[171]
لكم مذبات ( 1 ) بالبغضاء عنكم ، ولا رضيت اليوم منكم ما سخطت الامس من أفعالكم
وإن بذل الايام يستقضي ما صدعنا ويسترجع ( 2 ) ما ابتز منا كيلا بكيل و
وزنا بوزن ، وإن تكن الاخرى فكفى بالله وليا لنا ووكيلا على المعتدين علينا .
فقال معاوية : إن في نفسي منكم لحرارات ( 3 ) بني هاشم ، وإن الخليق أن ( 4 )
ادرك فيكم الثار وأنفي العار ! فإن دمائنا قبلكم وظلامتنا فيكم ، فقال ابن عباس
والله إن رمت ذلك يا معاوية لتثيرن عليك أسدا مخدرة وأفاعي مطرقة ، لا يفثأها ( 5 )
كثرة السلاح ولا يقصها ( 6 ) نكاية الجراح ، يضعون أسيافهم على عواتقهم ، يضربون
قدما قدما من ناواهم ، يهون عليهم نباح الكلاب وعواء الذئاب ، لا يفاقون بوتر
ولا يسبقون إلى كر ، ثم ذكر : ( 7 ) قد وطنوا على الموت أنفسهم ، وسمت بهم إلى
العلياء هممهم ، كما قالت الازدية :
قوم إذا شهدوا الهياج فلا * ضرب ينهنههم ولا زجر ( 8 )
وكأنهم آساد غينة غرست ( 9 ) * وبل متونها القطر
فلتكونن منهم بحيث أعددت ليلة الهرير للهرب فرسك ، وكان أكبر همك
سلامة حشاشة نفسك ! ولو لا طغام من أهل الشام وقوك بأنفسهم وبذلوا دونك مهجهم
حتى إذا ذاقوا وخز الشفار وأيقنوا بحلول الدمار ( 10 ) رفعوا المصاحف مستجيرين
*
_________________________________________________________
ص 171 ) ( 1 ) في المصدر : إليكم مذنأت اه .
( 2 ) " : وان تدل الايام نستقض ما شذ عنا ونسترجع اه .
( 3 ) " : نحزازات .
وهى الوجع في القلب من غيظ ونحوه .
( 4 ) " : وانى لخليق .
( 5 ) فثأ الغضب : سكن حدته .
وفثأ الشئ عنه : كفه وحبسه .
( 6 ) في المصدر : ولا تعضها .
( 7 ) " : ولا يسبقون إلى كريم ذكر .
( 8 ) نهنهه عن الشئ : كفه عنه وزجره .
( 9 ) كذا في النسخ .
وفي المصدر : غرثت .
أى جاعت .
والغينة : الاشجار الملتفة بلا ماء .
( 10 ) الدمار : الهلاك .
*
[172]
بها وعائذين بعصمتها لكنت شلوا مطروحا بالعراء ، تسفى عليك رياحها ، ويعتورك
ذئابها ( 1 ) وما أقول هذا اريد صرفك عن عزيمتك ولا إزالتك عن معقود نيتك لكن
الرحم التي تعطف عليك والاوامر التي توجب صرف النصيحة إليك ، فقال معاوية :
لله درك يا ابن عباس ، ما يكشف ( 2 ) الايام منك إلا عن سيف صقيل ورأي أصيل ،
وبالله لو لم يلد هاشم غيرك لما نقص عددهم ، ولو لم يكن لاهلك سواك لكان الله قد
كثرهم : ثم نهض ، فقام ابن عباس وانصرف ( 3 ) .
توضيح : قال الفيروزآبادي : الخصيلة : القطعة من اللحم ، أو لحم الفخذين
والعضدين والذراعين أو كل عصبة فيها لحم غليظ ، والجمع خصيل وخصائل ( 4 ) .
والفنيق : الفحل المكرم لا يؤذى لكرامته على أهله ولا يركب .
وقدعه كمنعه :
كفه .
وفرسه : كبحه .
