[ 11 ]

يدري ما يصنع في قضيته ، فإن ورود واحد من الخارج متعذر مع هذه العلامات ولم يسرق من الدار شئ البتة ، ولم تزل الجيران وغيرهم في السجن إلى ورود الحاج ( 1 ) من مكة ، فلقي الجيران في السجن فسأل عن ذلك فقيل : إن في الليلة الفلانية وجدوا فلانا مذبوحا في داره ولم يعرف قاتله ، ففكر ( 2 ) وقال لاصحابه : أخرجوا صورة المنام ، فإذا هي ليلة القتل ، ثم مشى هو والناس بأجمعهم إلى دار المقتول ، فأمر بإخراج الملحفة وأخبرهم بالدم فيها ، فوجدوها كما قال ، ثم أمر برفع المردم ( 3 ) فرفع فوجد السكين تحته ، فعرفوا صدق منامه ، وافرج عن المحبوسين ورجع أهله إلى الايمان ، وكان ذلك من ألطاف الله تعالى في حق بريته .
وكان في الحلة شخص من أهل الدين والصلاح ملازم لتلاوة الكتاب العزيز ، فرجمه الجن فكان تأتي الحجارة من الخزائن والروازن المسدودة ، وألحوا عليه بالرجم وأضجروه ، وشاهدت أنا الموضع التي ( 4 ) كان يأتي الرجم منها ، ولم يقصر في طلب العزائم والتعاويذ ووضعها في منزله وقراءتها فيه ، ولم ينقطع عنه الرجم مدة ، فخطر بباله أنه دخل ووقف على باب البيت الذي كان يأتي الرجم منه ، فخاطبهم وهو لا يراهم ، فقال : والله لئن لم تنتهوا عني لاشكونكم إلى أميرالمؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام فانقطع عنه الرجم في الحال ولم يعد إليه .
ونقل ابن الجوزي وكان حنبلي المذهب في كتاب تذكرة الخواص : كان عبدالله بن المبارك يحج سنة ويغزو ( 5 ) سنة ، وداوم عليه على ذلك خمسين سنة ، فخرج في بعض سني الحج وأخذ معه خمسمائة دينار إلى موقف الجمال بالكوفة ليشتري *

_________________________________________________________
ص 11 ) ( 1 ) في المصدر : إلى ان ورد الحاج .
( 2 ) " : فكبر .
( 3 ) ثوب مردم - بتشديد الدال - : خلق مرقع .
( 4 ) في المصدر ، المواضع التى وفى ( خ ) و ( م ) : الموضع الذى .
( 5 ) في المصدر ويعمر .
*

[ 12 ]

جمالا للحج ، فرأى امرأة علوية على بعض المزابل تنتف ريش بطة ميتة ، قال : فتقدمت إليها فقلت : ولم تفعلين هذا ؟ فقالت : يا عبدالله لا تسأل عما لا يعنيك ، قال : فوقع في خاطري من كلامها شئ ، فألححت عليها فقالت : يا عبدالله قد ألجأتني إلى كشف سري إليك .
أنا امرأة علوية ولي أربع بنات يتامى ، مات أبوهن من قريب وهذا اليوم الرابع ما أكلنا شيئا ، وقد حلت لنا الميتة ، فأخذت هذه البطة اصلحها وأحملها إلى بناتي يأكلنها ، قال : فقلت في نفسي : ويحك يا ابن المبارك أين أنت عن هذه ؟ فقلت : افتحي حجرك ، ففتحت فصببت الدنانير في طرف إزارها وهي مطرقة لا تلتفت ، قال : ومضيت إلى المنزل ونزع الله قلبي من شهوة الحج في ذلك العام ثم تجهزت إلى بلادي فأقمت حتى حج الناس وعادوا ، فخرجت أتلقى جيراني وأصحابي ، فجعل كل من أقول له : قبل الله حجك وشكر سعيك ، يقول لي : وأنت قبل الله حجك وشكر سعيك ، إنا قد اجتمعنا بك في مكان كذا وكذا ، وأكثر الناس علي في القول ، فبت متفكرا فرأيت رسول الله صلى الله عليه واله في المنام وهو يقول لي : يا عبدالله لا تعجب فإنك أغثت ملهوفة من ولدي ، فسألت الله أن يخلق على صورتك ملكا يحج عنك كل عام إلى يوم القيامة ، فإن شئت أن تحج وإن شئت لا تحج .
ونقل ابن الجوزي ( 1 ) في كتابه قال : قرأت في الملتقط - وهو كتاب لجده أبي - الفرج بن الجوزي - قال : كان ببلخ رجل من العلويين نازلا بها وله زوجة وبنات فتوفي ، قالت المرأة : فخرجت بالبنات إلى سمرقند خوفا من شماتة الاعداء ، و اتفق وصولي في شدة البرد ، فأدخلت البنات مسجدا فمضيت لاحتال في القوت ، فرأيت الناس مجتمعين على شيخ ، فسألت عنه فقالوا : هذا شيخ البلد ، فشرحت له حالي فقال : أقيمي عندي البينة أنك علوية ، ولم يلتفت إلي ، فيسئت منه وعدت إلى المسجد ، فرأيت في طريقي شيخا ( 2 ) جالسا على دكة وحوله جماعة ، فقلت : *

