتي سيفتنون من بعدي ، فقلت : يا رسول الله أوليس قد قلت لي يوم أحد حيث استشهد من استشهد من المسلمين واخرت ( 3 ) عني الشهادة فشق ذلك علي فقلت لي : ابشر فإن الشهادة من ورائك ؟ فقال لي : إن ذلك لذلك ، فكيف صبرك إذا ؟ فقلت : يا رسول الله ليس هذا من مواطن الصبر ولكن من مواطن البشرى والشكر ( 4 ) .
9 - ن : المفسر باسناده إلى أبي محمد العسكري عن آبائه عليهم السلام قال : قيل لامير المؤمنين عليه السلام : ما الاستعداد للموت ؟ قال : أداء الفرائض ، واجتناب المحارم والاشتمال على المكارم ، ثم لا يبالي إن وقع على الموت أووقع الموت عليه ، والله ما يبالي ابن أبي طالب إن وقع على الموت أووقع الموت عليه ( 5 ) .
*

_________________________________________________________
) * ( 1 ) اصول الكافى ( الجزء الثانى من الطبعة الحديثة ) : 58 و 59 .
( 2 ) سورة العنكبوت : 2 .
( 3 ) في المصدر " وحيزت " أى منعت .
( 4 ) نهج البلاغة ( عبده ط مصر ) 1 : 303 و 304 .
( 5 ) عيون الاخبار : 165 .
( * )

[ 8 ]


باب 100 : تـنمّره في ذات الله وتركه المداهنة في دين الله  

1 قب : في الصحيحين والتاريخين والمسندين وأكثر التفاسير أن سارة مولاة أبي عمرو بن صيفي بن هشام أتت النبي صلى الله عليه وآله من مكة مسترفدة ، فأمر بني عبدالمطلب بإسدانها ( 1 ) فأعطاها حاطب ابن أبي بلتعة عشرة دنانير على أن تحمل كتابا بخبر وفود النبي صلى الله عليه وآله إلى مكة ، وكان صلى الله عليه وآله إسر ذلك ليدخل عليهم بغتة فأخذت الكتاب وأخفته في شعرها وذهبت ، فأتى جبرئيل عليه السلام وقص القصة على رسول الله صلى الله عليه وآله ، فأنفذ عليا والزبير ومقدادا وعمارا وعمر وطلحة وأبا مرثد خلفها فأدركوها بروضة خاخ يطالبونها بالكتاب ، فأنكرت وما وجدوا معها كتابا فهموا بالرجوع ، فقال علي عليه السلام : والله ما كذبنا ولا كذبنا ، وسل سيفه وقال : أخرجي الكتاب وإلا والله لاضربن عنقك ، فأخرجته من عقيصتها ، فأخذ أمير المؤمنين عليه السلام الكتاب وجاء النبي صلى الله عليه وآله فدعا بحاطب بن أبي بلتعة وقال له : ما حملك على ما فعلت ؟ قال : كنت رجلا عزيزا في أهل مكة - أي غريبا ساكنا بجوارهم - فأحببت أن أتخذ عندهم بكتابي إليهم مودة ، ليدفعوا عن أهلي بذلك ، فنزل قوله : " يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوي وعدوكم أو لياء تلقون إليهم بالمودة ( 2 ) " قال السدي ومجاهد في تفسيرهما عن ابن عباس " لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء تلقون إليهم بالمودة " بالكتاب والنصيحة لهم " وقد كفروا بما جاءكم " أيها المسلمون " من الحق " يعني الرسول والكتاب " يخرجون الرسول " يعني محمدا " وإياكم " يعني وهم أخرجوا أمير المؤمنين " أن تؤمنوا بالله ربكم " وكان النبي وعلي صلى الله عليه عليهما وحاطب ممن اخرج من مكة ، فخلاه رسول الله صلى الله عليه وآله لايمانه *

_________________________________________________________
) * ( 1 ) سدن : خدم .
( 2 ) سورة الممتحنة : 1 .
( * )

[ 9 ]

