[ 21 ]

عن أكثر الناس ، وبلغ بهم الخوف إلى الاستخفاء عن أحبائهم فضلا عن الاعداء وبلغ هربهم من أعدائهم ( 1 ) إلى أقصى الشرق والغرب ، والمواضع النائية عن العمارة وزهد في معرفتهم أكثر الناس ، ورغبوا عن تقريبهم والاختلاط بهم مخافة على أنفسهم
-بحار الانوار مجلد: 38 من ص 21 سطر 4 الى ص 29 سطر 4 وذراريهم من جبابرة الزمان ، وهذه كلها أسباب يقتضي ( 2 ) انقطاع نظامهم واجتثاث اصولهم وقلة عددهم ، وهم مع ما وصفناه أكثر ذرية أحد من الانبياء والصالحين والاولياء ، بل أكثر من ذراري أحد ( 3 ) من الناس قد طبقوا الارض ( 4 ) بكثرتهم البلاد ، وغلبوا في الكثرة على ذراري أكثر العباد ، هذا مع اختصاص مناكحهم في أنفسهم دون البعداء ، وحصرها في ذوي أنسابهم دنية من الاقرباء ، وفي ذلك خرق العادة على ما بيناه ، وهو دليل الآية الباهرة في أميرالمؤمنين عليه السلام كما وصفناه و بيناه ، وهذا ما لا شبهة فيه والحمد لله ( 5 ) .
7 - م : قال الصادق عليه السلام : إن رسول الله صلى الله عليه واله لما أظهر لليهود ولجماعة من المنافقين المعجزات فقابلوها بالكفر أخبر الله عزوجل عنهم بأنه جل ذكره ختم على قلوبهم وعلى سمعهم ختما يكون علامة لملائكته المقربين القراء لما في اللوح المحفوظ من أخبار هؤلاء المكذبين المذكورين فيه أحوالهم ، حتى إذا نظروا إلى أحوالهم وقلوبهم وأسماعهم وأبصارهم وشاهدوا ما هناك من ختم الله عزوجل عليها ازدادوا بالله معرفة ، وبعلمه بما يكون قبل أن يكون يقينا ، حتى إذا شاهدوا هؤلاء المختوم عليهم وعلى جوارحهم يخبرون على ما قرؤوا من اللوح المحفوظ وشاهدوه في قلوبهم وأسماعهم وأبصارهم ازدادوا بعلم الله عزوجل بالغائبات يقينا ، قال : فقالوا : يا رسول الله فهل في عباد الله من يشاهد هذا الختم كما تشاهده الملائكة ؟ فقال رسول - *

_________________________________________________________
ص 21 ) ( 1 ) في المصدر : من أوطانهم .
( 2 ) " : تقتضى .
( 3 ) " : من ذرارى كل احد .
( 4 ) ليست كلمة " الارض " في المصدر .
( 5 ) الارشاد : 147 و 148 .
*

[ 22 ]