والفحل : ضرب أنفه بالرمح ( 5 ) والاواصر جمع الاوصر
وهو المرتفع من الارض ، ويحتمل أن يكون تصحيف الاقاصر جمع الاقصر ، أي
الاحلام القصيرة فكيف طوالها .
والمتك بالضم جمع المتكاء ، وهي المفضاة أو الطويلة
ما بين أسكتي فرجها ( 6 ) .
والسك لعله من قولهم " سكه " إذا اصطلم اذنيه ، وفي
بعض النسخ " المسك " يقال : رجل مسكة كهمزة ( 7 ) أي بخيل ، أو هو الذي لا
يعلق بشئ فيتخلص منه ، والجمع مسك بضم الميم وفتح السين ، ولعل المراد بأهل
الجزة الذين يجزون أصواف الحيوانات ، وهم أداني الناس والرشاء الحبل .
و
الغرائر جمع الغرارة التي تكون للتبن .
( 1 ) اعتور القوم الشئ : تعاطوه وتداولوه : وفى المصدر : الذباب .
( 2 ) في المصدر : ما تكشف .
( 3 ) شرح النهج 2 : 169 - 173 .
( 4 ) القاموس 3 : 368 .
( 5 ) في هامش ( ك ) : وذلك اذا كان غيركريم .
( 6 ) الاسكتان - بفتح الكاف وكسرها - شفر الرحم أو جانباه مما يلى شفريه أو قذتاه .
( 7 ) بضم الاول وفتح الثانى .
*
[173]
ويقال : جرض بريقه أي ابتلعه على هم وحزن .
ونكب الاناء : أماله و
كبه .
وأدم بينهما : أصلح وألف والتهمه : ابتلعه .
وأسد خادرأى داخل الخدر
وهو الستر .
والكلاكل : الصدور ، والجماعات ، ومن الفرس : ما بين محزمه إلى
ما مس الارض منه .
والمناسم : أخفاف البعير .
والمشق : سرعة في الطعن والضرب ،
والطول مع الرقة .
والوخز : الطعن بالرمح .
والمهرة بالضم واحد المهر كصرد
وهي مفاصل متلاحكة في الصدر أو غراضيف الضلوع ( 1 ) .
واللحم : القطع .
34 - نهج : قال أميرالمؤمنين عليه السلام في ذكر خباب بن الارت : يرحم الله
خبابا فلقد أسلم راغبا وهاجر طائعا وعاش مجاهدا ( 2 ) .
وقال عليه السلام وقد جاءه نعي الاشتر : مالك وما مالك لو كان جبلا لكان
فندا ، لا يرتقيه الحافر ولا يرقى عليه الطائر .
قوله عليه السلام : " الفند " هو المنفرد
من الجبال ( 3 ) .
بيان : قال الجزري : الفند من الجبل أنفه الخارج منه ( 4 ) .
أقول : قال عبدالحميد بن أبي الحديد : الذي رويته عن الشيوخ ورأيته
بخط عبدالله بن أحمد بن الخشاب أن الربيع بن زياد الحارثي أصابته نشابة في جبينه
فكانت تتنقض عينيه ( 5 ) في كل عام ، فأتاه علي عليه السلام عائدا فقال : كيف تجدك أبا
عبدالرحمن ؟ قال : أجدني يا أميرالمؤمنين لو كان لا يذهب ما بي إلا بذهاب بصري
لتمنيت ذهابه ، فقال : وما قيمة بصرك عندك ؟ قال : لوكانت لي الدنيا لفديته بها
قال : لا جرم ليعطينك الله على قدر ذلك ، إن الله تعالى يعطي على قدر الالم والمصيبة
-بحار الانوار مجلد: 38 من ص 173 سطر 19 الى ص 181 سطر 18
وعنده تضعيف كثير ، قال الربيع : يا أميرالمؤمنين ألا أشكو إليك عاصم بن زياد
_________________________________________________________
ص 173 ) ( 1 ) متلاحكة اى متلاصقة متداخلة .
والغرضوف والغضروف كل عظم رخص يؤكل .