_________________________________________________________
ص 12 ) ( 1 ) يعنى سبط ابن الجوزى مؤلف تذكرة الخواص ومن هنا يعرف أنهم قد يطلقون " ابن الجوزى " على سبطه بتلك القرينة .
( 2 ) في المصدر : شخصا .
*

[ 13 ]

من هذا ؟ فقالوا : ضامن البلد وهو مجوسي ، فقلت عسى أن يكون عنده فرج ، فحدثته حديثي وما جرى لي مع الشيخ ، ( 1 ) فصاح بخادم له فخرج ، فقال : قل
-بحار الانوار مجلد: 38 من ص 13 سطر 3 الى ص 21 سطر 3 لسيدتك : تلبس ثيابها ، فدخل فخرجت امرأة ومعها جوار ، فقال لها : اذهبي مع هذه المرأة إلى المسجد الفلاني واحملي بناتها إلى الدار .
فجاءت معي وحملت البنات ، وقد أفرد لنا دارا في داره ، وأدخلنا الحمام ، وكسانا ثيابا فاخرة ، وجائنا بألوان الاطعمة ، وبتنا بأطيب ليلة ، فلما كان نصف الليل رأى شيخ البلد المسلم في منامه كأن القيامة قد قامت واللواء على رأس محمد صلى الله عليه واله وإذا قصر من الزمرد الاخضر فقال : لمن هذا ؟ فقيل ( له ) : لرجل مسلم موحد ، فتقدم إلى رسول الله صلى الله عليه واله فأعرض عنه ، فقال : يا رسول الله تعرض ( 2 ) عني وأنا رجل مسلم ؟ فقال له أقم البينة عندي أنك مسلم ! فتحير الرجل ، فقال له رسول الله صلى الله عليه واله : نسيت ما قلت للعلوية ؟ وهذا القصر للشيخ الذي هي في داره ، فانتبه الرجل وهو يلطم ويبكي ، وبعث غلمانه في البلد وخرج بنفسه يدور على العلوية ، فاخبر أنها في دار المجوسي ، فجاء إليه فقال : أين العلوية ؟ قال : عندي ، قال : اريدها ، قال : ما إلى ( 3 ) هذا سبيل : قال : هذه ألف دينار وسلمهن إلي ، قال : لا والله ولا مائة ألف دينار ، فلما ألح عليه قال له : المنام الذي رأيته أنت رأيته أنا أيضا ، والقصر الذي رأيته لي خلق ، ( 4 ) وأنت تدل علي بإسلامك ، والله ما نمت ولا أحد في داري إلا وقد أسلمنا كلنا على يد العلوية ، وعاد من بركاتها علينا ، ورأيت رسول الله صلى الله عليه واله وقال لي : القصر لك ولاهلك بما فعلت مع العلوية ، وأنتم من أهل الجنة ، خلقكم الله مؤمنين في العدم ( 5 ) .
*

_________________________________________________________
ص 13 ) ( 1 ) في المصدر : وماجرى معى ومع الشيخ .
( 2 ) " : لم تعرض ؟ .
( 3 ) في المصدر وفى غير ( ك ) من النسخ : مالى إلى هذا .
( 4 ) " : والقصر الذى رأيته انت رأيته لى خلق .
( 5 ) " : في القدم .
*

[ 14 ]