الله صلى الله عليه واله : بلى محمد رسول الله شاهده بإشهاد الله تعالى له ، ويشاهده من امته أطوعهم لله عزوجل وأشدهم جدا في طاعة الله عزوجل وأفضلهم في دين الله عزوجل ، فقالوا : بينه يا رسول الله ، وكل منهم يتمنى أن يكون هو ، فقال رسول الله صلى الله عليه واله : دعوه يكن ممن شاء الله ، فليس الجلالة في المراتب عند الله عزوجل بالتمني ولا بالتظني ولا بالاقتراح ، ولكنه فضل من الله عزوجل على من يشاء يوفقه للاعمال الصالحة يكرمه بها ، فيبلغه أفضل الدرجات وأفضل المراتب ، إن الله تعالى سيكرم بذلك من يريكموه في غد ، فجدوا في الاعمال الصالحة ، فمن وفقه الله لما يوجب عظيم كرامته عليه فلله عليه في ذلك الفضل العظيم .
قال عليه السلام : فلما أصبح رسول الله صلى الله عليه واله وغص مجلسه بأهله وقد جد بالامس كل من خيارهم في خيار عمله وإحسانه إلى ربه قدمه يرجو أن يكون هو ذلك الخير الافضل ، فقالوا : يا رسول الله صلى الله عليه واله من هذا عرفناه بصفته إن لم تنص لنا على اسمه ، فقال رسول الله صلى الله عليه واله : هذا الجامع للمكارم ، الحاوي للفضائل ، المشتمل على الجميل ، قاض عن أخيه دينا مجحفا إلى غريم سغب ( 1 ) غاضب لله تعالى ، قاتل لغضبه ذاك عدو الله ، مستحي من مؤمن معرضا عنه بخجلة ، مكايدا ( 2 ) في ذلك الشيطان الرجيم حتى أخزاه الله عنه ووقى بنفسه نفس عبدالله مؤمن حتى أنقذه من الهلكة ثم قال رسول الله صلى الله عليه واله : أيكم قضى البارحة ألف درهم وسبعمائة درهم ؟ فقال علي بن أبي طالب عليه السلام : أنا يا رسول الله ، فقال رسول الله صلى الله عليه واله : يا علي فحدث إخوانك المؤمنين كيف كانت قصته اصدقك لتصديق الله إياك ، فهذا الروح الامين أخبرني عن الله تعالى أنه قد هذبك عن القبيح كله ، ونزهك عن المساوي بأجمعها وخصك بالفضائل من أشرفها ( 3 ) وأفضلها ، لا يتهمك إلا من كفر به وأخطأ حظ نفسه .
*

_________________________________________________________
ص 22 ) ( 1 ) أجحف به : استأصله .
وسغب سغبا : جاع .
وفى المصدر وهامش ( خ ) : متعنت خ ل .
( 2 ) في ( خ ) : مكابدا .
وكابده أى قاساه وتحمل المشاق في فعله .
( 3 ) في المصدر : من الفضائل بأشرفها .
*

[ 23 ]

فقال علي عليه السلام : مررت البارحة بفلان بن فلان المؤمن ، فوجدت فلانا وأنا أتهمه بالنفاق ، وقد لازمه وضيق عليه ، فناداني المؤمن : يا أخا رسول الله وكشاف الكرب عن وجه رسول الله وقامع أعدائه عن حبيبه أغثني واكشف كربتي ونجني من غمي ، سل غريمي هذا لعله يجيبك ويؤجلني فإني معسر ، فقلت له : الله إنك لمعسر ؟ فقال : يا أخا رسول الله صلى الله عليه واله لان كنت أستحل الكذب فلا تأمنني على يميني أيضا ، فإني معسر وفي قولي هذا صادق ، واوقر الله واجله أن أحلف به صادقا أو كاذبا ، فأقبلت على الرجل فقلت : إنى لاجل نفسي عن أن يكون لهذا علي يد ، وأجلك أيضا عن أن يكون له عليك يد أو منة ، وأسأل مالك الملك ( 1 ) الذي لا يؤنف من سؤاله ولا يستحيى من التعرض لثوابه ، ثم قلت : اللهم بحق محمد وآله الطيبين لما قضيت عن عبدك هذا هذا الدين ، فرأيت أبواب السماء تنادي أملاكها : يا أباالحسن مر هذا العبد ؟ يضرب بيده إلى ما شاء مما بين يديه من حجر ومدر وحصاة وتراب يستحيل في يده ذهبا ، ثم يقضي منه دينه ويجعل ما يبقى نفقته وبضاعته التي يسد بها فاقته ويمون ( 2 ) بها عياله ، فقلت : يا عبدالله قد أذن الله بقضاء دينك وإيسارك بعد فقرك ، اضرب بيدك إلى ما تشاء مما أمامك فتناوله ، فإن الله يحوله في يدك ذهبا إبريزا ، فتناول أحجارا ثم مدرا فانقلبت له ذهبا أحمر ، ثم قلت له : افصل له منها قدر دينه فأعطه ، ففعل ، قلت : فالباقي لك رزق ساقه الله تعالى إليك فكان الذي قضاه من دينه ألفا وسبعمائة درهم ، وكان الذي بقي أكثر من مائة ألف درهم ، فهو من أيسر أهل المدينة .
ثم قال رسول الله صلى الله عليه واله : إن الله يعلم من الحساب ما لا يبلغه عقول الخلق إنه يضرب ألفا وسبعمائة في ألف وسبعمائة ، ثم ما ارتفع من ذلك في مثله إلى أن يفعل ذلك ألف مرة ، ثم آخر ما يرتفع من ذلك عدد ما يهبه الله لك في الجنة من القصور قصر من ذهب وقصر من فضة وقصر من لؤلؤ وقصر من زبرجد وقصر من *