( 2 ) نهج البلاغة ( عبده ط مصر ) 2 : 154 .
وفيه : يرحم الله خباب بن الارت فلقد اسلم
راغبا وهاجر طائعا وقنع بالكفاف ورضى عن الله وعاش مجاهدا .
( 3 ) نهج البلاغة ( عبده ط مصر ) 2 : 249 .
( 4 ) النهاية 3 : 216 .
والفند بكسر الفاء وسكون النون .
( 5 ) كذا في النسخ ، وفى المصدر وهامش ( خ ) : عليه وتنقض الجرح : سال دمه .
*
[174]
أخي ؟ قال : ماله ؟ قال : لبس العباء وترك الملاء وغم أهله وحزن ولده ، فقال
عليه السلام : ادعوا لي عاصما ، فلما أتاه عبس في وجهه وقال : ويحك يا عاصم أترى الله
أباح لك اللذات وهو يكره ما أخذت منها ؟ لانت أهون على الله من ذلك ، أو ما
سمعته يقول : " مرج البحرين يلتقيان ( 1 ) " ثم قال : " يخرج منهما اللؤلؤ والمرجان ( 2 ) "
وقال : " ومن كل تأكلون لحما طريا وتستخرجون حلية تلبسونها ( 3 ) " أما
والله ابتذال نعم الله بالفعال أحب إليه من ابتذالها بالمقال ، وقد سمعتم الله يقول :
" وأما بنعمة ربك فحدث ( 4 ) " وقوله : " من حرم زينة الله التي أخرج لعباده و
الطيبات من الرزق ( 5 ) " إن الله خاطب المؤمنين بما خاطب به المرسلين فقال : " يا
أيها الذين آمنوا كلوا من طيبات ما رزقناكم ( 6 ( " وقال : " يا أيها الرسل كلوا
من الطيبات واعملوا صالحا ( 7 ) " وقال رسول الله صلى الله عليه واله لبعض نسائه : مالي أراك
شعثاء مرهاء سلتاء ؟ ( 8 ) .
قال عاصم : فلم اقتصرت يا أميرالمؤمنين على لبس الخشن وأكل الجشب ؟ ( 9 )
قال إن الله تعالى افترض على أئمة العدل أن يقدروا لانفسهم بالقوام كيلا يتبيغ ( 10 )
بالفقير فقره ، فما قام علي عليه السلام حتى نزع عاصم العباء ولبس ملاءة ( 11 ) .
*
_________________________________________________________
ص 174 ) ( 1 و 2 ) سورة الرحمن : 19 و 22 .
( 3 ) سورة الفاطر : 12 .
( 4 ) سورة الضحى : 11 .
( 5 ) سورة الاعراف : 32 .
( 6 ) سورة البقرة : 172 .
( 7 ) سورة المؤمنون : 51 .
( 8 ) الشعثاء : التى كان شعرها مغبرا متلبدا .
والمرهاء : التى فسدت وابيضت بواطن اجفانها
والسلتاء : التى قطع انفها .
( 9 ) الجشب : الطعام الغليظ .
( 10 ) تبيغ : هاج .
( 11 ) بضم الميم ثوب يلبس على الفخذين .
*
[175]
وكتب زياد بن أبيه إلى الربيع بن زياد وهو على قطعة من خراسان : إن
أميرالمؤمنين معاوية كتب إلي يأمرك أن تحرز الصفراء والبيضاء وتقسم الخرثي ( 1 )
وما أشبهه على أهل الحروب ، فقال له الربيع : إني وجدت كتاب الله قبل كتاب
أميرالمؤمنين ، ثم نادى في الناس : أن اغدوا على غنائمكم ، فأخذ الخمس وقسم
الباقي على المسلمين ثم دعا الله أن يميته ، فما جمع حتى مات ( 2 ) .