ونقل أيضا في كتابه عن أبي الدنيا أن رجلا رأى رسول الله صلى الله عليه واله في منامه وهو يقول : امض إلى فلان المجوسي وقل له : قد اجيبت الدعوة ، فامتنع الرجل من أداء الرسالة لئلا يظن المجوسي أنه يتعرض له ، وكان الرجل في الدنيا واسعة ، فرأى رسول الله صلى الله عليه واله ثانيا وثالثا ، فأصبح فأتى المجوسي وقال له في خلوة من الناس : أنا رسول رسول الله إليك وهو يقول لك : قد اجبت ( 1 ) الدعوة ، فقال له : أتعرفني ؟ فقال : نعم ، فقال : إني انكر دين الاسلام ونبوة محمد صلى الله عليه واله فقال : أنا أعرف هذا وهو الذي أرسلني إليك مرة ومرة ، فقال : أنا أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله صلى الله عليه واله ودعا أهله وأصحابه وقال لهم : كنت على ضلال وقد رجعت إلى الحق فأسلموا ، فمن أسلم فما في يده له ، ومن أبى فلينزع عمالي عنده فأسلم القوم وأهله ، وكانت إبنته مزوجة من ابنه ، ففرق بينهما ، ثم قال لي : أتدري ما الدعوة ؟ ( 2 ) فقلت : لا والله وأنا اريد أن أسألك عنها الساعة ، فقال : لما زوجت ابنتي صنعت طعاما ودعوت الناس فأجابوا ، وكان إلى جانبنا قوم أشراف فقراء لا مال لهم ، فأمرت غلماني أن يبسطوا لي حصيرا في وسط الدار ، فسمعت صبية تقول لامها : يا اماه قد آذانا هذا المجوسي برائحة طعامه ، فأرسلت إليهن بطعام كثير وكسوة ودنانير للجميع ، فلما نظروا إلى ذلك قالت الصبية للباقيات : والله ما نأكل حتى ندعو له ، فرفعن أيديهن و قلن : حشرك الله مع جدنا رسول الله صلى الله عليه واله وأمن بعضهن ، فتلك الدعوة التي اجيبت .
ونقل ابن الجوزي أيضا في كتابه عن جده أبي الفرج بإسناده إلى ابن الخضيب قال : كنت كاتبا للسيدة ام المتوكل ، فبينا أنا في الديوان إذا بخادم صغير قد خرج من عندها ومعه كيس فيه ألف دينار ، فقال : السيدة تقول لك : فرق هذا في أهل الاستحقاق فهو من أطيب مالي ، واكتب أسماء الذين تفرقه فيهم حتى إذا جاءني *

_________________________________________________________
ص 14 ) ( 1 ) في المصدر : قد اجيبت .
( 2 ) أى الدعوة التى بشر رسول الله صلى الله عليه وآله بانها قد اجيبت .
*

[ 15 ]

من هذا الوجه شئ صرفته إليهم ، قال : فمضيت إلى منزلي وجمعت أصحابي وسألتهم عن المستحقين ، فسموا لي أشخاصا ففرقت فيهم ثلاثمائة دينار وبقي الباقي بين يدي إلى نصف الليل ، وإذا بطارق يطرق الباب ، فسألته من هو ؟ فقال : فلان العلوي - وكان جاري - فأذنت له فدخل ، فقلت له : ما شأنك ؟ فقال : إني جائع ، فأعطيته من ذلك دينارا فدخلت إلى زوجتي فقالت : ما الذي عناك في هذه الساعة ؟ فقلت : طرقتني في هذه الساعة طارق من ولد رسول الله صلى الله عليه واله ولم يكن عندي ما اطعمه فأعطيته دينارا فأخذه وشكر لي وانصرف ، فخرجت زوجتي وهي تبكي وتقول : أما تستحيي يقصدك مثل هذا الرجل وتعطيه دينارا وقد عرفت استحقاقه ؟ أعطه الجميع فوقع كلامها في قلبي .
وقمت خلفه فناولته الكيس ، فأخذه وانصرف ، فلما عدت إلى الدار ندمت وقلت : الساعة يصل الخبر إلى المتوكل وهو يمقت العلويين فيقتلني فقال لي زوجتي : لا تخف واتكل على الله وعلى جدهم ، فبينا نحن كذلك إذ طرق الباب والمشاعل في أيدي الخدم ، وهم يقولون : أجب السيدة ، فقمت مرعوبا وكلما مشيت قليلا تواترت الرسل ، فوقفت على ستر السيدة فسمعتها تقول : يا أحمد جزاك الله خيرا وجزى زوجتك ، كنت الساعة نائمة فجائني رسول الله صلى الله عليه واله وقال : " جزاك الله خيرا وجزى زوجة ابن الخضيب خيرا " فما معنى هذا ؟ فحدثتها الحديث وهي تبكي ، فأخرجت دنانير وكسوة وقالت : هذا للعلوي وهذا لزوجتك وهذا لك ، و كان ذلك يساوي مائة ( 1 ) ألف درهم ، فأخذت المال وجعلت طريقي على بيت العلوي فطرقت الباب فقال من داخل المنزل : هات ما معك يا أحمد ، وخرج وهو يبكي ، فسألته عن بكائه فقال : لما دخلت منزلي قالت لي زوجتي : ما هذا الذي معك ؟ فعرفتها فقالت لي : قم بنا حتى نصلي وندعو للسيدة ولاحمد وزوجته ، فصلينا ودعونا ، ثم نمت فرأيت رسول الله صلى الله عليه واله في المنام وهو يقول : قد شكرتم على مافعلوا معك فالساعة يأتونك بشئ فاقبل منهم .
انتهى ما أخرجته من كتاب كشف اليقين ( 2 ) .
*

