(أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام

لقد كانت خطورة الموقف من نفوذ بني اُميّة في مراكز الدولة وطمعهم الشديد للسلطان في حالة من غياب الوعي الرسالي في المجتمع.
وما أن أقبل الصباح حتى حفّت الجماهير بالإمام ((عليه السلام)) تسير نحو المسجد، فاعتلى المنبر وخاطب الجماهير: «يا أيّها الناس، إنّ هذا أمركم ليس لأحد فيه حقّ إلاّ من أمَّرْتُم، وقد افترقنا بالأمس وكنت كارهاً لأمركم، فأبيتم إلاّ أن أكون عليكم، ألا وأنّه ليس لي أن آخذ درهماً دونكم، فإن شئتم قعدت لكم، وإلاّ فلا آخذ على أحد...».
فهتفت الجماهير بصوت واحد: نحن على ما فارقناك عليه بالأمس.. وقالوا: نبايعك على كتاب الله، فقال ((عليه السلام)): اللّهمّ اشهد عليهم(1).
وتدافع الناس كالموج المتلاطم الى البيعة، فكان أوّل من بايع طلحة بيده الشلاّء والذي سرعان ما نكث بها عهد الله وميثاقه، وجاء بعده الزبير فبايع، ثمّ بايعه أهالي الأمصار وعامّة الناس من أهل بدر والمهاجرين والأنصار عامّة.
كانت بيعة الإمام عليّ ((عليه السلام)) أول حركة انتخاب جماهيرية، ولم يحضَ أحد من الخلفاء بمثل هذه البيعة، وبلغ سرور الناس ببيعتهم أقصاه، فقد أطلّت عليهم حكومة الحقّ والعدل، وتقلّد الخلافة صاحبها الشرعي ناصر المستضعفين والمظلومين، وفرحت الاُمّة بقبول الإمام للخلافة كما وصف الإمام ((عليه السلام)) ذلك بقوله: «وبلغ سرور الناس بيعتهم إيّاي أن ابتهج بها الصغير، وهَدَجَ اليها الكبير، وتحامل نحوها العَليل، وحَسَرَت إليها الكِعاب»(2).


(1) أنساب الأشراف: 5 / 22.
(2) نهج البلاغة: الكلمة (229).

اللاحق   السابق   فهرست الكتاب   كتب متفرقة