وقال في أحوال شريح القاضي : هو شريح بن الحارث بن المنتجع الكندي
وقيل : اسم أبيه معاوية ، وقيل : هاني ، وقيل : شراحيل ، ويكنى أبا امية ،
استعمله عمر بن الخطاب على القضاء بالكوفة ، فلم يزل قاضيا ستين سنة ، لم يتعطل
فيها إلا ثلاث سنين في فتنة ابن الزبير ، امتنع ( 3 ) من القضاء ، ثم استعفى الحجاج
من العمل فأعفاه ، فلزم منزله إلى أن مات ، وعمر عمرا طويلا ، قيل : إنه عاش
مائة وثمان سنين ، وقيل : مائة سنة ، وتوفي سنة سبع وثمانين ، وكان خفيف الروح
مزاحا ، فقدم إليه رجلان فأقر أحدهما بما ادعى به خصمه وهو لا يعلم ، فقضى
عليه ، فقال لشريح : من شهد عندك بهذا ؟ قال : ابن اخت خالك ! وقيل : إنه
جاءته امرأة تبكي وتتظلم على خصمها ، فمارق لها حتى قال له إنسان كان بحضرته :
ألا تنظر أيها القاضي إلى بكائها ؟ فقال : إن إخوة يوسف جاؤوا أباهم عشاء يبكون
و أقر علي عليه السلام شريحا على القضاء مع مخالفته له في مسائل كثيرة من الفقه مذكورة
في كتب الفقهاء ، وسخط علي عليه السلام مرة عليه فطرده عن الكوفة ولم يعز له عن
القضاء ، وأمره بالمقام ببانقيا ، وكانت قرية قريبة من الكوفة أكثر ساكنيها اليهود
فأقام بها مدة حتى رضي عنه ، وأعاده إلى الكوفة ، وقال أبوعمر بن عبدالبر في
كتاب الاستيعاب : أدرك شريح الجاهلية ، ولا يعد من الصحابة بل من التابعين ،
*
_________________________________________________________
ص 175 ) ( 1 ) بضم الخاء وسكون الراء : اردأ المتاع وسقطه .
( 2 ) شرح النهج 3 : 19 و 20 .
جمع المسلم : شهد الجمعة .
( 3 ) في المصدر : امتنع فيها .
*
[176]
وكان شاعرا محسنا ، وكان سناطا لا شعر في وجهه ( 1 ) .
35 - نهج : من كتاب له إلى أميرين من امراء جيشه : وقد أمرت عليكما
وعلى من في حيز كما مالك بن الحارث الاشتر ، فاسمعاله وأطيعا واجعلاه درعا
ومجنا ، فإنه ممن لا يخاف وهنه ولا سقطته ولا بطؤه عما الاسراع إليه أحزم ،
ولا إسراعه إلى ما البطؤ عنه أمثل ( 2 ) .
قال ابن أبي الحديد في شرح هذا الكلام : هو مالك بن الحارث بن عبديغوث
ابن سلمة بن ربيعة بن حذيمة ( 3 ) بن سعد بن مالك بن النخع بن عمرو بن غلة ( 4 ) بن
خالد بن مالك بن داود ، وكان حارسا ( 5 ) شجاعا رئيسا من أكابر الشيعة وعظمائها
شديد التحقق بولاء أمير المؤمنين عليه السلام ونصره ، وقال فيه بعد موته : يرحم ( 6 ) الله
مالكا فلقد كان لي كما كنت لرسول الله صلى الله عليه واله ، ولما قنت علي عليه السلام على خمسة
ولعنهم وهم : معاوية وعمرو بن العاص وأبوالاعور السلمي وحبيب بن مسلمة و
بسر بن أرطاة قنت معاوية على خمسة : وهم علي والحسن والحسين وعبدالله بن
العباس والاشتر ، ولعنهم .