_________________________________________________________
ص 23 ) ( 1 ) ملك الملوك خ ل .
( 2 ) مانه : احتمل مؤنته وقام بكفايته .
*

[ 24 ]

جوهر وقصر من نور رب العزة ، وأضعاف ذلك من العبيد والخدم والخيل والنجب تطير بين السماء الجنة وأرضها ، فقال علي عليه السلام : حمدا لربي وشكرا ، قال رسول الله صلى الله عليه واله : وهذا العدد فهو عدد من يدخلهم الجنة ويرضى عنهم لمحبتهم لك ، و أضعاف هذا العدد من يدخلهم النار من الشياطين من الجن والانس ببغضهم لك و وقيعتهم فيك وتنقيصهم إياك .
ثم قال رسول الله صلى الله عليه واله : أيكم قتل البارحة رجلا غضبا لله ولرسوله ؟ فقال أميرالمؤمنين صلوات الله عليه : أنا ، وسيأتيكم الخصوم الآن ، فقال رسول الله صلى الله عليه واله حدث إخوانك المؤمنين القصة ، فقال علي عليه السلام : كنت في منزلي إذ سمعت رجلين خارج دارى يتدارءان ( 1 ) فدخلا إلي ، فإذا فلان اليهودي وفلان رجل معروف في الانصار ، فقال اليهودي : يا أباالحسن اعلم أنه قد بدت لي مع هذا حكومة فاحتكمنا إلى محمد صاحبكم فقضى لي عليه ، فهو يقول : لست أرضى بقضائه فقد حاف ( 2 ) ومال وليكن بيني وبينك كعب بن الاشرف ، فأبيت عليه ، فقال : أفترضى بعلي ؟ فقلت : نعم ، فها هو قد جاء بي إليك ، فقلت لصاحبه : أكما يقول ؟ قال : نعم ، ثم قلت : أعد علي الحديث ، فأعاد كما قال اليهودي ، ثم قال لي : يا علي فاقض بيننا بالحق ، فقمت أدخل منزلي ، فقال الرجل : إلى أين ؟ قلت : أدخل آتيك بما به أحكم بالحكم العدل ، فدخلت واشتملت على سيفي وضربته على حبل عاتقه ، فلو كان جبلا لقددته فوقع رأسه بين يديه .
فلما فرغ علي عليه السلام من حديثه جاء أهل ذلك الرجل بالرجل المقتول و قالوا : هذا ابن عمك قتل صاحبنا فاقتص منه ، فقال رسول الله صلى الله عليه واله : لا قصاص فقالوا أودية ، فقال رسول الله صلى الله عليه واله : ولا دية لكم ، هذا والله قتيل الله لا يؤدى ، إن عليا قد شهد على صاحبكم بشهادة ، والله يلعنه بشهادة علي ، ولو شهد علي على الثقلين لقبل الله شهادته عليهم ، إنه الصادق الامين ، ارفعوا صاحبكم هذا وادفنوه مع اليهود *

_________________________________________________________
ص 24 ) ( 1 ) تدارء القوم ، تدافعوا في الخصومة .
( 2 ) حاف عليه : جار عليه وظلمه وفى المصدر : خاف .
*

[ 25 ]