_________________________________________________________
ص 15 ) ( 1 ) في المصدر : مائتى .
( 2 ) كشف اليقين في فضائل اميرالمومنين : 164 - 172 .
*

[ 16 ]

( 13 - كنز الكراجكى : حدثني علي بن أحمد اللغوي بميا فارقين ( 1 ) في سنة تسع وتسعين وثلاثمائة ، قال دخلت على أبي الحسن علي السلماسي ( 2 ) في مرضته التي توفي فيها فسألته عن حاله ، فقال : لحقتني غشية اغمي علي فيها ، فرأيت مولاي أميرالمؤمنين علي بن أبي طالب صلوات الله عليه قد أخذ بيدي وأنشأ يقول : فإن آل محمد في الارض غرق جهلها ( 3 ) * وسفينتهم حمل الذي طلب النجاة وأهلها فاقبض بكفك عروة لا تخش منها فصلها ومنه عن محمد بن عبيدالله الحسيني ، عن أبيه ، عن أحمد بن محبوب قال : سمعت أبا جعفر الطبري يقول : حدثنا هناد بن السري قال : رأيت أميرالمؤمنين علي بن أبي طالب صلوات الله عليه وآله في المنام فقال لي : ياهناد ، قلت : لبيك يا أمير - المؤمنين ، قال : أنشدني قول الكميت : ويوم الدوح غدير خم * أبان لنا الولاية لو اطيعا ولكن الرجال تبايعوها * فلم أر مثلها أمرا شنيعا قال فأنشدته فقال لي : خذ إليك يا هناد ، فقلت : هات يا سيدي ، فقال عليه السلام : ولم أر مثل ذاك اليوم يوما * ولم أر مثله حقا اضيعا ( 4 ) ) *

_________________________________________________________
ص 16 ) ( 1 ) بفتح اوله وتشديد ثانيه أشهر مدينة بديار بكر .
( 2 ) في المصدر : على بن السلماسى .
( 3 ) " : طوفان آل محمد .
ولم نفهم المراد .
( 4 ) كنز الكراجكى : 154 .
والراويتان توجدان في ( ك ) فقط .
*

[ 17 ]


باب 116 : جوامع معجزاته صلوات الله عليه ونوادرها  

1 - يج : روي عن رميلة أن عليا عليه السلام مر برجل يخبط : هو هو ، فقال : يا شاب لو قرأت القرآن لكان خيرا لك ، فقال : إني لا احسنه ولوددت أن احسن منه شيئا ، فقال : ادن مني ، فدنا منه فتكلم في اذنه بشئ خفي ، فصورالله القرآن كله في قلبه فحفظ كله ( 1 ) .
2 - يج : روي عن أبي حمزة الثمالي عن أبي جعفر عليه السلام قال : قرئت عند أميرالمؤمنين عليه السلام " إذا زلزلت الارض زلزالها " إلى أن بلغ قوله : " وقال الانسان مالها يومئذ تحدث أخبارها ( 2 ) " قال : أنا الانسان وإياي تحدث أخبارها ، فقال له ابن الكواء : يا أميرالمؤمنين " وعلى الاعراف رجال يعرفون كلا بسيماهم ( 3 ) " قال نحن الاعراف نعرف أنصارنا بسيماهم ، ونحن أصحاب الاعراف نوقف بين الجنة والنار ، ولا يدخل الجنة إلا من عرفنا وعرفناه ، ولا يدخل النار إلا من أنكرنا وأنكرناه ، وكان علي عليه السلام يخاطبه بويحك ، وكان يتشيع ، فلما كان يوم النهروان قاتل عليا عليه السلام ابن الكواء .
وجاءه عليه السلام رجل فقال : إني احبك ، فقال أميرالمؤمنين عليه السلام : كذبت فقال الرجل : سبحان الله كأنك تعلم ما في قلبي ! وجاءه آخر فقال : إني احبكم أهل البيت - وكان فيه لين - فأثنى عليه عنده ، فقال أميرالمؤمنين عليه السلام : كذبتم لا *