وقد روي أنه قال لما ولى علي عليه السلام بني العباس على الحجاز واليمن و
العراق : " فلما ذا قتلنا الشيخ بالامس ؟ " وإن عليا عليه السلام لما بلغته هذه الكلمة
أحضره ولا طفه واعتذر إليه ، وقال له : فهل وليت حسنا أو حسينا أو أحدا من ولد
جعفر أخي أو عقيلا أو أحدا من ولده ؟ وإنما وليت ولد عمي العباس لاني سمعت
العباس يطلب من رسول الله صلى الله عليه واله الاماراة مرارا ، فقال له رسول الله صلى الله عليه واله : " يا عم
إن الامارة إن طلبتها وكلت إليها وإن طلبتك اعنت عليها " ورأيت بنيه في أيام
*
_________________________________________________________
ص 176 ) ( 1 ) شرح النهج 3 : 445 و 446 .
( 2 ) نهج البلاغة ( عبده ط مصر ) 2 : 14 و 15 .
( 3 ) في المصدر : ربيعة بن الحارث بن خزيمة .
( 4 ) " : علة .
( 5 ) " : ادد وكان فارسا .
( 6 ) " : رحم الله .
*
[177]
عمر وعثمان يجدون في أنفسهم أن ولي غيرهم من أبناء الطلقاء ولم يول أحد منهم
فأحببت أن أصل رحمهم وازيل ما كان في أنفسهم ، وبعد فإن علمت أحدا هو خير
منهم فائتني به ، فخرج الاشتر وقد زال ما في نفسه .
وقد روى المحدثون حديثا يدل على فضيلة عظيمة للاشتر ، وهي شهادة
قاطعة من النبي صلى الله عليه واله بأنه مؤتمن ( 1 ) ، روى هذا الحديث أبوعمر بن عبدالبر في
كتاب الاستيعاب في حرف الجيم في باب جندب ، قال أبوعمر : لما حضرت أباذر
الوفاة وهو بالربذة بكت زوجته ام ذر ، قالت : فقال لي : ( 2 ) ما يبكيك ؟ فقالت :
مالي لا أبكي وأنت تموت بفلاة من الارض ، وليس عندي ثوب يسعك كفنا ، ولا بد
لي من القيام بجهازك ، فقال : ابشري ولا تبكي فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه واله يقول :
" لا يموت بين امر أين مسلمين ولدان أو ثلاث فيصبران ويحتسبان فيريان النار أبدا "
وقد مات لنا ثلاثة من الولد .
وسمعت أيضا رسول الله صلى الله عليه واله يقول لنفر أنا فيهم :
" ليموتن أحدكم بفلاة من الارض ، يشهده عصابة من المؤمنين " وليس من اولئك
النفر أحد إلا وقد مات في قرية وجماعة ، فأنا لا أشك أني ذلك الرجل ، والله ما
كذبت ولا كذبت ، فانظري الطريق ، قالت ام ذر : فقلت : أنى وقد ذهب الحاج
وتقطعت الطرق ؟ فقال : اذهبي فتبصري ، قالت : فكنت أشتد إلى الكثيب فأصعد
فأنظر ثم أرجع إليه فامرضه ، فبينا أنا وهو على هذه الحالة إذا أنا برجال على
ركابهم كأنهم الرخم ( 3 ) تخب بهم رواحلهم ، فأسرعوا إلي حتى وقفوا علي وقالوا :
يا أمة الله مالك ؟ فقلت : امرؤ من المسلمين يموت تكفنونه ؟ قالوا : ومن هو ؟ قلت :
أبوذر ، قالوا : صاحب رسول الله صلى الله عليه واله ؟ قلت : نعم ، ففدوه بآبائهم وامهاتهم و
أسرعوا إليه حتى دخلوا عليه ، فقال لهم : ابشروا فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه واله يقول
لنفر أنا فيهم : " ليموتن رجل منكم بفلاة من الارض تشهده عصابة من المؤمنين " و
*
_________________________________________________________
ص 177 ) ( 1 ) في المصدر : مؤمن .
( 2 ) " : فقال لها .
( 3 ) الرخم : طائر من الجوارح الكبيرة الجثة الوحشية الطباع .
خب الفرس في عدوه :
راوح بين يديه ورجليه أى قام على احداهما مرة وعلى الاخرى مرة .