فقد كان منهم ، فرفع وإذا أوداجه تشخب دما وبدنه قد كسي شعرا ، فقال علي عليه السلام : يا رسول الله ما أشبهه إلا بالخنزير في شعره ! فقال رسول الله صلى الله عليه واله : يا علي أو ليس لو جئت بعدد كل شعرة منه مثل عدد رمال الدنيا حسنات لكان كثيرا ؟ قال : بلى يا رسول الله ، قال رسول الله صلى الله عليه واله : يا أباالحسن إن هذا القتل الذي قتلت به هذا الرجل قد أوجب الله لك به من الثواب كأنما أعتقت رقابا بعدد رمل عالج الدنيا ، وبعدد كل شعرة على هذا المنافق ، وإن أقل ما يعطي الله بعتق رقبة لمن يهب له بعدد كل شعرة من تلك الرقبة ألف حسنة ، ويمحو عنه ألف سيئة ، فإن لم يكن له فلابيه ، فان لم يكن لابيه فلامه ، فإن لم يكن لها فلاخيه ، فإن لم يكن له فلذويه وجيرانه وقراباته .
ثم قال رسول الله صلى الله عليه واله : أيكم استحيا البارحة من أخ له في الله لما رأى به خلة ثم كايد ( 1 ) الشيطان في ذلك الاخ ولم يزل به حتى غلبه ؟ فقال علي عليه السلام : أنا يا رسول الله ، فقال رسول الله صلى الله عليه واله : حدث به يا علي إخوانك المؤمنين ليتأسوا بحسن صنيعك فيما يمكنهم ، وإن كان أحد منهم لم يلحق شأنك ولم يسبق عبادتك ولا يرمقك في سابقة لك إلى الفضائل إلا كما يرمق الشمس إلى الارض وأقصى المشرق من أقصى المغرب ، فقال علي عليه السلام : مررت بمزبلة بني فلان فرأيت رجلا من الانصار مؤمنا قد أخذ من تلك المزبلة قشور البطيخ والقثاء والتين ، فهو يأكلها من شدة الجوع ، فلما رأيته استحييت من أن يراني فيخجل ، وأعرضت عنه و مررت إلى منزلي وكنت أعددت لفطوري وسحوري قرصين من شعير ، فجئت بهما إلى الرجل فناولته إياهما ، وقلت : أصب من هذا كلما جعت فإن الله عزوجل يجعل البركة فيهما ، فقال : يا أباالحسن أنا اريد أن أمتحن هذه البركة لعلمي بصدقك في قيلك ، إني أشتهي لحم فراخ وأشتهاه على أهل منزلي فقلت : اكسر منه لقما بعدد ما تريده من فراخ ، فإن الله تعالى يقلبها فراخا بمسألتي إياه بجاه *

_________________________________________________________
ص 25 ) ( 1 ) في ( خ ) : كابد .
*

[ 26 ]

محمد وآله الطيبين الطاهرين ، فأخطر الشيطان ببالي فقال : يا أبا الحسن تفعل هذا به ولعله منافق ؟ فرددت عليه وقلت : إن يكن مؤمنا فهو أهل لما أفعل معه وإن يكن منافقا فأنا للاحسان أهل ، فليس كل معروف يلحق مستحقه ، وقلت : أنا أدعوالله بمحمد وآله الطيبين ليوفقه للاخلاص والنزوع عن الكفر إن كان منافقا فإن تصدقي عليه بهذا أفضل من تصدقي عليه بالطعام الشريف الموجب للثروة و الغناء ، وكابدت الشيطان ودعوت الله سرا من الرجل بالاخلاص بجاه محمد وآله الطيبين فارتعدت فرائص الرجل وسقط لوجهه ، فأقمته وقلت ماذا شأنك ؟ قال كنت منافقا شاكا فيما يقوله محمد وفيما تقوله أنت ، فكشف لي الله عن السماوات والارض ( 1 ) فأبصرت كل ما تواعدان من العقوبات ، فذلك حين وقر الايمان في قلبي وأخلص به جناني ، وزال عني الشك الذي كان يعتورني ، فأخذ الرجل القرصين وقلت له : كل شئ تشتهيه فاكسر من القرص قليلا فإن الله يحوله ما تشتهيه وتتمناه وتريده فما زال ذلك يتقلب شحما ولحما وحلوا ورطبا وبطيخا وفواكه الشتاء وفواكه الصيف حتى أظهره الله تعالى من الرغيفين عجبا ، وصار الرجل من عتقاء الله من النار ومن عبيده المصطفين الاخيار فذلك حين رأيت جبرئيل وميكائيل وإسرافيل وملك الموت قد قصد الشيطان كل واحد منهم بمثل جبل أبي قبيس ، فوضع أحدهم عليه يبنيها ( 2 ) بعضهم على بعض فيهشم ، وجعل إبليس يقول : يا رب وعدك وعدك ألم تنظرني إلى يوم يبعثون ؟ فإذا نداء بعض الملائكة : أنظرتك لئلا تموت ما أنظرتك لئلا تهشم و ترضض ، فقال رسول الله صلى الله عليه واله : يا أبا الحسن كما عاندت ( 3 ) الشيطان فأعطيت في الله حين نهاك عنه وغلبته فإن الله يخزي عنك الشيطان وعن محبيك ، ويعطيك في الآخرة بعدد كل حبة مما أعطيت صاحبك وفيما تتمناه الله منه درجة في الجنة أكبر من الدنيا من الارض إلى السماء ، وبعدد كل حبة منها جبلا من فضة كذلك ، و *