" إن كنتم خرجتم جهادا في سبيلي وابتغاء مرضاتي " أيها المؤمنون " تسرون إليهم بالمودة " تخفون إليهم بالكتاب بخبر النبي صلى الله عليه وآله وتتخذون عندهم النصيحة و " أنا أعلم بما أخفيتم " من إخفاء الكتاب الذي كان معها " وما أعلنتم " وما قاله أمير المؤمنين عليه السلام للزبير : والله لا صدقت المرأة أن ليس معها كتاب بل الله أصدق ورسوله ، فأخذه منها ، ثم قال : " ومن يفعله منكم " عند أهل مكة بالكتاب " فقد ضل سواء السبيل " .
وقد اشتهر عنه عليه السلام قوله : أنا فقأت عين الفتنة ، ولم يكن ليفقأها غيري .
وأخذ عليه السلام رجلا من بني أسد في حد ، فاجتمعوا قومه ليكلموا فيه ، وطلبوا إلى الحسن عليه السلام أن يصحبهم ، فقال : ائتوه فهو أعلى بكم عينا ، فدخلوا عليه وسألوه ، فقال : لا تسألوني شيئا أملكه إلا أعطيتكم ، فخرجوا يرون أنهم قد أنجحوا فسألهم الحسن عليه السلام فقالوا : أتينا خير مأتي ، وحكوا له قوله ، فقال : ما كنتم فاعلين إذا جلد صاحبكم ؟ فأصغوه ، فأخرجه علي عليه السلام فحده ، ثم قال : هذا والله لست أملكه ( 1 ) .
بيان : قال الجزري : فيه " أعلابهم عينا " أي أبصربهم وأعلم بحالهم ( 2 ) ، وأصغى الشئ : نقصه .
2 - قب : وبلغ معاوية أن النجاشي هجاه ، فدس قوما شهدوا عليه عند علي عليه السلام أنه شرب الخمر ، فأخذه علي فحده ، فغضب جماعة على علي عليه السلام في ذلك .
منهم طارق بن عبدالله النهدي ، فقال : يا أمير المؤمنين ما كنا نرى أن أهل المعصية والطاعة وأهل الفرقة والجماعة عند ولاة العقل ومعادن الفضل سيان في الجزاء حتى ما كان من صنيعك بأخي الحارث - يعني النجاشي - فأوغرت صدرونا ( 3 ) وشتت امورنا ، وحملتنا على الجادة التي كنا نرى أن سبيل من ركبها النار ، *

_________________________________________________________
) * ( 1 ) مناقب آل أبى طالب 1 : 338 .
( 2 ) النهاية 3 : 126 .
( 3 ) أوغر صدره : أوقده من الغيظ .
( * )

[ 10 ]

فقال علي عليه السلام " إنها لكبيرة إلا على الخاشعين " يا أخا بني نهدهل هو إلا رجل من المسلمين انتهك حرمة من حرمة الله فأقمنا عليه حدها زكاة له وتطهيرا ؟ يا أخا بني نهد إنه من أتى حد افاليم ( 1 ) كان كفارته ، يا أخا بني نهد إن الله عزوجل يقول في كتابه العظيم : " ولا يجر منكم شنآن قوم على ألا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى ( 2 ) " فخرج طارق والنجاشي معه إلى معاوية ، ويقال : إنه رجع ( 3 ) .
3 قب : الحسن الحسيني في كتاب النسب أنه رأى أمير المؤمنين علي عليه السلام يوم بدر عقيلا في قيد فصد عنه ، فصاح به : يا علي أما والله لقد رأيت مكاني ولكن عمدا تصدعني ، فأتى علي إلى النبي صلى الله عليه وآله وقال : يا رسول الله هل لك في أبي يزيد مشدودة يداه إلى عنقه بنسعة ( 4 ) ؟ فقال : انطلق بنا إليه .
قوت القلوب : قيل لعلي بن أبي طالب عليه السلام : إنك خالفت فلانا في كذا ، فقال : خيرنا أتبعنا لهذا الدين ( 5 ) .
وقصد علي عليه السلام دار أم هانئ متقنعا بالحديد يوم الفتح ، وقد بلغه أنها آوت الحارث بن هشام وقيس بن السائب وناسا من بني مخزوم ، فنادى : أخرجوا من آويتم ، فيجعلون يذرقون ( 6 ) كما يذرق الحبارى خوفا منه ، فخرجت إليه أم هانئ وهي لا تعرفه ، فقالت : يا عبدالله أنا أم هانئ بنت عم رسول الله صلى الله عليه وآله واخت أمير المؤمنين ، انصرف عن داري ، فقال عليه السلام : أخرجوهم ، فقالت : والله لاشكونك إلى رسول الله صلى الله عليه وآله ، فنزع المغفر عن رأسه فعرفته ، فجاءت تشتد حتى التزمته ، فقالت : فديتك حلفت لاشكونك إلى رسول الله صلى الله عليه وآله ، فقال لها : اذهبي فبري *

_________________________________________________________
) * ( 1 ) أى حصل له ألم ووجع لاجل الحد وفي المصدر : فأقيم .
( 2 ) سورة المائدة : 8 .
( 3 ) مناقب آل ابى طالب 1 : 340 و 341 .
( 4 ) النسع : سير أو حبل عريض طويل تشد به الرحال .
والقطعة منه " النسعة " .
( 5 ) مناقب آل ابى طالب 1 : 340 .
( 6 ) في المصدر : فجعلوا يذرقون .
وذرق الطائر : رمى بسلحه .
( * )