*
[178]
ليس من اولئك النفر أحد إلا وقد هلك في قرية وجماعة ، والله ما كذبتم ولا كذبتم ( 1 )
ولو كان عندي ثوب يسعني كفنا لي أو لامرأتي لم اكفن إلا في ثوب لي أولها ، و
إني أنشدكم الله أن لا يكفنني رجل منكم كان أميرا أو عريفا أو بريدا أو نقيبا ،
قالت : وليس في اولئك النفر أحد إلا وقد قارف بعض ما قال إلا فتى من الانصار
قال له : أنا اكفنك يا عم في ردائي هذا وفي ثوبين معي في عيبتي من غزل امي ،
فقال أبوذر : أنت تكفنني ، فمات فكفنه الانصاري وغسله في النفر الذين ( 2 )
حضروه وقاموا عليه ، ودفنوه في نفر كلهم يمان .
قال أبوعمر بن عبدالبر قبل أن يروي هذا الحديث في أول باب جندب : كان
النفر الذين حضروا موت أبي ذر بالربذة مصادفة جماعة منهم حجر بن الابرد ( 3 )
هو حجر بن عدي الذي قتله معاوية ، وهو من أعلام الشيعة وعظمائها وأما الاشتر
فهو أشهر في الشيعة من أبي الهذيل في المعتزلة .
وقرئ كتاب الاستيعاب على شيخنا
عبدالوهاب بن سكينة المحدث وأنا حاضر ، فلما انتهى القارئ إلى هذا الخبر
قال استادي عمر بن عبدالله الدباس - وكان يحضر ( 4 ) معه سماع الحديث - : لتقل
الشيعة بعد هذا ما شاءت ، فما قال المرتضى والمفيد إلا بعض ما كان حجر والاشتر
يعتقدانه في عثمان ومن تقدمه ، فأشار الشيخ إليه بالسكوت فسكت .
وقد ذكرنا آثار الاشتر ومقاماته بصفين فيما سبق ، والاشتر هو الذي عانق
عبدالله بن الزبير يوم الجمل فاصطرعا على ظهر فرسيهما حتى وقعا إلى الارض ( 5 )
فجعل عبدالله يصرخ من تحته : اقتلوني ومالكا ، فلم يعلم من الذي يعنيه لشدة
*
_________________________________________________________
ص 178 ) ( 1 ) في المصدر : ماكذبت ولا كذبت .
( 2 ) " : وغسله النفر الذين اه
( 3 ) في الاستيعاب : منهم حجر بن الادبر ومالك بن الحارث الاشتر قلت : حجر بن الادبر اه .
( 4 ) في المصدر : وكنت أحضر .
( 5 ) " : في الارض .
*
[179]
الاختلاط وثوران النقع ( 1 ) فلو قال : اقتلوني والاشتر لقتلا جميعا ، فلما افترقا
قال الاشتر :
أعايش لو لا أنني كنت طاويا ( 2 ) * ثلاثا لالفيت ابن اختك هالكا
غداة ينادي والرماح تنوشه * كوقع الصياصي : اقتلوني ومالكا ( 3 )
فنجاه مني شبعه وشبابه * وأني شيخ لم أكن متماسكا
ويقال : إن عائشة فقدت عبدالله فسألت عنه ، فقيل لها : عهدناه وهو معانق
للاشتر ، فقالت : واثكل أسماء .
ومات الاشتر في سنة تسع وثلاثين متوجها إلى
مصر واليا عليها لعلي عليه السلام ، قيل : سقي سما ، وقيل : إنه لم يصح ذلك وإنما
مات حتف أنفه ، فأما ثناء أميرالمؤمنين عليه السلام في هذا الفصل فقد بلغ فيه مع اختصاره
ما لا يبلغ بالكلام الطويل ، ولعمري لقد كان الاشتر أهلا لذلك ، كان شديد البأس
جوادا رئيسا حليما فصيحا شاعرا ، وكان يجمع بين اللين والعنف ، فيسطوفي موضع
السطوة ويرفق في موضع الرفق ( 4 ) .