_________________________________________________________
ص 26 ) ( 1 ) والحجب خ ل .
( 2 ) ويثنيها خ ل .
ولم نفهم المراد .
( 3 ) في المصدر : كما كايدت .
*

[ 27 ]

جبلا من لؤلؤ وجبلا من ياقوت وجبلا من جوهر وجبلا من نور رب العزة ( 1 ) كذلك وجبلا من زمرد وجبلا من زبرجد كذلك ، وجبلا من مسك وجبلا من عنبر كذلك ، وإن عدد خدمك في الجنة أكثر من عدد قطر المطر والنبات وشعور الحيوانات ، بك يتم الله الخيرات ويمحو عن محبيك السيئات ، وبك يميزالله المؤمنين من الكافرين والمخلصين من المنافقين ، وأولاد الرشد من أولاد الغي .
ثم قال رسول الله صلى الله عليه واله : وأيكم وقى بنفسه نفس رجل مؤمن البارحة ؟ فقال علي عليه السلام : أنا يا رسول الله وقيت بنفسي نفس ثابت بن قيس بن شماس الانصاري فقال رسول الله صلى الله عليه واله : حدث بالقصة إخوانك المؤمنين ولا تكشف عن اسم المنافقين المكايدين لنا ، فقد كفا كما الله شرهم وأخرهم للتوبة لعلهم يتذكرون أو يخشون فقال علي عليه السلام : إني بينا أسيرفي بني فلان بظاهر المدينة وبين يدي بعيدا مني ثابت بن قيس : إذ بلغ بئرا عادية عميقة بعيدة القعر ، وهناك رجال من المنافقين ، فدفعوه ليرموه في البئر فتماسك ثابت ، ثم عاد فدفعه ، والرجل لا يشعر بي حتى وصلت إليه ، وقد اندفع ثابت في البئر ، فكرهت أن أشغل بطلب المنافقين خوفا على ثابت ، فوقعت في البئر لعلي آخذه ، فنظرت فإذا أنا سبقته إلى قعر البئر ، فقال رسول الله صلى الله عليه واله : وكيف لا تسبقة وأنت أرزن منه ، ولو لم يكن من رزانتك إلا ما في جوفك من علم الاولين والآخرين الذي أودع الله رسوله وأودعك رسوله لكان من حقك أن تكون أرزن من كل شئ ، فكيف كان حالك وحال ثابت ؟ قال : يا رسول الله صرت إلى قرار البئر واستقررت قائما وكان ذلك أسهل علي وأخف على رجلي من خطاي التي كنت أخطوها رويدا رويدا ، ثم جاء ثابت فانحدر فوقع على يدي ، وقد بسطتها له ، فخشيت أن يضرني سقوطه علي أو يضره ، فما كان إلا كباقة ريحان تناولتها بيدي ، ثم نظرت فإذا ذاك المنافق ومعه آخران على شفير البئر وهو يقول : أردنا واحدا فصار اثنين ! فجاؤوا بصخرة فيها مائتا من ( 2 ) فأرسلوها علينا ، *

_________________________________________________________
ص 27 ) ( 1 ) العالمين خ ل .
( 2 ) في المصدر و ( خ ) : فيها مقدار مائتى من .
*

[ 28 ]