_________________________________________________________
ص 17 ) ( 1 ) لم نجد هذه الرواية واللتين بعدها في الخرائج المطبوع .
( 2 ) سورة الزلزال : 1 - 4 .
( 3 ) " الاعراف : 46 .
*

[ 18 ]

يحبنا مخنث ولا ديوث ولا ولد زناء ولا من حملته امه في حيضها ، فذهب الرجل فلما كان يوم صفين قتل مع معاوية .
3 - يج : روي أنه صعب على المسلمين قلعة فيها كفار ويئسوا من فتحها فقعد في المجنيق ورماه الناس إليها وفي يده ذوالفقار ، فنزل عليهم وفتح القلعة .
4 - يج : روي عن محمد بن سنان قال : دخلت على الصادق عليه السلام فقال لي : من بالباب ؟ قلت : رجل من الصين ، قال : فأدخله ، فلما دخل قال له أبوعبدالله عليه السلام : هل تعرفونا بالصين ؟ قال : نعم يا سيدي ، قال : وبما ذا تعرفوننا ؟ قال : يا ابن رسول الله إن عندنا شجرة تحمل كل سنة وردا يتلون كل يوم مرتين ، فإذا كان أول النهار نجد مكتوبا عليه " لا إله إلا الله محمد رسول الله " وإذا كان آخر النهار فإنا نجد مكتوبا عليه " لا إله إلا الله علي خليفة رسول الله " ( 1 ) .
5 - يج : روي أن أبا طالب قال لفاطمة بنت أسد - وكان علي عليه السلام صبيا : - رأيته يكسر الاصنام فخفت أن يعلم كبار قريش ، فقالت : يا عجبااخبرك بأعجب من هذا ، إني اجتزت بالموضع الذي كانت أصنامهم فيه منصوبة وعلي في بطني ، فوضع رجليه في جوفي شديدا لا يتركني أن أقرب من ذلك الموضع الذي فيه ، وإنما كنت أطوف بالبيت لعبادة الله لا للاصنام ( 2 ) .
6 - شا : ( 3 ) ومن آيات أميرالمؤمنين صلوات الله عليه وبيناته التي انفرد بها ممن عداه ظهور مناقبه في الخاصة والعامة ، وتسخير الجمهور لنقل فضائله وما خصه الله ( 4 ) من كرائمه ، وتسليم العدو من ذلك بما فيه الحجة عليه ، هذا مع كثرة المنحرفين عنه والاعداء له ، وتوافر أسباب دواعيهم إلى كتمان فضله وجحد حقه ، وكون الدنيا في يد خصومه وانحرافها عن أوليائه ، وما اتفق لاضداده من *

_________________________________________________________
ص 18 ) ( 1 ) الخرائج والجرائح : 87 .
( 2 ) لم نجده في الخرائج المطبوع .
( 3 ) في ( ك ) و ( ت ) : " يج " لكنه سهو من النساخ .
( 4 ) في المصدر : وما خصه الله به اه .
*

[ 19 ]