أقول : وقال ابن أبي الحديد في شرح وصايا أوصى أميرالمؤمنين عليه السلام إلى
الحارث الهمداني : هو الحارث بن عبدالله بن كعب بن أسد بن مخلد بن حارث بن
سبيع بن معاوية الهمداني ، كان أحد الفقهاء ( 5 ) وصاحب علي عليه السلام ، وإليه تنسب
الشيعة الخطاب الذي خاطب به في قوله عليه السلام :
يا حار همدان من يمت يرني * من مؤمن أو منافق قبلا ( 6 )
أقول : رأيت في بعض مؤلفات أصحابنا : روي أنه دخل أبوأمامة الباهلي على
*
_________________________________________________________
ص 179 ) ( 1 ) النقع : الغبار .
( 2 ) اى جائعا .
( 3 ) ناش الشئ بالشئ : تعلق به .
والصياصى جمع الصيصية : الوتد يقلع به التمر .
( 4 ) شرح النهج 3 : 625 - 627 .
( 5 ) في المصدر بعد ذلك : له قول في الفتيا وكان اه .
( 6 ) شرح النهج 4 : 309 .
*
[180]
معاوية ، فقربه وأدناه ثم دعا بالطعام ، فجعل يطعم أبا أمامة بيده ، ثم أوسع رأسه
ولحيته طيبا بيده ، وأمر له ببدرة من دنانير فدفعها إليه ، ثم قال : يا أبا أمامة
بالله أنا خير أم علي بن أبي طالب ؟ فقال أبوأمامة ! نعم ولا كذب ولو بغيرالله سألتني
لصدقت ، علي والله خير منك وأكرم وأقدم إسلاما ، وأقرب إلى رسول الله قرابة
وأشد في المشركين نكاية ، وأعظم عند الامة غناء ، أتدري من علي يا معاوية ؟ ابن
عم رسول الله صلى الله عليه واله وزوج ابنته سيدة نساء العالمين ، وأبوالحسن والحسين سيدي
شباب أهل الجنة ، وابن أخي حمزة سيد الشهداء ، وأخو جعفر ذي الجناحين ، فأين
تقع أنت من هذا يا معاوية ؟ ؟ أظننت أني ساخيرك على علي بألطافك وطعامك و
عطائك فأتخل إليك مؤمنا وأخرج منك كافرا ؟ بئس ما سولت لك نفسك يا معاوية .
ثم نهض وخرج من عنده ، فأتبعه بالمال فقال : لا والله لا أقبل منك دينارا واحدا .
36 - قب : كتابه : عبيدالله بن أبي رافع وسعيد بن نمران ( 1 ) الهمداني و
عبدالله بن جعفر وعبيدالله بن عبدالله بن مسعود .
وكان بوابه سلمان سلمان ومؤذنه
جويرية بن مسهر العبدي وابن النباح وهمدان الذي قتله الحجاج ، وخدامه
أبونيرز من أبناء ملوك العجم ، رغب في الاسلام وهو صغير ، فأتى رسول الله صلى الله عليه واله
فأسلم وكان معه ، فلما توفي صلى الله عليه واله صار مع فاطمة وولديها عليهم السلام ، وكان عبدالله
ابن مسعود في سبي فزارة ، فوهبه النبي صلى الله عليه واله لفاطمة عليها السلام ، فكان بعد ذلك مع معاوية
وكان له ألف نسمة منهم قنبر وميثم ، قتلهما الحجاج ، وسعد ونصر قتلا مع الحسين
عليه السلام ، وأحمر قتل في صفين ، ومنهم غزوان وثبيت وميمون .
وخادمته فضة وزبرا
وسلافة ( 2 ) .
37 - ختص : ابن قولويه ، عن العياشي ، عن أبيه ، عن علي بن الحسين
عن مروك بن عبيد ، عن إبراهيم بن أبي البلاد ، عن رجل ، عن الاصبغ قال : قلت
*
_________________________________________________________
ص 180 ) ( 1 ) غزوان خ ل .
( 2 ) مناقب آل ابى طالب 2 : 77 .
*