فخشيت أن تصيب ثابتا فاحتضنته ، وجعلت رأسه إلى صدري وانحنيت عليه ، فوقعت الصخرة على مؤخر رأسي ، فما كانت إلا كترويحة بمروحة ( 1 ) روحت بها في حمارة القيظ ، ثم جاؤوا بصخرة اخرى فيها قدر ثلاثمائة من فأرسلوها علينا ، فانحنيت على ثابت فأصابت مؤخر رأسي ، فكانت كماء صببت على رأسي وبدني في يوم شديد الحر ، ثم جاؤوا بصخرة ثالثة فيها قدر خمسمائة من يد يرونها على الارض لا يمكنهم أن يقلبوها ، فأرسلوها علينا ، فانحنيت على ثابت فأصابت مؤخر رأسي وظهري ، فكانت كثوب ناعم صببته ( 2 ) على بدني ولبسته و تنعمت به ، ثم سمعتهم يقولون : لو أن لابن أبي طالب وابن قيس مائة ألف روح ما نجت واحدة منها من بلاء هذه الصخور ، ثم انصرفوا وقد دفع الله عنا شرهم ، فأذن الله لشفير البئر فانحط ولقرار البئر فارتفع ، فاستوى القرار والشفير بعد بالارض ، فخطونا وخرجنا .
فقال رسول الله صلى الله عليه واله : يا أباالحسن إن الله عزو جل قد أوجب لك بذلك من الفضائل والثواب ما لا يعرفه غيره ، ينادي مناد يوم القيامة : أين محبو علي بن أبي - طالب ؟ فيقوم قوم من الصالحين ، فيقال لهم : خذوا بأيدي من شئتم من عرصات القيامة فأدخلوهم الجنة ، فأقل رجل منهم ينجو بشفاعته من أهل تلك العرصات ألف ألف رجل ، ينادي مناد أين البقية من محبي علي بن أبي طالب ؟ فيقومون مقتصدون ، فيقال لهم : تمنوا على الله عزوجل ما شئتم ، فيتمنون فيفعل بكل واحد منهم ما تمنى ، ثم يضعف له مائة ألف ضعف ، ثم ينادي مناد : أين البقية من محبي علي بن أبي طالب ؟ فيقوم قوم ظالمون لانفسهم معتدون عليها ، فيقال : أين المبغضون لعلي بن أبي طالب ؟ فيؤتى بهم جم غفير وعدد عظم كثير ، فيقال : ألا نجعل كل ألف من هؤلاء فداء لواحد من محبي علي بن أبي طالب عليه السلام ليدخلوا *

_________________________________________________________
ص 28 ) ( 1 ) روح عليه بالمروحة : حرك يده بها يستجلب له الريح .
والمروحة آلة تحرك بها الريح عند اشتداد الحر .
( 2 ) أى لبسته .
*

[ 29 ]

الجنة ، فينجي الله عزوجل محبيك ويجعل أعداءهم فداءهم .
ثم قال رسول الله صلى الله عليه واله : هذا الافضل الاكرم ، محبه محب الله ومحب رسوله ومبغضه مبغض الله ومبغض رسوله ، هم خيار خلق الله من امة محمد صلى الله عليه واله .
ثم قال رسول الله صلى الله عليه واله لعلي عليه السلام : انظر فنظر إلى عبدالله بن ابي وإلى
-بحار الانوار مجلد: 38 من ص 29 سطر 5 الى ص 37 سطر 5 سبعة نفر من اليهود ، فقال : قد شاهدت ختم الله على قلوبهم وعلى سمعهم وعلى أبصارهم ، فقال رسول الله صلى الله عليه واله : أنت يا علي أفضل شهداء الله في الارض بعد محمد رسول الله ، قال : فذلك قوله : " ختم الله على قلوبهم وعلى سمعهم وعلى أبصارهم غشاوة ( 1 ) " تبصرها الملائكة فيعرفونهم بها ، ويبصرها رسول الله صلى الله عليه واله ويبصرها خير خلق الله بعده علي بن أبي طالب عليه السلام ثم قال : " ولهم عذاب عظيم ( 2 ) " في الآخرة بما كان من كفرهم بالله وكفرهم بمحمد رسول الله صلى الله عليه واله ( 3 ) .
بيان : قد مضى تمام الخبر في باب هداية الله وإضلاله وباب نوادر معجزات الرسول صلى الله عليه واله ، والذهب الابريز بالكسر : الخالص ، والباقة : الحزمة ( 4 ) من بقل والحمارة بتخفيف وتشديد الراء : شدة الحر .
8 - م : قال علي بن محمد عليهما السلام : لما رجع أميرالمؤمنين من صفين - وسقى القوم من الماء التي تحت الصخرة التي قلبها - ليقعد ( 5 ) لحاجته فقال بعض منافقي عسكره سوف أنظر إلى سوأته وإلى ما يخرج منه ، فإنه يدعي مرتبة النبي صلى الله عليه واله لاخبر أصحابي بكذبه ، فقال علي عليه السلام لقنبر : يا قنبر اذهب إلى تلك الشجرة وإلى التي تقابلها - وقد كان بينهما أكثر من فرسخ - فنادهما أن وصي محمد يأمر كما أن تتلاصقا فقال قنبر : يا أميرالمؤمنين أو يبلغهما صوتي ؟ قال علي عليه السلام : إن الذي يبلغ بصر عينك السماء وبينك و بينها مسيرة خمسمائة عام سيبلغهما صوتك ، فذهب قنبر فنادى فسعت *