سلطان الدنيا ، وحمل الجمهور على إطفاء نوره ودحض أمره ، فخرق الله العادة بنشر فضائله وظهور مناقبه ، وتسخير الكل للاعتراف بذلك والاقرار بصحته ، واندحاض ما احتال به أعداؤه في كتمان مناقبه وجحد حقوقه ، حتى تمت الحجة له وظهر البرهان بحقه ، ولما كانت العادة جارية بخلاف ما ذكرناه فيمن اتفق له من أسباب خمول أمره ما اتفق لاميرالمؤمنين عليه السلام فانخرقت العادة فيه دل ذلك على بينونته من الكافة بباهر الآية على ما وصفناه ، وقد شاع الخبر واستفاض عن الشعبي أنه كان يقول : لقد كنت أسمع خطباء بني امية يسبون أميرالمؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام على منابرهم وكأنما يشال بضبعه ( 1 ) إلى السماء ، وكنت أسمعهم يمدحون أسلافهم على منابرهم وكأنهم يكشفون عن جيفة .
وقال الوليد بن عبدالملك لبنيه يوما : يا بني عليكم بالدين فإني لم أر الدين بنى شيئا فهدمته الدنيا ، ورأيت الدنيا قد بنت بنيانا فهدمه الدين ، ما زالت ( 2 ) أصحابنا وأهلنا يسبون علي بن أبي طالب عليه السلام ويدفنون فضائله ويحملون الناس على شنآنه ولا يزيده ذلك من القلوب إلا قربا ، ويجهدون ( 3 ) في تقريبهم من نفوس الخلق ولا يزيدهم ذلك إلا بعدا ( 4 ) ، وفيما انتهى إليه الامر من دفن فضائل أميرالمؤمنين والحيلولة بين العلماء ونشرها ما لا شبهة فيه على عاقل ، حتى كان الرجل إذا أراد أن يروي عن أميرالمؤمنين عليه السلام رواية لن يستطيع ( 5 ) أن يصفها بذكر اسمه ونسبه ويدعوه الضرورة إلى أن يقول : حدثني رجل من أصحاب رسول الله ، ويقول ( 6 ) : حدثني رجل من قريش ، ومنهم من يقول : حدثني أبوزينب ، وروى عكرمة عن *

_________________________________________________________
ص 19 ) ( 1 ) شاله : رفعه .
والضبع - بسكون الباء - : العضد .
( 2 ) في المصدر : مازلت اسمع اصحابنا .
( 3 ) " : ويجتهدون .
( 4 ) " : فلا يزيدهم ذلك من القلوب الا بعدا .
( 5 ) كذا في ( ك ) .
وفى غيره من النسخ " لم يستطع " .
وفى المصدر : لم يستطع أن يضيفها إليه .
( 6 ) في المصدر : أو يقول .
*

[ 20 ]

عائشة في حديثها له بمرض رسول الله صلى الله عليه واله ووفاته فقالت في جملة ذلك : فخرج رسول الله صلى الله عليه واله متوكئا على رجلين من أهل بيته أحدهما الفضل بن العباس ، فلما حكي عنها ذلك لعبدالله بن العباس قال له : اتعرف الرجل الآخر ؟ قال : لا لم تسمه لي قال : ذلك علي بن أبي طالب ، وما كانت امنا تذكره بخير وهي تستطيع .
وكانت الولاة الجورة تضرب بالسياط من ذكره بخير ، بل تضرب الرقاب على ذلك ، وتعرض للناس بالبراءة منه ، والعادة جارية فيمن اتفق له ذلك أن لا يذكر على وجه بخير فضلا عن أن يذكر له فضائل أو يروى ( 1 ) له مناقب أو يثبت له حجة لحق ( 2 ) وإذا كان ظهور فضائله عليه السلام وانتشار مناقبه على ما قدمنا ذكره من شياع ذلك في الخاصة والعامة وتسخير العدو والولي لنقله ثبت خرق العادة فيه ، و بان وجه البرهان فيه ( 3 ) بالآية الباهرة على ما قدمناه .
ومن آيات الله تعالى فيه أنه لم يمن أحد في ولده وذريته بما مني عليه السلام ( 4 ) في ذريته ، وذلك أنه لم يعرف خوف شمل جماعة من ولد نبي ولا إمام ولا ملك زمان ولابر ولا فاجر كالخوف الذي شمل ذرية أميرالمؤمنين عليه السلام ، ولا لحق أحدا من القتل والطرد عن الديار والاوطان والاخافة والارهاب ما لحق ذرية أميرالمؤمنين عليه السلام وولده ، ولم يجر على طائفة من الناس من صروف ( 5 ) النكال ما جرى عليهم من ذلك ، فقتلوا بالفتك والغيلة والاحتيال ، وبني على كثير منهم - وهم أحياء - البنيان ، وعذبوا بالجوع والعطش حتى ذهبت أنفسهم على الهلاك ، وأحوجهم ذلك إلى التمزق في ذلك ( 6 ) ومفارقة الديار والاهل والاوطان ، وكتمان نسبهم *

_________________________________________________________
ص 20 ) ( 1 ) في المصدر : أو تروى .
( 2 ) " : أو تثبت له حجة بحق .
( 3 ) " : في معناه .
( 4 ) " : بمثل مامنى .
يقال : منى الله الخير لفلان : قدره له .
منى لكذا : وفق له .
( 5 ) " : من ضروب .
( 6 ) " : وأحوجهم ذلك إلى التمزق في البلاد .
والتمزق : التفرق .
*