(أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام

والاُمّة تردّياً، وتجذّرت فيها مشاكل تستعصي دون النجاح في المسيرة، فقال لهم: «لا حاجة لي في أمركم فمن اخترتم رضيت به». وقال ((عليه السلام)): «إنّي لكم وزير خير من أن أكون أميراً»(1).
وأوضح لهم الإمام ((عليه السلام)) عمّا سيجري فقال: «أيّها الناس، أنتم مستقبلون أمراً له وجوه وألوان، لا تقوم به القلوب، ولا تثبت له العقول»(2) وأمام إصرار الجماهير على توليته الأمر قال لهم: «إنّي إن أجبتُكم ركبتُ بكم ما أعلم... وإن تركتموني فإنّما أنا كأحدكم، ألا وإني من أسمعكم وأطوعكم لمن ولّيتموه امركم»(3).. وتكاثرت جموع الناس نحو الإمام وقد وصف ((عليه السلام)) توجّههم نحوه مطالبين قبوله بالخلافة بقوله: «فما راعني إلاّ والناس كعرف الضبع ينثالون عليَّ من كلّ جانب حتى لقد وطئ الحسنان وشقّ عطفاي مجتمعين حولي كربيضة الغنم»(4).
لم يكن الإمام حريصاً على السلطان، بل كان حرصه أن ينقذ ما بقي من الاُمّة، وأن يحافظ على الشريعة الإسلامية نقيةً من الشوائب والبدع، فَقبِلَ أن يتولّى أمر الخلافة ولكنّه أخَّر القبول الى اليوم الثاني، وأن تكون بيعة الجماهير علنيةً في المسجد رافضاً بذلك اُسلوب بيعة السقيفة والتوصية والشورى، وفي الوقت ذاته ليعطي الاُمّة فرصةً اُخرى كي تمتحن عواطفها وقرارها في الخضوع له، فقد ضَيَّعَتْ فيما سبق نصوص النبيّ ((صلى الله عليه وآله وسلم)) على خلافته فانحرفت. ومن هنا قال ((عليه السلام)): «والله ما تقدّمت عليها ـ أي الخلافة ـ إلاّ خوفاً من أن ينزوِ على الاُمّة تيسٌ علج من بني اُميّة فيلعب بكتاب الله عز وجل»(5).


(1) تأريخ الطبري: 5 / 448.
(2) و (3) نهج البلاغة: الكلمة (92).
(4) نهج البلاغة: الخطبة (3) المعروفة بالشقشقية.
(5) عن أنساب الأشراف 1 : ق 1 / 157 .

اللاحق   السابق   فهرست الكتاب   كتب متفرقة