_________________________________________________________
ص 29 ) ( 1 و 2 ) سورة البقرة : 7 .
( 3 ) تفسير الامام : 36 - 41 .
( 4 ) بتقديم المهملة على المعجمة أى ماشد .
( 5 ) في المصدر : ذهب ليقعد اه .
*

[ 30 ]

إحداهما إلى الاخرى سعي المتحابين طالت غيبة أحدهما عن الآخر واشتد شوقه وانضما ، فقال قوم من منافقي العسكر : إن عليا يضاهي في سحره رسول الله ابن عمه ! ما ذاك رسول الله ولا هذا إمام ، وإنما هما ساحران ! لكنا سندور من خلفه فننظر إلى عورته وما يخرج منه ، فأوصل الله عزو جل ذلك إلى اذن علي من قبلهم فقال جهرا : يا قنبر إن المنافقين أرادوا مكايدة وصي رسول الله صلى الله عليه واله وظنوا أنه لا يمتنع منهم إلا بالشجرتين ، فارجع إليهما - يعني الشجرتين - فقل لهما : إن وصي رسول الله صلى الله عليه واله يأمر كما أن تعودا إلى مكانكما ، ففعل ما أمره به فانقلعتا وعدت ( 1 ) كل واحدة تفارق الاخرى كهزيمة الجبان من الشجاع البطل ، ثم ذهب علي عليه السلام ورفع ثوبه ليقعد ، وقد مضى من المنافقين جماعة لينظروا إليه ، فلما رفع ثوبه أعمى الله تعالى أبصارهم فلم يبصروا شيئا ، فولوا عنه وجوههم فأبصروا كما كانوا يبصرون ، فنظروا إلى جهته فعموا ، فما زالوا ينظرون إلى جهته ويعمون ويصرفون عنه وجوههم ويبصرون إلى أن فرغ علي عليه السلام وقام ورجع ، وذلك ثمانون مرة من كل واحدة .
ثم ذهبوا ينظرون ما خرج عنه فاعتقلوا في مواضعهم فلم يقدروا أن يروها ، فإذا انصرفوا أمكنهم الانصراف ، أصابهم ذلك مائة مرة حتى نودي فيهم بالرحيل ، فرحلوا وما وصلوا إلى ما أرادوا من ذلك ، ولم يزدهم ذلك إلا عتوا وطغيانا وتماريا في كفرهم وعنادهم .
فقال بعضهم لبعض : انظروا إلى هذا العجب من هذه آياته و معجزاته ويعجز ( 2 ) عن معاوية وعمرو ويزيد ! فنظروا ، فأوصل الله عزوجل ذلك من قبلهم إلى اذنه فقال علي عليه السلام : يا ملائكة ( 3 ) ايتوني بمعاوية وعمرو ويزيد ، فنظروا في الهواء فإذا ملائكة كأنهم السودان قد علق كل واحد منهم بواحد ، فأنزلوهم إلى حضرته فإذا أحدهم معاوية والآخر عمرو والآخر يزيد ، فقال علي عليه السلام : تعالوا فانظروا *

_________________________________________________________
ص 30 ) ( 1 ) في المصدر : وعادت .
( 2 ) " : يعجز .
( 3 ) " : يا ملائكة ربى .
*